logo
كيف ضخّم كتاب "مدينة القدس زمن الحروب الصليبية" الوجود اليهودي في المدينة؟

كيف ضخّم كتاب "مدينة القدس زمن الحروب الصليبية" الوجود اليهودي في المدينة؟

الجزيرة١٩-٠٧-٢٠٢٥
لم يعدم الإسرائيليون فرصة من أجل تبرير وجودهم في التاريخ والجغرافيا الفلسطينية، وخصوصا في مدينة القدس ، واستغلوا في ذلك كل الممكنات وكل المستحيلات بالعنف وبالكذب وليِّ عنق الحقيقة والتاريخ من أجل تبرير وجودهم في الأرض المحتلة بدعوى أن لهم فيها حقا تاريخيا.
وعندما بارت حججهم المدعومة بالعنف وظفوا مؤرخيهم، كلّا في مجاله، من أجل دس الأكاذيب بقلب الحقائق التاريخية، لعلهم بذلك يحصلون على ما لم يحصلوا عليه بالبندقية والدبابة.
ويأتي كتاب "مدينة بيت المقدس زمن الحروب الصليبية" لعالم الآثار الإسرائيلي أدريان بوس كمثال كبير على ذلك، إذ يسرد لنا الكتاب الكثير من الحقائق التاريخية والشهود الأثرية التي ظهرت من خلال الحفريات والتنقيبات التي قامت بها فرق التنقيب، ولكنه في ذات الوقت يدس السم في العسل، ويحاول خلق دور لليهود مع بداية الاستيلاء الصليبي على القدس، ويضع دائما اليهود في الصورة، ويعطيهم دورا لم يكن لهم، ويستدعيهم من غيابات التاريخ الوهمي إلى قلب العصر الحديث.
الحقبة الصليبية
وجاء في مقدمة مترجم الكتاب أن الحروب الصليبية (1097 – 1291) كانت صداما عسكريا ومواجهة حضارية بين الشرق العربي تحت الحكم الإسلامي والغرب الأوروبي الكاثوليكي، تمخضت أحداثها عن قيام كيان صليبي تحت سماء بلاد الشام " سوريا ، لبنان ، فلسطين ، الأردن" وهو 3 إمارات صليبية هي: الرها وأنطاكية وطرابلس، كما تمخضت أحداثها عن قيام مملكة بيت المقدس وكانت عاصمتها بيت المقدس أولا، ثم انتقلت العاصمة إلى عكا بعد معركة حطين 1187م.
واستمر هذا الكيان ما يقرب من 200 عام، ما بين عامي 1098م الذي شهد تأسيس إمارتَي أنطاكية والرها، وعام 1291م الذي شهد طرد البقايا الصليبية ببلاد الشام على يد السلطان المملوكي الأشرف خليل بن قلاوون.
ويفنّد مترجم الكتاب الدكتور علي السيد علي الادّاعاءات التي ساقها مؤلف كتاب "مدينة بيت المقدس زمن الحروب الصليبية" المتمحورة حول دور اليهود المختلق في مدينة القدس فترة الحروب الصليبية.
أقسام الكتاب
ينقسم الكتاب إلى 3 أبواب، الأول عن مدينة العصور الوسطى، والثاني عن الآثار الباقية من مدينة بيت المقدس تحت الحكم الصليبي، والثالث بعنوان الفنون وتراث الحروب الصليبية في فنون العصور الوسطى في مدينة بيت المقدس، وبيت المقدس في فنون العصور الوسطى.
