
موسم العودة إلى سوريا.. ازدحام المعابر مع تركيا وأمل بحياة جديدة بعد الغربة
شمال سوريا- تشهد المعابر البرية بين تركيا وشمال سوريا حركة كثيفة في أعداد العائدين السوريين، مع تزايد ملحوظ خلال الأيام الأخيرة. ويتركّز الازدحام بشكل أساسي في معبري باب الهوى وباب السلامة في ريفي إدلب و حلب شمال سوريا، حيث تسجّل طوابير طويلة للعائلات المنتظرة للعبور إلى البلاد.
ويُلاحظ أن غالبية العائدين من العائلات المقيمة في الولايات الجنوبية التركية، مثل غازي عنتاب وشانلي أورفة وأضنة، حيث تستمر الحركة بشكل يومي مع توقعات بارتفاع الأعداد خلال الأسابيع المقبلة، في حين تعمل المعابر بكامل طاقتها لتسيير حركة الدخول وتنظيم العبور.
ويرجع تصاعد أعداد العائدين السوريين من تركيا إلى عدة عوامل مجتمعة، منها حلول فصل الصيف الذي يسهل التنقل والعودة إلى الوطن، إضافة إلى تحسن الأوضاع الأمنية والاقتصادية في بعض مناطق شمال سوريا، مما يعزز فرص الاستقرار، كما يسهم انتهاء العام الدراسي في تركيا في دفع العائلات لاتخاذ قرار العودة مع بداية الإجازة الصيفية.
وبالقرب من معبر "غيلفاغوز" التركي المقابل لمعبر باب الهوى الحدودي مع سوريا، أكد اللاجئ السوري العائد إلى بلاده محمد رحال (38 عاماً) أن قرار العودة كان صعبا، لكن تحسن الوضع الأمني في منطقته ودعم الجهات المحلية جعله يثق بأن المستقبل أفضل في سوريا.
وأضاف الرحال، في حديث للجزيرة نت، أن انتهاء العام الدراسي في تركيا ساعده على ترتيب أموره والعودة مع العائلة، مشيرا إلى أن أطفاله متشوقون لرؤية وطنهم الأم الذي كانوا يسمعون عنه في الأخبار ومن معلميهم الأتراك في المدرسة.
بدورها، تحدثت أم أحمد (56 عاما)، لدى انتظارها العبور إلى سوريا من معبر "باب السلامة"، عن قرارها بالعودة بعد سنوات من الغربة والبعد عن أرضها، لافتة إلى أن الحياة في تركيا أصبحت صعبة، وفرص العمل بدأت تقل جدا وسط غلاء إيجارات المنازل والمواد الأساسية.
وقالت أم أحمد للجزيرة نت: "نشعر بالأمل لما نراه من تحسن في مناطقنا في ريف حلب، ونتمنى أن نبني حياة مستقرة مجددا في بلدنا المحرر من ظلم الأسد وأعوانه الظالمين الذين أجرموا لسنوات".
أما محمود الخطيب، الذي تخرج حديثا في إحدى جامعات إسطنبول، فيقول إن حصوله على عمل مسألة صعبة جدا في تركيا، ويشعر بأنه غريب، لافتا إلى أن فرص العمل في سوريا باتت أفضل من السابق، مع التحرير ورحيل الأسد وأخيرا رفع العقوبات.
رفع الجاهزية
ويشير القائمون على إدارة المعابر البرية مع تركيا شمالي سوريا إلى حركة نشطة وملحوظة تشهدها المعابر، خلال الأيام القليلة الماضية، وسط توقعات بأن يزداد أعداد العائدين إلى البلاد.
في هذا الصدد، يقول مدير العلاقات العامة في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية مازن علوش إن المعابر الحدودية مع تركيا، لا سيما باب الهوى وباب السلامة، تشهد الأسابيع الأخيرة ارتفاعا ملحوظا في أعداد السوريين العائدين إلى البلاد الذين بلغ عددهم منذ سقوط الأسد نحو 250 ألفا.
