logo
الدولة والجماعة وتبادل الأدوار

الدولة والجماعة وتبادل الأدوار

جريدة الاياممنذ 7 أيام
في ردهم على قرار الحكومة الأردنية بحلّ جماعة الإخوان المسلمين، وجّه نشطاء اتهامهم للحكومة (ولكافة الأنظمة) أنها تشن حرباً على الإسلام، وتستهدف العقيدة.. إلخ، فهل هذا الادعاء صحيح؟ وهل هناك فرق أساساً بين الدول العربية والحركات الإسلامية من ناحية استخدام وتوظيف الدين؟
بحسب نصر حامد أبو زيد، فإن الفرق بين جماعات الإسلام السياسي والدول العربية فيما يتعلق بالتطرف والتشدد والمفاهيم الرجعية هو فرق وهمي، فرق في درجة التشدد وكيفية إظهاره، وفي الأسلوب والأدوات.. لكن النتيجة واحدة، إخضاع المجتمع لمفهوم مغاير للدين يخدم الطرفين، بحيث يجر المجتمع إلى حالة دينية مغرقة في التدين الشكلي والشعارات الغيبية والتشدد في قضايا لم يرد ذكرها لا في الكتاب ولا في السنة، ولم يطلبها الدين أساساً.
في الحقيقة، إن ظاهرة أحزاب الإسلام السياسي جزء من ظاهرة أكبر وأشمل، تشترك فيها الدولة ومؤسساتها الرسمية والتعليمية والمدنية وحتى الجماهير أنفسهم، يشتركون جميعاً في المفاهيم والخطاب الديني السائد، هم متشابهون فكرياً وثقافياً ودينياً، الخلاف فقط سياسي وحزبي وعلى السلطة، جميعهم يرجع إلى نفس المصادر الفكرية والفقهية والأدلة الشرعية سواء المتطرفون أو من يوُصفون بالمعتدلين؛ في الجوهر لا فرق بين خطاب داعش وجبهة النصرة، وبين الإخوان المسلمين وحزب التحرير، وبين الخطاب الديني الرسمي.. الاعتراض على داعش لأنها طبقت أفكارها بشكل مستفز ومتوحش ومبالَغ فيه، والاعتراض على الإخوان أو على أي حزب ديني آخر هو اعتراض سياسي له علاقة بالسلطة والانتخابات والنفوذ والهيمنة على عقول الجماهير، أو بالتحالفات السياسية الإقليمية وأجندة الممولين. أو هو خلاف على تأويل الدين ومن يحتكر تمثيله، وتعبيراً عن هذا الخلاف يتهم رجال الدين الرسميين رموز الجماعات الإسلامية بأنهم متطرفون وإرهابيون، فيما تتهم تلك الجماعات رجال الدين الرسميين بأنهم فقهاء سلاطين، ومتملقون، أو حتى منافقون.
في الواقع الدولة (لا أقصد الأردن تحديداً، فهذا ينطبق على جميع الدول) لا تحارب الإسلام كدين وعقيدة وشعائر وعبادات وثقافة شعبية.. ليس للدول أي اعتراض على أركان الإسلام وأركان الإيمان ومفاهيم العقيدة وجميع الطقوس الدينية، ولا تمنع أحداً من ممارسة تدينه، الدولة همّها الأول والأهم البقاء والحفاظ على مصالحها وحدودها وأمنها ونظامها.. وما عدا ذلك تفاصيل هامشية.
تاريخياً، كانت الدولة تحتمي بالجماعات الدينية وبتحالفها مع رجال الدين وبتأويلها الخاص للدين وباحتكارها له، وكان هذا السبب الأقوى والأهم لبقاء الدول واستمرارها، وكانت المؤسسة الدينية المستفيد الأول، وظل التعايش بينها قائماً. وحالة التوافق أو تبادل الأدوار التي كانت قائمة ومستقرة في تنظيم هذه العلاقة لا يمكن أن تستمر للأبد، ولا بد من إعادة تشكيلها من حين إلى حين وفقاً للطرف الأقوى.
الدولة هي التي ترعى المساجد مثلاً، فهي تتدبر كافة مصاريفها (من خلال وزارة الأوقاف) كالبناء، والمصاريف التشغيلية، ورواتب العاملين فيها، مثل خطيب صلاة الجمعة، الإمام، المؤذن، الحارس.. ودون الدولة (أو على الأقل موافقتها) لا يستطيع الأهالي بناء المساجد والإنفاق عليها.. ولا يبدو واضحاً هل تفعل الدولة ذلك لوجه الله، وإيماناً منها بأهمية المسجد بالنسبة لكل مسلم أم لأغراض أخرى؟
