logo
هل تخفي فوائد الكركم مخاطر تهدّد الصحة؟ إختصاصيّون لـ "الديار": على بعض الفئات التنبّه!

هل تخفي فوائد الكركم مخاطر تهدّد الصحة؟ إختصاصيّون لـ "الديار": على بعض الفئات التنبّه!

الديارمنذ 2 أيام

اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب
في زمن باتت فيه النصائح الغذائية تتناقل بسرعة البرق عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت كثير من التوابل والمواد الطبيعية تُروَّج كمفاتيح سحرية للصحة والعلاج، دون أن يُرافَق ذلك أحيانًا بالتحذيرات العلمية اللازمة. من بين هذه المواد التي حازت اهتمامًا بالغًا في السنوات الأخيرة، يبرز الكركم الذي لطالما استُخدم في الطب الشعبي، ووجد طريقه لاحقا إلى الدراسات العلمية، التي سلّطت الضوء على خصائصه الفريدة، لا سيما احتواؤه على مادة "الكركمين"، المعروفة بتأثيراتها المضادة للالتهاب والأكسدة.
لكن، كما هو الحال مع عدد وفير من المواد الطبيعية، لا يمكن إغفال الجانب الآخر من الصورة. فالكركم على الرغم من فوائده المثبتة في عدد من الأبحاث، قد لا يكون آمنًا لجميع الفئات، خصوصا عند تناوله على شكل مكملات غذائية بجرعات عالية. وهنا تتجلى الحاجة إلى صوت علمي مهني يضع هذه المادة تحت المجهر، من دون مبالغة أو تهويل، بل بقراءة نقدية دقيقة تستند إلى المعطيات العلمية والأدلة السريرية، لتوضيح من يمكنه الاستفادة من هذه الخصائص، ومن ينبغي عليه تجنّبها.
في جميع الأحوال، ما بين الفوائد الصحية والتفاعلات الدوائية المحتملة، وبين الاستخدام الآمن في الطهو والاستخدام المُركّز في المكملات، تكمن تفاصيل ينبغي أن تُقال، ليس فقط من قبل المتخصصين، بل أن تصل إلى الجمهور بدقّة ووعي، بعيدًا عن اجتزاء المعلومات أو المبالغة في الترويج.
وعن هذا العنصر الخارق، يتحدث الصيدلي الدكتور علي خليل لـ "الديار" عن فوائد مادة الكركمين، مشددًا على أنها "تتميّز بخصائص مهمة جدا للجسم، خصوصا على صعيد الجهازين الهضمي والعصبي، والمفاصل والغضاريف، والجهاز المناعي، إذ تعمل كمضاد أكسدة قوي". كما يشير إلى "وجود دراسات تناولت أهميتها في مكافحة الأمراض السرطانية".
ويكشف: "أن الأطباء يصفون منتجات تحتوي على هذا المكوّن مثل "Turmera"، بالإضافة الى مستحضر آخر تحت اسم "Curcumin" لمعالجة مشاكل المفاصل والغضاريف، ومع ذلك، من المستحسن أن يتضمّن الـ "Turmera" الفلفل الأسود لزيادة فاعليته".
ويشدّد على "ضرورة تناول هذه المكملات بوصفة طبيب، إذ إنّ هناك حالات صحية لا يمكنها استهلاكها، من بينها الأشخاص الذين يتناولون أدوية مضادة للتجلّط، أو من يأخذون الحديد. فرغم أنّ الكركمين يُعتبر مكمّلًا غذائيا، إلا أن استشارة الطبيب تبقى ضرورية. وبالتالي لا يُفترض بأي فرد تناوله بشكل عشوائي. فكما لأي مكمل غذائي إيجابيات، قد تكون له أيضا سلبيات، لأنه قد يرفع ضغط الدم لدى بعض الأشخاص، أو يسبّب القلق لآخرين".
يدعم المناعة ويقاوم الامراض الفتاكة
من جهتها، تشير اختصاصية التغذية كاتيا قانصو لـ "الديار" إلى أن "الكركم نبات عشبي معمر ينتمي إلى فصيلة الزنجبيلية، ويُستخدم على نطاق واسع كتوابل في الطهي، كما يحظى بمكانة رفيعة في الطب التقليدي. وتبرز أهميته الغذائية والطبية في احتوائه على عنصر الكركمين، وهو مركّب فعّال يتمتع بخصائص قوية مضادة للالتهابات والأكسدة، ما يسهم في دعم المناعة والحد من تطور بعض الأمراض المزمنة، بما فيها السرطان، إذ تساعد الكركمينات على إعاقة نمو الخلايا السرطانية وانتشارها". وتضيف "أن كل 100 غرام من الكركم يحتوي على نحو 354 سعرة حرارية، ما يجعله غنياً بالطاقة، رغم أن الكمية المستخدمة في الطهي عادةً ما تكون صغيرة جدًا".
