
العولمة بين شعارات الأمس وحقائق اليوم!زياد حافظ
العولمة بين شعارات الأمس وحقائق اليوم!
د. زياد حافظ *
مصطلح 'عولمة' يحمل في طيّاته في الفكر الغربي أن العالم واحد وبالتالي الفروقات بين مكوّنات العالم يجب ان تذوب إما تلقائيا أو قسريا. ويحلو للغرب وللنخب العربية المتغرّبة اعتبار العولمة شمّاعة يمكن التعليق عليها كل ما يحصل من صراعات سياسية واقتصادية وسكّانية، واجتماعية، وثقافية، وبيئوية. ويعتبر الكثيرون أن العولمة نظام متكامل له تلك الابعاد للصراعات بينما في الحقيقة العولمة ليست نظاما قائما بحدّ ذاته، بل حالة نتجت عن التطوّرات الناتجة التي احدثتها الثورة التكنولوجية في المواصلات والتواصل والاحتساب.
هذه الثورة التكنولوجية مكّنت الإنسانية القفز فوق الحواجز الطبيعية التي كانت تعوّق أو تحول دون التفاعل بين الشعوب. وهذا التفاعل بين الشعوب سنة الحياة البشرية منذ ظهور الانسان على وجه الأرض وكرّستها أحكام دينية كما جاء في القرآن الكريم ' وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا' (الحجرات:13) وأيضا 'وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ' (الروم: 22) لذلك التواصل بين الشعوب هو أمر طبيعي. وهذا التواصل المكثّف ساهم في إطلاق شعارات تجذب الانسان علما أنها تحمل معان كبيرة في السياسة والاقتصاد حاولت الدول الغربية ونخبها الحاكمة خطفها وتحريفها لصالحها. فالأزمة التي يعيشها العالم ليست أزمة العولمة بحد ذاتها، بل أزمة الدول الغربية وليس دول العالم الجنوب الإجمالي خلافا لم تروّجه المراكز الغربية. وفحوى هذه الازمة هو عقم وفشل المفهوم النيوليبرالي للعالم والعلاقات البشرية الذي يعتمد على الداروينية والملتوثية في بلورة سياسات تهدف إلى إعادة تعيين العالم كما جاء في أدبيات منتدى دافوس (The Great Reset).
عن أولى الشعارات التي تلازمت مع نتائج الثورة التكنولوجية في التواصل والمواصلات والاحتساب التي أشار إليها المحاضر هو أن العالم أصبح قرية. ومصطلح 'قرية' له دلالات عديدة منها أن القفز فوق الحواجز الطبيعية يجعل التفاعل بين الشعوب أكثر فعّالية كما يحصل في التجمّعات السكنية الصغيرة. ولكن من دلالات 'القرية' أن الفروقات بين مكوّنات 'القرية' صغيرة ويجب أن تتلاشى لتجعل 'ألتجانس' أكثر ترويجا وإن كان على حساب الطبيعة والفطرة وخاصة الاحكام الالهية. ولتحقيق ذلك التجانس لا بد من سياسات اقتصادية واجتماعية تعيد النظر في الموروث الثقافي لدى الشعوب وإحلال مكانه ثقافة مختلفة متجانسة. هذا هو فحوى السياسات النيوليبرالية التي اتبعتها الحكومات الغربية منذ نهاية الحرب الباردة. وهذه السياسات النيوليبرالية أفرزت شعارات إضافية.
فالشعار الثاني الذي تلازم مع تلك الحقبة النيوليبرالية هو شعار الخيار بين الحداثة والتقليد والذي عبّر عنه الصحافي توماس فريدمان في مؤلّفه الشهير 'اللكسوس وشجرة الزيتون'. هذا الشعار له دلالات سياسية واقتصادية ومجتمعية وثقافية عديدة سنعرضها بشكل سريع. سيارة اللكسوس الفخمة اليابانية تشير إلى تحوّل مجتمع تقليدي محافظ إلى مجتمع ينتج أحدث السلع. وشجرة الزيتون تشير إلى المجتمعات التقليدية المحافظة. ويذكّرنا ذلك الشعار بشعار الذي رفعه الشهيد ياسر عرفات في خطابه الشهير في الأمم المتحدة سنة 1974 عندما قال إنه جاء حاملا غصن الزيتون (أي السلام) والبندقية (أي الحرب). وإصراره على القاء الخطاب ومسدّسه بجانبه جاء ليعبّر عن جدّية الخيار المطروح لمجمع الأمم في مقاربة القضية الفلسطينية. توماس فريدمان استغل ذلك الشعار ليطرح على العالم بشكل عام وخاصة الشعب العربي الخيار بين الحداثة (أي سيّارة اللكسوس) وما تحتويه من تغييرات في بنيتها المجتمعية والثقافية وبين التقليد (أي شجرة الزيتون) الذي يعني الاستمرار في التخلّف. وهذا الخيار الذي طرحه كان قبل تحقيق النصر في 2000 وفيما بعد في 2006 وحاليا بعد 7 أكتوبر حيث أصبحت المقاومة عاملا جديدا يواجه التيّار المعولم الذي ينفي الهويات الوطنية والقومية لصالح مفاهيم مناهضة للموروث الثقافي. من هنا نفهم الحملة الشرسة في الغرب لاجتثاث ليس المقاومة وسلاحها فحسب، بل فكرة المقاومة سواء في فلسطين أو الوطن العربي وأيضا في العالم الغربي الذي نزلت شعوبه إلى الشارع للاعتراض على الإبادة الجماعية الحاصلة في غزة والضفة الغربية.