وأوضح علوش، في حديث للجزيرة نت، أن هذا التزايد يعود إلى عدة عوامل، من أبرزها تحسّن الأوضاع المعيشية داخل بعض المناطق، وعودة الخدمات الأساسية، إلى جانب حالة من الاستقرار الأمني النسبي، وهو ما أسهم في خلق بيئة مشجعة للعودة الطوعية.
ولفت علوش إلى أن الهيئة اتخذت جميع الإجراءات اللازمة لاستيعاب هذا التدفق، من خلال رفع الجاهزية الإدارية والفنية في المعابر، وتشكيل فرق متخصصة لاستقبال العائدين وتوجيههم، فضلا عن تسريع الإجراءات المتعلقة بمعاملاتهم. كما تم تخصيص فرق طبية لمتابعة الحالات الصحية، وتقديم الدعم اللازم لكبار السن والعائلات.
وختم بالقول "ننظر إلى هذه العودة كإشارة مهمة على استعادة الثقة بالمؤسسات الوطنية، ونعمل بالتنسيق مع جميع الجهات المعنية على توفير بيئة آمنة ومحفّزة لمزيد من العائدين الراغبين بالاستقرار".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 9 ساعات
- الجزيرة
من دمشق إلى مكة.. محطات في درب الحج الشامي
من دمشق إلى مكة المكرمة ، امتد طريق الحج الشامي عبر الصحراء، تمر فيه قوافل الحجاج والتجارة منذ دخول الإسلام إلى الشام عام 14هـ -635م، وحتى اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914. شكل الطريق معبرا رئيسا للجيوش الإسلامية، ومسارا تاريخيا عريقا للحجاج الشاميين، وعُرف باسم "التبوكية"، نسبة إلى بلدة تبوك، إحدى أهم محطاته. مسار الحج الشامي يمتد طريق الحج الشامي مسافة 1307 كيلومترات، عابرا ثلاث دول، بدءا من سوريا مرورا بالأردن وانتهاء بالمملكة العربية السعودية. ينطلق درب الحجاج الشاميين من بلدة الكسوة الواقعة في ريف دمشق، ويمر بخان دنون، ثم منطقة غباغب فالصنمين والشيخ مسكين، وصولا إلى منطقة المزيريب على الحدود الأردنية، وينتهي مسار الطريق في سوريا بمدينة درعا، التي تُعد آخر محطة للحجاج في بلاد الشام. بعدها يدخل الطريق الأراضي الأردنية من بلدة المفرق (خان المفرق)، ثم القسطل والحفير ومعان، حتى يصل إلى المدورة أو ما كانت تُعرف تاريخيا بـ"سرغ"، وهي آخر محطة على الجانب الأردني، وتقع جنوب محافظة معان، قرب الحدود السعودية. وداخل السعودية يبدأ الطريق من مركز حالة عمار، وتُعرف بعلم عمودي يرتكز على قاعدة بيضاوية، ومنه يتجه الحجاج جنوبا نحو ذات حاج ثم إلى مدينة تبوك، التي تُعد من أبرز المحطات على الطريق، قبل أن يمروا بمحطة المعظم فالدار الحمراء ثم وادي الأخيضر. يستمر المسار عبر الأقيرع فجبال الطاق (أبو طاقة)، ثم المبرك المعروف أيضا بمبرك الناقة أو الشق، ويليه الحجر أو مدائن صالح، ومن هناك يمر بالعلا فالقرح (وادي القرى)، حتى يصل إلى المدينة المنورة. بعد ذلك يتجه الحجاج إلى مكة المكرمة، مرورا بالمابيات وبدر ثم جدة، التي تعتبر آخر وجهة قبل دخول مكة المكرمة، ويعبر طريق الحج الشامي أراضي سبع مدن سعودية هي: تبوك والعلا والمدينة المنورة وبدر ورابغ وجدة ومكة