logo
ترمب يجري مكالمة هاتفية "جيدة جدا" مع السيسي حول غزة والمنطقة

ترمب يجري مكالمة هاتفية "جيدة جدا" مع السيسي حول غزة والمنطقة

Independent عربية٠١-٠٤-٢٠٢٥

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب اليوم الثلاثاء أنه اتصل بنظيره المصري عبدالفتاح السيسي وأن المكالمة جرت "بصورة جيدة جداً".
وكتب الرئيس الأميركي على منصته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشيال"، "ناقشنا عدداً من المواضيع، ولا سيما التقدم العسكري الكبير الذي حققناه ضد الحوثيين في اليمن الذين يدمرون السفن"، لكنه لم يحدد متى أجريت المكالمة.
وقالت الرئاسة المصرية في بيان اليوم إن السيسي ونظيره الأميركي دونالد ترمب بحثا جهود الوساطة الرامية إلى استعادة الهدوء في المنطقة، مما سيؤثر إيجاباً في حركة الملاحة في البحر الأحمر ويضع حداً للخسائر الاقتصادية لجميع الأطراف.
وأضاف البيان أن الرئيسين ناقشا "سبل تعزيز العلاقات الثنائية، مؤكدين على عمق وقوة العلاقات الاستراتيجية التي تربط بين البلدين ومشددين على حرصهما على استمرار هذا التعاون بما يحقق المصالح المشتركة للشعبين."
وحذر الرئيس الأميركي أمس الإثنين من أن "الآتي أعظم بالنسبة إلى الحوثيين ورعاتهم في إيران"، في وقت تنفذ الولايات المتحدة منذ أيام ضربات ضد المتمردين المدعومين من طهران.
وعقب اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة "حماس" في قطاع غزة، شن الحوثيون هجمات صاروخية وبالطيران المسيّر على إسرائيل، كما استهدفوا سفناً في بحر العرب والبحر الأحمر على خلفية اتهامها بالارتباط بإسرائيل، مؤكدين أن عملياتهم تأتي دعماً للفلسطينيين في القطاع المحاصر.
وقال الرئيس الأميركي إنه ناقش مع نظيره المصري الوضع في "غزة والحلول الممكنة والاستعداد العسكري".
واستأنفت إسرائيل القصف المكثف على غزة في الـ18 من مارس (آذار) الماضي ثم شنت هجوماً برياً جديداً، منهية بذلك وقفاً لإطلاق النار استمر قرابة شهرين في الحرب مع "حماس"، بعدما وصلت المفاوضات حول مراحله التالية إلى طريق مسدود.
ومنذ استئناف القتال أعلنت وزارة الصحة التي تديرها الحركة مقتل 1042 شخصاً في الأقل بالهجمات الإسرائيلية.
وقدمت مصر أخيراً خطة مدعومة عربياً من شأنها إبقاء سكان غزة في أرضهم، رداً على مقترح لترمب لترحيلهم إلى مصر والأردن وسيطرة واشنطن على القطاع وتحويله إلى "ريفييرا الشرق الأوسط".
مقتل أطفال
أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أمس الإثنين عن مقتل ما لا يقل عن 322 طفلاً خلال 10 أيام في قطاع غزة منذ استئناف إسرائيل القصف بعد هدنة مع حركة "حماس" استمرت شهرين.
وأفادت "اليونيسيف" في بيان بأن "انهيار وقف إطلاق النار واستئناف القصف العنيف والعمليات البرية في قطاع غزة تسببا في مقتل ما لا يقل عن 322 طفلاً وإصابة 609 آخرين بجروح، أي بمعدل أكثر من 100 طفل يقتلون أو يشوهون يومياً خلال الأيام الـ10 الأخيرة".
وتابعت المنظمة أن "معظم هؤلاء الأطفال كانوا نازحين لجأوا إلى خيام موقتة أو مساكن متضررة".
أطفال يرتدون ثياب عيد الفطر في غزة (أ ب)
وأشارت "اليونيسيف" إلى أن هذه الأعداد تشمل الأطفال الذين قتلوا أو جرحوا في الغارة على قسم الطوارئ في مستشفى ناصر في خان يونس بجنوب القطاع.
وذكرت رئيسة المنظمة كاثرين راسل في البيان أن "وقف إطلاق النار كان يوفر شبكة أمان كان أطفال غزة في حاجة يائسة إليها". وتابعت أن "الأطفال غرقوا من جديد الآن في دوامة من أعمال العنف القاتلة والحرمان".

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستأنفت إسرائيل القصف المكثف على غزة في الـ18 من مارس (آذار) الماضي، ثم شنت هجوماً برياً جديداً، منهية بذلك وقف إطلاق النار الذي استمر قرابة شهرين في الحرب مع "حماس" بعدما وصلت المفاوضات في شأن مراحله التالية إلى طريق مسدود.
ومنذ استئناف القتال أعلنت وزارة الصحة التي تديرها "حماس" في قطاع غزة سقوط 1001 قتيل في الأقل في الهجمات الإسرائيلية.
واندلعت الحرب على خلفية هجوم "حماس" على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، والذي أسفر عن مقتل 1218 شخصاً، بحسب تعداد لوكالة الصحافة الفرنسية استناداً إلى أرقام إسرائيلية رسمية.
وأسفرت الحملة العسكرية الإسرائيلية عن مقتل 50357 شخصاً في الأقل في غزة، معظمهم من المدنيين، وفقاً لوزارة الصحة في القطاع. وذكرت "اليونيسيف" أن 15 ألف قتيل من أصل هذه الحصيلة أطفال.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

غضب دولي بعد طلقات إسرائيلية قرب دبلوماسيين أجانب بالضفة الغربية
غضب دولي بعد طلقات إسرائيلية قرب دبلوماسيين أجانب بالضفة الغربية

