
'رشاوى' إسرائيلية مقابل تشجيع نقل السفارات إلى القدس المحتلة.. هذه قائمة البلدان المستهدفة بالتسهيلات الجديدة
بصورة لافتة، وتوقيت مثير، صادقت الحكومة الإسرائيلية بالإجماع على خطة جديدة قدمها وزيرا الخارجية غدعون ساعر، وشؤون القدس الحاخام مائير بوروش، تهدف إلى تشجيع الدول الأجنبية على نقل سفاراتها إلى القدس المحتلة، أو افتتاح بعثات دبلوماسية جديدة فيها.
تشمل الخطة تخصيص ميزانيات بملايين الدولارات، وتقديم سلة حوافز للدول المعنية، تتضمن مساعدات مالية لتغطية تكاليف بناء أو نقل السفارات، بجانب تسهيلات تخطيطية وسكنية، في محاولة لخلق بيئة دبلوماسية تشجع على الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
يأتي هذا في وقت تشهد فيه عدد من دول العالم، وخصوصاً الدول الأوروبية، انتقادات كبيرة وغير معتادة تجاه سياسات إسرائيل بشأن الحرب المستمرة في قطاع غزة منذ أكثر من عام ونصف.
كان وزير الخارجية الإسرائيلي قد أكد في معرض تقديم خطته للحكومة أنها "تمثل إضافة مهمة للجهود الدبلوماسية التي يقودها"، بينما اعتبر بوروش أنها "تأتي في إطار تعزيز مكانة القدس على الساحة الدولية"، ولذلك تضمنت خطتهما تشجيع اللقاءات السياسية واستقبال الوفود الدبلوماسية في القدس المحتلة.
مع العلم أن الخطة تأتي ضمن عملية واسعة تتضمن تعبئة متعددة السنوات من جانب الحكومة وجميع الوزارات ذات الصلة، لدعم وتشجيع البلدان في جميع أنحاء العالم على نقل سفاراتها إلى القدس المحتلة، وتقديم المساعدة للمهتمة منها بتعزيز هذه العملية. وقد تم تخصيص ميزانية بستة ملايين شيكل، قرابة مليوني دولار، على مدى السنوات الثلاث المقبلة.
تزامن الإعلان عن هذه الخطة مع تطورين لافتين: أولهما، اختيار الحكومة الإسرائيلية بلدة سلوان الفلسطينية في شرقي القدس المحتلة مكاناً لجلستها الأسبوعية قبل أيام، في الذكرى الـ58 لاحتلال المدينة، في خطوة تهدف إلى تعزيز سيطرتها عليها، وعدم التفريق بين شقّيها الشرقي والغربي. وثانيهما، إعلان التشيك، أكثر أصدقاء إسرائيل في أوروبا، عن إرجاء نقل سفارتها إلى القدس المحتلة إلى ما اعتبرته "الوقت المناسب".
تشارك في هذه الخطة الحكومية وزارات: الخارجية، القدس، المالية، التخطيط، وهيئات أخرى، بحيث تحظى أي دولة تبدي اهتمامها بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس بدعم وثيق، وإزالة الحواجز اللوجستية والتخطيطية، وسط حديث عن تخصيص الحكومة قطعة أرض كبيرة لتشييد مقار السفارات وإقامة الدبلوماسيين الأجانب قرب قرية المالحة جنوب غربي القدس.
أكثر من ذلك، فمن المقرّر أن يشهد مقر الكنيست في الأيام القليلة القادمة حفلاً لشكر الدول التي اعترفت بالقدس "عاصمة لإسرائيل"، أو نقلت سفاراتها إليها، بمبادرة من مركز السياسات التطبيقية في القدس المحتلة، وعضو الكنيست دان إيلوز، رئيس "اللوبي البرلماني من أجل القدس"، وتُوُقِّع أن يشارك في الحفل عدد من السفراء والدبلوماسيين، وعلى رأسهم السفير الأميركي في تل أبيب مايك هاكابي، ورئيس الكنيست، ووزراء في الحكومة، ورئيس بلدية الاحتلال في القدس. مخالفة القانون الدولي وتزوير الحقائق التاريخية.
مخالفة القانون الدولي وتزوير الحقائق التاريخية
استندت هذه الخطة الاسرائيلية لتعديل في القانون الأساسي بشأن القدس، ودخل حيّز التنفيذ في أكتوبر 2024، ونص على أن إسرائيل ستشجع إنشاء بعثات دبلوماسية في القدس فقط، وبالتالي فقد جاءت الخطة الحكومية لاتخاذ القرارات، وترسيخ جهودها من منظور مالي ولوجستي، وتمكين الحكومة من مرافقة عمليات انتقال السفارات الأجنبية بشكل منهجي.
مع العلم أن الكنيست أصدر قانوناً بضم القدس لإسرائيل بعد أسابيع على احتلالها عام 1967، وأتبعه في عام 1980 بقانون آخر يقضي بأن تكون القدس الموحدة ، بشقيها الشرقي والغربي، وبناءً عليه تم تحديدها مكاناً لإقامات رئيس الدولة والكنيست والحكومة والمحكمة العليا، بزعم أنها عاصمة إسرائيل.
لكن هذه الخطوة غير القانونية استدعت رفضاً واسعاً من معظم دول العالم، وأصدر مجلس الأمن الدولي بعد أسابيع قراره رقم 478 الرافض للقانون الإسرائيلي، باعتباره غير شرعي، وطالب الدول الـ13 التي لها سفارات في القدس بنقلها إلى تل أبيب، وقد استجابت له.
مع العلم أنها ليست المرة الأولى التي تعلن فيه اسرائيل عن خطط لتشجيع دول العالم على نقل سفاراتها للقدس المحتلة، فقد سبق لوزير الخارجية السابق، وزير الحرب الحالي، يسرائيل كاتس، أن عرض خطته على الحكومة، بزعم أن هذه الهدف استراتيجي وسياسي ووطني، ورصد لها 50 مليون شاقل كدعم للدول التي ستوافق على هذه الخطة، حيث سيتم دفع هذه الأموال كتكاليف لنقل سفارة أي دولة، كما شملت الخطة السابقة مساعدة إسرائيل لهذه الدول بشتى المجالات.
خارطة السفارات والممثليات الأجنبية في المدينة المقدسة
تجدر الإشارة أن هناك ست دول فقط لديها سفارات في القدس المحتلة، وهي: الولايات المتحدة، غواتيمالا، كوسوفو، هندوراس، باراغواي، وبابوا غينيا الجديدة، فيما تُجري إسرائيل اتصالات سرية حاليا مع عدد من الدول بهذا الشأن استمرارا للجهود السياسية التي يقودها ساعر للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
في الوقت ذاته، هناك العديد من الممثليات القنصلية للعديد من الدول في القدس المحتلة، سواء في قسمها الشرقي لخدمة المصالح الفلسطينية مثل إسبانيا، بلجيكا، بريطانيا، السويد، وهذه يعارضها الاحتلال بزعم أنها تعترف بهذا القسم عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية، أو الغربي مثل التشيك التي أنشأت سفارة فرعية فيها كخطوة تمهيدية لإنشاء سفارة كاملة، وتحتفظ المجر بمكتب تجاري، وكذلك يوجد لهولندا مكتب علمي يحظى بمكانة دبلوماسية، أما الإكوادور فقد افتتحت فرعا لوزارة الابتكار في القدس المحتلة.
أما الدول التي أعلنت عن نيتها نقل سفاراتها للقدس المحتلة، فهي أوكرانيا، بنما، رومانيا، سلوفاكيا، البرازيل أثناء حقبة الرئيس السابق إدواردو بولسونارو، الفلبين، أوغندا، مولدوفيا، جورجيا، صربيا، مالاوي، الدومينيكان، غينيا الاستوائية، سورينام، سيراليون، الكونغو الديمقراطية، الأرجنتين، فيجي.