ورغم ما ورد في الكتاب من ادعاءات منافية للواقع والحقائق التاريخية؛ فإنه يحوي معلومات على جانب كبير من الأهمية، وسرد كامل عن الآثار الباقية في مدينة بيت المقدس من العصر الصليبي، من تحصينات أسوارها التي تبلغ 4 كيلومترات طولا، وإعادة بناء واستحداث عدد من البوابات والأبراج والقلاع، إذ تم بناء قصور ملكية وتقسيم أحياء المدينة، وخارج الأسوار تم بناء العديد من الكنائس والأديرة وتنظيم الشوارع والميادين والأسواق والمباني العامة، وتم تحديد مباني الصناعات والحرف والتجارة والمنشآت التجارية والمالية والأماكن الخاصة الخالية ومصادر المياه ومواردها العامة والصرف الصحي والمقابر داخل وخارج المدينة وآثار الفنون والتراث في عصر الحروب الصليبية.
مدينة العصور الوسطى في القرن الـ20
ولا تزال شواهد وآثار القدس شاهدة على عراقة وعروبة المدينة العتيقة وأسواقها ومساجدها وأديرتها وكنائسها وحاراتها ومحلاتها القديمة التي لا علاقة لليهود بها كما يسجل الكتاب: "لا تزال مدينة بيت المقدس القديمة (الحالية) مدينة من مدن العصور الوسطى، بالرغم من التحولات التي جرت بها في القرنين الـ12 والـ13 الميلاديين، حيث لم تعد الأسوار تُستخدم كحصون، ولم تعد هناك بوابات تغلق ليلا، وبرغم تآكل الرقعة الزراعية التي تستخدم لزراعة الفواكه والخضراوات أمام المد العمراني أواخر القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20، وبالرغم من مدها بشبكات الغاز والكهرباء والمياه والصرف الصحي، وباستثناء الحي اليهودي الذي تمت إعادة بنائه وتوسعته عام 1967م، فإن المدينة تكاد تكون طبق الأصل لما كانت تبدو عليه منذ 900 سنة مضت، لدرجة أن الزائر لها في القرن الـ12 لا يكاد يجد مشقة في التجول فيها.
ويقول المترجم: عقب الغزو الصليبي لمدينة بيت المقدس لم يكن لليهود وجود في المدينة، وهذا ما سجله الرابي الإسباني أبراهام هيّا حوالي (1120- 1129) "لا يوجد يهودي واحد في بيت المقدس في أيامنا"، إلا أنه تم تسجيل يهودي واحد يعيش في بيت المقدس على الأقل في بدايات عام 1146م، وحوالي عام 1170م ذكر الرحالة اليهودي بنيامين التطيلي يهوديا واحدا يعمل بالصباغة ويسكن بالقرب من برج داود.
أما الرابي بتاحيا الرابوني، والذي زار المدينة ما بين عامي 1184 و1187م فإنه يذكر يهوديا واحدا يعمل بالصباغة ويدعى الرابي أبراهام، وكان مطلوبا منه أن يدفع ضرائب ثقيلة للملك نظير السماح له بالبقاء في المدينة، في حين كان هناك مسلمون يعيشون تحت الحكم الصليبي، واستدل على ذلك من سجلات جماعة فرسان الإسبتارية، وهي فرقة عسكرية صليبية ساهمت بشكل بارز في الحروب الصليبية.
عقب الغزو الصليبي لمدينة بيت المقدس لم يكن لليهود وجود في المدينة، وتم تسجيل يهودي واحد يعيش في بيت المقدس على الأقل في بدايات عام 1146 بعد الحروب الصليبية.
خلق دور لليهود
أظهر المؤلف اهتماما فائقا بالآثار، وأهمل كثيرا من الجوانب التاريخية وبخاصة الجانب الثقافي منها، وليس هذا فحسب، بل لم يكن موضوعياً في تناوله لبعض القضايا التاريخية.
إعلان
ففي الفصل الأول يذكر أن الصليبيين قاموا بإنشاء عدد من المستشفيات والأسواق والشوارع المغطاة والحمّامات العامة على أنها منشآت جديدة على المدينة، وفي الواقع كانت كل هذه المنشآت موجودة ومعروفة من قبل، واستفاد منها سكان المدينة في ظل الحكم الإسلامي قبل قدوم الصليبيين وبعدهم.
