
"إخوان" الأردن وإخوانهم!
قامت الحكومة الأردنية بتفعيل حكم صدر قبل سنوات ضدّ "جماعة الإخوان المسلمين"، وكان الحكم الذي صدر في تموز/ يوليو عام 2020 من محكمة التمييز الأردنية قد نصّ على أن "جماعة الإخوان الأردنية فقدت الصفة القانونية" وتمهّل النظام في تفعيل الحكم، حتى نيسان/ أبريل 2025 بعد الكشف عن خلية العسكرة!
قصة "الإخوان المسلمين" في الأردن هي واحدة من أبرز قصص التيارات الإسلامية في المنطقة العربية لما لها من خصوصية في العلاقة مع الدولة، وتقلبات في المواقف بين المعارضة والمشاركة والانقسامات الداخلية.
الصورة الأوسع هي المحاولات المتعددة في عدد من الدول العربية، إقامة تنظيمات سياسية مستندة إلى الإسلام. وقد وُلدت الحركة في مصر، في مجملها مناقضة للتطور التاريخي. وُلدت مع أفول الإمبراطوريات (من بينها الخلافة العثمانية) ومع ولادة الدولة الوطنية الحديثة، فأرادت أن تعيد "الإمبراطورية" في شكل مصطلحها عن "الأمة". هذا التناقض لازمها في كل مناطق نموّها، كما لازمتها العسكرة. حلّ النقراشي في مصر الحركة، بعدما تعسكرت، وحاولت الدخول في الجيش، فقتل بعد عشرين يوماً من الحلّ في 28 كانون الأول/ ديسمبر 1948 على يد النظام الخاص للجماعة.
وما إن تقوى الحركة في أيّ مكان، حتى يتسلل أفرادها إلى الجيش، ومن ثم يتم الانقلاب، والانقلابية طبيعة ثانية للحركة، ومنسجمة مع دعوتها لعودة "الخلافة" وبناء الإمبراطورية!!
تجربة الإسلاميين في الحكم تجربة قاسية وسلبية، فكانت تجربة فاشلة في السودان وتجربة قصيرة أيضاً في مصر، وأخرى في تونس، وأيضاً في المغرب، إلا أن الإشكالية التي تواجه هذه الجماعات وغيرها القريبة منها أنها تستند إلى مقولات تراثية منتقاة من التاريخ العربي الإسلامي الذهبي في رأيها!
مبكراً أي قبل مئة عام تقريباً، أصدر الرجل الأزهري علي عبد الرازق كتابه المشهور "الإسلام وأصول الحكم"، وكان عبد الرازق مزامناً لحسن البنّا وحركته الناشئة وقتذاك ("الإخوان المسلمون")... وكان الزمن في مصر في ذلك الوقت زمن قلق.
مبكراً انتبه علي عبد الرازق، لتفنيد عدد من الافتراضات، من بينها أن الإسلام دين لا دولة، وأن النبوّة ليست سلطة سياسية، وبالتالي فإن الخلافة ليست جزءاً من الدين الإسلامي، بل هي اجتهاد بشري سياسي. ودعا إلى فصل الدين عن السياسة، وأن وظيفة الدين هي الهداية والأخلاق، لا الحكم والإدارة، وأن دمج الدين بالسلطة يؤدّي إلى الاستبداد باسم الدين، وقدّم نقداً لتجربة الخلافة سواء الخلافة التاريخية، أو الخلافة العثمانية. وبعد تجارب مريرة، ثبتت وجهة نظر علي عبد الرازق.
أهمية الكتاب أنه من أولى المحاولات في العالم العربي أو الثقافة العربية الذي يدعو إلى علم الدولة من منظور إسلامي. أثّر هذا الكتاب في تفكير مفكرين كثر مثل طه حسين ومحمد أركون وجمال البنا وعبد الوهاب المؤدب وحسن حنفي، ومفكرين آخرين عرب وغير عرب.
التجربة التاريخية التي حدثت في العقود الأخيرة تثبت ما قاله علي عبد الرازق في كتابه ذاك؛ فقد وصلت إلى السودان مثلاً مجموعة سمّت نفسها "الإنقاذ" معتمدة على مقولات إسلامية، ولم تكتف بالحيّز السوداني، ولكنها أيضاً دعت مجاميع مختلفة من الجماعات التي تنتمي إلى ذلك الفكر إلى الالتحاق بها، وبعد سنوات من الحكم، تبيّن فقر أدوات الحكم المستندة إلى المفاهيم التراثية القديمة، ودخل السودان بعد ذلك في معترك حروب أهلية نشهدها حتى اليوم.
