logo
فيلسوف أسباني يتحدث عن أهمية "صمت الكتابة"

فيلسوف أسباني يتحدث عن أهمية "صمت الكتابة"

الميادين٢٥-٠٤-٢٠٢٥

يعالج الفيلسوف الإسباني إميليو ييدو في كتابه "صمت الكتابة" الصادر حديثاً عن دار نينوى للدراسات والنشر في دمشق فكرة كيف تَتَشبَّع اللغة بالمشاعر والأفكار والرؤى التي تتعزز في اللقاء المصيري بين المؤلف والقارئ، بحيث يبقى النص المكتوب غير مكتمل حتى تنتهي دورة القراءة التي توائم بين فكرة النص وفكرة مؤلِّفِه وذكاء القارئ وفهمه وتأويلاته.
و"يمثل هذا الكتاب دستوراً يرسم العلاقة بين النص واللغة وبين القارئ، ويشرح كيف تظل الكتابة صامتة وحبيسة لغتها التي كُتبت بها حتى يأتي القارئ في زمنه، مُلقياً عليها النظرة التي تعيد إحياءها من جديد، من خلال إيجاد مقاربات عجيبة بين عملية "الخلق" التي يُبدعها المؤلف في زمن الكتابة، وعملية "الخلق" الأخرى التي يُعيد القارئ بَعْثَ الزمن الماضي من جديد في زمن حاضره الخاص به والذي هو زمن قراءته للنص"، وذلك بحسب ما جاء في مقدمة الكتاب بقلم مترجمه الدكتور أحمد شعبان، الذين يبين كيف تُصبح اللغة عبر الكتابة (المؤلِّف)، كياناً قائماً وموجوداً بذاته، وكيف تصبح عبر القارئ حواراً وجدلاً وسلوكاً مقروناً بالواقع عبر الأفعال"، ويؤكد أن هذا الكتاب رَسَمَ صورة لسلسلة من القضايا التي تُحدد المنطقة التي يمكن فيها بناءُ ممارسةٍ في النقد النصي تساعد على إدراك صوت الماضي بشكل أفضل.
تعزيز المعنى في قراءة أي نص من منظورات جديدة هو ما يسعى إليه "ييدو"، بحيث تصبح ظاهرة التواصل أكثر كثافة، واللغة التي تتفاعل ضمن قنوات الفكر ستؤدي إلى نوع خاص من التأمل يسهم في تشكيل شخصية الإنسان التي تصبح بمنزلة الملجأ لتلك الأفكار، وتسهم إلى حد كبير في تحديد معناها، بعد أن يندغم صوت المؤلف مع الأصداء التي يتركها لدى قرائه، ومن ثم رجع الصدى الذي يعود ويؤثر على الكاتب نفسه وعلى لغته.
ويتحدث الكتاب عن الخصوصية الناجمة عن ذاتية التلقي، وعن التجربة التي يعيشها المرء مع كل قراءة، تدفعه إلى توضيح النص وتطويره. ويتكئ الفيلسوف الإسباني في رؤيته تلك على مقولة كانط في كتابه "نقد العقل المحض" من "أنه ليس هناك أي شك في حقيقة أن كل معرفتنا تأتي من الخبرة"، وتالياً فإن "الذاتية هي "مقياس كل الأشياء"، ومن دونها تكون أي معرفة فارغة وبلا جوهر، وفرادة تلك الذاتية كما يراها ليدو تتشكل من العلاقة بين مصطلحي الفيليا واللوغوس المتشابكين ضمن المنظومة اللغوية، الأول الذي يعني العاطفة والصداقة أو الحب، وينبع من كون الإنسان بحاجة دائمة إلى التواصل وهو ما تحققه اللغة، أما الثاني الذي يعني الكلمة أو العقل أو القانون، فيشير إلى مجموعة معقدة من الظواهر والمواقف التي توحد البشر أيضاً من خلال الحوار الذي يتغلَّب على زمن اللغة ويحرر الإنسان من آنيّتها، بحيث تكون اللغة هي الشكل الوحيد للثقافة الذي يُصبح بشكل حقيقي طبيعةً متجذرة في المادة الأنثروبولوجية نفسها التي تتعلق بدراسة الإنسان وأنساقه المعرفية.
ويشرح "صمت الكتابة" أسطورة "تحوت" مُخترع الحروف العبقري و"تاموس" ملك مصر، ذاك الاختراع الذي جعل الكتابة علاجاً للحفاظ على الحكمة، يصبح فيه زمن البشر أطول وأكثر استقراراً في زمن الكتابة، لكن في الوقت ذاته تكون الكلمات رغم حيويتها صامتة ومُربِكة، خاصةً إن أدَّت إلى إسكات الحوار المحتمل، وهو ما جعل ليدو يقول في تلك الحالة بأن "الكتابة هي النسيان، نسيان أصلها، والإيقاعات الملموسة في ذلك الوقت الذي وُلِدَت فيه، وقبل كل شيء، الكتابة هي سبب النسيان". لكن عندما تبدأ اللغة بتحرير نفسها من الارتباطات المباشرة واستخدامات الحياة اليومية، فإنها تصل إلى وجهات نظر جديدة، تنبثق من المشكلات التي تنشأ من الحاجة إلى فهم العالم واستيعابه، وهو ما يجعلها مادة خاصة للدراسة بعيداً عن آنيتها، وتصبح حينها نصاً خاضعاً للفلسفة وتعيش وفق طريقتها الخاصة بالوجود، ولا سيما أن التجربة الفلسفية كانت دائماً تجربة من خلال اللغة.