وتشرح ان "الكركم يتفوّق بتركيبته الغنية التي تمنحه خصائص غذائية وصحية متعددة، إذ يشتمل على مزيج متوازن من الكربوهيدرات والألياف والبروتينات، إلى جانب الزيوت الطيارة التي تسهم في خصائصه العلاجية. كما يضمّ مجموعة واسعة من المعادن الأساسية مثل الكالسيوم، الحديد، المغنيسيوم، المنغنيز، الفسفور والزنك، مما يجعله داعمًا لصحة العظام والوظائف الحيوية في الجسم. أما من الناحية الفيتامينية، فيتضمن الكركم فيتامينات مهمة تشمل فيتامين B12، فيتامين C، فيتامين E، فيتامين A، وفيتامين D، وهي عناصر تؤدي دورا محوريا في دعم المناعة وحماية الخلايا وتعزيز الصحة العامة".
وتشير قانصو الى ان "أبرز الفوائد الصحية المحتملة للكركم، تتمثل في دوره الفعّال كمضاد قوي للالتهابات بفضل احتوائه على مادة الكركمين، التي تُعد من المركبات الطبيعية المقاومة للالتهاب. كما يتمتع بخصائص مضادة للأكسدة، وتساعد في محاربة الجذور الحرة، ما يعزّز دوره الوقائي في مواجهة بعض أنواع السرطان. ويُستخدم في الطب الشعبي لتحسين صحة المفاصل وتخفيف أعراض الالتهاب، كما يساهم في تعزيز عملية الهضم عبر تقليل الانتفاخ والغازات، وتحفيز إفراز العصارة الصفراوية. أما على صعيد الكبد، فيُعتقد أنه يساعد في دعم وظائفه لإزالة السموم. وتشير بعض الأبحاث إلى فعاليته في تقوية صحة الدماغ، من خلال الوقاية من مرض الزهايمر".
وتتطرق إلى "دوره في تعزيز صحة القلب، إذ يُسهم في خفض ضغط الدم وتحسين مستويات الكوليسترول، ما ينعكس إيجابا في تقليل خطر الإصابة بأمراض القلب. بالإضافة الى انه قد يؤدي دورا في تحسين الصحة النفسية، من خلال تأثيره المحتمل في تنظيم هرموني السيروتونين والدوبامين، مما يساعد في تقليل القلق ورفع المزاج".
وتشدد على "ضرورة توخي الحذر عند استخدام الكركم كمكمل غذائي، لا سيما عند تناوله بجرعات عالية، كما في الكبسولات أو المستخلصات المركزة، لان هناك فئات معينة يُفضّل أن تتجنّب استعماله دون استشارة طبية، مثل النساء الحوامل، إذ إن الجرعات المرتفعة من الكركم قد تُحفّز تقلصات الرحم، مما يزيد خطر الإجهاض أو الولادة المبكرة. ومع ذلك، يعد استخدام الكركم كتوابل في الطعام آمنًا، بينما يُمنع تناول المكملات في هذه المرحلة الحساسة دون إشراف طبي".
وتنبّه إلى "خطورة تناوله من قبل مرضى حصى المرارة، أو من يعانون من مشاكل في القنوات الصفراوية، نظرًا إلى أن الكركم يُحفّز إفراز العصارة الصفراوية، ما قد يؤدي إلى تفاقم الألم أو التسبّب بالانسد".
وفي ما يتعلّق بمرضى اضطرابات النزيف، تشير إلى أن الكركم "قد يُبطئ تخثّر الدم، ما يزيد من خطر النزيف، خصوصاً عند أخذه بالتزامن مع أدوية مميّعة مثل "الوارفارين" أو "الأسبرين"".
وتوضح أن "الكركم قد يتفاعل مع عدد من الأدوية، من بينها أدوية مميعة للدم، مضادات الحموضة، أدوية السكري التي قد يؤدي إلى تضخيم مفعولها مسببا هبوطا حادا في مستوى السكر، إضافة إلى أدوية الكيماوي ومثبطات المناعة".
أما بالنسبة لمرضى الكبد، فتؤكد "أن المقادير العالية من الكركم قد تُرهق الكبد، على الرغم من فوائده المحتملة في الجرعات العادية، الأمر الذي يستدعي الحيطة في حال وجود أمراض كبدية". وتحذّر من تناوله قبل العمليات الجراحية، بحيث "يُفضل التوقف عن استخدام مكملات الكركم قبل موعد الجراحة بأسبوعين على الأقل، بسبب تأثيره في زيادة احتمالية النزيف".
وتختم قانصو بالتنويه الى انه "في ما يخصّ الأطفال، لا تتوافر دراسات كافية تضمن سلامة اخذ مكملات الكركم المركزة في هذه الفئة العمرية، ما يفرض التيقّظ وعدم اللجوء إلى استخدامها إلا بعد استشارة المختصين".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مُكمّلات غذائيّة "طبيعيّة"… ولكنها تهاجم الكبد!
مُكمّلات غذائيّة "طبيعيّة"… ولكنها تهاجم الكبد!

