
بعد إنجاز "الفاية".. الشارقة تضع "وادي الحلو" و"مليحة" على قائمة أولوياتها للتراث العالمي
وأوضح يوسف أن نجاح ملف ترشيح "الفاية" جاء بدعم علمي من 13 دولة من أصل 21 في لجنة التراث العالمي، وهو ما يمثل اعترافا دوليا بأصالة الموقع وأهميته، مشيرا إلى أن هذا الإنجاز يحقق مكاسب استراتيجية لدولة الإمارات والشارقة، حيث يبرز المنطقة كجزء محوري في التاريخ البشري، ويشجع على جذب سياحة ثقافية متخصصة ومستدامة، ويوفر فرص عمل متنوعة كالإرشاد السياحي المتخصص.
وتتحقق هذه الأهداف، كما ذكر سعادته، عبر تعاون مؤسسي وثيق، أبرزه الدور الرائد لهيئة الشارقة للاستثمار والتطوير "شروق" من خلال "مركز مليحة للآثار"، ودور هيئة البيئة والمحميات الطبيعية عبر "الحديقة الجيولوجية في جبل بحيص" التي تقدم أدوارا علمية متعددة، إلى جانب الدور الهام الذي تضطلع به "هيئة الإنماء التجاري والسياحي بالشارقة" في تعزيز المراكز السياحية.
واستعرض مدير عام هيئة الشارقة للآثار تاريخ الملف الذي حمل عنوان "المشهد الثقافي لعصور ما قبل التاريخ للفاية"، مشيرا إلى أن أولى الاكتشافات انطلقت عام 2003 على يد البعثة الألمانية بإشراف الدكتور صباح جاسم، ثم أدرج الموقع في القائمة التمهيدية عام 2012، وفي عام 2020، تمت إعادة صياغة الملف ليركز على القيمة الاستثنائية للموقع كأقدم صحراء استوطنها الإنسان في العصر الحجري القديم، حيث أثبتت الاكتشافات أن موقع جبل الفاية هو الطريق الجنوبي لشبه الجزيرة العربية من 200 ألف سنة.
من جانبها، كشفت خلود الهولي السويدي، مديرة إدارة التراث الثقافي المادي في الهيئة لـ "وام"، أن خطة إدارة الموقع وضعت بالكامل قبل تسليم ملف الترشيح، وأن "الفاية" يتميز بكونه مفتوحا وجاهزا لاستقبال الزوار، على عكس العديد من المواقع العالمية الأخرى، حيث يستقبلهم "مركز مليحة للآثار" عبر جولات خاصة مع مدربين يحرصون على تغيير مسارات السيارات كل أسبوعين لتجنب التأثير على طبيعة الموقع.
وأكدت السويدي أن الإدراج يفرض التزاما كبيرا بتقديم خطط حفظ سنوية وتقارير مراقبة دورية كل خمس سنوات لمركز التراث العالمي، لضمان حماية الموقع للأجيال القادمة، مشيرة إلى أن هذا الالتزام هو نتاج عمل ودراسات امتدت لعقود.
وأبرزت الهولي القيمة العلمية الفريدة للموقع، حيث تتكون سلسلة جبال الفاية من صخور "الاوفيولايت" النادرة، التي تمثل باطن الأرض، مما يجعلها أحد أفضل ثلاثة مواقع في العالم لدراسة جيولوجيا الأرض، والأكثر سهولة في الوصول إليها مقارنة بجبال الحجر والهملايا.
