
لكننا.. كما كُنَّا!
يوسف عوض العازمي
@alzmi1969
"لطالما حسدُتُ الكُتَّاب الذين يعرفون أفضل الساعات للكتابة" كي ميلر.
*****
بصَّرتُ ونجَّمتُ كثيرًا
لكني لم أقرأ أبدًا فنجانًا يُشبه فنجانك
بصَّرتُ.. ونجَّمتُ كثيرًا
لكني لم أعرف أبدًا أحزانًا تشبه أحزانك
ما سبق هي من كلمات الراحل نزار قباني، الذي يتحدث عن الحزن بطريقة غريبة، تشعر بأوجاعه وخلجاته والاكتئاب، ويربط هذا الحزن بالحب، ولا أعلم ما الذي أتى بالحب إلى الحزن، والاكتئاب. وبعيدًا عن نظرية الحزن "النِزاريَّة"، لا أفهم كيف أتى بقارئة فنجان تُنجِّم وتبصر له أحوالًا لا يعلمها، وأحزانًا كما ذكرت له القارئة بأنها لا تعرف أحزانًا تشبه أحزانه، هل هي فلسفة قراءة الفنجان، وهل لقراءة الفنجان فلسفة، الفلسفة هي محبة الحكمة، وأي حكمة وأية محبة التي تكون في عهدة قارئة فنجان قد لا تقبل بثمن عادي عن القراءة.
على ذكر القراءة، والكتابة أيضًا، هل يعتقد القارئ المحترم بأنَّ القصة تساوي تعبها وإشغال الذهن بها، هنا أحدثك أيها القارئ، وأسألك وأرجو الإجابة التي أظنها ستكون بينك وبين نفسك، أي أنها جواب سري، وليكن سريا، وأعيد لك على طريقة التكرار يعلم الشطار (انتبه.. أقصد الشطار ولا شيء غير ذلك) هل تساوي الكتابة تعبها، هل وأنت تقرأ هذه الكلمات تشعر بأن وراءها تعب ذهني، أم أنك تعتبرها كأنها كتابة رسالة في الواتساب؟
بصراحة أكثر، هل تعتقد لو أن الكاتب استخدم الذكاء الاصطناعي لكتابة هذا المقال، أليس بأفضل من إشغال الذهن لكتابة مقال ربما لن يقرأه إلا القليل من القراء، وممكن جدا ولم لا، أحد القراء وقع نظره على المقال بالصدفة وتورط في قراءته، لا تستغرب، تحصل مع أحسن القراء!
وعلى ذكر القراءة، ما أخبار الرسوم الجمركية الأمريكية التي تصدرت نشرات الأخبار، وهل تعتقد (حديثي لك قارئي العزيز) أن مصدر ومقرر القرارات لا يفهم، أم أنَّه حقق الهدف؟
في القرارات ذات النزعة الاقتصادية الممتزجة باللمسات السياسية، لا تظن أبدًا أنها متخبطة أو عشوائية، بالعكس مدروسة تمامًا وما ماهياتها وما نتائجها، لا يمكن لهكذا قرارات أن تتسم بالصدفة، فتش عن المستفيد، تصور أنه خلال أيام قصيرة جدا (أقل من أسبوع) هبطت أسعار الأسهم هبوطاً حاداً، ثم ارتدت باخضرار لامع، هنا فتش من المستفيد.
لنرجع لنزار وأحزانه وقارئة الفنجان، وبلا سياسة وبلا اقتصاد، ونتحدث ونرجع إلى وعن الكتابة وهل نحن الآن في زمن يستوعب وجود صحف، والصحف التي بها صفحات كتاب رأي؟
لن أجيب، فالجواب لك، لكني أظنُ وقلتُها أكثر من مرة، إننا في زمن التغريدة، تصور تغريدة من 140 حرفًا تُغني عن مقال كامل، طبعًا أحدثك عن مقالات عادية كالتي يكتبها العبد لله، ولا أحدثك عن مقالات متخصصة أو تقارير أو أبحاث.