المكرمة. وقد شكّل هذا الطريق عبر القرون أحد أهم المسارات التي سلكها الحجاج من بلاد الشام نحو الحجاز، وظل شاهدا على تواصل حضاري وروحي وثيق بين المناطق التي يمر بها، كما كان له دور بارز في ازدهار النشاط التجاري والثقافي على امتداده. من قوافل الأمويين إلى قطار العثمانيين اكتسب طريق الحج الشامي مكانة مميزة بعد أن أصبحت دمشق عاصمة الدولة الأموية، وانطلقت منها أولى قوافل الحج الرسمية المنظمة تحت إشراف الدولة الإسلامية، لتسهيل وصول الحجاج من خارج الجزيرة العربية. اهتم الخلفاء الأمويون بإعداد الطريق وتجهيزه وحمايته، وتزويده بالمنارات والعلامات، مثل أميال الطرق التي أمر بها الخليفة عبد الملك بن مروان لتحديد المسافات وتوجيه السائرين. كما جددوا مساجد ومحطات الطريق مثل مسجد الرسول في تبوك، وحفروا البرك والآبار والصهاريج والقنوات بين دمشق ومكة. ورغم تراجع المكانة السياسية لدمشق، ظل الطريق محافظا على أهميته بفعل موقع دمشق الإستراتيجي التجاري. وتبين الشواهد الأثرية أن مدن ومحطات الطريق في ذلك الوقت شهدت عناية عمرانية وخدمية ملحوظة، خاصة في منطقة وادي القرى مثل العلا وقرح والرحبة والسقيا. في القرن 6هـ/ 12م عانى الطريق من تهديدات الصليبيين الذين هاجموا قوافل الحجاج انطلاقا من قلاعهم في الكرك والشوبك. بعدها عاد الأمان والاستقرار بعد سيطرة الأيوبيين على بلاد الشام (570–658هـ / 1174–1260م)، إذ عمل صلاح الدين الأيوبي على حماية الطريق، وحاصر وأسقط قلعة الكرك سنة 584هـ / 1188م. وكان من أبرز من خدموا طريق الحج الشامي في العصر الأيوبي الملك عيسى بن الملك العادل، أحد حكّام دمشق، وقد عُرف باهتمامه الكبير بالطريق، وتشير المصادر التاريخية إلى أنه سار بنفسه على طريق تبوك لمعاينته والوقوف على احتياجاته. أمر العادل ببناء بركة المعظم الشهيرة، إلى جانب عدد من البرك الأخرى، كما وجّه إلى مسح الطريق بين دمشق وعرفات، وسعى إلى تسوية المناطق الوعرة لتسهيل مرور القوافل والحجاج. نال الطريق اهتماما واسعا من حكام دمشق، وازدادت أعداد الحجاج، فقدّر بعض الرحالة في سنة 674هـ / 1286م عدد القافلة بستين ألف راحلة دون الخيل والبغال. ساهمت سيطرة المماليك على مصر والشام والحجاز في تسهيل التحكم بالطريق، وإقامة مشاريع خدمية، كما تظهر نقوش مملوكية كثيرة على الطريق تشير إلى أعمال ترميم واسعة. وبلغ طريق الحج الشامي ذروته في التطور والنشاط والمكانة، إذ أصبحت دمشق مركزا تجاريا وقبلة لقوافل الحجاج القادمين من أنحاء الدولة العثمانية. ولقبت دمشق حينها رسميا بـ"شام شريف"، وأصبحت مركز انطلاق القافلة العثمانية الكبرى للحج. اتخذ السلطان العثماني سليمان القانوني لقب "حامي الحرمين الشريفين"، واهتم بتأمين الطريق، فاختار دمشق نقطة تجمع الحجاج من الأناضول والشام والعراق وفارس والقوقاز وأوروبا. شهدت دمشق نهضة معمارية، وكان من أولى منشآتها التكية