الثنائية المصطنعة التي أُطلقت بين الحداثة والموروث الثقافي كانت القاعدة الفكرية لترويج ثقافة الاستهلاك وفقدان الهوية لتذويب الفروقات وفرض التجانس. العالم أصبح مجموعة من المستهلكين هدفهم في الحياة إشباع رغباتهم وليس بالضرورة حاجاتهم. والرغبات هي أوسع من الحاجات وبالتالي الموارد المتاحة لإشباعها تصبح محدودة بسبب وتيرة زيادة السكّان. هذه هي الملتوثية الجديدة التي تشكّل قاعدة النيوليبرالية حيث السياسات الاقتصادية والاجتماعية تهدف إلى تقليس عدد السكّان عبر ضرب مفهوم الاسرة وترويج المثلية والتحوّل الجنسي ناهيك عن ترويج الحروب وعدم الاكتراث للمجاعات والكوارث الطبيعية. تصريحات بيل غيتس مؤسس شركة مايكرو سوفت يقول في أكثر من مناسبة ان عدد سكّان المعمورة الذي قارب 8 مليار أكثر مما تستطيع تحمّله وبالتالي يجب اتخاذ سياسات تقلّس عدد السكان لخمسمائة مليون نسمة عبر التعقيم! فضيحة الكورونا وفرض التلقيح المشبوه يأتي في هذا السياق. المهم هنا أن تلك السياسات يتم ترويجها عبر ومنتديات سياسية واقتصادية وثقافية أسمّيها منتديات الدمار الشامل والتي عرضتها في سلسلة من المقالات نشرت في صحيفة 'الاخبار' في 2022 إضافة إلى سلسلة أخرى حول النيوليبرالية وجذورها وآفاقها وتلازمها مع تحريف مفهوم العولمة. واعتقد بناء عل دراسات وتقارير أن ملابسات التي رافقت تعاطي الدول الغربية لجائحة الكورونا دليل حول الهدف غير المعلن لتحقيق أهداف الملتوثية الجديدة.
الشعار الثالث هو نهاية التاريخ الذي أطلقه فرنسيس فوكوياما. والأخير هو تلميذ سامويل هنتنغتون الذي هو بدوره تلميذ برنارد لويس لم لهم من دلالات في التوجّه الفكري تجاه العالم بشكل عام والأمة العربية والإسلامية بشكل خاص. هذا الشعار جاء بعد سقوط المنظومة الاشتراكية وتفكّك الاتحاد السوفيتي لينهي حقبة صراع حكم العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وهذا الشعار يحمل في طيّاته أن العالم لم يعد يحكمه الصراع العقائدي بين منظومتين، بل أن الامر استتب للمشروع الديمقراطي الليبرالي الغربي. فنهاية التاريخ هي نهاية الصراعات وتثبيت القيم الغربية والحوكمة الغربية كقيم عالمية. لن ندخل في مقاربة ذلك المفهوم لأنه مبنى على تمنّيات ورغبات وليس على وقائع يمكن مناقشتها. المهم هو ان فرنسيس فوكوياما أعاد النظر في اطروحته بعد ما تبيّن أن العالم ما زال تحكمه صراعات منها عقائدية ومنها سياسية كما أن الديمقراطية أصبحت نسبية وأن حرّية الأسواق ليست إلاّ تصوّرا بعيدا عن الواقع. كما أن تلك النظرية تتجاهل العرقيات ودور الموروث الثقافي للمجتمعات عامة وخاصة في المجتمعات العربية والإسلامية.
وتلازم ذلك الشعار مع الشعار الرابع أي 'صراع الحضارات' الذي أطلقه سامويل هنتنغتون وقبله برنارد لويس ويهدف إلى تكريس قوّامة الحضارة الغربية على سائر الحضارات وخاصة الحضارة العربية الإسلامية. وشعار صراع الحضارات يتناقض مع شعار 'نهاية التاريخ' الذي يكرّس هيمنة القيم الغربية بينما شعار 'صراع الحضارات' يعني أن الصراع العقائدي لم يعد قائما، بل اختلاف منظومات القيم والحضارات هي التي تسبّب الصراعات والحروب. وفي هذا السياق اعتبر هنتنغتون أن الحضارة العربية الإسلامية على تناقض مع الحضارة الغربية وبالتالي الحروب ستكون ليس بين الدول، بل بين الحضارات. هنا أيضا لن ندخل في السجال حول تلك النظرية التي فنّدها ببراعة كل من ادوارد سعيد وجورج قرم ورودولف القارح وغيرهم.
هذه الشعارات بما لها من ثغرات ساهمت في إعطاء الغطاء الفكري والسياسي والثقافي لخطف مضمون العولمة وتحريفها عن جوهرها في تفاعل الشعوب بعضها ببعض على قاعدة المنفعة والمصلحة المشتركة. واختطاف العولمة ضمن المفهوم الغربي هو لتحقيق الربح لفئة على حساب فئة أخرى. فبين مفهوم العولمة الذي تحمله اليوم الكتلة الاوراسية والجنوب الإجمالي على قاعدة 'اربح أربح' كانت العولمة الغربية على قاعدة اللعبة الصفرية.
المأزق
فما هو واقع الحال اليوم؟
نتيجة اختطاف آليات العولمة لصالح الهيمنة الغربية وخاصة الأميركية هو المأزق الذي تعيشه تلك الدول. فالعالم الغربي في مأزق بنيوي نتيجة خيارات وسياسات اتبعتها النخب الحاكمة في الدول الغربية وخاصة في الولايات المتحدة أدّت إلى فقدان القاعدة الإنتاجية الصناعية التي كانت ركيزة القوّة السياسية والعسكرية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. والتحوّلات في البنية الاقتصادية لصالح اقتصاد ريعي مالي على حساب القطاعات الإنتاجية كانت لها تداعيات على البنية السياسية والاجتماعية والسكّانية. الغرب بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص اعتبروا أن السيطرة على العالم ستستمر عبر السيطرة على شرايين المال من جهة وعلى القوّة العسكرية المفرطة. هذا كان جوهر السياسة الخارجية الغربية. إلاّ أن تداعيات تلك التحوّلات تناولت البنية الاجتماعية وبالتالي السياسية لتلك الدول.
فمن جهة تراجع دور النقابات في الاقتصاد حيث القطاع الخدماتي وخاصة الخدمات المالية لا يتحمّل وجود نقابات الذي تراجعت أهميتها بعد سقوط المنظومة الاشتراكية ما أدّى إلى تراجع دور الطبقات الوسطى وتفاقم الفجوة بين القلّة التي لا تتجاوز الواحد بالمائة من عدد السكان وسائر مكوّنات الشعب. كما أن تلك التحوّلات أدّت إلى بروز طبقة جديدة هي طبقة المحترفين الإداريين (professional managerial class) الذين شكّلوا طبقة النخب المهيمنة والتي لا تكترث لسائر مكوّنات الشعب فحسب، بل تحتقرها وتعتبرها من 'المنبوذين' (deplorables) كما جاء على لسان هيلاري كلنتون في وصف الجمهور المؤيّد لترامب والذي يتناقض مع تلك النخب الجديدة. هذه الطبقة الجديدة سيطرت على المشهد السياسي في الغرب وخاصة في الولايات المتحدة. وهذه السيطرة أتت بعد السطو على العملية الانتخابية عبر الانفاق المالي الذي يقدّمه مجمع المانحين أي أصحاب الثروات الكبيرة لشراء الولاءات والذمم سواء داخل مكوّنات الدولة العميقة أو خارجها. فأصبح ولاء المسؤول 'المنتخب' للمانح وليس للناخب. كذلك الامر حصل في أوروبا وخاصة في مؤسسة الاتحاد الأوروبي حيث النخب الحاكمة المعيّنة وغير المنتخبة ليست خاضعة للمساءلة والمحاسبة. هذا الانحراف السياسي جعل من الطبقة الحاكمة منقطعة عن قاعدتها الشعبية ومتجاهلة لمتطلّبات تلك القاعدة. هذا خلق المأزق السياسي الداخلي الذي انعكس بدوره على بروز نخب حاكمة رديئة في الفهم والعلم والأخلاق. وهذا التردّي أدّى بدوره إلى تسارع وتيرة الانهيار في الأداء وفي مكانة الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة بينما ظهرت نخب حاكمة أكثر كفاءة وحكمة خارج تلك المنظومة في دول الكتلة الاوراسية ودول الجنوب الإجمالي التي تعمل على الاستجابة لمطالب شعوبها.
