
تسعون دقيقة اختزلت ثلاثين عاماً من حياتي مع محمد بن زايد…وزايد
كان مشهداً مسائياً مهيباً عندما وصلت الطائرة أجواء أبوظبي قبل ثلاثين عاماً، حيث تلألأت المدينة كأنها الدر المنثور في فضاء الأرض، معلنةً حالةً فريدة لشابٍ حالم في منتصف العشرين من عمره حملته الأقدار إلى هنا ليبدأ حياته.
من أمام المطار إنطلقت السيارة لتجوب شوارع المدينة حيث الأبراج والأنوار واللوحات الإعلانية الكبيرة، فكل شيء هنا كان مختلفاً. مدينةٌ عصرية بامتياز، شعوبٌ وقبائل وخليط من الثقافات والجنسيات المختلفة تحيا بتناغمٍ عجيب، أما انتظام الحياة فكان متناسقاً في كل شيء ويدعوك بقوة لتبدأ رحلة الحياة.
كانت سيرة الشيخ زايد قد بلغت أقطاب الأرض لتخبر العالم عن قائد هذا الوطن، عن هذا الرجل الحكيم الذي اعتنى بأمته خير عناية. رجل جمع قادة الوطن ووحدهم هو وأخوه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم طيب الله ثراهما، حتى صنعا معاً أسطورة النجاح في دولةٍ لا تعرف النوم، دولةٌ تسابق الريح نحو القمة والمجد.
في دولة الإمارات كان كل شيء يحفزك نحو التفرد في الإنجاز والتحدي والنجاح، فشيوخها لا يقبلون إلا بالمركز الأول، هي دولةٌ تستقبل كل الأفكار وتتعامل معها وتطورها ثم تحولها إلى حقائق، وضع لها المؤسس خريطة طريقٍ يصعب على أي قائدٍ أن يضعها، وربما كانت هناك رسالة بين القادة المؤسسين حكام الإمارات يريدون توجيهها إلى العالم أجمع أنهم يستطيعون باتحادهم خلق تعايشٍ ونهضةٍ وسلامٍ ووطنٍ آمن، إنها رسالة المسؤولية التي تجعل الرجال رجال عصرهم.
كل شيء في هذه الدولة يخبرك أن وراءها رجلا حكيما ميزّه الله عن رجال زمانه بالحكمة والشجاعة، فكان لي الشرف بصفتي إعلاميا أن أشارك في صناعة فيلم وثائقي عن هذا القائد الملهم، حيث أيقنت أن تلك الإنجازات لم تتحقق بسهولة، بل واجهتها تحديات وصعاب جعلت من إنجازها شيئاً أبهر العالم بأكمله، وقد كان لقاء تخلدت لحظاته في مسيرة حياتي. كان الأب الحاني والقائد الفذ والرجل الكريم الحكيم.
كانت خطتي أن أقيم في هذا البلد عاماً أو عامين ثم أعود أدراجي إلى وطني الأم كما يفكر كل شخص يحمل حقائبه للسفر، لكنني بعد انقضاء العام الأول وجدت نفسي مغرماً بكل شيء، ووجدت نفسي بكل حبٍ وشغف أشارك مع أبنائها في صياغة المستقبل الموعود الذي نفتخر به.
كانت مشاركتي في نهاية التسعينيات ضمن الفريق الحكومي الذي نفذ مسيرة التحول من حكومة ورقية إلى حكومة إلكترونية ثم إلى حكومة ذكية ثم إلى حكومة رقمية، إلى أن أصبحت اليوم حكومة تسبر علوم الفضاء وتعانق المريخ.
إنها رحلة التحدي التي تقودك إلى أن تكون متميزاً ما دمت اخترت الإمارات وطناً لك. فاجتهدت وطوّعت أدوات الإعلام بأفكار مبتكرة صنعت من خلالها وبفضل الله تعالى مشاريع سبّاقة في حينها، وكان الهدف أن أكون كالابن البار بهذا الوطن يصنع الأفكار ويبدع في تنفيذها إكراما لمسيرة التنمية والريادة التي قادها الوالد المؤسس للدولة.