وفي الفصل الثاني ذكر أن المدينة كانت قليلة السكان تحت الحكم الفاطمي، وأن عدد سكانها اقترب من 20 ألفا، مستشهدا بالرحالة الفارسي ناصر خسرو، وهذا خطأ تاريخي أو كذب من المؤلف، فقد ذكر ناصر خسرو في رحلته ما نصه أن في مدينة بيت المقدس 20 ألف رجل غير النساء والأطفال، وبذلك يكون عدد سكانها على أقل تقدير ما يقارب 50 ألفا، إن لم يزد العدد عن ذلك.
وفي الفصل الثاني أيضا خالف المؤلف الواقع التاريخي ومنطق الأحداث في سرده لأحداث الاستيلاء على المدينة عام 1099م من قبل الصليبيين حين ذكر: "وأنه لمقاومة الغزوة الصليبية على بيت المقدس تم حشد السكان، ومعظمهم من المسلمين واليهود على امتداد أسوار المدينة". محاولا بذلك خلق موقف دفاعي لليهود، مناقضا بذلك الحقيقة، وهي أن أهل الذمة من مسيحيين ويهود كانوا ممنوعين من الالتحاق بالجندية، وأن الجيوش الإسلامية تولت مهمة الدفاع عن كل مدينة خضعت لهم.
ويحاول مرة أخرى خلق دور لليهود مع بداية استيلاء الصليبيين على القدس عند سرده لما بعد الغزو وقلة السكان الصليبيين لكثرة من عاد منهم إلى أوطانهم، ويقول: "إن قرار منع من نجا من الموت من مسلمين ويهود من العودة إلى بيت المقدس لم يكن مجديا"، لأنه معروف جيدا لكل دارس لتاريخ الحروب الصليبية أن الفرنجة كما أحدثوا في المسلمين مذبحة رهيبة راح ضحيتها حوالي 70 ألفا، فإنهم قضوا على الجماعة اليهودية في معبدهم لأنهم لم ينسوا لهم موقفهم العدائي للمسيح عليه السلام.
"ذكر المؤلف أن المسلمين كانوا قلة عند بداية الحكم الإسلامي للمدينة، عاشت في منطقة الحرم القدسي الشريف، وهذا دس وكذب على الحقائق التاريخية".
وفي الفصل العاشر يعمد المؤلف إلى المغالطة التاريخية في حديثه عن تقسيم المدينة إلى أحياء سكنية وفق الأصول الدينية والعرقية، فيذكر أن المسلمين كانوا قلة عند بداية الحكم الإسلامي للمدينة، عاشت في منطقة الحرم القدسي الشريف، وهذا دس وكذب على الحقائق التاريخية، فمن الطبيعي أن المسلمين يقطنون الحرم القدسي، كما عاش اليهود في المنطقة الجنوبية الغربية من جبل صهيون، والمعروف أن مسيحيي بيت المقدس بزعامة البطريرك صفرونيوس طلبوا من الخليفة عمر بن الخطاب ألا يسمح لليهود بالإقامة معهم في مدينتهم، وأن سماحة الإسلام سمحت لليهود بزيارة المدينة على أن يغادروها عندما يدخل الليل، احتراما لرغبة المسيحيين من أهلها، إذن كيف سمح لليهود بالعيش فيها؟ وما هذه أو تلك إلا محاولات لخلق دور تاريخي لهم في المدينة المقدسة، وهو دور مزعوم وباطل ومخالف للواقع التاريخي.
