
إيكونوميست: ستيف ويتكوف صانع الصفقات الذكي لترامب
نشرت مجلة إيكونوميست البريطانية تقريرا عن شخصية ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشرق الأوسط وعلاقته بالرئيس، ووصفته بأنه يجسد نظرة ترامب العالمية للمعاملات.
التقى ترامب وويتكوف لأول مرة في 1986 في مطعم للمأكولات الجاهزة في مانهاتن الساعة الثالثة صباحا، بعد ساعات طويلة في عمل الصفقات الذي لا يتوقف. كانا جائعين لذلك توقفا عن العمل وأتيا لتناول شيء من الطعام.
انعقدت صداقتهما على شطائر من لحم الخنزير والجبن، وألقت صداقتهما ويتكوف في دوامة الجغرافيا السياسية. في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عينه ترامب مبعوثا إلى الشرق الأوسط. وعندما كان رد فعل أحد أعضاء مجلس الشيوخ مفاجئا، قائلا إن ويتكوف ليس لديه أي خبرة دبلوماسية سابقة. رد ترامب: "حسنا، لقد اُعطيت فرصة المحاولة لملايين الناس، دعونا نختار رجلا لطيف وذكيا".
احتضن الوظيفة
واحتضن ويتكوف، الذي لا يزال مليئا بالحيوية، الوظيفة. وفي غضون أسابيع قليلة، أوصلته دبلوماسيته إلى الدوحة وغزة، والقدس، وموسكو، والرياض.
كان أول عمل لويتكوف، قبل تنصيب رئيسه، هو التفاوض على وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس). عندما أخبر مساعدي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه سيصل إلى إسرائيل يوم السبت لإجراء محادثات، قالوا إن رئيس الوزراء لا يكون متاحا أيام السبت إلا بعد غروب الشمس. وأجاب ويتكوف بأن ذلك ليس جيدا، وهو أيضا يهودي. واضطر نتنياهو، وتم الاتفاق على هدنة. وقال بريت ماكغورك، الذي عمل على الصفقة لإدارة بايدن المنتهية ولايته، إنه وويتكوف طورا "شراكة وثيقة، وحتى صداقة".
أصبح وقف إطلاق النار في متناول اليد. وبعد ذلك وسّع ويتكوف مجال مهامه. ففي فبراير/شباط المنصرم سافر للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتأمين إطلاق سراح مارك فوغل، وهو سجين أميركي محتجز في روسيا. والتقى هو والرئيس الروسي لمدة ثلاث ساعات ونصف، ووصف ويتكوف ذلك اللقاء بأنه لـ "بناء للثقة". وكان من اللافت غياب كيث كيلوغ، مبعوث السيد ترامب إلى أوكرانيا. وبالعودة إلى البيت الأبيض ، أشاد فوغل بما يتصف به ويتكوف من روح عملية.
وتقول الصحيفة إن الدبلوماسيين الذين ليست لديهم المعرفة الواسعة والعميقة بقضية ما ولا الخبرة الطويلة الكافية للتعامل مع القادة الأجانب ومسائل الأمن القومي، يميلون إلى التدرب على ذلك. وويتكوف ليس لديه أي من ذلك. مثل رئيسه، هو مطور عقارات وملياردير يمارس مهنته في مدينة نيويورك وجنوب فلوريدا، لكن لديه ما يهم في البيت الأبيض: دهاء صانع الصفقات، والميل إلى الإطراء والثروة. وأنفق ويتكوف ما يقرب من 2 مليون دولار للمساعدة في انتخاب ترامب. وسمى حفيده على اسم الرئيس. وابنه زاك هو المؤسس المشارك لمنصة العملة المشفرة لترامب (وورلد ليبرتي فاينانشال).
ولدى ويتكوف أيضا ثقة ترامب. رأيا بعضهما البعض يخسرون، وأحيانا يخسرون كل شيء. وعندما توفي أحد أبناء ويتكوف بسبب جرعة زائدة من المواد الأفيونية، حزن ترامب بجانبه. وكان ويتكوف إلى جانب ترامب عندما حاول رجل اغتياله في ملعب الغولف.