وهذا التراجع في القاعدة الإنتاجية الصناعية رافقه تراجعا في القدرات التكنولوجية كما انعكس بشكل مباشر على القدرات العسكرية التي أصبحت مترهّلة للغاية وفقا للدراسات التي أعدتها مراكز الأبحاث المختصة. فالدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة أصبحت عاجزة عن الانتصار في الحروب التي تشنّها يمينا وشمالا كما أصبحت عاجزة عن فرض إرادتها بالقوّة على الدول التي تريد التمسّك بسيادتها واستقلاليتها. الدرس في أوكرانيا خير دليل على العجز العسكري الذي ينتتج عن عجز اقتصادي الذي ينتج عن عجز سياسي الذي ينتج عن انحدار في العلم والأخلاق. كما أن الإخفاق العسكري في اليمن دليل آخر حول عجز الولايات المتحدة في ارضاخ اليمن. وطبعا لا يجب أن يغيب عن البال الخروج المذّل من أفغانستان بعد احتلال دام أكثر من عشرين سنة وأيضا العجز في قوّات الاحتلال للكيان الصهيوني في حسم الصراع في غزة ولبنان رغم التفوّق النظري في التكنولوجيا والقوّة النارية والدعم اللامحدود له من قبل الولايات المتحدة.
أما فيما يتعلّق بالسيطرة على شرايين المال كرديف للقوّة العسكرية فإن مجمع عالم الجنوب يتجاوب مع اقتراحات مجموعة البريكس في التعامل التجاري والمالي خارج منظومة الدولار وخارج منظومة السويفت التي تتحكّم برسائل التحويلات المالية. ما أقدمت عليه الصين مؤخرا في إطلاق منظومة رقمية خارج إطار السويفت تجعل رسائل التحويلات المالية تتم في 7 ثوان فقط بينما في منظومة السويفت تأخذ بضعة أيام. وبالتالي نرى تراجع التعامل بالدولار بشكل ملموس ما يقوّض إمكانية السيطرة الأميركية على مجريات الأمور سياسيا واقتصاديا. فالخروج من الدولار هو ضربة قاسمة للهيمنة الاميركيية.
هذا الواقع المتردّي على الصعيد السياسي والاقتصادي والعسكري والمجتمعي والثقافي ينذر بتفكّك المنظومات السياسية، بل الكيانات السياسية حيث الانقسامات الداخلية أصبحت تطغى على الأداء السياسي وعجز المؤسسات الدستورية في الدول الغربية وخاصة في الولايات المتحدة عن فضّ الخلافات ما زاد من تراجع الثقة بها من قبل الجمهور العام. وتفاقم الوضع الداخلي يتلازم مع تفاقم العلاقات الدولية حيث حاول الغرب وخاصة الولايات المتحدة فرض نظام عالمي جديد تحت شعار نظام الاحكام التي يحدّدها بنفسه تنفيذا لمفهومهم للعولمة، ولكن ضاربا عرض الحائط منظومة العلاقات الدولية التي تستند إلى القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية. هذا الانحراف في التعاطي بين الدول وخاصة من قبل الغرب والولايات المتحدة دفع ظهور وصعود كتلة مناهضة تقوم على احترام القانون الدولي وسيادة الدول والمواثيق والمعاهدات الدولية وإن التعامل بين الدول هو على قاعدة المنفعة المتبادلة والندّية. هذه هي منظومة البريكس ومشتقاتها الذي ينضم إليها مجموعة دول الجنوب الإجمالي. وهذا التعاطي الجديد يتمثّل بالاتفاقات الاستراتيجية بين روسيا والصين، بين روسيا والجمهورية الإسلامية في إيران، وبين الصين وإيران. كما أقدمت الهند على تفاهمات مع الصين تنهي عقودا طويلة من الصراعات لما فيها من تنمية العلاقات والمصالح المشتركة.
الحرب في أوكرانيا وطوفان الأقصى وموقف الدول الغربية تجاه روسيا والفلسطينيين أطاح بزيف الادعاءات الغربية في احترام حقوق الانسان في تبنّيها للمواقف العنصرية وخاصة فيما يتعلّق بالإبادة الجماعية التي تتعرض إليها غزة تحت مرأى ومسمع العالم باللحظة التي تحصل فيها. فكل مزاعم 'العولمة' التي اختطفها الغرب سقطت في روسيا وفي غزة التي أصبحت بدورها في صلب الحراك السياسي داخل الدول الغربية لما كشفت من نفاق في ادعاء احترام القانون وحقوق الانسان وحرّية التعبير.
من تداعيات المأزق التي تعيشه الدول الغربية هو تناثر مفهوم الغرب الجماعي (collective West) حيث أصبحت الدول تفتّش على مصالحها الوطنية وليس على مصالح جبهة تتحكّم فيها نخب غير منتخبة لا تخضع لمساءلة أو محاسبة. تفكّك تلك المجموعة يتلازم مع تراجع وزنها الاقتصادي في الناتج الاجمالي الذي لا يتجاوز 28 بالمائة من الناتج العالمي. وخير دليل على ذلك التراجع مقال توماس فريدمان الأخير في صحيفة النيويورك تايمز يؤكّد فيها أن المستقبل هو في الشرق.