ويحاول المؤلف ليِّ الحقائق التاريخية كما سجل في الفصل الـ11 عندما عمد إلى شرح الدرس الذي استفادته إسرائيل من الحركة الصليبية لتأكيد كيانها عندما قال: "مثلما سبق أن فعل الصليبيون منذ عام 1140م، (عمدوا) إلى بناء العديد من المستوطنات ما بين عسقلان وبيت المقدس، ونشر عدد من القلاع على طول هذه المنطقة لمنع إغارات المسلمين والتي اتخذت من عسقلان مركزا لشن حرب استنزاف على العدو، وعمدت كذلك إلى اتهام المسلمين أصحاب الأرض الشرعيين بأنهم عصابات تشن الهجوم على المستوطنين الصليبيين".
سرقة الحرِف
ويعود المؤلف إلى قلب الحقائق التاريخية في الفصل الـ16 وهو يتحدث عن الحِرَف، فيذكر أن صباغة الملابس كادت أن تكون وقفا على اليهود، ويستشهد في ذلك بالرحالة بنيامين التطيلي الذي زار القدس حوالي عام 1172م، ويزعم أنه قال: "إن بيت المقدس بها ورشة لصباغة الملابس يدفع عنها اليهود إيجارا سنويا بسيطا لملك بيت المقدس الصليبي".
إعلان
وبالرجوع إلى نص رحلة بنيامين التطيلي فقد جاء فيها: "وفيها معمل للصباغة يستأجره اليهود من ملك القدس سنويا، ويبلغ عددهم في هذه المدينة نحو الـ200". ومع ما في النص من تحوير فإننا نرى أن هذا العدد مبالغ فيه، ذلك أن الرحالة فتاحية اليهودي الذي زار القدس بعد بنيامين بـ10 سنوات فقط لم يجد فيها إلا يهوديا واحدا يدعى إبراهيم الصباغ، كان يؤدي لملك القدس ضريبة فادحة.
الافتراء على صلاح الدين
ومن الأمور اللافتة للنظر أن استرداد صلاح الدين الأيوبي لمدينة بيت المقدس بعد موقعة حطين عام 1187م يعد أمرا صعبا على نفس المؤلف، فما من سيئة إلا ويحاول أن ينسبها إلى صلاح الدين، ففي الفصل الـ19 على سبيل المثال، وهو يتحدث عن الصرف الصحي للمدينة يقول: "وربما تم تدمير الصرف الصحي على يد صلاح الدين عندما أمر بهدم الكنيسة العليا".
ويشير المؤلف إلى أن المدى الذي وصلت إليه جهود الفرنجة في عمليات البناء والتشييد ليس له ما يوازيه في تاريخ المدينة منذ العصر البيزنطي، وذلك يعود للنجاح الكبير للحج من الحجاج المسيحيين تحت الحكم الصليبي.
وفي منتصف القرن الـ12 استعادت "بيت المقدس" مكانتها وربما توسعت وازداد عدد سكانها عما كان عليه قبل فترة الحكم الصليبي، وتمت تعلية أسوارها وتوسعة القلعة وبناء قصر ملكي جديد، وتحسين شبكة المياه والصرف الصحي، وبدأت مملكة بيت المقدس تدخل عصرا سياسيا جديدا منذ عام 1774م مع بداية حكم الملك الشاب بلدوين الرابع، الذي كان مصابا بمرض الجذام، وفي عام 1815 أصبح عاجزا عن إدارة شؤون المملكة بسبب شدة المرض.
وفي خاتمة الكتاب يعترف المؤلف صراحة بالقصور في ذكره للنواحي الاجتماعية والتاريخية والاجتماعية في بيت المقدس في ظل الحكم الصليبي، ويرجع ذلك إلى الكم غير المتناهي من المعلومات الأثرية.
تأليف: أدريان بوس
ترجمة: علي السيد علي
الطبعة: الأولى
تاريخ نشر الكتاب: 2001
تاريخ نشر الترجمة: 2010
عدد صفحات الكتاب: 428.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بعد عودته.. مراسل الجزيرة محمد البقالي يحكي ما جرى مع "حنظلة"
بعد عودته.. مراسل الجزيرة محمد البقالي يحكي ما جرى مع "حنظلة"

