logo
الإمام زيد .. ثورة لا تُدفن

الإمام زيد .. ثورة لا تُدفن

يمني برس٢٠-٠٧-٢٠٢٥
يمني برس | بقلم _ عبدالمؤمن جحاف
في زمنٍ كان الصمت فيه خيانة، وكان الانحناء أمام الطغيان ديدن الكثير من العلماء والفقهاء والساسة، خرج الإمام زيد بن علي عليه السلام شاهراً صوته وسيفه في وجه الظلم، لا ليؤسس مذهباً فقهياً، ولا ليصنع لنفسه مجداً شخصياً، بل ليعيد للمسلمين معنى الإيمان الحق الذي يتجلى في مقارعة الظالمين والاصطفاف إلى جانب المظلومين.
لم يكن الإمام زيد عليه السلام صاحب مشروع مذهبي يبحث عن أتباع، بل كان صاحب مشروع قرآني يبحث عن نهضة للأمة، عن وعي، عن ثورة تبدأ من داخل النفس وتنتهي في مواجهة عروش الطغيان. لقد مثّل نموذج المسلم الواعي الصادق الذي لا يتركه كتاب الله ساكتاً على منكر، ولا يدعه ساكناً أمام استبداد.
حين وقف عليه السلام أمام فقهاء السلطة وقادة الجور، كان واعياً أن دين الله لا يُختزل في عبادة جوفاء ولا في تأويلات محنطة، بل في حركة واعية نابعة من آيات القرآن، ترجمتها العملية تكون في موقف، وموقف الإمام زيد لم يكن إلا ثورة.
قد يسأل المرء: أين قبر الإمام زيد؟ والحقيقة أن هذا السؤال هو أول الطريق لفهم عظمة هذا الرجل. فالرجل الذي عاش قرآناً ناطقاً ومجاهداً فذاً، لم تكن الأرض لتحتضنه في مكانٍ محدد. لقد ذاب جسده الطاهر في مياه الفرات بعد أن تم التمثيل به وإحراقه، لتختلط ذراته بماء السماء ونبات الأرض، وكأن روحه شاءت أن تبقى حاضرة في كل مكان، تسري في عروق المجاهدين وتنهض في قلوب الثائرين. هو الوحيد الذي ارتوى منه العطاشى دون أن يروه، وارتفعت هممهم بنور ثورته دون أن يلمسوا ترابه.
إن عظمة الإمام زيد تكمن في أنه لم يكن مجرد قائد عسكري ولا فقيه منزوٍ في أروقة الكتب، بل كان جامعاً بين الفكر والسيف، بين البصيرة والدم، بين الثقافة القرآنية والثورة على كل أشكال الانحراف.
ثورة الإمام زيد ليست حدثاً تاريخياً يُحتفى به كل عام وحسب، بل هي مشروع مستمر، مدرسة مفتوحة، منهج متكامل في التحرر والنهوض. لقد قالها بملء إرادته: 'والله ما يدعني كتاب الله أن أسكت'، وهي ليست مجرد عبارة عابرة، بل إعلانٌ صريح أن القرآن – عند المؤمنين الحقيقيين – لا يُقرأ للبركة فقط، بل يُقرأ للتحرك، للمواجهة، للرفض، للقيام. والقيام عند الإمام زيد كان شعاراً وواقعاً، موقفاً وسيفاً، صوتاً ودماء.
فحين تقرأ ثورته، لا ترى حراكاً عاطفياً أو ردة فعل آنية، بل ترى وعياً عميقاً تشكّل في مدرسة أهل البيت، وفهماً دقيقاً للقرآن الكريم، وامتداداً أصيلاً لثورة جده الحسين عليه السلام. فالحسين كان الدم الصارخ في وجه يزيد، وزيد كان الصدى الذي لم ينكسر بعد عقود من الصمت، فصرخ في وجه هشام وأعوانه.
عجيبٌ هو الإمام زيد؛ فكل المذاهب تحمل أسماء مؤسسيها، أما هو فقد رفض أن يُحوّل نضاله إلى طقوس، أو حركته إلى مجرد 'مذهب فقهي'. ما تركه زيد كان أعظم من ذلك؛ ترك وعياً متحركاً، وشرارة متقدة، ومنهجاً لا يُقيد بالمصطلحات، بل يُصاغ في ساحات الكرامة والعزة.
إن من يقرأ سيرة الإمام زيد عليه السلام لا يملك إلا أن يتساءل: هل نحن اليوم أوفياء لهذه الروح؟ هل نقرأ القرآن كما قرأه زيد؟ هل نحيا القضية كما عاشها هو؟ وهل نثور على الظلم كما ثار؟
في زمننا هذا، حيث تتزاحم الفتاوى حول الجزئيات، وتُخرس الأصوات الحرة باسم 'المصلحة'، ويُتهم المقاومون بأنهم 'مغامرون'، تبقى ذكرى الإمام زيد صوتاً نبوياً يجلجل في الآفاق:.
لا قبر له، نعم. لكن له في كل قلب قبر، وفي كل موقف صادق مزار، وفي كل دمعة حرقة مديح، وفي كل جبهة مقاتل حيٌّ لا يُنسى. زيد ليس ماضياً، بل هو الحاضر والمستقبل، هو الرمز والقدوة، هو الإمام الذي لا تموت قضيته، لأنه ببساطة… جعل من القرآن قائده، ومن الجهاد سبيله، ومن الله غايته.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مطالب بمنح 'التيك توكرز' ومقدمي المحتوى ترخيص رسمي لضبط المحتوى
مطالب بمنح 'التيك توكرز' ومقدمي المحتوى ترخيص رسمي لضبط المحتوى