لكن من الواضح أن الدولة تريد إبقاء سيطرتها على المسجد، فتحدد لخطيب الجمعة موضوع الخطبة، وتراقب أنشطة المسجد ورواده، وستفصل أو تعتقل أي موظف يتبع الأوقاف أو أي شخص إذا ما خرج عن خط الدولة السياسي والأمني.
مع ذلك، في العديد من المناطق فقدت الدولة سيطرتها الكاملة على المسجد، وسمحت لجماعة دينية ما تولي السيطرة عليه، أو أنها أُرغمت على ذلك، ولكن لنبحث عن أسباب الخلاف.
الأمر ذاته ينطبق على لجان الزكاة والمؤسسات الإعلامية والجمعيات الخيرية التي تتبع الجماعات الإسلامية، التي تشكل اقتصاداً موازياً وضخماً وقائماً بذاته، في كثير من الأحيان لا يخضع لرقابة الدولة، وتستخدم الجماعات تلك الجمعيات في استقطاب الأتباع وكسب شعبيتها التي ما أن تتضخم حتى تبدأ في ابتزاز الدولة، والاستفادة منها في الانتخابات.
أيضاً رياض الأطفال ودور القرآن الكريم، التي تستخدمها في استقطاب الأطفال والفتية والشبان وتستغلهم فيما بعد لتنفيذ قراراتها باندفاع ودون سؤال.
الدولة لا تكتف بالمشاركة في الاحتفالات والمناسبات الدينية، بل تشارك في محاربة حالات التنوير، وتعتقل أي مفكر يخرج عن السياق التقليدي أو يأتي بفلسفة دينية حداثية، وتمنع أي عمل فني أو أدبي يطرح مفهوماً تحررياً تقدمياً منفلتاً عن ضوابط السلفية، لا بل أحياناً تجابه المظاهر المدنية العلمانية الطبيعية التي يصنفها فقهاء التشدد والسلفية بأنها خارجة عن الدين، مثل أزياء النساء، والحريات الشخصية، وحتى سن قوانين غير عصرية متشددة تعود لبيئة القرن الثاني الهجري مثل قوانين الأحوال الشخصية وقوانين الأسرة، فضلاً عن تمسكها بالمناهج الدراسية التي وضعها الإخوان والقوى السلفية الأخرى، ورعايتها «كليات الشريعة» المصدر الأهم للفكر الديني السياسي، ومنبع رجال الدين الرسميين والجهاديين، ورعايتها كافة المؤسسات الإعلامية التي تروّج لخطاب التشدد وخطاب الإسلام السياسي.
ما حدث فعلياً أن الدول صارت تزاود على الجماعات الإسلامية بالتطرف والتشدد وإغراق المجتمع بالمفاهيم الدينية، في الأردن ظل التحالف بين النظام والإخوان المسلمين منذ أربعينيات القرن الماضي حتى العقد الأخير، حين بدأت تظهر معالم التشقق والخلاف والصراع.. في سورية أيام بشار، وقد يستغرب القارئ مدى حرص النظام آنذاك على إتاحة المجال لنمو وازدهار الخطاب الديني المتشدد، وإتاحة المجال للقوى الجهادية والسلفية لممارسة أنشطتها، حتى على حساب القوى العلمانية (بصرف النظر عن النوايا والأهداف) كانت النتيجة واحدة والممارسة واحدة.. في مصر بدأت هذه العلاقة وتبادل المصالح منذ بداية عهد السادات.. في السودان طبق نظام النميري الشريعة قبل البشير.
ما حصل لاحقاً أن بعض الدول بعد أن اهتزت أنظمتها اعتقدت أن المزاودة على الإسلاميين سيجعلها تكسب الشعب، وأنَّ قمع الجماعات الإسلامية سيساهم في الحد من التطرف، وسيجعلها قادرة على تصدير نسخة معدلة من الدين بتأويل خاص يمكنها من الاستمرار والبقاء. وقد تبين أن هذا الرهان خاسر ويأتي بنتائج معاكسة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