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجزيرة

بعد عودته.. مراسل الجزيرة محمد البقالي يحكي ما جرى مع "حنظلة"

عاد مراسل قناة الجزيرة في باريس محمد البقالي إلى مطار شارل ديغول، بعد أن أبعدته سلطات الاحتلال الإسرائيلي إثر اعتقاله ضمن طاقم السفينة " حنظلة" التي أبحرت في محاولة لكسر الحصار عن قطاع غزة. الرحلة التي بدأت من ميناء غاليبولي الإيطالي كان من المفترض أن تنتهي على شواطئ غزة، لكنها اعتُرضت في المياه الدولية، وسيطرت عليها البحرية الإسرائيلية بالقوة، قبل أن تبدأ رحلة قاسية من التحقيق والاحتجاز. ويصف البقالي لحظة الاقتحام بأنها كانت متوقعة، إذ استعد الطاقم بارتداء سترات النجاة، وأعلنوا فورا الإضراب عن الطعام، احتجاجا على "حملة العلاقات العامة" التي عادة ما ينفذها الجيش الإسرائيلي بتصوير توزيع الماء والطعام على المعتقلين لإضفاء طابع إنساني زائف. ويؤكد البقالي -في حديثه للجزيرة نت- أن الرحلة لم تكن محاولة لاختراق الحدود، بل كانت نداء أخلاقيّا لكسر جدار الصمت، مشيرا في هذا السياق إلى أن ما حمله المشاركون لم يكن سلاحا بل "رواية تُدين الحصار وتفضح صمت العالم عن الإبادة في غزة". ووفق الصحفي المغربي، رافق "حنظلة" ما بين 8 إلى 10 زوارق حربية طوال الرحلة التي استمرت قرابة 12 ساعة إلى ميناء أسدود ، حيث كان في استقبالهم جهاز الشرطة وممثلو الأمن الإسرائيلي، الذين تعاملوا بفظاظة ظاهرة ومهينة منذ اللحظة الأولى. وعند الوصول، ردد النشطاء شعار "الحرية لفلسطين" بصوت واحد، وهو ما أثار حنق الجنود الإسرائيليين، وتحول الغضب الرسمي إلى غضب شخصي ضد النشطاء، تجلى في التهديدات المباشرة والحرب النفسية في أثناء الاستجواب والاحتجاز. ويشير مراسل الجزيرة إلى أن التعامل مع النشطاء، خاصة المشاركين من جنسيات غير عربية، كان عدائيا، وخص بالذكر أميركيا من أصل أفريقي تعرض لمعاملة قاسية، مؤكدا أن جميع المعتقلين واجهوا ظروفا متردية داخل الزنازين. إعلان وكان المعتقلون محرومين من أي اتصال بالعالم الخارجي، حسب البقالي، ولم يكن يُسمح لهم بدخول الحمام إلا تحت المراقبة، وكان عليهم إبقاء الأبواب مفتوحة أمام الكاميرات، حتى في الزنزانة ضيقة المساحة. ويكشف عن أن لائحة الاتهامات التي وُجهت للمحتجزين كانت عبثية، إذ اتُهموا زورا بحيازة مخدرات والارتباط بتنظيمات إرهابية، رغم أن المهمة كانت إنسانية واضحة، وفق ما شدد عليه النشطاء أمام سلطات الاحتلال. ورغم الإفراج عن بعض النشطاء -ومنهم البقالي، والنائبة الفرنسية غابرييل كاتالا، ومصور الجزيرة، ومواطنان من أميركا وإيطاليا– فإن مصير 14 ناشطا آخرين لا يزال مجهولا، في ظل انقطاع المعلومات وتضارب الروايات. وفي هذا السياق، ناشد البقالي مجددا ضرورة إطلاق سراح زملائه الذين ما زالوا قيد الاحتجاز في سجن "جفعون"، مؤكدا أن بعضهم يواصل الإضراب عن الطعام، احتجاجا على إجراءات الترحيل القسري وممارسات الاحتلال. ورأى أن التعامل الإسرائيلي منذ لحظة الاعتراض وحتى الترحيل يعكس رغبة واضحة في إسكات الشهود ومنع الرواية من الوصول إلى الرأي العام، مشددا على أن القصة أقوى من الحصار، وأنها ستصل للعالم رغم محاولات الطمس. الرحلة لم تنته وعن لحظة المغادرة، قال البقالي إن ما حدث "ليس نهاية الرحلة، بل بداية لسرد جديد"، مؤكدا أن سفينة "حنظلة" وإن لم تصل إلى غزة، إلا أنها قرّبت العالم خطوة من معاناة سكانها، وكشفت للعالم حقيقة ما يجري في ظل التعتيم. في هذه الأثناء، لا تزال تداعيات احتجاز سفينة "حنظلة" تتفاعل، في وقتٍ يستعد فيه تحالف "صمود" لإطلاق إحدى أكبر القوافل البحرية المدنية، بمشاركة زوارق من 39 دولة، في محاولة رمزية جديدة لفك الحصار عن القطاع. وتحمل هذه المبادرة طابعا إنسانيّا ومدنيّا، وتهدف إلى فضح صمت الحكومات إزاء جرائم الحرب المستمرة في غزة، والتأكيد أن التضامن الشعبي العالمي ما زال قادرا على تجاوز الجدران البحرية والسياسية في آن. يُذكر أن مركز "عدالة" الحقوقي أكد -في بيان له- أن جميع النشطاء الموقوفين رفضوا إجراءات الترحيل السريع، وأصروا على تقديم مرافعات قانونية تثبت مشروعية تحركهم الإنساني، كما واصلوا إضرابهم عن الطعام داخل المعتقل. وشدد البقالي على أن المعركة اليوم لم تعد فقط من أجل كسر الحصار البحري، بل من أجل كسر جدار التواطؤ الدولي، وإعادة الاعتبار لصوت الشاهد والإنسان، في وجه منظومة احتلال لا تقبل أن تُفضَح جرائمها.

