
ترامب آثر السلامة في اليمن.. ونتنياهو في مأزق!
لو أن أهل الحل والعقد في العالم، استمعوا إلى صوت العقل الذي يمثله الرئيس عبد الفتاح السيسي، لأراحوا واستراحوا، ولنعم الشرق الأوسط بالأمن والسلام، وهو القائل بأن مفتاح وقف إطلاق الصواريخ والمسيرات الحوثية على مدن إسرائيل، ومنع تهديد الملاحة في البحر الأحمر، هو بإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، وإدخال المساعدات إلى أهل القطاع.. بل إنه من أكد، غير مرة، أن السلام العادل والشامل، لن يتحقق إلا بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وفقًا لمقررات الشرعية الدولية، وأن ذلك وحده، هو الضمان الحقيقى، لإنهاء دوائر العنف والانتقام، والتوصل إلى السلام الدائم.. وضرب مثلًا، بالسلام بين مصر وإسرائيل، الذى تحقق بوساطة أمريكية، والذي يشهد التاريخ، بأنه نموذج يحتذى به، لإنهاء الصراعات والنزعات الانتقامية، وترسيخ السلام والاستقرار.. وأعلنها تكرارًا، (إن السلام العادل، هو الخيار الذى ينبغى أن يسعى إليه الجميع.. ونتطلع إلى قيام المجتمع الدولى، وعلى رأسه الولايات المتحدة، والرئيس ترامب تحديدًا، بالدور المتوقع منه فى هذا الصدد).. وتدور الأيام دورتها، ليتأكد العالم، بأن ما تقوله مصر هو الصواب، لأنها تنطق به دون غرض أو طمعًا في عرض.
وأمس، وبعد معارك ضارية، يعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أن الولايات المتحدة ستوقف قصف الحوثيين في اليمن، قائلًا إن الجماعة المتحالفة مع إيران وافقت على التوقف عن تعطيل ممرات الشحن المهمة في الشرق الأوسط.. وبعد أن أصدر ترامب إعلانه، قالت سلطنة عمان إنها توسطت في اتفاق وقف إطلاق النار، مما يمثل تحولًا كبيرًا في سياسة الحوثيين منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023.. وبموجب الاتفاق، لن تستهدف الولايات المتحدة أو الحوثيين أي طرف آخر، بما في ذلك السفن الأمريكية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.. لم يذكر البيان الصادر من عُمان، ما إذا كان الحوثيون قد وافقوا على وقف الهجمات على إسرائيل.. إلا أن رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين في اليمن، مهدي المشاط، قال بأن الجماعة ستواصل دعم غزة، وأن مثل هذه الهجمات ستستمر.. ونقلت قناة (المسيرة) التابعة للحوثيين عنه، (إلى كل الصهاينة من الآن فصاعدًا، ابقوا في الملاجئ أو غادروا إلى بلدانكم فورًا.. فلن تستطيع حكومتكم الفاشلة حمايتكم بعد اليوم).. وقال رئيس اللجنة الثورية العليا للحوثيين في اليمن، محمد علي الحوثي، إن وقف الولايات المتحدة (للعدوان) على اليمن سيتم تقييمه.
قال ترامب عن الحوثيين، خلال اجتماع في المكتب البيضاوي مع رئيس الوزراء الكندي، مارك كارني، (قالوا لي: من فضلكم، توقفوا عن قصفنا، ولن نهاجم سفنكم.. وسأقبل بوعدهم، وسنوقف قصف الحوثيين فورًا)، ولم يذكر ترامب، ما إذا كانت بريطانيا وافقت أيضًا على وقف إطلاق النار.. وقد لاقى الاتفاق الحوثي ـ الأمريكي ترحيبًا من دول عربية في الخليج، أعربت عن أملهما في أن تضمن هذه الخطوة حرية الملاحة في البحر الأحمر، بعد شهور، أطلق فيها الحوثي النار على إسرائيل وعلى الشحن في البحر الأحمر، منذ أن بدأت إسرائيل هجومها العسكري ضد حماس في غزة، بعد الهجوم الذي شنته الجماعة الفلسطينية المسلحة على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023.. وقال الجيش الأمريكي، إنه ضرب أكثر من ألف هدف منذ بدء عمليته الحالية في اليمن، المعروفة باسم عملية (راف رايدر)، في الخامس عشر من مارس الماضي، أسفرت عن مقتل (مئات المقاتلين الحوثيين وعدد كبير من قادة الحوثيين)، كما يؤكد الجيش الأمريكي.
ومن نافلة القول هنا، أن إسرائيل مصدومة من إعلان ترامب وقف قصف اليمن، كما قالت (القناة 12) العبرية، التي ذكرت أن (ترامب يعلن وقف ضرباته) على اليمن، ولم يقل إنه مستمر بحماية إسرائيل من ضرباتهم).. وأكدت أن المستوى السياسي في إسرائيل تفاجأ بكلام ترامب، سواء فيما يتعلق باليمن، أو فيما يتعلق بـ (المفاجأة الكبرى التي سيعلنها قبل زيارته للشرق الأوسط الأسبوع القادم)، والتي قال عنها ترامب، (لن أكشف عنها وهي إيجابية للغاية).. وأشارت إلى أن المستوى السياسي في حيرة من أمره الآن، ويحاول فهم ما يعنيه الرئيس الأمريكي، خصوصًا وأن أمريكا لم تُخطر إسرائيل مسبقًا بإعلان الهدنة مع أنصار الله في اليمن، (تل أبيب لم تكن على علم بقرار ترامب بشأن الحوثي.. الرئيس الأمريكي فاجأهم).. وقالت صحيفة (يسرائيل هيوم)، إنه من المتوقع أن يصدر البيت الأبيض توضيحًا خلال الساعات المقبلة، بشأن وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة والحوثيين، ويزال من غير الواضح، ما إذا كانت إسرائيل مشمولة بالاتفاق الذي أعلنه ترامب، من أن واشنطن ستوقف الضربات على اليمن، (لقد استسلموا للولايات المتحدة، ويقولون إنهم لن يهاجموا السفن.. الحوثيون قالوا البارحة إنهم لم يعودوا يريدون القتال وهذه أخبار جيدة، سنتوقف فورًا عن الضربات الجوية في اليمن، أقبل كلمة الحوثيين بأنهم سيوقفون هجماتهم، وقررنا وقف قصفنا بشكل فوري).