وشدد المسؤولان على أن هذا الإنجاز محمي بمنظومة قانونية وتشريعية متكاملة أصدرها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي قدم دعما لا محدودا للمشروع، وبدعم من الدائرة القانونية ودائرة التخطيط والمساحة التي وفرت اشتراطات التطوير العمراني في منطقة الحماية، كما تم توجيه شكر خاص للشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، سفيرة ملف الترشيح، على دورها المحوري في تذليل الصعاب، ولجهود 12 دائرة محلية ساهمت في تحقيق هذا الإنجاز.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الإمارات اليوم
منذ يوم واحد
- الإمارات اليوم
إنجازات إماراتية على قائمة «اليونسكو».. من واحات العين حتى «الفاية»
استطاعت دولة الإمارات أن تحقق إنجازات نوعية في مجال الحفاظ على التراث وصونه، ليس فقط على المستوى المحلي، بل عالمياً أيضاً، إذ نجحت في تسجيل العديد من عناصر التراث المادي والمعنوي على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» للتراث العالمي. واتخذت لجنة التراث العالمي، في دورتها 47، التي عقدت في باريس أخيراً، قراراً جماعياً بإدراج «الفاية» في إمارة الشارقة، ضمن قائمة «اليونسكو» للتراث العالمي، تقديراً لمكانتها كجزء من ذاكرة التاريخ الإنساني في خطواته الأولى المبكرة، بما يشير إلى التاريخ الممتد للمنطقة عبر الزمن. تسجيل «الفاية»، التي تقع في المنطقة الوسطى من الشارقة، جاء اعترافاً بما تتمتع به من قيمة عالمية استثنائية، كونها تحتفظ بأحد أقدم وأطول السجلات المتواصلة لوجود الإنسان في البيئات الصحراوية، والتي تعود إلى أكثر من 200 ألف عام، وخلال أكثر من 30 عاماً من أعمال التنقيب الدقيقة التي قادتها هيئة الشارقة للآثار، بالتعاون مع فرق دولية، كشف عن 18 طبقة جيولوجية متعاقبة في موقع الفاية، يُوثق كل منها فترة زمنية مختلفة من النشاط البشري، ما يمنح الموقع قيمة علمية استثنائية في رسم مسار تطور الإنسان في البيئات القاحلة، ويمثل هذا الاعتراف تتويجاً لجهود استمرت 12 عاماً من التحضير المستمر للموقع والملف الذي قدم في فبراير 2024، مدعوماً بـ30 عاماً من الأعمال الأثرية المكثفة، والدراسات البيئية، وخطط الحفظ المتكاملة، وخضع الموقع لتقييم صارم وفق معايير «اليونسكو» الدقيقة التي لا تقبل إلا المواقع ذات القيمة. آثار تاريخية «الفاية» ليس أول موقع إماراتي على قائمة «اليونسكو» للتراث العالمي، إذ شهد عام 2011 أول دخول للمواقع الإماراتية على القائمة بتسجيل مواقع في مدينة العين، منها واحات العين الست، والأفلاج التي تعد من أقدم أنظمة الري في المنطقة، وموقع هيلي الأثري، الذي يعد أكبر موقع أثري للعصر البرونزي بالإمارات، ويعود تاريخه إلى بداية الألف الثالث قبل الميلاد، واستمر حتى بداية الألف الثاني من دون انقطاع، وجرى ضم بعض أجزاء هذا الموقع إلى حديقة آثار هيلي، التي صممت لتسليط الضوء على الآثار التاريخية وإتاحتها للزوار، ويُعد مدفن هيلي الكبير واحداً من أكبر المدافن الجماعية في موقع هيلي الأثري المبنية بأشكال دائرية من الحجر المنحوت، فيما يصل قطره إلى 12 متراً، ويبدو أنه كان على ارتفاع أربعة أمتار عن سطح الأرض، ويحتوي المدفن على أربع غرف داخلية، كل واحدة منها مخصصة لدفن عدد محدد من الموتى. ويتميز هذا المدفن بمدخلين يحملان زخارف لأشكال حيوانية وآدمية، أبرزها حيوان المها (الوضيحي)، وهو من الحيوانات الأصلية في شبه الجزيرة العربية، ويقود المدخلان إلى الغرف الأربع التي تم استعمالها في دفن الموتى بجوار الهدايا