لعل نظرة فاحصة الى الدول التي أقامت سفاراتها في القدس المحتلة، أو أنشأت مكاتب فرعية لوزاراتها فيها، أو تلك التي تنوي القيام بذلك، تكشف أننا أمام دول هامشية من العالم، ليست ذات تأثير البتة على الخارطة السياسية والدبلوماسية، مما يكشف فشلا اسرائيليا في استقطاب دول وعواصم مؤثرة للانضمام إليها.
لا يقتصر الأمر على نقل السفارات الأجنبية للقدس المحتلة فقط، بل إن الأحزاب الصهيونية الشريكة في الائتلاف اليميني في تل أبيب، اعتزمت نقل عدد من مقار وزاراتها إلى شرقي القدس المحتلة، وهو الجزء ذو الأغلبية الفلسطينية، فيما بات الوزراء الـ32 يفكرون في النهج ذاته، في محاولة لتهويد ما تبقى من المدينة، وتشجيع باقي المؤسسات الدولية على إنشاء فروع لها فيها، باعتبار أنه اعتراف ضمني بها عاصمة لإسرائيل.
إخفاقات دبلوماسية وانتكاسات سياسية
لا تخفي اسرائيل أنها تلقي بثقلها الدبلوماسي لدى عدد من الدول الأجنبية "الصديقة" لها حول العالم لنقل سفاراتها للقدس المحتلة، ومنها بريطانيا التي أعلنت رئيسة حكومتها السابقة ليز تراس إبان ولايتها القصيرة عن تفكيرها بهذه الخطوة في محاكاة لخطوة ترامب، لكن الأوساط الدبلوماسية الاسرائيلية حذرت في حينه من الفرح السابق لأوانه، لأن فرص نقل لندن لسفارتها إلى القدس ضئيلة للغاية، فلديها مصالح كبيرة في العالم العربي والإسلامي، ومثل هذه الخطوة قد تضر بها بشكل خطير، مما شكّل مصدر إحباط اسرائيلي.
كما أن استراليا التي تحوز على علاقات دبلوماسية وثيقة مع اسرائيل، وجهت لها صفعة لم تستفق منها بعد تمثلت بقرارها المفاجئ بإلغاء اعترافها بالقدس المحتلة عاصمة لها، مما شكل انتكاسة سياسية ودبلوماسية مع من اعتبرتها الى عهد قريب أكثر الدول صداقة لها في جنوب شرق آسيا، ووضع علامات استفهام حول عدم تنبؤ المحافل السياسية الإسرائيلية لمثل هذا القرار قبل وقت كافي، رغم وجود سيل كبير من التساؤلات والشكوك حول هذا التغير الانقلابي في السياسة الأسترالية تجاه إسرائيل، بعد سنوات من صداقتهما تحت قيادة رئيس الوزراء السابق سكوت موريسون.
ولم يتردد الإسرائيليون بوصف الخطوة الأسترالية بأنها "خيانة كاملة، وطعنة بالسكين في قلب الدولة اليهودية"، وتشكل إضرارا بشدة بالثقة بين ما كانا يعتبران حليفين تقليديين، بعد قرار الحكومة السابقة الاعتراف بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل.
ورغم ما بين اسرائيل والتشيك من علاقات وثيقة، لكن الأوساط السياسية والدبلوماسية في تل أبيب شعرت بحالة من الإحباط عقب عدم نقلها لسفارتها للقدس المحتلة، بسبب صعوبات بتنفيذ هذه الخطوة تتعلق بقلّة الدعم في الائتلاف الحكومي، والضغط الذي تواجهه من دول الاتحاد الأوروبي التي تعتمد عليها براغ كثيرا في السياسات ضد روسيا وأزمة الطاقة وقضايا أخرى، فضلا عن تعارض هذه الخطوة التي فشلت مع الرأي العام الأوروبي.
أما ألمانيا ، أكثر الدول الأوروبية دفاعا عن اسرائيل، فقد تسبب موضوع القدس بتوتّر في علاقاتهما، حين رفض دبلوماسيوها مؤخرا أخذ صور تذكارية فيما تبدو خلفهم أسوار البلدة القديمة في القدس المحتلة، باعتبارها أرضا محتلة، مما أثار غضب وزارة الخارجية الاسرائيلية، التي كشفت أن الآونة الأخيرة شهدت وقوع عدة حوادث محرجة تبين من خلالها أن هناك توصية ألمانية، بعدم إدراج المواقع الفلسطينية المحتلة في الصور الرسمية للعاملين في السلك الدبلوماسي.
ونصحت السفارة الألمانية في تل أبيب الوفود الرسمية التي تزور القدس المحتلة باتباع موقف الحكومة الفيدرالية فيما يتعلق بوضع شرقي القدس المستند للقانون الدولي، مما كشف عن قلق اسرائيلي حقيقي من عدم اعتراف دول العالم، بما فيها القريبة منها بالأمر الواقع الذي تسعى لفرضه في القدس المحتلة، الأمر الذي من شأنه إعاقة جهودها بإقناعها بنقل سفارتهم من تل أبيب الى القدس المحتلة، مما يشكل مصدر خيبة أمل كبيرة.
الغريب أن اسرائيل، وبعد أن فشلت في تحشيد دول العالم لنقل سفاراتها للقدس المحتلة، لجأت الى أسلوب "رخيص" غير معهود في العلاقات الدولية ويتمثل في تقديم "رشاوى مالية" لهذه الدول، مما يكشف عن هبوط مدوّي في سلوكها السياسي والدبلوماسي، عقب الإخفاق القانوني والسياسي في هذه المطالبات، رغم علمها الأكيد ان رفض دول العالم لنقل سفاراتها للقدس المحتلة ليس لأسباب مالية، بل لدوافع قانونية وسياسية، وبالتالي فلا تبدو هذه الدول مستعدة لمواجهة المجتمع الدولي مقابل عدة آلاف من الدولارات لتكاليف إدارية ولوجستية.
على عكس المواقف الأوروبية الرسمية الرافضة لأي تغيير اسرائيلي في وضع القدس المحتلة، وعدم الاستجابة لأي دعوة لنقل سفاراتها اليها، لكن الموقف الشاذ الذي اتخذته المجر جاء لافتا، في ظل العلاقات الوثيقة بين رئيس حكومتها فيكتور أوربان ونظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عقب تردد معلومات مؤخرا حول إمكانية نقل سفارتها للقدس المحتلة، رغم أن الأوساط المجرية نفت هذا الاحتمال، دون استبعاده، مع استمرار المحادثات بشأن الخطوة.
تدرك إسرائيل جيدا أن نقل السفارة المجرية الى القدس المحتلة، إن نُفِّذت، فستكون خطوة دراماتيكية، وستثير غضبًا كبيرًا في الاتحاد الأوروبي، مما زاد من إحباط تل أبيب التي قدرت أنه إذا تم التوصل لمثل هذا الاتفاق، فقد يتم نقل السفارة على مدى فترة زمنية طويلة، لأننا سنكون أمام أول دولة في الاتحاد الأوروبي تفعل ذلك، في خطوة ستسبب قدرًا كبيرًا من الغضب في بروكسل والدول الأوروبية الأخرى التي أعلنت عدم الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل.
مع العلم أن أوربان ونتنياهو لا يتوقفان أبدًا عن إغراق بعضهما بالمجاملات، وفي كل فرصة تساهم العلاقة الشخصية بزيادة علاقاتهما، وآخرها زيارة الأخير الى المجر في ظل المقاطعة الدولية له، ومزاعمه بأنها تقود توجهاً أوروبياً لتغيير الموقف من القدس المحتلة.
في الوقت ذاته، بدا واضحا منذ استلام الحكومة اليمينية الحالية في اسرائيل أن لديها توجهاً بعقد الفعاليات الدولية في القدس المحتلة، بزعم تجسيد ادعاءاتها فيها، وآخرها المؤتمر السنوي لأعضاء تحالف الأحزاب اليمينية ECR الذي يمثل المحافظين الأوروبيين في البرلمان الأوروبي، حيث يشغل حزب الليكود اليميني عضوية فيه.