يقول ييدو: "إن تجربة اللغة هي تجربتنا الثقافية الأولى، والخطاب الأسطوري وُلِدَ على تلك الحدود حيث كانت اللغة ستخلق الثقافة، ليتم التغلب عليها، كي تصبح المستقبل، لتبدأ في التدفق على طول قناة زمنية حيث سيؤسس شكلاً آخر من اللغة، ولأن الخطاب الأسطوري لم يستجب، كانت المهمة التأويلية الأولى هي البحث عن رد على حالات الصمت هذه. ولا سيما أن القول هو القولُ المسبق، والتفكير هو البحث عن إجابة لم تُقل بعد، كما أن التجربة التاريخية لا تقتصر على تحليل ما يقوله النص فحسب، بل تتمثل أيضاً في اكتشاف ما يُخفيه النص، ومن هنا فإن التاريخ كله هو تاريخ معاصر، لأنه يحول الماضي إلى تجربة، وزمن الكلمات إلى زمن نبضات القلب، أي إلى زمن الحياة".
هنا يؤكد الفيلسوف الإسباني أهمية الذاكرة باعتبارها الإمكانية الوحيدة للاستمرارية، والكتابة هي الوسيلة الأقوى لاستحضارها، مع التأكيد أن الكتابة هي مساحة مظلمة للكلمات من دون الضوء الذي يمنحها إياه القارئ، وفي هذا السياق يأتي دور التفسير والفهم بغية الوصول إلى التشبع الكامل للمعنى، بوصفه سمة أساسية لعملية الثقافة نفسها.
ويتطرق ييدو إلى نظرية التلقي حيث تكتسب اللغة المكتوبة استقلالاً غريباً عن مؤلفها، إذ إن النص الذي يتحدث في حاضر كل قارئ يحتاج، بحكم بُعده عن مؤلفه وزمنه، إلى أن يعيش كلياً في ذهن الشخص الذي يشكل لغةً من أجله. وهو ما يعني أن القارئ بالضرورة هو المؤلِّف أيضاً. فالنص يكمن في القارئ، وتتكون عملية الاستيعاب من التوتر والقلق لجعل النص نصاً خاصاً بنا. وإن التحديد الذي يتضمن دمج لغة أخرى في لغتنا هو أساس الذكاء النصي. لأنه وإن كان النص المكتوب في الواقع حاضراً مادياً مثل ذلك المحاور الحي الذي يتحدث إلينا، فإن حضوره لم يكن سوى حضور غياب، وانعكاس لواقع، صدى صوتٍ ضائع عبر الحروف فحافظ على جزء من معناه وأنفاسه.
يقول ييدو: "الكتابة هي شكل غريب من الزمانية. وفي ظل نظرية رولان بارت عن "موت المؤلف" يبقى النص هو الإمكانية الوحيدة للتجربة، وتصبح الكتابة هي المادة الوحيدة التي يمكن من خلالها محاولة إعادة بناء المعنى، وذلك كما عبّر نورثروب: يُقال إن الكتب هي نوع من النزهة الذي يجلب إلى المؤلِّف الكلمات ويجلب إليها القارئ المعنى".
من هذه الزاوية يؤكد الفيلسوف الإسباني بأن القراءة هي ممارسة، وطريقة للإدراك والعيش، وطريقة للوجود، فمن خلال التجربة التي تفتحها الكتابة، يمكن سماع أصوات أخرى غير أصوات كل حاضر، رغم أن الكتابة التي تمكنت من توحيد الزمن تمثل صعوبة لا يمكن التغلب عليها. حيث إن "أمان الحرف هو أمان مخادع". فالذاكرة لا تتشكل في موضوعية الكتابة، بل في ذاتية الوعي، ومن خلال الحوار مع أنفسنا الذي هو بالنسبة لأفلاطون فكرٌ يُظهر شكلاً أكثر استقراراً من شكل الحرف، فالتفكير ليس قراءة الحروف، بل هو إثارة خطاب داخلي تنعكس فيه استمرارية الوعي كذاكرة، مع أن كل كتابة تحتاج لكي تكون ذاكرة إلى حوار سابق آخر يتشكل فيه القارئ. وهكذا يتحول وعي القارئ إلى مؤلِّف يكتب نفسه بتجربة الآخر.
يوضح الكتاب أن هذا هو المصير الغامض للكتابة التي كما اكتشف أفلاطون بدقة، هي الصمت والصوت. الصمت لأنه لا يوجد خلفية للكلمات نفسها. إن علاماتها ليست شيئاً، بل مجرد احتمال لأنطولوجيا تكمن في جانب آخر، ولا يُعاد بناؤها إلا عندما يتمكن شخص ما، في زمانه الخاص، من قراءتها.
وبناءً على ذلك فإن ييدو يرى أن نظرية التفسير بأكملها تكمن، في صمت النص وعزلته، الذي ينتهي سياقه الحقيقي عندما ينتهي السطر الأخير الذي يؤلفه. وكل ما عدا ذلك هو الحوار الذي يقيمه القارئ مع النص نفسه، من منظور ذاكرة أخرى تختلف عن تلك التي تُقدَّم كتابياً. وهذا السبب في أن النص لا يُفكِّر. فتفكيره هو مظهر نقي، ومع ذلك فإن هذا المظهر ثابت بما يكفي ليلعب دور الصوت الناطق. في ذلك الحضور القاطع الذي يستطيع أن يحرك شفاه القارئ، ويحول ما هو مكتوب إلى صوت، يتم التغلب من خلاله على ذلك الصمت الأصلي الذي يحيط بكل كتابة. ومن دون حضور القارئ لن تخرج الكتابة من صمتها أبداً.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