والمتعلقات الشخصية. أيضاً جبل حفيت من المواقع التي سجلت على القائمة، لما يضمه من آثار تؤرخ لحضارة حفيت التي تعود إلى بداية العصر البرونزي في الإمارات، إذ أظهرت عمليات التنقيب عن الآثار، التي أجرتها البعثة الدنماركية منذ عام 1959، أن الإنسان قد استوطن منطقة العين منذ نهاية الألف الرابع قبل الميلاد، ويُستدل على ذلك بالبقايا الأثرية التي عثر عليها في منطقة جبل حفيت كالفخار والأدوات الحجرية، والتي تعود إلى العصر البرونزي المبكر، وبلغ عمرها اليوم نحو 5000 سنة، وتقدم أدلة عن البراعة والمهارات الحرفية للأسلاف الأوائل لسكان العين. كما تعد مدافن بدع بنت سعود من أهم المعالم الأثرية في العين، إذ أقيمت على قمم وسفوح هذا المرتفع، ويبلغ عددها أكثر من 40 مدفناً حجرياً مبنية من الحجارة غير المتناسقة، نُقب منها أكثر من 18 مدفناً تختلف في أشكالها وأحجامها وفتراتها الزمنية أيضاً، أما أحدث المدافن التي تم التنقيب فيها فتعود إلى بداية الألف الأول قبل الميلاد، إذ كُشف عن أربعة مدافن من تلك الفترة الزمنية، أحدها مستطيل الشكل طوله ثمانية أمتار وعرضه ستة أمتار، وتبين من خلال عمليات التنقيب أن المدافن الواقعة على امتداد السفح الشرقي لمنطقة جرن بنت سعود تعود إلى العصر البرونزي، وهي شبيهة بالمدافن الموجودة في منطقة جبل حفيت. القائمة التمهيدية كذلك نجحت دولة الإمارات في إدراج 12 موقعاً في القائمة التمهيدية لمواقع التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، منها موقع أم النار، في جزيرة أم النار قبالة ساحل أبوظبي، وتتميز بموقع أثري يضم اكتشافات كبيرة ساعدت على إلقاء الضوء على حياة سكان الإمارات خلال العصر البرونزي وثقافتهم وأسلوب حياتهم، إذ كانت هذه الجزيرة الصغيرة بمثابة مستوطنة كبيرة لعبت دوراً فعّالاً في التجارة الإقليمية، وأظهرت القطع الأثرية المكتشفة أن سكانها كانوا يتاجرون مع أبناء حضارات بعيدة، مثل بلاد الرافدين القديمة وحضارة وادي السند. أما السبخة الساحلية في أبوظبي فتقع جنوب جزر الضبعية وأبوالأبيض، وتعد السبخة الكاملة الوحيدة في العالم التي تتضمن أربع طبقات رئيسة بارزة من المسطحات موجودة جميعها في موقع واحد، إذ لا يمثل هذا الموئل نظاماً بيئياً تقليدياً للكربون الأزرق فقط، وإنما من المحتمل أن يكون منشأ لمخزون التربة التاريخي من الكربون في السبخات الساحلية. قلب نابض ومن المواقع التي تضمها القائمة التمهيدية أيضاً خور دبي، الذي لايزال القلب النابض للمدينة، وهو عبارة عن لسان في الخليج العربي يفصل مدينة دبي القديمة إلى قسمين، ديرة وبر دبي، وتطل على جوانبه سلسلة من المباني المعمارية الحديثة، وصروح أخرى من الأبنية المعمارية التراثية التي تعكس جوهر الماضي والمتمثل في المناطق التاريخية التي تضم ما يقارب 192 مبنى تراثياً. ويمتد الخور نحو محمية الحياة البرية في رأس الخور التي تؤوي ما يزيد على 20 ألف طائر مائي من 67 نوعاً، وأكثر من 500 صنف مختلف من النباتات والحيوانات. صير بونعير وتضم الشارقة عدداً من المواقع المسجلة على القوائم التمهيدية للتراث العالمي، منها جزيرة صير بونعير التي تقع في الشارقة على بعد 65 كلم من سواحل دولة الإمارات على الخليج العربي، وتمتد على مساحة 13 كلم مربعاً، وهي محمية طبيعية فريدة، نظراً لمعالمها البيئية المهمة، التي تتضمن طبقات جيولوجية، ونباتات طبيعية، وطيوراً بحرية، وتتميز بمناظرها الطبيعية الخلابة، كما تشكل الجزيرة ملجأ طبيعياً للسلاحف منذ أكثر من 2000 عام. فيما تحتوي منطقة قلب الشارقة