صرخة الميادين لنصرة غزة.. لماذا لا تستجيب الدول العربية لصوت شعوبها؟
صرخة الميادين لنصرة غزة.. لماذا لا تستجيب الدول العربية لصوت شعوبها؟

فلسطين أون لاين

timeمنذ 5 أيام

  • فلسطين أون لاين

صرخة الميادين لنصرة غزة.. لماذا لا تستجيب الدول العربية لصوت شعوبها؟

غزة/ محمد أبو شحمة رغم الزخم العربي الكبير الداعم لغزة، والتظاهرات التي اجتاحت العديد من العواصم العربية، فإن استجابة الأنظمة لهذا الحراك الشعبي بقيت محدودة، بل تكاد تكون شكلية في بعض الحالات. وشهدت شوارع عواصم عربية كصنعاء، وعمان، الرباط، تونس، حشودًا ضخمة تطالب بكسر الحصار عن غزة وفتح المعابر وإيصال المساعدات دون شروط. ورفعت التظاهرات الشعارات المناهضة للتطبيع، والمنددة بالمواقف الرسمية المتراخية، إلا أن أغلب الأنظمة تعاملت مع هذا الحراك إما بالصمت أو القمع المحدود. معظم الأنظمة اكتفت بإصدار بيانات إدانة ووعود بدعم غزة، دون اتخاذ خطوات عملية حقيقية. لم تفتح المعابر بشكل دائم، ولم تُفعّل أدوات الضغط السياسي والاقتصادي على المجتمع الدولي أو الاحتلال. الكاتب والمحلل السياسي علي أبو رزق أكد أن هناك عدة طرق لدى الأنظمة لمساندة غزة لو توفرت الإرادة السياسية لديها. وقال أبو رزق في حديثه لـ "فلسطين أون لاين": "الأنظمة العربية لم تنظر للمعركة الحالية أنها لحركة تحرر وطني تريد تنتزع حريتها من الاحتلال ولكنهم ينظرون اليها أنها حرب ضد معقل من معاقل الإسلام السياسي في المنطقة الذي يجب كسرها والخلاص منه لذلك تجد حالة صمت وتواطؤ". وأضاف" بإمكان الأنظمة العربية الاستثمار بورقة الاتفاقيات مع الاحتلال والتخلص منها او تعليقها على الأقل، والسماح للمناصرين التدفق للحدود لتشكيل حالة ضغط شعبي على الاحتلال ". وأشار إلى ان هناك تواطؤ عربي رسمي من خلال الاعتداء على المناصرين قبل وصولهم لمعبر رفح. ولفت إلى أن الأنظمة العربية مطلوب منها السماح لشعوبها التظاهر وتشكيل ضغط شعبي حقيقي امام السفارات الداعمة لجريمة الإبادة الجماعية ومحاصرة السفارات . وذكر أن مشهد الضغط على السفارات الأمريكية سيجبر الولايات المتحدة الضغط على رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتيناهو لوقف جريمة التجويع. وبين ان هناك ورقة الاستثمارات والنفط والغاز من خلال تعليقها وتجميدها . بدوره، أكد عارف العامري، مسؤول العلاقات والتواصل في الأحزاب اليمنية المناهضة للعدوان، أن صمت معظم الأنظمة العربية تجاه ما يجري في قطاع غزة يعكس تخلياً خطيراً عن المسؤولية القومية والدينية، في لحظة تواجه فيها الأمة تهديداً وجودياً غير مسبوق. وقال العامري في حديثه لـ "فلسطين أون لاين" إن "الأنظمة العربية باتت عاجزة عن اتخاذ أي موقف جاد أو تحرك فعلي أمام المجازر المستمرة التي يرتكبها الاحتلال بحق الفلسطينيين، مضيفاً أن "ما نشهده اليوم هو حالة من القعود والجمود تُشبه الموت السريري، لا يمكن تبريرها أو القبول بها". وأشار إلى أن موقف تلك الأنظمة لا يتعدى دور المتفرج الصامت، فيما تتفاقم جرائم الحرب بحق المدنيين في غزة، محملاً هذا العجز إلى هشاشة البنية السياسية للكثير من الأنظمة العربية، وانغماسها في حسابات ضيقة أبعدتها عن قضايا الأمة المصيرية. المصدر / فلسطين أون لاين