الدبلوماسية الإنسانية.. كيف تتحول الحلول إلى أدوات إطالة لأزمة غزة؟
الدبلوماسية الإنسانية.. كيف تتحول الحلول إلى أدوات إطالة لأزمة غزة؟

الجزيرة

timeمنذ 4 ساعات

  • الجزيرة

الدبلوماسية الإنسانية.. كيف تتحول الحلول إلى أدوات إطالة لأزمة غزة؟

بينما تتوالى مشاهد إسقاط المساعدات جوا فوق قطاع غزة ، تتسع الفجوة بين ما يُروّج له دبلوماسيّا على أنه جهود إنسانية وبين واقع الغزيين المحاصر بالموت والجوع. تلك المفارقة بين المشهد التلفزيوني وصورة الأطفال الذين ينهارون جوعا تختصر ملامح مقاربة إسرائيلية باتت تستخدم فيها "الدبلوماسية الإنسانية" كأداة سياسية لتخفيف الضغط الدولي من دون أي نية حقيقية لإنهاء الكارثة. فالحكومة الإسرائيلية -وفق تحليل الكاتب والمحلل السياسي أحمد الحيلة في حديثه لبرنامج "مسار الأحداث"- لا تسعى فعليا إلى تخفيف معاناة الغزيين، بقدر ما توظف "بروباغندا" الإسقاطات الجوية لتنفيس الغضب الدولي والشعبي ضدها، لا سيما مع تفاقم الاتهامات بارتكاب جرائم إبادة جماعية. هذه المسرحيات الإنسانية، التي تُنفّذ على مرأى العالم، لا تمثّل سوى "قطرة في بحر" الاحتياجات الأساسية لقطاع يتضور جوعا، ويحتاج إلى مئات الشاحنات يوميا وليس حفنات من المساعدات المتساقطة في مناطق خاضعة لسيطرة الاحتلال. المقاربة الإسرائيلية لا تُقاس هنا بحجم المساعدات بل بغاياتها السياسية، فبدلا من فتح المعابر البرية وتمكين الأمم المتحدة من توزيع المساعدات بفعالية، تلجأ تل أبيب إلى منهج التفاف إنساني يمنحها مظلّة لمواصلة حربها، ويمنع عنها مزيدا من العزلة الدولية. الخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور بلال الشوبكي يرى أن إسرائيل وجدت في هذه الخطوة وسيلة لتقديم "صورة مقابل صورة"، مقابل صور المجاعة التي حرّكت الضمير العالمي، خصوصا مع بروز مؤشرات على تململ حتى داخل إسرائيل. وما يبدو ظاهريا مبادرة إنقاذية، يخفي -وفق تحليل الشوبكي- رسالة تفاوضية مزدوجة: مفادها أن إسرائيل ما زالت تمسك بزمام اللعبة، وأنها مستعدة للحديث مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) فقط في سياق صفقات الأسرى، وليس لإدارة شؤون غزة أو رفع الحصار. بهذا المعنى تتحول المساعدات إلى أدوات تكتيكية في يد تل أبيب، تُستخدَم حين تشتد الضغوط، وتُسحب حين تنتفي الحاجة إليها. ولا تقف الازدواجية عند إسرائيل، بل تشمل أيضا الموقف الأميركي، الذي يتجلى في تصريحات الرئيس دونالد ترامب ، إذ يعرب عن "قلقه" من المجاعة في قطاع غزة، ثم لا يتخذ أي خطوات ملموسة لتسهيل تدفق المساعدات. ويذهب السفير الأميركي السابق بيتر غالبريث إلى أن الولايات المتحدة -بقيادة ترامب- تتصرف أحيانا بلا انتظام أو معنى، فتارة تشكك في وجود مجاعة، وتارة تطالب بإنهائها، بينما الواقع على الأرض يؤكد استمرار الحصار والتجويع بلا هوادة. غالبريث