على عدد كبير من المواقع التاريخية والأثرية، التي يعكس كل واحد منها قيمة تاريخية كبيرة، نظراً لكونها شاهدة على التقاء الحضارات الإنسانية في هذه المنطقة، التي لم تشكل نقطة عبور للقوافل التجارية والبحرية والبرية فحسب، بل مثلت أيضاً نقطة تواصل بين شعوب وقبائل مختلفة، ومن أبرز هذه المواقع ميناء الشارقة القديم، والمنطقة الوسطى بشكل فريد عن تاريخ المنطقة الممتد في منطقة جبلية محاطة بظروف صحراوية قاسية، وتنقل المنطقة براعة السكان في التكيف والتعايش مع الظروف والعوامل البيئة المختلفة، من العصر الحجري القديم إلى فترة ما قبل الإسلام، وتضم المنطقة خمسة مواقع أثرية رئيسة، هي: مليحة، ومويجلك، والمدام، والذيد، والسهيلة. نموذج فريد ويمثل مسجد البدية في الفجيرة أحد أبرز المعالم التاريخية في الدولة، ويعود تاريخه إلى عام 1446، ويتميز بمساحته الصغيرة، وتصميمه المعماري والإنشائي الفريد في التسقيف، إذ لم تستخدم الأخشاب في رفع سقفه، بل يعتمد على عمود في وسطه، يحمل قباب المسجد الأربعة في نظام هندسي بديع. بينما يعد موقع الدور الأثري إحدى أكبر المستوطنات المحلية على ساحل إمارة أم القيوين خلال فترة العصر الروماني، وتصل مساحة الموقع إلى نحو كيلومترين مربعين، وازدهر خلال أواخر القرن الأول قبل الميلاد حتى القرن الثالث الميلادي، باعتباره ميناءً تجارياً، إذ كان نقطة توقف رئيسة في الرحلات التجارية بين جنوب بلاد الرافدين وبلاد فارس والهند، وقد تمت الإشارة إلى الموقع في مصادر يونانية ورومانية بأنه قد يكون ميناء «عمانه»، ويضم الموقع العديد من المباني الأثرية المميزة، مثل معبد إله الشمس، والحصن الدفاعي، وعدد من المباني الحجرية، والقبور الجماعية والفردية. جلفار وتعد مدينة جلفار التجارية، التي تقع في رأس الخيمة على مقربة من مضيق هرمز، من أشهر المواقع الأثرية في الإمارات والمنطقة، وتضم أراضي خصبة تعد من أكبر المناطق الصالحة للزراعة، وحدائق نخيل مميزة، ونظراً لتكرار التغيرات الطبيعية في بيئة جلفار واستخدام الأراضي، فإن العديد من المواقع الأثرية المهمة أصبح مرتبطاً ارتباطاً مباشراً بالمدينة. كذلك تضم رأس الخيمة منطقة شمل التي تمثل مشهداً أثرياً كثيفاً يمتد على طول سفوح جبال رأس الخيمة لأكثر من ثلاثة كيلومترات، وتتميز بالسهول الحصوية مع غابات الأكاسيا، وتضم المنطقة أكثر من 100 مقبرة تعود إلى ما قبل التاريخ، ومستوطنات ما قبل التاريخ، وقصراً من القرون الوسطى يعود لفترة وادي سوق (2000-1600 قبل الميلاد). وتعد منطقة ضاية من أكثر المواقع إثارة للإعجاب وأهمية في رأس الخيمة من حيث موقعها الجغرافي ومشهدها الثقافي، إذ تحيط بها الجبال شديدة الانحدار التي يصل ارتفاعها إلى 850 متراً من ثلاث جهات، ومن أهم المناظر الطبيعية المختلفة والأماكن الأثرية والمواقع التاريخية في ضاية: البحيرة، وحدائق النخيل والحصن، وحصن ضاية. الجزيرة الحمراء تقع الجزيرة الحمراء، التي تبلغ مساحتها 45 هكتاراً، في الأصل داخل الخليج قبالة الساحل الجنوبي لرأس الخيمة، وتربط الأزقة الضيقة في الجزيرة الحمراء مجموعة من المنازل ذات الأفنية التي بُنيت من الأحجار المرجانية وصخور الشاطئ الأحفورية بتقنية الطبقات، ويمكن أيضاً العثور على أمثلة لمنازل تجار اللؤلؤ في الجزيرة. . 2011 شهد أول دخول للمواقع الإماراتية على قائمة «اليونسكو» عبر واحات العين. . خور دبي ضمن المواقع التي تضمها القائمة التمهيدية. . موقع أم النار يضم اكتشافات كبيرة ساعدت في إلقاء الضوء على حياة سكان الإمارات قديماً.