في تونس بعد الربيع العربي، بدأت تجربة قصيرة الأمد، تحاول أيضاً المواءمة بين الفكر الديني والعمل السياسي في الدولة الحديثة، إلى درجة أنه في بداية الثورة التونسية، عندما وصل حمادي الجبالي إلى أرض تونس من المنفى، هو الذي أصبح أول رئيس للوزراء، وصرّح تصريحاً لافتاً: "لقد جئنا لإقامة الخلافة الراشدة السادسة"!! سقط ذلك الحكم بسرعة، وتسبّب أيضاً بردّة فعل اجتماعية – وسياسية، جعلت من فكرة الانتخابات والديموقراطية فكرة غير شعبية في تونس التي لا تزال تعاني من الفعل وردات الفعل. في المغرب حدث التوجّه نفسه فجاء حزب العدالة والتنمية بعد 2011 صاعداً على المقولات نفسها، ولكنه خلال عقد كامل لم يحقق ما يُرجى في إدارة الدولة، لذلك خسر الانتخاب خسارة فادحة.
ربما الإطلالة أيضاً على تجربة "حماس" في غزة، وما آلت إليه من نتائج كارثية بسبب الاعتماد على مقولات تراثية لمعالجة مستجدات اجتماعية وسياسية واقتصادية لم تكن معروفة في وقت سابق.
في الحالة الأردنية الأخيرة، من جديد تتكرر الأخطاء نفسها؛ فقامت مجموعة صغيرة بالتسلح خارج الدولة من أجل "إقامة الخلافة"! وهو هدف غير عقلاني، وإن استخدمت في الداخل أو الجوار. أصبح لدينا بعد فترة مشاهد غزة الكارثية، ولكن هذه المرة في عمّان العاصمة الأردنية، وبالتالي أضفنا إلى جروحنا الغائرة جروحاً أخرى أكثر ألماً وأشد مرارة.
إنه وقت التفكير العقلاني، والعمل على إقامة الدولة الوطنية العادلة، دون توسّل العسكرة للانقلاب عليها، من خلال دين الناس، فكل التجارب التي قامت أودت إلى الخسارة.
وبالتالي، فإن تجربة الإسلام السياسي، بدرجاته المختلفة، تحتاج إلى إعادة زيارة فكرية شجاعة، وإلى فك الاشتباك بين المقدس الديني والسياسة، فالأخيرة متغيرة، وتحتاج إلى أدوات ومنهج لفهم ما يحيط بنا من أزمات، وما أخّر الأمة هو الخلط المرضي بين هذا وذاك.
ربما تستحق هذه التجربة عموماً أن تسمّى "التديّن المرضي" وهو محاولة تفسير النصوص، أو ما قام به الأولون وإعطاؤه صورة يمكن أن تتكرر في العصر الحديث، بدلاً من التديّن الطبيعي الذي يعتنقه كثيرون.
تحاول دول عربية كثيرة أن تنتج المجتمع الحديث، الذي يعتمد على دولة مدنية حديثة وعادلة ولها قوانين نابعة من حاجات الناس، ومتسقة أيضاً مع القوانين الدولية والأعراف الدولية، كما تؤكد حقوق الأفراد، وحقوق الدولة في الأمن والسلامة، وتسمح بالمنافسة السياسية في حدود القوانين المرعيّة، لا عسكرة مكوّن منها باسم الدين وتكفير الآخرين وإقصائهم ثم القفز على السلطة!!