Independent عربية

timeمنذ 28 دقائق

  • Independent عربية

غضب دولي بعد طلقات إسرائيلية قرب دبلوماسيين أجانب بالضفة الغربية

نددت دول أوروبية وغربية أمس الأربعاء بواقعة إطلاق جنود إسرائيليين النار قرب وفد دبلوماسي في الضفة الغربية المحتلة، إذ استدعت إيطاليا وفرنسا سفيري تل أبيب لتوضيح ما حدث. وأقر الجيش الإسرائيلي بأن جنوده أطلقوا رصاصاً تحذيرياً بعدما "انحرف" الدبلوماسيون عن المسار المتفق عليه للجولة في شمال الضفة، مضيفاً أنه "يأسف للإزعاج الذي تسببت به الحادثة". وأشار إلى أنه لم يتم الإبلاغ عن وقوع إصابات. وعرض التلفزيون الإسرائيلي مقاطع ظهر فيها أشخاص يركضون نحو سيارات تحمل لوحات دبلوماسية بينما أمكن سماع دوي إطلاق نار. وأعلنت وزارة الخارجية الفلسطينية أن الوفد كان "يقوم بجولة ميدانية في محيط مخيم (جنين) للاطلاع على حجم المعاناة الكبيرة التي يتعرض لها المواطنون في المحافظة"، ووصفت تصرفات الجيش الإسرائيلي بأنها انتهاك للقانون الدولي. وأصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانا أدانت فيه الواقعة، مشيرة إلى أن السفير المصري في رام الله كان ضمن الوفد الدبلوماسي الزائر. ووصفت الواقعة بأنها "منافية لكافة الأعراف الدبلوماسية"، وطالبت الجانب الإسرائيلي "بتقديم التوضيحات اللازمة". كندا تطالب بـ"تحقيق معمق" دعت وزيرة الخارجية الكندية أنيتا أناند في وقت متأخر من مساء أمس الأربعاء إسرائيل إلى إجراء "تحقيق معمّق" و"محاسبة" المسؤولين عن واقعة الأعيرة التحذيرية التي أطلقها الجيش خلال زيارة يجريها دبلوماسيون أجانب إلى الضفة الغربية المحتلة. وكتبت أناند على منصة إكس "لقد طلبتُ من المسؤولين (في الوزارة) استدعاء السفير الإسرائيلي للتعبير عن المخاوف الخطيرة لكندا"، مشيرة إلى أنّ أربعة كنديين كانوا في عداد الدبلوماسيين الأجانب الذين أُطلقت باتجاههم الأعيرة النارية التحذيرية. كما أعلنت وزارة خارجية الأوروغواي أنّها استدعت الأربعاء السفيرة الإسرائيلية في مونتيفيديو ميخال هيرشكوفيتز "لتوضيح الحقائق المبلّغ عنها" في أعقاب إطلاق الجيش الإسرائيلي الأعيرة النارية التحذيرية باتجاه دبلوماسيين أجانب، بينهم سفير الدولة الواقعة في أميركا اللاتينية. وقالت الوزارة في بيان إن "وفداً من السلك الدبلوماسي المعتمد لدى دولة فلسطين، بمن فيهم سفير الأوروغواي فرناندو أرويو، هوجم بأعيرة نارية من قبل جنود إسرائيليين"، داعية تل أبيب إلى "التحقيق في هذه الواقعة" و"اتّخاذ التدابير اللازمة لضمان حماية (...) الطاقم الدبلوماسي". وأعلنت المكسيك الأربعاء أنّها ستطلب "توضيحات" من إسرائيل حول سبب إطلاق جيشها أعيرة نارية تحذيرية خلال زيارة قام بها دبلوماسيون أجانب، بينهم مكسيكيان. وقالت وزارة الخارجية المكسيكية على منصة إكس إنّه ليس هناك ما يفيد بأنّ الدبلوماسيين دخلوا إلى منطقة غير مرخّص لهم الدخول إليها، كما زعم الجيش الإسرائيلي لتبرير إطلاق ما أسماه "أعيرة تحذيرية". إيطاليا تطلب تفسيرات من جانبها، أعلنت وزارة الخارجية الإيطالية أنها استدعت السفير الإسرائيلي في روما "للاحتجاج" و"طلب تفسيرات" عقب إطلاق قوات إسرائيل الأعيرة التحذيرية وقالت الخارجية الإيطالية في بيان إن الأمين العام للوزارة ريكاردو غواريغليا "احتج" و"رفض سلوك الجيش الإسرائيلي، معتبراً أنه من غير المقبول طرد وفد دبلوماسي مدني من منطقة تحت سيطرة الجيش باستخدام الأسلحة النارية". وأضاف "يتعيّن على إسرائيل أن توقف عملياتها العسكرية في غزة، وتركز على المفاوضات السياسية والدبلوماسية لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين والتوصل إلى وقف لإطلاق النار يسمح بإحياء عملية السلام". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) كذلك جددت إيطاليا دعوتها إلى فتح المعابر مع غزة "فوراً" "للسماح بدخول كميات كبيرة من المساعدات الغذائية والصحية إلى السكان الفلسطينيين". وقالت الخارجية الإيطالية إن غواريغليا "أكد موقف الحكومة الإيطالية الذي يعتبر أن الشعب الفلسطيني نفسه هو ضحية إرهابيي حماس". واعتبر وزير الخارجية الإيطالي أنتونيو تاياني في وقت سابق الأربعاء أن الطلقات التحذيرية التي أطلقها الجيش الإسرائيلي باتّجاه دبلوماسيين في الضفة الغربية تهديدات "غير مقبولة". وذكر أنه تواصل مع نائب القنصل الايطالي اليساندرو توتينو و"هو بخير"، موضحا أن الأخير "كان بين الدبلوماسيين الذين تعرضوا لهجوم بإطلاق عيارات نارية قرب مخيم جنين للاجئين". وأثار ما حصل انتقادات عديدة، لا سيما من إسبانيا وألمانيا ومسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كلاس، فيما دعت تركيا إلى إجراء "تحقيق" سريع. وجاءت الحادثة في ظل تزايد الضغوط الدولية على إسرائيل على خلفية حرب غزة مع انتظار الفلسطينيين الحصول على إمدادات حيوية بعد تخفيف الحصار المطبق على القطاع والمستمر منذ أكثر من شهرين. ووصف وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو في منشور على إكس الحادثة بأنها "غير مقبولة"، في حين قال نظيره الإيطالي أنطونيو تاياني إن سفير إسرائيل في إيطاليا سيتعين عليه تفسير تصرفاتها. واستنكرت وزارة الخارجية الألمانية ما وصفته "بإطلاق النار غير المبرر". وقالت إن الوفد المتوجه إلى مدينة جنين بالضفة الغربية مسجل رسميا ويقوم بأنشطة دبلوماسية بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي. وألمانيا حليف قوي لإسرائيل. الاتحاد الأوروبي يطالب بالتحقيق أكدت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس أنها علمت بالواقعة التي حدثت خلال زيارة لدبلوماسيين دوليين نظمتها السلطة الفلسطينية. وقالت "نحث إسرائيل بالتأكيد على التحقيق في الواقعة ومحاسبة المسؤولين عنها وعن أي تهديدات لحياة الدبلوماسيين". وتأتي الواقعة في ظل تزايد الضغوط الدولية على إسرائيل لوقف حربها في غزة والسماح بوصول المساعدات إلى السكان الذين يقول خبراء الأمم المتحدة إنهم على شفا المجاعة بعد حصار إسرائيلي استمر 11 أسبوعا. وطالبت كالاس أمس الثلاثاء بمراجعة اتفاقية التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل ردا على أفعالها في غزة، وهو ما يسلط الضوء على تنامي العزلة الدولية لإسرائيل بسبب سلوكها في حرب غزة المستمرة منذ 20 شهرا. وفي أنقرة، قالت وزارة الخارجية التركية إن إطلاق النار على الدبلوماسيين، وبينهم أتراك، "دليل آخر على تجاهل إسرائيل المنهجي للقانون الدولي وحقوق الإنسان". وقالت وزارة الخارجية الإسبانية إن أحد رعاياها كان ضمن مجموعة الدبلوماسيين ولم يصب بأذى. وأضافت في بيان "نحن على اتصال بالدول المتضررة الأخرى لتنسيق الرد المشترك على الواقعة، والتي نستنكرها بشدة". وقتل الجيش الإسرائيلي عشرات الفلسطينيين ودمر الكثير من المنازل في الضفة الغربية منذ أن شن عملية في يناير (كانون الثاني) في جنين للقضاء على مسلحين.