الاتحاد
منذ 2 أيام
- الاتحاد
تاريخ الحضارات المتنوعة.. حجر الأساس في فهم الأخوة الإنسانية
تاريخ الحضارات المتنوعة.. حجر الأساس في فهم الأخوة الإنسانية يُعدّ تاريخ الحضارات المتنوعة حجرَ الزاوية في تشكيل الفهم الحديث للأخوة الإنسانية. فعبر الزمان والجغرافيا، تركت كل حضارة بصمتها المميزة في مسيرة البشرية نحو التعايش والاحترام المتبادل. من ضفاف دجلة والفرات ومعابد مصر القديمة إلى بلاط العلماء في الصين والهند، ثم إلى الحضارات الإسلامية والأوروبية المزدهرة، قدّمت كل حضارة نماذجها الخاصة في الفكر والقيم وأساليب العلاقات الإنسانية. وقد شكّل هذا الإرث وعياً يرسّخ، رغم اختلافاتنا، أن جميع الناس يرتبطون بقيم أساسية من الكرامة والعدالة والسلام. ويُظهر التاريخ أن الحضارات التي انخرطت في التجارة والحوار والتبادل الثقافي كانت أكثر قدرة على تحقيق التقدّم والازدهار المشترك. لم يظهر مفهوم الأخوة الإنسانية بين عشية وضحاها، بل تشكّل على مدى قرون من خلال لقاءات الشعوب وامتزاج الأفكار وتشارك الحكمة بين الديانات والتقاليد المتنوعة. ومن بين العلماء الذين جسّدوا قوة المعرفة في ربط الثقافات كان ابن رشد - الذي عُرف في الغرب باسم «أڤيروس». كان فيلسوفاً وقاضياً وعالماً أندلسياً في القرن الثاني عشر، وأدّى دوراً محورياً في تعزيز التفكير العقلاني والحوار والتفاهم المتبادل بين الحضارات. في عصرنا، برزت دولة الإمارات العربية المتحدة كمنارة للأخوة الحديثة، لكنّ جذورها في التبادل الحضاري عميقة. فقد كشفت عمليات التنقيب الأثرية الأخيرة في الربع الخالي، وفي حدود الإمارات، عن بقايا مدن حضرية متقدمة تعود لأكثر من 5000 سنة. وتشير هذه المدن القديمة، التي يُجرى التنقيب فيها حالياً، إلى وجود طويل الأمد للتجارة والتواصل الثقافي والتنظيم الاجتماعي في المنطقة. ولم تكن هذه الصحراء أرضاً خالية، بل كانت مفترق طرق حيوي ضمن شبكة تفاعل نشطة تربط بين حضارات بلاد الرافدين وآسيا والمشرق. وتنتشر دلائل هذا الإرث الغني في جميع أنحاء الإمارات. ففي الفاية بالشارقة، تم تقديم ملف ترشيح موقع الفاية رسمياً واعتماده أمام لجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو، التي كشفت عن أدوات من العصر الحجري ومواقع دفن وأحد أقدم طرق القوافل الداخلية التي تربط الخليج بالداخل العربي. أما في العين، فيكشف منتزه هيلي الأثري المدرج ضمن قائمة اليونسكو عن قبور تعود للعصر البرونزي ونظام فلج ري متطور، يُعدّ جزءاً من حضارة «مجان» القديمة التي أقامت علاقات تجارية نشطة مع بلاد الرافدين ووادي السند. في إمارة دبي، يكشف موقع ساروق الحديد عن صناعة معدنية متقدمة منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد، بينما تُظهر الصفوح مقابر تعود للعصر البرونزي تعكس الحياة المبكرة في المنطقة. كما