السياسات النيوليبرالية في الغرب وخاصة في الولايات المتحدة على الصعيد السياسي والاقتصادي والمجتمعي والسكّاني والثقافي والبيئوي أدّت إلى ردود فعل تراكمت خلال العقدين الماضين تجسّدت في نهوض الحركات اليمينية في أوروبا عموما وفي الولايات المتحدة للتأكيد على رفض تذويب الهويات الوطنية لصالح مفاهيم مجرّدة التي يطلقها منتدى دافوس والنخب النيوليبرالية الحاكمة. كما أدّت إلى رفض تغيير الموروث الثقافي والقيمي الذي يتصدّى لشعارات وسياسات مناهضة لذلك الموروث كسياسة ترويج الجواز المثلي والاجهاض ورفض التمييز الجندري إلخ.
أما على الصعيد السياسي والاقتصادي فنمو الحركة الشعبوية في الولايات المتحدة بقيادة ترامب جعلت الطبقة السياسة تواجه تحدّيا لوجودها بالكامل وكذلك الامر في دول أوروبا. ترمب أطلق شعار أمركة الاقتصاد الأميركي وهذا يأتي على حساب السياسات النيوليبرالية التي أدّت إلى فقدان القاعدة الإنتاجية الصناعية الأميركية التي كانت المصدر الأساسي للقوّة الأميركية ونفوذها بالعالم حتى منتصف الستينات من القرن الماضي. عند ذلك الحين بدأ الانحدار بسباب ارتفاع نفقات الحروب التي دخلت فيها الولايات المتحدة كالحرب في فيتنام فيما بعد احتلال أفغانستان والعراق وسورية وإقامة القواعد العسكرية في العالم بحجة محاربة المدّ الشيوعي ومحاصرة واحتواء الاتحاد السوفيتي وفيما بعد الارهاب.
إعادة القوّامة عند ترمب تبدأ بإعادة المصانع إلى الولايات المتحدة عبر سلسلة من إجراءات تحفيزية وعقابية على حدّ سواء. فهل ينجح بذلك هذا ما سيتم متابعته علما أن نتائج تلك الإجراءات سواء كانت تحفيزية أو عقابية لن تظهر بالمدى القريب. لكن ما يهمّنا اليوم هو أن مفهوم العولمة الذي اختطفته النخب النيوليبرالية لم يعد قائما في النخب الجديدة الحاكمة في الولايات المتحدة وعند النخب الأوروبية المتضرّرة من جرّاء السياسات النيوليبرالية.
بالمناسبة نريد الإشارة إلى سلسلة الأوراق التي قُدّمت للمؤتمر القومي العربي خلال العقد الماضي التي شرحت بشكل مفصّل التحوّلات في العالم، في الغرب كما في الشرق والتي أظهرت ارهاصات للمشهد الحالي. كما لنا سلسلة من الأبحاث حول جذور النيوليبرالية ومنتديات الدمار الشامل التي كانت تتحكّم بالمشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي في العالم الغربي. لكن بما أن العالم الغربي المختزل بمجموعة الجي 7 لم يعد مهيمنا على المقدّرات الاقتصادية مع صعود مجموعة البريكس ومشتقاتها في الكتلة الاوراسية وغرب أسيا مجمل دول الجنوب فإن مفهوم العولمة يأخذ معان جديدة مبنية على قاعدة احترام الاخر والندّية وقاعدة اربح- اربح. مجموعة البريكس ومشقاتها ومجمع دول الجنوب الإجمالي هم من يحملوا لواء العولمة على أسس وقواعد مختلفة عن تلك التي حاول الغرب فرضها على العالم.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الحركات الإسلامية
منذ 13 ساعات
- الحركات الإسلامية
20 مايو: 11 قتيلا من الجيش اللبناني في اشتباكات مع "فتح الإسلام" قرب طرابلس
في مثل هذا اليوم العشرين من مايو 2007: قتل 11 من جنود الجيش اللبناني، حسب تصريح ناطق عسكري رسمي، واصيب 19 جنديا بجراح في اشتباكات عنيفة بدأت في ساعات الفجر بين الجيش اللبناني ومسلحين تابعين لتنظيم إسلامي يعرف باسم (فتح الإسلام) يعتقد أن له صلة بتنظيم القاعدة في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين الواقع قرب مدينة طرابلس شمالي لبنان. كما قتل اربعة من مقاتلي التنظيم على الأقل. تنظيم فتح الإسلام ظهر في مخيم نهر البارد في نوفمبر 2006، للمزيد عن تنظيم "فتح الإسلام"۔۔۔۔ 20 مايو: بوش يعتذر للمالكي عن إطلاق جندي أمريكي النار على القرآن في مثل هذا اليوم العشرين من مايو 2008: تلقى رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي "اعتذارا" من الرئيس الأمريكي جورج بوش عن حادثة إطلاق جندي أمريكي النار على القرآن الكريم، حسبما أفاد تلفزيون "العراقية" الحكومي الثلاثاء . وكان الجيش الأمريكي أعلن الأحد الماضي إبعاد أحد جنوده من العراق، واتخاذ "إجراءات تأديبية بحقه"، بعد أن أطلق النار خلال تمارين عسكرية على نسخة من المصحف استخدمها هدفاً للرمي قرب بغداد, كما قدم ضابط أمريكي كبير اعتذاراً عما حدث. وأفاد الجيش أن الجندي الذي لم يتم الكشف عن اسمه "مثل أمام هيئة تأديبية بعد اكتشاف رجال الشرطة العراقية المصحف وعليه طلقات نارية بالإضافة إلى كتابات داخل غلافه في أحد ميادين الرماية في منطقة الرضوانية في جنوب غرب بغداد". واعتبر المتحدث باسم الجيش الأمريكي الكولونيل بيل بانكر أن ما "حدث خطير ومقلق بشدة" مشيراً إلى أنه "حادث فردي ارتكبه جندي واحد". وأضاف "صدرت تعليمات إلى القادة العسكريين للتحقيق واتخاذ التدابير المناسبة واجراءات ضد أي شخص يعمل على تشويه أو يظهر عدم احترام ايمان الآخرين"، معبرا عن "أسفه الشديد".