فيلسوف أسباني يتحدث عن أهمية "صمت الكتابة"
فيلسوف أسباني يتحدث عن أهمية "صمت الكتابة"

الميادين

time٢٥-٠٤-٢٠٢٥

  • الميادين

فيلسوف أسباني يتحدث عن أهمية "صمت الكتابة"

يعالج الفيلسوف الإسباني إميليو ييدو في كتابه "صمت الكتابة" الصادر حديثاً عن دار نينوى للدراسات والنشر في دمشق فكرة كيف تَتَشبَّع اللغة بالمشاعر والأفكار والرؤى التي تتعزز في اللقاء المصيري بين المؤلف والقارئ، بحيث يبقى النص المكتوب غير مكتمل حتى تنتهي دورة القراءة التي توائم بين فكرة النص وفكرة مؤلِّفِه وذكاء القارئ وفهمه وتأويلاته. و"يمثل هذا الكتاب دستوراً يرسم العلاقة بين النص واللغة وبين القارئ، ويشرح كيف تظل الكتابة صامتة وحبيسة لغتها التي كُتبت بها حتى يأتي القارئ في زمنه، مُلقياً عليها النظرة التي تعيد إحياءها من جديد، من خلال إيجاد مقاربات عجيبة بين عملية "الخلق" التي يُبدعها المؤلف في زمن الكتابة، وعملية "الخلق" الأخرى التي يُعيد القارئ بَعْثَ الزمن الماضي من جديد في زمن حاضره الخاص به والذي هو زمن قراءته للنص"، وذلك بحسب ما جاء في مقدمة الكتاب بقلم مترجمه الدكتور أحمد شعبان، الذين يبين كيف تُصبح اللغة عبر الكتابة (المؤلِّف)، كياناً قائماً وموجوداً بذاته، وكيف تصبح عبر القارئ حواراً وجدلاً وسلوكاً مقروناً بالواقع عبر الأفعال"، ويؤكد أن هذا الكتاب رَسَمَ صورة لسلسلة من القضايا التي تُحدد المنطقة التي يمكن فيها بناءُ ممارسةٍ في النقد النصي تساعد على إدراك صوت الماضي بشكل أفضل. تعزيز المعنى في قراءة أي نص من منظورات جديدة هو ما يسعى إليه "ييدو"، بحيث تصبح ظاهرة التواصل أكثر كثافة، واللغة التي تتفاعل ضمن قنوات الفكر ستؤدي إلى نوع خاص من التأمل يسهم في تشكيل شخصية الإنسان التي تصبح بمنزلة الملجأ لتلك الأفكار، وتسهم إلى حد كبير في تحديد معناها، بعد أن يندغم صوت المؤلف مع الأصداء التي يتركها لدى قرائه، ومن ثم رجع الصدى الذي يعود ويؤثر على الكاتب نفسه وعلى لغته. ويتحدث الكتاب عن الخصوصية الناجمة عن ذاتية التلقي، وعن التجربة التي يعيشها المرء مع كل قراءة، تدفعه إلى توضيح النص وتطويره. ويتكئ الفيلسوف الإسباني في رؤيته تلك على مقولة كانط في كتابه "نقد العقل المحض" من "أنه ليس هناك أي شك في حقيقة أن كل معرفتنا تأتي من الخبرة"، وتالياً فإن "الذاتية هي "مقياس كل الأشياء"، ومن دونها تكون أي معرفة فارغة وبلا جوهر، وفرادة تلك الذاتية كما يراها ليدو تتشكل من العلاقة بين مصطلحي الفيليا واللوغوس المتشابكين ضمن المنظومة اللغوية، الأول الذي يعني العاطفة والصداقة أو الحب، وينبع من كون الإنسان بحاجة دائمة إلى التواصل وهو ما تحققه اللغة، أما الثاني