البشاير

timeمنذ 10 دقائق

  • البشاير

مطالب بمنح 'التيك توكرز' ومقدمي المحتوى ترخيص رسمي لضبط المحتوى

أكد الدكتور أسامة قابيل، من علماء الأزهر الشريف، أن الأزمة المرتبطة بمنصات التواصل الاجتماعي وعلى رأسها تطبيق 'تيك توك' لا تُحل عبر قرارات الحظر أو المنع، بل تحتاج إلى ضوابط وتشريعات حكيمة توازن بين حرية التعبير والحفاظ على القيم. وأوضح الدكتور قابيل، في تصريحات له أن 'المنع الكامل ليس هو الحل، لأن الشباب سيتجه إلى منصات بديلة وربما تكون أكثر خطرًا، لكن الحل العملي هو تقنين النشاط الرقمي من خلال إلزام من يُنشئون المحتوى بالحصول على ترخيص رسمي، كما يحدث في الإعلام المرئي والمسموع، يُحدد فيه طبيعة المحتوى ومسؤولية صاحبه'. وأضاف: 'لابد من التفرقة بين من يستخدم المنصة في نشر محتوى هادف، وبين من يستغلها في بث مشاهد تخالف قيم المجتمع وآدابه العامة، وهؤلاء ينبغي أن يُحاسبوا بموجب القانون، لا أن يُعاقَب الجميع'. وأشار الدكتور قابيل إلى أن التمييز بين المحتوى الصالح والطالح هو من صميم الشريعة، مستشهدًا بقول الله تعالى: 'فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض'، مؤكدًا أن ما ينفع الناس من علم وتوجيه وترفيه مباح لا حرج فيه، أما ما يُشيع الفحش والرذيلة فينهى عنه الإسلام بشدة، لقوله سبحانه: 'إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة'. وعن الأموال التي يحصل عليها صانعو المحتوى عبر تيك توك، أوضح الدكتور قابيل أن 'الأموال في ذاتها ليست حرامًا، لكن الحكم يرتبط بطبيعة المحتوى، فإن كان المحتوى نافعًا، محترمًا، ويخلو من الإيذاء الأخلاقي أو الديني، فإن الكسب منه حلال، أما إذا كان قائمًا على التعرّي، أو الإسفاف، أو الإفساد، فإن الكسب منه حرام شرعًا، لأنه مبني على باطل'. وأكد أن الشريعة الإسلامية تضع ضوابط واضحة في الكسب، مستشهدًا بحديث النبي ﷺ: 'إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا} وقال: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم}' [رواه مسلم]. وتابع: 'نسأل الله أن يهدي شبابنا لما فيه الخير للبلاد وصلاح العباد، وأن يقدموا رسالة جميلة تنفع الناس وتمكث فى الأرض' .