شفق نيوز
منذ 14 ساعات
- شفق نيوز
عملية "واسعة النطاق" للجيش السوداني في جنوب وغرب أم درمان، وإصابات الكوليرا تتفاقم بعد انقطاع الكهرباء
هزّ دوي الانفجارات العاصمة السودانية الثلاثاء بعد ساعات من بدء الجيش عملية عسكرية "واسعة النطاق" تهدف إلى "طرد" قوات الدعم السريع من آخر معاقلها في جنوب وغرب أم درمان و"تطهير" كامل منطقة العاصمة. وتأتي هذه المعارك في وقت تشهد الحرب المستمرة بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، تصاعداً في وتيرتها لا سيما عبر استخدام أسلحة بعيدة المدى، ومهاجمة الدعم السريع لمناطق سيطرة الجيش بطائرات مسيّرة. وأفادت وكالة الأنباء الفرنسية بسماع أصوات انفجارات في أم درمان، حيث لا تزال قوات الدعم السريع تتحصن في بعض الأنحاء منذ إعلان الجيش "تحرير" العاصمة في أواخر مارس/آذار. وقال نبيل عبدالله، المتحدث باسم الجيش السوداني، في بيان إن قوات الجيش مستمرة "في عملية واسعة النطاق ونقترب من تطهير كامل ولاية الخرطوم" باستهداف معاقل الدعم السريع "بجنوب وغرب أم درمان وتستمر في تطهير مناطق صالحة وما حولها". كان الجيش السوداني أعلن في مارس/آذار "تحرير" الخرطوم وسيطرته على مواقع حيوية وسط العاصمة بينها القصر الجمهوري. الا أن قوات الدعم السريع احتفظت بمواقع في جنوب وغرب أم درمان الواقعة على ضفة نهر النيل المقابلة للخرطوم. وفي أبريل/نيسان قصفت مسيرات الدعم السريع القصر الجمهوري ومواقع أخرى في العاصمة. وصعدت قوات الدعم السريع في الآونة الأخيرة من استهدافها لمواقع تابعة للجيش السوداني في شرق وغرب ووسط السودان، مخلفة عشرات القتلى. هجمات على بورتسودان كثّفت قوات الدعم السريع هجماتها على مواقع الجيش ومناطق نفوذه، بعدما أعلن سيطرته على الخرطوم ومدن في شمال ووسط البلاد كانت تحت سيطرتها. وكانت أبرز أوجه هذا التصعيد استهداف مدينة بورتسودان (شرق) المطلة على البحر الأحمر والتي تتخذها الحكومة المرتبطة بالجيش مقراً مؤقتاً لها. واتهم سفير السودان لدى الأمم المتحدة، الإثنين، الإمارات العربية المتحدة بشن هجمات على بورتسودان في 4 مايو/أيار بطائرات حربية وطائرات مُسيّرة انطلقت من قاعدة إماراتية على البحر الأحمر. وأوضح السفير الحارث إدريس أن الهجوم الإماراتي المزعوم جاء بعد يوم واحد من غارة جوية شنتها القوات المسلحة السودانية على مدينة نيالا استهدفت طائرة حربية إماراتية وأسفرت عن مقتل 13 أجنبياً، بينهم "عناصر إماراتية". وبقيت بورتسودان الى حد كبير في منأى عن أعمال العنف منذ اندلاع الحرب عام 2023، وانتقلت إليها بعثات دولية ومنظمات اغاثية، ومئات الآلاف من النازحين من مناطق سودانية أخرى. وطالت هجمات الدعم السريع بالمسيّرات، مطار بورتسودان الدولي وميناءها، بالإضافة إلى مستودع الوقود ومحطة الكهرباء الرئيسيين فيها. وأعرب خبير الأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في السودان رضوان نويصر الإثنين "عن قلقه العميق إزاء التصعيد الأخير في الغارات الجوية بطائرات مُسيّرة وتوسع الصراع إلى ولاية البحر الأحمر في شرق السودان... مما زاد من تفاقم أوضاع المدنيين". وحذر في بيان من أن "الهجمات المتكررة على البنى التحتية الحيوية تُعرِض حياة المدنيين للخطر وتُفاقم الأزمة الإنسانية، وتُقوِض الحقوق الأساسية للإنسان"، مشيراً إلى انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع "وأثره على إمدادات الوقود مما يُعيق الوصول إلى الحقوق الأساسية مثل الحق في الغذاء والمياه الصالحة للشرب والرعاية الصحية". وعلى رغم توتر الوضع في بورتسودان، عيّن البرهان، وهو أيضاً رئيس مجلس السيادة، الاثنين كامل إدريس رئيساً جديداً للحكومة السودانية خلفاً لدفع الله الحاج الذي كان القائم بأعمال رئيس الحكومة لثلاثة أسابيع فقط. ورحب الاتحاد الافريقي بتعيين رئيس حكومة "مدني"، معتبراً ذلك خطوة "نحو حكم شامل" يأمل بأن تسهم بـ"استعادة النظام الدستوري والحكم الديموقراطي". وقسمت الحرب التي اندلعت منتصف أبريل/نيسان 2023، السودان إلى مناطق نفوذ حيث يسيطر الجيش على شمال وشرق البلاد بينما تسيطر قوات الدعم السريع على معظم إقليم دارفور في الغرب ومناطق في الجنوب. وتسببت الحرب في مقتل عشرات الآلاف ونزوح 13 مليوناً في ما تصفه الأمم المتحدة بأسوأ أزمة إنسانية في التاريخ الحديث. أوضاع إنسانية وصحيّة متدهورة Reuters قال الدكتور محمد نديم من منظمة "أطباء بلا حدود" في السودان لبي بي سي إن مدينة أم درمان تعيش أوضاعاً إنسانية وصحية متدهورة، بعد انقطاع الكهرباء للمرة الرابعة خلال فترة قصيرة، نتيجة الاستهداف المتكرر للبنى التحتية الحيوية في المدينة، من ضمنها شبكة الكهرباء. وأوضح المسؤول أن انقطاع التيار الكهربائي "أثر بصورة مباشرة على إنتاج المياه النقية الصالحة للشرب وعلى عمل المستشفيات التي تدعمها المنظمة". وأضاف أن "الوضع أدى إلى تفاقم الأزمة الصحية، حيث زادت حالات الإصابة بالكوليرا بسبب وصول المياه غير المعالجة إلى السكان"، محذرًا من أن "استهداف المناطق الحيوية له تأثير مباشر وخطير على حياة المدنيين". كما أشار إلى أن الانقطاع المستمر للكهرباء "منع وصول المرضى من المناطق البعيدة إلى المستشفيات، التي تواجه صعوبات شديدة في توفير المياه والأكسجين، في ظل غياب الطاقة الكهربائية". وتزامن انقطاع الكهرباء مع ارتفاع كبير في درجات الحرارة تجاوز 44 درجة مئوية، ما زاد من حدة الأزمة، بحسب ما أفاد به سكان من أم درمان. وقالت إحدى السيدات لبي بي سي: "لا توجد مياه صالحة للشرب الآن. هناك من يبيع مياهاً غير نظيفة، ومن النادر أن نجد مياهاً باردة، خاصة مع هذا الحر الشديد". بينما أضاف آخر: "نواجه أزمة مزدوجة في الوقود والمياه... أم درمان تعاني معاناة شديدة". وأكد أحد السكان أن "قطاعات كثيرة من العمل توقفت لأنها تعتمد بشكل أساسي على الوقود، حتى العربات توقفت عن الحركة"، فيما أشار آخر إلى أن "كل شيء يعتمد على الكهرباء، خصوصاً في ما يتعلق بتوليد المياه. نحن الآن نبحث عن مولد مياه نستخدمه لتزويد الجيران والأحياء المجاورة بما نستطيع من مياه الشرب".