●●●
في عهد إدارة الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن، بدأت الولايات المتحدة وبريطانيا، في الثاني عشر من يناير 2024، شن ضربات جوية ضد أهداف الحوثيين، فيما عُرف وقتها بعملية (حارس الازدهار)، في محاولة لإبقاء طريق التجارة الحيوي في البحر الأحمر مفتوحًا، وهو الطريق الذي يمر عبره نحو 15% من حركة الشحن العالمية.. وبعد تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة في يناير الماضي، قرر تكثيف الغارات الجوية ضد الحوثيين بشكل ملحوظ.. وجاءت هذه الحملة، بعد أن أعلن الحوثيون استئناف هجماتهم على السفن الإسرائيلية المارة عبر البحر الأحمر وبحر العرب ومضيق باب المندب وخليج عدن.. وفي الثامن والعشرين من أبريل، ضربت غارة جوية أمريكية مُشتبه بها، مركزًا للمهاجرين في اليمن، وقالت قناة الحوثي التلفزيونية، إن ثمانية وستين شخصًا قتلوا في واحدة من أعنف الهجمات، خلال ستة أسابيع من الضربات الأمريكية المكثفة.
بدأ الرئيس ترامب ولايته الثانية في البيت الأبيض، واعدًا بفك ارتباط الجيش الأمريكي بحروبه الباهظة والممتدة في الشرق الأوسط.. إلأا أنه وبعد ثلاثة أشهر، ينخرط في نفس النوع من الحملات العسكرية المفتوحة التي أزعجت أسلافه، والتي تحمل في طياتها احتمال اندلاع حرب أوسع نطاقًا مع إيران.. وفي مهمة مثيرة للجدل لوقف هجمات الحوثيين من اليمن على السفن التجارية في البحر الأحمر، يحشد الجيش قوة نيران في المنطقة.
تفاصيل حساسة كشف عنها وزير الدفاع، بيت هيجسيث، في محادثة ثانية غير محمية عبر (سيجنال)، وهو ـ أي ي هيجسيث ـ الذي شرف على عملية استعادة حركة المرور المنتظمة عبر الممر البحري، الذي يربط المحيط الهندي بالبحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس، وقد دفعت إدارة ترامب إلى دوامة باهظة، قد تتصاعد، ويصعب معها إخراج القوات الأمريكية يومًا بعد يوم.. مجموعتان ضاربتان لحاملة طائرات، تبلغ تكلفة تشغيل كل منهما حوالي 6.5 مليون دولار يوميًا، متمركزتان الآن قبالة ساحل اليمن.. نفذت قاذفات بي-2 التي تتجنب الرادار، والتي صُممت لشن هجمات خاطفة على الاتحاد السوفييتي، وتكلف حوالي تسعين ألف دولار لكل ساعة طيران في غارات جوية.. في الشهر الأول من العملية، أسقطت هذه القاذفات، إلى جانب عشرات الطائرات المقاتلة والطائرات بدون طيار، ذخائر تزيد قيمتها عن 250 مليون دولار.. تطلق البحرية صواريخ اعتراضية مضادة للصواريخ، والتي يمكن أن تكلف حوالي مليوني دولار، لتدمير طائرات الحوثي بدون طيار والصواريخ، والتي يمكن أن تكلف بضعة آلاف من الدولارات لكل منها.. وبلغت تكلفة العملية العسكرية في اليمن، أفقر دولة في الشرق الأوسط، ملياري دولار في مايو، وفقًا لمساعدي الكونجرس.
وقعت إحدى أعنف هجمات الحملة الأسبوع الماضي، عندما قصفت الولايات المتحدة محطة نفطية، وأسفرت عن مقتل أربعة وسبعبن شخصًا على الأقل، وفقًا للحوثيين.. في اليوم التالي، أسقط الحوثيون طائرة مسيرة من طراز MQ-9 Reaper بقيمة ثلاثين مليون دولار، لنضم إلى العديد منها، تم إسقاطها منذ بدء المهمة في مارس.. أظهرت الغارات الجوية، التي تُسمى عملية (الراكب الخشن)، أن الولايات المتحدة لم تُرسخ بعد سيطرتها الجوية على اليمن، على الرغم من مئات الغارات الجوية التي تُعرّض الطيارين للخطر أثناء شنّهم هجمات روتينية ضد قوات ميليشيا الحوثي.
