
من يحمي (الريال اليمني) من أهله!؟.. معركة البنك المركزي التي يجب ان ينتصر فيها
المواطن المضارب
أوضح البنك المركزي في تعميمه الصادر اليوم بتاريخ 4 أغسطس 2025 أن السقف الأعلى لأي عملية صرف أو تحويل خارجي لأغراض شخصية لا يجوز أن يتجاوز 2000 دولار أمريكي للفرد الواحد، مع اشتراط تقديم وثائق رسمية تُثبت الحاجة للعملة الصعبة (مثل تذكرة سفر، تأشيرة، تقرير طبي، خطاب قبول جامعي…).
ويشير مراقبون اقتصاديون إلى أن هذا التقييد الصارم لا يستهدف المواطن العادي بقدر ما يهدف إلى كبح السلوك المضاربي الفردي، والذي بات يوازي في أثره أنشطة شركات صرافة ضخمة كانت تستغل الطلب المرتفع لشراء الدولار بهدف تحقيق أرباح سريعة، ما تسبب بتآكل الريال اليمني في السوق المفتوحة.
البنك: لا فرق بين المواطن المضارب وشبكات السوق السوداء
وقال مصدر في البنك المركزي – فضّل عدم ذكر اسمه – إن 'كل من يشتري الدولار بغرض الادخار أو التربح خارج الحاجة الشخصية الواقعية، يسهم في خلق طلب وهمي على العملة الأجنبية ويُضعف الريال بشكل مباشر'، مضيفًا أن هذا السلوك 'لا يقل خطرًا عن المضاربة التي تمارسها بعض شركات الصرافة'.
وفي هذا السياق، نبّه التعميم الرسمي إلى أن تكرار صرف مبالغ صغيرة تحت الحد القانوني، أو توزيع المبالغ على عدة أفراد لتجاوز السقف المحدد، يُعد مخالفة صريحة قد تُعرّض صاحبها للمساءلة القانونية.
الريال اليمني بين سندان السوق ومطرقة السلوكيات الفردية
شهد الريال اليمني خلال الفترة الماضية موجات تراجع حادة أمام العملات الأجنبية، لا سيما في السوق الموازي، وسط ضعف الرقابة وتزايد سلوكيات المضاربة، سواء من جهات مرخصة أو من مواطنين يعتقدون أن تحويل مدخراتهم إلى الدولار أو الريال السعودي هو الوسيلة الآمنة لمواجهة التضخم أو الانهيار.
لكن الاقتصاديين يرون أن هذا النوع من التصرفات، وإن بدا منطقيًا على مستوى الفرد، يُنتج آثارًا جماعية كارثية تؤدي إلى تفاقم الوضع الاقتصادي، خاصة في بلد يعاني من شح في النقد الأجنبي ويعتمد على الاستيراد بنسبة تفوق 85% من احتياجاته.
فوضى الأسعار.. المواطن يدفع الثمن مرتين
حين يسعى المواطن لتحويل ما بحوزته من ريال يمني إلى ريال سعودي بدافع الحذر أو الهروب من تذبذب السوق، فإنه لا يدرك أنه يُشعل فتيل أزمة أوسع، تتجاوز حساباته الشخصية لتصل إلى موائد الجميع.
فهذا السلوك المتكرر، من آلاف الأفراد، يُولّد طلبًا مُفرطًا على العملة السعودية في السوق المحلي، فيرفع من سعرها، ويخلق فجوة وهمية بين العرض والطلب. ومع هذا الارتفاع المصطنع، تسارع الأسواق إلى تعديل أسعار السلع المستوردة والمُسعّرة بالريال السعودي، فترتفع الأسعار، وتتآكل القدرة الشرائية للمواطنين، حتى لأولئك الذين لم يقتربوا من سوق الصرف قط.
إن تحويل الريال اليمني إلى الريال السعودي من غير ضرورة حقيقية، لا يُمثل فقط خطرًا على استقرار العملة، بل يربك سلاسل التسعير والتوريد، ويجعل التاجر في حال ترقب، والمستهلك في حال استنزاف دائم.. وهكذا، يظن المواطن أنه يحمي نفسه من الغلاء، لكنه في الحقيقة يساهم بصناعته. يدٌ تصرف، وعينٌ تشتكي، و'السلعة' هي الضحية بين كفّين متناقضين.
الوعي النقدي مسؤولية وطنية
في ظل هذه الإجراءات، يدعو البنك المركزي من خلال التعميم المواطنين إلى التعامل بعقلانية ومسؤولية مع ملف الصرف، وعدم الانجرار وراء الشائعات أو التوجهات الفردية التي قد تبدو رابحة على المدى القصير، لكنها تُسهم في تفخيخ الاقتصاد المحلي على المدى البعيد.
