logo
ما علاقة الأمراض المعدية بالتدهور البيئي وتغير المناخ؟

ما علاقة الأمراض المعدية بالتدهور البيئي وتغير المناخ؟

الجزيرةمنذ 2 أيام

تؤدي التغيرات في النظم البيئية العالمية والمناخ إلى زيادة خطر الإصابة بالأمراض المعدية من خلال تغيير البيئة المحيطة بناقل المرض أو المضيف الحيواني وتكيف بعض مسببات الأمراض مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب.
وتُلخص خريطة تفاعلية أعدّها باحثون في جامعة هاواي آثار المخاطر المناخية المختلفة على انتقال العديد من مسببات الأمراض البشرية، وأظهرت أدلة تفيد بأن التغيرات المناخية قد تؤثر على انتشار مختلف الأمراض المعدية.
ومع التغير الجذري في الوضع المناخي والبيئي العالمي، أصبح ظهور الأمراض الحيوانية المنشأ والأمراض المنقولة بالنواقل (حوامل الفيروسات) مصدر قلق صحي رئيسيا، بذلك يبدو فهم العوامل البيئية المختلفة المسببة للأمراض المعدية المختلفة أمرا بالغ الأهمية لضمان الأمن الصحي في المستقبل المنظور.
إزالة الغابات والتدهور البيئي
في عام 2018، نشر باحثون من بولندا وفرنسا مقالا يُسلّط الضوء على احتمال ظهور عدوى فيروس كورونا المستجدّ نتيجة لإزالة الغابات، لا سيما في جنوب شرقي آسيا.
وجادل الباحثون في أن مجموعات الخفافيش الحاملة للفيروس قد استقرت على مقربة من مساكن البشر نتيجة لفقدان موائلها وتوافق أنماط حياتها مع بيئات معيشية بشرية معيّنة (مثل المنازل والحظائر كمأوى). وهذا يزيد من خطر انتقال الأمراض منها إلى البشر، ويؤكد مسألة التداعيات الحيوانية المنشأ الناتجة عن التدهور البيئي الناجم عن الأنشطة البشرية.
وتعد التسربات الحيوانية المنشأ، والمعروفة أيضا باسم العدوى غير المباشرة، من مسببات انتقال الأمراض من الحيوانات -الفقاريات عادة- إلى البشر. ويشمل مسار الانتقال هذا حوالي 60% من الأمراض المعدية الناشئة.
ولعل أحد الأمثلة الرئيسية على التسرب الحيواني هو ظهور فيروسات نقص المناعة البشرية (HIV) من الفيروسات البطيئة التي نشأت في الرئيسيات الأفريقية (القرود)، والتي تسببت في جائحة متلازمة نقص المناعة المكتسب (الإيدز) العالمية.
كذلك نجم عن الانتقال المحتمل لفيروسات الإيبولا من خفافيش الفاكهة إلى البشر لاحقا تفشي الإيبولا الذي بلغ ذروته في غرب أفريقيا. ومن ثم فمع تغير استخدام الأراضي العالمي، وخاصة توسع السكان البشر في مناطق الغابات، هناك خطر مصاحب لتعرض البشر لمسببات الأمراض أو الحيوانات الحاملة لها، وبالإضافة إلى ذلك يمكن أن تؤدي إزالة الغابات إلى تغيير وفرة وتوزيع الحيوانات أو النواقل الحاملة لمسببات الأمراض.
تشير الدراسات إلى أنه يمكن أيضا تسهيل انتقال مسببات الأمراض من الحيوانات الفقارية إلى البشر عن طريق النواقل (عادة المفصليات)، مثل البعوض والقراد والذباب والبراغيث. وتشمل أمثلة الأمراض التي تنقلها النواقل حمى الضنك والملاريا وفيروس زيكا و"شيكونغونيا" (مرض فيروسي).