الذي يعني الكلمة أو العقل أو القانون، فيشير إلى مجموعة معقدة من الظواهر والمواقف التي توحد البشر أيضاً من خلال الحوار الذي يتغلَّب على زمن اللغة ويحرر الإنسان من آنيّتها، بحيث تكون اللغة هي الشكل الوحيد للثقافة الذي يُصبح بشكل حقيقي طبيعةً متجذرة في المادة الأنثروبولوجية نفسها التي تتعلق بدراسة الإنسان وأنساقه المعرفية. ويشرح "صمت الكتابة" أسطورة "تحوت" مُخترع الحروف العبقري و"تاموس" ملك مصر، ذاك الاختراع الذي جعل الكتابة علاجاً للحفاظ على الحكمة، يصبح فيه زمن البشر أطول وأكثر استقراراً في زمن الكتابة، لكن في الوقت ذاته تكون الكلمات رغم حيويتها صامتة ومُربِكة، خاصةً إن أدَّت إلى إسكات الحوار المحتمل، وهو ما جعل ليدو يقول في تلك الحالة بأن "الكتابة هي النسيان، نسيان أصلها، والإيقاعات الملموسة في ذلك الوقت الذي وُلِدَت فيه، وقبل كل شيء، الكتابة هي سبب النسيان". لكن عندما تبدأ اللغة بتحرير نفسها من الارتباطات المباشرة واستخدامات الحياة اليومية، فإنها تصل إلى وجهات نظر جديدة، تنبثق من المشكلات التي تنشأ من الحاجة إلى فهم العالم واستيعابه، وهو ما يجعلها مادة خاصة للدراسة بعيداً عن آنيتها، وتصبح حينها نصاً خاضعاً للفلسفة وتعيش وفق طريقتها الخاصة بالوجود، ولا سيما أن التجربة الفلسفية كانت دائماً تجربة من خلال اللغة. يقول ييدو: "إن تجربة اللغة هي تجربتنا الثقافية الأولى، والخطاب الأسطوري وُلِدَ على تلك الحدود حيث كانت اللغة ستخلق الثقافة، ليتم التغلب عليها، كي تصبح المستقبل، لتبدأ في التدفق على طول قناة زمنية حيث سيؤسس شكلاً آخر من اللغة، ولأن الخطاب الأسطوري لم يستجب، كانت المهمة التأويلية الأولى هي البحث عن رد على حالات الصمت هذه. ولا سيما أن القول هو القولُ المسبق، والتفكير هو البحث عن إجابة لم تُقل بعد، كما أن التجربة التاريخية لا تقتصر على تحليل ما يقوله النص فحسب، بل تتمثل أيضاً في اكتشاف ما يُخفيه النص، ومن هنا فإن التاريخ كله هو تاريخ معاصر، لأنه يحول الماضي إلى تجربة، وزمن الكلمات إلى زمن نبضات القلب، أي إلى زمن الحياة". هنا يؤكد الفيلسوف الإسباني أهمية الذاكرة باعتبارها الإمكانية الوحيدة للاستمرارية، والكتابة هي الوسيلة الأقوى لاستحضارها، مع التأكيد أن الكتابة هي مساحة مظلمة للكلمات من دون الضوء الذي يمنحها إياه القارئ، وفي هذا السياق يأتي دور التفسير والفهم بغية الوصول إلى التشبع الكامل للمعنى، بوصفه سمة أساسية لعملية الثقافة نفسها. ويتطرق ييدو إلى نظرية التلقي حيث تكتسب اللغة المكتوبة استقلالاً غريباً عن مؤلفها، إذ إن النص الذي يتحدث في حاضر كل قارئ يحتاج، بحكم بُعده عن مؤلفه وزمنه، إلى أن يعيش كلياً