السليمانية التي استقبلت الحجاج في مرج السلطان، وقدمت لهم خدمات الإقامة. وكان سليمان القانوني (926–974هـ / 1520–1566م) أول من اهتم بالطريق من السلاطين العثمانيين، فأنشأ قلاعا وأرسل حاميات عسكرية لحماية الحجاج. إعلان ومع ضعف السلطة المركزية في إسطنبول ، تراجع الاهتمام بالطريق وتدهورت أوضاعه، وخُرِّبت القلاع ونقصت الحاميات، وتلاعب الباشوات بالأموال المخصصة لحمايته. مما تسبب في نهب القوافل وأثر بشكل كبير على أمن الطريق وسلامة الحجاج. وكان السلطان عبد الحميد الثاني آخر من اهتم رسميا بالطريق، إذ أرسل قافلة حج رسمية سنوية مجهزة تنطلق من دمشق، وتلتحق بها قوافل من الهند والصين وكردستان والقوقاز وفارس وأفغانستان ولبنان وفلسطين وغيرها. وأبرز إنجازاته كان خط السكة الحديدية الحجازي ، الذي امتد 1320 كيلومترا من دمشق إلى المدينة المنورة ، ونُفذ في ثماني سنوات ودُشّن في 22 رجب 1326هـ / 28 سبتمبر/أيلول 1908 م. ووصل أول قطار من محطة الحجاز في دمشق إلى محطة العنبرية في المدينة المنورة في سبعة أيام فقط، مقارنة بـ50 إلى 55 يوما كانت تستغرقها الرحلة سابقا، والتي كانت تمتد أربعة أشهر ذهابا وإيابا. آثار على الطريق يُعد طريق الحج الشامي شاهدا حيا على تطور الحضارة الإسلامية واهتمام المسلمين المتواصل بخدمة الحجاج، إذ يضم على امتداده آثارا إسلامية باقية، من أبرزها عشرات النقوش التي تعود إلى القرن الأول الهجري، وكتابات تأسيسية على منشآت الطريق من قلاع وبرك وآبار. وتشمل هذه الآثار قلعة ذات الحاج وقلعة تبوك وآثار الأخضر التي تضم مدينة إسلامية وثلاث برك وقلعة، إلى جانب آثار المعظم التي تحتوي على قلعة وبركة، وآثار البريكة المعروفة قديما بالدار الحمراء. كما توجد على الطريق آثار الحجر والعلا التي تتبعها عدد من المرافق، إضافة إلى قلعة زمرد وقلعة الصورة وآثار هدية وإسطبل عنتر والفحلتين وآثار نصيف، وقلعة الحفيرة. وتوجد هذه القلاع والبرك على جزء الطريق الواقع في المملكة العربية السعودية. ووجد على امتداد الطريق أيضا آثار سكة حديد الحجاز، التي تم تنفيذها بين عامي 1900 و1906م في عهد السلطان عبد الحميد، وتشمل محطات مبنية بالحجر وأجزاء من مسار السكة والجسور. ويُعد أمر الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعمارة عين تبوك في عام 17هـ من أوائل الجهود الخيرية في خدمة الحجاج. ومن الآثار الأخرى الباقية: عين تبوك وبركة المعظم بين العلا والمدينة المنورة وقلعة المدورة وقلعة القطرانة. وأكدت المسوحات الأثرية وجود منشآت متنوعة على الطريق مثل الآبار والبرك والعيون والقنوات المائية والقلاع والأبراج والجسور والمنارات إلى جانب آثار المدن والقرى التي ازدهرت قديما. وهناك أيضا النقوش الكتابية التذكارية التي نقشها الحجاج قديما على الصخور، ما جعل الطريق شاهدا حيا على النشاط الحضاري والتجاري والديني الذي استمر أكثر من 13 قرنا.