الديار

timeمنذ 3 ساعات

  • الديار

مُكمّلات غذائيّة "طبيعيّة"… ولكنها تهاجم الكبد!

اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب في عصر الصحة واللياقة البدنية، أصبحت المكملات الغذائية شائعة الاستخدام بين فئات مختلفة من الناس، من الرياضيين إلى الأشخاص الذين يسعون لتحسين صحتهم العامة أو تعويض نقص غذائي معين. إلا أن الإقبال المتزايد على هذه المنتجات، التي تُروَّج أحيانًا على أنها "طبيعية وآمنة"، قد يخفي وراءه مخاطر صحية جسيمة، لا سيما على الكبد، الذي يُعد العضو الأساسي المسؤول عن تنقية الجسم من السموم وتنظيم عمليات الأيض. الكبد هو أحد أكثر الأعضاء تضررًا من المكملات الغذائية عند إساءة استخدامها أو تناولها بجرعات عالية ولفترات طويلة. فعلى الرغم من أن المكملات لا تُعتبر أدوية، إلا أن مكوناتها قد تؤثر بشكل مباشر على وظائف الكبد، خاصة إذا كانت تحتوي على أعشاب غير منظمة أو مواد كيميائية غير مصرح بها. العديد من حالات التهاب الكبد الحاد وتلف الكبد المفاجئ التي تم رصدها حول العالم كانت مرتبطة بتناول بعض أنواع المكملات، دون أن يكون المستخدمون على علم بخطورتها. هذا وتشير الدراسات إلى أن بعض أنواع المكملات تمثل خطرًا أكبر من غيرها، لا سيما تلك المستخدمة لتعزيز الأداء الرياضي، أو لإنقاص الوزن، أو لبناء العضلات. ومن أبرز هذه المكملات: - مكملات إنقاص الوزن التي تحتوي على مستخلص الشاي الأخضر بتركيزات عالية، والتي ثبت أنها قد تسبب التهابات كبدية حادة لدى بعض الأشخاص. - الستيرويدات (المنشطات) التي تُباع أحيانًا على شكل مكملات لبناء العضلات، وهي معروفة بتأثيرها السام على الكبد، وقد تؤدي إلى فشل كبدي في بعض الحالات. - المكملات العشبية مثل "الكاڤا" و"الكمفري" و"الهورنيد جوت ويد"، والتي قد تحتوي على مركبات سامة للكبد رغم تصنيفها كمواد طبيعية. يُعد ضعف الرقابة التنظيمية على صناعة المكملات الغذائية أحد الأسباب الرئيسية في انتشار المنتجات الضارة. ففي العديد من الدول، لا تخضع المكملات لنفس المعايير الصارمة المفروضة على الأدوية، ما يسمح بطرح منتجات في الأسواق دون اختبارات كافية على السلامة والفعالية. وفي بعض الحالات، قد تحتوي المكملات على مكونات غير مدونة على الملصق أو ملوثة بمواد محظورة. لحماية الكبد والحفاظ على الصحة العامة، من الضروري التوعية بخطورة الاستخدام العشوائي للمكملات. يُنصح دائمًا باستشارة طبيب أو صيدلي قبل تناول أي مكمل، خصوصًا إذا كان الشخص يعاني من أمراض مزمنة أو يتناول أدوية أخرى. كما يُفضل شراء المكملات من مصادر موثوقة، وتجنب المنتجات التي تُروَّج لها عبر الإنترنت دون موافقة رسمية من الجهات الصحية المختصة. رغم الفوائد التي قد توفرها المكملات الغذائية عند استخدامها بشكل مدروس وتحت إشراف طبي، إلا أن الإفراط أو العشوائية في تناولها قد يؤدي إلى عواقب صحية خطيرة، يأتي تلف الكبد في مقدمتها. لذلك، فإن الاعتدال، والاطلاع، والاستشارة الطبية تبقى مفاتيح الاستخدام الآمن لهذه المنتجات، حفاظًا على صحة الكبد، وصحة الإنسان عمومًا.