على طارئ الأبحاث سمعتُ- ولست متأكدًا تمامًا- أن الذكاء الاصطناعي يمارس ألعابه البهلوانية على صفحات بعض طلبة دور الدراسة العليا، الآن أي طالب ذكي (ولا أقول نزيه وأمين) باستطاعته إنجاز تقرير أو دراسة أو حتى بحث عبر الذكاء الاصطناعي، لا تستغرب، كل شيء ممكن حدوثه.
على فكرة، والحديث ما يزال باتجاهك قارئي العزيز ما رأيك في عنوان المقال: لكننا.. كما كُنَّا؟
هنا أقصد بأن العبد لله كما كان، ما يزال يكتب عبر العصف الذهني بعقله البسيط، وتأكد لو أن للعبد لله علاقة مع الذكاء الاصطناعي، لأراح ذهنه، وتوكل على الله، وأحالك لمقال مرتب من إنتاج الذكاء الاصطناعي، وفي نهايته أكتبُ أسمي ومعه حسابي في وسائل التواصل، وبدقيقتين، و"يا أرض احفظي ما عليكِ"!
لا تنتقد، ولا تنزعج، صدقني كل شيء تغير في هذا العالم، حتى البصل الأخضر والبقدونس مع صندوق طماطم بإمكانك طلبها عبر تطبيق من هاتفك، لا حاجة للذهاب للسوق والبحث عن مكان لإيقاف سيارتك، فقط أضغط أزرار الهاتف وأنت جالس تحتسي القهوة وأمامك طبق من التمر الإحساوي، الدنيا تسهلت يا عزيزي، فهل تريد الكاتب يستمر في كتابة مقال ممكن لن يقرأه إلا أنت، وأيضًا ممكن قرأته بالصدفة.
ومن تسهيلات الدنيا ما يزال الصهاينة يعيثون فسادًا في الأرض، ويقتلون ويخربون ويدمرون في غزة الغالية، وكلنا لا نملك إلا إرسال بطانيات أو أغذية وبإذن المحتل الغاصب، ولا حسيب ولا رقيب، ولا قانون دولي و لا محكمة عدل، وفعلا السياسة أساسها القوة، فإن كنت لا تملك قوة لا تحدثني إلا عن إرسال أغطية نوم أو أغذية، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
يقول القائد الفرنسي التاريخي نابليون بونابرت: لا توجد كلمة مستحيل إلا في قاموس الضعفاء.
قال تعالى: "
وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ
" (الأنفال: 60).
ما سبق كانت خواطر كتبتها في هذا المقال، الذي لا أعلم هل سيكون آخر مقال يُنشر للعبد الفقير أم مجرد استراحة، وقد توقفتُ أمام رأي أحد الكرام فيما أكتب؛ حيث تعدى حدود المجاملة اللطيفة لحسن أخلاقه: "مقالاتك جدًا رائعة.. سهلة.. وفكرتها مُركَّزة وأسلوبها ماتع جدًا، ليست طويلة لتُمَل منها ولا موجزة تفقد فكرتها، في كل الاحوال أثرك وتأثيرك من خلال مقالاتك لا غبار عليه".
وأعتقدُ أن الكريم اللبق أراد المواساة لحال كاتب في زمان الذكاء الاصطناعي، ويا أيها الكريم الطيب تأكد أن الكتابة تبقى مع الكاتب وإن لم ينشر، كالقصيدة التي لا تفارق شاعرها، لكن أحيانًا عندما تكون دعوى البقاء غير مجدية؛ فالأفضل الابتعاد، وترك الساحة الشاسعة لمن أراد.. وشكرًا له ألف شكر، وجزاه الله عني خيرًا.
وكذلك أسعدني أحد الكرام أيضًا؛ إذ قال: "إضاءاتك من زاوية مختلفة لم يتطرق إليها أحد، وهذا بحد ذاته تفرُّد وتميُّز، والكتابة فعلًا مُرهِقة وضاغطة على الذهن والأعصاب". شكرًا وألف شكر له ولرأيه الكريم، والله يجعلنا خيرًا مما يظنون.