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
الأمن السوري يحبط عملية تهريب أسلحة إلى لبنان ويشن حملة باللاذقية
أعلنت مديرية الأمن الداخلي في مدينة القصير بريف حمص وسط سوريا إحباط عملية تهريب شحنة أسلحة عبر شاحنة معدّة للتهريب إلى الأراضي اللبنانية. في غضون ذلك، تواصل قوى الأمن الداخلي في محافظة اللاذقية على الساحل السوري تنفيذ عملية أمنية لملاحقة المتورطين في الهجوم الذي استهدف مركز الاتصالات في قرية الدالية بريف جبلة وألقت القبض على عدد من المتورطين. وقالت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) إن مديرية الأمن الداخلي في القصير صادرت في الشاحنة صواريخ موجهة مضادة للدروع وذخائر من عيار 30 وألقت القبض على السائق وأحالته إلى القضاء المختص لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقه. يأتي ذلك وسط انتشار لعناصر الأمن العام في الساحات والطرق الرئيسية في محافظة حمص لضمان الأمن وحماية الأهالي مع حلول عيد الأضحى المبارك. وفي أبريل/نيسان الماضي أعلن الجيش اللبناني توقيف عصابة متورطة بتهريب أسلحة وذخائر من سوريا إلى لبنان عبر الحدود الشرقية للبلاد. وبعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، برزت قضية ضبط الحدود المشتركة على رأس أولويات الجارتين سوريا ولبنان. وتمتد هذه الحدود لمسافة نحو 375 كيلومترا، وتتسم بتداخل جغرافي معقد، إذ تتكوّن من جبال وأودية وسهول تخلو غالبا من علامات واضحة تحدد الخط الفاصل بين البلدين اللذين يرتبطان بـ6 معابر برية. وفي 27 مارس/آذار الماضي وقَّع وزيرا الدفاع السوري مرهف أبو قصرة واللبناني ميشال منسَّى اتفاقا يؤكد أهمية ترسيم الحدود بين البلدين، وتفعيل آليات التنسيق لمعالجة التحديات الأمنية والعسكرية، لا سيما على حدودهما المشتركة. وفي اليوم التالي، اتفق الرئيسان السوري أحمد الشرع واللبناني جوزيف عون على أهمية تعزيز التعاون الأمني بين البلدين، لضمان أمن الحدود المشتركة، وتوسيع التنسيق الاستخباري لمواجهة التهديدات الإرهابية. حملة في اللاذقية في غضون ذلك، أفادت الإخبارية السورية بأن قوى الأمن الداخلي في محافظة اللاذقية تواصل تنفيذ عملية أمنية لملاحقة المتورطين في الهجوم الذي استهدف مركز الاتصالات في قرية الدالية بريف جبلة بمحافظة اللاذقية على ساحل البحر الأبيض المتوسط. وأعلنت قيادة الأمن الداخلي في اللاذقية إلقاء القبض على عدد من المتورطين في الهجوم.


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
الشاباك يهتز من الداخل.. روح معنوية متراجعة وقيادة مثيرة للجدل
القدس المحتلة – في وقت تشهد فيه إسرائيل واحدة من أكثر الفترات الأمنية والسياسية اضطرابا مع استمرار الحرب على غزة ، يجد جهاز الأمن العام (الشاباك) نفسه في قلب أزمة غير مسبوقة تهدد صورته الداخلية واستقلاله المؤسسي. فقد أزاح تحقيق صحفي حديث الستار عن سلسلة من الأزمات المتلاحقة التي هزت الجهاز، بدءًا من تسريبات داخلية صادمة وتسجيلات مثيرة للجدل، وصولا إلى تعيين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة- اللواء ديفيد زيني ، القادم من