تتأثر هذه الأمراض التي تنقلها النواقل بإزالة الغابات. فقد وجدت إحدى الدراسات التي تقيّم تأثير إزالة الغابات على وفرة البعوض في 12 دولة عبر 5 قارات أنه من بين 87 نوعا من البعوض التي تم تحليلها تأثر أكثر من النصف (52.9%) بشكل إيجابي بإزالة الغابات، بما في ذلك تلك التي تُعد نواقل لمسببات الأمراض البشرية (مثل بعوض الزاعجة أو بعوض الأنوفيلة).
ويعد توفر المسطحات المائية التي صنعها الإنسان لمواقع التكاثر والحيوانات الزراعية كمضيف بديل عاملا مهما. وتُظهِر دراسة أخرى الارتباط بين انخفاض مساحات الغابات، وخاصة بسبب التوسع في إنتاج زيت النخيل، وتفشي الأمراض الحيوانية المنشأ أو المنقولة بواسطة النواقل في جميع أنحاء العالم من عام 1990 إلى عام 2016 مما يؤكد خطر الأمراض المعدية كسبب للتدهور البيئي.
وتؤكد مختلف الدراسات أن العامل الرئيسي المؤثر في انتشار الأمراض المعدية المرتبطة بالمناخ هو تغير توافر النواقل وقدرتها على العدوى. ولأن النواقل حيوانات ذات دم بارد (خارجية الدم)، فمن المتوقع أن تزداد وفرة النواقل وقدرتها على البقاء ونشاطها التغذوي مع ارتفاع درجات الحرارة في المستقبل.
ويزداد الأمر تعقيدا مع معدل تطور مسببات الأمراض داخل هذه النواقل (الحضانة الخارجية). وبالتالي، فمع التغير السريع في المناخ العالمي، وخاصة درجة حرارة سطح الأرض، ستنتقل بعض مسببات الأمراض أو تنتشر إلى مناطق جغرافية مختلفة في العالم.
وتظهر دراسة أن انتشار الملاريا انتقل إلى مناطق أعلى في إثيوبيا وكولومبيا خلال السنوات الأكثر دفئا. ومن الأمثلة الأخرى تأثير درجة الحرارة وهطول الأمطار والرطوبة النسبية والرياح على البعوض الناقل لفيروس غرب النيل، حيث لوحظت أحداث مناخية محددة مرتبطة بعدوى فيروس غرب النيل في أوروبا ومنطقة أوراسيا وأميركا الشمالية والجنوبية.
كما تم تثبيت بعوضة "الزاعجة البيضاء"، وهي ناقلة لفيروسي "شيكونغونيا" وحمى الضنك، في 13 دولة من دول الاتحاد الأوروبي في عام 2023، بزيادة عن 8 دول في عام 2013.
وتوقعت دراسة منفصلة توسع حمى الضنك في دول تُعد حاليا منخفضة المخاطر أو خالية من حمى الضنك، إذ يُقدر أن يكون 2.25 مليار شخص إضافي معرضين لخطر الإصابة بحمى الضنك في عام 2080 مقارنة بعام 2015. وتُسلط هذه الدراسات مجتمعة الضوء على الآثار العميقة لتغير المناخ على انتشار الأمراض المعدية المنقولة بالنواقل.
ومع ذلك، فإن العلاقة بين تأثيرات المناخ والأمراض المنقولة بالنواقل متعددة العوامل، ومن ثم لا يمكن الاعتماد على عامل واحد للتنبؤ الدقيق بحدوث الأمراض. وينبغي أيضا مراعاة عوامل أخرى مرتبطة بالتفاعلات بين البشر والنواقل والبيئة.
الأمراض الحيوانية المنشأ
بالإضافة إلى الأمراض المنقولة بالنواقل، يمكن للأحداث المناخية أيضا أن تحفز انتشار الأمراض الحيوانية المنشأ. وعلى وجه الخصوص، يمكن أن تؤدي الاختلافات الموسمية الشديدة في درجات الحرارة أو هطول الأمطار إلى زيادة مؤقتة في توفر الإمدادات الغذائية لبعض الحيوانات الخزانية أو القارضة، مما يؤدي إلى زيادة كبيرة.
