logo
سقوط إيلات: كيف كشفت الضربات اليمنية الضعف البنيوي لـ"إسرائيل"؟

سقوط إيلات: كيف كشفت الضربات اليمنية الضعف البنيوي لـ"إسرائيل"؟

في 20 تموز/ يوليو2025، أُعلن رسميًا إغلاق ميناء إيلات في داخل الكيان الإسرائيلي، بعد أن أصبح عاجزًا عن الاستمرار اقتصاديًا وأمنيًا نتيجة التصعيد العسكري اليمني في البحر الأحمر. هذا القرار لم يكن مفاجئًا، بل جاء تتويجًا لتدهور تدريجي بدأت ملامحه بالظهور منذ أواخر عام 2023، مع بدء العمليات البحرية التي نفذتها أنصار الله إسناداً لغزة، والتي كشفت هشاشة المرافق الإسرائيلية الحيوية، وحولت إيلات إلى رمز لانهيار منظومة الملاحة والاقتصاد في جنوب الكيان المؤقت.
كان ميناء إيلات يشكل حلقة استراتيجية تربط بين آسيا وأوروبا عبر قناة السويس، ويُعد منفذ الكيان الوحيد على البحر الأحمر. ومع ذلك، تلقى هذا المرفق ضربات شديدة جرّاء العمليات البحرية اليمنية، والتي أدت إلى شبه توقف تام لحركة الشحن، وارتفاع تكاليف التأمين بنسبة 270%، ما أجبر الشركات العالمية على تجنب المرور عبره. بلغت خسائر الميناء ذروتها مع تراكم ديون تجاوزت 100 مليون دولار، وانخفاض الإيرادات بنسبة 85%، حتى أعلنت بلدية إيلات حجز الحسابات البنكية للميناء لعجزه عن دفع الضرائب، ما أنهى عمليًا أي أمل بإنعاشه.
الضربات اليمنية لم تقتصر على تعطيل الشحن، بل شملت أيضًا استهدافات دقيقة لأعماق الكيان، أبرزها في 16 تموز/ يوليو 2025، حين أعلنت أنصار الله عن أربع عمليات متزامنة استهدفت ميناء إيلات، مطار بن غوريون، ومنطقة النقب، باستخدام صواريخ باليستية من طراز 'ذو الفقار' وطائرات مسيّرة متطورة. وبينما حاول جيش الاحتلال التخفيف من حجم الخسائر، أكدت المقاومة إصابة الأهداف بدقة. وأثبت غرق سفينتين تجاريتين اليونانية 'Eternity C' و'Magic Seas' خلال اقترابهما من الميناء، قدرة الحوثيين على التحكم بمسار التجارة في البحر الأحمر، وأجبر السفن الدولية على الانسحاب من خطوط الشحن المرتبطة بـ'إسرائيل'.
انعكست هذه الضربات بآثار كارثية على الاقتصاد الإسرائيلي، خصوصًا في مجالات التجارة، السيارات، والطاقة. إذ كان يمر عبر ميناء إيلات نحو 5% من التجارة الإسرائيلية، و50% من واردات السيارات، التي توقفت بالكامل منذ نوفمبر 2023، ما أدى إلى تكدس عشرات آلاف المركبات. كما تعطلت مشاريع استراتيجية مثل خط أنابيب النفط 'إيلات-عسقلان'، الذي ينقل النفط الإماراتي إلى أوروبا، ومشروع السكك الحديدية العملاق الذي يربط بين إيلات وحيفا وأشدود، بتكلفة 27 مليار دولار، والذي توقفت أعماله بسبب تهديدات المقاومة البحرية.
