تَنَبَهوا وَاستَفيقوا أَيُّها العَرَب..
تَنَبَهوا وَاستَفيقوا أَيُّها العَرَب..
ـ الشيخ أبو إسماعيل خليفة
روى ابن الأثير- رحمه الله- في كتابه الكامل: أن التتري كان يدخل القرية بمفرده وبها الجمع الكثير من الناس فيبدأ بقتلهم واحداً تلو الآخر ولا يتجاسر أحد من المسلمين أن يرفع يده نحو الفارس بهجوم أو دفاع! .
وروى أيضاً أن رجلاً من المسلمين قال له: كنت أنا ومعي سبعة عشر رجلاً في طريق فجاءنا فارس واحد من التتر وأمرنا أن يقيّد بعضنا بعضاً فشرع أصحابي يفعلون ما أمرهم فقلت لهم: هذا واحد فلم لا نقتله ونهرب؟! فقالوا: نخاف فقلت لهم: هذا يريد قتلكم الساعة فنحن نقتله فلعل الله يخلصنا فوالله ما جسر أحد أن يفعل ذلك فأخذت سكيناً وقتلته وهربنا فنجونا .
وروى عشرات القصص التي تكشف مدى الانبطاح والمهانة والخوف التي عاشه المسلمون بعد تخليهم عن الحق المشروع في الدفاع عن العرض والأرض وقبل ذلك عقيدتهم وشرفهم.
والعِبَر في هذه الحكايات مُمتدة تعكس واقعا سياسيا وإنسانيا نشهده اليوم فقد سقطت القدس يوم سقطت الأندلس وسقطت بغداد يوم سقطت القدس وسقطت صنعاء يوم سقطت بغداد.. وها هو الكيان الصهيونى لم يفوت الفرصة بحرب شاملة دمرت غزة لتصل العمليات العسكرية إلى لبنان فى سيناريو معد مسبقا.. وانهار لبنان بكل ما يعنيه الانهيار فأصبح لا يهش ولا ينش. واليوم جاء الدور على سوريا وقصف في مقر قيادة أركانه في محاولة سيطرته على المناطق المتاخمة له وبمحاولاته تقسيم سوريا وإضعافها عبر استخدام الورقة الطائفية التي فشل فيها في السابق. ولن يكون أحد بعيدا عن أيدي منفذي المخطط اللعين.. وساعتها سيتذكر الجميع عبارة أكلت يوم أكل الثور الأبيض .. الحكاية التي تعرفونها جميعا ولكن عن مغزاها غافلون..
قال إبراهيم اليازجي رحمه الله:
تَنَبَهوا وَاستَفيقوا أَيُّها العَرَب * فَقَد طَمى الخَطبُ حَتّى غاصَتِ الرُّكَبُ
فيمَ التَعلُّلُ بالآمالِ تَخدَعَكُم * وَأَنتُم بَينَ راحاتِ الفَنا سلُبُ
اللَّهُ أَكبرُ ما هَذا المَنام فَقَد * شَكاكُمُ المَهد وَاِشتاقَكُمُ الترَّبُّ
كَم تُظلمون وَلَستُم تَشتَكون وَكَم * تُستَغضَبونَ فَلا يَبدو لَكُم غَضَبُ
ألا إن الفرقة والتخاذل يضعف الأفراد ويكسِرهم ويمكّن الأعداء ويحقِّق لهم مآربهم. فمتى نفهم أننا حين ندافع عن الآخرين فنحن في الحقيقة ندافع عن أنفسنا؟.
أما آن للأمة أفراداً وشعوباً وقادةً أن يعيدوا صياغة علاقاتهم فيما بينهم بمنظور إسلامي وأن يضعوا نصب أعينهم مقولة الخليفة الحازم نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمتى ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله ..
فاللهم أبرم لهذه الأمة أمراً رشداً يُعز فيه أهل طاعتك ويُهدى فيه أهل معصيتك.. ولا حول ولا قوة إلا بك.. وصلى الله على سيدنا محمد وسلم..