ساحة التحرير
منذ يوم واحد
- ساحة التحرير
نماذج من التواطؤ مع الكيان الصهيوني!الطاهر المعز
نماذج من التواطؤ مع الكيان الصهيوني! الطاهر المعز تواطؤ الأمم المتحدة في الإبادة الجماعية الفلسطينية في غزة لا يمكن أن تحدث فظائع مثل المجزرة المستمرة في فلسطين، وخصوصًا في غزة، منذ تشرين الأول/اكتوبر 2023 والضّفّة الغربية، بدون دعم القوى الإمبريالية العظمى، وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فضلاً عن المنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، التي كان مُبرّر إنشائها: الوقاية من مثل هذه الجرائم. نَشَرَ معهد جينوسبكترا (Genospectra Institute ) لائحة اتهام تاريخية مكونة من 60 صفحة ضد مكتب الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية والمسؤولية عن الحماية (OSAPG) ، متهماً هذا المكتب بالتواطؤ في الإبادة الجماعية للفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967، وصَدَرت الوثيقة بعنوان 'إثبات الإبادة الجماعية وإنكار العدالة: التواطؤ المؤسسي لمنظمة الأمم المتحدة في محو فلسطين'، تكشف عن صمت المؤسسة لمدة 17 شهرًا، ورفضها تنفيذ 14 علامة حمراء أصدرتها، وفشلها في تسمية الجريمة، حتى بعد أن قضت محكمة العدل الدولية في كانون الثاني/يناير 2024 ' إن تصرفات إسرائيل في غزة تشكل جريمة إبادة جماعية'. يتعرض أكثر من سبعمائة ألف فلسطيني إلى خطر الموت المباشر وأكثر من 140 ألفاً للعنف المباشر وأكثر من 561 ألفاً من الجوع والحرمان وانهيار المنظومة الصّحّيّة وفقاً لتقديرات تستند إلى نسب الوفيات الزائدة بنحو 4 إلى 1 ونماذج العد والمقارنة المنشورة في المجلة الطبية ' لانسيت'، وقد تم استيفاء جميع معايير الأمم المتحدة الأربعة عشر لخطر الإبادة الجماعية في غزة وفي مختلف أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة، وظل مكتب الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية صامتًا لمدة 13 شهراً بعد صدور حكم محكمة العدل الدولية، ولم يُصْدِرْ سوى بيان غامض ومخفف لم يتضمن أي ذكر لمصطلحات 'الإبادة الجماعية' أو 'إسرائيل' أو 'فلسطين'، وتجاهل المكتب خطاب الكراهية، ورفض تسمية الفصل العنصري أو الاستعمار في قطاع غزة، وطبق آلياته الوقائية بشكل انتقائي، اعتمادًا على الملاءمة السياسية والضغوط الدولية… إن الإعلانات الدولية، عندما تصدر، تكون مليئة بالنوايا الحسنة لأنها تعلم أنها لن تخدم أي غرض على الإطلاق، ويؤكد معهد جينوسبكتر 'هذا ليس خطأً إجرائيًا، بل هو خيانة… تم تحذير أعضاء المكتب فظلّوا صامتين وقلّلوا من شأن الإبادة الجماعية' تواطؤ السلطات 'الغربية' لمّا أمرت محكمة العدل الدولية بمنع الإبادة الجماعية في غزة، قطعت القوى الغربية التمويل عن منظمة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا ) حتى يمكن تنفيذ الإبادة الجماعية في أسرع وقت ممكن، وبدون شهود، واعتمدت هذه الدّول الإمبريالية على زعم صهيوني – بدون إثبات – إن 12 مسؤولا من أونروا شاركوا في هجمات السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، كما سارعت بعض الدول الأخرى إلى قطع تمويل المساعدات للفلسطينيين، مما يُمثّل شكلًا من العقاب الجماعي الذي يجعل الفلسطينيين في وضع أكثر فظاعة في سياق الإبادة الجماعية، كما تقول فرانشيسكا ألبانيزي، المقررة الخاصة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتنتقد ألبانيزي الدول التي اتخذت إجراءات انتقامية ضد الأونروا وتتهمها بانتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية: 'في اليوم التالي لقرار محكمة العدل الدولية باحتمال ارتكاب إسرائيل أعمال إبادة جماعية في غزة، قررت بعض الدول وقف تمويل الأونروا، مما يشكل معاقبة جماعية لملايين الفلسطينيين في اللحظة الأكثر حرجا، ومن المرجح جدا أن يشكل انتهاكا لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، وأصدر المفوض العام للأمم المتحدة فيليب لازاريني بيانا بشأن تعليق المساعدات لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا). 'أنا مصدوم من أن مثل هذه القرارات تُتخذ بناءً على سلوك مزعوم لعدد قليل من الأفراد، بينما تستمر الحرب، وتزداد الاحتياجات سوءًا، ويواجه الناس خطر الموت جوعًا.' نفذت عدة دول غربية الأوامر الأمريكية، وانضمّت إلى القوى المناهضة للشعب الفلسطيني ولمنظمة إغاثة وتشغيل اللجئين ( أونروا ) وقطعت التمويل عن المنظمة التي نفى مديرها، كما نفى المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس الاتهامات الصّهيونية. 