الأمين العام للجهاد الإسلامي يكتب .. "رمضان" منّا أهل فلسطين
الأمين العام للجهاد الإسلامي يكتب .. "رمضان" منّا أهل فلسطين

فلسطين اليوم

timeمنذ 6 أيام

  • فلسطين اليوم

الأمين العام للجهاد الإسلامي يكتب .. "رمضان" منّا أهل فلسطين

فلسطين اليوم كتب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين القائد زياد النخالة في رثاء مسؤول "ملف فلسطين" في "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري للجمهورية الإسلامية في إيران سعيد إيزادي، المعروف باسم "الحاج رمضان". وفيما يلي كلمات القائد النخالة في رثائه -الذي نشرته صحيفة الأخبار اللبنانية- اليوم الإثنين: "كلّ الذين نحبّهم يغادرون من دون وداع. يُغلقون الباب خلفهم ولا يلتفتون... الحاج رمضان واحد من الذين تركونا ولم يكتفوا من عملهم، ولآخر لحظة من حياتهم القصيرة كانوا يؤكّدون أنّ الحياة هي ما نفعل، وليس ما نقول فقط. أربعون عاماً من الحضور... لا فرح دائماً ولا حزن دائماً". التقيتُه في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، وكان مسكوناً بفلسطين والقدس والمقاومة. هذا القادم من بعيد بهذه الروح الوثّابة. تستغرب وأنت تسمع بلكنة تُشبه العربية: «نحنا هون علشان نقاتل من أجل القدس». منذ ذلك الوقت وأنا أشعر أنّ الحاج رمضان لم يغادر كلماته الأولى التي استقبلنا بها نحن القادمين من فلسطين إلى لبنان بسبب إبعاد الاحتلال لنا عن فلسطين. ولقد غادرنا وهو يردّد بالعربية الفصحى أننا «سنقاوم وسنقاتل من أجل فلسطين». يحدّثك عن فلسطين وكأنّه قادم للتوّ منها، وعن المجاهدين وقادتهم الذين يعرفهم هناك ويتواصل معهم ويتابع همومهم. هذا هو الحاج رمضان الذي لم يعرف الراحة يوماً وهو يتابع ويلاحق عمله المتواصل في خدمة المقاومة والمقاومين. يغضب ويهدأ ويفرح ويحزن، وفلسطين دوماً بوصلته التي لم تغادر ناظريه وقلبه. يُتعبنا ونتعبه، يحبّنا ونحبّه، نختلف معه ويختلف معنا؛ وكل ذلك من أجل أن تصبح المقاومة أقوى وأفضل. لقد كان الحاج رمضان منّا، أهل فلسطين، وأقول ذلك أسوةً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «سلمان منّا آل البيت». لقد كان مسؤولاً عن ملفّ فلسطين في قوات القدس، وكان خيرَ من يعكس موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية من فلسطين... يتواصل مع الجميع (كل التنظيمات الفلسطينية)، ويقاتل ويجتهد عند المسؤولين في إيران من أجل توفير أفضل دعم للمقاومة في فلسطين، ويتابع ويسأل عن الاحتياجات وعن الهموم، ودائماً ما ينجح في المساعدة وتقديم ما يلزم للمقاومة. لا يكلّ ولا يملّ. عندما تسأله عن شيء وعن مساعدة في أي مشكلة، يقول عبارته المعروفة: «لا مشكل». الحاج رمضان حكاية إيران في فلسطين وحكاية فلسطين في إيران. وكلتا الحكايتين تليقان به. وكلتا الحكايتين استطاع أن يجسّدهما رجل نذر نفسه للجهاد وللمقاومة، ونذر نفسه لفلسطين وانتصارها. لقد عاش حياة مليئة بالعمل والجهاد. وسيبقى اسمه في سجلّ الخالدين والقادة البارزين الذين ضحّوا بأنفسهم من أجل الإسلام ومن أجل فلسطين. وداعاً حاج رمضان شهيداً على طريق القدس حتى نلتقي. وكان الحرس الثوري الإيراني، أكد في الخامس والعشرين من حزيران/يونيو الماضي خلال العدوان الإسرائيلي، أن الاحتلال اغتال الحاج رمضان في غارة استهدفت مدينة قم جنوبي العاصمة "طهران".