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الديار
منذ 7 ساعات
- الديار
الإخوان المسلمون في مرمى ماكرون
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب عقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اجتماعا أمنيا رفيع المستوى في قصر الإليزيه لمناقشة تقرير حكومي يحذر من تزايد نفوذ الإخوان المسلمين وانتشار الإسلام السياسي في فرنسا. وأعد التقرير المكون من 73 صفحة موظفان حكوميان رفيعان بتكليف من وزارة الداخلية الفرنسية في مايو 2024، واستند بشكل أساسي إلى مذكرات أجهزة الاستخبارات الداخلية، ووفقاً للتقرير تشكل جماعة "الإخوان المسلمين" تهديداً "تخريبياً" لقيم الجمهورية الفرنسية، من خلال استراتيجية "الاختراق التدريجي" للمجتمع عبر التأثير على المؤسسات المحلية، مثل البلديات، الجمعيات الخيرية، المدارس، والأندية الرياضية. وأشار التقرير إلى أن الجماعة التي تأسست في مصر قبل أكثر من 90 عاماً تتبنى نهجاً "مناهضا للجمهورية" يهدف إلى تغيير القواعد المحلية والوطنية تدريجياً، خاصة فيما يتعلق بالعلمانية والمساواة بين الجنسين. وركز التقرير على دور منظمة "مسلمو فرنسا" (سابقاً اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا) التي وُصفت بأنها "الفرع الوطني لجماعة الإخوان المسلمين في فرنسا"، حيث تدير حوالي 139 مكان عبادة وتُعتبر 68 أخرى قريبة منها، أي ما يمثل 7% من أماكن العبادة الإسلامية في البلاد. وأوضح التقرير أن الجماعة لا تسعى لفرض "الشريعة الإسلامية" بشكل مباشر أو إقامة دولة إسلامية في فرنسا، لكنها تتبع نهجاً "خفيا وتدريجيا" يهدف إلى زعزعة التماسك الاجتماعي من خلال "إسلام بلدي" يؤثر في الحياة العامة والسياسات المحلية. وأشار إلى أن الجماعة، التي تفقد نفوذها في العالم العربي، تركز الآن جهودها على أوروبا، وخاصة فرنسا التي تستضيف أكبر جالية مسلمة في الاتحاد الأوروبي إلى جانب ألمانيا. وأعلن قصر الإليزيه أن الحكومة ستقترح إجراءات لمواجهة هذا التهديد، بعضها سيُعلن عنه ، بينما سيبقى آخر سرياً لدواع أمنية، ومن بين المقترحات التي أثارت جدلاً، اقتراح حزب "النهضة" الذي يتزعمه ماكرون، حظر ارتداء الحجاب في الأماكن العامة للفتيات دون سن 15 عاماً، معتبراً أن الحجاب "يعيق المساواة بين الجنسين وحماية الأطفال". وأثارت نتائج التقرير الصادم وتوصياته جدلاً واسعاً، ونددت منظمة "مسلمو فرنسا" بما وصفته بـ"الاتهامات الباطلة"، محذرة من "الخلط الخطير" بين الإسلام والتطرف، مؤكدة التزامها بالقيم الفرنسية، رافضة أي اتهامات بمحاولة فرض مشروع سياسي أجنبي أو استراتيجية "الاختراق". من جهته شدد الإليزيه على أهمية عدم الخلط بين المسلمين ككل وبين جماعة الإخوان، وقال مسؤول في الرئاسة: "نقاتل ضد الإسلاموية وتطرفها وليس ضد المسلمين"، مضيفا أن الهدف هو "رفع الوعي" داخل الاتحاد الأوروبي حول هذا التهديد. يأتي هذا التقرير في وقت تشهد فيه فرنسا نقاشات محتدمة حول الهوية الوطنية والإسلام، مع تزايد شعبية اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان، كما أن فرنسا التي تعرضت لسلسلة هجمات إرهابية منذ عام 2015 تسعى لمنع انتشار الأفكار المتطرفة، مما يجعل هذا التقرير جزءًا من استراتيجية أوسع لتعزيز الأمن القومي.


النهار
منذ يوم واحد
- النهار
صدمة ترامب والشرع... هل تعيد الإخوان في مصر إلى سباق السلطة؟
أعاد لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في السعودية، خلط أوراق المشهد السياسي في المنطقة، وأشعل من جديد أحلام تيارات الإسلام السياسي، وفي طليعتها جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر. فبين بيان غامض عن حلّ الجماعة وتجميد عملها السياسي ونقاشات خفية في أروقة التنظيم، بدأت مؤشرات تُقرأ على أنها محاولة لاقتناص لحظة دولية مربكة تعيد الجماعة إلى السلطة. وكان ترامب قد أثنى على الرئيس السوري خلال جولته الخليجية، كما وصف ماضيه بأنه "قوي". وقد أثار هذا الوصف تحديداً سجالات حادّة، لا سيما أن ماضي الشرع، المعروف