نشوة روسيا الكاذبة
نشوة روسيا الكاذبة

Independent عربية

timeمنذ 2 ساعات

  • Independent عربية

نشوة روسيا الكاذبة

لسنوات قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستخدام احتفالات يوم النصر السنوية في 9 مايو (أيار)، والتي تحيي ذكرى الانتصار السوفياتي على هتلر في الحرب العالمية الثانية، كي يُظهر عظمته الشخصية. فالنصر السوفياتي عام 1945 كان دائماً ويبقى أحد الأحداث التاريخية القليلة جداً التي توحد الشعب الروسي بصدق، وطبعاً لم يسَعْ بوتين مع نضوج نظامه إلا استغلال المناسبة والاستفادة منها. وفوق ذلك، أضفى طابعاً شخصياً على الحدث، مستولياً حتى على بعده الوطني وطقوسه العامة. إذ إن "الفوج الخالد"، مثلاً، الذي يعد مبادرة من المجتمع المدني تجتذب مئات آلاف الروس العاديين للاشتراك في مسيرة كبرى يحملون خلالها صور أسلافهم الذين قاتلوا في الحرب، قد وُضع تحت إمرة الكرملين بشكل كامل. وفي عام 2015، في الذكرى السبعين ليوم النصر، قاد بوتين بنفسه، في وسط موسكو، أحد أرتال الفوج المذكور. لكن هذه المناسبة السنوية اكتسبت معنى معاصراً منذ بدأت روسيا "عمليتها الخاصة" في أوكرانيا عام 2022. إذ على مدى السنوات الثلاث الماضية روّج الكرملين بقوة لفكرة تقول إن النزاع القائم في الجوار (في أوكرانيا) يمثل استمراراً للحرب الوطنية الكبرى ضد الغرب، العدو الذي مثله في القرون الماضية نابليون وهتلر، وتمثله اليوم أوكرانيا وأوروبا (بعد أن جرى استثناء الولايات المتحدة من لائحة الأعداء إثر عودة دونالد ترمب إلى الرئاسة). وهذا غدا جزءاً أساسياً من الدعاية السياسية الرسمية للدولة الروسية، وقد جرى في السياق تصميم استعراضات "يوم النصر" والاحتفالات والطقوس المرتبطة به، من أجل ترسيخ هذه الأطروحة في أذهان الناس. وقد بدا بوتين في هذا السياق، لهذه الأسباب كلها، عازماً على الاحتفال بالذكرى الثمانين لانتصار الاتحاد السوفياتي، بجلبة خاصة. إذ هدفه اليوم أن يظهر أيضاً أنه غير معزول عن العالم، وأن أفضل جزء من هذا العالم، أي تلك الدول والشعوب التي حاربت ولا تزال تحارب ما يسميه الكرملين "الهيمنة الغربية" و"الاستعمار"، تدعم روسيا، على رغم الاستعمار الإمبراطوري الصرف للعملية الأوكرانية. من هنا، ولهذا السبب، جرت دعوة ممثلي "الغالبية العالمية"، المصطلح الذي يعتمده الكرملين للإشارة إلى دول ما يعرف بـ "الجنوب العالمي"، والتي يتخيل بوتين نفسه قائداً غير رسمي لها، للمشاركة في استعراضات يوم النصر هذا العام. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وقد كان من بين المشاركين في العروض جنود من ميانمار، إضافة إلى ضيوف كبار الشخصيات من غينيا الاستوائية، وبوركينا فاسو، ودول أخرى. ومن نافل القول هنا إن تلك الدول لم يكن لها أي صلة بانتصار عام 1945. بيد أن حليفاً تاريخياً واحداً لروسيا حضر من دون شك: الصين، ممثلة بزعيمها الكبير شي جينبينغ، الذي التقى بوتين في الكرملين عشية الاحتفالات. وقد كان لعراضة الوحدة والتحالف هذه بين موسكو وبكين، قيمة رمزية مهمة، على رغم أن حاجة شي لبوتين تبقى أقل بكثير من حاجة بوتين إليه. ومع ذلك من الصعب عدم ملاحظة أن حلفاء الاتحاد السوفياتي الأساسيين في الحرب العالمية الثانية، الذين حققوا معاً النصر التاريخين، لم يكونوا حاضرين في احتفالات بوتين. فما معنى هذا الأمر غير العزلة عن العالم؟ مع ذلك، يكمن خلف هذه الذكرى السنوية الخاصة تغيير أكثر أهمية ويتمثل بالعلاقة المتحولة بين روسيا والولايات المتحدة منذ عودة ترمب إلى الرئاسة. لقد تضاءلت، في اللحظة الراهنة، النشوة الروسية التي احتفت بتحسن العلاقات مع واشنطن هذا الربيع، لكن العديد من أفراد النخبة الروسية والمواطنين الروس العاديين ما زالوا يعلقون آمالهم على إدارة ترمب للقيام بوساطة ناجحة لإنهاء الحرب، وتأمين الدعم الأميركي للشروط والمطالب الروسية. إذ إن الإدارة الأميركية الجديدة، بالنسبة لبوتين، لا توفر فقط فرصة لتحقيق اتفاق اقتصادي مؤات في لحظة أخطار متزايدة تواجهها روسيا، بل تتيح أيضاً فرصة للخروج من مستنقع الفوضى في أوكرانيا مع الاحتفاظ بماء الوجه. وعلى رغم عدم حضور ترمب أو أي ممثل آخر من إدارته احتفالات يوم النصر (في موسكو)، إلا أنه تم رفع الولايات المتحدة في بيانات الكرملين الرسمية وفي دعايته، إلى مرتبة الشريك، شريك تاريخي يشكل نقيضاً مباشراً لأوروبا، التي غدت الآن (بالنسبة لبوتين) العدو الأساسي. هذا الأمر، منذ وقت ليس ببعيد، كان معكوساً. التناغم مع ترمب منذ بداية الحرب الباردة على الأقل، لعبت الولايات المتحدة دوراً مركزياً في الوعي الجمعي الروسي. وكان