اعتبر أن إسقاط المساعدات من الجو وسيلة غير فعالة، بل عبثية، خاصة إذا قورنت بوفرة المساعدات المخزنة خلف المعابر المغلقة، ويحمّل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن تعقيد الوضع الإنساني لرفضها التعاون مع الأمم المتحدة وحرمان مسؤوليها من دخول القطاع. كما أشار إلى أن الإصرار الأميركي على إبقاء ملف المساعدات خارج أيدي الأمم المتحدة يعكس تحالفا ضمنيا مع إسرائيل في إدارة التجويع كوسيلة ضغط سياسي. وعلى وقع هذه الممارسات، تتنامى مؤشرات التغير في الرأي العام الغربي، فكما يلفت الشوبكي، باتت الصور الآتية من غزة تصنع رأيا عاما مستقرا، لا مجرد موجات غضب مؤقتة، وهو ما قد يؤثر على تشكيل نخب سياسية مستقبلية في دول غربية طالما وقفت خلف إسرائيل. لكن هذا التحول -رغم أهميته- يفتقر حتى الآن إلى التأطير الفلسطيني والعربي الذي يترجمه إلى ضغط منظم وفعّال على مراكز القرار الدولية. وبدأت التقارير الأممية والحقوقية بدورها تكسر جدار الصمت داخل إسرائيل، فمنظمة "بتسيلم" ذاتها وصفت ما يجري بأنه إبادة جماعية، في سابقة بالغة الدلالة على عمق الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه بشأن أخلاقيات الحرب. واعتبر غالبريث أن هذا الموقف من داخل إسرائيل يعكس تصدعا في رواية تل أبيب الرسمية، ويضيف ثقلا أخلاقيا لحملة الاتهامات الدولية الموجهة لها. ورغم كل هذا الزخم، فلا تزال العدالة الدولية في موقع المتفرج، فمحكمة الجنايات الدولية، ورغم إصدارها مذكرات اعتقال بحق رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق، فلم تتمكن من المضي قدما في تنفيذها. ويعزو الحيلة هذا العجز إلى المظلة الأميركية التي تمنح نتنياهو الحصانة السياسية، بل وتدفع الكونغرس إلى تقنين العقوبات ضد القضاة أنفسهم، وهذا السلوك، وفق المحلل ذاته، يفضح مدى انحراف واشنطن عن مبادئ العدالة، ويجعل من إسرائيل "دولة فوق القانون" قادرة على ارتكاب الجرائم من دون محاسبة. وفي حين تبدو الدعوات إلى محاسبة إسرائيل مجرد تكرار لمواقف إعلامية مألوفة، يعكس حديث غالبريث شيئا من الأمل، مستشهدا بتجربة يوغوسلافيا السابقة، إذ تمكنت العدالة الدولية من ملاحقة مجرمي الحرب رغم التشكيك الواسع حينها، لكنه يقر بأن الطريق طويل، وأن النيات وحدها لا تصنع العدالة. كل ذلك يعيد طرح سؤال أساسي: هل المساعدات فعلا إنقاذ للمدنيين أم غطاء لإطالة أمد المجزرة؟ وتتضح الإجابة مع استمرار القتل اليومي في غزة، فكما يرى الشوبكي، فإن النخب الإسرائيلية الحاكمة لا تكترث لصورتها، بل تؤمن أن "أهداف الحرب" تبرر كل الوسائل، بما في ذلك إدارة المجاعة بحنكة سياسية. وعليه، فإن "الدبلوماسية الإنسانية" لم تعد تعبيرا عن التزام أخلاقي أو قانوني، بل باتت أداة ناعمة في خدمة أجندة عسكرية تواصل سحق قطاع بأكمله، وفق ما خلص إليه محللون في حديثهم للجزيرة.