تبرز منطقة جلفار برأس الخيمة، والتي تظهر بقايا حضرية وتجارية تعود للعصر الإسلامي، تدل على دور الإمارات الطويل في التجارة العالمية. أما في منطقة الدور في أم القيوين، أحد أكبر المواقع الأثرية قبل الإسلام، فقد كشفت التنقيبات عن مستوطنة مزدهرة ومركز تجاري نشط من القرن الأول قبل الميلاد حتى الثالث الميلادي، فيها معابد وحصون وبضائع مستوردة من حضارات مختلفة. وعلى جزيرة صير بني ياس في أبوظبي، تشير بقايا دير مسيحي قديم إلى تاريخ روحاني وتسامح ديني عميق. أما في جزيرة السينية في أم القيوين، فتم العثور على أقدم دير مسيحي معروف في الخليج، مما يُبرز ثقافة التعايش والانفتاح الديني. هذا الاستمرار التاريخي العميق يؤكّد مكانة الإمارات، ليس فقط في الحوار المعاصر حول الأخوة الإنسانية، بل في جذور التبادل بين الحضارات. فقد كانت هذه الأرض دائماً ملتقىً للشعوب والأفكار والأديان، وهو إرث حي يدعم التزامها الحالي بالتعايش السلمي والحوار العالمي. الإمارات منذ تأسيسها بقيادة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، رسخت رؤية تقوم على التسامح والاحترام المتبادل، رأت في التنوع الديني والثقافي قوة، لا تحدياً. وقد واصل هذا النهج صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، عبر مبادرات عالمية تُجسّد مبادئ التعايش السلمي. ومن أبرزها وثيقة أبوظبي للأخوة الإنسانية، التي وقّعها في 2019 قداسة البابا فرنسيس الراحل والإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر. ومن خلال مؤسسات مثل بيت العائلة الإبراهيمية، ووزارة التسامح، وسَنة التسامح، أصبحت الإمارات مثالاً حياً على أن الأخوة يمكن أن تتحول من رؤية إلى واقع، محلياً وعالمياً. وتقود هذه الجهود اللجنة العليا للأخوة الإنسانية، التي تعمل بالتعاون مع الأمم المتحدة، واليونسكو، ومع جامعات دولية، على برامج عملية لنشر قيم الكرامة والحوار والتراحم. التعليم في قلب هذا التحول. فمن خلاله يُربّى جيل على الاحترام والتعاطف والانفتاح. وتعمل اللجنة على إدخال برامج أخلاقية عالمية تركز على التعاطف، وتنمي مهارات مثل الذكاء العاطفي، والمعرفة الرقمية، والمسؤولية المالية، والتكنولوجيا الأخلاقية. الشباب بدورهم، بقدرتهم على الابتكار، عنصر جوهري في نشر التسامح. وتمنحهم اللجنة منصات من خلال المدارس، والمنتديات، والتبادل الثقافي ليكونوا رواداً للتفاهم. كما تسهم الفعاليات الرياضية، مثل «سباق الأخوة الإنسانية» في أبوظبي، في جمع الناس من مختلف الخلفيات، وتُعد اللجنة لإطلاق سباق عالمي، عبر القارات الست، في اليوم الدولي للأخوة الإنسانية تحت شعار: «عالم واحد. سباق واحد. أخوة إنسانية واحدة». وفي هذا الإطار، يُعقد المؤتمر الدولي للأخوة الإنسانية في جاكرتا – إندونيسيا، يومي 29 و30 يوليو 2025، بتنظيم مشترك