حقوق النشر © 2024 أخبار اليوم الجزائرية . ة

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


إيطاليا تلغراف
منذ 6 ساعات
- إيطاليا تلغراف
شيخ الأزهر بين ضغوط الدولة ونداء الضمير: صرخة محذوفة من أجل مأساة غزة
إيطاليا تلغراف عبد الله مشنون كاتب صحفي مقيم بايطاليا في خضم واحدة من أشدّ الأزمات الإنسانية التي عرفها القرن الحادي والعشرين، خرج الأزهر الشريف ببيان غير مسبوق، يعكس موقفًا أخلاقيًا وإنسانيًا صارخًا تجاه ما يجري من تجويع وقتل جماعي ممنهج في قطاع غزة، ثم سُرعان ما سُحب البيان، في مشهد يلخص بدقة مفارقة الواقع العربي: حيث تُكتم الكلمة حين تصدح بالحق، ويُخنق الضمير حين ينهض مدافعًا عن المظلومين. المعلومة التي تسربت من أكثر من مصدر تؤكد أن جهات عليا في الدولة المصرية طلبت من شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب سحب البيان بزعم أنه 'يُربك المسار الدبلوماسي' المصري في التعاطي مع القضية الفلسطينية. ورغم أن البيان نُشر فعليًا على منصات إعلامية رسمية وشبه رسمية، إلا أنه اختفى فجأة، مع وعد بإعادة نشره بعد 'تعديلات'، وهو ما لم يتم حتى الآن. هذه الحادثة ليست هامشية، بل تختصر معضلة أعمق تعيشها المؤسسات الدينية في العالم العربي: هل ما زال يُسمح لها بلعب دورها الأخلاقي المستقل؟ أم أنها باتت ذراعًا ناعمة تُستخدم ضمن حدود ما تسمح به الحسابات السياسية الضيقة؟ الأزهر الشريف بين الأمانة الشرعية والضغط السياسي للدولة. البيان المحذوف، رغم عدم اكتمال تداوله، حمل لغة واضحة لا تحتمل التأويل. فقد وصف الجرائم التي يرتكبها الاحتلال في غزة بأنها 'إبادة جماعية مكتملة الأركان'، وأكد أن التجويع والقصف واستهداف المستشفيات والنازحين ليست سوى مظاهر منسقة لسياسة متعمدة لإبادة المدنيين. لم يكن البيان سياسيًا، بل شرعيًا وأخلاقيًا. وقد أعلن الأزهر فيه براءته أمام الله من 'الصمت العالمي المريب'، ومن 'كل من يقبل بتهجير أهل غزة أو يبرر حصارهم أو يمد المعتدي بالسلاح أو الدعم السياسي.' إنها كلمات ليست خفيفة في ميزان السياسة، لكنها جوهر رسالة المؤسسة التي يفترض بها أن تتحدث حين يصمت الآخرون. فما الداعي إذًا إلى سحب مثل هذا البيان؟ وهل أصبحت حرية الضمير مشروطة بمواقف الدولة؟ حين يُطلب من مؤسسة بحجم الأزهر أن 'تُعدل' موقفًا شرعيًا يُدين الإبادة الجماعية، فقط لأنّه قد 'يُحرج' الدولة في علاقاتها مع بعض الأطراف الدولية، فإنّنا نكون قد انتقلنا من مربع الدبلوماسية إلى مربع الخضوع التام. الأزهر الشريف ليس مؤسسة تابعة لوزارة الإعلام أو الخارجية. بل هو مرجعية روحية وعلمية، لها وزن عالمي في تمثيل ضمير الأمة. وإن كانت الحسابات السياسية تستدعي الصمت، فلا ينبغي أن يُفرَض هذا الصمت على من يحملون مسؤولية الكلمة أمام الله والتاريخ. إنّ مأساة غزة لم تعد محل جدال: آلاف القتلى، أغلبيتهم من النساء والأطفال، وملايين مهددون بالمجاعة، وسط انهيار كامل للبنى التحتية الإنسانية والطبية. الصمت هنا لم يعد موقفًا 'متوازنًا'، بل تواطؤًا ضمنيًا، مهما جرى تلميعه بشعارات الدبلوماسية. من هنا جاءت صرخة الأزهر تعبيرًا عن هذا الانفجار الأخلاقي: 'نُعلن براءتنا من كل صمت، ومن كل دعم لهذا الكيان الغاشم، ونُحمّل من يسكت أو يساند مسؤولية الدماء.' هذه ليست كلمات عاطفية، بل توصيف قانوني وإنساني دقيق، ينبغي أن يُرفع في وجه كل من يحاول تبرير الجرائم باسم التفاوض. الرسالة هنا موجهة ليس فقط إلى الجهات التي مارست الضغوط، بل إلى كل مؤسسة دينية وفكرية وثقافية في العالم العربي: حين يُطلب منكم الصمت أمام الجريمة، لا تُطيعوا. فالمؤسسات لا تُقاس فقط بحجم بناياتها، بل بقدرتها على أن تكون صوتًا للحق حين يُطلب منها السكوت. إن سحب بيان الأزهر ليس مجرد حادث عابر، بل مؤشر خطير على تمدد منطق 'تحجيم الضمير' لصالح توازنات ظرفية. والأخطر أن يُطلب من المؤسسة الدينية الكبرى أن تُلائم خطابها بما يتماشى مع 'رضا النظام' لا مع روح الشريعة. من كلمات شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب 'إن الأزهر الشريف ليبرأ أمام الله من هذا الصمت العالمي المريب، ومن تقاعسٍ دوليٍّ مخزٍ لنُصرة هذا الشعب الأعزل، ويحمِّل كل داعم لهذا العدوان مسؤولية الدماء التي تُسفك، والأرواح التي تُزهق، والبطون التي تتضوَّر جوعًا في غزة الجريحة.' إيطاليا تلغراف


إيطاليا تلغراف
منذ 7 ساعات