وتنبع علاقتهما من حقيقة أن كلاهما من المنافسين من خارج دوائر السياسة والسلطة، الذين بدأوا أعمالهم في عقارات السوق المنخفضة، ثم مشاريع مانهاتن الفاخرة.
ودود وثاقب الرؤية
ويعود نجاح ويتكوف لشخصه الودود ورؤيته الثاقبة. وكان يقول عندما يفقد الآخرون ثقتهم في سوق تطوير العقارات إن المطور الجيد حذر وحكيم، ولكنه مؤمن أيضا. وفي الآونة الأخيرة، تضمنت إمبراطوريته العقارية فندق بارك لين في سنترال بارك ساوث، المعروف باسم صف الملياردير. وفي عام 2023، باع تلك التحفة لصندوق سيادي لدولة أجنبية مقابل 623 مليون دولار.
عادة ما تعتبر مثل هذه المعاملات مع حكومات أجنبية تضاربا للمصالح لا يؤهل لأي وظيفة دبلوماسية. أما بالنسبة لترامب، فإن ويتكوف هو أحد الأصول. ما يعنيه هذا بالنسبة للغزيين والأوكرانيين لا يبدو جيدا. فقبل المشادة الحادة بين ترامب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض أمس، بدا أن أوكرانيا ستسلم أجزاء كبيرة من ثروتها المعدنية إلى أمريكا. وفي الوقت نفسه، يتطلع ترامب إلى غزة بعين المطور العقاري، ويبدو أن اقتراحه بنقل سكان غزة بالكامل كان مستوحى جزئيا من ويتكوف، الذي أخبره أن المنطقة غير صالحة للسكن.
وختمت إيكونوميست تقريرها قائلة إن الوقت القصير الذي أمضاه ويتكوف في الإشراف على حقيبة إسرائيل-غزة يجسد الإمكانات والمخاطر في تعيينه، مضيفة أن الطاقة والتفكير الجديد يجب أن تكون في متناول اليد للمشاكل التي تبدو مستعصية على الحل؛ لقد حقق بالفعل نجاحات. ولكن على المدى الطويل، من المرجح أن تُضعِف دبلوماسية المعاملات التي تتبعها إدارة ترامب المصالح الأمريكية أكثر من تعزيزها.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
معاريف: عقوبات أوروبا وموقف ترامب يقلبان الساعة الرملية لحرب غزة
رأت المراسلة لصحيفة معاريف الإسرائيلية آنا براسكي أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بدأت تدخل مرحلة العدّ التنازلي، مشيرة إلى أن الغرب بدأ يتحرك بشكل منسق للضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب، في وقت يوشك فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الانضمام لهذا المسار، بعد أن بدأ صبره بالنفاد، وهو ما سيُجبر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عاجلا أم آجلا على إصدار أمر بوقف إطلاق النار في غزة. العد التنازلي لوقف الحرب وقالت براسكي في مستهل مقال موسع إن نتنياهو "يبذل كل ما بوسعه لرسم صورة مختلفة للواقع"، رغم أن الوقائع تتجه نحو نهاية للحرب، وليس كما يخطط لها. وكشفت المراسلة أنها شاركت مطلع هذا الأسبوع مع عدد من الصحفيين المتخصصين في الشؤون الدبلوماسية في "محادثة مطوّلة مع دبلوماسي غربي رفيع"، وُصفت بأنها سرية وغير مخصصة للنشر في معظمها. وكان الهدف من المحادثة إيصال رسالة واضحة إلى الإعلام الإسرائيلي بشأن الجو السائد في الغرب، لكن "ليس هذا فحسب، بل إعدادهم نفسيا لخطوة دبلوماسية منسقة مقبلة". وحسب براسكي، فإن