عزمت على أن أصنع إعلاماً يخدم الوطن والمجتمع، فكنت أول من صنع شخصية كرتونية تفاعلية (شخصية مدهش) تتحدث مع الأطفال في بث مباشر عام 2002، وأسست ما يقارب 10 قنوات تلفزيونية، ثم دخلت موسوعة غينيس العالمية بأكبر بث تلفزيوني مشترك في العالم، ويومها اخترت أن يكون الموضوع عن الأم الحاضرة في كل هذا الإنجاز فكان موضوع البث عن سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك حفظها الله "أم الإمارات"، ثم أسستُ الحملة الوطنية "أنا أحب الإمارات" التي غمرت فعالياتها أرجاء الوطن، وصكّ البنك المركزي لها درهما تذكاريا يخلد تأثيرها الطيب.
أسستُ عائلتي، فأصبح قراري الأخير أن هذه الدولة هي المستقر الدائم لنا. تبدو مستقراً آمناً وجميلاً يحتضن حياتنا وتكبر فيه أحلامنا وآمالنا، فقد كان ولداي فرح وعمر كلما سافرنا خارج الإمارات لا يلبثان إلا بضعة أيام ليطلبا مني بإلحاح أن نعود إلى الإمارات، إلى حيث ولدا وعاشا وكبرا.
وإني لأقول شهادة حق يتوجب أن يقولها كل مخلصٍ عاش في هذه الدولة، هي أن أبناءها يحملون في إرثهم وشخصياتهم التواضع والتسامح والكرم واحترام العادات والتقاليد وصون القيم الأصيلة. هناك كمّ من المشاهد تحضرني الآن، والأحداث التي عشتها تثبت بكل تأكيد أن الشعب الإماراتي مميز بكل المقاييس. ففي إحدى المرات التي دعاني فيها أحد الشيوخ لمرافقته في رحلة صيد بحرية، كان حينها يرتدي ملابس رياضية، وما أن وصلنا إلى الشاطئ حتى حضر إلينا أحد أفراد الشرطة (لم يكن إماراتي الجنسية) وهو يتوجه إليه بأسلوب حازم منبهاً أن الصيد هنا محظور وأنه سيحرر مخالفة بحقه. لم يكن ذاك الشرطي يعرف الشيخ، فأخذ يحرر المخالفة ناظراً إليه وسائلاً عن اسمه. فأجابه سموه قائلاً "نحن تحت أمرك ونتفهم أننا نستحق المخالفة، لكننا لم نكن نعلم حقيقةً أن الصيد ممنوع هنا في هذا المكان".
لكن الشرطي أصر على تحرير المخالفة فطلب الهوية الشخصية، فبادر الشيخ معتذراً منه بأنه لم يحضر هويته، ولكي لا يضع الشرطي في موقفٍ محرج طلب مني أن أعطيه هويتي ليقوم الشرطي بدوره بتحرير المخالفة باسمي، ثم ذهب. وهناك الآلاف من القصص التي تشهد على التواضع ورفعة أخلاق أبناء الإمارات واحترامهم القانون .
اليوم بعدما مضت ثلاثة عقود من حياتي، قُدّر لي أمس أن أقابل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة. أنا وصديقي محمد أديب حجازي الذي رافقته في هذه الزيارة كنا نتوقع أن اللقاء لن تتعدى مدته خمس دقائق، فهو سيد البلاد وحامل مسؤوليتها ولن يتسع وقته للقاءٍ طويل، وفي الطريق كانت أذهاننا قد بلغت حدها من التصورات والانطباعات المسبقة ونحن نتهيأ للحظة اللقاء ورهبتها، لكن ما أن وصلت بنا سيارة المراسم إلى الباب حتى كانت المفاجأة الكبرى، أن سموه يستقبلنا بشخصه على بوابة القصر.