وخلافا لموقف الاتحاد الأوروبي الرسمي الذي يقضي بأن القدس عاصمة للدولتين الفلسطينية والاسرائيلية، ولا ينبغي عقد مؤتمرات رسمية فيها، فقد قرر أعضاء التحالف اليميني القدوم إليها، والاعتراف بها عاصمة للاحتلال بحكم الأمر الواقع، رغم أن أي دولة أوروبية لم تنقل حتى الآن سفارتها للمدينة المقدسة.
يدور الحديث عن تحالف يميني تترأسه رئيسة حكومة إيطاليا جورجيا ميلوني، ويضم 66 عضوا من 14 حزبا حول العالم، ونجح أعضاؤه بدعم عدد غير قليل من القرارات لصالح إسرائيل في البرلمان الأوروبي، وتظهر البيانات أنهم صوّتوا في أغلب الأحيان لصالحها، وقد أرسل نتنياهو طلبًا لنظيرته في روما للنظر في نقل سفارتها للقدس المحتلة، دون تلقي رد إيجابي.
عديدة هي المصالح السياسية التي تربط اسرائيل مع اليمين العالمي بشكل عام، وهي تسعى لاستغلال قواسمهما المشتركة في تعزيز مطالبها بنقل سفارات الحكومات اليمينية للقدس المحتلة، وهو ما حصل مثلا مع هندوراس في أمريكا الوسطى، حيث استغلت وصول رئيسها السابق خوان أورلاندو هيرنانديز، ذو التوجهات اليمينية، وذو التاريخ الطويل في تأييد اسرائيل، لإقناعه بنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وهو ما حصل فعلا، وقابلت إسرائيل هذه الخطوة بإعادة فتح سفارتها في تيغوسيغالبا العاصمة بعد إغلاقها عام 1995 بسبب التخفيضات المالية في وزارة الخارجية.
استغلال حاجات الدول الفقيرة، وابتزازها غير الأخلاقي
وفي الوقت الذي يتعارض فيه انعقاد هذا المؤتمر اليميني الاوروبي مع الموقف الرسمي للاتحاد الاوروبي الذي أدان ضم اسرائيل لمدينة القدس المحتلة، وإعلانها عاصمة لـ"إسرائيل الموحدة"، فقد كشف النقاب عن صدور تقرير سرّي كتبه 21 سفيرا ودبلوماسيا أوروبيا يعملون في الأراضي الفلسطينية، يعلنون فيه معارضتهم المطلقة للخطة الإسرائيلية لتغيير مكانة القدس المحتلة.
يظهر التركيز الاسرائيلي في الخطة الحالية موجه بالأساس الى الدول الفقيرة، لاسيما الأفريقية منها، ذات الإمكانيات المالية المتواضعة، لكنها تحتفظ بعلاقات وثيقة مع اسرائيل، وتبذل معها منذ سنوات جهودا لتحشيدها بجانبها عند التصويت في الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، مقابل ما تقدمه لها من مساعدات في العديد من القضايا، بما فيها الزراعة والسياحة ومواجهة الجفاف، والعمل على اختراق القارة من خلال مشاريعها الاقتصادية، والتنسيق الأمني مع دولها، وإمدادها بالأسلحة والوسائل القتالية.
مع العلم أن الحكومة الاسرائيلية الحالية تضع نصب عينيها هدفا مُفضّلا في بحثها عن تطوير علاقاتها مع العديد من دول العالم، لاسيما النائية، وذات الموارد المحدودة، يتمثل بتعزيز مكاتبها التمثيلية في القدس المحتلة، وصولا لإقامة السفارات الكاملة، من باب تثبيت الأمر الواقع، وترسيخ القرار الظالم الذي اتخذه ترامب في 2018، وحثّ الدول التي تدور في الفلك الأمريكي لاتباع النهج ذاته، حيث تستغل إسرائيل حاجتها المادية والاقتصادية لابتزازها في نقل سفاراتها للمدينة.
رغم الهالة الدعائية التي أحاطت بالخطة الإسرائيلية لتحفيز نقل السفارات الأجنبية للقدس المحتلة، لكن التقديرات الاسرائيلية لا ترى فيها نجاحا سياسيا أو دبلوماسيا، على العكس من ذلك، بل تشير الى حجم الأزمة الدولية التي تعيشها اسرائيل، عقب تصاعد الانتقادات العالمية لجرائم الحرب التي ترتكبها في غزة، وفي الوقت ذاته صدور العديد من قرارات مقاطعتها، وبدء إجراءات عزلها، وتجميد العديد من الاتفاقيات التي تربطها مع عشرات الدول حول العالم.
لا تخفي محافل وزارة الخارجية الاسرائيلية أن هذه الخطة إنما أتت عقب فتور العديد من أصدقاء اسرائيل من التفاعل مع خطوة ترامب السابقة بنقل السفارة الأمريكية للقدس المحتلة، مما يعني إخفاقا اسرائيليا لا تخطئه العين في ترجمة هذه الخطوة على أرض الواقع بانضمام المزيد من الدول اليها، بل إن ما تواجهه اسرائيل اليوم من نبذٍ لها، وإقصاءٍ من العديد من المحافل الدولية، يجعل أحاديثها عن تشجيع الدول لنقل سفارتها الى القدس المحتلة تعبير عن انفصال تام عن الواقع، وإنكار للحقائق السياسية الماثلة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


بوست عربي
منذ 3 أيام
- بوست عربي
'عدو النخب الجامعية'.. كيف يؤدي عناد ترامب إلى هروب العقول وتدمير التعليم الجامعي؟
في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، أطلق الزعيم الصيني ماو تسي تونغ ما عُرف بـ"الثورة الثقافية"، تحت ذريعة القضاء على البرجوازية داخل الحزب الشيوعي. فأطلق الحرس الأحمر ليُشنّ حملةً شرسةً ضد النخبة الصينية، اعتدى على الأساتذة، ووضع قبعاتٍ على رؤوسهم، وأرسلهم إلى المزارع والمصانع للقيام بأعمالٍ شاقة. وبعد مرور عقود وتغير وجه الصين، خرج "تشن شياولو"، أحد أعضاء الحرس الأحمر سابقًا، في عام 2013 ليعتذر علنًا عن مشاركته في تلك الحقبة، واصفًا إياها بأنها "فترة لا تُحتمل، لكنها ستظل تطاردنا مدى الحياة". اليوم، في أمريكا، يرى كثيرون أن الرئيس دونالد ترامب يسير على نهج مشابه، لكن بأسلوب أمريكي. إذ أطلق العنان لإدارته لتشن حملة ضد التعليم العالي والأبحاث العلمية، بدعوى محاربة شرور النخبوية، كما جاء في مشروع "2025" وشعارات مثل "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا". ضمن هذه الحملة، قلّصت إدارته 800 مليون دولار من التمويل المخصص لجامعة جونز هوبكنز، ووجهت ضربة أقوى وأعرق الجامعات الأمريكية هارفارد، بخفض 2.6 مليار دولار من المنح البحثية الفيدرالية، ومحاولة منعها من تسجيل الطلاب الأجانب – (وهو القرار الذي أوقفه القضاء لاحقًا.) فهل نحن أمام حملة تدمير لأحد مصادر قوة أمريكا: جامعاتها ونخبها العلمية؟ وما العواقب الحقيقية لذلك على التعليم العالي في أمريكا؟ الباحثون يغادرون والمنافسون يتحركون لطالما جذبت الجامعات الأمريكية، وعلى رأسها جامعة جونز هوبكنز، نخبة العقول من مختلف أنحاء العالم، بفضل حرية البحث والتنوع الأكاديمي. هذا المناخ الفريد خلق ثروات تقدّر بتريليونات الدولارات، كما يصفه أولي مولر، عالم الأعصاب الذي ترك ألمانيا وجاء إلى الولايات المتحدة قبل عقود، بحثًا عن فرص البحث والاكتشاف الفريدة التي كانت توفرها أمريكا آنذاك. إذ يحكي مولر عن تجربته الأولى في أمريكا قائلاً إنه لم يشعر بالغربة، بل وجد ترحيباً وفر له بيئة لم يشعر أنه أجنبي. فبعد حصوله على الدكتوراه وعمله في معهد سويسري لبضع سنوات، اختار العودة إلى الولايات المتحدة لمواصلة مسيرته العلمية، وأصبح مواطناً أمريكياً. إذ يقول: "لقد وفرت لي أمريكا بيئة ديناميكية مكنتني من القيام بأشياء لم أستطع القيام بها في أي مكان آخر". لكن لا شيء في هذا العالم يدوم. فمع خفض إدارة ترامب تمويل الأبحاث لجامعة جونز هوبكنز وغيرها من الجامعات العريقة، يقول مولر إن كبار الباحثين الأوروبيين في الجامعة بدأوا يتلقون عروضاً مغرية من مؤسسات أجنبية. "هل أنا مغرٍ؟ بالتأكيد"، يقول مولر. "وإذا لم أعد قادرًا على العمل هنا، سأبحث عن مكان آخر". وهذا ليس كلام مولر وحده، إذ ترى العديد من التقارير الصحفية الأمريكية، أن الرابح الأكبر حالياً هو الصين. إذ تُنفق الصين مبالغ طائلة على الأبحاث، لا سيما في مجالي الذكاء الاصطناعي والطب الحيوي، وتسعى لجذب العقول التي يضيق عليها ترامب، فجامعة هونغ كونغ للعلوم والتكنولوجيا، على سبيل المثال، أعلنت مؤخراً عروضاً غير مشروطة، وإجراءات قبول مبسطة، ودعماً أكاديمياً مخصصاً لاستقطاب طلاب هارفارد الدوليين الذين تقطعت بهم السبل بسبب قرارات الإدارة الأمريكية. أوروبا أيضاً بدأت التحرك لاستغلال ما وصف بـ" حماقة ترامب"، إذ خصص الاتحاد الأوروبي نصف مليار دولار لإعادة استقطاب العلماء من أمريكا، وأعلنت جامعة فرنسية نفسها "ملاذاً آمناً للعلم" فور بدء الحملة الأمريكية ضد النخب الأكاديمية، كما بدأت دول عدة بوضع برامج خاصة لاستقطاب العلماء من الولايات المتحدة، مستغلة التضييق الذي فرضته إدارة ترامب على البيئة الأكاديمية. وترى العديد من التقارير، أن ترامب لا يكتفي بمهاجمة الجامعات فحسب، بل يستهدف النظام البيئي العلمي بأكمله. ووفقاً لمجلة ساينس العلمية، فإن ميزانيته الجديدة تتضمن تخفيضات هائلة تطال المؤسسات الأساسية للبحث العلمي: 37% من تمويل المعاهد الوطنية للصحة، أكثر من 50% من المؤسسة الوطنية للعلوم، و39% من مراكز السيطرة على الأمراض. حتى وكالة ناسا ستخسر 53% من تمويلها العلمي، بينما تُخفض ميزانية الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي بنسبة 24%. وعند إعلان هذه الميزانية، علّق السيناتور جون أوسوف (ديمقراطي من جورجيا) قائلاً: "سندفع ثمن هذا، ليس فقط بأرواح الناس وحياة الأطفال الآن، بل سوف ندفع ثمن هذا لمدة قرن من الزمان". مجلة الإيكونوميست و ثقت بالفعل مؤشرات الضرر الناتج عن هذا "التطهير العلمي". وبالاستناد إلى بيانات من سبرينغر نيتشر، أفادت المجلة بأن طلبات التوظيف المقدمة من باحثين أمريكيين للعمل في الخارج ارتفعت بنسبة 32% في الربع الأول من عام 2025 مقارنة بالعام السابق. كما أظهر استطلاع شمل 1200 باحث أمريكي أن 75% منهم يفكرون جديًا في مغادرة وظائفهم داخل الولايات المتحدة. حرب ترامب على الطلاب الأجانب تهدد مستقبل كل الجامعات الأميريكية وفي مقال آخر لمجلة الإيكونوميست، أشارت إلى أن القرار الحكومي بإيقاف مقابلات التأشيرات الجديدة للطلاب الأجانب، بغض النظر عن مكان دراستهم، له تأثير أوسع نطاقاً على أمريكا نفسها. فإلى جانب الضرر الذي يُلحقه هذا القرار بسمعة أمريكا وبراعتها البحثية، قد يسفر عبث ترامب بالجامعات الأمريكية عن آثار أوسع بكثير مما كان يأمل، وتوضح المجلة الصورة من زاوية مختلفة، حيث توضح صورة أوسع لأزمة التعليم العالي في أمريكا، والتي بدأت قبل عودة ترامب إلى البيت الأبيض. فالجامعات – خاصةً الخاصة منها – كانت تواجه صعوبات مالية متراكمة نتيجة تراجع الإقبال على التعليم الجامعي. فقد انخفضت نسبة خريجي الثانوية الذين يلتحقون بالجامعات مباشرة من نحو 70% عام 2016 إلى 62% في 2022، فيما تشير بيانات وكالة "موديز" إلى أن ثلث الجامعات الخاصة وخُمس الجامعات الحكومية تعاني من عجز مالي. وترى المجلة أن التغيير الديموغرافي الوشيك سيزيد الطين بلة. فبحسب تقديرات، سينخفض عدد خريجي الثانوية في أمريكا بنسبة 6% بحلول 2030، و13% بحلول 2041، مع تركز الانخفاض في مناطق الشمال الشرقي والغرب الأوسط – حيث تكثر الجامعات. ويبلغ عدد الطلاب الأجانب الذين يدرسون في الجامعات الأمريكية نحو مليون طالب، وهو ما يعادل ضعف العدد المسجل في عام 2000 تقريباً. ورغم أنهم لا يشكلون حلاً جذرياً للأزمة، إلا أنهم يقدمون دعماً مالياً ملموساً، خصوصاً من خلال الرسوم المرتفعة التي يسددونها. ففي بعض الجامعات الحكومية، يدفع الطالب الأجنبي ما يصل إلى ثلاثة أضعاف ما يدفعه الطالب المحلي، مما يجعلهم مصدر دخل حيوي للعديد من المؤسسات التعليمية، خاصة تلك التي تعاني من تقلص التمويل الحكومي. ورغم ذلك، لا يشكلون سوى 6% من إجمالي طلاب الجامعات الأمريكية، مقارنةً بأكثر من 25% في بريطانيا وكندا وأستراليا. وبحسب المجلة، فالأسوأ أن التوقعات لا تشير إلى نمو قادم في أعدادهم، بل إلى احتمال تراجع حاد، خصوصاً مع القيود التي تفرضها السياسات الأمريكية الأخيرة وتزايد استغلال الفرص من باقي الدول. وتعكس تجربة بريطانيا جزءاً من هذا الخطر، حيث أدت تغييرات في قوانين التأشيرات مؤخراً إلى انخفاض كبير في أعداد الطلاب الأجانب، ما دفع نحو 40% من جامعاتها العام الماضي إلى توقع عجز في ميزانياتها التشغيلية. ويحذر التقرير من أن الجامعات الأقل شهرة – والتي تعتمد بشكل كبير على الطلاب الأجانب لتعويض ضعف الدعم الحكومي – ستكون الأكثر عرضة للضرر، خلافاً للمؤسسات المرموقة مثل هارفارد وكولومبيا التي تملك مصادر تمويل متنوعة وقدرة على التكيف، وربما زيادة إيراداتها من خلال جذب الأمريكيين ذوي الرواتب العالية من خارج الولاية. أما الجامعات المتوسطة والصغيرة، فقد تجد نفسها في وضع مالي حرج، خصوصاً إن استمرت الجامعات الكبرى في استقطاب النسبة الأكبر من الطلاب المحليين والدوليين على حد سواء.