الروس ينظرون إلى هذه القوة العظمى التي تنافسهم بمزيج من الإعجاب والكراهية والاستعلاء والحسد. هم غالباً كانوا يعدون أنفسهم أكثر تفوقاً من الناحية الروحية، لكن أدنى مادياً من منافسيهم "اليانكيين" (الأميركيين). وقد أسهم الذهن المؤامراتي، بطبيعة الحال، وعلى مدى فترة طويلة من الزمن، بترسيخ فكرة وقوف الولايات المتحدة خلف كل حدث استثنائي في العالم، بما في ذلك مشكلات روسيا الداخلية، التي هي، بحسب أصحاب ذاك النمط من التفكير، نتيجة سياسات أميركية خفية. وفي الدعاية السياسية الروسية بالسنوات الأخيرة بات شائعاً سماع إحالات إلى "الإمبريالية الأنغلو-أميركية" أو "الأنغلو-ساكسونية"، المصطلحين اللذين يشكلان تعبيراً روسياً مهيناً عن الهيمنة الخطرة التي تمارسها الولايات المتحدة وبريطانيا. وقد أدرجت أوروبا ببساطة، في مركّب الكراهية هذا، في خانة عامة لمصطلح "الغرب". ونتيجة لذلك عوملت أوروبا، حتى في عهد بوتين، بالطريقة عينها تقريباً التي عوملت بها الولايات المتحدة، إذ كلما ساءت المواقف تجاه الولايات المتحدة، غدا الروس أكثر تشككاً وريبة تجاه الاتحاد الأوروبي. بيد أن انتصار ترمب (في الانتخابات الأميركية) وجهوده الهادفة لتحقيق السلام جاءت كي تقلب هذا التفكير (الروسي) التقليدي رأساً على عقب. فأوروبا الآن، بما في ذلك المملكة المتحدة، غدت المصدر الرئيس للشر، فيما باتت الولايات المتحدة هي الخيرة. وفي أواخر فبراير (شباط)، خلال زيارة قام بها لمقر "جهاز الأمن الفيدرالي" (خليفة الـ "كي جي بي"، الجهاز الأمني السوفياتي الذي تخرج منه)، أشار بوتين إلى أن الاتصالات مع الإدارة الجديدة في واشنطن "تستحضر آمالاً معينة"، مضيفاً "ليس الجميع سعداء أمام اسئناف التواصل الروسي – الأميركي"، وأنه على الأجهزة الأمنية (الروسية) البقاء متيقظة كي لا تحيد "المحادثات" الجديدة عن مسارها. واستكمالاً لهذا السياق والنهج أبدى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بعد أيام قليلة تعليقاً ذكر فيه أنه خلافاً للعقيدة السوفياتية والروسية القديمة، فإن الولايات المتحدة لم تكن يوماً من دعاة الحرب على روسيا، بل أن أوروبا هي من شكل الخطر الأساسي. إذ "على مدى الـ 500 عام الماضية، انبثقت جميع مآسي العالم من أوروبا أو حدثت بفعل السياسات الأوروبية"، وفق كلامه. وقد راح العديد من المواطنين العاديين في روسيا وحتى أفراد من النخبة السياسية يتصورون، على وقع هذه التصريحات (الرسمية)، صيغاً ورؤًى للسلام. وبحلول النصف الثاني من عام 2024 غدا واضحاً سلفاً أن غالبية الروس يرغبون في قيام محادثات سلام، إلا أن هذا الاتجاه تزايد على نحو ملحوظ مع وصول ترمب إلى الرئاسة مجدداً. ويرى العديد من الروس الآن أن الولايات المتحدة تمثل شريكاً برغماتياً، ويتوقعون نهاية الحرب عبر مفاوضات مباشرة بين موسكو وواشنطن. ووفق استطلاع أجراه في يناير (كانون الثاني) "مركز ليفادا" المستقل، توافق المستطلعون على أن السلام، من حيث المبدأ، يمكن تحقيقه فقط عبر وسيط، وهذا الوسيط طبعاً قد يكون الولايات المتحدة إلى جانب آخرين. على أن تلك القناعة بوساطة تقودها الولايات المتحدة بدت مترسخة على نحو ملحوظ مع حلول فبراير. إذ في استطلاع آخر أجراه "مركز ليفادا" بذلك الشهر، قالت غالبية كبيرة من المستطلعين، 70 في المئة، إنه يجب أن تكون الولايات المتحدة إلى مائدة المفاوضات مع روسيا، حتى أن غالبية أكبر، 85 في المئة، وافقت على انعقاد الاجتماعات الثنائية بين روسيا والولايات المتحدة التي بدأت في المملكة العربية السعودية بذلك الشهر. فعلى رغم فهمهم لضرورة وجود اتفاقيات مع أوكرانيا، يبقى الهدف الأكثر أهمية بنظر الرأي العام الروسي متمثلاً بإيجاد أرضية مشتركة مع ترمب. إذ عبر إقناع الرئيس (الأميركي) لدعم مطالب بوتين الأساسية، سيُضمن لروسيا راهناً التوصل إلى اتفاقية سلام مستدامة، وإقامة روابط اقتصادية مفيدة في المستقبل. وعلى وقع هذه التوقعات خفف الروس على نحو ملحوظ مشاعر عدائهم لأميركا. فبعد أن كانت نسبة المستطلعين الذين أظهروا موقفاً إيجابياً من الولايات المتحدة في سبتمبر (أيلول) 2024 لا تتعدى الـ 16 في المئة، فإن نسبة هؤلاء تضاعفت تقريباً وسجلت معدل الـ 30 في المئة مع حلول فبراير 2025. غالبية الروس يلتزمون ما يشبه "توافق الصمت" حيال الحرب القائمة كذلك فإن التركيز البلاغي تجاه الولايات المتحدة الذي مارسه الكرملين أسهم في تعزيز شعبية هذا الأخير. وفي السياق وربما مدفوعة بآمال تحقيق السلام، ارتفعت وفق استطلاعات ليفادا أيضاً، نسبة تأييد وزير الخارجية سيرغي لافروف، التي كانت سابقاً في حالة ركود، وذاك