دافعت البحرية الأمريكية عن سفنها التجارية ضد مئات الطائرات المسيرة والصواريخ الحوثية، منذ أن بدأت الجماعة المدعومة من إيران هجماتها البحرية في نوفمبر 2023 تضامنًا مع الفلسطينيين في غزة.. أغرق الحوثيون سفينتين تجاريتين أجنبيتين العام الماضي، مما أسفر عن مقتل أربعة بحارة على الأقل، وأدت الهجمات إلى ارتفاع تكاليف النقل، حيث اختارت أكبر شركات الشحن في العالم إعادة توجيه رحلاتها حول الطرف الجنوبي لإفريقيا، عبر طريق رأس الرجاء الصالح.. ومع ذلك، لا يمر عبر البحر الأحمر سوى حوالي 12% من التجارة العالمية سنويًا، ونسبة أقل من التجارة الأمريكية.. فهل يستدعي هذا إنفاق مليارات الدولارات، والمخاطرة بالتأهب العسكري في مناطق أخرى، وتعريض حياة أفراد الخدمة الأمريكية للخطر؟.
رأي الخبراء، أنه في حين حققت القوات والأسلحة الوافدة حديثًا انتصارات تكتيكية في اليمن، فإن استعادة النشاط البحري الروتيني في البحر الأحمر ستكون شبه مستحيلة، دون إبعاد الحوثيين عن السلطة على طول الساحل الغربي للبلاد.. فالحوثيون، في نهاية المطاف، يتعرضون للقصف منذ أكثر من عقد.. وتناوبت المملكة العربية السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة ـ في عهد ثلاثة رؤساء أمريكيين ـ على قصف الميليشيات جوًا.. وشن السعوديون ما يُقدر بخمسة وعشرين ألف غارة جوية على الحوثيين على مدى سبع سنوات، كجزء من حملة أسفرت عن مقتل ما يُقدر بـ 377 ألف شخص في اليمن.. إلا أن سيطرة الحوثيين على الساحل أثبتت صمودها، ويعود الفضل في ذلك إلى حد كبير، إلى استمرار الدعم المالي وشحنات الأسلحة من طهران.
ترامب، كغيره من الرؤساء طوال الحرب العالمية على الإرهاب، مخطئ في افتراضه، أن التفوق العسكري الساحق سيُفضي إلى نهاية سريعة وحاسمة.. ونظرًا لعجزه عن دحر الحوثيين بالقوة الجوية وحدها، سيواجه قريبًا نفس القرار الخاسر الذي أربك أسلافه في الشرق الأوسط: التراجع أو التصعيد.. وقد أفادت التقارير أن القوات اليمنية، التي تسعى لاغتنام فرصة الغارات الجوية الأمريكية، تخطط لغزو بري ضد الحوثيين.. ودرست الإدارة الأمريكية دعم الميليشيات، التي تدعمها الإمارات العربية المتحدة بالفعل، وهي خطوة من شأنها أن تتفاقم على الأرجح، وتتحول إلى صراع واسع ومطول كالذي كرر ترامب أنه يسعى لتجنبه.. وصرح برايان هيوز، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، في بيان مكتوب، بأن الإدارة (لن تُطلع على أي خطط أو تكتيكات تتعلق بكيفية دفاعنا عن المصالح الأمريكية في البحر الأحمر من الإرهابيين الحوثيين).. وأضاف أن الأمن في البحر الأحمر مسئولية (شركائنا في المنطقة، ونحن نعمل معهم عن كثب) لضمان حرية الملاحة.
سعى ترامب أيضًا إلى توجيه رسالة إلى إيران: كبح جماح الحوثيين وبرنامجكم النووي المتوسع، وإلا.. تمنحه المحادثات النووية بين واشنطن وطهران، التي تمت في عُمان، أفضل فرصة لتحقيق كلا الهدفين. كما أن لديه فرصة لإحداث نقلة نوعية في العلاقات العامة، والحصول على صفقة أفضل مما فعل الرئيس الأسبق باراك أوباما، من خلال تضمين تصرفات وكلاء إيران ـ مثل الحوثيين وحزب الله وحماس ـ والتي فشل أوباما في معالجتها في اتفاقه النووي التاريخي لعام 2015 مع إيران.. لكن ترامب رفض، حتى الآن استبعاد إمكانية توجيه ضربة عسكرية للبنية التحتية النووية الإيرانية، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق.. وقد أصبح التهديد الآن أكثر خطورة مع تزايد وجود القوات والمعدات في المنطقة.
أصرت واشنطن على أن المهمة ضد الحوثيين (تضع المصالح الأمريكية في المقام الأول).. كشفت سجلات دردشة (سيجنال) التي نشرتها مجلة (ذا أتلانتيك) الشهر الماضي، عن شكوك نائب الرئيس، جيه دي فانس، بشأن العملية.. كتب في الرابع عشر من مارس، أي قبل يوم من بدء الضربات: (أعتقد أننا نرتكب خطأً).. انتقد مسئولون كبار آخرون المهمة علنًا عندما وجّه الرئيس جو بايدن، بدلًا من رئيسهم، عددًا أقل من الضربات في اليمن.. صرّح مايكل والتز، مستشار الأمن القومي السابق لترامب، لصحيفة (بوليتيكو) في أغسطس الماضي، (نحن ننفق عشرات المليارات من الدولارات، على ما يُعادل في الواقع مجموعة من الإرهابيين الذين يعملون بالوكالة عن إيران).. وأعرب إلبريدج كولبي، وكيل وزارة الدفاع لشئون السياسات، عن رأي مماثل قبل بضعة أشهر.. وكتب في منشور على موقع X في يناير 2024، (إنها علامة حقيقية على مدى انحراف سياستنا الخارجية عن مسارها الصحيح، أن نشن الآن هجمات عسكرية مستمرة في اليمن ـ اليمن! ـ دون أي أمل حقيقي في فعاليتها).