خبير عسكري: محاولة اختراق موقع محصن للواء كفير هدفه أسر قادة إسرائيليين
خبير عسكري: محاولة اختراق موقع محصن للواء كفير هدفه أسر قادة إسرائيليين

الجزيرة

timeمنذ 4 ساعات

  • الجزيرة

خبير عسكري: محاولة اختراق موقع محصن للواء كفير هدفه أسر قادة إسرائيليين

تعكس محاولة اقتحام موقع محصن يضم جنودا من لواء كفير في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة ، رغبة المقاومة في الوصول لقيادات الألوية الموجودين في القطاع، حسب الخبير العسكري العقيد ركن نضال أبو زيد. فقد أكدت هيئة البث الإسرائيلية أن الجيش تمكن من تجنب كارثة أمس الاثنين عندما حاول مقاتلون تابعون للمقاومة اختراق الموقع المحصن، لكنها لم تسرد مزيدا من التفاصيل. ورغم فشل العملية، إلا أنها تؤكد إصرار المقاومة على أسر جنود أو قادة إسرائيليين وخصوصا التابعين للواء كفير الذي يعاني إنهاكا شديدا بسبب قتاله في مناطق مختلفة، وفق ما قاله أبو زيد في تحليل للمشهد العسكري بالقطاع. ويتبع لواء كفير الفرقة 99 التي تعمل حاليا في شمال القطاع، ومن ثم فإن وجوده في الجنوب يؤكد قيام جيش الاحتلال بإعادة تدوير قواته بسبب عدم امتلاكه قوات طازجة لم تشارك في المعارك من قبل. وتفرض إسرائيل تعتيما على تفاصيل الحادث لكنه يبدو مرتبطا بحدث عملياتي وليس نتيجة اشتباكات، كما أنه يبدو متعلقا بسلاح الهندسة الذي ارتبط اسمه مؤخرا بجملة من الأخطاء التي أدت لإصابة ومقتل جنود، ويشير هذا إلى تآكل الرغبة في القتال لدى جنود الاحتلال، كما يقول أبو زيد. وأمس الاثنين، أفادت مواقع إسرائيلية بإصابة 6 جنود إسرائيليين خلال القتال في قطاع غزة ، أحدهم في حالة حرجة، وذكر موقع حدشوت بزمان أن الجيش الإسرائيلي نفذ إجلاء بطائرة مروحية إلى مستشفى "شعاري تسيدك" في القدس.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store