إعلان
وقد ثبت ذلك في وباء فيروس هانتا في جنوب غربي الولايات المتحدة، حيث أدت الظروف المناخية إلى زيادة بمقدار 10 أضعاف في أعداد الفئران الحاملة للأمراض المتعلقة بتوفر الغذاء وانخفاض عدد الحيوانات المفترسة.
كذلك نُسبت حالات تفشي فيروس هانتا الرئوية أو القلبية الرئوية الأخرى في بنما أو الولايات المتحدة على التوالي إلى زيادة تعرض البشر لمضيف خزان القوارض نتيجة لهطول أمطار غزيرة غير معتادة.
وفي أستراليا، تم تحديد هجرة الثعالب الطائرة السوداء المرتبطة بتغير المناخ، وهي خزان رئيسي لفيروس هيندرا، كسبب محتمل لأحداث الانتشار في مجموعات الخيول الجنوبية التي أدت إلى إصابات بشرية.
الطقس المتطرف
تشمل الأحداث الجوية المتطرفة المتعلقة بتغير المناخ زيادة انتشار الأعاصير المدمرة والعواصف والفيضانات. تسهل هذه الأحداث المناخية انتشار الأمراض المنقولة بالمياه من خلال تعبئة مسببات الأمراض في البيئة وتعريض أنظمة إدارة مياه الصرف الصحي للخطر.
وعلى وجه الخصوص، تكون البلدان المعرضة لتغير المناخ عرضة لتفشي الأمراض أثناء الطقس المتطرف، ويرجع ذلك أساسا إلى نقص المياه النظيفة للشرب والغسيل، كما تم الإبلاغ عن الكوليرا وإسهال الرضع والالتهاب الرئوي وحمى الضنك والملاريا في بلدان عدة، بينها بنغلاديش.
وفي أعقاب ظاهرة النينيو الجنوبية (2015-2016)، تم الإبلاغ عن أوبئة الكوليرا في شرق أفريقيا. وأظهرت دراسة أخرى أجراها باحثون في جامعة كولومبيا أن الأعاصير المدارية في الولايات المتحدة بين عامي 1996 و2018 كانت مرتبطة بزيادة في عدوى "الإشريكية القولونية" المنتجة لسموم شيغا وداء الفيالقة وداء الكريبتوسبوريديوس (مرض طفيلي) وقد ارتبطت أيضا حالات تفشي داء البريميات على مستوى العالم بالفيضانات والأمطار الغزيرة.
كما توفر درجات حرارة البحر المرتفعة ظروفا مواتية لنمو البكتيريا وتوسعها. ومن المخاوف الرئيسية انتشار ضمة الكوليرا الناجم عن تغير المناخ، وهي نوع بكتيري قادر على التسبب في أوبئة الكوليرا. وتتزايد قابلية بقاء ضمة الكوليرا ونموها، بالإضافة إلى تفاعلاتها مع العائل الحيواني، مع ارتفاع درجة حرارة البيئات القليلة الملوحة والبحرية.
وفي الدانمارك، أظهرت دراسة وجود علاقة بين عدوى ضمة الكوليرا والشوانيلا ودرجات حرارة الصيف الساحلية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن درجة الحرارة تنظم مسببات الأمراض لبعض البكتيريا المنقولة بالمياه، مثل الشيغيلا وضمة الكوليرا والسالمونيلا، وعادة ما تزداد في درجات الحرارة المرتفعة، خاصة عند حوالي 37 درجة مئوية.
وتشير الدراسة (الخريطة التفاعلية) إلى أن التغير المناخي والبيئي سبب رئيسي في الأمراض المنقولة والعدوى، مؤكدة أن مكافحة الأمراض المعدية تعتمد على سياسات حازمة تضمن الحفاظ على البيئة والحد من أسباب التلوث أولا، ثم المساواة في الحصول على الغذاء والمياه النظيفة والرعاية الصحية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