ولطالما دافع كولبي، كغيره من أعضاء الإدارة في البيت الأبيض، عن تحويل الولايات المتحدة اهتمامها عن الشرق الأوسط وإعادة التركيز على الصين ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ.. ولعلّ المفارقة لم تغب عنه إذًا، إذ إن جزءًا كبيرًا من الترسانة المتراكمة حول اليمن سُحب من آسيا، حيث وسّعت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة قواعدها العسكرية ونقلت أسلحةً، تحسبًا لصراع محتمل مع بكين.. هذا الشهر، قال الأدميرال البحري، صموئيل بابارو، المشرف على القيادة الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، أمام الكونجرس، بأن كتيبة كاملة من نظام الدفاع الصاروخي باتريوت التابع للجيش الأمريكي، نُقلت مؤخرًا من اليابان وكوريا الجنوبية إلى الشرق الأوسط.. إن ذلك استلزم ثلاثة وسبعبن رحلة شحن جوية.
هنا، مرة أخرى، تتعارض مهمة اليمن مع الأهداف المعلنة للإدارة في واشنطن.. صرّح هيجسيث لحلفائه الآسيويين، بأن الولايات المتحدة ستركز على كفاحهم ضد العدوان الصيني.. وقال في مؤتمر صحفي عُقد في مانيلا في الثامن والعشرين من مارس، (ما ستفعله إدارة ترامب هو تحقيق أهدافها، أي إعطاء الأولوية الحقيقية والتوجه نحو هذه المنطقة من العالم بطريقة غير مسبوقة).. فترامب، هو أحدث قائد عام يصل إلى البيت الأبيض، واضعًا نصب عينيه الصين، لكنه يُغيّر مساره.. سيظل النجاح الاستراتيجي طويل الأمد في الشرق الأوسط بعيد المنال، إذا لم يقترن بجهود دبلوماسية وسياسية مكثفة.. إذا تعلمنا شيئًا خلال ربع قرن منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فهو أن الرئيس لا يستطيع التخلص من مشكلة ما بالقصف.. وهو ما عاد ترامب إلى الإيمان به، وجنح إلى السلم مع الحوثيين في اليمن، سبيلًا لتحقيق أهداف مجموعته الضاربة MAGA، بأن (أمريكا أولًا)!!.
●●●
وفقًا للبيان العماني، فإن الاتفاق بين الولايات المتحدة عن وقف ضرباتها ضد جماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن، يضمن سلامة السفن الأمريكية وليس كل السفن من ضربات الحوثيين، كما أنه لا ينص على وقف ضرب إسرائيل من الأراضي اليمنية.. ولعل هذا ما دفع إسرائيل لإبداء استغرابها من الإعلان الأمريكي، بل إن هيئة البث الإسرائيلية نقلت عن مسئولين إسرائيليين، أنهم (فوجئوا بإعلان ترامب).. كما نقل موقع أكسيوس عن مسئول إسرائيلي كبير، أن واشنطن (لم تخطر تل أبيب بهذه الخطوة).. وبغض النظر عن تفاصيل الاتفاق، فإنه يكشف عن اتساع الفجوة بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ويظهر تحوّلا نسبيا في الموقف الأمريكي من النزاع بين إسرائيل والحوثيين.. كما يؤكد الاتفاق، أن ترامب ليس خاضعًا لنتنياهو كما كان الرئيس السابق جو بايدن، وأنه يضع الحسابات الأمريكية الداخلية نصب عينيه وهو يتعامل مع ملفات المنطقة.. والسبب في ذلك، أن ترامب مدعوم بقوة من تيار MAGA، الذي يتبنى العزلة التامة في السياسة الخارجية، والخروج من النزاعات في الشرق الأوسط لتقليل الكُلفة الاقتصادية.. لذلك، فإن هذا الاتفاق يُظهر، أن ترامب لا يتجاهل الحسابات الداخلية وهو يتعامل مع نتنياهو، الذي يحاول بوضوح توريط الولايات المتحدة في حرب مع إيران، خصوصًا وأنه تزامن مع تصعيد إسرائيلي كبير ضد اليمن، ضربت الطائرات الإسرائيلية خلاله ميناء الحديدة ومطار صنعاء.
الأهم من ذلك، أن الاتفاق الأخير يُظهر التباين الكبير في الموقف من إيران، التي يريد ترامب منعها من امتلاك سلاح نووي فقط، في حين يريد نتنياهو ضربها وإسقاط نظامها السياسي بالكامل.. لذلك، فإن نتنياهو يقف بين خيارين بعد هذا الاتفاق المفاجئ، وهما: أن يتماهى مع سياسة ترامب، أو الدخول في صدام معه، وهو أمر يتضح في تعامله مع غزة الذي لا يسير على هوى الرئيس الأمريكي.. والأخطر، أن هذا الاتفاق قد يكون مقدمة لاتفاق نووي مع طهران، لا يلبي السقف الأمني لتل أبيب، المتمثل في تدمير برنامج طهران النووي، ودون ترتيب معها، لأن هذا سيكون بمثابة سابع من أكتوبر جديد بالنسبة لنتنياهو، وسيعجل بانهياره السياسي.. كما يشي الاتفاق مع الحوثيي، بإمكانية تحول الموقف الأمريكي من ملفات أخرى في المنطقة مثل سوريا، واتخاذ قرارات بشأنها دون مشاورة تل أبيب.. وهو يكشف أيضًا التباين بين نتنياهو، الذي يعتبر الحسم العسكري هدفًا، وترامب الذي يعتبره وسيلة لإبرام اتفاقات.