بوست عربي
منذ 3 أيام
- بوست عربي
'رشاوى' إسرائيلية مقابل تشجيع نقل السفارات إلى القدس المحتلة.. هذه قائمة البلدان المستهدفة بالتسهيلات الجديدة
بصورة لافتة، وتوقيت مثير، صادقت الحكومة الإسرائيلية بالإجماع على خطة جديدة قدمها وزيرا الخارجية غدعون ساعر، وشؤون القدس الحاخام مائير بوروش، تهدف إلى تشجيع الدول الأجنبية على نقل سفاراتها إلى القدس المحتلة، أو افتتاح بعثات دبلوماسية جديدة فيها. تشمل الخطة تخصيص ميزانيات بملايين الدولارات، وتقديم سلة حوافز للدول المعنية، تتضمن مساعدات مالية لتغطية تكاليف بناء أو نقل السفارات، بجانب تسهيلات تخطيطية وسكنية، في محاولة لخلق بيئة دبلوماسية تشجع على الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. يأتي هذا في وقت تشهد فيه عدد من دول العالم، وخصوصاً الدول الأوروبية، انتقادات كبيرة وغير معتادة تجاه سياسات إسرائيل بشأن الحرب المستمرة في قطاع غزة منذ أكثر من عام ونصف. كان وزير الخارجية الإسرائيلي قد أكد في معرض تقديم خطته للحكومة أنها "تمثل إضافة مهمة للجهود الدبلوماسية التي يقودها"، بينما اعتبر بوروش أنها "تأتي في إطار تعزيز مكانة القدس على الساحة الدولية"، ولذلك تضمنت خطتهما تشجيع اللقاءات السياسية واستقبال الوفود الدبلوماسية في القدس المحتلة. مع العلم أن الخطة تأتي ضمن عملية واسعة تتضمن تعبئة متعددة السنوات من جانب الحكومة وجميع الوزارات ذات الصلة، لدعم وتشجيع البلدان في جميع أنحاء العالم على نقل سفاراتها إلى القدس المحتلة، وتقديم المساعدة للمهتمة منها بتعزيز هذه العملية. وقد تم تخصيص ميزانية بستة ملايين شيكل، قرابة مليوني دولار، على مدى السنوات الثلاث المقبلة. تزامن الإعلان عن هذه الخطة مع تطورين لافتين: أولهما، اختيار الحكومة الإسرائيلية بلدة سلوان الفلسطينية في شرقي القدس المحتلة مكاناً لجلستها الأسبوعية قبل أيام، في الذكرى الـ58 لاحتلال المدينة، في خطوة تهدف إلى تعزيز سيطرتها عليها، وعدم التفريق بين شقّيها الشرقي والغربي. وثانيهما، إعلان التشيك، أكثر أصدقاء إسرائيل في أوروبا، عن إرجاء نقل سفارتها إلى القدس المحتلة إلى ما اعتبرته "الوقت المناسب". تشارك في هذه الخطة الحكومية وزارات: الخارجية، القدس، المالية، التخطيط، وهيئات أخرى، بحيث تحظى أي دولة تبدي اهتمامها بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس بدعم وثيق، وإزالة الحواجز اللوجستية والتخطيطية، وسط حديث عن تخصيص الحكومة قطعة أرض كبيرة لتشييد مقار السفارات وإقامة الدبلوماسيين الأجانب قرب قرية المالحة جنوب غربي القدس. أكثر من ذلك، فمن المقرّر أن يشهد مقر الكنيست في الأيام القليلة القادمة حفلاً لشكر الدول التي اعترفت بالقدس "عاصمة لإسرائيل"، أو نقلت سفاراتها إليها، بمبادرة من مركز السياسات التطبيقية في القدس المحتلة، وعضو الكنيست دان إيلوز، رئيس "اللوبي البرلماني من أجل القدس"، وتُوُقِّع أن يشارك في الحفل عدد من السفراء والدبلوماسيين، وعلى رأسهم السفير الأميركي في تل أبيب مايك هاكابي، ورئيس الكنيست، ووزراء في الحكومة، ورئيس بلدية الاحتلال في القدس. مخالفة القانون الدولي وتزوير الحقائق التاريخية. مخالفة القانون الدولي وتزوير الحقائق التاريخية استندت هذه الخطة الاسرائيلية لتعديل في القانون الأساسي بشأن القدس، ودخل حيّز التنفيذ في أكتوبر 2024، ونص على أن إسرائيل ستشجع إنشاء بعثات دبلوماسية في القدس فقط، وبالتالي فقد جاءت الخطة الحكومية لاتخاذ القرارات، وترسيخ جهودها من منظور مالي ولوجستي، وتمكين الحكومة من مرافقة عمليات انتقال السفارات الأجنبية بشكل منهجي. مع العلم أن الكنيست أصدر قانوناً بضم القدس لإسرائيل بعد أسابيع على احتلالها عام 1967، وأتبعه في عام 1980 بقانون آخر يقضي بأن تكون القدس الموحدة ، بشقيها الشرقي والغربي، وبناءً عليه تم تحديدها مكاناً لإقامات رئيس الدولة والكنيست والحكومة والمحكمة العليا، بزعم أنها عاصمة إسرائيل. لكن هذه الخطوة غير القانونية استدعت رفضاً واسعاً من معظم دول العالم، وأصدر مجلس الأمن الدولي بعد أسابيع قراره رقم 478 الرافض للقانون الإسرائيلي، باعتباره غير شرعي، وطالب الدول الـ13 التي لها سفارات في القدس بنقلها إلى تل أبيب، وقد استجابت له. مع العلم أنها ليست المرة الأولى التي تعلن فيه اسرائيل عن خطط لتشجيع دول العالم على نقل سفاراتها للقدس المحتلة، فقد سبق لوزير الخارجية السابق، وزير الحرب الحالي، يسرائيل كاتس، أن عرض خطته على الحكومة، بزعم أن هذه الهدف استراتيجي وسياسي ووطني، ورصد لها 50 مليون شاقل كدعم للدول التي ستوافق على هذه الخطة، حيث سيتم دفع هذه الأموال كتكاليف لنقل سفارة أي دولة، كما شملت الخطة السابقة مساعدة إسرائيل لهذه الدول بشتى المجالات. خارطة السفارات والممثليات الأجنبية في المدينة المقدسة تجدر الإشارة أن هناك ست دول فقط لديها سفارات في القدس المحتلة، وهي: الولايات المتحدة، غواتيمالا، كوسوفو، هندوراس، باراغواي، وبابوا غينيا الجديدة، فيما تُجري إسرائيل اتصالات سرية حاليا مع عدد من الدول بهذا الشأن استمرارا للجهود السياسية التي يقودها ساعر للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. في الوقت ذاته، هناك العديد من الممثليات القنصلية للعديد من الدول في القدس المحتلة، سواء في قسمها الشرقي لخدمة المصالح الفلسطينية مثل إسبانيا، بلجيكا، بريطانيا، السويد، وهذه يعارضها الاحتلال بزعم أنها تعترف بهذا القسم عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية، أو الغربي مثل التشيك التي أنشأت سفارة فرعية فيها كخطوة تمهيدية لإنشاء سفارة كاملة، وتحتفظ المجر بمكتب تجاري، وكذلك يوجد لهولندا مكتب علمي يحظى بمكانة دبلوماسية، أما الإكوادور فقد افتتحت فرعا لوزارة الابتكار في القدس المحتلة. أما الدول التي أعلنت عن نيتها نقل سفاراتها للقدس المحتلة، فهي أوكرانيا، بنما، رومانيا، سلوفاكيا، البرازيل أثناء حقبة الرئيس السابق إدواردو بولسونارو، الفلبين، أوغندا، مولدوفيا، جورجيا، صربيا، مالاوي، الدومينيكان، غينيا الاستوائية، سورينام، سيراليون، الكونغو الديمقراطية، الأرجنتين، فيجي. لعل نظرة فاحصة الى الدول التي أقامت سفاراتها في القدس المحتلة، أو أنشأت مكاتب فرعية لوزاراتها فيها، أو تلك التي تنوي القيام بذلك، تكشف أننا أمام دول هامشية