في السياق السياحي، لم تسلم مدينة إيلات من الانهيار. كانت المدينة تستقبل قرابة مليون سائح سنويًا، لكنها أصبحت في قلب التأهب الأمني، وحالة شلل اقتصادي شبه تام. إغلاق الطرق الرئيسة، ومنها شارع 12، والانتشار العسكري الكثيف، أديا إلى تراجع كبير في الحركة السياحية، وسط توقعات بخسائر بملايين الشواكل، مع انخفاض ملحوظ في أعداد الزوار، وتدهور الثقة بالمنطقة كوجهة آمنة.
ردًا على ذلك، سعى الكيان المؤقت إلى احتواء الكارثة عبر طلب تدخل أميركي مباشر لاستهداف القوات اليمنية، وتشكيل تحالف دولي لحماية الملاحة، ما يُعد إقرارًا بفشل المنظومات الإسرائيلية في مواجهة هذا النوع الجديد من التهديدات. مجلس الأمن الدولي بدوره مدّد مهمة مراقبة الهجمات في البحر الأحمر، لكن الانقسام بدا واضحًا، مع امتناع روسيا والصين والجزائر عن التصويت، ما يُظهر تعاظم شرعية المقاومة اليمنية في وجه الهيمنة الإسرائيلية-الأميركية في نظر بعض الدول.
الأهمية الاستراتيجية لإيلات لا تنفصل عن تاريخها العسكري، إذ سبق أن تعرضت لغارات مصرية في حرب الاستنزاف، ما يعكس موقعها الحساس كنقطة تماس دائمة مع حركات المقاومة. ورغم محاولات الاحتلال تحصين المدينة بجدران خرسانية وأنظمة دفاع متقدمة، أثبتت الضربات اليمنية أنها لا تزال هدفًا هشًّا في عمق الكيان، وبأن المقاومة قادرة على نقل المعركة إلى ما بعد الحدود التقليدية.
في ضوء هذه التطورات، يمكن القول إن أزمة ميناء إيلات ليست أزمة محلية فقط، بل هي مؤشر على تحوّل استراتيجي في ميزان القوى الإقليمي. أنصار الله، بوصفهم جزءًا من محور مقاوم يمتد من اليمن إلى غزة، نجحوا في فرض معادلة ردع جديدة، عنوانها أن لا منفذ آمن للاحتلال. وقد أكد السفير اليوناني في مجلس الأمن أن ما يجري يهدد سلاسل الإمداد العالمية، ما يعكس البُعد العالمي للأزمة، ويُظهر أن المعركة لم تعد فقط على حدود فلسطين، بل باتت تشمل خطوط التجارة والطاقة والملاحة الدولية.
في المحصلة، أصبح ميناء إيلات شاهدًا على الانكشاف الاستراتيجي للكيان المؤقت، وتحول من رمز للتوسع والانفتاح الاقتصادي، إلى شاهد على انكماش القوة وضعف الردع. لقد فرضت المقاومة اليمنية واقعًا جديدًا، لم يكن أحد يتوقعه قبل أعوام، واقعٌ يعيد تشكيل خريطة الصراع، ويثبت أن المعركة مع الاحتلال باتت تمتد من صعدة إلى عسقلان، ومن غزة إلى البحر الأحمر.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الاتفاق التجاري غير المتوازن مع ترامب يهدد 'مكانة' الاتحاد الأوروبي في النظام العالمي
الاتفاق التجاري غير المتوازن مع ترامب يهدد 'مكانة' الاتحاد الأوروبي في النظام العالمي