بعد هذا الاتفاق، ستتقلص قدرة إسرائيل على التحرك في الإقليم، لأن الولايات المتحدة لا تمنعها من فعل ما تريد في فلسطين، لكنها لن تسمح لها بفعل ما تريد في إيران مثلًا.. ستكون إسرائيل وحيدة لأول مرة في مواجهة الحوثيين، الذين تعجز عن صد صواريخهم وتواجه مشكلة استخبارية معهم، كما أنها ستكون مضطرة لضربهم كلما أطلقوا صاروخًا أو مسيرة عليها، تفعيلًا لعقيدتها الأمنية، وهو أمر كانت تقوم به أمريكا قبل هذا الاتفاق.
●●●
■■ وبعد..
فإن الخلاصة المهمة، التي يجب الوقوف أمامها.. أن الاتفاق لا يمثل انتصارًا لترامب، الذي لم ينجح في إعادة الملاحة بشكل عام، وإنما الملاحة الأمريكية فقط، ولا للحوثيين الذين قدموا تنازلًا، باستثنائهم سفن واشنطن من أي هجمات بما فيها المتجهة لإسرائيل أو القادمة منها.. كما أن الاتفاق يعني فراقًا بين الولايات المتحدة وإسرائيل، لأن المصلحة الأمنية الإسرائيلية (لا تزال تمثل أولوية أمريكية)، لكنه (يعكس طريقة مختلفة في التعامل مع نتنياهو، المُطالب بالتعامل مع ترامب كما يتعامل موظف مع رئيسه).. لكن كلا الطرفين ـ واشنطن والحوثي ـ حقق أهدافًا من هذا الاتفاق.. خرجت الولايات المتحدة من مأزق الضربات العسكرية التي لم تحقق ما أعلنه ترامب في السابق.. وتخلص الحوثيون أيضًا من هذه الضربات التي أضرت بهم كثيرًا، واحتفطوا بحقهم في توجيه ضربات لإسرائيل، مع ضمان عدم رد الولايات المتحدة على هذه الضربات.. لذلك، فإن إسرائيل ستواجه أزمة في التعامل مع الحوثيين بعد هذا الاتفاق، لأنهم لن يوقفوا هجماتهم على الأرجح، حتى يحافظوا على مصداقية انحيازهم لفلسطين، ولأن الولايات المتحدة لن تتدخل مجددًا لردعهم، وقد تسحب حاملة طائراتها من المنطقة.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


وكالة نيوز
منذ 15 دقائق
- وكالة نيوز
مرشح مكافحة الإرهاب جو كينت تحت التدقيق حيث تظهر رسائل البريد الإلكتروني أنه دفع لإعدادات لتقييم الاستخبارات
يخضع مرشح الرئيس ترامب لرئاسة المركز الوطني لمكافحة الإرهاب ، حيث تُظهر رسائل البريد الإلكتروني أنه ضغط على كبار محللي الاستخبارات لتعديل تقييم الروابط بين الحكومة الفنزويلية والعصابة الجنائية ، ترين دي أراغوا ، والمعروفة باسم TDA ، لمحاذاة التقييم بشكل أوثق مع سياسات إدارة ترامب وتشمل المراجع التي تنتقد برامج الهجرة في عصر بايدن. طلب رسائل البريد الإلكتروني التي حصل عليها CBS News Joe Kent ، الذي يعمل حاليًا منصب رئيس الأركان لمدير الاستخبارات الوطنية Tulsi Gabbard ، إلى 'إعادة كتابة' من مذكرة حول الموضوع الذي تألفه مجلس الاستخبارات الوطنية ، وهو فريق من الخبراء في مكتب مدير المخابرات الوطنية التي تنتج تقييمات عالية المستوى للاستخدام من قبل Policymakers. بعد أن اتصلت CBS بمكتب مدير الاستخبارات الوطنية للتعليق ، عرض متحدث باسم مشاركة مجموعة مختارة من تبادل البريد الإلكتروني الذي تم رفعه جزئيًا في Kent إذا تم نشره بالكامل. تم تصنيف ملف ODNI ، 'تمت الموافقة عليه للإفراج العام من قبل ODNI في 16 مايو 2025.' ليس من الواضح مدى شمولية أو انعكاس مجمل المداولات حول التقييم الذي تم إصداره للبريد الإلكتروني الذي تم إصداره بواسطة ODNI. اقرأ تبادل البريد الإلكتروني الذي أصدرته ODNI هنا: ملف ODNI 1 و ملف ODNI 2. في يوم الخميس ، نشرت Kent شخصيًا بيانًا عن X يدافع عن أفعاله ، وكتب ، 'يشرفني أن أقوم بدوري'. تؤكد المذكرة النهائية ، المؤرخة في 7 أبريل ، أن نظام مادورو في فنزويلا 'ربما ليس لديه سياسة للتعاون مع TDA ولا يوجه حركة TDA إلى العمليات والعمليات في الولايات المتحدة.' تم رفع السرية عن التقييم في وقت لاحق وإصداره علنًا في 5 مايو ، بعد طلب قانون حرية المعلومات من قبل مؤسسة حرية الصحافة. مسألة ما إذا كانت حكومة فنزويلا تسيطر على TDA في مركز النزاعات القضائية تحيط بقدرة إدارة ترامب على ترحيل أعضاء العصابات المشتبه بهم في ظل نادراً ما تستخدم قانون الأعداء الأجنبيين عام 1798. الرئيس ترامب استدعاء الفعل في إعلان في مارس ، يعينون بفعالية أعضاء العصابات المشتبه بهم كأعداء في زمن الحرب في حكومة الولايات المتحدة. بعد فترة وجيزة من توقيع الإعلان ، استخدمت الإدارة الفعل ل إزالة 137 الفنزويلي إلى سجن