خارج المنظومة، رئيسا للجهاز خلفا لرونين بار ، في خطوة أثارت قلقا واسعًا داخل صفوفه. وفي ظل هذا القلق، كشفت شهادات غير معتادة من عناصر فاعلة في الجهاز عن تدهور في الروح المعنوية، وشعور متنامٍ بالقلق إزاء محاولات "تسييس" الجهاز من قبل القيادة السياسية، وعلى رأسها نتنياهو. أبعاد الأزمة واستعرضت تحليلات وقراءات إسرائيلية أبعاد الأزمة التي تعصف بالشاباك، والتحديات التي تواجهه بين مسؤولياته الأمنية الثقيلة والضغوط السياسية المتزايدة، في وقت دقيق يفرض على المؤسسة الأمنية الحفاظ على تماسكها المهني وحيادها الكامل. وفي تحقيق موسع نشره الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، كشف النقاب عن عمق الأزمة التي تعصف بالشاباك وسط اتهامات بتدخلات سياسية ومحاولات لإحكام السيطرة عليه من نتنياهو. واستند التحقيق إلى شهادات نادرة من أعضاء في الشاباك الذين عادة ما يتجنبون الظهور الإعلامي، لكنهم خرجوا عن صمتهم في ظل ما وصفوها بـ"سلسلة من العواصف الإعلامية" التي هزَّت استقرار الجهاز، واعترافهم بأنه "تلقى ضربة مؤلمة". ومن التحديات التي يواجهها الجهاز الكشف عن تسريبات مسجلة لرئيس القسم اليهودي يسمع فيها وهو يدعو لاعتقال مشتبه فيهم يهود بتهمة الإرهاب دون أدلة، وكان قد أعلن في فبراير/شباط الماضي تعليق عمله إلى حين انتهاء التحقيق المفتوح في قضيته، وفق هيئة البث الإسرائيلية. وتصاعدت الأزمة حين قررت الحكومة الإسرائيلية في مارس/آذار الماضي إقالة رئيس الشاباك رونين بار، وهو الملف الذي وصل إلى أروقة المحكمة العليا الإسرائيلية، التي طعنت بالقرار وأوصت بمواصلة مهامه لحين انتهاء ولايته. وفي المقابل، قدم بار للمحكمة تصريحا مشفوعا بالقسم وأعلن في أبريل/نيسان الماضي قراره إنهاء مهامه رسميا يوم 15 يونيو/حزيران الجاري. وكانت وحدة التحقيق مع أفراد الشرطة في وزارة القضاء قد فتحت تحقيقا في أبريل/نيسان الماضي مع عنصر احتياطي في جهاز الشاباك كان قد اعتقل للاشتباه في تسريبه معلومات داخلية وسرية لوزير الشتات عميحاي شيكلي من حزب الليكود ولمجموعة من الصحفيين، حسب ما كشفه الموقع الإلكتروني "واي نت". ووفق التحقيقات، ارتبط اعتقاله بعد نشر الصحفي عميت سيغال من القناة 12 الإسرائيلية يوم 23 مارس/آذار الماضي وثائق داخلية تكشف تحقيق الشاباك في الاشتباه بتسلل أفراد من التنظيمات "الكاهانية" المرتبطة بالحاخام مائير كهانا في أجهزة إنفاذ القانون ومؤسسات الدولة والشرطة الإسرائيلية. وتصاعدت الأزمة الداخلية في جهاز الشاباك خلال مايو/أيار الماضي عندما أعلن نتنياهو تعيين زيني رئيسا للجهاز، حيث من المتوقع أن يستلم مهامه منتصف يونيو/حزيران الحالي. وجاء هذا التعيين دون تنسيق مع المستشارة القضائية للحكومة غالي بهاراف ميارا ، التي عارضت إقالة بار، وأكدت أن تعيين زيني غير قانوني، مشيرة إلى وجود تضارب مصالح وإجراءات معيبة في عملية اتخاذ القرار. وأقرت المحكمة العليا بعدم قانونية قرار إقالة رئيس الشاباك، إذ شددت المستشارة القضائية على أنه يتوجب على نتنياهو الامتناع عن أي إجراء يتعلق بتعيين رئيس جديد للجهاز حتى بلورة تعليمات قانونية تضمن