كان هادئاً شامخاً مبتسماً، أما نحن فكانت أنفاسنا متسارعة وتكاد لا تسعفنا أن نكون على طبيعتنا، إلى أن سلمنا على سموه وصافحنا مُرحّباً بنا، ليكون استقباله الكريم لنا كالترياق الذي نشر الطمأنينة فينا، ثم جلسنا في حضرته نحتسي القهوة في حضور نجله الشيخ حمدان بن محمد بن زايد آل نهيان.
لقد حدثنا كالوالد والأخ والصديق وسألنا عن أبنائنا وعن سنهم ودراستهم وصحتهم وتفاصيل حياتهم، وكأنه يطمئن عن كل فرد من عائلتيْنا. وبتواضعٍ غير مسبوق بدأ الحوار مع كلينا، فكان ملهماً في كل ما قال، تحدث عن طفولته وشبابه ورؤيته للمستقبل، وتكلم بأصدق المشاعر عن دور المواطنين والمقيمين في مسيرة الدولة ونجاحها. أراد أن ينقل لنا الكثير من الرسائل وأكد لنا أن أبناء الوطن والمقيمين على أرضه هم شركاء معاً في بناء الوطن وصون قيمه والدفاع عنه.
كان حديثه مسترسلاً جميلاً شيقا يخاطب العقول والقلوب، وكانت تتردد في مسامعي وفي أعماقي جملته التي يعلمها الجميع "لا تشيلون هم"، تلك الجملة الخالدة التي خاطب بها أبناء الوطن والمقيمين على أرضه مُطَمئناً إياهم أثناء جائحة كورونا عام 2020، وشاهد العالم بأسره كيف كان رد الجميع على جملته في حينها من خلال شرفات المنازل والشقق يصدحون بصوت عالٍ "عيشي بلادي عاش اتحاد إماراتنا"، معلنين انتماءهم وحبهم وولاءهم لهذا الوطن ولقائده الفذ الحكيم.
كان أمامنا يتحدث عن قضايا الوطن والأمة بكلمات عفوية تجعلك تشارك في الرأي باطمئنان بالغ، إلى أن مضى الوقت بنا ولم نشعر.
لقد كان الذي يجلس أمامنا هو تلك الشخصية التي عايشتها منذ ثلاثة عقود ورأيت أصداءَ اتحادها وقيمِها تملأ العالم، كان الذي يتحدث يوم أمس أمامنا هو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، بطريقته وأفكاره ورؤيته ومسؤوليته وشعوره تجاه الوطن والقضايا العربية، ومضت تسعون دقيقة شكلت بالنسبة الينا الحياة بكل ما تعني الكلمة.
لم يكن الذي رأيناه يوم أمس الشيخ محمد بن زايد، إنه زايد بكل صفاته وخصاله، محمد بن زايد ... زايد، ولا يعلو على هذا الصوت صوت.
إنها رسالة نقدمها نحن المقيمين على هذه الأرض الطيبة باسمنا جميعاً، نعاهدك أن نكون دائماً عند حسن ظنك نحمل همّ الوطن ونحافظ عليه ونكون شركاء في رفعة شأنه.
تسعون دقيقة جلسناها معك يا سيدي كانت شرفاً ووساماً نضعه مدى الحياة على صدورنا . "محمد بن زايد ... زايد" .