في ذهن الشخص الذي يشكل لغةً من أجله. وهو ما يعني أن القارئ بالضرورة هو المؤلِّف أيضاً. فالنص يكمن في القارئ، وتتكون عملية الاستيعاب من التوتر والقلق لجعل النص نصاً خاصاً بنا. وإن التحديد الذي يتضمن دمج لغة أخرى في لغتنا هو أساس الذكاء النصي. لأنه وإن كان النص المكتوب في الواقع حاضراً مادياً مثل ذلك المحاور الحي الذي يتحدث إلينا، فإن حضوره لم يكن سوى حضور غياب، وانعكاس لواقع، صدى صوتٍ ضائع عبر الحروف فحافظ على جزء من معناه وأنفاسه. يقول ييدو: "الكتابة هي شكل غريب من الزمانية. وفي ظل نظرية رولان بارت عن "موت المؤلف" يبقى النص هو الإمكانية الوحيدة للتجربة، وتصبح الكتابة هي المادة الوحيدة التي يمكن من خلالها محاولة إعادة بناء المعنى، وذلك كما عبّر نورثروب: يُقال إن الكتب هي نوع من النزهة الذي يجلب إلى المؤلِّف الكلمات ويجلب إليها القارئ المعنى". من هذه الزاوية يؤكد الفيلسوف الإسباني بأن القراءة هي ممارسة، وطريقة للإدراك والعيش، وطريقة للوجود، فمن خلال التجربة التي تفتحها الكتابة، يمكن سماع أصوات أخرى غير أصوات كل حاضر، رغم أن الكتابة التي تمكنت من توحيد الزمن تمثل صعوبة لا يمكن التغلب عليها. حيث إن "أمان الحرف هو أمان مخادع". فالذاكرة لا تتشكل في موضوعية الكتابة، بل في ذاتية الوعي، ومن خلال الحوار مع أنفسنا الذي هو بالنسبة لأفلاطون فكرٌ يُظهر شكلاً أكثر استقراراً من شكل الحرف، فالتفكير ليس قراءة الحروف، بل هو إثارة خطاب داخلي تنعكس فيه استمرارية الوعي كذاكرة، مع أن كل كتابة تحتاج لكي تكون ذاكرة إلى حوار سابق آخر يتشكل فيه القارئ. وهكذا يتحول وعي القارئ إلى مؤلِّف يكتب نفسه بتجربة الآخر. يوضح الكتاب أن هذا هو المصير الغامض للكتابة التي كما اكتشف أفلاطون بدقة، هي الصمت والصوت. الصمت لأنه لا يوجد خلفية للكلمات نفسها. إن علاماتها ليست شيئاً، بل مجرد احتمال لأنطولوجيا تكمن في جانب آخر، ولا يُعاد بناؤها إلا عندما يتمكن شخص ما، في زمانه الخاص، من قراءتها. وبناءً على ذلك فإن ييدو يرى أن نظرية التفسير بأكملها تكمن، في صمت النص وعزلته، الذي ينتهي سياقه الحقيقي عندما ينتهي السطر الأخير الذي يؤلفه. وكل ما عدا ذلك هو الحوار الذي يقيمه القارئ مع النص نفسه، من منظور ذاكرة أخرى تختلف عن تلك التي تُقدَّم كتابياً. وهذا السبب في أن النص لا يُفكِّر. فتفكيره هو مظهر نقي، ومع ذلك فإن هذا المظهر ثابت بما يكفي ليلعب دور الصوت الناطق. في ذلك الحضور القاطع الذي يستطيع أن يحرك شفاه القارئ، ويحول ما هو مكتوب إلى صوت، يتم التغلب من خلاله على ذلك الصمت الأصلي الذي يحيط بكل كتابة. ومن دون حضور القارئ لن تخرج الكتابة من صمتها أبداً.