'إن هذه الادعاءات الكاذبة ضارة وقد تعرض موظفينا للخطر، حيث يخاطرون بحياتهم لمساعدة الأشخاص الضعفاء في ظل ازدياد حاجة الفلسطينيين إلى الإمدادات الحيوية'، وقطعت عدة دول غربية التمويل وخفضت عدة دول أخرى حصتها في تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في غزة، بعد اتخاذ الولايات المتحدة وكندا زمام المبادرة، وتلتها على الفور فنلندا وأستراليا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا التي أعلنت تعليق تمويلها للأونروا، وذلك في أعقاب الدعوى القضائية التي رفعتها جنوب أفريقيا، ونسّقت هذه الدّول دعايتها ضد أنروا ( وضدّ الشعب الفلسطيني) مع الآلة الدّعائية الصهيونية والأمريكية التي أدْرجت المنظمات الإنسانية على القائمة السوداء بهدف فرض المزيد من المعاناة على الفلسطينيين، وفي مقدّمتها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) التي كانت منذ سنوات هدفًا للتشهير ثم للقصف الصهيوني منذ بداية الإبادة الجماعية… أعلنت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة: 'إن إسرائيل فرضت قيودا على برامج الوكالة في غزة وشددت القيود، وخاصة على دخول المساعدات إلى شمال القطاع… أصبح من الصعب الوصول إلى الأماكن التي تحتاج إلى المساعدة، ولم تصل سوى كميات صغيرة للغاية من الغذاء والمساعدات إلى الجزء الشمالي من قطاع غزة' ولم تتمكن المنظمات الإنسانية و برنامج الغذاء العالمي من تقدجيم المساعدة إلى سكان شمال غزة منذ يوم الثالث عشر من كانون الثاني/يناير 2024 بسبب ' القيود المنهجية على الدخول إلى شمال غزة، وليس فقط على برنامج الغذاء العالمي، حيث لا يقوم الجيش الإسرائيلي بتجويع الفلسطينيين في شمال غزة فحسب، بل يقوم أيضًا بقتل العشرات من الأشخاص الذين يحاولون الحصول على القليل من المساعدات التي تصل، وبالتالي يكمل عملية الإبادة الجماعية…' تواطؤ مصر في حصار غزة كانت هناك ثمانية معابر – ستة منها تحت السيطرة الكاملة للكيان الصّهيوني وتربط غزة بالأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1948، فيما ظلت أربعة من هذه المعابر مغلقة تمامًا، وكان اثنان مفتوحين بشكل متقطع: 'بيت حانون' و'كرم أبو سالم'، ومنذ الانسحاب العسكري من غزة، سنة 2005، وقّع الإحتلال ثلاث اتفاقيات لتنظيم الحركة على المعابر، ومن ضمنها اتفاقية مع السلطة الفلسطينية (2005)، و 'بروتوكول فيلادلفيا' مع مصر الذي نَصَّ على إنشاء شريط أمني بطول 14 كيلومترا بين مصر وغزة، ويتطلب التنسيق الأمني مع مصر، ووجود حرس حدود مصري على طول الممر، ودوريات أمنية من الجانبين، وبقي معبر رفح يُجسّد شريان الحياة الوحيد للفلسطينيين في غزة، وبذلك استبدل الكيان الصهيوني الإحتلال العسكري بفرض الهيمنة الكاملة على غزة براً وجواً وبحراً، وكان معبر رفح مقصورا على حاملي بطاقات الهوية الفلسطينية، مع استثناءات تتطلب إخطارا مسبقا للحكومة الصّهيونية وموافقة من الهيئة العامة للمعابر بغزة، التابعة للسلطة الفلسطينية، التي تقوم بمعالجة الموافقات والاعتراضات ضمن الإطار الزمني الصارم الذي حددته اتفاقية المعابر، لكن ارتفعت حدّة التَّوَتُّرات عندما فازت حماس في انتخابات 2006، وسيطرت على المعبر من الجانب الفلسطيني سنة 2007 فأصبح الكيان الصهيوني يأمر بإغلاق المعبر باستمرار، دون أي اعتراض للسلطات المصرية التي كانت بمثابة الوكيل للكيان الصّهيوني، وظل المعبر مغلقًا بشكل شبه كامل منذ سنة 2017، لكن عَبَرت منه قبل العدوان المستمر منذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023 بعض السلع الأساسية مثل الوقود وبعض الأدوية ومواد البناء- بكميات محدودة – ونحو 140 ألف شخص ( حوالي 20% من طلبات الخروج والدّخول ) خلال 245 يومًا، سنة 2022، وشن الكيان الصهيوني عدوانًا عسكريًّا يوم الثامن تشرين الأول/اكتوبر 2023، وفَرَضَ حصاراً قاسياً على الفلسطينيين في القطاع، فقضى على إمكانية الوصول إلى المياه والكهرباء والاتصالات، فضلاً عن نقاط العبور الأساسية، لأن الحصار أصبح شاملاً فمات الناس من الجوع والمَرض والبرد، فضلا عن القنابل والأسلحة المُحرّمة… قبل العدوان الأخير والمُستمر، كانت هناك ثلاثة طرق للخروج من غزة. وكان المسار الرسمي يتضمن تقديم قوائم الأسماء لموافقة الإحتلال، وتستغرق هذه العملية عدة أشهر، وواجه المقبولون عقبات إضافية على الجانب المصري، بما في ذلك عمليات التفتيش والنقل إلى مطار القاهرة في 'قافلة الترحيل'، ويتمثل الطريق الثاني – غير الرسمي – الذي تديره مكاتب وسيطة، في توفير مرور أسرع مقابل رسوم تتراوح بين 300 و 500 دولار، أو حتى 10 آلاف دولار، أما الطريق الثالث، المرتبط بالاستخبارات المصرية، فيتم التعامل معه حصرياً من خلال 'وكالة هلا للسفر'، المرتبطة برجل الأعمال وزعيم المليشيا إبراهيم العرجاني، من شبه جزيرة سيناء المتاخمة لقطاع غزة، ويسمح هذا المسار، منذ سنة 2021، بالعبور السريع والإعفاء من التفتيش وإمكانية بقاء المسافرين في مصر قبل الذهاب إلى المطار، بتكلفة تتراوح بين 500 إلى 700 دولار للشخص الواحد، مما يجعل مصر تستفيد من الحصار، وزادت الفوائد منذ الحصار الشامل والإبادة، حيث منعت دولة الاحتلال بشكل نهائي مغادرة الأشخاص غير المدرجين في القوائم المعتمدة، باستثناء حاملي الجنسية المزدوجة، وذلك بعد تدخلات السفارات الأجنبية، لكن بعض ضباط الحدود المصريين استغلوا ثغرة أمنية معروفة باسم 'الاستبعاد الأمني'، ويتضمن ذلك منع المسافر من المغادرة بحجة ارتباطه بالمنظمات الفلسطينية ( بذريعة العلاقة بحماس)، ولكن