من العالم، ليست ذات تأثير البتة على الخارطة السياسية والدبلوماسية، مما يكشف فشلا اسرائيليا في استقطاب دول وعواصم مؤثرة للانضمام إليها. لا يقتصر الأمر على نقل السفارات الأجنبية للقدس المحتلة فقط، بل إن الأحزاب الصهيونية الشريكة في الائتلاف اليميني في تل أبيب، اعتزمت نقل عدد من مقار وزاراتها إلى شرقي القدس المحتلة، وهو الجزء ذو الأغلبية الفلسطينية، فيما بات الوزراء الـ32 يفكرون في النهج ذاته، في محاولة لتهويد ما تبقى من المدينة، وتشجيع باقي المؤسسات الدولية على إنشاء فروع لها فيها، باعتبار أنه اعتراف ضمني بها عاصمة لإسرائيل. إخفاقات دبلوماسية وانتكاسات سياسية لا تخفي اسرائيل أنها تلقي بثقلها الدبلوماسي لدى عدد من الدول الأجنبية "الصديقة" لها حول العالم لنقل سفاراتها للقدس المحتلة، ومنها بريطانيا التي أعلنت رئيسة حكومتها السابقة ليز تراس إبان ولايتها القصيرة عن تفكيرها بهذه الخطوة في محاكاة لخطوة ترامب، لكن الأوساط الدبلوماسية الاسرائيلية حذرت في حينه من الفرح السابق لأوانه، لأن فرص نقل لندن لسفارتها إلى القدس ضئيلة للغاية، فلديها مصالح كبيرة في العالم العربي والإسلامي، ومثل هذه الخطوة قد تضر بها بشكل خطير، مما شكّل مصدر إحباط اسرائيلي. كما أن استراليا التي تحوز على علاقات دبلوماسية وثيقة مع اسرائيل، وجهت لها صفعة لم تستفق منها بعد تمثلت بقرارها المفاجئ بإلغاء اعترافها بالقدس المحتلة عاصمة لها، مما شكل انتكاسة سياسية ودبلوماسية مع من اعتبرتها الى عهد قريب أكثر الدول صداقة لها في جنوب شرق آسيا، ووضع علامات استفهام حول عدم تنبؤ المحافل السياسية الإسرائيلية لمثل هذا القرار قبل وقت كافي، رغم وجود سيل كبير من التساؤلات والشكوك حول هذا التغير الانقلابي في السياسة الأسترالية تجاه إسرائيل، بعد سنوات من صداقتهما تحت قيادة رئيس الوزراء السابق سكوت موريسون. ولم يتردد الإسرائيليون بوصف الخطوة الأسترالية بأنها "خيانة كاملة، وطعنة بالسكين في قلب الدولة اليهودية"، وتشكل إضرارا بشدة بالثقة بين ما كانا يعتبران حليفين تقليديين، بعد قرار الحكومة السابقة الاعتراف بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل. ورغم ما بين اسرائيل والتشيك من علاقات وثيقة، لكن الأوساط السياسية والدبلوماسية في تل أبيب شعرت بحالة من الإحباط عقب عدم نقلها لسفارتها للقدس المحتلة، بسبب صعوبات بتنفيذ هذه الخطوة تتعلق بقلّة الدعم في الائتلاف الحكومي، والضغط الذي تواجهه من دول الاتحاد الأوروبي التي تعتمد عليها براغ كثيرا في السياسات ضد روسيا وأزمة الطاقة وقضايا أخرى، فضلا عن تعارض هذه الخطوة التي فشلت مع الرأي العام الأوروبي. أما ألمانيا ، أكثر الدول الأوروبية دفاعا عن اسرائيل، فقد تسبب موضوع القدس بتوتّر في علاقاتهما، حين رفض دبلوماسيوها مؤخرا أخذ صور تذكارية فيما تبدو خلفهم أسوار البلدة القديمة في القدس المحتلة، باعتبارها أرضا محتلة، مما أثار غضب وزارة الخارجية الاسرائيلية، التي كشفت أن الآونة الأخيرة شهدت وقوع عدة حوادث محرجة تبين من خلالها أن هناك توصية ألمانية، بعدم إدراج المواقع الفلسطينية المحتلة في الصور الرسمية للعاملين في السلك الدبلوماسي. ونصحت السفارة الألمانية في تل أبيب الوفود الرسمية التي تزور القدس المحتلة باتباع موقف الحكومة الفيدرالية فيما يتعلق بوضع شرقي القدس المستند للقانون الدولي، مما كشف عن قلق اسرائيلي حقيقي من عدم اعتراف دول العالم، بما فيها القريبة منها بالأمر الواقع الذي تسعى لفرضه في القدس المحتلة، الأمر الذي من شأنه إعاقة جهودها بإقناعها بنقل سفارتهم من تل أبيب الى القدس المحتلة، مما يشكل مصدر خيبة أمل كبيرة. الغريب أن اسرائيل، وبعد أن فشلت في تحشيد دول العالم لنقل سفاراتها للقدس المحتلة، لجأت الى أسلوب "رخيص" غير معهود في العلاقات الدولية ويتمثل في تقديم "رشاوى مالية" لهذه الدول، مما يكشف عن هبوط مدوّي في سلوكها السياسي والدبلوماسي، عقب الإخفاق القانوني والسياسي في هذه المطالبات، رغم علمها الأكيد ان رفض دول العالم لنقل سفاراتها للقدس المحتلة ليس لأسباب مالية، بل لدوافع قانونية وسياسية، وبالتالي فلا تبدو هذه الدول مستعدة لمواجهة المجتمع الدولي مقابل عدة آلاف من الدولارات لتكاليف إدارية ولوجستية. على عكس المواقف الأوروبية الرسمية الرافضة لأي تغيير اسرائيلي في وضع القدس المحتلة، وعدم الاستجابة لأي دعوة لنقل سفاراتها اليها، لكن الموقف الشاذ الذي اتخذته المجر جاء لافتا، في ظل العلاقات الوثيقة بين رئيس حكومتها فيكتور أوربان ونظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عقب تردد معلومات مؤخرا حول إمكانية نقل سفارتها للقدس المحتلة، رغم أن الأوساط المجرية نفت هذا الاحتمال، دون استبعاده، مع استمرار المحادثات بشأن الخطوة. تدرك إسرائيل جيدا أن نقل السفارة المجرية الى القدس المحتلة، إن نُفِّذت، فستكون خطوة دراماتيكية، وستثير غضبًا كبيرًا في الاتحاد الأوروبي، مما زاد من إحباط تل أبيب التي قدرت أنه إذا تم التوصل لمثل هذا الاتفاق، فقد يتم نقل السفارة على مدى فترة زمنية طويلة، لأننا سنكون أمام أول دولة في الاتحاد الأوروبي تفعل ذلك، في خطوة ستسبب قدرًا كبيرًا من الغضب في بروكسل والدول الأوروبية الأخرى التي أعلنت عدم الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل. مع العلم أن أوربان ونتنياهو لا يتوقفان أبدًا عن إغراق بعضهما بالمجاملات، وفي كل فرصة تساهم العلاقة الشخصية بزيادة علاقاتهما، وآخرها زيارة الأخير الى المجر في ظل المقاطعة الدولية له، ومزاعمه بأنها تقود توجهاً أوروبياً لتغيير الموقف من القدس المحتلة. في الوقت ذاته، بدا واضحا منذ استلام الحكومة اليمينية الحالية في اسرائيل أن لديها توجهاً بعقد الفعاليات الدولية في القدس المحتلة، بزعم تجسيد ادعاءاتها فيها، وآخرها المؤتمر السنوي لأعضاء تحالف الأحزاب اليمينية ECR الذي يمثل المحافظين الأوروبيين في البرلمان الأوروبي، حيث يشغل حزب الليكود اليميني عضوية فيه. وخلافا لموقف الاتحاد الأوروبي الرسمي الذي يقضي بأن القدس عاصمة للدولتين الفلسطينية والاسرائيلية، ولا ينبغي عقد مؤتمرات رسمية فيها، فقد قرر أعضاء التحالف اليميني القدوم إليها، والاعتراف بها عاصمة للاحتلال بحكم الأمر الواقع، رغم أن أي دولة أوروبية لم تنقل حتى الآن سفارتها للمدينة