بين اللجنة العليا للأخوة الإنسانية والجامعة الإسلامية الدولية الإندونيسية. وسيتضمن إطلاق المعهد الإندونيسي للأخوة الإنسانية، مركزاً أكاديمياً افتراضياً لدعم البحث والتعليم والتسامح الديني. ويغطي المؤتمر قضايا تمكين الشباب، والعدالة الاجتماعية، والتعليم، والمسؤولية الإعلامية، والابتكار الأخلاقي، ويجمع قادة فكر ومجتمع مدني من أنحاء العالم. الأخوة الإنسانية ليست فكرة مثالية فحسب، بل رحلة تاريخية بُنيت على قرون من التفاعل والحكمة المشتركة. وتقف الإمارات اليوم في مقدمة هذه الرحلة، تنشر رسالة التعايش والسلام من خلال التعليم، والشباب، والرياضة، والثقافة. والرسالة واضحة: باعترافنا بإنسانيتنا المشتركة، نستطيع بناء عالم أكثر سلاماً ووحدة. السفير الدكتور/ خالد الغيث* *الأمين العام للجنة العليا للأخوة الإنسانية.


الإمارات اليوم
منذ 3 أيام
- الإمارات اليوم
الشارقة: خِطط لإبراز القيمة الاستثنائية لوادي الحلو ومليحة
أكد مدير عام هيئة الشارقة للآثار، عيسى يوسف، أن العمل في الهيئة لا يتوقف بعد الإنجاز العالمي المتمثل بإدراج موقع «الفاية» ضمن قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» للتراث العالمي، كاشفاً عن خطط مستقبلية لإبراز القيمة الاستثنائية لمواقع أخرى، من أبرزها موقع وادي الحلو في المنطقة الشرقية، وموقع مليحة الأثري في المنطقة الوسطى، المدرجان على القائمة التمهيدية لـ«اليونسكو». وأوضح يوسف أن نجاح ملف ترشيح «الفاية» جاء بدعم علمي من 13 دولة من أصل 21 في لجنة التراث العالمي، وهو ما يمثل اعترافاً دولياً بأصالة الموقع وأهميته، مشيراً إلى أن هذا الإنجاز يحقق مكاسب استراتيجية لدولة الإمارات والشارقة، إذ يبرز المنطقة كجزء محوري في التاريخ البشري، ويشجع على جذب سياحة ثقافية متخصصة ومستدامة، ويوفر فرص عمل متنوعة كالإرشاد السياحي المتخصص. وتتحقق هذه الأهداف عبر تعاون مؤسسي وثيق، أبرزه الدور الرائد لهيئة الشارقة للاستثمار والتطوير «شروق» من خلال مركز مليحة للآثار، ودور هيئة البيئة والمحميات الطبيعية عبر «الحديقة الجيولوجية في جبل بحيص» التي تقدم أدواراً علمية متعددة، إلى جانب الدور المهم الذي تضطلع به هيئة الإنماء التجاري والسياحي بالشارقة في تعزيز المراكز السياحية. واستعرض مدير عام هيئة الشارقة للآثار تاريخ الملف، الذي حمل عنوان «المشهد الثقافي لعصور ما قبل التاريخ للفاية»، لافتاً إلى أن أول الاكتشافات انطلق عام 2003 على يد البعثة الألمانية بإشراف الدكتور صباح جاسم، ثم أدرج الموقع في القائمة التمهيدية عام 2012، وفي 2020، تمت إعادة صياغة الملف ليركز على القيمة الاستثنائية للموقع كأقدم صحراء استوطنها الإنسان في العصر الحجري القديم، إذ أثبتت الاكتشافات أن موقع جبل الفاية هو الطريق الجنوبي لشبه الجزيرة العربية من 200 ألف سنة.