بعض الأشخاص يتمكّنون من الخروج مقابل مبالغ كبيرة. تواطؤ شبكات الإعلام تتحمل شبكات الإعلام الكبرى أيضًا المسؤولية عن الإبادة الجماعية الصّهيونية في غزة، ودافع صحافيو قناتي CNN وBBC، على سبيل المثال، وهما من أكبر القنوات الإخبارية في العالم، عن العدوان، متجاهلين الحقائق والوقائع المُوثَّقَة، وأوضحت التغطية الإعلامية للأحداث مرة أخرى دعم وسائل الإعلام الغربية السائدة للجرائم الصهيونية، وكشف عشرة صحافيين قاموا بتغطية العدوان لصالح شبكتي CNN وBBC عن أمثلة محددة للتحيز ولتطبيق المعايير المزدوجة والتلاعب بالمعلومات لتقليل الفظائع الصّهيونية، وأظْهر شريط بعنوان 'الفشل في غزّة من خلال عدسة الإعلام الغربي' (The Failure of Gaza: Through the Lens of the Western Media ) كيف يأمر رؤساء التحرير الصحافيين ببث أخبار زائفة تتماشى مع الرواية الصهيونية والإمبريالية، رغم تحذيرات المراسلين على عين المكان، وعلى سبيل المثال، بثّت شبكة سي إن إن الأمريكية اتهامًا صهيونيا كاذبا لحماس ويدّعي الخبر الكاذب 'إخفاء الأسرى الصهاينة في المستشفيات'، وأصرّت إدارة الشبكة على نَشْرِ هذه التهمة الكاذبة، متجاهلة تحذيرات الصحافيين، كما تُمارس معظم – إن لم تكن كافة – الشبكات الإعلامية 'الغربية' الرقابة وتجاهل الضحايا الفلسطينيين، من خلال الطريقة التي يتم بها الإبلاغ عن العدوان الصهيوني، إذْ يُمْنَعُ وصف الغارات الجوية بـ'الهجمات' أو 'العدوان'، فضلا عن إخفاء حجم الدمار والخسائر البشرية في صفوف الفلسطينيين، وكثيرًا ما أثارت شبكة سي إن إن وشبكة بي بي سي – كنموذج للإعلام 'الغربي' السّائد – الشكوك بشأن عدد الضحايا الفلسطينيين، ولا تعتمد سوى الرواية الصهيونية بشكل حصري، وهدفها 'تحميل حماس المسؤولية'، وهي عملية تحَيُّز منهجي في التعامل مع المعلومات الواردة من غزة، وتطبيق معايير مزدوجة بشأن الأحداث وبشأن المُعلّقين و'الضيوف' المدعُوِّين للتعليق على الأحداث، مما أدّى إلى استقالة بعض الصحافيين لعدم قدرتهم على مواصلة العمل في ظل ظروف تتعارض مع المبادئ الصحفية… عمومًا، شاركت وسائل الإعلام 'الغربية' ( فضلا عن وسائل الإعلام التي يُمَوِّلُهَا حكّام الخليج) في نشر معلومات مضللة حول عام ونصف من المجازر في غزة ولها مسؤولية واضحة في تضليل الجمهور، ولذلك تلقّت قناة BFM TV الفرنسية تهنئة شخصية من المتحدث باسم الجيش الصهيوني على نشر الرواية الصهيونية خلال تغطيتها الإعلامية 'الناجحة' للعدوان، وصرّح الرئيس السابق لهيئة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، الذي استقال من منصبه بسبب ' تواطؤ الولايات المتحدة وبريطانيا ومعظم دول أوروبا في العدوان المروع' الذي نفذه الكيان الصهيوني: 'إن تواطؤ وسائل الإعلام قد يكون له عواقب قضائية، تماماً كما حدث مع القادة الإسرائيليين… إن وسائل الإعلام الغربية لا تستطيع التهرب من مسؤوليتها القانونية عن الدور الذي تلعبه في نشر الدعاية الإسرائيلية، تمامًا مثلما أقرّت محاكمات نورمبرغ، حيث أدين يوليوس شترايشر، محرر الأسبوعية النازية 'دير شتورمر'، بتهمة التحريض على الكراهية… إن المحكمة الجنائية الدولية لرواندا اعترفت بإدانة ثلاث مسؤولين إعلاميين بالتحريض على الإبادة الجماعية في تسعينيات القرن العشرين، وأدين الثلاثة بتهمة التحريض على الإبادة الجماعية، من بين جرائم أخرى…إن المُعتدي يعلم ما يفعله، وتعرف سي إن إن وفوكس وبي بي سي ونيويورك تايمز وول ستريت جورنال ما تفعله'، وسبق أن وبّخت القاضية نافي بيلاي، وهي الآن مفوضة في لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة في الجرائم الصهيونية، الصحفيين بشدة، أثناء النطق بالحكم: 'لقد كنتم على دراية كاملة بقوة الكلمات واستخدمتم وسائل الإعلام ذات التأثير الواسع بين الجمهور لنشر الكراهية والعنف […] لقد تسببتم في مقتل الآلاف من المدنيين الأبرياء، بدون بندقية أو ساطور أو أي سلاح مادي آخر '. تتمتع وسائل الإعلام تتمتع بقوة هائلة، ومن خلال تسميمها، يمكن أن تسبب أضرارا كارثية لملايين الأرواح، وعلاوة على ذلك، فإن التضليل الإعلامي لا يؤثر على الجماهير فحسب، بل يؤثر أيضا على القرارات السياسية للحكومات الغربية، المتواطئة في دعم الجرائم الصهيونية في فلسطين والبلدان المُحيطة بها… إن التسميم الإعلامي يدعم إفلات المُجرمين من العقاب، مما يسمح باستمرار عمليات القتل، معتقدين أن مرتكبيها لن يحاسبوا أبداً… اكتفيْتُ في هذا العرض بدور مصر – نيابة عن الأنظمة العربية – لكن دور النظام المصري لا يقل خطورة عن دور النظام الأردني وأنظمة الخليج – خصوصًا السعودية والإمارات وقَطَر – التي أنفقت مليارات الدّولار لتخريب المقاومة الفلسطينية والبلدان غير الملكية مثل ليبيا وسوريا والعراق ولبنان ودعمت الثورة المضادّة في مصر وتونس والجزائر، وأدّت الأُسَر الحاكمة بالخليج نفس الدّور التّخريبي في فلسطين المُكمِّل للدّور الإمبريالي والصّهيوني… 2025-05-20 The post نماذج من التواطؤ مع الكيان الصهيوني!الطاهر المعز first appeared on ساحة التحرير.