رحلة البحث عن مريم مستمرة والأحداث تتصاعد: هل يجد محمود والدته؟
رحلة البحث عن مريم مستمرة والأحداث تتصاعد: هل يجد محمود والدته؟

LBCI

time٣٠-١٢-٢٠٢٤

  • LBCI

رحلة البحث عن مريم مستمرة والأحداث تتصاعد: هل يجد محمود والدته؟

في حلقة مليئة بالإثارة، الغموض والأسرار، يغوص الإعلامي مالك مكتبي في رحلة البحث المستمرة عن والدة محمود ضمن سلسلة حلقات "ليدو" الخاصة التي تعرض على شاشة الـLBCI بمناسبة استقبال السنة الجديدة. زواج محمود وحنان في الحلقة الثانية، يشرح محمود عن خلفيات قصته مع حنان، الشابة السورية التي أحبّها وتزوجها وكانت ضحية طليقها الذي أرغمها على امتهان الدعارة. وأوضح محمود أن زوجته اختارت اسم فاطمة وارتدت الحجاب وبدأت الصوم والصلاة وذلك لم يكن فرضًا منه بل عبارة عن رغبتها واختيارها، وبدوره توقّف محمود عن عمله الليلي ولكنهما رفضا أن تظهر للعلن أمام عدسة الكاميرا وفضّلت التحدث مع مالك مكتبي من خلف باب الغرفة. ماضي حنان عندما تم تخييرها بين اسمي "فاطمة" وحنان"، فضّلت زوجة محمود اسم حنان كونه اسمها الذي اعتمدته في حياة الليل، معترفة بأنها لا تخجل من ماضيها. وأوضحت حنان أنها قضت ٣ سنوات في الدعارة وبدأت العمل منذ أن بلغت 17 عامًا، وكان "الزبون الأول" طليقها. وأشارت حنان إلى أن الشابة تُرغم على إقامة علاقة جنسية على الرغم من ظروفها الصحية التي تمنعها من ذلك أحيانا، كما أن العدد الإجمالي للزبائن في النهار يجب أن يصل إلى 10 وقد يتخطى الـ40 أحيانا. وروت حنان أنها لم تقم باختيار هذه الحياة، بل أتت من سوريا لتعمل في الدعارة رغمًا عن إرادتها تحت تأثير العنف والتهديد كما أن طليقها كان يجبرها على "بيع جسدها"، قائلة "تجوزني لهالهدف". وانتمت حنان إلى شبكة مكونة من ٧٥ شابة، كما أن رفض إقامة العلاقة مع العملاء ممنوع وتختلف أساليب التعذيب بين العنف الجسدي واللفظي، مشيرة إلى"شابة حاولت أن ترفض كان انقص لسانها". وتحدثت حنان عما يُسمى بـ"باص الضيعة" قائلة "هو عبارة عن كنباية كانت تطلع البنت اذا ما اشتغلت كانت تنضرب عليه بالكرباج او الاخضر الابراهيمي الي هوي عبارة عن أداة امدادات المي اللي لونها أخضر". وأوضحت حنان أنها تعرّفت إلى محمود في الفترة التي كانت لا تزال تعمل في الدعارة وتستقبل العملاء، وقالت "كان حب مش حاجة للسترة" واعترفت أنها مستعدة لإخبار ابنتها عندما تكبر عن ماضيها وهي على ثقة أنها لن تخجل بوالدتها. معلومات جديدة عن مريم وخلال رحلة البحث عن أي خيط قد يوصل محمود إلى والدته، التقى مالك مكتبي بالسائق الذي كان مسؤولا عن توصيل الفتيات من وإلى ملهى ليدو