- إيطاليا تلغراف
الصفات القيادية في شخصية عماد الدين زنكي " انتقاء الرجال الأكفاء وتقديره لهم "
إيطاليا تلغراف بقلم الدكتور علي محمد الصلابي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين كان عماد الدين زنكي يختار الرجال الأكفاء الذين أخلصوا له وكانوا دعائم دولته، ودولة أبنائه من بعده، فقد كانت له همَّةٌ عالية، ورغبة في الرجال ذوي الرأي والعقل، ويرغبهم ويخطبهم، ويوفر لـهم العطاء. وقـال ابن الأثير: «حكى لي والدي: قيل للشهيد: إنَّ هذا كمال الدين ، ويحصل له في كل سنة ما يزيد على عشرة الاف دينار أميرية ، وغيره يقنع منه بخمسمئة دينار. فقال لهم: بهذا العقل ، والرأي تدبرون دولتي؟! إنَّ كمال الدين يقل له هذا القدر ، وغيره يكثر له خمسمئة دينار ، إن شغلاً واحداً يقوم به كمال الدين خير من مئة ألف دينار ، وكان كما قال ـ رحمه الله ـ» (1). وكان يتعهد أصحابه ، ويمتحنهم ، فقد أعطى يوماً خُشكُنانكه إلى طشت دار له وقال: احفظ هذه. فبقي نحو سنة لا يفارقه خوفاً أن يطلبها منه ، فلما كان بعد سنة سأله عنها ، فأخرجها من منديل كان لا يفارقه خوفاً من أن يطلب منه ، فاستحسن ذلك ، وجعله داراً لقلعة كواشي (2). وهي قلعة حصينة في الجبال الواقعة شرقي الموصل (3)، وكان يخطب الرجال ذوي الهمم والآراء الصائبة ، والأنفس الأبية ويوسع في الأرزاق، فيسهل عليهم فعل الجميل ، واصطناع الرجال ، ومن أسباب توفيقه: أنه كان نقاداً للرجال ، يعرف كيف يختار الأكفاء الصالحين منهم ، ويوليهم ثقته (4)، فمن هؤلاء: أ ـ بهاء الدين الشهرزوري الذي يقول عنه ابن القلانسي: وكان صاحب عزيمة وهمة نافذة ويقظة ثابتة. ب ـ ومنهم وزيره ضياء الدين أبو سعيد ابن الكفرتوثي ، وكان على ما حكي عنه: حسن الطريقة جميل العقل كريم النفس مرضي السياسة مشهوراً للنفاسة والرئاسة. ج ـ ومنهم نصير الدين جقر ، وقد كان لنصير الدين أخبار في العدل والإنصاف وتجنب الجور والاعتساف ، أخباره متداولة بين التجار والمسافرين ، ومتناقلة بين الواردين ، والصادرين من السفار ، وقد كان رأيه جمع الأموال من غير جهة حرام ، لكنه يتناولها بألطف مقال ، وأحسن فعال ، وأرفق توصل واحتيال ، فهذا محمود من ولاة الأمور وقصد سديد في سياسة الجمهور ، وهذه هي الغاية في مرضيِّ السياسة ، والنهاية في قوانين الرياسة (5). ويظهر تقديره للرجال من تولية نائبه بالموصل، فبعد مقتل نصير الدين ارتاب في من يقيمه في موضعه ، ويخلفه في منصبه، فوقع اختياره على الأمير علي كوجك، لعلمه بشهامته ومضائه في الأمور وبسالته ، فولاه مكانه، وعهد إليه أن يقتفي اثاره في الاحتياط والتحفظ ، وتتبع أفعاله في التحرز واليقظة ، وإن كان لا يغني غناءه ولا يضاهي كفاءته ومضاءه ، فتوجه نحوها ، وحصل بها وساس أمورها سياسة سكتت معها نفوس أهلها ، وبذل جهده في حماية المسالك وأمن السوابل ، وقضاء حوائج ذوي الحاجات ، ونصرة المظلومين ، فاستقام الأمر ، وحسنت بتدبيره الأحوال ، وتحققت بيقظته في أعماله الأمان (6). وكان عماد الدين الزنكي رحمه الله قليل التلون والتنقل ، بطيء الملل والتغير ، شديد العزم ، لم يتغيَّر على أحد من أصحابه مُذْ مَلَك إلى أن قتل إلا بذنب يوجب التغيُّر والأمراء ، والمقدَّمون الذين كانوا معه أوَّلاً هم الذين بقوا أخيراً من سَلِمَ منهم من الموت ؛ فلهذا كانوا ينصحونه ، ويبذلون نفوسهم له ، وكان الإنسان إذا قدم عسكره؛ لم يكن غريباً ، إن كان جندياً؛ اشتمل عليه الأجناد ، وأضافوه ، وإن كان صاحب ديوان؛ قصد أهل الديوان ، وإن كان عالماً؛ قصد القضاة بني الشَّهرزوري، فيحسنون إليه، ويؤنسون غربته، فيشعر وكأنه في أهله، وسبب ذلك جميعه: أنه كان يخطب الرجال ذوي الهمم العليَّة والآراء الصائبة والأنفس الأبية ، ويوسع عليهم في الأرزاق ، فيسهل عليهم فعل الجميل ، واصطناع المعروف (7). المصادر والمراجع: ( ) كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية، أبو شامة المقدسي، (1/159 ، 160). (2) مفرج الكروب، محمد بن سالم التميمي الحموي، (1/103). (3) الحروب الصليبية والأسرة الزنكية، شاكر أحمد أبو بدر، ص 166. (4) المصدر نفسه ص 166. (5) ذيل تاريخ دمشق، ابن القلانسي، ص 275. الحروب الصليبية والأسرة الزنكية، شاكر أحمد أبو بدر، ص 166. (6) ذيل تاريخ دمشق، ابن القلانسي، ص 172. (7) كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية، أبو شامة المقدسي، (1/163).