جعله لفترة وجيزة ثاني أكثر السياسيين موثوقية بعد بوتين، على رغم تراجعه مرة أخرى إلى المركز الثالث في أبريل (نيسان) حين بدأت المفاوضات تتعثر، ليعاود الحلول خلف رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين صاحب المركز الثاني في العادة. كما كان استعداد واشنطن الواضح لعقد صفقات مع موسكو في ذاك السياق قد شجع مجتمع الأعمال الروسي، حتى أن البعض رأى إمكانية أن تغدو الولايات المتحدة مصدراً للإيرادات في الموازنة الوطنية. وذاك أمر من شأنه أن يكون مهماً، إذ إن عائدات النفط التي أسهمت في تجديد موارد خزائن المال الروسية بمعظم فترة الحرب، تشهد في عام 2025 انخفاضاً كبيراً بفضل التدني العالمي في الأسعار. وتدرك النخب السياسية والتجارية الروسية في هذا الإطار أن سياسات ترمب الاقتصادية قد تؤدي إلى المزيد من التآكل في أسعار النفط وإلى تعقيد صادرات الطاقة الروسية. بوتين من جهته، بتركيبته وعقده النفسية (إحساسه بالعظمة الشخصية) وبمخططاته الجيوسياسية (حلمه بروسيا الكبرى) بات له في نهاية المطاف، كما يرى كثيرون من الروس، نظيراً يمكنه أن يتفق معه على إعادة تقسيم العالم. إذ مع ترمب، وفق رأي كثيرين، يمكن لبوتين أن يحول الحرب المستعرة إلى حرب باردة ويكتفي بذلك– إذ إن الموارد العسكرية والمالية الروسية لها حدود في النهاية. وهذه الافتراضات تغذيها النظرة الروسية لترمب نفسه. إذ إن جزءاً كبيراً من الروس يرون في ترمب صانع سلام حقيقياً وسياسياً "رصيناً وحاذقاً"، وفق ما وصف بعض المشاركين في استطلاع ليفادا. وهو أيضاً، للعديد من الروس العاديين، رجل أعمال يفهم لغة الصفقات البرغماتية، المتضمنة سلاماً يأمل الروس في أن يكون بطريقه إليهم. إلى هذا، وعلى نقيض النظرة إلى الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، لا يرى معظم الروس في ترمب معادياً لروسيا. وعلى رغم غياب التقدم (في المساعي السلمية) تبقى الآمال بوساطة تقودها الولايات المتحدة موجودة، وليس هناك في أوساط الروس، حتى الآن على الأقل، خيبة أمل من ترمب. لكن من المهم الملاحظة هنا أن المواقف الإيجابية الجديدة التي يعتمدها الروس تجاه الولايات المتحدة ليست سوى جزء من التوقعات الكبرى التي كانت سائدة وتتطلع لنجاح مفاوضات السلام. ففي أوساط الطبقة الليبرالية الصغيرة في روسيا يفصل الناس ترمب عن الولايات المتحدة. إذ إنهم عموماً ينظرون بشكل سلبي إلى زعيم الـ"ماغا"، إن لم يكن برعب، لكنهم يميلون إلى اعتبار الولايات المتحدة معقلاً للعالم الغربي والديمقراطية. وتأمل هذه الفئة الليبرالية بأن تسهم المؤسسات الديمقراطية في البلاد (في الولايات المتحدة) بمنع الأخيرة من الغرق في الاستبداد. هذه الشريحة من المواطنين الروس تضم من الناحية السوسيولوجية الفئة الشبابية الأكثر تعليماً والأشخاص الذين لا يوافقون على سياسات بوتين بما في ذلك حربه في أوكرانيا؛ إضافة، على وجه التحديد، لأولئك الذين لديهم توجه ليبرالي. ويميل أفراد هذه الشريحة إلى متابعة واستهلاك الأخبار المستقلة، غالباً عبر "يوتيوب" (الذي يمكن مشاهدته من خلال "في بي أن" VPN [الشبكة الخاصة الافتراضية وهي تقنية تسمح للمتصفح بتفادي الحظر الإلكتروني وإخفاء المكان الجغرافي للمتصفح])، الغادي الآن للعديد من الروس منصة أساسية لتلقي المعلومات والآراء بعيداً من القنوات الرسمية. لذا، بطريقة أو بأخرى، فإن نظرة الروس إلى الولايات المتحدة تبقى عاملاً أساسياً في تكوين نظرتهم بالنسبة لموقع روسيا في العالم. سلام أو مماطلة؟ في خلفية آمال الروس الجديدة بالسلام، تتراكم الآثار النفسية للحرب، فقد خلّف الثمن الإنساني الباهظ، وضراوة القتال، واستمراريته التي تبدو بلا نهاية، أثراً صامتاً على السكان. وعلى رغم أن المعارك لم تقتصر آثارها على من في الجبهات، فإن غالبية الروس ما زالوا يلتزمون ما يشبه "توافق الصمت" حيال صدمات الحرب. ووفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة "ليفادا" في أبريل، يرى 40 في المئة من الروس أن سياسات بوتين التوسعية ألحقت ضرراً بالبلاد، مقابل 33 في المئة يعتقدون أنها أفادتها، بينما بقي 28 في المئة غير متأكدين. ويشير أولئك الذين يرون ضرراً أكثر من نفع إلى حجم الخسائر البشرية، فيما يتمسك الفريق الآخر بفكرة "استعادة الأراضي الروسية التاريخية". وبالنسبة لكثيرين من الروس، يبدو أن من الأسهل الحفاظ على حياة طبيعية من خلال تجاهل واقع الحرب أو تجنّب التفكير فيها. فباستثناء المناطق الحدودية، تبقى "العملية الخاصة" بعيدة من حياة معظم الناس، ولم تؤدِ الضربات الأوكرانية داخل الأراضي الروسية أو في منطقة كورسك