أتقدم بوافر الاحترام والتقدير لكل من شرفني بقراءة ما أكتب؛ سواء هذا المقال المتواضع، أو المقالات السابقة، وأرجو السماح عن أي تقصير، وألف شكر للزملاء الكرام في صحيفة الرؤية العزيزة، وعلى رأسهم الأستاذ رئيس التحرير حاتم الطائي، والأستاذ مدير التحرير أحمد عمر، على بالغ الحفاوة وحسن الاهتمام للعبد الفقير لله، أدام الله على الجميع نعمة الأمن والأمان والصحة والعافية.
أستودعكم الرحمن الذي لا تضيع ودائعه.
يقول تعالى: "
فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ
" (الرعد: 17).

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الرؤية
١٢-٠٤-٢٠٢٥
- جريدة الرؤية
لكننا.. كما كُنَّا!
يوسف عوض العازمي @alzmi1969 "لطالما حسدُتُ الكُتَّاب الذين يعرفون أفضل الساعات للكتابة" كي ميلر. ***** بصَّرتُ ونجَّمتُ كثيرًا لكني لم أقرأ أبدًا فنجانًا يُشبه فنجانك بصَّرتُ.. ونجَّمتُ كثيرًا لكني لم أعرف أبدًا أحزانًا تشبه أحزانك ما سبق هي من كلمات الراحل نزار قباني، الذي يتحدث عن الحزن بطريقة غريبة، تشعر بأوجاعه وخلجاته والاكتئاب، ويربط هذا الحزن بالحب، ولا أعلم ما الذي أتى بالحب إلى الحزن، والاكتئاب. وبعيدًا عن نظرية الحزن "النِزاريَّة"، لا أفهم كيف أتى بقارئة فنجان تُنجِّم وتبصر له أحوالًا لا يعلمها، وأحزانًا كما ذكرت له القارئة بأنها لا تعرف أحزانًا تشبه أحزانه، هل هي فلسفة قراءة الفنجان، وهل لقراءة الفنجان فلسفة، الفلسفة هي محبة الحكمة، وأي حكمة وأية محبة التي تكون في عهدة قارئة فنجان قد لا تقبل بثمن عادي عن القراءة. على ذكر القراءة، والكتابة أيضًا، هل يعتقد القارئ المحترم بأنَّ القصة تساوي تعبها وإشغال الذهن بها، هنا أحدثك أيها القارئ، وأسألك وأرجو الإجابة التي أظنها ستكون بينك وبين نفسك، أي أنها جواب سري، وليكن سريا، وأعيد لك على طريقة التكرار يعلم الشطار (انتبه.. أقصد الشطار ولا شيء غير ذلك) هل تساوي الكتابة تعبها، هل وأنت تقرأ هذه الكلمات تشعر بأن وراءها تعب ذهني، أم أنك تعتبرها كأنها كتابة رسالة في الواتساب؟ بصراحة أكثر، هل تعتقد لو أن الكاتب استخدم الذكاء الاصطناعي لكتابة هذا المقال، أليس بأفضل من إشغال الذهن لكتابة مقال ربما لن يقرأه إلا القليل من القراء، وممكن جدا ولم لا، أحد القراء وقع نظره على المقال بالصدفة وتورط في قراءته، لا تستغرب، تحصل مع أحسن القراء! وعلى ذكر القراءة، ما أخبار الرسوم الجمركية الأمريكية التي تصدرت نشرات الأخبار، وهل تعتقد (حديثي لك قارئي العزيز) أن مصدر ومقرر القرارات لا يفهم، أم أنَّه حقق الهدف؟ في القرارات ذات النزعة الاقتصادية الممتزجة باللمسات السياسية، لا تظن أبدًا أنها متخبطة أو عشوائية، بالعكس مدروسة تمامًا وما ماهياتها وما نتائجها، لا يمكن لهكذا قرارات أن تتسم بالصدفة، فتش عن المستفيد، تصور أنه خلال أيام قصيرة جدا (أقل من أسبوع) هبطت أسعار الأسهم هبوطاً حاداً، ثم ارتدت باخضرار لامع، هنا فتش من المستفيد. لنرجع لنزار وأحزانه وقارئة الفنجان، وبلا سياسة وبلا اقتصاد، ونتحدث ونرجع إلى وعن الكتابة وهل نحن الآن في زمن يستوعب وجود صحف، والصحف التي بها صفحات كتاب رأي؟ لن أجيب، فالجواب لك، لكني أظنُ وقلتُها أكثر من مرة، إننا في زمن التغريدة، تصور تغريدة من 140 حرفًا تُغني عن مقال كامل، طبعًا أحدثك عن مقالات عادية كالتي يكتبها العبد لله، ولا أحدثك عن مقالات متخصصة أو تقارير أو أبحاث. على طارئ الأبحاث سمعتُ- ولست متأكدًا تمامًا- أن الذكاء الاصطناعي يمارس ألعابه البهلوانية على صفحات بعض طلبة دور الدراسة العليا، الآن أي طالب ذكي (ولا أقول نزيه وأمين) باستطاعته إنجاز تقرير أو دراسة أو حتى بحث عبر الذكاء الاصطناعي، لا تستغرب، كل شيء ممكن حدوثه. على فكرة، والحديث ما يزال باتجاهك قارئي العزيز ما رأيك في عنوان المقال: لكننا.. كما كُنَّا؟ هنا أقصد بأن العبد لله كما كان، ما يزال يكتب عبر العصف الذهني بعقله البسيط، وتأكد لو أن للعبد لله علاقة مع الذكاء الاصطناعي، لأراح ذهنه، وتوكل على الله، وأحالك لمقال مرتب من إنتاج الذكاء الاصطناعي، وفي نهايته أكتبُ أسمي ومعه حسابي في وسائل التواصل، وبدقيقتين، و"يا أرض احفظي ما عليكِ"! لا تنتقد، ولا تنزعج، صدقني كل شيء تغير في هذا العالم، حتى البصل الأخضر والبقدونس مع صندوق طماطم بإمكانك طلبها عبر تطبيق من هاتفك، لا حاجة للذهاب للسوق والبحث عن مكان لإيقاف سيارتك، فقط أضغط أزرار الهاتف وأنت جالس تحتسي القهوة وأمامك طبق من التمر الإحساوي، الدنيا تسهلت يا عزيزي، فهل تريد الكاتب يستمر في كتابة مقال ممكن لن يقرأه إلا أنت، وأيضًا ممكن قرأته بالصدفة. ومن تسهيلات الدنيا ما يزال الصهاينة يعيثون فسادًا في الأرض، ويقتلون ويخربون ويدمرون في غزة الغالية، وكلنا لا نملك إلا إرسال بطانيات أو أغذية وبإذن المحتل الغاصب، ولا حسيب ولا رقيب، ولا قانون دولي و لا محكمة عدل، وفعلا السياسة أساسها القوة، فإن كنت لا تملك قوة لا تحدثني إلا عن إرسال أغطية نوم أو أغذية، ولا حول ولا قوة إلا بالله. يقول القائد الفرنسي التاريخي نابليون بونابرت: لا توجد كلمة مستحيل إلا في قاموس الضعفاء. قال تعالى: " وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ " (الأنفال: 60). ما سبق كانت خواطر كتبتها في هذا المقال، الذي لا أعلم هل سيكون آخر مقال يُنشر للعبد الفقير أم مجرد استراحة، وقد توقفتُ أمام رأي أحد الكرام فيما أكتب؛ حيث تعدى حدود المجاملة اللطيفة لحسن أخلاقه: "مقالاتك جدًا رائعة.. سهلة.. وفكرتها مُركَّزة وأسلوبها ماتع جدًا، ليست طويلة لتُمَل منها ولا موجزة تفقد فكرتها، في كل الاحوال أثرك وتأثيرك من خلال مقالاتك لا غبار عليه". وأعتقدُ أن الكريم اللبق أراد المواساة لحال كاتب في زمان الذكاء الاصطناعي، ويا أيها الكريم الطيب تأكد أن الكتابة تبقى مع الكاتب وإن لم ينشر، كالقصيدة التي لا تفارق شاعرها، لكن أحيانًا عندما تكون دعوى البقاء غير مجدية؛ فالأفضل الابتعاد، وترك الساحة الشاسعة لمن أراد.. وشكرًا له ألف شكر، وجزاه الله عني خيرًا. وكذلك أسعدني أحد الكرام أيضًا؛ إذ قال: "إضاءاتك من زاوية مختلفة لم يتطرق إليها أحد، وهذا بحد ذاته تفرُّد وتميُّز، والكتابة فعلًا مُرهِقة وضاغطة على الذهن والأعصاب". شكرًا وألف شكر له ولرأيه الكريم، والله يجعلنا خيرًا مما يظنون. أتقدم بوافر الاحترام والتقدير لكل من شرفني بقراءة ما أكتب؛ سواء هذا المقال المتواضع، أو المقالات السابقة، وأرجو السماح عن أي تقصير، وألف شكر للزملاء الكرام في صحيفة الرؤية العزيزة، وعلى رأسهم الأستاذ رئيس التحرير حاتم الطائي، والأستاذ مدير التحرير أحمد عمر، على بالغ الحفاوة وحسن الاهتمام للعبد الفقير لله، أدام الله على الجميع نعمة الأمن والأمان والصحة والعافية. أستودعكم الرحمن الذي لا تضيع ودائعه. يقول تعالى: " فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ " (الرعد: 17).