مرآة الضرير أذنه ليست عينه
مرآة الضرير أذنه ليست عينه

فلسطين أون لاين

timeمنذ 7 أيام

  • فلسطين أون لاين

مرآة الضرير أذنه ليست عينه

حمزة قورقماز يروي جلال الدين الرومي حكاية في المثنوي مفادها بأنه ركل سكير رجلاً ضريراً. سمع الضرير صوت جمل في أثناء ذلك. فظن أن الجمل هو الذي ركله. ثم يبدي الرومي ملاحظة مهمة ويقول؛ أن مرآة الضرير هي أذنه ليست عينه. نعم، مرآة المجتمعات التي فقدت بصيرتها ليست ما تراه بل ما تسمعه. هذه المجتمعات أشبه بقطيع من الناس المشوشين الذين فقدوا قدراتهم العقلية. إنهم يتركون العقل والمنطق جانبًا في تقييم الأحداث ويقيمون في مناطق 'الراحة المؤقتة' التي يوفرونها لأنفسهم. وفي النهاية يصبحون خاسرين. لقد أصيبت الأمة الإسلامية أيضًا بالعمى خلال القرنين الماضيين. فهي تعاني من العمى المعرفي الاجتماعي. لذلك فهي ترى الهزيمة نصراً والعدو صديقاً. وحقيقة الأمر أن ما تسمعه هو عبارة عن عناصر متلاعبة ومشوهة لا تظهر الحقيقة إطلاقا. الأمة في حالة من الغيبوبة إن من أبلغ المصطلحات التي تصف الوضع الحالي للأمة الإسلامية هو بلا شك 'الغيبوبة التاريخية'. نحن نتحدث عن أمة تبلدت حواسها، واهتز إدراكها، وبالتالي أصبحت غير قادرة على اتخاذ الموقف الصحيح. أمة تتفاعل خلف الشاشات 'لحظياً' مع الأحداث التي تواجهها ولا تتجاوز في الغالب الطيف الانفعالي، سلبية لا شيء في مواجهة الواقع. أمة تحاول تفسير وضعها البائس بتحديدات خاطئة رغم الحقائق التاريخية الماثلة أمامنا بوضوح، كالضرير الذي يظن ألمه من الجمل. نعم، يستمر هذا الوضع الذي هو نتيجة فقدان المرآة الحقيقية، بأقصى سرعة. ومن العبث أن نتوقع من إدراك اجتماعي وقع ضحية لوسائل التواصل الاجتماعي وموجات الترندات أكثر من ذلك. إن الغيبوبة التي نتحدث عنها ليست فقداناً لحظياً للوعي، بل هي صفة تمتد إلى العقيدة وأهم النقاط الأساسية في الحياة. وهذا ما يجعل المسألة أكثر تعقيدًا. الصهيونية وتحطيم الإحساس والإدراك إن الجهود المبذولة لتحطيم إحساس الأمة وإدراكها لطالما شهدها التاريخ؛ غير أن مستوى الجهد والنجاح الذي حققته الصهيونية في هذه الفترة الأخيرة لم يسبق أن بلغه أي طرف في التاريخ. وقد نفذت الصهيونية هذه العملية بالأمور الثلاثة التالية؛ - الإعلام: تم تشويه