إحذر بعد العمليّة الجراحيّة: مُضاعفات صحيّة قد تؤدي الى نتائج كارثيّة
إحذر بعد العمليّة الجراحيّة: مُضاعفات صحيّة قد تؤدي الى نتائج كارثيّة

الديار

timeمنذ 3 ساعات

  • الديار

إحذر بعد العمليّة الجراحيّة: مُضاعفات صحيّة قد تؤدي الى نتائج كارثيّة

اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب تُعد العمليات الجراحية من الإنجازات الكبرى في مجال الطب الحديث، إذ تسهم في إنقاذ الأرواح، وتحسين جودة الحياة، والتعامل مع أمراض معقدة كانت تعتبر في الماضي مميتة أو مستعصية. ومع تطور التقنيات الجراحية وتقدّم أدوات التشخيص والتخدير، باتت معظم العمليات تُجرى بشكل آمن وفعّال. إلا أن هذا لا يعني غياب المخاطر، فبعض العمليات قد تُخلّف مضاعفات صحية خطيرة، خصوصًا إذا لم تُراعَ جميع الشروط الطبية الدقيقة قبل وأثناء وبعد الجراحة. من أبرز المضاعفات المحتملة بعد العمليات الجراحية هي العدوى الجراحية، وهي تحدث عندما تدخل البكتيريا إلى موضع الجرح، مما قد يؤدي إلى التهاب شديد وتكوّن خراجات، وقد تستدعي في بعض الحالات جراحة إضافية أو استخدام مضادات حيوية قوية. وتزداد احتمالية الإصابة بالعدوى لدى المرضى الذين يعانون من ضعف في المناعة أو أمراض مزمنة مثل السكري. من المضاعفات الأخرى التي تثير القلق هي الجلطات الدموية، خاصة بعد العمليات الكبرى أو التي تستلزم البقاء في السرير لفترة طويلة. يمكن أن تتكوّن جلطة في الساق (تجلط وريدي عميق)، وقد تنتقل إلى الرئتين مسببة انسدادًا رئويًا خطيرًا قد يهدد الحياة. ولهذا السبب، يحرص الأطباء على وصف أدوية مميعة للدم وتشجيع المريض على الحركة المبكرة بعد الجراحة للوقاية من هذه الحالة. أما النزيف الداخلي فهو أيضًا أحد المضاعفات الصحية التي قد تكون خطيرة جدًا إذا لم تُكتشف في الوقت المناسب. وقد يحدث نتيجة تمزق في أحد الأوعية الدموية أثناء الجراحة أو بسبب عدم كفاءة عملية التخثر لدى المريض. النزيف قد يكون ظاهرًا أو خفيًا، ويؤدي إلى انخفاض ضغط الدم، فقر الدم، وربما صدمة دموية. في بعض العمليات، خاصة تلك المتعلقة بالجهاز الهضمي أو البولي، قد يحدث تسرّب في الوصلات الجراحية، مثل تسرب محتوى الأمعاء أو البول إلى البطن، وهو ما قد يسبب التهابًا بريتونيًا حادًا يستدعي تدخلاً سريعًا. ويُعد هذا النوع من المضاعفات من أكثر ما يخشاه الجراحون بعد جراحات المعدة والأمعاء والمثانة. من ناحية أخرى، لا تقل المضاعفات النفسية أهمية عن تلك الجسدية، خاصة لدى المرضى الذين يخضعون لجراحات تجميلية أو عمليات تؤثر على شكل الجسم مثل استئصال الثدي أو الأطراف. فقد يعاني البعض من اضطرابات نفسية، اكتئاب، أو اضطراب ما بعد الصدمة، وهو ما يتطلب دعمًا نفسيًا متخصصًا خلال فترة التعافي. لا يمكن تجاهل أيضًا مخاطر التخدير العام، مثل تفاعلات تحسسية شديدة أو تأثيرات على القلب والتنفس. وعلى الرغم من أن التخدير أصبح أكثر أمانًا، إلا أن وجود أمراض مزمنة أو حساسية تجاه بعض الأدوية قد يزيد من احتمالية التعرض لمضاعفات. ختامًا، تبقى العمليات الجراحية ضرورة لا غنى عنها في كثير من الحالات، لكن لا بد من التعامل معها بوعي طبي كامل، سواء من قِبل المريض أو الفريق الطبي. ويُعد التحضير الجيد قبل العملية، والمراقبة الدقيقة بعدها، والمتابعة المستمرة أهم عوامل تقليل المضاعفات الخطيرة وضمان تعافٍ آمن وفعّال.