اليمن الآن

timeمنذ 14 دقائق

  • اليمن الآن

الاتفاق التجاري غير المتوازن مع ترامب يهدد 'مكانة' الاتحاد الأوروبي في النظام العالمي

يمن إيكو|تقرير: يواجه الاتحاد الأوروبي مخاوف بشأن تدهور مكانته الجيوسياسية، بعد الاتفاقية الأولية التي تم التوصل إليها مع الولايات المتحدة هذا الأسبوع بشأن الرسوم الجمركية، والتي نُظر إليها على نطاق واسع كاستسلام أوروبي لمنطق القوة الأمريكي. وقالت وكالة 'بلومبرغ'، اليوم الثلاثاء، إن شروط الاتفاق الذي تم التوصل إليها 'ستشكل ضربة قوية للشركات الأوروبية'، حيث وافق الاتحاد الأوروبي على تحمل رسوم جمركية بنسبة 15% على معظم صادراته إلى الولايات المتحدة، فيما ستبقى الرسوم على الواردات من الولايات المتحدة عند 1% أو أقل. وأشارت الوكالة إلى أنه 'حتى في ظل هذه الشروط غير المقبولة، قد يواجه الاتحاد الأوروبي صعوبة في الوفاء بالتزاماته الجديدة تجاه الولايات المتحدة' فقد وعدت المفوضية الأوروبية بشراء منتجات طاقة أمريكية بقيمة 750 مليار دولار على مدى السنوات الثلاث المقبلة، وأعلنت عن استثمارات إضافية بقيمة 600 مليار دولار. ووفقاً للوكالة فإن الاتحاد الأوروبي استورد منتجات طاقة أمريكية بقيمة 80 مليار دولار العام الماضي، بينما بلغ إجمالي صادرات الطاقة الأمريكية 330 مليار دولار فقط، وبالتالي من الصعب تصور كيف سيحقق الاتحاد الأوروبي تعهداته فيما يتعلق بشراء منتجات الطاقة الأمريكية. ولا زالت الرسوم الجمركية على صادرات الاتحاد الأوروبي من المعادن، والبالغة 50%، تشكل نقطة خلاف في المفاوضات. وبحسب مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي فإن 'الولايات المتحدة والاتحاد يعملان على التوصل إلى بيان مشترك غير ملزم قانوناً بحلول الأول من أغسطس، يتناول بالتفصيل بعض البنود التي تم التفاوض عليها، وبمجرد الانتهاء من صياغة البيان، ستبدأ الولايات المتحدة بخفض رسومها الجمركية على قطاعات محددة، لا سيما على السيارات وقطع غيارها، التي تواجه حالياً رسوماً بنسبة 27.5%'. استسلام أوروبي: وفيما سيستغرق التوصل إلى نص قانون ملزم وقتاً طويلاً وسيتطلب موافقة أغلبية دول الاتحاد وربما البرلمان الأوروبي، فإن ما تم التوصل إليه حتى الآن قد خلق انطباعاً واسعاً باستسلام أوروبي للولايات المتحدة. ونقلت وكالة 'بلومبرغ' عن وزيرة الخارجية الإسبانية السابقة، أرانشا غونزاليس لايا، قولها إنه: 'من الناحية الاقتصادية، هذه اتفاقية غير جيدة، ومن الناحية الجيوسياسية، تُعتبر هزيمة'. وأضافت: 'هذه الاتفاقية تُصغر حجم الاتحاد الأوروبي'. كما نقلت عن دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى، قوله إن 'الاتفاق سيجبر مسؤولي الاتحاد الأوروبي على إعادة النظر في مكانتهم في النظام العالمي'، مضيفاً أنه 'على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي قد يعتبر نفسه قوة تجارية عظمى، إلا أن نتائج نهاية الأسبوع تُظهر أن ذلك لم يعد كافياً للدفاع عن مصالحه في وقتٍ يستعد الخصوم الجيوسياسيون لاستخدام أشكال أخرى من النفوذ'. وبحسب الوكالة فقد 'أقر سفراء أوروبيون اجتمعوا في بروكسل يوم الإثنين بأن فون دير لاين ليس لديها خيار سوى قبول مثل هذه الصفقة غير المتوازنة لأن البدائل كانت ستكون أسوأ'. وأضافت أن 'الرد على الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب لم يكن ليؤدي فقط إلى المخاطرة بحرب تجارية لا تستطيع حكومات الاتحاد الهشة تحملها، بل كان سيعرض للخطر إمدادات الغاز الطبيعي المسال الأمريكي التي ساعدت في استقرار أسعار الطاقة الأوروبية منذ غزو روسيا لأوكرانيا، وربما حتى الدعم الأمريكي لأمن أوروبا'. ونقلت الوكالة عن مفوض الاتحاد الأوروبي ماروس سيفكوفيتش، الذي قاد المفاوضات مع إدارة ترامب، للصحفيين قوله إن: 'الأمر لم يكن يتعلق بالتجارة فحسب'. واعتبرت الوكالة أن 'لعبة القوة التي مارسها ترامب كشفت الكثير عن التكاليف الاستراتيجية التي يتكبدها الاتحاد الأوروبي نتيجة لرهن أمنه على المدى الطويل بالولايات المتحدة لعقود من الزمن، على افتراض أنه سيكون لديه دائماً شريك حميد إلى حد ما في البيت الأبيض'.