كيف يخترق فيروس نقص المناعة البشرية الخلايا المناعية ويختطفها؟
كيف يخترق فيروس نقص المناعة البشرية الخلايا المناعية ويختطفها؟

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

كيف يخترق فيروس نقص المناعة البشرية الخلايا المناعية ويختطفها؟

كشفت دراسة جديدة عن سر خفي في دورة حياة فيروس نقص المناعة البشرية من النوع الأول، وسلطت الضوء على كيفية تعزيز الفيروس لاستمراره وتكاثره وقدرته على التهرب من جهاز المناعة. يوجد نوعان من فيروس نقص المناعة البشري، الأول والثاني. ويتشابه فيروس نقص المناعة البشرية من النوع الأول مع فيروس نقص المناعة البشرية من النوع الثاني في العديد من الجوانب، منها ترتيبهما الجيني الأساسي، وطرق انتقالهما، ومسارات تكاثرهما داخل الخلايا، وعواقبهما؛ وكلاهما يؤدي إلى الإصابة بالإيدز. ولكن النوع الثاني يتميز بانخفاض قابليته للانتقال وانخفاض احتمالية تطور المرض إلى مراحل متقدمة. وأجرى الدراسة باحثون من كلية تشارلز إي. شميدت للطب بجامعة فلوريدا أتلانتيك في الولايات المتحدة، ونشرت نتائجها في مجلة إن بي جاي فيروسز (npj Viruses)، وكتب عنها موقع يوريك أليرت. الثغرة يمكن تلخيص الإستراتيجية الجديدة بأن فيروس نقص المناعة البشرية من النوع الأول ينصب فخا إسفنجيا يمتص به الجزيئات التي تنتجها الخلية لتنقذ نفسها منه ويحتجزها ليمنعها من أداء عملها. تتكون الفيروسات من جزيئات صغيرة تحمل مادتها الوراثية وغلافا تحيط نفسها به، ولكنها تفتقر إلى كل شيء آخر فلا يمكنها أن تتكاثر إلا باستخدام أدوات الخلايا الحية، فتستغل الفيروسات النباتات والحيوانات والبشر لتقوم بذلك. إعلان ويمكن للمادة الوراثية التي تحملها الفيروسات أن تكون على شكل أشرطة حلقية أو مستقيمة، وقد تتكون هذه الأشرطة من جزيئات الحمض النووي المنقوص الأكسجين المعروف اختصارا بـ دي إن إيه "DNA" (المادة الوراثية الأصلية التي تحمل التعليمات) أو الحمض النووي الريبي "(RNA) Ribonucleic acid" (نسخة المادة الوراثية التي يمكن أن تفهمها آلات صنع البروتينات في الخلية). فيروس نقص المناعة البشرية ينتمي فيروس نقص المناعة البشرية إلى عائلة الفيروسات القهقرية (Retrovirus). والفيروس القهقري يعمل عن طريق تحويل الحمض النووي الريبي الخاص به إلى "دي إن إيه" بمجرد وجوده في الخلية المضيفة، ثم يقوم بدمج هذا الحمض النووي في الحمض النووي للخلية المضيفة، مما يسمح للفيروس بالتكاثر. قال الدكتور ماسيمو كابوتي الباحث المشارك في الدراسة والأستاذ في قسم العلوم الطبية الحيوية بكلية شميدت للطب في جامعة فلوريدا أتلانتيك في الولايات المتحدة: "يتميز فيروس نقص المناعة البشرية من النوع الأول بخصائص فريدة، فهو يندمج في جينوم المضيف ويسيطر على آلية معالجة الحمض النووي الريبي في الخلية، مما يمنحه قدرة نادرة بين فيروسات الحمض النووي الريبي على توليد جزيئات الحمض النووي الريبي الدائري المستقر (circular RNA)". وأضاف "لقد كنا نعلم أن الحمض النووي الريبي الدائري يظهر في فيروسات الدي إن إيه مثل فيروس إبشتاين-بار و فيروس الورم الحليمي البشري ، لكن رؤية أنه يتم توليده بواسطة فيروس الحمض النووي الريبي مثل فيروس نقص المناعة البشرية هو أمر مثير للغاية". ويُمكّن الشكل الدائري الحمض النووي الريبي من العمل كالإسفنج، إذ يمتص الحمض النووي الريبي الصغير (miRNAs) ويمنعه من أداء وظائفه المعتادة التي تشمل التحكم في الجينات التي تُفعّل أو تُعطّل. وعلى الرغم من أن العلماء اكتشفوا سابقا آلافا من جزيئات الحمض النووي الريبي الدائري في الخلايا البشرية والحيوانية، فإنه لم يُعثر إلا على عدد قليل منها في الفيروسات، خاصة في فيروسات الحمض النووي الكبيرة مثل فيروسات الهربس التي تتميز بجينومات كبيرة، ويمكن أن تبقى مختبئة في الجسم لسنوات قبل أن تنشط مجددا. حدد الفريق ما لا يقل عن 15 نوعا مختلفا من الحمض النووي الريبي الدائري لفيروس نقص المناعة البشرية-1، وأكد وجودها باستخدام تقنيات جزيئية متقدمة وأدوات تسلسل. وقال كابوتي "عندما يصيب فيروس نقص المناعة البشرية الجسم، تستجيب خلايا مناعية معينة تسمى الخلايا التائية سي دي 4+ (CD4+T cells) بزيادة مستويات نوعين من الحمض النووي الريبي الصغير اللذين يُحتمل أن يساعدا في مكافحة الفيروس". عادة، توجد جزيئات صغيرة من الحمض النووي الريبي بمستويات منخفضة، لكنها تزداد عند إصابة الشخص بفيروس نقص المناعة البشرية. ويبدو أن فيروس نقص المناعة البشرية يُقاوم عن طريق إنتاج جزيئات الحمض النووي الريبي الدائرية التي تحبس هذه الجزيئات الدقيقة، فيضعف ذلك الاستجابة المناعية ويساعد الفيروس على إنتاج المزيد من نسخه. وهذا يُشير إلى أن جزيئات الحمض النووي الريبي الدائرية الخاصة بفيروس نقص المناعة البشرية قد تُساعد في الحفاظ على الخلايا المُصابة حية وتسمح للفيروس بالبقاء مُختبئا في الجسم مدة طويلة، وهو أحد الأسباب الرئيسة لصعوبة علاج فيروس نقص المناعة البشرية.