جزايرس
منذ 10 ساعات
- جزايرس
التواصل مع الشعوب لا يعني الاستلاب الثقافي واللغوي
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص. مراصدإعداد: جمال بوزيانالجزء الثانياللسان الأصيل يحفظ هُوية الأمة..التواصل مع الشعوب لا يعني الاستلاب الثقافي واللغويكثيرا ما تثار كتابة أسماء المؤسسات والشركات في اللوحات الإشهارية للمَحالِّ بلسان غير عربي وأيضا الأسماء والألقاب عبر مواقع التواصل الاجتماعي لفئات واسعة من الأمة العربية وقد طال ذلك التوقيعات بلسان أجنبي في الشهادات وغيرها.تطرح الأسئلة نفسها: هل يعد ذلك تبعية ثقافية أم هو من قبيل غنيمة حرب ؟ وألا يعد إهانة ثقافية ما يزال المنسلخون عن ذواتهم الحضارية يعتمدونها حتى زمن الحرية والاستقلال؟ وما الأسباب المباشرة وغير المباشرة لتلك السلوكات؟ وألا يعد طعنا في الهوية الحضارية للأمة؟ وكيف نحميها من الغزو الثقافي والتقليد الأعمى الذي عشش طويلا؟ ماذا تقترح عموما؟ وما إرشاداتك لمن يجهلون تبعات ذلك؟.///// اللغة الأجنبية في الفضاء العام الجزائري.. غنيمة حرب أم اغتراب فكري وثقافي؟أ.ياسمينة صاف اللغة العربية ككل لغات العالم هي لغة تفكير وورشة إنتاج الرؤى الحضارية المتجددة واللغة ليست مجرد تعبير عن فكر جاهز كما قد يعتقد البعض بقدر ما هي أداة تفكير وتأسيس معرفي ومركز انتاج للثقافة والفن والإبداع اللغة هي بيت الوجود على حد تعبير الفيلسوف الألماني. هذا وقد أشار هيجل أن الانسان يفكر داخل الكلمات فاللغة هي الفكر ذاته ولا يمكن الفصلMartin Hidegger بينهما.. فنحن نفكر باللغة التي نتداولها ونتشرب القيم الثقافية من خلالها ومن هنا يبرز دور اللغة في المحافظة على الهوية العربية والإسلامية ومن المفكرين الجزائريين - الذين أدركوا أهمية اللغة في الحفاظ على الفكر الإسلامي محمد بن عبد الكريم الجزائري الذي أكد على هذه الأهميةَ من خلال عنوان كتابهِ: لغة كلِّ أمة روح ثقافتها .. إنَّ القارئ لهذا الكتاب يدركُ أنَّ الثقافة جسد واللغة روحها الحية التي لولاها لصار هذا الجسدُ جثة هامدة لا قيمة دلالية لها ويشرحُ لنا صاحب الكتابِ هذه القضية أكثر فيقول: والنتيجةُ أنَّ أيَّ شعب أهمل لغتَه واستعار لغة شعب آخر فسُلوكُه وتفكيرهُ - هما الآخران - مستعاران بالدرجة الأولى ومن كان كذلك فلا شخصيةَ له ومن لا شخصيةَ له فلا ثقافة له ومَن لا ثقافة له فحظُّه في الحياة تقليدٌ أعمى أعاذنا الله منه! ولسنا بمخطئين عندما نُصَرِّحُ بأنَّ علاقة الثقافة [1باللغةِ بمنزلة علاقة الروح بالجسد [. إنَّ هذا القول المهم يكشفُ عن نقطة رئيسة فحواها أنَّ العلاقة بين اللغةِ والثقافة ليست علاقة أداة تواصل حسب رأي بعض الجاهلين بأسرار اللغة جهلًا أوتجاهلًا دفَعهم إلى التساهلِ في استبدالِ اللغة الأجنبية باللغة العربية وحجتهم في ذلك أنَّ الحياة العصريَّة تقتضي ما زعموه وقد غاب عنهم أنَّ الحياة على وجهِ العمومِ ما هي سوى سلوك وتفكير وأنَّ سلوكَ الشعوب وتفكيرهم محدودان بلغاتهم [ومرهونان في تعابيرهم [2 . إنَّ العلامة محمد بن عبد الكريم الجزائري في هذا القول يُحذِّرُ من تلكَ الدعوات الباطلة التي تنظرُ إلى اللغة العربيةِ على أنَّها مجرد وسيلة تخاطب فحسب يمكن إحلال اللغات الأجنبية محلها بدعوى أنَّ اللغة العربية لغة قديمة غير قادرة على مواكبةِ تغيُّراتِ العصر التكنولوجي جاهلين أو متجاهلين أنَّ اللغة العربية الفصحى قد اختارها اللهُ من بين جميع اللغاتِ لتكون لسان القرآن الكريم لقُدرتها العجيبة على قول ما لا تستطيع باقي اللغات قولَه بدقة وعمق أو الإحاطة بالأسرار الربانيَّةِ اللامتناهيةِ وقد سعى المستدمر قديما والاستكبار العالمي اليوم إلى