الليلي، سليمان حمّود من طرابلس المينا. وروى سليمان حمود أن الملهى كان مدعومًا بشكل ملحوظ من القوات العسكرية السورية التي كانت متواجدة حينها في لبنان، واعترف أنه شعر بحب كبير نحو شابة واحدة هناك طيلة سنوات عمله وهي "مريم"، والدة محمود. في عام 1989، كان اسم مريم "الفني" مريهان، وطلبت من سليمان حينها إيصالها إلى منزل أهلها لزيارتهم ولكنهم طردوها بسبب عملها كراقصة، وفي محاولة لمنعهم من قتلها قال حمود إنه زوج مريم. وأوضح سليمان أنه لم يعترف يومًا بحبه لمريم كونه كان متزوجًا ولديه أطفال، وأخبر مالك مكتبي أن الضابط السوري جمعه بمريم وخالد أي زوج مريم لاحقا وسألها "أتحبين سليمان؟" فقالت إنها تحبّه كأخ لها واختارت خالد الذي أحبّته بصدق. وقال سليمان إن زواج خالد من مريم كان عبارة عن "مصلحة" ولكنها أحبّته فعلًا ورجّح احتمالية أن خالد أخبرها أن ابنها توفي، كونه طردها وحرمها من محمود وأشار إلى أن الدليل "كان صدرها الذي كان محروقًا بالدخان" عندما ذهب للقائها في سوريا في خناءل الغوطة بالشام تحت اسم امل حيدر. وشدّد سليمان على أن مريم لم تعمل في الدعارة بل كانت راقصة والظروف أجبرتها على ذلك. وفي هذا السياق، قام الإعلامي مالك مكتبي باتصالات كثيرة لجمع المعلومات حول خنائل الغوطة والفندق الذي كانت مريم تقيم فيه، ليتضح أن المراكز السياحية تدمرت في الغوطة بسبب الحرب. معلومة أمنية تكشف منعطفًا جديدًا تمكّن مالك مكتبي من الحصول على معلومة أمنية حول الظهور الأخير لمريم في لبنان عندما كان يبلغ محمود ١٦ عاما من عمره. وجاء في المعلومة التي وردت من محافظة جبل لبنان أنه في ١٢ ١٢ ٢٠٠٩ أُحيلت الى مكتب شؤون الآداب المدعوّة إم رامي حيث اعترفت بما نُسب اليها وتم توقيفها بناء لاشارة القضاء المختص لحين محاكمتها ومن بين الاسماء التي قد تكون متورطة جاكلين خوري وهو لقب لامراة تدعى مريم. أربع اسماء لامراة وحدة، الاحتمالات كثيرة ولا يزال الجواب مجهولا وعلى الرغم من عمل محمود السابق في "حياة الليل" إلا أنه لم يتمكن حتى عبر معارفه وعلاقاته من الوصول إلى جاكلين خوري او ام رامي. وفي نهاية الحلقة، استطاع مالك مكتبي إيجاد المبنى الذي كانت تقطنه إم رامي حيث كانت تسكن في الطابق الرابع ولكنه اتضح أنها غادرت منذ حوالي 3 سنوات فجأة. بدي لاقي امي ختم محمود الحلقة الثانية من سلسلة ليدو بجملة قالها لمالك مكتبي بتأثر شديد وحرقة "بدي لاقي إمي" ليجيبه "وأنا حدّك"، فهل سيتمكن من الوصول إلى والدته؟ تابعوا الحلقة الأخيرة من "ليدو" يوم 31 كانون الأول عبر شاشة الـLBCI لمعرفة النهاية. لمشاهدة الحلقة كاملةً اضغطوا هنا.