هذه الجلسة كانت بمثابة الطلقة الافتتاحية في "حملة ضغط دبلوماسية هائلة على إسرائيل لإنهاء الحرب في قطاع غزة"، مشيرة إلى أن الدبلوماسي "جاء غاضبا باسم بلاده والدول الغربية الأخرى"، ورغم أنه تحدث بلهجة دبلوماسية محسوبة، فإن رسالته كانت حاسمة "العد التنازلي لإنهاء الحرب قد بدأ". وقالت إن الرسالة كانت أن "توقيت الحرب في غزة بدأ يدق بصوت عالٍ في أوروبا، والمراحل المقبلة ستكون من التهديد بعقوبات جماعية، وصولا إلى تمرير قرار في مجلس الأمن الدولي يفرض على إسرائيل وقف الحرب، دون أن تستخدم الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضده". نتنياهو لا يزال يكابر وللرد على هذا الضغط، عقد نتنياهو مساء الأربعاء الماضي مؤتمرا صحفيا هو الأول له منذ أكثر من 6 أشهر، وقالت براسكي إن دافعه لعقد هذا المؤتمر لم يكن الوضع الميداني، بل "الاحتياج السياسي الداخلي لتهدئة قاعدته الغاضبة، بسبب قرار استئناف المساعدات الإنسانية إلى غزة". ورغم ذلك، فإن نتنياهو -حسب الكاتبة- كرر رسائله القديمة ذاتها، وتحدث كما لو أن لا شيء قد تغيّر منذ اندلاع الحرب. وقال في المؤتمر "هناك من يقول لنا في العالم أو هنا في إسرائيل كفى، أنهِ الحرب. لديّ أخبار لكم. أنا مستعد لإنهاء الحرب بشروط واضحة تضمن أمن إسرائيل: إعادة جميع الأسرى إلى ديارهم، تخلي حماس عن أسلحتها وتنحيها عن الحكم، ويتم نفي ما تبقى من قيادتها خارج قطاع غزة، الذي سيتم تجريده بالكامل من السلاح، وتنفيذ خطة الرئيس الأميركي التي تقول شيئا بسيطا: سكان غزة الذين يريدون المغادرة يمكنهم المغادرة". وعلّقت المراسلة السياسية على هذه التصريحات بقولها "ربما يدرك أصحاب النظر الحاد أن قائمة الشروط التي يطرحها نتنياهو لإنهاء الحرب تتوسع أكثر فأكثر"، مشيرة إلى أن القائمة باتت تشمل، إضافة إلى القضاء على حماس، تنفيذ ما يُعرف بخطة "الهجرة الطوعية" لسكان غزة. وتتابع الكاتبة أن "تحقيق هذه الشروط كلها، حتى في أفضل الظروف، ليس قصة أسابيع، وربما ليس حتى قصة شهور"، ما يعني أن رغبة نتنياهو الحقيقية هي إطالة أمد الحرب شهورا عديدة دون وجود أي أفق سياسي. وتلفت براسكي إلى أن ما يقوله نتنياهو من "رسائل النصر الكامل" لا يتطابق مع الواقع المتغير في الغرب، مضيفة أن "رئيس الوزراء يعرف ذلك جيدا، لكنه يصر على إظهار العكس أمام الرأي العام الإسرائيلي". وترى أنه على مستوى الفكرة المجردة، فإن نتنياهو على حق، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يتم بها إظهار الموقف المتشدد دون إظهار أدنى مستوى من الضعف أو الاستعداد لتقديم تنازلات أمام العدو. وقالت براسكي "إذا لاحظت قيادة حماس تنازلات في لهجة نتنياهو، فإنهم سيرفعون مستوى مطالبهم"، على حد زعمها. ولكنها في المقابل تحذّر من أن "التهديدات الأوروبية بالعقوبات، وتبريد العلاقات، وتجميد الاتفاقات الاقتصادية، والاعتراف بالدولة الفلسطينية ليست خطابا سياسيا فارغا، بل هي المحطة الأولى على الطريق لفرض نهاية