إلى كسر هذا الحاجز النفسي. ومع ذلك، فإن غالبية واضحة من الروس تتمنى لو أن الحرب تنتهي وتختفي. وهناك في هذا الإطار بالطبع أولئك الذين كانوا على الدوام ضد الحرب، إلا أن هؤلاء لا يتجاوزون نسبة الـ 20 في المئة من السكان– أي نفس حجم الفئة المتحمسة بتأييدها لبوتين والتي يعرف أفرادها بلقب "الوطنيون الألتراس"، الذين يريدون استمرار الحرب مجادلين بضرورة أن تُنهي روسيا المهمة. أما معظم الناس العاديين المؤيدين لعقد محادثات سلام فما زالوا يضعون شرطين أساسيين لذلك: ألا تنضم أوكرانيا لحلف الناتو، وأن تبقى الأراضي التي احتلها الجيش الروسي جزءاً من الأراضي الروسية. كذلك هناك مشكلة أخرى أيضاً، وهي أن العديد من الناس استفادوا مالياً من الاقتصاد العسكري والمكافآت المختلفة وزيادات الرواتب التي جاءت في سياقه. لذا فإن البعض ينظر لاحتمالات السلام الوشيكة على أنها تهديد لمكاسبه المحتملة، وذاك أمر سارعت الدولة، التي تعاني دائماً من نقص القوى العاملة، للاستفادة منه. ففي الأشهر الماضية بدأت تظهر في الأمكنة العامة ملصقات تدعو الروس إلى الإسراع، قبل انتهاء الحرب، لتوقيع عقد عسكري مربح. مع هذا، ولكل متابع جيد للوقائع، يبقى السلام بعيد المنال. وبما أن ترمب وبوتين تباحثا في الفكرة، سيتعين على الزعيم الروسي في هذا السياق أن يبدأ بتصوير ما أنجزه حتى الآن على أنه انتصار. ولأن الكرملين تجنب تحديد ما يعنيه "النصر"، فإن غالبية الروس على الأرجح سيرون اتفاق السلام متوافقاً بالحد الأدنى مع مطالب بوتين، ومتناسباً بالتالي مع المواصفات المطلوبة. بعبارة أخرى، ليس ضرورياً أن تزيد القوات الروسية تحركها غرباً كي تزعم موسكو تحقيق النصر. علاوة على ذلك، بمواصلة الحرب وتكبد المزيد من الخسائر الروسية، قد يُصعّب بوتين تحقيق نهاية يمكن للجمهور أن يسميها نصراً: فروسيا لم تشهد بعد كارثة اقتصادية، لكن "الركود التضخمي"، الذي هو مزيج من النمو الاقتصادي البطيء والتضخم المرتفع، ترسخ على نحو جلي. التحدي الأكبر بالنسبة لبوتين يتمثل بكيفية الحفاظ على الاستقرار حين يتوقف القتال. إذ إن مئات آلاف المحاربين سيعودون من الجبهات. وهؤلاء جميعهم أبطال حرب، وسيطالبون بأن يجري التعامل معهم على هذا الأساس. لكن لن يكون هناك في المتناول ما يكفي من فرص العمل المرغوبة وغيرها من المكافآت. وهنا قد تبدأ المشكلات بالتفاقم. فالمجتمع العادي نفسه الذي اعتاد لفترة طويلة على تجاهل الحرب وعدم الاكتراث لها، قد يبدأ بالنظر إلى المحاربين القدامى على أنهم منافسون في مجالات الوظائف، غير مرحب بهم. إلى هذا، فإن التغييرات الهيكلية في الاقتصاد التي أجراها الكرملين منذ عام 2022، المتضمنة أجوراً أعلى ومعاملة تفضيلية للشركات والعمال ضمن المجمع الصناعي - العسكري، يجب أن تُعكس. ويمكن لهذا الأمر أن ينتج آثاراً مزعزعة للاستقرار. لكن إن استمرت الحرب وفشلت الحكومة في تلبية حاجات المحاربين القادمين من الجبهات، أو تلكأت في التعامل مع التشوهات المتزايدة في الاقتصاد المحلي، فستواجه حتى مشكلة أعظم. من هنا فإن بوتين يواجه أزمة توقعات متضخمة. وهو عبر إطالته أمد التفاوض مع ترمب، يقوم بممارسة التحوط: فإنهاء المرحلة المستعرة من النزاع سيؤدي، من جهة، إلى تحولات مزعزعة للاستقرار في الاقتصاد والمجتمع؛ وسينبغي عاجلاً أم آجلاً، من الجهة الأخرى، إرضاء التوقعات العامة المتزايدة التي ترى السلام آتياً. في الوقت الراهن لا يملك بوتين أي حل، وهو يماطل. وقد يدرك أن معظم الروس مستعدين، على الأقل لفترة أطول قليلاً، لتقبل مماطلته وتسويفه في إنهاء الحرب. لكن أيضاً هناك عامل آخر يلعب دوراً، وهو صبر ترمب المحدود. المستبد الروسي في المقابل لن يرغب في تفويت فرصة نادرة متمثلة بالتحالف مع رئيس أميركي، وذلك لسببين اثنين، سياسي واقتصادي: فمعاهدة السلام قد تنقلب إلى صفقة اقتصادية مؤاتية، وعائداتها ستطيل عمر نظام بوتين. لا أحد في الواقع يمكنه أن يتنبأ متى قد "ينسحب" ترمب من جهوده السلمية، وفق ما هدد مسؤولون في إدارته، أو كيف يمكن لبوتين أن يتفاعل مع فكرة غياب أي صفقة محتملة. بيد أن رفض التفاوض قد يزيد الوضع العام السائد تعقيداً وخطورة. تلك هي معضلة بوتين في الحقيقة. ولاء المستهلك النخب الروسية وسط حالة عدم اليقين هذه، تبقى بمثابة الصندوق الأسود. من الصعب قياس رغبة تلك النخب بالسلام أو تقدير مواقفها تجاه النظام الذي تخدمه. فالناس غير الراضين (عن الوضع) هم في حالة صمت، أما الفئة الأكثر تكيفاً فيندفع أفرادها لبناء مستقبل مهني يمكنهم من خلاله الجمع بين الولاء السياسي الكامل وبين الكفاءة التكنوقراطية. حتى أن العديد