ما علاقة الأمراض المعدية بالتدهور البيئي وتغير المناخ؟
ما علاقة الأمراض المعدية بالتدهور البيئي وتغير المناخ؟

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

ما علاقة الأمراض المعدية بالتدهور البيئي وتغير المناخ؟

تؤدي التغيرات في النظم البيئية العالمية والمناخ إلى زيادة خطر الإصابة بالأمراض المعدية من خلال تغيير البيئة المحيطة بناقل المرض أو المضيف الحيواني وتكيف بعض مسببات الأمراض مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب. وتُلخص خريطة تفاعلية أعدّها باحثون في جامعة هاواي آثار المخاطر المناخية المختلفة على انتقال العديد من مسببات الأمراض البشرية، وأظهرت أدلة تفيد بأن التغيرات المناخية قد تؤثر على انتشار مختلف الأمراض المعدية. ومع التغير الجذري في الوضع المناخي والبيئي العالمي، أصبح ظهور الأمراض الحيوانية المنشأ والأمراض المنقولة بالنواقل (حوامل الفيروسات) مصدر قلق صحي رئيسيا، بذلك يبدو فهم العوامل البيئية المختلفة المسببة للأمراض المعدية المختلفة أمرا بالغ الأهمية لضمان الأمن الصحي في المستقبل المنظور. إزالة الغابات والتدهور البيئي في عام 2018، نشر باحثون من بولندا وفرنسا مقالا يُسلّط الضوء على احتمال ظهور عدوى فيروس كورونا المستجدّ نتيجة لإزالة الغابات، لا سيما في جنوب شرقي آسيا. وجادل الباحثون في أن مجموعات الخفافيش الحاملة للفيروس قد استقرت على مقربة من مساكن البشر نتيجة لفقدان موائلها وتوافق أنماط حياتها مع بيئات معيشية بشرية معيّنة (مثل المنازل والحظائر كمأوى). وهذا يزيد من خطر انتقال الأمراض منها إلى البشر، ويؤكد مسألة التداعيات الحيوانية المنشأ الناتجة عن التدهور البيئي الناجم عن الأنشطة البشرية. وتعد التسربات الحيوانية المنشأ، والمعروفة أيضا باسم العدوى غير المباشرة، من مسببات انتقال الأمراض من الحيوانات -الفقاريات عادة- إلى البشر. ويشمل مسار الانتقال هذا حوالي 60% من الأمراض المعدية الناشئة. ولعل أحد الأمثلة الرئيسية على التسرب الحيواني هو ظهور فيروسات نقص المناعة البشرية (HIV) من الفيروسات البطيئة التي نشأت في الرئيسيات الأفريقية (القرود)، والتي تسببت في جائحة متلازمة نقص المناعة المكتسب (الإيدز) العالمية. كذلك نجم عن الانتقال المحتمل لفيروسات الإيبولا من خفافيش الفاكهة إلى البشر لاحقا تفشي الإيبولا الذي بلغ ذروته في غرب أفريقيا. ومن ثم فمع تغير استخدام الأراضي العالمي، وخاصة توسع السكان البشر في مناطق الغابات، هناك خطر مصاحب لتعرض البشر لمسببات الأمراض أو الحيوانات الحاملة لها، وبالإضافة إلى ذلك يمكن أن تؤدي إزالة الغابات إلى تغيير وفرة وتوزيع الحيوانات أو النواقل الحاملة لمسببات الأمراض. تشير الدراسات إلى أنه يمكن أيضا تسهيل انتقال مسببات الأمراض من الحيوانات الفقارية إلى البشر عن طريق النواقل (عادة المفصليات)، مثل البعوض والقراد والذباب والبراغيث. وتشمل أمثلة الأمراض التي تنقلها النواقل حمى الضنك والملاريا وفيروس زيكا