للحرب على إسرائيل، إن لم تبادر الحكومة الإسرائيلية بخطتها الخاصة لإنهاء القتال". وترى المراسلة أن نتنياهو في خطابه يظهر أنه غير مستعد للتنازل، وأنه يقاتل حتى "النصر الكامل"، لكنه في الوقت ذاته يدرك أن استمرار هذا النهج سيصطدم قريبا بسقف الواقع الدولي. وفي تحليلها لمآلات المفاوضات، تشير براسكي إلى أن "الاتفاق مع حماس كان قاب قوسين أو أدنى"، ولكن ترى أن اغتيال محمد السنوار الذي لا تزال إسرائيل متشككة من نجاحه "قلب الحسابات رأسا على عقب". وفيما ترى براسكي أن محمد السنوار كان "من الرافضين للاتفاق، وكان يُنظر إليه كالعقبة الأكبر في مسار صفقة محتملة"، فإنها تعتقد أن قتله أدى إلى ما أسمته بالفوضى في قيادة حماس، وجعل من تبقوا "يخشون الموافقة على أي اتفاق لم يقرّه شقيقه قبل مقتله"، على حد زعمها. وتحاول التدليل على استنتاجها بالقول "في الشرق الأوسط، الاتفاقات تُبرم عادة مع أكثر القادة تطرفا.. الذين لديهم من المكانة والسلطة ما يكفي لفرض ما لا يقبله الرأي العام.. هكذا كان رئيس حركة حماس يحيى السنوار الذي استُشهد في اشتباك مع القوات الإسرائيلية، وكذلك شقيقه محمد". تدخل ترامب المحتمل وتذهب مراسلة معاريف من هذه المعطيات إلى مقاربة محتملة، وتقول إن "نهاية الحرب لن تحدث غدا صباحا، لأن الرئيس ترامب لا يزال في مكان مختلف عن القادة الأوروبيين"، لكنها تضيف معطى مستجدا، وهو أن الموقف الأميركي بدأ يتغير هو الآخر، إذ "بدأ الغضب الأوروبي والعربي من الوضع الإنساني المروع في غزة بالتسرّب إلى البيت الأبيض". وتشير إلى أن ترامب، الذي تزعم أنه يحتقر القادة الأوروبيين في العادة، لا يمكنه تجاهلهم تماما هذه المرة، خصوصا إذا كانت هذه القضية تهدد مشاريعه الكبرى، كالحصول على "جائزة نوبل للسلام"، أو إنجاز صفقات اقتصادية ضخمة في المنطقة العربية والعالم. وحسب براسكي، فإن "ترامب لم يعد كما كان في البداية. فخطابه تغيّر ومحيطه تغيّر، وحتى إشاراته إلى الحرب في غزة باتت تنطوي على نفاد صبر واضح". ولفتت إلى اقتباسات عديدة لمسؤولين أميركيين كبار يقولون إن "كلا الجانبين متمسكان بمواقفهما، وبالتالي لم يتم التوصل لاتفاق"، وهو ما يعكس تململا أميركيا متزايدا. وتختم براسكي مقالها بتوقعات لمكالمة قريبة بين نتنياهو وترامب على خلفية الوضع الإنساني المزري في غزة، سيكون فحواها كما يلي: "بيبي، يا صديقي، منحتك الوقت لفتح أبواب الجحيم، منحتك الشرعية لتهجير سكان غزة، ومنحتك مظلات سياسية وعسكرية.. لكن لا يمكنني قضاء فترة ولايتي كلها على هذا الملف. دعنا ننتقل إلى المرحلة الأخيرة". وتخلص إلى أن تصور محدد لموقف نتنياهو في غزة، وتقول "الحل الأمثل ليس ما حلم به نتنياهو بالنصر المطلق، ولكن تحقيق أقصى قدر من الربح، والتفاوض مع ترامب كما يعرفه، وتحقيق إنجازات علنية وسرية". لكنها تضيف "من الصعب توقّع كيف ستنتهي هذه المرحلة، إن وقعت، ولكن ما يمكن توقعه بسهولة هو أن الملف الإيراني سيكون حاضرا بقوة على طاولة الصفقة الكبرى".