المقدسة. يدور الحديث عن تحالف يميني تترأسه رئيسة حكومة إيطاليا جورجيا ميلوني، ويضم 66 عضوا من 14 حزبا حول العالم، ونجح أعضاؤه بدعم عدد غير قليل من القرارات لصالح إسرائيل في البرلمان الأوروبي، وتظهر البيانات أنهم صوّتوا في أغلب الأحيان لصالحها، وقد أرسل نتنياهو طلبًا لنظيرته في روما للنظر في نقل سفارتها للقدس المحتلة، دون تلقي رد إيجابي. عديدة هي المصالح السياسية التي تربط اسرائيل مع اليمين العالمي بشكل عام، وهي تسعى لاستغلال قواسمهما المشتركة في تعزيز مطالبها بنقل سفارات الحكومات اليمينية للقدس المحتلة، وهو ما حصل مثلا مع هندوراس في أمريكا الوسطى، حيث استغلت وصول رئيسها السابق خوان أورلاندو هيرنانديز، ذو التوجهات اليمينية، وذو التاريخ الطويل في تأييد اسرائيل، لإقناعه بنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وهو ما حصل فعلا، وقابلت إسرائيل هذه الخطوة بإعادة فتح سفارتها في تيغوسيغالبا العاصمة بعد إغلاقها عام 1995 بسبب التخفيضات المالية في وزارة الخارجية. استغلال حاجات الدول الفقيرة، وابتزازها غير الأخلاقي وفي الوقت الذي يتعارض فيه انعقاد هذا المؤتمر اليميني الاوروبي مع الموقف الرسمي للاتحاد الاوروبي الذي أدان ضم اسرائيل لمدينة القدس المحتلة، وإعلانها عاصمة لـ"إسرائيل الموحدة"، فقد كشف النقاب عن صدور تقرير سرّي كتبه 21 سفيرا ودبلوماسيا أوروبيا يعملون في الأراضي الفلسطينية، يعلنون فيه معارضتهم المطلقة للخطة الإسرائيلية لتغيير مكانة القدس المحتلة. يظهر التركيز الاسرائيلي في الخطة الحالية موجه بالأساس الى الدول الفقيرة، لاسيما الأفريقية منها، ذات الإمكانيات المالية المتواضعة، لكنها تحتفظ بعلاقات وثيقة مع اسرائيل، وتبذل معها منذ سنوات جهودا لتحشيدها بجانبها عند التصويت في الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، مقابل ما تقدمه لها من مساعدات في العديد من القضايا، بما فيها الزراعة والسياحة ومواجهة الجفاف، والعمل على اختراق القارة من خلال مشاريعها الاقتصادية، والتنسيق الأمني مع دولها، وإمدادها بالأسلحة والوسائل القتالية. مع العلم أن الحكومة الاسرائيلية الحالية تضع نصب عينيها هدفا مُفضّلا في بحثها عن تطوير علاقاتها مع العديد من دول العالم، لاسيما النائية، وذات الموارد المحدودة، يتمثل بتعزيز مكاتبها التمثيلية في القدس المحتلة، وصولا لإقامة السفارات الكاملة، من باب تثبيت الأمر الواقع، وترسيخ القرار الظالم الذي اتخذه ترامب في 2018، وحثّ الدول التي تدور في الفلك الأمريكي لاتباع النهج ذاته، حيث تستغل إسرائيل حاجتها المادية والاقتصادية لابتزازها في نقل سفاراتها للمدينة. رغم الهالة الدعائية التي أحاطت بالخطة الإسرائيلية لتحفيز نقل السفارات الأجنبية للقدس المحتلة، لكن التقديرات الاسرائيلية لا ترى فيها نجاحا سياسيا أو دبلوماسيا، على العكس من ذلك، بل تشير الى حجم الأزمة الدولية التي تعيشها اسرائيل، عقب تصاعد الانتقادات العالمية لجرائم الحرب التي ترتكبها في غزة، وفي الوقت ذاته صدور العديد من قرارات مقاطعتها، وبدء إجراءات عزلها، وتجميد العديد من الاتفاقيات التي تربطها مع عشرات الدول حول العالم. لا تخفي محافل وزارة الخارجية الاسرائيلية أن هذه الخطة إنما أتت عقب فتور العديد من أصدقاء اسرائيل من التفاعل مع خطوة ترامب السابقة بنقل السفارة الأمريكية للقدس المحتلة، مما يعني إخفاقا اسرائيليا لا تخطئه العين في ترجمة هذه الخطوة على أرض الواقع بانضمام المزيد من الدول اليها، بل إن ما تواجهه اسرائيل اليوم من نبذٍ لها، وإقصاءٍ من العديد من المحافل الدولية، يجعل أحاديثها عن تشجيع الدول لنقل سفارتها الى القدس المحتلة تعبير عن انفصال تام عن الواقع، وإنكار للحقائق السياسية الماثلة.


بوست عربي
منذ 5 أيام
- بوست عربي
'بيرل هاربر روسيا'.. كيف نجحت أوكرانيا بتوجيه أعنف ضربة عسكرية لموسكو منذ بدء الحرب؟
في أكثر الضربات نوعية وخطورة منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في شباط/فبراير 2022، شن الجيش الأوكراني هجوماً واسعاً بواسطة أسراب من الطائرات المسيرة الانتحارية٬ دمر فيه قاذفات روسية بعيدة المدى قادرة على حمل أسلحة نووية في سيبيريا٬ وقواعد عسكرية أخرى، بالإضافة إلى تدمير مسيرات روسية٬ زعمت كييف أن قيمتها تصل إلى 7 مليارات دولار. الهجوم السري والذي استغرق التخطيط له 18 شهراً بحسب كييف، لتوجيه أكبر ضربة في الحرب ضد أسطول القاذفات بعيدة المدى في موسكو٬ أطلقت عليه أوكرانيا اسم "شبكة العنكبوت"٬ فيما وصفته وسائل إعلام غربية بـ" بيرل هاربر روسيا"٬ حيث جاء الهجوم المباغت في وقت تستمر فيه محادثات السلام بين موسكو وكييف، دون تحقيق نتائج تُذكر. "بيرل هاربر روسيا".. كيف نجحت أوكرانيا بتوجيه أعنف ضربة لروسيا؟ شنت أوكرانيا يوم الأحد 1 يونيو/حزيران 2025 واحدة من أوسع هجماتها في الحرب ضد القواعد الجوية داخل روسيا، وهي عملية سرية منسقة استهدفت مواقع عدة من شرق سيبيريا في القطب الشمالي٬ إلى الحدود الغربية لروسيا وأدت إلى اشتعال النيران في عدة طائرات روسية. جاءت الهجمات الأوكرانية بطائرات بدون طيار على المطارات الروسية في الوقت الذي تعرضت فيه كييف لضربة مدمرة خاصة بها يوم الأحد، حيث ضربت روسيا قاعدة تدريب عسكرية أوكرانية مما أسفر عن مقتل 12 جندياً على الأقل. وفي تفاصيل الهجوم٬ شنّت أوكرانيا هجماتها في خمس مناطق روسية، وفقًا لبيان صادر عن وزارة الدفاع الروسية يوم الأحد. واشتعلت النيران في عدة طائرات في منطقتي مورمانسك، بالقرب من الحدود مع النرويج، وإيركوتسك، شرق سيبيريا، وفقاً لبيان للوزارة. وأكدت الوزارة صد الهجمات الأخرى، دون وقوع إصابات. وبحسب صحيفة " نيويورك تايمز" الأمريكية كان الهجوم على قاعدة بيلايا الجوية في إيركوتسك هو المرة الأولى التي يتعرض فيها مكان في سيبيريا لهجوم من طائرات بدون طيار أوكرانية منذ بدء الحرب. وتعد قاعدة أولينيا في منطقة مورمانسك، التي تعرضت للهجوم أحد المطارات الاستراتيجية الرئيسية في روسيا، حيث تستضيف طائرات قادرة على حمل أسلحة نووية. صرح مسؤول في جهاز الأمن الأوكراني (SBU)، والذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة عملية استخباراتية حساسة، بأن عشرات الطائرات تضررت جراء الغارات. ولم يتسن التأكد من هذا الادعاء بشكل مستقل، أو من التفاصيل من