لا مكان للخونة في يمن الإيمان والحكمة
لا مكان للخونة في يمن الإيمان والحكمة

يمرس

timeمنذ 34 دقائق

  • يمرس

لا مكان للخونة في يمن الإيمان والحكمة

لقد أطلق السيد القائد- يحفظه الله- يوم الخميس الماضي، تحذيراً قوياً ليضع حدًا لأي تهاون أو تواطؤ، وليؤكد أن أيّ رهان على الصهاينة هو انتحار سياسي ومجتمعي، بل خيانة صريحة للشعب، للوطن، ولقضية الأمة المركزية: .. حيث قال": نوجه التحذير لكل من تسوّل له نفسه الوقوف مع العدو الإسرائيلي من كل أدوات الخيانة والغدر والإجرام"، أهمية الوعي ما لا يدركه العدو وأدواته أن الجبهة الداخلية اليوم أكثر تماسكًا ووعيًا من أي وقت مضى، وأن الحشود المليونية في الساحات التي تخرج كل جمعة، ليست مجرد مظاهرة احتجاجية، بل تعبيرٌ واضخ عن ولاءٍ راسخ، ورفضٍ مطلق لأي مشروع استسلامي أو مسار تطبيعي. رسالة واضحة الرسالة التي حملها الخطاب واضحة لكل من تسوّل له نفسه الاصطفاف مع العدو، إعلاميًا، أمنيًا، او بأي شكل الأشكال فقد وضع نفسه في مواجهة مع الشعب، مع الجيش، ومع المشروع الوطني التحرّري، وسيكون مصيره الانكشاف، والنبذ، ثم الاجتثاث. ولم يكتفِ السيد القائد بالتحذير، بل وضع المعادلة الصلبة.. اليمن اليوم ليس هشًا ولا مستكينًا، بل في ذروة استعداده التعبوي والعسكري، وسيفه لا يرحم يد الغدر إن امتدت. لا مكان للحياد المعركة اليوم حاسمة، لا تحتمل الوقوف في المنطقة الرمادية، فإما أن تكون مع الوطن، أو مع العدو، أما أولئك الذين يحاولون اللعب على الحبال، أو ارتداء أقنعة الوطنية المزيفة، فسينكشفون أمام هذا الشعب الذي خبرهم جيدًا، ولفظهم منذ أول انحناءة أمام حفنة من المال المدنس.

نافذة - برقية نادرة للملك عبدالعزيز تكشف عمق التواصل الإنساني مع رجالات الدولة في زمن التأسيس
نافذة - برقية نادرة للملك عبدالعزيز تكشف عمق التواصل الإنساني مع رجالات الدولة في زمن التأسيس

نافذة على العالم

timeمنذ 40 دقائق

  • نافذة على العالم

نافذة - برقية نادرة للملك عبدالعزيز تكشف عمق التواصل الإنساني مع رجالات الدولة في زمن التأسيس

الاثنين 4 أغسطس 2025 02:50 صباحاً أبرزت دارة الملك عبدالعزيز وثيقة تاريخية نادرة تعود إلى 25 شوال 1344هـ، تكشف جانبًا من أسلوب التواصل القيادي الذي انتهجه الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود –رحمه الله– مع رجالات الدولة في بدايات التأسيس، وتُبرز اهتمامه العميق بالأوضاع الداخلية للبلاد وروح المودة التي كانت تسود علاقاته مع مواطنيه. وتتضمن الوثيقة برقية بعث بها الملك عبدالعزيز إلى عبدالوهاب أبو ملحة –أحد رجالات الدولة آنذاك– عبّر فيها عن سروره بوصول رسالته وسؤاله عن حاله، مطمئنًا إياه على أوضاعه، وداعيًا له بالخير والسرور، وموجهًا بإبلاغ السلام إلى أبنائه، مع تحيات الإخوان والأبناء من جانبه –رحمه الله–، ما يعكس عمق العلاقات الاجتماعية والروابط الإنسانية التي حرص على ترسيخها في تعاملاته مع الأفراد. كما عبّر الملك عبدالعزيز في البرقية عن امتنانه لما تنعم به البلاد من رخاء في الأسعار وكثرة في الأمطار، مبتهلًا إلى الله بأن يَعمّ الخير سائر أرجاء بلاد المسلمين، ومؤكدًا على أهمية الدعاء المتبادل والتواصل في تلك المرحلة الحساسة من بناء الدولة. وتُعد هذه الوثيقة شاهدًا مهمًا على طبيعة القيادة الحكيمة للملك عبدالعزيز، وحرصه على الاطمئنان على رجالات الدولة ومواطنيه، كما تسلط الضوء على الأجواء العامة التي كانت تسود المملكة آنذاك من رخاء واستقرار وأمن، وهو ما شكّل ملامح المرحلة التأسيسية للدولة السعودية الحديثة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store