محاربة اللغة العربيةِ عن طريق القوة الصلبة قديما أما اليوم فعن طريق القوة الناعمة فصارت الحرب على اللغة العربية بطرق حديثة من بينها: الدعوة إلى استخدام اللهجاتِ واللغات الهجينة والأجنبية مكان اللغة العربية الفصحى في عملية التواصل بين الأفراد و في التعليم والإدارة بدعوى أنَّ اللغة العربية الفصحى صعبة وغير عصرية وهذا الفعل المدروس الذي يرمي اللغة العربية بالعقمِ ويُشيعُ أنَّ اللغات الأجنبية حيَّة إنَّما يَهدُفُ إلى زرع عدم ثقة العرب في قوة لغتهم وهذا ما يُضعف تقدير الذات والثقة بالنفس وقطع التواصل بالعالم العربي ومن تم فقدان التوافق والانسجام بين الشعوب العربية. ان نُصرة لغة القرآن الكريم يعني إشعال جَذوةِ الأسرار الحضاريةِ اللامحدودة التي تبحث عن عقل واع ومنهجي يربط العالم العربي بحبل مقوماته الشخصية المتميزة. وقد جعل فيلسوف الحضارة مالك بن نبي مشكلة الثقافة في كتابه مشكلة الثقافة )المدخل الرئيسي للتجديد الحضاري. واللغة كما نعلم يقينا لها تأثيرها المباشر والحساس على العالم الثقافي ايجابا وسلبا خاصة والعالم الاسلامي يواجه موجات من الغزو الفكري والثقافي عن طريق العولمة بأساليب متجددة والتحديات باتت أكبر من أي وقت مضى. ومن الملاحظ في الواقع والمواقع أن كثير من المدن الجزائرية بات مألوفا أن نصادف فيها لوحات إشهارية لمَحالَّ تجارية مكتوبة بالكامل بلغة أجنبية غالبًا بالفرنسية أو الإنجليزية. كما أصبح من الدارج استخدام الشباب أسماءً وألقابًا غير عربية على وسائل التواصل الاجتماعي بل أكثر من ذلك أن تُوقّع الشهادات العلمية أو تُعدّ الوثائق الرسمية بلغة أجنبية على الرغم أن بلادنا تتبنى اللغة العربية لغة رسمية وهذا الأمر أصبح بارزا في الآونة الأخيرة بشكل يدعو للاستغراب! فهذا الغزو اللغوي في الفضاء العام يطرح تساؤلات جوهرية: هل استبدال اللغة العربية بلغات أجنبية هو تعبير عن انفتاح علمي وثقافي مؤسس واستثمار إيجابي لما تقدمه اللغات العالمية؟ أم أنه انعكاس لاغتراب فكري وبعد عن الهوية الثقافية والوطنية؟ وهل يُعدّ استمرارهذه الظاهرة ضربًا من التبعية اللغوية والثقافية أم ضرورة تفرضها العولمة؟. ففي سياق تاريخي وسياسي يرى كثير من الناس أن استعمال اللغة الأجنبية في البلدان العربية هو امتداد لإرث استدماري قديم حيث خلف الاستدمار الغربي وراءه لغته كوسيلة للهيمنة الثقافية والسياسية عن طريق استخدام لغته في أغلب الإدارات والمؤسسات. ويستشهد هؤلاء بتوصيف بعض الأدباء والمفكرين الجزائريين من بينهم عبد الله شريط ومالك حداد ومحمد أركون ومحمد ديب والمفكر مالك بن نبي للغة الأجنبية في بعض المجتمعات العربية ومن بينها الجزائر بأنها: غنيمة حرب بعضهم عدَّ هذا تبريرا لاستعمال لغة المستدمر تأثرا بالثقافة الفرنسية وآخرون رأوا فيها واقعية ثقافية تعبر عن مخلفات الاستدمار بمعنى أن النخب المحلية تبنّتها بعد الاستقلال كوسيلة للترقي الاجتماعي والاقتصادي لكن المفارقة أن هذه الغنيمة لم تكن مؤقتة بل تطورت إلى ما يشبه الهيمنة الثقافية التي أفرزت طبقة من المتعلمين والمثقفين الذين يشعرون بالتفوق لمجرد إتقانهم للغة الفرنسية ما عزز الفجوة بين العامة والنخبة وأسهم في تعميق الاغتراب الفكري واللغوي فاللغة هي وعاء الفكر والثقافة ولا يمكن اعتبار اللغة وسيلة تخاطب فحسب كما أكد العديد من العلماء وخبراء اللغة. من جهة أخرى يؤكد آخرون أن أسباب استعمال اللغة الفرنسية هي اقتصادية وتقنية بحتة فلا يمكن تجاهل أن بعض استعمالات اللغات الأجنبية مردّها إلى أسباب عملية فالشركات العالمية التي تفتح فروعها في العالم العربي ومن بينها الجزائر تفرض تسميات موحدة بلغتها