بين القمامة والدخان: لبنان في صدارة الدول العربيّة الأكثر تلوثاً
بين القمامة والدخان: لبنان في صدارة الدول العربيّة الأكثر تلوثاً

الديار

timeمنذ 3 ساعات

  • الديار

بين القمامة والدخان: لبنان في صدارة الدول العربيّة الأكثر تلوثاً

اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب في تقرير صادم صادر عن مؤشر Numbeo العالمي لجودة الحياة لعام 2025، تصدّر لبنان قائمة الدول العربية من حيث نسبة التلوث الأعلى، في حين برزت سلطنة عُمان كأكثر الدول العربية نظافةً من حيث جودة الهواء. ويعتمد المؤشر على تقييمات المستخدمين لمستوى التلوث، ويأخذ بعين الاعتبار عوامل متعددة مثل جودة الهواء والمياه، نظام التخلص من النفايات، التلوث الضوضائي، وتوافر المساحات الخضراء. هذه المرتبة المتأخرة ليست مجرد رقم في تقرير، بل تمثل جرس إنذار بيئيا وصحيا واجتماعيا يتطلب تدخلًا عاجلاً وجديًا. التلوّث في لبنان: أزمة متجذّرة في كل زاوية تُشير المؤشرات البيئية خلال السنوات الأخيرة إلى أن لبنان بات من أكثر البيئات تدهورًا في المنطقة. فمظاهر التلوث لا تقتصر فقط على هواء مُحمّل بالغبار والدخان، بل تمتد إلى مياه ملوثة، نفايات تتراكم في الشوارع والأحياء، غياب شبه تام للمساحات الخضراء، وضوضاء لا تهدأ ليلًا ونهارًا. هذا الواقع لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة سنوات من الإهمال الرسمي، غياب التخطيط البيئي، وتهرّب الدولة من مسؤولياتها في حماية البيئة. وقد ساهمت الأزمات الاقتصادية المتراكمة في تفاقم الوضع، إذ باتت البلديات عاجزة عن تنفيذ خطط فعالة لمعالجة النفايات أو فرض رقابة على مصادر التلوث الصناعي والمنزلي. آثار التلوث في لبنان: خطر يتجاوز الصحّة إلى كيان الوطن من الملاحظ أن للتلوث آثاراً كارثية تطال أكثر من جانب في حياة اللبنانيين. أول هذه الجوانب هو الصحة العامة، حيث ازدادت معدلات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي مثل الربو والحساسية، لا سيما بين الأطفال وكبار السن. كما ارتفعت حالات الإصابة بالأمراض السرطانية المرتبطة بالتعرض المطوّل للهواء الملوث والمواد الكيميائية السامة الناتجة عن حرق النفايات في الهواء الطلق. ولا تقتصر الأضرار الصحية على الأمراض العضوية فقط، بل تمتد إلى الصحة النفسية، إذ يعيش المواطن اللبناني تحت ضغط بيئي مزمن، يرافقه شعور بالغضب والاختناق المستمر، في ظل غياب أي أفق للحل. أما بيئيًا، فإن التلوث يُهدد ما تبقى من تنوع بيولوجي نادر في لبنان، إذ تُلوَّث الشواطئ، وتُصبّ النفايات في الأنهار، وتُجرف الغابات من دون تعويض. هذه البيئة المريضة لا تستطيع أن تُنتج هواءً نقيًا ولا طعامًا نظيفًا، ما يُعمّق الفجوة بين الإنسان وبيئته. ويضاف إلى ذلك