في السلفادور. وكتب كينت في 3 أبريل ، باستخدام اختصاصات للإشارة إلى مدير الذكاء الوطني ، ' من المحتمل أن يشير 'المنتج الأسلاك' إلى منصة اتصالات آمنة وتبادل المعلومات المستخدمة في مجتمع الاستخبارات الأمريكي. في البريد الإلكتروني في 3 أبريل ، انتقدت Kent مسودة مذكرة من IC – مجتمع الاستخبارات – لقيادتها مع 'التحدث الضعيف الذي يقول أنه لا يمكننا إثبات ذلك من خلال تدخين Gun Intel أن حاكم الوني توجه TDA ، مما يجعل الأمر يبدو وكأنه حاكم الوني لا علاقة له بـ TDA' ، وفقًا لنصها. وأضاف في وقت لاحق: 'قضية رئيسية أخرى لدي مع التحليل في هذه المقالة هي عدم وجود سياق حول حالة سياسة الحدود والهجرة لدينا على مدار السنوات الأربع الماضية.' 'أنا أفهم أن البعض قد ينظر إلى هذا على أنه سياسي ولكنه ليس كذلك ، إنها حقيقة بسيطة يمكن التحقق منها لا يمكننا التغاضي عنها' ، كتب. وكتب كينت: 'المضي قدمًا ، نحتاج إلى تنفيذ التغييرات أعلاه ودمج تقييم مكتب التحقيقات الفيدرالي لعلاقة TDA مع Gov في المقدمة ، ثم انتقل إلى بقية المستند'. يلاحظ وجهة نظر مكتب التحقيقات الفيدرالي ، الذي يظهر في الصفحة 2 من المذكرة النهائية ، أن محللي المكتب 'يتفقون' مع تقييم مجتمع الاستخبارات الأوسع بأن حكومة مادورو لا توجه حركة TDA ولكنها تقييم ' بعض يسهل مسؤولو الحكومة الفنزويلية هجرة أعضاء TDA من فنزويلا 'بهدف زعزعة استقرار الولايات المتحدة والحكومات الأخرى. يلاحظ تقييم مجتمع الاستخبارات 'معظم قضاة IC أن الاستخبارات التي تشير إلى أن قادة النظام يقومون بتوجيه أو تمكين هجرة TDA إلى الولايات المتحدة غير موثوقة'. يصف قسم آخر تم تنقيحه بشكل كبير تقارير مجتمع الاستخبارات تشير إلى وجود صلة بين TDA وبعض المسؤولين الفنزويليين بأنها 'محدودة'. وزير الخارجية ماركو روبيو ، الذي شغل سابقًا منصب رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ ، قال على 'مواجهة الأمة مع مارغريت برينان' يوم الأحد ، كان يعتقد أن مجتمع الاستخبارات كان 'خطأ' في تقييمه بأن الحكومة الفنزويلية لا تسيطر على TDA وأنه وافق على '100 ٪ مع استنتاج مكتب التحقيقات الفيدرالي'. على الرغم من أنه ليس من غير المألوف أن يتم تحدي آراء المحللين واختبارها من قبل المسؤولين في سلسلة القيادة ، إلا أن التعديلات عادة ما تسعى إلى جعل التقييمات أكثر انعكاسًا للبيانات والأدلة الحالية ، وبقيام ذلك بغض النظر عن السياسة الحكومية. وقال المسؤولون إن صانعي السياسات ليسوا ملزمين بما يمكن أن تجده تقييمات الذكاء ، لكن الجمع والتحليل يحدث من أجل تزويد المسؤولين بصورة تشغيل مثالية. ليس واضحًا تمامًا من تبادل البريد الإلكتروني الذي تم الحصول عليه بواسطة CBS News والنسخة النهائية من المذكرة بعدد التغييرات التي تم إجراؤها في طلب Kent. في مجموعة لاحقة من تبادل البريد الإلكتروني في 4 أبريل ، قدمت Kent اقتراحات لاستبدال اللغة في المذكرة حول اتجاهات ترحيل TDA ، بحجة أن السياسات بموجب إدارة بايدن كانت عاملاً مؤثرًا رئيسيًا. 'دعنا نذهب مع شيء من هذا القبيل' ، كتب كينت ، مضيفًا كتحرير مقترح ، 'يدرك IC أيضًا أنه بين يناير 2021 ويناير 2025 ، فإن سياسات الهجرة في الولايات المتحدة وموقف أمن الحدود جعلت الهجرة من فنزويلا إلى الولايات المتحدة سهلة للغاية لدرجة أن حكومة فنزويلا لم تكن بحاجة إلى دفع المهاجرين إلى الولايات المتحدة. وافق كينت في وقت لاحق على مراجعة أخرى مقترحة قرأت ، 'زيادة تدفق الهجرة غير المنتظمة من المواطنين الفنزويليين الذين-فيما يتعلق ببعض أعضاء TDA-يمكن أن يعزى إلى تصور واسع لسياسات الهجرة الأمريكية المتراخية وعدم الفحص على الحدود بين 2021 و 2025.' 'هذا يبدو رائعا' ، أجاب كينت. ومع ذلك ، فإن اللغة التي تظهر في التقييم النهائي تختلف ، مما يشير إلى وجود مداولات إضافية قبل الانتهاء منها: 'تعترف IC أيضًا بأن النظام يقدر الهجرة باعتبارها صمام أمان ، مما يسمح للفنزويليين الساخطين بمغادرة. لقد انخفضت مواجهات الحدود الأمريكية للمواطن الوطني (SIC) منذ شهر يناير بسبب تصورات المهاجرين الجديدة لسياسات الولايات المتحدة الجديدة.' صحيفة نيويورك تايمز و رويترز ذكرت لأول مرة وجود وبعض محتوى رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بكينت. قام غابارد بإطلاق النار على كرسي نيك القائم بأعمال ، مايكل كولينز ، ونائبه ، ماريا لانجان ريكوف ، وكلاهما كان من بين متلقي البريد الإلكتروني يناقشان المذكرة. 