الأصلية كما أن العديد من العلوم الحديثة تُدرّس بالإنجليزية أو الفرنسية وهو ما يدفع الجامعات إلى تبنّي هذه اللغات للحفاظ على جودة التعليم إضافة لذلك فإن أصحاب المشاريع التجارية الصغيرة يرون في الأسماء الأجنبية عامل جذب تجاري إذ تترك انطباعًا بالعصرية وعنوان الرقي والتقدم لكن رغم الدوافع العملية فإن انتشار اللغة الأجنبية على حساب اللغة العربية في الفضاء العام يحمل في طياته تداعيات ثقافية ولغوية ومخاطر جمّة اذا لم يتم رفع مستويات الحصانة الفكرية والأمن الفكري والحفاظ على اللغة العربية بشكل متوازن ومن أبرز هذه المخاطر:تآكل الهوية اللغوية:عند ما تُزاح العربية من الفضاء العام يُهمش دورها في تشكيل الوعي الجماعي ويتراجع حضورها في الحياة اليومية وتضعف العلاقة الوجدانية والنفسية باللغة الأم فتصبح اللغة العربية غريبة عن شعور الناس وسلوكاتهم اليومية ووجدانهم.ضعف تقدير الذات:وهي مشكلة نفسية تصيب بعض عناصر الجيل الحالي الذي أصبح يرى في لغته الأم أداة تقليدية متخلفة لا تفي بالأغراض العلمية والتجارية وفي اللغة الأجنبية رمزًا للتقدم والحداثة. والقدرة عن التعبير وحقيقة الأمر أن اللغة تنمو وتتطور بالاستعمال وتفقد القدرة على مواكبة متطلبات العصر إذا ما أهملها أبناؤها.الاغتراب الثقافي:وهذه مشكلة كبيرة حيث يتم الانفصال بين اللغة والتفكير مما يخلق فجوة داخل شخصية الفرد فيصعب عليه التعبير عن ذاته وهويته بشكل واضح ومتكامل فيصبح مغتربا ثقافيا عن المجتمع الذي يعيش فيه وهنا يكمن الخلل وقد تحدث مفكر الحضارة مالك بن نبي عن اللغة كغنيمة حرب فما هي رؤيته؟ في كتابه الصراع الفكري في البلاد المستعمَرة يقدم المفكر الجزائري مالك بن نبي وصفًا بالغ الدقة لتأثير الاستدمار اللغوي والثقافي مشيرًا إلى أن اللغة الأجنبية التي تُترك في البلاد بعد رحيل المستدمر تصبح بمثابة غنيمة حرب غير أن هذه الغنيمة كما يوضح ليست مجرد مكسب لغوي بل تحمل في طياتها تبعات فكرية خطِرة فقد قال بن نبي: لقد خرج المستعمر وبقيت لغته غنيمة حرب في يد أبناء البلد يستخدمونها كأداة للوجاهة الاجتماعية والارتقاء بينما تتراجع لغتهم الأم إلى الهامش . بهذا الطرح ينتقد ابن نبي الفئات التي تتبنى اللغة الأجنبية لا كوسيلة للعلم بل كرمز للتمايز الطبقي والترفع عن المجتمع بحجة التحضر.. إن استمرار هذا النمط يعمّق الانفصام بين النخبة وعامة الناس ويحول دون بناء مشروع حضاري شامل أصيل يعتمد على أدوات الأمة الذاتية وفي مقدمتها اللغة وبتضافر الجهود المشتركة لكل أبناءالمجتمع الواحد.ومن هنا ندرك أننا بين التوازن والقطيعة ليس المطلوب رفض استعمال اللغات الأجنبية فإتقانها أولوية لأي نهضة علمية وبناء حضاري خاصة أننا نعيش في عالم معولم فاللغات الأجنبية هي مفاتيح للعلم والانفتاح. لكن الإشكال يكمن في استخدامها بديلاً للغة العربية وليس مكملا لها.. خاصة هذا الاستعمال الهائل للغة الاجنبية في الفضاء العام الذي من المفروض أن يكون معبرا عن الهوية الوطنية والاجتماعية وعن شخصية أبناء الأمة.. ويمكن تصور نموذج ثقافي متوازن تكون فيه اللغة العربية سيدة الحضور في الفضاء العام بكل فخرواعتزاز مدعومة بسياسات لغوية حازمة تمنع استعمال لغات أجنبية في لافتات المَحالِّ التجارية والمؤسسات الإدارية والتربوية والثقافية.. في حين تُستثمر اللغات الأجنبية في ميادين البحث والعلاقات الدولية من قبل المختصين في شتى العلوم والمعارف وفي مجال التكنولوجيا بشكل عام.