الأثر الاقتصادي الخطير، إذ إن ارتفاع نسب التلوث يدفع العديد من المستثمرين إلى تجنّب المشاريع السياحية أو الزراعية في البلاد، ناهيك عن خسائر قطاع الصحة والضمان بسبب ارتفاع تكاليف العلاج. كما أن بيئة لبنان غير الجاذبة تؤثر على استقرار الكفاءات، وتُساهم في هجرة العقول. حجم الكارثة: أزمة وجود وليست فقط بيئية في ظل هذا الواقع، لم تعد أزمة التلوث في لبنان مجرد أزمة بيئية عابرة، بل أصبحت أزمة وجود تهدد المستقبل. فبينما تستطيع الدول أن تُصلح اقتصادها أو تُبدّل حكوماتها، فإن انهيار البيئة يحتاج إلى عقود من العمل المُمنهج لإصلاحه، إن لم يكن قد فات الأوان. إن فقدان الثقة في قدرة الدولة على حماية المواطن من المخاطر البيئية، يزيد من شعور اللبنانيين بالعجز واللامبالاة، ويكرّس ثقافة الهروب لا المواجهة. إن إنقاذ البيئة في لبنان لا يتم بقرارات ارتجالية أو حملات موسمية، بل يتطلّب خطة وطنية شاملة تتكامل فيها الجهود الرسمية والشعبية. أولى الخطوات يجب أن تكون في إصلاح قطاع النفايات، من خلال إنشاء مصانع فرز وتدوير حديثة، وفرض غرامات صارمة على الرمي العشوائي، وتعزيز ثقافة الفرز من المصدر لدى المواطنين. كما ينبغي أن تتحول الدولة إلى اعتماد الطاقة النظيفة، خاصة أن أزمة الكهرباء المستمرة أرغمت المواطنين على استخدام مولدات ملوِّثة على مدار الساعة. يجب تسريع دعم مشاريع الطاقة الشمسية، وتسهيل وصولها للأحياء السكنية والمؤسسات الصغيرة. ومن الضروري أيضًا تحسين البنية التحتية للمياه، إذ أن كثيرًا من المناطق تعاني من تلوّث في المياه الجوفية، وتسريب مياه الصرف إلى الأنهار. كما لا يمكن التغاضي عن أهمية إعادة إحياء المساحات الخضراء، عبر تشجير المدن، وتحويل الأراضي المهملة إلى حدائق عامة. وفي هذا السياق، يجب إنشاء هيئة وطنية بيئية مستقلة، تتمتع بصلاحيات واسعة لمراقبة تطبيق القوانين البيئية، ومحاسبة المخالفين دون تدخلات سياسية أو طائفية. كما يمكن التعاون مع منظمات دولية للحصول على دعم تقني وتمويلي، على غرار ما فعلته دول أخرى خرجت من أزمات كبرى. البيئة ليست ترفًا... بل شرط للبقاء إن التلوث الذي يشهده لبنان اليوم لم يعد مجرد ظاهرة مقلقة، بل أصبح تهديدًا حقيقيًا لصحة الأفراد، واستقرار المجتمع، وبقاء الدولة. البيئة النظيفة ليست رفاهية، بل حق أساسي من حقوق الإنسان، ولا يمكن الحديث عن الإصلاح أو النهوض بالبلاد دون تضمين ملف البيئة كأولوية وطنية قصوى. لقد آن الأوان لأن يتحوّل القلق البيئي إلى حراك شعبي ورسمي جاد، قبل أن نجد أنفسنا في وطن لا يُطاق العيش فيه، ولا يصلح للحياة. فهل من يحرّك ساكناً أم نبقى رهائن للأمراض المستعصية الناجمة عن سموم التلوث؟

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store