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
البلقان على صفيح ساخن.. عودة ترامب وصراع التوازنات الإقليمية
تشهد منطقة جنوب غرب البلقان تصعيدا مستمرا في التوترات الجيوسياسية وسط التحولات الكبرى التي يعيشها النظام الدولي، والتنافس الجاري بين الولايات المتحدة و روسيا و الصين و تركيا و الاتحاد الأوروبي. وتعود منطقة جنوب البلقان إلى واجهة الصراع على النفوذ مع عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وطرحه رؤية جديدة "لضبط التوازنات"، تركز على البراغماتية والصفقات الاقتصادية والأمنية. في خضم هذا التنافس، تشكل صربيا قلب الصراع، نظرا لحجمها وموقعها وتأثيرها الإقليمي فضلا عن ثرواتها الطبيعية المهمة بما في ذلك احتياطياتها من المعادن النادرة التي تهم الغرب والصين على حد سواء، وعلى رأسها الليثيوم. وحول أهمية جنوب البلقان وموقعه في ساحة التنافس الدولية، نشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة تحليلية بعنوان " جنوب غرب البلقان بين التنافس الدولي وتعددية المحاور إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية في ظل عودة ترامب وأهمية مشاريع الطاقة والمعادن" حلل فيها الدكتور كريم الماجري المشهد المركب جنوبي غرب البلقان وسياقاته ورصد أدوار الفاعلين الدوليين فيه. البلقان.. عقدة تنافس مفتوحة لم تكن منطقة البلقان يوما ما بعيدة عن الحروب والصراعات، غير أن التحولات الأخيرة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في العام 2022 كشفت عن أهمية إستراتيجية مضاعفة. فالاتحاد الأوروبي، المنهك داخليا على المستويين السياسي والاقتصادي، بات أقل قدرة على فرض إرادته الموحدة، في حين وجدت روسيا في البلقان منفذا ضروريا للضغط على خاصرة الغرب الرخوة. ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض في عهدة رئاسية ثانية، أعيد الاعتبار إلى مبدأ "إعادة التموضع الجغرافي السياسي"، إذ ترى واشنطن أن السيطرة على الممر البلقاني ضرورية لضبط مشروع " الحزام والطريق" الصيني في أوروبا، ومواجهة التمدد الروسي المتنامي في مناطق النفوذ الأرثوذكسي. صفقات ترامب خلال ولاية ترامب الرئاسية الأولى (2017-2021)، برزت محاولات واضحة للولايات المتحدة لإعادة التمركز في البلقان، كان أبرزها اتفاق التطبيع الاقتصادي بين صربيا و كوسوفو في سبتمبر/أيلول 2020. مع عودة ترامب إلى الحكم عادت هذه المقاربة مجددا، لكن ضمن حزمة أكبر تتضمن تعاونا عسكريا واقتصاديا وتطويقا إستراتيجيا للنفوذ الروسي، فإدارة ترامب الجديدة تركز على بناء تحالفات مباشرة مع حكومات مثل ألبانيا وكوسوفو، وتدفع نحو إدماج مقدونيا الشمالية و البوسنة في مشاريع دفاع مشتركة عبر حلف شمال الأطلسي (الناتو). كما تستغل واشنطن أيضا انكشاف البنية الاقتصادية البلقانية، وتوجه استثماراتها نحو البنية التحتية الرقمية والمعادن النادرة، حيث تشير تقارير وزارة الطاقة الأميركية إلى اهتمام خاص بمشروع "يادار" الصربي، الذي يحتوي على أحد أكبر احتياطيات الليثيوم في أوروبا. صربيا وإستراتيجية الحياد النشط تجسد صربيا