نزاهة الإجراءات. ولكن الحكومة عادت وألغت قرار إقالة بار عقب إعلانه الاستقالة منتصف الشهر الجاري، في حين سارع نتنياهو للإعلان عن تعيين اللواء زيني رئيسا للشاباك. وأثارت هذه الأزمات مجتمعة، وإن اختلفت طبيعتها، جدلا داخليا وخارجيا كبيرا، وفتحت باب النقاش داخل الجهاز بشأن المسار الذي يسير فيه حاليا مع تعيين زيني، مما أثار تحفظات داخلية واسعة. وترى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في هذا التعيين خطوة تحمل تضاربا في المصالح لنتنياهو، خاصة أنه تم دون إشراك رئيس الأركان إيال زامير أو وزير الدفاع يسرائيل كاتس. وحيال ذلك، يسود قلق عميق داخل الجهاز من أن يؤدي تعيين زيني إلى اضطرابات داخلية واحتكاكات في صفوف القيادة، وأن يؤثر على تماسك الجهاز واستقراره، خاصة في ظل الأوضاع الأمنية المعقدة التي تمر بها إسرائيل. تقويض وإخضاع ويرى المحلل السياسي عكيفا إلدار أن تحقيقات بار في تسريبات طالت مكتب نتنياهو وضعته في مواجهة مباشرة مع رئيس الحكومة وحلفائه، خاصة الوزير إيتمار بن غفير ، في صراع يتجاوز البعد الإداري ليعكس خلافا عميقا حول هوية الدولة وحدود صلاحيات الحكومة. وأوضح للجزيرة نت أن محاولات إقالة رئيس الشاباك، مثل إقالة وزير الدفاع السابق يوآف غالانت المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة، تعكس نمطًا متكررا لدى نتنياهو يتمثل في تقويض كل مركز قوة مؤسسي لا يخضع تماما لإرادته. غير أن حالة بار والمستشارة بهاراف ميارا تحمل بعدا أعمق كونها تمس بشكل مباشر الملفات القضائية التي يواجهها نتنياهو. إعلان وأكد إلدار أن القلق المتنامي داخل المؤسستين الأمنية والقانونية نابع من ازدياد التدخل السياسي العلني في عمل الشاباك والنيابة العامة، حيث بات وزراء في الحكومة يتدخلون في مسائل مهنية حساسة، ويطالبون بإقالات واستدعاءات، مما يهدد بتسييس أجهزة الدولة وتحويلها إلى أدوات تابعة للسلطة التنفيذية. وأشار إلى أن نتنياهو، إلى جانب وزرائه مثل ياريف ليفين و بتسلئيل سموتريتش ، يشكلون جبهة تسعى إلى تغيير جذري في بنية النظام السياسي الإسرائيلي. ورغم اختلاف دوافعهم، فإنهم يتفقون على هدف تقويض استقلال القضاء والأمن ووسائل الإعلام لصالح سلطة تنفيذية مطلقة تمسك بمفاصل الدولة. تحذيرات وتهديدات وكان الجنرال السابق وخبير الاستخبارات ومكافحة الإرهاب باراك بن تسور قد حذَّر من تعيين زيني رئيسا للشاباك في هذا التوقيت الحساس، واصفا الخطوة بأنها "خطر مهني جسيم". وأكد في تقرير نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن الشاباك يحتاج قيادة خبيرة في مواجهة التهديدات الداخلية المتعددة، مثل التجسس الإيراني والتعاون الأمني الدولي المعقد. وانتقد طريقة تعيين زيني التي تمت عبر محادثة داخلية دون إشراك المسؤولين العسكريين، واعتبر ذلك ضربة لثقة الجهاز وإدارته، محذرا من "صدمة تنظيمية" قد تؤثر سلبا على أداء الشاباك في وقت حساس. وأكد أن الشاباك يمر بمرحلة دقيقة تعاني من أزمة ثقة داخلية وتدخل سياسي غير مسبوق، وأن مستقبل استقراره مرتبط بالقرارات السياسية القادمة التي ستحدد مسار هذا الجهاز الأمني.