وزارة الدفاع الروسية. وأضاف المسؤول بأن ضباطًا أوكرانيين نقلوا سراً طائرات مسيرة إلى الأراضي الروسية على متن شاحنات، وأطلقوها من تلك المركبات. ولم يتسن تأكيد ذلك أيضًا، لكن وزارة الدفاع الروسية قالت إن الطائرات المسيرة المستخدمة في هجمات مورمانسك وإيركوتسك أُطلقت من المنطقة المجاورة مباشرة للمطارات. Unbelievable- here's footage of the drones taking off inside russia that obliterated the airfields. It looks like Ukraine convinced drivers to take them to the location and park near the sites. They were unaware what was in the cargo. Absolutely genius – on par with the Mossad… — Caolan (@CaolanRob) June 1, 2025 وتقول صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية إن هذا القصف يُعدّ انتصاراً هاماً لبرنامج " الضربات العميقة" الأوكراني، الذي يستخدم طائرات بدون طيار لاستهداف مواقع حيوية على الأراضي الروسية. وقد استخدمت وكالة الاستخبارات الأوكرانية طائرات بحرية بدون طيار وطائرات قصف بعيدة المدى لضرب أهداف داخل روسيا. عام ونصف من التخطيط.. وهكذا تم إدخال الطائرات المسيرة من جهته٬ قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على وسائل التواصل الاجتماعي إن التخطيط للعملية بدأ قبل عام ونصف، وأن المشاركين في الهجمات تم سحبهم من روسيا قبل وقوع الهجمات هذه. ووصف نتائج الهجوم بأنها "رائعة تماما"، وأضاف: "أوكرانيا تدافع عن نفسها، وهذا صحيح – نحن نفعل كل شيء لجعل روسيا تشعر بالحاجة إلى إنهاء هذه الحرب". وصرح مسؤولون في الاستخبارات الأوكرانية أن وكالة الاستخبارات الأوكرانية نقلت طائرات رباعية المراوح صغيرة الحجم إلى الأراضي الروسية. ثم نقلت حاويات خشبية إلى روسيا، استُخدمت لإخفاء الطائرات قبل الهجوم. وعندما حان وقت الهجوم، وُضعت الحاويات على شاحنات وفُتحت أغطيتها عن بُعد. وانطلق سرب الطائرات المسيرة للعثور على أهدافه. في مقطع فيديو نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي، بدت طائرة مُسيّرة وكأنها تُقلع من حاوية مُصدرةً صوت أزيز. دوّت طلقات نارية في محاولة واضحة لإسقاطها. حلقت طائرة مُسيّرة أخرى من الحاوية في الاتجاه نفسه. وفي مقطع فيديو آخر، ضرب انفجار طائرة متوقفة في مطار. يُظهر مقطع فيديو، تحققت منه صحيفة نيويورك تايمز، طائرتين مُسيّرتين تُطلقان من حاويات مُثبتة على ظهر شاحنة نصف مقطورة على بُعد أقل من أربعة أميال من قاعدة بيلايا الجوية. حلّقت كلتاهما باتجاه أعمدة دخان كثيفة تتصاعد من القاعدة. وتُظهر لقطات مُسجلة بعد ذلك بوقت قصير نفس الحاويات وهي تحترق. يُظهر مقطع فيديو آخر طائراتٍ مُسيّرة تُحلّق على بُعد أقل من أربعة أميال من قاعدة أولينيا الجوية. يُشير المُصوّر إلى أن الطائرات أُطلقت من شاحنةٍ متوقفةٍ على جانب الطريق. لم يتسنَّ لصحيفة نيويورك تايمز تأكيد مشاركة هذه الطائرات في الهجوم. وسارع المدونون العسكريون الروس إلى إعلان أن الهجمات الأوكرانية تشكل فشلاً كبيراً للدفاعات الروسية. "سيُعتبر اليوم يومًا أسودًا للطيران الروسي بعيد المدى"، هذا ما جاء في منشور على قناة "فايتر بومبر" على تيليجرام، والتي يُعتقد أن النقيب إيليا تومانوف يُديرها من الجيش الروسي. من جهتها٬ قالت نائبة رئيس المكتب الرئاسي الأوكراني، إيرينا فيريشتشوك، إن الأجهزة الأمنية "وضعت معيارًا جديدًا للمهارة في إجراء عمليات قتالية واسعة النطاق على أراضي العدو". وكتبت على تيليجرام: "هذه ليست ضربة قاضية، بل ضربة قاضية خطيرة للغاية للعدو". وقال مسؤول أمريكي كبير لصحيفة "وول ستريت جورنال" بأن أوكرانيا لم تقدم إشعارا مسبقا لإدارة ترامب بشأن ضربات الطائرات بدون طيار ضد القواعد الجوية الروسية. فيما وصفت وزارة الدفاع الروسية العملية بأنها "هجوم إرهابي". "ضربة تعيد كتابة قواعد الحرب".. ما تبعات الهجوم الأوكراني؟ يقول جاستن برونك ، الباحث البارز في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، إن نطاق الضرر للهجوم الأوكراني قد يستغرق بعض الوقت لتقييمه، لكنه سيمثل ضربة قوية لقدرة روسيا على الطيران الطويل المدى. وقال برونك لصحيفة "وول ستريت جورنال" إن "الاستخبارات الأوكرانية وجهت حتى الآن الضربة الأثقل في الحرب ضد أسطول القاذفات الروسية طويلة المدى". وتقول الصحيفة إن خسارة عشرات الطائرات بعيدة المدى، الحيوية للقوات النووية الروسية وهجماتها على أوكرانيا، ستُلحق ضررًا بالغًا بالقوة العسكرية الروسية. ووفقًا لمسؤولي الاستخبارات الأوكرانية، لم تعد روسيا تُنتج طائرات Tu-95MS أو Tu-22M3 التي كانت من بين الطائرات المتضررة. قبل هذه الهجمات، كانت روسيا تمتلك 54 طائرة من طراز Tu-22M3 و58 طائرة من طراز Tu-95M، وفقًا لقاعدة بيانات Military Balance+، وهي قاعدة بيانات أعدها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو مركز أبحاث في لندن. وليس من الواضح عدد الطائرات العاملة في الخدمة الآن. في روسيا، تُحتفظ بالطائرات القديمة منذ فترة طويلة وتُستخدم كقطع غيار. تعمل طائرة Tu-95، التي حلقت لأول مرة في خمسينيات القرن الماضي، بمراوح، وليس بمحركات نفاثة. وقال جورج باروس، المحلل في معهد دراسة الحرب، إن تعطيل الطائرات يقلل من قدرة روسيا على تنفيذ الضربات الجوية المشتركة التي استخدمتها لإغراق الدفاعات الجوية الأوكرانية بالطائرات بدون طيار مع إطلاق صواريخ يصعب اعتراضها. وأضاف باروس "إن قتل الرماة بدلاً من اعتراض السهام هو طريقة أكثر فعالية لتقويض القدرات الروسية". في السياق٬ تقول مجلة " الإيكونومست" البريطانية٬ إن عملية "شبكة العنكبوت" من المرجح أن تُصنّف من بين أهم عمليات الإغارة في الحروب الحديثة٬ وهي تعيد كتابة قواعد الحرب. وتضيف المجلة أن قدرة أوكرانيا على إتلاف أو تدمير هذا العدد الكبير من الطائرات الروسية في عمق أراضيها تعكس تطور قدراتها الهجومية٬ فضلاً عن المدى الملحوظ الذي أصبح فيه عملاء أوكرانيا السريون قادرين على العمل داخل روسيا. ومنذ بدء غزو الكرملين الشامل، توسعت عمليات أوكرانيا في مداها وطموحها وتطورها. قدمت الدول الغربية بعض الدعم لبرنامج الضربات العميقة الأوكراني – في 28 مايو/أيار، وعدت ألمانيا بتمويل طائرات مسيرة أوكرانية بعيدة المدى ٬ إلا أن جزءًا كبيراً من التكنولوجيا وتخطيط المهام محلي الصنع.