'تم رفض هؤلاء بايدن ممسوكات لأنهم قاموا بتسييس الاستخبارات' ، نائب كينت ، أليكسا هينينج ، لاحقًا قال على X. كان كينت حليفًا وثيقًا لجابارد ، وهو ضابط سابق في وكالة المخابرات المركزية ، والأمل في الكونغرس الجمهوري ، كان حليفًا وثيقًا لـ Gabbard ، الذي أيد شخصياً سياسيه السابق. رشح الرئيس ترامب كينت لرئاسة المركز الوطني لمكافحة الإرهاب ، وهو مكتب بارز داخل ODNI ودور يتطلب تأكيد مجلس الشيوخ ، في فبراير. يوم الأربعاء ، أثار القادة الديمقراطيون في لجان المخابرات في مجلس النواب ومجلس الشيوخ إنذارًا بشأن محاولة كنت الظاهرة لمحاذاة تقييم الاستخبارات مع سياسة الحكومة الحالية وقالوا إن النظر في ترشيحه لمدير NCTC يجب أن يتوقف. وقال مارك وارنر من فرجينيا في بيان 'كانت هذه محاولة صارخة لتسييس الأمن القومي لإرضاء الرئيس الذي أظهر مرارًا وتكرارًا للوقائع ، وأقسم أخصائيي الاستخبارات على الدفاع عن هذا البلد' ، مضيفًا أن مجلس الشيوخ 'يوقف على الفور' لترشيح السيد كينت لقيادة NCTC. وقال جيم هيمز من لجنة الاستخبارات في مجلس النواب ، جيم هيمز من ولاية كونيتيكت ، 'السعي إلى محللي أقوياء لتناسب أجندة الرئيس ، ومعاقبتهم عندما يرفضون الانحناء ، هو طريق إلى كارثة الأمن القومي – ومع ذلك ، فإن هذا هو الطريق الذي اختارته هذه الإدارة'. وقال هيمز: 'يجب ألا يؤكد مجلس الشيوخ السيد كينت كمدير للمركز الوطني لمكافحة الإرهاب دون فهم كامل لأفعاله'.


وكالة نيوز
منذ 15 دقائق
- وكالة نيوز
هل سيحمي قبة دونالد ترامب الذهبية أمريكا؟
يقول الرئيس الأمريكي إن النظام سوف يحمي البلد من تهديدات الصواريخ ، بما في ذلك من الفضاء. يعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب آخر خطة دفاع له: القبة الذهبية. تقدر بتكلفة 175 مليار دولار ، وهي مصممة لإسقاط الصواريخ المتقدمة المتجهة نحو الولايات المتحدة. باستخدام كل من الأرض والفضاء للكشف عن المقذوفات الواردة ، فإنه سيتجاوز بكثير نظامًا مشابهًا يستخدم في إسرائيل المعروف باسم القبة الحديدية. لكن النقاد يقولون إنه قد يكون غير فعال ويزعج توازن القوة العالمية. لذلك ، هل يمكن أن يؤدي المخطط إلى عسكرة الفضاء وتهديد النظام العالمي؟ وهل يمكن أن يكون هناك دوافع أخرى وراء إعلان ترامب؟ مقدم: مايكل أوهانلون ، زميل أقدم ومدير البحوث في السياسة الخارجية في معهد بروكينغز Youngshik Bong ، زميل أبحاث في معهد جامعة Yonsei لدراسات كوريا الشمالية


الجمهورية
منذ 32 دقائق
- الجمهورية
حصاد جولة ترامب! بقلم د. حاتم صادق
أى متابع لزيارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب لمنطقة الشرق الاوسط التي جرت منتصف الاسبوع الماضي، يمكن ان يرصد بكل سهولة كيف ان هذا الرجل يتحرك بدون اي قيود ومحاذير او حتي تقاليد سياسية ودبلوماسية كان من المفترض أن تحكم اقواله وافعاله، بأسلوب يمكن وصفه بالمذهل او المرعب، فهو يسقط كل الثوابت والمحرمات مهما كانت واستبدل كل ما سبق بعبارة عملية للغاية "لا صداقات دائمة ولا عدوات دائمة.. فقط مصالح دائما". ومن قبل الزيارة اثبت الرجل انه دائما يتحرك تحت عنوان "امريكا اولا" هذا ما شاهدناه عندما قرر الجلوس مع الجانب الصيني للتوصل لحل أزمة الجمارك التي افتعلها لتحقيق مكاسب سريعة واعادة ضبط ميزان التجارة البينية بين البلدين الذي كان معظمه لصالح بكين.. وبالفعل تم الاتفاق على تجميد الجمارك لمدة ٩٠ يوما. نفس الشيء حدث في الحرب الاوكرانية، الآن هناك بوادر إيجابية وغير مسبوقة بدأت في إسطنبول على إنهاء الصراع.. والمحصلة الأكيدة ان ترامب حصل على مبتغاه باتفاق المعادن مع اوكرانيا.. وفي الشرق الاوسط ورغم كل تعقيداته فان الرجل حسم موقفه منذ البداية متجاهلا كل الثوابت في السياسة الخارجية لأمريكا وأهمها إسرائيل، وشرع في مفاوضات مباشرة مع حركة حماس من أجل الافراج عن الرهينة الامريكي في القطاع، متخطيا غضب حليفه بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل الذي سبق وصدمه قبل اسابيع عندما