بقيادة الرئيس ألكسندر فوتشيتش المفارقة الصارخة في البلقان، فهي من جهة دولة مرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي منذ 2012 وتجري تدريبات عسكرية مع الناتو وتستقبل استثمارات غربية مهمة، لكنها من جهة أخرى تحتفظ بعلاقات وثيقة مع روسيا وترفض العقوبات عليها وتشترك معها في مشروع غاز " السيل التركي". جدير بالذكر في هذا السياق، أن بلغراد تقدم هذه الازدواجية رسميا كـ"سياسة حياد عسكري" لكنها في العمق تخفي رهانات الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش للحفاظ على قناة تواصل مع الجميع، فهو يستثمر في تنويع الشركاء لضمان مرونة داخلية وخارجية. ومن المفارقات أن واشنطن، رغم ضغوطها العلنية، تتجنب دفع فوتشيتش نحو الحائط، إدراكا منها أن سقوطه قد يفتح الباب لاضطراب خطير في صربيا والبوسنة وكوسوفو. في المقابل، لا تتردد روسيا في توظيف أوراقها الصربية لدق إسفين في الجبهة الغربية، فقد استخدمت موسكو صربيا منصة إعلامية ودعائية طوال حرب أوكرانيا ، مما أسهم في تعزيز الخطاب القومي المتشدد في جمهورية صرب البوسنة، التي تسعى للاستقلال عن البوسنة والارتباط بصربيا. أما الصين، فترى في صربيا رأس جسر لولوج السوق الأوروبية دون المرور عبر رقابة الاتحاد الأوروبي، فقد أنشأت بكين عدة مشاريع إستراتيجية في صربيا، منها مصنع للبطاريات والسيارات الكهربائية ومحطة طاقة تعمل بالفحم واستثمرت في سكك الحديد بين بلغراد وبودابست، في إطار مشروع "الحزام والطريق". وقد جعلت هذه السياسات من صربيا نموذجا فريدا لما يسمى بـ"التعددية الموجهة"، أي الانفتاح على الجميع مع حفظ الحد الأدنى من التوازن، وهو أيضا ما يجعلها محط تنافس دائم، لكن ذلك يمثل أيضا حقل ألغام دبلوماسيا. التنافس الدولي في البلقان وعلى الرغم من هيمنة الاتحاد الأوروبي كمصدر رئيسي للمساعدات المالية والمشاريع التنموية في البلقان، فإن جاذبيته السياسية تراجعت في السنوات الأخيرة نتيجة للبيروقراطية المفرطة وتردد الدول الأعضاء في توسعة الاتحاد. وكان من نتيجة هذا التراجع أن أفسح المجال أمام الولايات المتحدة وروسيا والصين وتركيا لتعزيز حضورهم، كل بطريقته الخاصة. ويمكن تلخيص أدوار القوى الدولية والإقليمية في البلقان وأهدافها على النحو التالي: 1. الولايات المتحدة تركز على الشراكات الثنائية، ولا سيما مع ألبانيا وكوسوفو. استثماراتها موجهة نحو الطاقة والمعادن والبنية الرقمية. تعمل على إدماج دول البلقان في نظام دفاع موحد تحت سقف الناتو. تقيم قواعد تدريب عسكرية في المنطقة. 2. روسيا تراهن على البعد الثقافي الأرثوذكسي والتاريخي مع صربيا وصرب البوسنة. تقدم الدعم السياسي في مجلس الأمن. 3. الصين تفضل التمويل طويل الأجل والمشاريع الكبرى، مثل الطرق وسكك الحديد والمصانع. لا تتدخل سياسيا، وهو ما يروق لحكومات توصف بأنها سلطوية مثل صربيا والجبل الأسود. تعتمد على سياسة "الدبلوماسية الصامتة" مقابل الاستثمار طويل الأمد. 