و"شيكونغونيا" (مرض فيروسي). تتأثر هذه الأمراض التي تنقلها النواقل بإزالة الغابات. فقد وجدت إحدى الدراسات التي تقيّم تأثير إزالة الغابات على وفرة البعوض في 12 دولة عبر 5 قارات أنه من بين 87 نوعا من البعوض التي تم تحليلها تأثر أكثر من النصف (52.9%) بشكل إيجابي بإزالة الغابات، بما في ذلك تلك التي تُعد نواقل لمسببات الأمراض البشرية (مثل بعوض الزاعجة أو بعوض الأنوفيلة). ويعد توفر المسطحات المائية التي صنعها الإنسان لمواقع التكاثر والحيوانات الزراعية كمضيف بديل عاملا مهما. وتُظهِر دراسة أخرى الارتباط بين انخفاض مساحات الغابات، وخاصة بسبب التوسع في إنتاج زيت النخيل، وتفشي الأمراض الحيوانية المنشأ أو المنقولة بواسطة النواقل في جميع أنحاء العالم من عام 1990 إلى عام 2016 مما يؤكد خطر الأمراض المعدية كسبب للتدهور البيئي. وتؤكد مختلف الدراسات أن العامل الرئيسي المؤثر في انتشار الأمراض المعدية المرتبطة بالمناخ هو تغير توافر النواقل وقدرتها على العدوى. ولأن النواقل حيوانات ذات دم بارد (خارجية الدم)، فمن المتوقع أن تزداد وفرة النواقل وقدرتها على البقاء ونشاطها التغذوي مع ارتفاع درجات الحرارة في المستقبل. ويزداد الأمر تعقيدا مع معدل تطور مسببات الأمراض داخل هذه النواقل (الحضانة الخارجية). وبالتالي، فمع التغير السريع في المناخ العالمي، وخاصة درجة حرارة سطح الأرض، ستنتقل بعض مسببات الأمراض أو تنتشر إلى مناطق جغرافية مختلفة في العالم. وتظهر دراسة أن انتشار الملاريا انتقل إلى مناطق أعلى في إثيوبيا وكولومبيا خلال السنوات الأكثر دفئا. ومن الأمثلة الأخرى تأثير درجة الحرارة وهطول الأمطار والرطوبة النسبية والرياح على البعوض الناقل لفيروس غرب النيل، حيث لوحظت أحداث مناخية محددة مرتبطة بعدوى فيروس غرب النيل في أوروبا ومنطقة أوراسيا وأميركا الشمالية والجنوبية. كما تم تثبيت بعوضة "الزاعجة البيضاء"، وهي ناقلة لفيروسي "شيكونغونيا" وحمى الضنك، في 13 دولة من دول الاتحاد الأوروبي في عام 2023، بزيادة عن 8 دول في عام 2013. وتوقعت دراسة منفصلة توسع حمى الضنك في دول تُعد حاليا منخفضة المخاطر أو خالية من حمى الضنك، إذ يُقدر أن يكون 2.25 مليار شخص إضافي معرضين لخطر الإصابة بحمى الضنك في عام 2080 مقارنة بعام 2015. وتُسلط هذه الدراسات مجتمعة الضوء على الآثار العميقة لتغير المناخ على انتشار الأمراض المعدية المنقولة بالنواقل. ومع ذلك، فإن العلاقة بين تأثيرات المناخ والأمراض المنقولة بالنواقل متعددة العوامل، ومن ثم لا يمكن الاعتماد على عامل واحد للتنبؤ الدقيق بحدوث الأمراض. وينبغي أيضا مراعاة عوامل أخرى مرتبطة بالتفاعلات بين البشر والنواقل والبيئة. الأمراض الحيوانية المنشأ بالإضافة إلى الأمراض المنقولة بالنواقل، يمكن للأحداث المناخية أيضا أن تحفز انتشار الأمراض الحيوانية المنشأ. وعلى وجه الخصوص، يمكن أن تؤدي الاختلافات الموسمية الشديدة في درجات الحرارة أو هطول الأمطار إلى زيادة مؤقتة في توفر الإمدادات