جريدة الرؤية
١٧-٠٣-٢٠٢٥
- جريدة الرؤية
وألوانها بيضاء ورمادية!
يوسف عوض العازمي @ alzmi1969 "عندما يأمن الموظف العقاب سيقع في الفساد ويسوم الفقراء سوء العذاب" نجيب محفوظ. ***** القاعدة التي يتداولها الناس هي أنه مع تطور مكافحة الجريمة تجد الجريمة نفسها تتطور بشكل أعلى من تطور المكافحة، النفس الضعيفة التي لا يردعها وازع ديني ولا أخلاق حسنة ولا أمانة صعب إيقافها وردعها إلّا بغلاظة القانون، والمثل يقول "من لا يُربيه بيته يُربيه القانون". قبل أكثر من 35 عامًا، عُرضت على شاشات تلفزيون دولة الكويت آنذاك، حلقات مسلسل ساخر عرض في رمضان في ذاك الوقت، ويتحدث عن طاغية حكم بلدة ما اسمه "كامل الأوصاف"، وكانت حلقات المسلسل وتصرفات الطاغية الذي قام بدوره الفنان القدير غانم الصالح- رحمه الله- وكأنها تستشرف المستقبل؛ حيث العبقرية في كتابة النص، ودقة التوصيف للحدث، والرؤية الثاقبة لمستقبل الأيام، وحقق المسلسل نجاحا منقطع النظير يستحقه ولا شك. من المشاهد المعبرة التي تضمنها المسلسل الشهير مشهد يظهر به الطاغية كامل الأوصاف وهو يصدر قرارا بصبغ ألوان البيوت باللونين الأبيض والرمادي، ليس لأن هناك لجنة متخصصة أقرت ذلك وليس لأنَّ المصلحة العامة تتطلب ذلك، إنما لأن حليف الطاغية التاجر شاهبندر التجار وقع في ورطة بسبب تكدس الأصباغ باللونين الأبيض والرمادي في مخازنه بسبب صفقة خاسرة، ولذلك تعاطفاً مع الشاهبندر وليس تعاطفا مع المصلحة العامة، قرر الحاكم الطاغية أن يتحمل الشعب المغلوب على أمره تبعات خسارة التاجر، ويصبغ البيوت بالأبيض والرمادي، وألف مبروك الربح للشاهبندر، وتعيش وتأكل غيرها أيها الشعب المسكين. المقال تقريبًا انتهى، وسأترك لك تفسير أشياء كثيرة تدور حولك، وهنا أركز على دور الفن الهادف في توعية المجتمع، فالفن الحقيقي هو برلمان حقيقي وسلطة فاعلة للمجتمع. الفن، والصحافة الحرة، وحرية الرأي المسؤولة، هي أعمدة للمجتمع وليست على المجتمع، متى ما أصبح قادتها أناس ثقات ووطنيين سيكونون هم الصوت المعبر للشعب، ومن يقرأ التاريخ يعلم أن النهضة الأوروبية انطلقت بأساس من الآداب والفنون والثقافة التي كانت قاعدة انطلقت منها بقية العلوم التي بدأت من الآلة البخارية حتى وصلنا لعصر الذكاء الاصطناعي. يا ترى هل مشهد الأصباغ البيضاء والرمادية سيتكرر في عصورنا الحالية، أم سيبقى مشهدا مسليا، للضحك وللفكاهة! يقول تعالى: " إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ " (الرعد:11). وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه، والأمير راعٍ، والرجل راعٍ على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولدِه، فكلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤول عن رعيَّتِه"؛ متفق عليه.