4. الاتحاد الأوروبي لا يزال المانح الأكبر من حيث حجم المساعدات. يعاني من تراجع جاذبيته السياسية بسبب التعقيدات البيروقراطية والانقسام الداخلي. يفرض شروطا صارمة في ملفات الحوكمة وحقوق الإنسان مما يثير استياء الأنظمة المحافظة. في الوقت ذاته تسعى تركيا إلى توطيد علاقاتها عبر بوابة الجاليات المسلمة في البوسنة وكوسوفو، وتستخدم رمزية التاريخ العثماني لتعزيز النفوذ الثقافي والاقتصادي. ومع أن حضورها العسكري محدود، فإن قوتها الناعمة تتزايد من خلال دعم مشاريع عمرانية وتعليمية وثقافية ترعاها مؤسسات حكومية وغير حكومية. وتجعل هذه الشبكة المتداخلة من الفاعلين من البلقان ساحة تجاذب مركبة، حيث تعقد التحالفات بناء على مصالح موضعية متغيرة، وليس بالضرورة ضمن معسكرات ثابتة، وهو ما يفسر قدرة صربيا على المناورة في أكثر من اتجاه دون أن تتعرض لعقوبات حقيقية من أي طرف. المجر وصربيا.. تحالف خارج الضوابط في ظل قيادة رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان تعززت علاقات بودابست ببلغراد على مختلف المستويات، من المشاريع الاقتصادية الكبرى إلى التنسيق في ملف الهجرة والطاقة إلى دعم الرئيس فوتشيتش في المحافل الأوروبية. ويرى أوربان في فوتشيتش حليفا إستراتيجيا ضد بيروقراطية بروكسل ، ويستثمر في تعزيز "محور محافظ" يمتد من بودابست إلى بلغراد وربما سراييفو. وقد أرغم الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش على مواجهة وضع هش للغاية في الأشهر الأخيرة، فقد أدت الاحتجاجات الطلابية الحاشدة المطالبة بمكافحة الفساد إلى استقالة رئيس الوزراء ميلوس فوتشيتش وعدد من أعضاء حكومته. لكن الغضب الشعبي وانهيار حكومة ليستا مشكلة الرئيس فوتشيتش الوحيدة، فحتى قبل الاحتجاجات بدا أن نهج الرئيس "الانتقائي" في السياسة الخارجية يواجه مأزقا حقيقيا وضغطا متزايدا، من كل من الاتحاد الأوروبي وروسيا على بلغراد لاختيار طرف واحد، مما ضيق عليه مساحة المناورة. مثل هذه التطورات قد تشعل صراعا مسلحا يعيد إشعال النعرات القومية القديمة ويستدعي تدخلات دولية مباشرة، خاصة إذا استغلت روسيا الفرصة لتفجير البلقان وسيلة لصرف الأنظار عن جبهات أخرى مثل أوكرانيا. لكن يبقى سيناريو "صفقة أميركية كبرى" قائما مع وجود ترامب في البيت الأبيض، بحيث تقايض واشنطن اعتراف صربيا بكوسوفو مقابل اندماج اقتصادي أوسع، وضمانات سياسية لفوتشيتش بالبقاء في الحكم. ويمكن تلخيص السيناريوهات المحتملة في النقاط التالية: يمكن للرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش إذا حافظ على توازنه الداخلي والخارجي أن يستمر على رأس السلطة سنوات قادمة بدعم ضمني من الغرب والصين وروسيا، مقابل تقديم تنازلات شكلية في ملف كوسوفو وتمرير صفقات اقتصادية كبرى مثل إعادة فتح ملف الليثيوم. قد يؤدي اندلاع شرارة في شمال كوسوفو أو إعلان استقلال جمهورية صرب البوسنة إلى إشعال مواجهة إقليمية تدفع الأطراف الدولية إلى الاصطفاف مع هذا الطرف أو ذلك، ما لم تفعل آليات الردع الدبلوماسي والاقتصادي. يطرح سيناريو عقد واشنطن صفقة إقليمية تشمل تنازلات متبادلة، مثل اعتراف صربي رمزي بكوسوفو، مقابل تطبيع اقتصادي واسع وإعادة تدوير النخب السياسية تحت رعاية أمنية أميركية موسعة.