الحقائق وتقديم الجلاد على أنه الضحية. - التعليم: على سبيل المثال، تم شطب مفهوم الجهاد من المناهج الدراسية. تم نسيان نماذج البطولة في التاريخ. تم حقن الخنوع والجبن والخسة في الأجيال الجديدة تحت شعار 'التسامح'. - الاقتصاد والثقافة: تحول العدو الألدّ إلى صديق بالتعاون الاقتصادي، وشاعت مفاهيم مثل 'التطبيع' و'السلام'. ولا ننسى بالطبع عمليات الصهيونية على الإسلام نفسه. لقد تم تصوير الإسلام في الأذهان بطريقة بعيدة كل البعد عن العقيدة الصافية، وتم تقديم تفسيرات بدعية إما -في الإفراط أو التفريط - للأمة على أنها الفهم النموذجي للإسلام. إذا نسيت التاريخ ستُنسى نكسة 1967 جديرة بالذكر بشكل خاص في هذا السياق. ففي غضون ستة أيام فقط، احتلت "إسرائيل" أراضي ثلاث دول عربية: سيناء والجولان والضفة الغربية...لم تكن الهزيمة عسكرية فقط. بل كانت أيضًا هزيمة كبيرة من حيث الوعي والإدراك. فقد تحطمت الجيوش المزعومة التي لا تقهر في أيام قليلة. ضرب الصهاينة، وسمعت الأمة الضريرة صوت الجمل... صُدمت المجتمعات...لأن مرآتهم لم تكن مرآة الواقع بل 'الخطاب الناري للزعيم'. البعض عزا الحادث إلى 'مؤامرة دولية' والبعض الآخر إلى 'ظواهر جوية'. لكن قلة قليلة جداً عرفت وأدركت أن المشكلة كانت 'عدم الوحدة، وغياب المشروع، وإهمال السنن الإلهية'. ولذلك، فإن هذه المجتمعات التي اعتبرت ما سمعته مرآة لما حدث، ولم ترَ الواقع الذي تعيشه تعرضت ل'نكسة' كبيرة. في حالة الاصرار على هذا العمى... وإذا ما استمرت الأمة الإسلامية على هذا العمى وأصرت على أن تجعل من 'أذنها' مرآة لها، فإن التشرذم الكامل، والاحتلال الأكبر الذي سيتحقق بعناصر القوة الناعمة - الصلبة، وهيمنة الصهيو-غربية على العقول والثروات سيكون حتمياً. ولن يقتصر الأمر على فلسطين، بل سيمتد إلى العواصم الإسلامية الكبرى. وما لم نتخلَّ عن حماقة ' الجمل هو الذي ركلني! ' فإننا سنكون مكرهين على هذه النهاية. لا يكفي أن تسمع آذاننا. نحن بحاجة إلى عيون تبصر وعقول تفكر. نعم، نقول مرة أخرى: دعونا لا نكون كالضرير الذي يلوم الجمل بعد أن ركله العدو السكران... إن الألم الذي هو أكبر من كل شيء هو أن نسيء تقدير سبب الألم. المصدر / فلسطين أون لاين

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store