رئيس الوزراء يعزي رئيس الفريق الاقتصادي بوفاة والدته
رئيس الوزراء يعزي رئيس الفريق الاقتصادي بوفاة والدته

اليمن الآن

timeمنذ 14 دقائق

  • اليمن الآن

رئيس الوزراء يعزي رئيس الفريق الاقتصادي بوفاة والدته

[29/07/2025 06:51] عدن - سبأنت بعث رئيس مجلس الوزراء سالم صالح بن بريك، برقية عزاء ومواساة، إلى رئيس الفريق الاقتصادي، حسام عبدالحبيب الشرجبي، بوفاة المغفور لها بإذن الله تعالى والدته الفاضلة. وعبر دولة رئيس الوزراء، عن خالص تعازيه وصادق مواساته لرئيس الفريق الاقتصادي، وجميع أفراد اسرته بهذا المصاب الأليم .. سائلاً الله عز وجل أن يتغمدها بواسع رحمته وعظيم غفرانه، ويسكنها فسيح جناته، ويلهم أهلها وذويها الصبر والسلوان، و "إنا لله وإنا إليه راجعون".

الولايات المتحدة ترصد أعلى مكافأة ضد قيادي يمني في 'القاعدة'
الولايات المتحدة ترصد أعلى مكافأة ضد قيادي يمني في 'القاعدة'

اليمن الآن

timeمنذ 14 دقائق

  • اليمن الآن

الولايات المتحدة ترصد أعلى مكافأة ضد قيادي يمني في 'القاعدة'

في تصعيد جديد لاستراتيجيتها لملاحقة قيادات الإرهاب في اليمن، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن رفع المكافأة المالية إلى 10 ملايين دولار مقابل معلومات تؤدي إلى تحديد مكان أو هوية سعد بن عاطف العولقي، زعيم تنظيم 'القاعدة في شبه جزيرة العرب'، ليُصبح بذلك أعلى المطلوبين اليمنيين ضمن قوائم الإرهاب الأمريكية. وجاء الإعلان من خلال برنامج 'مكافآت من أجل العدالة' التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، الذي أوضح أن هذه الخطوة تأتي في ظل تصاعد التهديدات الصادرة عن التنظيم، ونشاطه المتزايد داخل اليمن، خاصة في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة. العولقي، الذي تولى قيادة التنظيم عام 2024، يُعد من أبرز الأسماء المتورطة في التخطيط لهجمات ضد مصالح أميركية وغربية، وفق الخارجية الأمريكية، التي أشارت إلى ضلوعه في عمليات اختطاف لمواطنين أميركيين، عندما كان يقود فرع التنظيم في محافظة شبوة، جنوب اليمن. ويُنظر إلى فرع 'القاعدة في جزيرة العرب' على أنه الأكثر خطورة وفعالية بين فروع التنظيم العالمي، حيث يُستغل الوضع الأمني المتدهور في اليمن لتوسيع نشاطه والتخطيط لهجمات عابرة للحدود. إلى جانب العولقي، عرضت واشنطن مكافآت مالية أخرى تشمل: 5 ملايين دولار مقابل معلومات عن القيادي إبراهيم البنا. 4 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات حول إبراهيم أحمد محمود القوصي. ويُعتقد أن كلا الرجلين يحتلان مواقع قيادية بارزة في الهيكل العملياتي للتنظيم، ويشاركان بشكل مباشر في التخطيط والتجنيد والدعاية. وأكدت الخارجية الأمريكية أن تقديم المعلومات ممكن من داخل أو خارج الولايات المتحدة، مع ضمان السرية التامة للمبلّغين. كما أوضحت أن برنامج 'مكافآت من أجل العدالة'، الذي يديره جهاز الأمن الدبلوماسي، ساهم منذ تأسيسه عام 1984 في تفكيك شبكات إرهابية من خلال مكافآت تجاوزت 250 مليون دولار لقرابة 125 شخصًا قدموا معلومات نوعية. ويأتي هذا التصعيد في سياق أوسع لملاحقة عناصر 'القاعدة' في اليمن، وسط مخاوف دولية من تنامي نفوذ التنظيم نتيجة حالة الفراغ الأمني والانهيار المؤسسي في البلاد.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store