ومن هذا الطرح نصل إلى نقطة رئيسة فحواها أنَّ نهضتنا مقرونة بنهضة لغتنا العربية ذلك أنَّ اللغة العربية هي جسر التواصل بيننا وبين تراثنا العربي العريق الغني بأسراره الحضارية اللامتناهية وعلى رأسه القرآنُ الكريمُ الذي هو جامع أسرار العلومِ والمعارفِ وتحليلٌ شمولي لأسلوب حياة أفضل يشكِّلُ بمكنوناته اللامتناهية وقودَ حضارتنا التي لن تسير عجلتُها نحو الأمام إلا بنفحاتِ هذا النص الربانيِّ الخالد ولغته العريقة ونؤكد على أن اللغة ليست مجرد وسيلة تواصل كما يعتقد كثير من الناس بل هي وعاء للفكر و للثقافة وأداة لبناء الهوية وتعبير عفوي عن التمسك بالهوية المتميزة. والتفريط في اللغة أو تهميشها هو تفريط في الهوية والانتماء والمطلوب ليس الانغلاق أمام اللغات الأجنبية بل ترسيخ مكانة العربية في نفوس وعقول أبنائنا.ان استخدام اللغة العربية في الفضاء العام والمؤسسات المختلفة يعزز حضورها ونموها وتطورها حتى لا تتحول إلى لغة تراثية لا صلة لها بالواقع الثقافي ويُترك المستقبل لازدهار لغات الآخرين. فالأمر ليس مجرد كتابة لوحة فوق مَحالّ تجارية أو مؤسسات أو توقيع شهادة بل هو انعكاس لاختياراتنا الحضارية التي تعبر بكل تأكيد على هويتنا الدينية والوطنية وترسخ مكانة اللغة في ضميرنا النفسي والاجتماعي وعلى حد تعبير مالك بن نبي: لم تعرف البشرية شعبا تطور بغير لغته ./////حروف الآخرين على جبين مدينتنا..اغتراب لغوي في محيط عربيأ.سعاد عكوشيأولا: واقع اللغة في العالم العربيفي قلب المدن العربية من الخليج إلى المحيط تتحدث اللوحات الإشهارية بلغة غريبة عن ألسنة أهلها.. تمرّ أمام المقاهي والمَحالّ والأسواق فتقرأ أسماءً فرنسية أو إنجليزية وقد تجد في أحسن الأحوال حروفًا هجينة تجمع بين أبجديات لا تتناغم إلا في وهم أصحابها. ما عاد هذا المشهد غريبًا بل أصبح مألوفًا حتى لكأنه الأصل وكل ما عداه تقليد ممل.لكن خلف هذه المظاهر البصرية التي قد تبدو تجارية أو عصرية بريئة تختبئ إشكاليات عميقة تتعلق بالهوية والانتماء بالذات واللغة بالتاريخ والاستقلال وبالتبعية والاستلاب الثقافي. فلنسبر أغوار هذا المشهد لنفهم دوافعه مآلاته وسبل مقاومته.لم تعد اللغة الأجنبية مجرد وسيلة تواصل أو انفتاح بل تحوّلت في الذهنية العامة إلى رمز رقي و نجاح و تحضر حتى غدت الأسماء الأجنبية بطاقة عبور نحو ما يُظن أنه عالم أفضل.أمام هذه الواجهة اللغوية المستوردة تقف اللغة العربية – لغة الهوية والحضارة والقرآن – في موقع المتهم بالضعف أو على الأقل غير المؤهل للتعبير عن الحداثة والعصرنة زمن العولمة فهل يُعقل أن تصبح لغة الأمة عبئًا يتنصل منه أبناؤها؟ أم أن ما نعيشه اليوم هو إحدى تمظهرات الهزيمة النفسية والحضارية؟.ثانيًا: الأسباب المباشرة وغير المباشرةللظاهرة أسباب كثيرة مباشرة وغير مباشرة أهمها:الإرث الاستدماري فالكثير من الدول العربية عاشت تحت الاحتلال الغربي ولم يكن ذلك استدمارًا سياسيًا فقط بل ثقافيًا ولغويًا أيضًا. فقد تم فرض لغة المستعمر في التعليم والإدارة والاقتصاد وترسيخها بوصفها لغة العلم و العقلانية . بعد الاستقلال لم يتم تفكيك هذا الإرث بل استُبقي ضمنًا واستمر تأثيره في البنية المجتمعية والرمزية.الفراغ التربوي والتاريخي : إذ نشأت أجيال عربية كثيرة على جهل بتاريخها الحضاري دون أن تتلقى تربية لغوية تنمّي الاعتزاز بالذات تغيب مواد الهوية عن مناهج التعليم ويكاد الطفل العربي لا يسمع بإنجاز علمي أو فكري عربي إلا عرضًا بينما يُحتفى بالغرب ومنجزاته دون وعي نقدي.الاقتصاد والسوق والإشهار حيث ارتبطت اللغة الأجنبية غالبًا بعالم المال والأعمال لأن السوق تميل لما تعتقد أنه أكثر جذبًا واللغة الأجنبية – في المخيال العام – تعني فئة مستهلكة أعلى أو صورة أرقى . وهنا تتماهى المصالح الاقتصادية مع الصورة النمطية فتترسخ الظاهرة أكثر.