جريدة الرؤية
١٥-٠٢-٢٠٢٥
- جريدة الرؤية
التاريخ.. والسياسة.. والشِعر!
يوسف عوض العازمي @ alzmi1969 "وحده الشعر يُمكنه كسر الغرف المغلقة للإلهام، وإرجاع المناطق المخدرة إلى الشعور، وإعادة شحن الرغبة". أدريان ريتش. ***** في جلسة ليلية بإحدى ليال الكويت الباردة، تحت خيمة الصباح الدافئة، وعلى وهج الجمر فوق الدوه، وفوقها تجلس بهدوء على النار الهادئة دلة قهوة، و قوري شاي، وأحاديث سمر عن التاريخ، والسياسة، وأحوال الناس، وأوضاع الأحوال المستقرة واللا مستقرة، وتدخلات القصيد والشعر، وآراء أهل الأدب في السياسة، وكلام أهل الاقتصاد عن التضخم، والإنتاج والبطالة، وأحاديث تميل أحيانًا عن أسعار الغنم والأبل، وتموضعات ما جرى ويجري على ساحة السياسة الدولية، وأثناء ذلك و بعد ذلك حضر الشعر، وازدان المجلس بأبياته، وتعلقت المعاني بذهن السامع، ويبقى المعنى في بطن الشاعر! يا صاحبي بعض العرب ناموا وأنا نومي ثقيل والسالفة إن روحت أو وقفت هي مشكلة.. يا صاحبي والشدة إمع النفس بالدرب الطويل تعبر مسافات الطريق الموحشة والموغلة. تجري بنا الأيام والأحلام وبليا حصيل سنين عمر الناس مرسومة سواة السلسلة.. بعض المسائل غامضة مستصعبات وما تميل تحرق مراحل وضعها من مرحلة لي مرحلة.. أدور وأوقف وأتحرك والمساعي ما تخيل وأدارك الوضع المشوه وأتحاشى البهذلة.. مرة تجي بالكيف ومره هي سواه المستحيل لا شك خلاق الملا.. أمورنا ما تجهله.. أمشي وأبطي خطوتي أناظر إل شمس الأصيل أفكر بعمق العلوم القادمات المقبلة.. عن السياسة وأهلها وإعلوم من قايل وقيل ومن يكتب التاريخ ويدون جواب الأسئلة.. بحر السياسة فايض بالدم وأمواجه تسيل كل يداحم بس منهو اللي يطول الطايلة.. يا كم عميل في عواهنها تبرا من عميل صفحات تاريخ البشر فيها العلوم إمسجله.. ما يكتب التاريخ محتال ولا عابر سبيل وأهل النقاط المبهمة وأهل الآراء المرسلة.. أما تكون إكتابتك ملجا ولك ظل ظليل وإلا تخير في فنا التاريخ أية مزبلة! كتابة التاريخ درب شرطه الصبر الجميل كم من مؤرخ مالقا له في كتابتها صله.. الراس في التاريخ ما يصلح تصفه مع ذليل العنصر الفعال في صنع الحدث لا تهمله.. الناس كأصناف المنازل كل منزل له دليل مرقمه ومحسبه.. ومرتبه.. ومنزله.. أكتب حقيقة ما حصل الصدق ما عنه بديل لا تصير في خانة أهل الباطل ولا تستسهله.. ناس تقول وما تطول ناس تشال وما تشيل ناس فرجها الله وناس ما تزال إبمُعضلة.. يا الله نحمد نعمتك إلك الثنا وشكر جزيل إستر علينا ما مضى يسر علينا العاجلة.. أنعامنا خير كثير واللي بقى ما هو قليل من رحمتك من قدرتك في الآخرة والأوله.. يا صاحبي بعض العرب ناموا وأنا نومي ثقيل لا شك خلاق الملا.. أمورنا ما تجهله..