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

القناة الثالثة والعشرون
منذ 42 دقائق
- القناة الثالثة والعشرون
غارات الضاحية... نزوح واسع وخوف من عودة الحرب
ليلة عيد أضحى قاسية عاشها سكان الضاحية الجنوبية لبيروت مساء الخميس. فبينما كانت الغالبية منشغلة بتحضيرات العيد وشراء حاجياتها، أتى التحذير الإسرائيلي بوجوب الإخلاء، وانتشرت صور خرائط المباني التي تنوي إسرائيل استهدافها، لتنقلب الأمور رأساً على عقب، ويعيش الناس لحظات من الرعب والقهر، وهم يحاولون النجاة بأنفسهم. وقد شهدت المنطقة إطلاق نار كثيفاً كي يبتعد الناس ويخرجوا إلى أماكن أكثر أماناً، ما تسبب بزحمة سير خانقة في ظل مشهد النزوح الكبير، لا سيما وأن المباني المهددة كانت موزعة بين الحدث وحارة حريك وبرج البراجنة، حيث الكثافة السكانية. وشملت الغارات الإسرائيلية أيضاً عين قانا في جنوب لبنان. لحظات صعبة... ضياع وخوف يقول علي، الذي يسكن على مقربة من أحد المباني المستهدفة في حارة حريك: «عشنا لحظات صعبة فيها الكثير من الضياع والخوف، قبل أن نتمكن من الوصول إلى الكورنيش البحريّ لبيروت، حيث مكثنا حتّى انتهت الضربات الإسرائيلية». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «هو الاستهداف الأعنف منذ وقف إطلاق النار، وأتى في ليلة عيد والناس يحاولون عيش لحظات فرح». إذ يشكل العيد فرصة ومناسبة لدى المسلمين في لبنان للتلاقي وقضاء وقت مميز مع العائلة. يروي تفاصيل اللحظات الأولى للإعلان: «كنا في جلسة عائلية، حين رن هاتفي لأكتشف أن الاستهداف (سيحصل) في الشارع الموازي لمكان سكننا، حيث بدأ شبان الحي يقرعون الأجراس ويطلبون منا الإخلاء». ويضيف: «خرجنا بسرعة؛ بما نرتدي من ملابس، ليس أكثر، تفاجأنا بزحمة سير خانقة في المشرفية، حيث انقلبت شاحنة وعرقلت السير هناك، لكننا تمكنا من الخروج قبل ثالث استهداف... كان صوت الضربات قوياً للغاية». وهذه المرة الرابعة التي تستهدف فيها إسرائيل الضاحية الجنوبية لبيروت منذ خريف العام الماضي، وسط مخاوف من عودة الحرب. يقول علي: «في المرات السابقة، بقينا داخل منازلنا، لكن بالأمس كانت الهجمات عنيفة وكثيفة في آن، ما جعلنا نعتقد أنها حرب مفتوحة ولن تنتهي خلال ساعات». وطوال ساعات الانتظار، كان علي يترقب وصول خبر يشي بانتهاء الضربات على الضاحية، ولم يعد إلى منزله إلا فجراً: «عدنا لكنني لا أقوى على تفقد مكان الغارات؛ إنه القهر ليس أكثر، لا نعلم متى سينتهي وكيف». وعلي أصلاً من سكان بئر العبد القريبة، ودمرت إسرائيل منزل عائلته قبل 3 أيام من وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في تشرين الثاني الماضي. وهو الآن يقطن وعائلته في منزل شقيقه في حارة حريك. وقد فضلوا عدم قضاء عطلة العيد المبارك في قريتهم بجنوب لبنان خوفاً من أيّ تطور أمني هناك. خسارة البيت للمرة الثانية وعلى مقربة من الضربة التي أصابت منطقة السان تريز في الحدت، يقول محمد: «بفضل الله تمكنا من إخراج جدي وجدتي من منزلهما الواقع في مبنى ملاصق لمكان الاستهداف، وذلك قبل الغارة بقليل». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «المنزل شبه مدمر، الأثاث والمقتنيات وكل ما فيه مبعثر، حتّى إن المبنى كله متضرر، عزاؤنا الوحيد أنهما لم يصابا بمكروه». ويتابع: «لقد نزحوا إلى الضاحية بعدما دمرت إسرائيل منزلهم في بلدة الخيام جنوب لبنان أثناء الحرب الأخيرة، لكنهم اليوم خسروا هذا المنزل أيضاً». فضلنا البقاء لكن عشنا ساعات عصيبة على مقلب آخر، اختار عدد من السكان، لا سيّما من هم على مسافة ليست بقريبة جداً من أماكن الاستهدافات، عدم مغادرة منازلهم، وزينب واحدة من هؤلاء. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «خرجت أنا وأمي ومن ثمّ عدنا إلى منزلنا في منطقة معوّض، قبل حصول الضربات» التي في العادة تستهدف أبنية محددة ولا تدمر الأبنية المجاورة. لكن زينب لم تكن تتوقع أن الاستهدافات ستكون بهذا الحجم: «اعتقدت أنها شبيهة بالاستهدافات السابقة، لكن أصوات الغارات كانت قوية ومرعبة للغاية... سمعنا دوي انفجارات كبيرة وكان المنزل يهتز... لو أنني علمت بذلك لكنت خرجت إلى مكان بعيد جداً». وتختم: «لم أكن في وضع يحسد عليه، مرّت الدقائق وكأنها ساعات، إسرائيل تتعمد اللعب بأعصابنا، هي تريد ذلك وبقوة، وتعلم أننا نتلقى الضربات واحدة تلو أخرى، تعتدي علينا مرات ولا أحد يتدخل». حنان حمدان - الشرق الأوسط انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


MTV
منذ ساعة واحدة
- MTV
07 Jun 2025 06:07 AM غارات الضاحية... نزوح واسع وخوف من عودة الحرب
ليلة عيد أضحى قاسية عاشها سكان الضاحية الجنوبية لبيروت مساء الخميس. فبينما كانت الغالبية منشغلة بتحضيرات العيد وشراء حاجياتها، أتى التحذير الإسرائيلي بوجوب الإخلاء، وانتشرت صور خرائط المباني التي تنوي إسرائيل استهدافها، لتنقلب الأمور رأساً على عقب، ويعيش الناس لحظات من الرعب والقهر، وهم يحاولون النجاة بأنفسهم. وقد شهدت المنطقة إطلاق نار كثيفاً كي يبتعد الناس ويخرجوا إلى أماكن أكثر أماناً، ما تسبب بزحمة سير خانقة في ظل مشهد النزوح الكبير، لا سيما وأن المباني المهددة كانت موزعة بين الحدث وحارة حريك وبرج البراجنة، حيث الكثافة السكانية. وشملت الغارات الإسرائيلية أيضاً عين قانا في جنوب لبنان. لحظات صعبة... ضياع وخوف يقول علي، الذي يسكن على مقربة من أحد المباني المستهدفة في حارة حريك: «عشنا لحظات صعبة فيها الكثير من الضياع والخوف، قبل أن نتمكن من الوصول إلى الكورنيش البحريّ لبيروت، حيث مكثنا حتّى انتهت الضربات الإسرائيلية». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «هو الاستهداف الأعنف منذ وقف إطلاق النار، وأتى في ليلة عيد والناس يحاولون عيش لحظات فرح». إذ يشكل العيد فرصة ومناسبة لدى المسلمين في لبنان للتلاقي وقضاء وقت مميز مع العائلة. يروي تفاصيل اللحظات الأولى للإعلان: «كنا في جلسة عائلية، حين رن هاتفي لأكتشف أن الاستهداف (سيحصل) في الشارع الموازي لمكان سكننا، حيث بدأ شبان الحي يقرعون الأجراس ويطلبون منا الإخلاء». ويضيف: «خرجنا بسرعة؛ بما نرتدي من ملابس، ليس أكثر، تفاجأنا بزحمة سير خانقة في المشرفية، حيث انقلبت شاحنة وعرقلت السير هناك، لكننا تمكنا من الخروج قبل ثالث استهداف... كان صوت الضربات قوياً للغاية». وهذه المرة الرابعة التي تستهدف فيها إسرائيل الضاحية الجنوبية لبيروت منذ خريف العام الماضي، وسط مخاوف من عودة الحرب. يقول علي: «في المرات السابقة، بقينا داخل منازلنا، لكن بالأمس