الغذائية لبعض الحيوانات الخزانية أو القارضة، مما يؤدي إلى زيادة كبيرة. إعلان وقد ثبت ذلك في وباء فيروس هانتا في جنوب غربي الولايات المتحدة، حيث أدت الظروف المناخية إلى زيادة بمقدار 10 أضعاف في أعداد الفئران الحاملة للأمراض المتعلقة بتوفر الغذاء وانخفاض عدد الحيوانات المفترسة. كذلك نُسبت حالات تفشي فيروس هانتا الرئوية أو القلبية الرئوية الأخرى في بنما أو الولايات المتحدة على التوالي إلى زيادة تعرض البشر لمضيف خزان القوارض نتيجة لهطول أمطار غزيرة غير معتادة. وفي أستراليا، تم تحديد هجرة الثعالب الطائرة السوداء المرتبطة بتغير المناخ، وهي خزان رئيسي لفيروس هيندرا، كسبب محتمل لأحداث الانتشار في مجموعات الخيول الجنوبية التي أدت إلى إصابات بشرية. الطقس المتطرف تشمل الأحداث الجوية المتطرفة المتعلقة بتغير المناخ زيادة انتشار الأعاصير المدمرة والعواصف والفيضانات. تسهل هذه الأحداث المناخية انتشار الأمراض المنقولة بالمياه من خلال تعبئة مسببات الأمراض في البيئة وتعريض أنظمة إدارة مياه الصرف الصحي للخطر. وعلى وجه الخصوص، تكون البلدان المعرضة لتغير المناخ عرضة لتفشي الأمراض أثناء الطقس المتطرف، ويرجع ذلك أساسا إلى نقص المياه النظيفة للشرب والغسيل، كما تم الإبلاغ عن الكوليرا وإسهال الرضع والالتهاب الرئوي وحمى الضنك والملاريا في بلدان عدة، بينها بنغلاديش. وفي أعقاب ظاهرة النينيو الجنوبية (2015-2016)، تم الإبلاغ عن أوبئة الكوليرا في شرق أفريقيا. وأظهرت دراسة أخرى أجراها باحثون في جامعة كولومبيا أن الأعاصير المدارية في الولايات المتحدة بين عامي 1996 و2018 كانت مرتبطة بزيادة في عدوى "الإشريكية القولونية" المنتجة لسموم شيغا وداء الفيالقة وداء الكريبتوسبوريديوس (مرض طفيلي) وقد ارتبطت أيضا حالات تفشي داء البريميات على مستوى العالم بالفيضانات والأمطار الغزيرة. كما توفر درجات حرارة البحر المرتفعة ظروفا مواتية لنمو البكتيريا وتوسعها. ومن المخاوف الرئيسية انتشار ضمة الكوليرا الناجم عن تغير المناخ، وهي نوع بكتيري قادر على التسبب في أوبئة الكوليرا. وتتزايد قابلية بقاء ضمة الكوليرا ونموها، بالإضافة إلى تفاعلاتها مع العائل الحيواني، مع ارتفاع درجة حرارة البيئات القليلة الملوحة والبحرية. وفي الدانمارك، أظهرت دراسة وجود علاقة بين عدوى ضمة الكوليرا والشوانيلا ودرجات حرارة الصيف الساحلية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن درجة الحرارة تنظم مسببات الأمراض لبعض البكتيريا المنقولة بالمياه، مثل الشيغيلا وضمة الكوليرا والسالمونيلا، وعادة ما تزداد في درجات الحرارة المرتفعة، خاصة عند حوالي 37 درجة مئوية. وتشير الدراسة (الخريطة التفاعلية) إلى أن التغير المناخي والبيئي سبب رئيسي في الأمراض المنقولة والعدوى، مؤكدة أن مكافحة الأمراض المعدية تعتمد على سياسات حازمة تضمن الحفاظ على البيئة والحد من أسباب التلوث أولا، ثم المساواة في الحصول على الغذاء والمياه النظيفة والرعاية الصحية.