سابقاً بـ"أبو محمد الجولاني"، مرتبط بأخطر التنظيمات الإرهابية في العالم؛ فبعدما قاتل في صفوف "داعش"، تركها لتأسيس "جبهة النصرة" بدعم من "القاعدة"، قبل أن تتحوّل لاحقاً إلى "هيئة تحرير الشام" التي قادت هجوم إسقط نظام بشار الأسد في أيلول / سبتمبر الماضي ثم سيطرت على الحكم في دمشق. شهية مفتوحة يرى الدكتور عمرو عبد المنعم، الباحث الأكاديمي المتخصص في حركات الإسلام السياسي، أن "شهية بعض تيارات الإسلام السياسي انفتحت بالفعل من جديد للوصول إلى السلطة". ويقول لـ"النهار" إنّ البيان المنسوب لـ"الإخوان" يمثل أحد المؤشرات إلى هذا الانفتاح، وهو محاولة لجسّ نبض النظام الحاكم في مصر من قِبل ما يُعرف بـ"جناح لندن"، أحد أجنحة "الإخوان" في الخارج، التي أجرت مراجعات وتسعى للعودة إلى المشهد السياسي المحلي. ويضيف: "البيان صدر عن أحد كوادر جناح لندن المعروف باسم أحمد مالك، وأعتقد أن الهدف منه هو اختبار مدى استعداد السلطة في مصر لتقبّل عودة عناصر الجماعة، باعتبارهم شخصيات وطنية يمكن التعامل معهم كمواطنين عاديين". من جهته، يؤكد الباحث الإيطالي المتخصص في الجماعات المتطرفة في أوروبا جيوفاني جياكالوني، لـ"النهار"، وجود "خطر من أن تبدأ جماعة الإخوان أنشطة جديدة في شمال أفريقيا، وخصوصاً في مصر، حيث تنتمي تاريخياً ولها جذور عميقة". أما المحللة السياسية الأميركية إيرينا تسوكرمان، فترى أن "احتضان ترامب لأحمد الشرع أحدث هزّات تتجاوز حدود سوريا. الإسلاميون من القاهرة إلى إسطنبول رأوا في ذلك فرصة، وقد فسّر الإخوان تصريحات ترامب كمؤشر إلى أن الإسلام السياسي بات مقبولاً مجدداً في واشنطن". وتضيف: "إشادة ترامب بدور الشرع في تحقيق الاستقرار لا تمثل تحولاً صريحاً في موقف الجمهوريين، الذين يتسمون تقليدياً بالتشكيك في حكم الإسلاميين. وعلى عكس إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، التي أبدت اهتماماً أيديولوجياً بالإسلام السياسي كمحرّك للديموقراطية، فإن الترامبية تفتقر لأي عقيدة فكرية واضحة، إذ لا تتعامل مع الأفكار، بل مع موازين النفوذ". كذلك، تشير إلى "اختراق بعض العناصر الموالية للجماعة" الإدارة الأميركية الجديدة، بالإضافة إلى تنامي نفوذ بعض الكيانات المرتبطة بـ"الإخوان" في الولايات المتحدة، وعلى رأسها "كير". النفوذ كشرط من جانبه، يقول الباحث في شؤون الأمن الإقليمي مصطفى كمال إن "القراءة الدقيقة للتطورات الأخيرة تُظهر أنها لا تصب في مصلحة الإسلام السياسي، بل تعكس توجهاً متزايداً نحو تعزيز نموذج الاستبداد الوظيفي، الذي يقدّم الأمن والاستقرار كشرط أساسي للشراكة الدولية، حتى لو كان ذلك على حساب التعددية أو الديموقراطية". ويضيف: "ترامب، الذي حاول في السابق تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية، لا يُقدّمهم اليوم كشريك محتمل، بل يوظّف لقاءه مع الشرع في سياقين متوازيين: داخلياً، لتعزيز صورته كرجل صفقات قادر على إعادة تشكيل التحالفات؛ وخارجياً، للتأكيد على أن واشنطن الجديدة لا ترى بأساً في التحالف مع الأنظمة السلطوية، طالما أنها تخدم مصالحها الاستراتيجية". ويتابع: "الحديث عن آمال جديدة دبت في أوصال تيارات الإسلام السياسي نتيجة هذا اللقاء، قراءة تتجاهل عمق التحولات التي مرّت بها المنطقة منذ عام 2013. فالإخوان اليوم يعانون من تراجع تنظيمي حاد، وصراع داخلي مرير بين جبهات متناحرة، وغياب شبه كامل للفاعلية السياسية أو المجتمعية، سواء داخل مصر أو في المهجر. كما أن خطابهم السياسي فقد جاذبيته، والمظلّة الأيديولوجية التي كانت تحشد الشباب باتت محلّ تساؤل ونقد علني من داخل قواعدهم السابقة".


ليبانون ديبايت
منذ يوم واحد
- ليبانون ديبايت
مُخطّط مشبوه قبل "الضربة القاضية".. جماعة خطيرة تُهدّد مسيحيي سوريا: إعتنقوا الإسلام وإلا!
"سبوت شوت" مسيحيو سوريا في خطر... شهدت مدينة طرطوس رسائل مجهولة المصدر والخلفيات فحواها "إعتنقوا الإسلام، وإلا!" ووقعت الرسالة بالتالي: "بني أمية مرّوا من هنا".. فما التفاصيل؟ لمزيد من المعلومات، تابعوا هذا التقرير!