كانت الهجمات عنيفة وكثيفة في آن، ما جعلنا نعتقد أنها حرب مفتوحة ولن تنتهي خلال ساعات». وطوال ساعات الانتظار، كان علي يترقب وصول خبر يشي بانتهاء الضربات على الضاحية، ولم يعد إلى منزله إلا فجراً: «عدنا لكنني لا أقوى على تفقد مكان الغارات؛ إنه القهر ليس أكثر، لا نعلم متى سينتهي وكيف». وعلي أصلاً من سكان بئر العبد القريبة، ودمرت إسرائيل منزل عائلته قبل 3 أيام من وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في تشرين الثاني الماضي. وهو الآن يقطن وعائلته في منزل شقيقه في حارة حريك. وقد فضلوا عدم قضاء عطلة العيد المبارك في قريتهم بجنوب لبنان خوفاً من أيّ تطور أمني هناك. خسارة البيت للمرة الثانية وعلى مقربة من الضربة التي أصابت منطقة السان تريز في الحدت، يقول محمد: «بفضل الله تمكنا من إخراج جدي وجدتي من منزلهما الواقع في مبنى ملاصق لمكان الاستهداف، وذلك قبل الغارة بقليل». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «المنزل شبه مدمر، الأثاث والمقتنيات وكل ما فيه مبعثر، حتّى إن المبنى كله متضرر، عزاؤنا الوحيد أنهما لم يصابا بمكروه». ويتابع: «لقد نزحوا إلى الضاحية بعدما دمرت إسرائيل منزلهم في بلدة الخيام جنوب لبنان أثناء الحرب الأخيرة، لكنهم اليوم خسروا هذا المنزل أيضاً». فضلنا البقاء لكن عشنا ساعات عصيبة على مقلب آخر، اختار عدد من السكان، لا سيّما من هم على مسافة ليست بقريبة جداً من أماكن الاستهدافات، عدم مغادرة منازلهم، وزينب واحدة من هؤلاء. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «خرجت أنا وأمي ومن ثمّ عدنا إلى منزلنا في منطقة معوّض، قبل حصول الضربات» التي في العادة تستهدف أبنية محددة ولا تدمر الأبنية المجاورة. لكن زينب لم تكن تتوقع أن الاستهدافات ستكون بهذا الحجم: «اعتقدت أنها شبيهة بالاستهدافات السابقة، لكن أصوات الغارات كانت قوية ومرعبة للغاية... سمعنا دوي انفجارات كبيرة وكان المنزل يهتز... لو أنني علمت بذلك لكنت خرجت إلى مكان بعيد جداً». وتختم: «لم أكن في وضع يحسد عليه، مرّت الدقائق وكأنها ساعات، إسرائيل تتعمد اللعب بأعصابنا، هي تريد ذلك وبقوة، وتعلم أننا نتلقى الضربات واحدة تلو أخرى، تعتدي علينا مرات ولا أحد يتدخل».


IM Lebanon
منذ ساعة واحدة
- IM Lebanon
غارات الضاحية… نزوح واسع وخوف من عودة الحرب
كتبت حنان حمدان في 'الشرق الاوسط': ليلة عيد أضحى قاسية عاشها سكان الضاحية الجنوبية لبيروت مساء الخميس. فبينما كانت الغالبية منشغلة بتحضيرات العيد وشراء حاجياتها، أتى التحذير الإسرائيلي بوجوب الإخلاء، وانتشرت صور خرائط المباني التي تنوي إسرائيل استهدافها، لتنقلب الأمور رأساً على عقب، ويعيش الناس لحظات من الرعب والقهر، وهم يحاولون النجاة بأنفسهم. وقد شهدت المنطقة إطلاق نار كثيف كي يبتعد الناس ويخرجوا إلى أماكن أكثر أماناً، ما تسبب بزحمة سير خانقة في ظل مشهد النزوح الكبير، لا سيما وأن المباني المهددة كانت موزعة بين الحدث وحارة حريك وبرج البراجنة، حيث الكثافة السكانية. وشملت الغارات الإسرائيلية أيضاً عين قانا في جنوب لبنان. لحظات صعبة… ضياع وخوف يقول علي، الذي يسكن على مقربة من أحد المباني المستهدفة في حارة حريك: «عشنا لحظات صعبة فيها الكثير من الضياع والخوف، قبل أن نتمكن من الوصول إلى الكورنيش البحريّ لبيروت، حيث مكثنا حتّى انتهت الضربات الإسرائيلية». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «هو الاستهداف الأعنف منذ وقف إطلاق النار، وأتى في ليلة عيد والناس يحاولون عيش لحظات فرح». إذ يشكل العيد فرصة ومناسبة لدى المسلمين في لبنان للتلاقي وقضاء وقت مميز مع العائلة. يروي تفاصيل اللحظات الأولى للإعلان: «كنا في جلسة عائلية، حين رن هاتفي لأكتشف أن الاستهداف (سيحصل) في الشارع الموازي لمكان سكننا، حيث بدأ شبان الحي يقرعون الأجراس ويطلبون منا الإخلاء». ويضيف: «خرجنا على عجل؛ بما نرتدي من ملابس، ليس أكثر، تفاجأنا بزحمة سير خانقة في المشرفية، حيث انقلبت شاحنة وعرقلت السير هناك، لكننا تمكنا من الخروج قبل ثالث استهداف… كان صوت الضربات قوياً للغاية». وهذه المرة الرابعة التي تستهدف فيها إسرائيل الضاحية الجنوبية لبيروت منذ خريف العام الماضي، وسط مخاوف من عودة الحرب. يقول علي: «في المرات السابقة، بقينا داخل منازلنا، لكن بالأمس كانت الهجمات عنيفة وكثيفة في آن، ما جعلنا نعتقد أنها حرب مفتوحة ولن تنتهي خلال ساعات». وطوال ساعات الانتظار، كان علي يترقب وصول خبر يشي بانتهاء الضربات على الضاحية، ولم يعد إلى منزله إلا فجراً: «عدنا لكنني لا أقوى على تفقد مكان الغارات؛ إنه القهر ليس أكثر، لا نعلم متى سينتهي وكيف». وعلي أصلاً من سكان بئر العبد القريبة، ودمرت إسرائيل منزل عائلته قبل 3 أيام من وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وهو الآن يقطن وعائلته في منزل شقيقه في حارة حريك. وقد فضلوا عدم قضاء عطلة العيد المبارك في قريتهم بجنوب لبنان خوفاً من أيّ تطور أمني هناك. خسارة البيت للمرة الثانية وعلى مقربة من الضربة التي أصابت منطقة السان تريز في الحدث، يقول محمد: «بفضل الله تمكنا من إخراج جدي وجدتي من منزلهما الواقع في مبنى ملاصق لمكان الاستهداف، وذلك قبل الغارة بقليل». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «المنزل شبه مدمر، الأثاث والمقتنيات وكل ما فيه مبعثر، حتّى إن المبنى كله متضرر، عزاؤنا الوحيد أنهما لم يصابا بمكروه». ويتابع: «لقد نزحوا إلى الضاحية بعدما دمرت إسرائيل منزلهم في بلدة الخيام جنوب لبنان أثناء الحرب الأخيرة، لكنهم اليوم خسروا هذا المنزل أيضاً». فضلنا البقاء لكن عشنا ساعات عصيبة على مقلب آخر، اختار عدد من السكان، لا سيّما من هم على مسافة ليست بقريبة جداً من أماكن الاستهدافات، عدم مغادرة منازلهم، وزينب واحدة من هؤلاء. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «خرجت أنا وأمي ومن ثمّ عدنا إلى منزلنا في منطقة معوّض، قبل حصول الضربات» التي في العادة تستهدف أبنية محددة ولا تدمر الأبنية المجاورة. لكن زينب لم تكن تتوقع أن الاستهدافات ستكون بهذا الحجم: «اعتقدت أنها شبيهة بالاستهدافات السابقة، لكن أصوات الغارات كانت قوية ومرعبة للغاية… سمعنا دوي انفجارات كبيرة وكان المنزل يهتز… لو أنني علمت بذلك لكنت خرجت إلى مكان بعيد جداً». وتختم: «لم أكن في وضع يحسد عليه، مرّت الدقائق وكأنها ساعات، إسرائيل تتعمد اللعب بأعصابنا، هي تريد ذلك وبقوة، وتعلم أننا نتلقى الضربات واحدة تلو أخرى، تعتدي علينا مرات ولا أحد يتدخل».