ليس مجرد طعم لاذع.. فوائد مذهلة للفجل في نظامك الغذائي
ليس مجرد طعم لاذع.. فوائد مذهلة للفجل في نظامك الغذائي

الجزيرة

timeمنذ 6 أيام

  • الجزيرة

ليس مجرد طعم لاذع.. فوائد مذهلة للفجل في نظامك الغذائي

لا يقتصر دور الفجل على كونه مكونا يضفي نكهة حارة على أطباق الطعام، بل يتعدى ذلك ليشكّل عنصرا طبيعيا غنيا بالفوائد الصحية، وفقا لما أورده موقع "أبونيت دي" الألماني المتخصص في الشأن الصحي. ويشير الموقع إلى أن الفجل يُسهم في علاج عدد من الحالات المرضية، لا سيما التهابات المسالك البولية مثل التهاب المثانة، وكذلك التهابات الجهاز التنفسي مثل نزلات البرد والتهاب الشعب الهوائية والتهاب الجيوب الأنفية. ويُعزى هذا التأثير العلاجي إلى ما يحتويه من مركبات "الغليكوسيدات"، الموجودة في زيت الخردل، مثل "السينيجرين" و"الغلوكوناستورتين"، التي تتحول داخل الجسم إلى مركبات تُعرف باسم "إيزوثيوسيانات" (زيوت الخردل ذات الطعم اللاذع). وقد أثبتت الأبحاث أن هذه الزيوت تتمتع بخصائص قوية مضادة للبكتيريا، مما يُعزز من فاعلية الفجل في محاربة العدوى. علاوة على ذلك، يحتوي الفجل على نسبة عالية من فيتامين "سي"، المعروف بدوره الحيوي في تقوية الجهاز المناعي، ودعم قدرة الجسم على مقاومة الأمراض والفيروسات. وقد كشفت دراسات سريرية حديثة عن نتائج واعدة عند استخدام مزيج من جذر الفجل مع نبات "الكبوسين" في علاج التهاب الشعب الهوائية الحاد. ففي دراسة مزدوجة التعمية شملت 384 مريضا، وُجد أن المرضى الذين تلقوا هذا المزيج أظهروا تحسّنا واضحا في الأعراض مثل السعال، والبلغم، وألم الصدر بعد 3 أيام فقط من بدء العلاج، مقارنة بمن تلقوا علاجا وهميا. ورغم هذه الفوائد المتعددة، فإن موقع "أبونيت دي" يحذر من أن تناول الفجل بكميات كبيرة قد يسبب تهيجا في الأغشية المخاطية، خاصة في الجهاز الهضمي، نتيجة للمركبات الحارة الموجودة فيه. وقد يعاني بعض الأشخاص من آلام في المعدة أو انزعاج في البطن عند الإفراط في تناوله. وبناء على ذلك، يُنصح بعدم استخدام جذر الفجل داخليا لدى المرضى الذين يعانون من قرحة المعدة أو الأمعاء، أو ممن لديهم أمراض في الكلى أو اضطرابات في الغدة الدرقية. كما يُمنع استخدامه للنساء الحوامل والمرضعات، وكذلك للأطفال دون سن الرابعة. رغم طعمه اللاذع، يحمل الفجل بين جذوره قيمة علاجية حقيقية تستحق التقدير، خصوصا في مواجهة بعض أنواع العدوى. بيد أن استخدامه، كغيره من النباتات الطبية، يستلزم وعيا وتوازنا، خاصة لدى الفئات الأكثر عرضة للمضاعفات.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store