من أفراد النخبة هؤلاء يتوقعون نهاية الحرب، وإن لم يكن ذلك قريباً. إذ مثلاً، وفي إحدى أحدث مقابلاته، بدا لافروف مستهدفاً المسؤولين الروس الليبراليين الذين يتصورون مستقبلاً مختلفاً بعد الحرب. وقد حذر لافروف في السياق أنه لو رفعت العقوبات فإن بعض "الليبراليين" سيحاول "التراجع عن إنجازي استبدال الواردات والسيادة في اقتصادنا". من غير الواضح من قصد وزير الخارجية في كلامه هذا، ناهيك عن قلة ما يمكن للسياسات المتبعة خلال الحرب أن تظهره لأولئك الذين قصدهم. فعمليات تحقيق "السيادة" (الاقتصادية، أي الاعتماد على الذات) والمستويات غير المنضبطة في الإنفاق العسكري خلقت سلفاً مشكلات اقتصادية هائلة وطويلة الأجل. في كل الأحوال، علينا ألا نخلط بين توقعات السلام والنصر المتزايدة وبين الآمال التي ترى أن الكرملين سيتبنى الليبرالية مرة أخرى. فنظام بوتين هو جامد وشديد القمعية. وبحسب موقع منظمة "أو في دي إنفو" OVD-info، الهيئة المستقلة لمراقبة مسائل حقوق الإنسان في روسيا، فإن الدولة هناك، اعتباراً من مطلع مايو، وجهت اتهامات بارتكاب جرائم سياسية بحق أكثر من 3284 شخصاً، يقبع الآن 1590 شخصاً منهم في السجن. وقد قامت وزارة العدل (الروسية) راهناً بتصنيف أكثر من 900 كيان روسي "كعملاء أجانب"، مع إضافة كيانات جديدة إلى اللائحة أسبوعياً، علماً أن أكثر من 500 كيان منها هم أفراد مواطنون يواجهون قيوداً شديدة من ناحية الحقوق. كذلك تضع الدولة قائمة منفصلة تضم المنظمات غير المرغوب بها في البلاد، سواء كانت روسية أو أجنبية، وكل من يتعاون مع تلك المنظمات قد يواجه ملاحقة جنائية. هذا ويطبق الحظر على جميع الوسائط المستقلة على الإنترنت، فلا يمكنها العمل إلا بطريقة غير قانونية، ولا يمكن الاطلاع على محتواها وقراءتها ومشاهدتها إلا من خلال الـ "في بي أن". هذه الدولة الحصينة لن تختف بسهولة وبساطة عندما تصمت المدافع. فالشروط التي لا تنفك تتزايد والتي تطلب إظهار السلوك الوطني، من اعتماد طقوس الولاء (الوطني) في المدارس إلى التصريحات اللفظية التي تعبر عن الولاء "للبوتينية" من قبل رؤساء الشركات والجامعات والمكتبات وغيرها من المؤسسات والمعاهد، لن تنحسر. كما أن النظام لن يوقف حربه التي يشنها على المجتمع المدني. لا بل إن الكرملين في الحقيقة، مع انتهاء انشغاله بالحرب، يمكن أن يضاعف القمع والتلقين العقائدي بحق الشباب الروسي. يواجه بوتين أزمة "توقعات متضخمة" وإن انفتح الغرب من جديد أمام الروس وتمكنت النزعة الاستهلاكية من معاودة الازدهار، قد يكون كافياً لإبقاء شريحة السكان الكبيرة التي لا تهتم بالشؤون السياسية ممتثلة، في ظل نظام ينحو حتى نحو المزيد من التشدد والقسوة. هناك بالفعل مقدار كبير من التكهنات بعودة وشيكة للعلامات التجارية الغربية إلى روسيا. ففي مارس (آذار)، قال قرابة نصف الأشخاص الذين استطلعهم مركز ليفادا إنه ينبغي التدقيق بكل شركة غربية، ولا ينبغي السماح بالعودة إلى السوق الروسية إلا للشركات التي تعد موالية لروسيا. وقال قرابة 20 في المئة من المستطلعين إنه ينبغي السماح لجميع الشركات التي غادرت بالعودة إلى روسيا من دون قيود، فيما قال ربع المستطلعين إنه لا ينبغي أبداً السماح لتلك الشركات بالعودة. وهنا يمكن القول بكلام آخر إن العديد من الروس على ما يبدو يفترضون أن الشركات الغربية ستتدفق إلى روسيا بمجرد انتهاء الحرب. وذاك يعني أن العديد من الروس هم أيضاً عرضة لـ"التوقعات المتضخمة". لإشباع أي من تلك الرغبات سيتعين على بوتين التوصل لإتفاق سلام، ويفضل أن يستتبعه بصفقة اقتصادية مع ترمب، أو بسلسلة من الصفقات. حينها فقط سيكون بالإمكان إطالة أمد العقد الاجتماعي الضمني الذي أبرمه الكرملين مع المجتمع الروسي. فمقابل قيام الدولة بتحقيق السلام والنصر، سيتوقع من المواطنين إظهار الولاء الكامل للنظام (والذين لا يفعلون ذلك سيواجهون ردود فعل انتقامية). وكمكافأة على ذلك، سيتم الحفاظ على اقتصاد السوق ومستويات الاستهلاك الطبيعية. طبعاً لقد نجح بوتين فعلاً في جعل أعداد كبيرة من المواطنين الروس متواطئين معه، وذاك إلى حد ما، يضمن ولاءهم له. لكن إبقاء شعب بأكمله رهينة سياسية، فيه جانب سلبي. إذ لو أزيل العنصر الأساسي لهذا النظام، أي بوتين، فسيبدأ ذاك النظام بالانهيار. إزاء هكذا سيناريو، ومع تكيف الروس تجاه الظروف الخارجية الجديدة، قد تولد توقعات متضخمة مستجدة. لكن حينها، عند تلك النقطة، سيتم توجيه هذه التوقعات نحو زعيم جديد. أندريه كوليسنيكوف كاتب أعمدة صحافية في "نيويورك تايمز" الأميركية و"نوفايا غازيتا" الروسية. مترجم عن "فورين أفيرز"، 9 مايو 2025