بعدما عاش طفولة قاسية على يد والده وزوجاته... قرر العثور على والدته الحقيقية "فتاة الليل": ما هي قصة محمود؟
بعدما عاش طفولة قاسية على يد والده وزوجاته... قرر العثور على والدته الحقيقية "فتاة الليل": ما هي قصة محمود؟

LBCI

time٢٩-١٢-٢٠٢٤

  • LBCI

بعدما عاش طفولة قاسية على يد والده وزوجاته... قرر العثور على والدته الحقيقية "فتاة الليل": ما هي قصة محمود؟

محمود، شاب يبلغ من العمر 25 عامًا، عاش حياة مليئة بالصراعات والمآسي. بدأت حكايته تأخذ منعطفًا غير متوقع عندما التقى معه مالك مكتبي في سلسلة حلقات "ليدو" الخاصة التي تعرض على شاشة الـLBCI بمناسبة استقبال السنة الجديدة. محمود متزوج ولديه طفلة تُدعى "مريم"، عمرها عام وأشهر قليلة. طفولته كانت قاسية بسبب تعرّضه للعنف الأسري على يد والده خالد، المعروف بـ"أبو وليد"، والذي كان يُسيء إليه باستمرار. لم يقتصر العنف على والده فقط، بل كان أيضًا ضحية سوء معاملة النساء المحيطات بوالدته، بخاصةٍ "سيدة". لم يتمكن محمود من الذهاب إلى المدرسة طوال حياته، رغم أن والده كان ميسور الحال. كان خالد يعامله بوحشية، يضربه يوميًا، ويُسيء معاملته بطرق مروعة، منها تعليقه بمشنقة أو صعقه بالكهرباء. اكتشاف الحقيقة ذات يوم، سمع محمود امرأة تقول لسيدة: "إيمتى رح تخبري الحقيقة عن أمه؟" كانت تلك العبارة مفتاحًا لكشف لغز حياته. أدرك محمود أن المرأة التي ربّته ليست والدته الحقيقية. بحث عن الحقيقة، فقيل له إن والدته تشبهه كثيرًا. بدأ محمود بالتساؤل عن هويته الحقيقية، خاصة بعد أن رأى صورته في المرآة وهو يرتدي شعراً مستعارًا. شعر بالراحة لأن مظهره يُشبه والدته، لكنه لم يحصل على إجابات شافية من "سيدة" التي أغلقت الموضوع ومنعته من فتحه مجددًا. سر والده خالد كان والد محمود يملك ملهى ليليًا يُدعى "ليدو"، وكان متزوجًا خمس مرات من نساء من جنسيات مختلفة، من بينهن سوريات ورومانية ولبنانية. كان خالد يعيش حياة أشبه بحكم الديكتاتور، مستغلاً نفوذه وسلطته. المواجهة الكبرى بعد سنوات من المعاناة، وجد محمود نفسه في مواجهة مباشرة مع والده. حصل على دفتر يحتوي على أسرار العائلة، وهو ما كشف له عن حقائق صادمة. من بين هذه الحقائق، اكتشف أن والدته الحقيقية تُدعى "مريم" وهي من جنسية سورية، وكانت تعمل كفنانة تحت اسم "ماريهان". وأفصح محمود للإعلامي مالك مكتبي بأنه أقام علاقة جنسية للمرة الأولى في حياته مع إحدى فتيات الليل ضمن شبكات الدعارة الّتي كان يعمل بها. وتحدّث عن الظلم والعنف الّتي تتعرض له الفتيات والسيدات في هذا المجال. هل سيتمكن محمود من الوصول إلى الحقيقة الكاملة؟ وهل ستنتهي معاناته مع مالك مكتبي؟ تابعوا الحلقتين المتبقيتين من "ليدو" يومي الاثنين 30 و31 كانون الأول عبر شاشة الـLBCI لمعرفة الحقيقة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store