هيمنة المحتوى الرقمي الأجنبي وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية تدفع باتجاه استخدام أسماء أجنبية لكون الأنظمة مهيأة لذلك أو لأن المحتوى الذي يُستهلك أساسًا بلغة أجنبية. يختار كثير من المستخدمين أسماء مستعارة أجنبية ويوقّعون رسائلهم بحروف لاتينية ظنًّا أن ذلك أكثر عصرية.تقليد سطحي بلا وعي: وهو أخطر الأسباب وهو ما يُعرف ب اللاوعي المقلِّد حيث يُعاد إنتاج السلوك لمجرد أنه متداول دون تحليل أو فهم. هي ذهنية القطيع في أضعف صورها حيث تتكرّر أنماط التغريب في التسمية والإشهار والظهور دون أن يتوقف أصحابها للسؤال: لماذا أفعل ذلك؟ وماذا يعني أن أكون ناطقًا بلغة غيري في بلدي؟.أجد ما يحدث إهانة ثقافية مقنّعة فاللغة ليست مجرد أداة بل هي مخزن الذاكرة وحاملة القيم وحين تُقصى اللغة العربية من فضائها الطبيعي فإن ذلك لا يُفهم إلا إقصاءً لما تمثله من هوية وانتماء. إن استبدال الأسماء العربية بأجنبية – خصوصًا حين يكون المتلقي عربيًا – لا يُعد خيارًا تجاريًا بريئًا بل تعبيرًا عن إحساس خفي بالدونية واعتقاد ضمني بأن لغة الآخر أقوى وأن الانتماء للذات ضعف .ولعلّ الخطر الأكبر أن تتحول هذه الممارسات من ظواهر معزولة إلى بديهيات ثقافية لا تُناقش ويتربّى عليها الجيل الجديد حينئذ يصبح التنازل عن اللغة تنازلًا عن الحضارة بل عن الحق في الانتماء.رابعًا: الغزو الثقافي بصورته الناعمةنحن اليوم لا نُستعمر بالسلاح بل بالأفكار الناعمة.. الغزو الثقافي لا يقرع الأبواب بل يتسلل عبر اللغة والمصطلح والموضة والمحتوى وشكل التسمية. حين يتخلى التاجر عن العربية في اسم محله وحين يوقع الطالب العربي بالإنجليزية في شهادة تخرجه وحين يسمّي أحدهم شركته بلغة المستدمر القديم فهو – عن قصد أو جهل – يعيد إنتاج الاستدمار بصيغة جديدة.وهكذا يتحقق هدف الاستدمار دون إطلاق رصاصة واحدة: أن يرى العربي ذاته أقل ولغته أضعف وتاريخه هامشيًا.لذلك يتعين علينا إعادة الاعتبار للغة العربية في كل ركن وزاوية وترسيخها في العقول والقلوب وذلك بما يأتي:إعادة الاعتبار للغة العربية.فرض اللغة العربية في الإشهار والتراخيص الرسمية.دعم مبادرات الترجمة وتعريب المصطلحات التقنية.إحياء الفخر باللغة لا من باب التعصب بل بوصفها لغة حضارة وفكر.تربية لغوية منذ الصغر.إدراج مواد عن تاريخ اللغة العربية ودورها الحضاري في المناهج.تدريب الأطفال على الكتابة الإبداعية بالعربية وتذوق جمالياتها.تشجيع الإبداع بلغتنا.تشجيع العلامات التجارية التي تستخدم العربية بأناقة ورقي.تنظيم مسابقات لاختيار أفضل تسمية عربية للمشاريع الناشئة.نقد النموذج المقلّد.كشف هشاشة النموذج الذي يرى في الأسماء الأجنبية رمزًا للنجاح.تقديم دراسات تبين أن عدّة شركات عالمية غير غربية نجحت بأسمائها المحلية مثل: ( سامسونغ سوني هواوي ).إنتاج محتوى مرئي وإشهاري بجودة عالية باللغة العربية.أيها التاجر أيها الشاب أيتها الفتاة.. إن استخدامك للغة أجنبية في غير سياقها خاصة في فضائك العربي ليس حيادًا بل هو موقف واعلم أن الأسماء ليست مجرد حروف بل هي رسالة تُبثّ للعالم وإعلان عن هويتك وموقعك الحضاري.أنت عند ما تختار اسمًا أجنبيًا لصفحتك أو متجرك فإنك تُسقط دون وعي جزءًا من ذاتك وتقدم نفسك بلغة ليست لغتك لمن لا ينتظرها فهل ترضى أن تعيش على حافة وجودك وتنتحل صورة ليست صورتك؟. أخيرا نحن في زمن العولمة وزمن تواصل الشعوب.. ولكن العولمة لا تعني الذوبان ولا التواصل يعني الاستلاب يمكن أن نتعلم لغات الآخرين بل يجب لكن من موقع الندّ لا من موقع التابع فلنُجدّد علاقتنا باللغة لا بوصفها أداة بل باعتبارها قلب الهوية وروح الوجود. ولنكتب أسماءنا – نحن – بأحرفنا وبفخر.