اعلن امام الصحفيين في حضوره بالبيت الابيض عن وجود مفاوضات مباشرة مع ايران دون علم الاخير، ليس هذا فحسب، بل عقد لقاء مع رئيس سلطة الأمر الواقع في سوريا احمد الشرع، وقرر تجميد العقوبات عن سوريا مقابل السماح لشركات التعدين والبناء في الحصول علي نصيب الاسد من عمليات التنقيب واعادة اعمار ما دمرته الحرب في سوريا. وقبلها كان الاتفاق مع الحوثيين في اليمن لوقف الهجمات الجوية الامريكية رغم رفض الرياض لهذا الاتفاق الذي تراها مع جماعة ارهابية وغير شرعية. حتى "القصر الطائر" وهي الطائرة التي أهدتها له قطر وثمنها يقترب من نصف ترليون دوﻻر يراها ترامب انها فرصة رائعة لتجديد طائرة الرئاسة الامريكية بأموال آخرين قرروا أن يكونوا أكثر كرما وسخاء من اصحاب الدار. على كل حال وفي اقل من ٧٢ ساعة قضاها في ثلاث دول خليجية استطاع ترامب ان يحصد أكثر من ٣ ترليونات دوﻻر ما بين صفقات سلاح واستثمارات وهدايا، بل ان إحدى الصفقات التي تم توقيعها في الدوحة بالمليارات انقذت شركة بوينج من الافلاس بعد ان كانت تعاني من انهيار، وهذا المبلغ يزيد عما كان يحتاجه ترامب لتسديد ديون الحكومة الامريكية بترليون دولار قبل ان تعلن افلاسها كما قال الملياردير الأمريكي إيلون ماسك مطلع هذا العام في البيت الأبيض. الان من الصعب تحديد مساحة الاتفاق والاختلاف بين دول المنطقة المتمثلة في دول الخليج ومصر من جانب والولايات المتحدة من جانب اخر، وكذلك بين ترامب من جانب ونتنياهو على الجانب الآخر، فبينما تمثل الخلافات مع إدارة البيت الابيض بشأن غزة والحوثيين وإيران والمملكة العربية السعودية تطورات سلبية لإسرائيل، فان استراتيجية واشنطن تنص على انه لا يمكن منح إيران تفويضا لطهران بتخصيب اليورانيوم وصولا للقنبلة النووية، كما لا يمكن حصول أطراف خليجية على برنامج نووي سلمي دون الانضمام الي الاتفاق الابراهيمي. جولة ترامب كانت ناجحة بكل المقاييس الامريكية، حتى طهران أرادت أن ينالها من الحب جانب أعلنت قبل نهاية زيارته استعدادها للتخلي تماما على تخصيب اليورانيوم لغير الاغراض السلمية والتعهد بعدم امتلاك أسلحة نووية مقابل رفع العقوبات، لكن في نفس الوقت ايضا حملت الجولة بذور خلاف واضح بين اسرائيل وامريكا، فالأولى يمكنها الآن بموازين القوي الجديدة والمكتسبة بعد ٧ اكتوبر ٢٠٢٣من رسم خريطة سياسية وجغرافية جديدة للمنطقة تتجاوز الحقوق التاريخية وايضا امكانيات السلاح العسكري وترى ان ترامب يقفز خطوات واسعة ومنفردة بعيدا عن تل ابيب فى اخطر الملفات وأهمها ايران واذرعها، بينما الرئيس الامريكي يرى ان إعادة تشكيل علاقات بلاده مع العرب خلال زيارته للشرق الأوسط وتعزيز التعاون الاقتصادي والأمنى مع المحور السني المعتدل على حساب إيران الشيعية وعملائها مازالت تحتاج الي الوقت والجهد وأيضا التخلص من معوقات سابقة. وهناك نظرة أكثر تعقيداً للتجاهل الواضح لإسرائيل من قبل الولايات المتحدة خلال جولة الرئيس الأمريكي. ومن الخلاف حول الملف النووي الإيراني، الذي يفضل فيه ترامب العودة إلى المفاوضات، بينما يتحمس نتنياهو للخيار العسكري، مرورا باتفاق وقف إطلاق النار الأمريكي مع الحوثيين في اليمن، الذي أغضب إسرائيل بسبب ما اعتبر انفصالا عن مصالحها الأمنية، إلى التوصل إلى اتفاق من قبل إدارة ترامب لإطلاق سراح عيدان إسكندر، الرهينة الأمريكي المحتجز لدى حماس، وفي النهاية توقيع اتفاقيات لبيع طائرات اف 35 الى السعودية وربما قطر والإمارات، وهي كلها ضد رغبة تل ابيب. وهنا يمكن الإشارة الي ان الأمن الأمريكي والإسرائيلي بدأ في الانفصال حول قضايا معينة، وفي الوقت الذي تغير فيه واشنطن أولوياتها في الشرق الأوسط تبحث تل أبيب عن استراتيجيات للخروج من أزمتها الأمنية والسياسية. وتبقي المشكلة الحقيقية في رؤية ترامب -امريكا اولا.. والمصالح اولا واخيرا- المتغيرة دائما صعودا وهبوطا وبوصلتها المتوجه دوما نحو حجم المكاسب فقط دون اي اعتبارات سياسية هي المعضلة للطرف الاخر، على سبيل المثال فان بنيامين نتنياهو نجح في تطوير خبرته في إدارة الخلافات والتوترات المتعلقة بالمصالح الإسرائيلية الحيوية مع إدارات ديمقراطية وجمهورية غير صديقة مع الحفاظ على موقف إسرائيل، في الوقت الذي رفضت دول مثل كندا وجرينلاند والمكسيك خطط ترامب.