أميركا وإيران... صراع الخطوط الحمر
أميركا وإيران... صراع الخطوط الحمر

Independent عربية

timeمنذ 2 ساعات

  • Independent عربية

أميركا وإيران... صراع الخطوط الحمر

المواجهة الكلامية التي سيطرت على مفردات الخطاب المتبادل بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، على خلفية موقف الطرفين من مسألة تخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية، لم تكُن وليدة تطور مستجد على طاولة التفاوض. فالتراشق في المواقف من التخصيب الذي ظهر خلال الأيام الأخيرة، بخاصة بعد انتهاء زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى السعودية وبعدها الإمارات وقطر، بدأت إرهاصاته ما بعد الجولة الثالثة من المفاوضات غير المباشرة، واستمرت، بصورة أكثر وضوحاً وحدة بعد الجولة الرابعة، ليتحول إلى حديث عن خطوط حمر يرسمها المفاوضون قبل الجولة الخامسة التي يسود نوع من الغموض حول توقيتها. الإدارة الأميركية التي تعمل من أجل التوصل إلى اتفاق مع إيران يختلف، في مضمونه وشروطه، عن الاتفاق الذي وقّعه الرئيس السابق باراك أوباما عام 2015، ويسمح للرئيس ترمب بالحديث عن إنجاز حقيقي ومتقدم، تواجه تعنتاً وتمسكاً إيرانياً واضحاً بالمسار الذي رسمته لهذه المحادثات قبل الجلوس إلى طاولة التفاوض، بما فيه من تنازلات ربما تكون مجبرة على تقديمها من أجل الوصول إلى نقطة وسط بين مطالبها ومطالب الإدارة الأميركية. ومنسوب التفاؤل والإيجابية التي سيطرت على أجواء الجولتين الأولى والثانية من التفاوض غير المباشر، وما خرجت به من اتفاق حول الإطار العام للتفاوض وأهدافه والقضايا التي ستطرح على الطاولة، لم توحِ بوجود خلاف بين الجانبين حول مسألة أنشطة التخصيب واستمراراها على الأراضي الإيرانية، والخطوط الحمر التي رسمت في هاتين الجولتين انحصرت في المطلب الأميركي بخطوات إيرانية تعزز الثقة بعدم وجود نوايا أو أنشطة من أجل حيازة أسلحة دمار شامل والتخلي عن مستويات التخصيب المرتفعة، مع إمكان البحث في آليات التعامل مع مخزون إيران من هذه المواد عالية التخصيب، والتي قد تنسجم مع الآليات المعتمدة في اتفاق عام 2015. في مقابل التنازلات الإيرانية هذه، من المفترض أن توافق الولايات المتحدة على احتفاظ إيران بأنشطة تخصيب اليورانيوم بمستوى 3.67 لإنتاج الكهرباء على أراضيها بكميات محددة، وأن تكون كل الأنشطة والبرنامج النووي تحت إشراف مشدد للمفتشين الدوليين بمن فيهم مفتشون أميركيون، وهي النقطة التي عاد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان للإشارة إليها، واستعداد إيران للقبول بمفتشين أميركيين من أجل تعزيز الثقة بسلمية البرنامج الإيراني، على أن تحصل إيران على قرار من إدارة ترمب برفع العقوبات الاقتصادية التي سبق أن فرضتها واشنطن على خلفية الأنشطة النووية في الأقل. ودخول المرشد الإيراني مباشرة على خط التصريحات الأميركية أسهم في تعزيز الإبهام حول مصير المفاوضات غير المباشرة، وإمكان أن تصل إلى طريق مسدود، وهو بمثابة تهديد واضح من أعلى مسؤول في النظام الإيراني والجهة المسؤولة مباشرة عن مسار التفاوض والجهة القادرة على تحديد مصيرها إيجاباً أو سلباً. وإصرار الطرفين على تضخيم الاختلاف حول الخطوط الحمر التي وضعها كل منهما للنتيجة المتوخاة من المفاوضات، قد لا يعني أن الخلاف بينهما يدور حول هذه النقطة أو هذا الخط، وإنما يحمل في طياته اختلافات أكثر عمقاً تتجاوز مسألة التخصيب، لتشمل مسائل أو ملفات أخرى تحتل أولوية في الأهداف الأميركية، بخاصة المتعلقة بمصادر القلق الغربية والإقليمية من الطموحات الإيرانية ودورها ونفوذها في المنطقة، فضلاً عما تمتلكه من قدرات عسكرية شكلت وتشكل مصدر قلق وخوف لدى هذه الأطراف. وليس جديداً أن تلجأ الإدارة الأميركية إلى هذا النوع من المطالب أو المواقف، إذ سبق أن لجأت إلى مثلها في المفاوضات التي قادتها إدارة الرئيس أوباما قبل عقد من الزمن، إلا أن طهران، في تلك المرحلة، استطاعت إيصال رسائلها التصعيدية عبر حلفائها في الإقليم عندما كانوا في أعلى مستويات قوتهم. ولعل المواقف التي كان يطلقها الأمين العام لـ"حزب الله" الراحل حسن نصرالله حينها، صبّت بصورة واضحة في سياق دعم المفاوض الإيراني وتعزيز موقفه أمام المطالب الأميركية، بخاصة في مواجهة الضغوط التي مارسها المفاوض الفرنسي الذي قام بدور الشرطي المتشدد والمعبّر عن المخاوف والهواجس والمطالب الإسرائيلية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) إلا أن التطورات التي شهدها الإقليم، وانهيار قدرات الأذرع الإيرانية في المنطقة بعد الضربات التي لحقت بها عقب السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023، وعملية "طوفان الأقصى"، أجبرت النظام الإيراني على تولي مسؤولية التصدي للمطالب الأميركية والإسرائيلية بصورة مباشرة، واللجوء إلى التصعيد والدفع باتجاه تعزيز الغموض حول مصير التفاوض في حال أصرّ الأميركي على تفكيك أنشطة تخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية. وتعليق التفاوض أو التأخير في التوصل إلى حلول وتفاهمات بين واشنطن وطهران، قد لا يخدم مصالح كلا الطرفين، خصوصاً أن الوقت أمامهما بدأ يضيق مع اقتراب موعد انتهاء مفاعيل قرار مجلس الأمن الدولي 2231 في أكتوبر المقبل، مما يفتح الطريق أمام دول "الترويكا" الأوروبية المستبعدة من المفاوضات، ممهداً لإعادة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن، وهذه المرة تحت الفصل السابع، مما قد يعقد المشهد أمام الجميع. وقد يكون من الصعب على الجانب الإيراني تفكيك موقف "الترويكا" الأوروبية خلال المدة الزمنية الباقية أمامه من دون دعم أميركي، بخاصة أن الفجوة بين هذه العواصم وطهران اتسعت في الأعوام الثلاثة الماضية نتيجة اتهام الأخيرة بمساعدة روسيا عسكرياً في حربها على أوكرانيا. إلا أن عودة العقوبات عبر مجلس الأمن من الممكن أن تساعد الرئيس الأميركي في التعامل مع إيران إذا انهارت المفاوضات، بالعودة لخيار العقوبات والحصار الاقتصادي الخانق والمشدد، مستبعداً، في الظاهر، الخيار العسكري الذي لا يرغب فيه ولا يحظى بدعم من الدول الإقليمية الداعمة للمسار السلمي لحل هذا النزاع، باستثناء إسرائيل التي قد تجده خيارها الأفضل للتخلص من الضغوط التي تتعرض لها نتيجة استمرار حربها على قطاع غزة، في حين أن طهران الساعية إلى إنهاء حال العداء والانتقال إلى مرحلة جديدة في علاقاتها مع واشنطن، وعلى رغم تمسكها بخيار التفاوض، قد لا تعارض العودة لسياسة الحصار مقابل عدم التنازل المؤلم أمام الشروط الأميركية، مما يعني أن خيار السير على حافة الهاوية لدى الطرفين قد لا يكون مستبعداً، مع ترك الأبواب الخلفية للتفاوض مفتوحة لاقتناص أية فرصة للتفاهم والاتفاق.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store