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
صحف عالمية: نتنياهو في حرب مع الجميع ومحاصر في زاوية بشأن غزة
تناولت صحف ومجلات عالمية حالة العزلة السياسية التي يعيشها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، في ظل تصاعد الضغوط الداخلية والخارجية بسبب استمرار الحرب على قطاع غزة ، وتزايد الانتقادات لأدائه السياسي والأمني، بالتزامن مع تعمق أزمته مع القضاء الإسرائيلي وشركائه الدوليين. ففي تحليل نشرته صحيفة ليبيراسيون الفرنسية، رأت الصحيفة أن نتنياهو في "حرب مع الجميع"، مشيرة إلى أن تعيينه ل ديفيد زيني رئيسا لجهاز الأمن الداخلي (الشاباك) يمثل تحديا جديدا للمحكمة العليا، واستمرارا لمساعيه لتقويض أسس الديمقراطية في إسرائيل بدافع من أجندة حكومته اليمينية المتطرفة. وأكد التحليل أن نتنياهو لا يكتفي بقيادة حملة تدمير مأساوية ضد قطاع غزة تحت شعار القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بل يتعمّد أيضا -وفق الصحيفة- استخدام الحرب غطاء لتعميق المواجهة مع المؤسسات القضائية وتصفية الحسابات السياسية داخل إسرائيل. من جهتها، قالت مجلة فورين بوليسي إن نتنياهو بات محاصرا سياسيا في الزاوية بسبب تعنته في مواصلة الحرب على غزة، رغم مطالبات داخلية متزايدة بوقفها لإعادة الرهائن، ونقلت عن شقيق جندي إسرائيلي أسير لدى حماس أن غالبية الإسرائيليين يريدون إنهاء الحرب مقابل الإفراج عن الأسرى. وأضافت المجلة أن الحكومة الإسرائيلية تتجاهل رغبة الشارع، رغم أن إنهاء الحرب هو الخيار الصائب، سواء للرهائن وعائلاتهم أو للشعب الإسرائيلي بأسره، مشيرة إلى أن نتنياهو يواصل تجاهل الأصوات المنادية بإعادة النظر في خياراته. علاقة متوترة وفي سياق متصل، أفادت صحيفة بوليتيكو الأميركية بأن العلاقة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونتنياهو تشهد توترا في الأسابيع الأخيرة، نتيجة تباين وجهات النظر حول ملفات متعددة في الشرق الأوسط، مما يعكس فتورا متزايدا في الدعم التقليدي الذي كان يحظى به نتنياهو من التيار الجمهوري. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين سابقين وحاليين أن بعض أركان إدارة ترامب يشعرون بالإحباط من سلوك نتنياهو تجاه الولايات المتحدة، وتجاهله للمصالح المشتركة، رغم أن توصيف العلاقة بأنها "مقطوعة" قد يكون مبالغا فيه، إلا أن التوتر الراهن مؤشر على تغير في المزاج السياسي الأميركي. وتحت عنوان "هل القانون الدولي الإنساني بلا فاعلية؟"، تساءل مقال رأي في صحيفة لوتون السويسرية عن مصير المعايير القانونية الدولية في ظل مشاهد الدمار في غزة وأوكرانيا، معتبرا أن الانتهاكات المتكررة للقانون الدولي لا تعني زواله، بل تفرض الحاجة إلى تفعيل أدوات المحاسبة والردع. وأوضح المقال أن قانون النزاعات المسلحة خُلق ليُخترق، لكنه أيضا يتضمن آليات للاستجابة، تبدأ من الإدانة السياسية وتنتهي بالعقوبات القانونية، مشيرا إلى أن التحدي الحقيقي يكمن في التطبيق، لا في النصوص، وأن الأمل لا يزال قائما في استعادة فاعليته. وفي ملف حلف شمال الأطلسي (الناتو)، كشفت نيويورك تايمز أن بعض الدول الأوروبية تجاوبت بشكل غير مباشر مع دعوة ترامب السابقة لزيادة الإنفاق الدفاعي، حيث بدأت مناقشات جدية داخل الحلف بشأن رفع نسبة الإنفاق العسكري إلى 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى 1.5% أخرى للجهوزية غير التقليدية بحلول عام 2032. وأشارت الصحيفة إلى أن دعوة ترامب، التي ووجهت برفض في البداية، باتت اليوم مقبولة بشكل جزئي في ظل التحديات الأمنية المتصاعدة، وذلك يعكس تحولا في المقاربة الأوروبية للدفاع الجماعي ضمن الحلف.