كما شدد التعميم على ضرورة التزام شركات ومنشآت الصرافة بالإفصاح الكامل عن العمليات اليومية، وإرسال التقارير المفصلة للبنك المركزي عند الساعة العاشرة صباحًا من كل يوم عمل، ملوحًا بعقوبات صارمة للمخالفين، سواء كانوا جهات مرخصة أو أفرادًا.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سعورس
منذ 17 دقائق
- سعورس
تايوان تقول إنّ رقائق شركة "تي إس إم سي" معفاة من الرسوم الجمركية الأميركية الإضافية
وقال مدير المجلس الوطني للتنمية ليو تشين-تشينغ خلال جلسة استماع أمام البرلمان في تايبيه إنّه "باعتبارها أكبر مصدّر في تايوان ولديها مصانع في الولايات المتحدة ، فإن شركة +تي إس إم سي+ معفاة". وأضاف أن بقية شركات تصنيع الرقائق التايوانية"ستتأثر" بقرار ترامب فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 100% على صادراتها إلى الولايات المتحدة. وتابع المسؤول التايواني"سنواصل مراقبة الوضع واقتراح تدابير تخفيفية على المديين القصير والمتوسط". ويتّهم ترامب تمنذ أشهر ايوان بتخريب صناعة أشباه الموصلات الأميركية. ولحماية نفسها بصفتها أكبر شركة مصنّعة للرقائق في العالم من إجراءات ترامب، أعلنت "تي إس إم سي" في مارس أنّها ستستثمر في الولايات المتّحدة مبلغا ضخما قدره 100 مليار دولار في لبناء مصانع في هذا البلد. وتنتج الشركة التايوانية رقائق تُستخدم في كل شيء تقريبا، من هواتف آيفون من آبل إلى معدات الذكاء الاصطناعي المتطورة من إنفيديا.


الحدث
منذ 2 ساعات
- الحدث
الكوارث الطبيعية تتسبب في خسائر اقتصادية بـ135 مليار دولار في النصف الأول من 2025
كشفت شركة إعادة التأمين السويسرية "سويس ري" أن الكوارث الطبيعية تسببت في خسائر اقتصادية عالمية بلغت 135 مليار دولار خلال النصف الأول من عام 2025، بزيادة عن 123 مليارًا في الفترة نفسها من العام الماضي. حرائق لوس أنجلوس في الصدارة أوضحت الشركة في بيانها أن الأضرار تفاقمت بسبب حرائق الغابات في لوس أنجلوس والعواصف الشديدة في الولايات المتحدة. وقد رفعت هذه الأحداث فواتير شركات التأمين للكوارث الطبيعية إلى 80 مليار دولار ، مقارنة بـ62 مليارًا في النصف الأول من عام 2024. تعتبر حرائق لوس أنجلوس أكبر حادث حريق غابات مؤمن عليه على الإطلاق، بخسائر بلغت 40 مليار دولار. وتُعزى هذه "الخسائر الاستثنائية" إلى طول أمد الرياح، وقلة الأمطار، بالإضافة إلى أن المنطقة تُعد من بين الأكثر كثافة من حيث المباني السكنية عالية القيمة. جهود الوقاية والتكيف: أشار كبير خبراء الاقتصاد في مجموعة "سويس ري"، جيروم هيغلي ، إلى أن "الوسيلة الأنجع لتعزيز تحمّل وسلامة المجتمعات هي التركيز على الوقاية والتكيّف". وشدد على أن أبحاث الشركة تشير إلى أن تدابير الحماية من الفيضانات، مثل بناء السدود، مجدية اقتصاديًا بما يصل إلى عشر مرات أكثر من عمليات إعادة البناء بعد الكارثة.


الأمناء
منذ 3 ساعات
- الأمناء
الريال اليمني بين مطرقة المواطن المضارب وسندان التاجر (المتريث والجشع)
تقرير / محمد حسين الدباء: عندما تنفّس الريال اليمني شيئًا من الصعداء، بعد هبوطٍ مفاجئ في أسعار صرف العملات الأجنبية، وُجدت الأسواق في حالة من الذهول والترقّب، لكن ما كان يُفترض أن يكون بارقة أمل، تحوّل إلى اختبار حقيقي لضمير السوق ووعي المجتمع.. فهل حقًا انخفض الدولار أم ارتفع الجشع؟ وهل بدأ التعافي النقدي أم استعدّت الأيادي لنهشه من جديد؟!.. في هذا التقرير، نغوص في تفاصيل الانخفاض، ونكشف كيف أربك التجار والمستوردين، ونتلمّس الطريق نحو الحل: وعي نقدي يُمارس لا يُقال، ومسؤولية وطنية تبدأ من الجيب وتنتهي عند الضمير. في لحظة غير متوقعة ولم يحسب لها المواطن أو حتى الحكومة حساب، انخفضت أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني بشكل ملحوظ، مثيرةً تساؤلات وذهولاً في الشارع اليمني. وبين من هلّل للهبوط، ومن سارع لتصريف ما لديه من عملات صعبة، يقف الاقتصاد الوطني في مفترق طريق: (إما أن يكون المواطن جزءًا من الحل، أو يكون أحد أبرز أسباب الانتكاسة). إن مثل هذه التقلبات الحادة في سوق الصرف لا تُعدّ مؤشرًا على تعافٍ اقتصادي حقيقي بقدر ما تعكس هشاشة السوق وتقلّب العوامل النفسية والمضاربية، لكن الأخطر من ذلك، هو ردّة فعل المواطن نفسه تجاه هذه الظواهر، حين يتحول إلى متعامل انتهازي، يلهث وراء الربح اللحظي، ويضاعف من تقلب السوق. الوعي النقدي في دول العالم، تقف المجتمعات الواعية أمام أزمات العملة كجبهة وطنية واحدة، أما في اليمن، فإن تكرار حالة الهلع من الصرف صعودًا أو هبوطًا، وتحويل كل نزول مفاجئ إلى سباق لتصريف العملة الأجنبية أو إعادة شرائها لاحقًا، يُسهم في خلق بيئة مالية مضطربة لا تستقر على حال. الوعي النقدي ليس مجرد معرفة بسعر الصرف، بل هو سلوك اقتصادي رشيد، يدرك أن المضاربة لا تنفع أحدًا، وأن السوق الذي نعبث به جميعًا سيتحوّل في النهاية إلى عبء على الجميع. لقد أثبتت التجربة، أن جزءًا كبيرًا من تدهور العملة المحلية سببه المواطن العادي، حين يتعامل مع سوق الصرف كمنصة للمقامرة، لا كوسيلة لشراء حاجة مشروعة، فنزول سعر الصرف لا يعني أنك خسرت، بل قد يكون فرصة للوطن ليستقر فلا تُفشِلها بخوفك أو طمعك. إن تحويل الريال اليمني إلى دولار أو ريال سعودي بدافع "التحوّط" أو "الربح المستقبلي"، يُنتج طلبًا وهميًا، يُشعل السوق من جديد، ويعيد المضاربة إلى الواجهة، فتعود الأسعار للارتفاع، وتُدفن الفرصة التي كانت تلوح في الأفق. مسؤولية الجميع لقد أكد البنك المركزي مرارًا، أن ضبط السوق لا ينجح بالقوانين وحدها، بل يتطلب تعاون المجتمع، وتحلّيه بالوعي النقدي والانضباط السلوكي، فحين تُحجم عن شراء العملة الأجنبية دون حاجة، فأنت تساعد في تثبيت السعر، وحين تمتنع عن المضاربة، فأنت ترفع شأن الريال لا سعر الدولار. نزول وسط هشاشة سوق ورقابة حكومية سجل الريال اليمني تحسّنًا نسبيًا أمام الدولار، حيث هبط سعر الصرف إلى نحو 1,800 ريال للدولار بعد أن كان قد تجاوز 2,800 ريال، لكن هذا النزول، وإن بدا واعدًا، لا يُعد انعكاسًا حقيقيًا لانخفاض دائم أو تحسن اقتصادي مؤسّس؛ فالعملة ظلت عرضة لتقلبات حتى كتابة التقرير هذا. ردة فعل التجار... بين التريث والجشع في مواجهة الانخفاض المفاجئ في سعر صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني، لم تكن ردة فعل التجار موحّدة أو تلقائية، بل اتخذت طابعًا مركبًا ومعقدًا يكشف كثيرًا عن المزاج العام في السوق ودرجة الثقة في استقرار الاقتصاد الوطني، فبين من استقبل النزول بالتريث في اتخاذ قرار التسعير، وبين من اختار أن يمضي في الجشع رغم المؤشرات الإيجابية؛ تعددت ردود الفعل، وتقلّبت معها نبضات السوق بين الشلل المؤقت والاحتقان الخفي. التاجر المتريث فئة واسعة من التجار آثرت التريث المحسوب، متوقعة استمرار النزول بشكل تدريجي، ما دفعها إلى تجميد البيع مؤقتًا، وتأخير التسعيرات الجديدة، بانتظار صورة أوضح للمشهد المالي، هذه الفئة تمارس ما يمكن وصفه بـ"التحفظ الوقائي"، وهو سلوك أقرب للحياد، لكنه لا يخلو من أثر سلبي على حركة السوق والتوفر العام للسلع. التاجر الجشع أما الفئة الثالثة، فقد وجدت في النزول المفاجئ فرصة للربح السريع، فتمسّكت بالأسعار القديمة دون أي تعديل، بل واستغلت تردد السوق وغياب الرقابة لتوسيع هامش الربح. إنها فئة لا تؤمن بالاستقرار، ولا ترى في العملة الوطنية إلا فرصة مؤقتة للاستغلال، فحتى في زمن التحسن، تمارس الجشع بذات الشراسة التي اعتادت عليها في أوقات الانهيار. وما بين هؤلاء وأولئك، يبقى المواطن العادي هو الخاسر الأكبر. إذ لم يجد في نزول الصرف متنفسًا حقيقيًا من الغلاء، بل وجد نفسه محاصرًا بين سعر صرف منخفض، وسلع لا تنخفض أسعارها، وسوق ترفض أن تستجيب إلا لمصالحها الخاصة.