logo
أوهام إصلاح القضاء: تشكيلات مكررة وتكريس المحاصصة (عمر نشابة – الأخبار)

أوهام إصلاح القضاء: تشكيلات مكررة وتكريس المحاصصة (عمر نشابة – الأخبار)

المدىمنذ 2 ساعات
ظنّت شريحة واسعة من اللبنانيين أن قطار إصلاح مؤسسات الدولة، وخصوصًا المؤسسات القضائية، قد انطلق بعد انتخاب العماد جوزيف عون رئيسًا للجمهورية، وتولّي الرئيس السابق لمحكمة العدل الدولية، القاضي نواف سلام، رئاسة الحكومة، وتعيين المحامي عادل نصار وزيراً للعدل. ومع أن الأشهر التي انصرمت منذ تشكيل الحكومة في شباط الماضي، شهدت إصدارَ التشكيلات القضائية وقانونٍ جديدٍ لاستقلالية القضاء، إلا أن هذين «الإنجازين» لا يمكن اعتبارهما بداية جدّية للإصلاح لما يشوبهما من عيوب كثيرة، أبرزها استمرار تجاوز الدستور، وتكريس المحاصصة الطائفية والمذهبية والسياسية، وتجاهل معايير الكفاءة والنزاهة والشفافية.
أما أوضاع القضاة وحال قصور العدل، فمن سيئ إلى أسوأ: المكننة لا تزال بعيدة المنال، والنظارات مكتظة لدرجة الاختناق، والمياه مقطوعة، والمصاعد معطلة، والقضاة يعانون ضائقة مالية، والأقلام القضائية تفتقد لأبسط الحاجات. وفي الوقت نفسه، تُبرّر الرشوة ويتم تجاوز القانون في المكان الذي يُفترض أن يكون فيه القانون مرجعاً لا يعلوه أي اعتبار أو ظرف أو «واسطة».
تعهّد رئيس الجمهورية، في خطاب القسم، بإجراء «التشكيلات القضائية على أساس معايير النزاهة والكفاءة»، علماً أن صلاحياته الدستورية محدودة، ولا شرعية لتدخله في تحديد مراكز القضاة وتوزيعها. وبالتالي، كان تعهده أقرب إلى التمني أو التزام بالتوقيع على مرسوم التشكيلات القضائية الذي يقدمه مجلس القضاء الأعلى إلى مجلس الوزراء عبر وزير العدل بحسب الأصول. لكن، هل وقّع الرئيس على المرسوم من دون التدخل في تحديد الأسماء والمراكز؟
القضاة الذين قابلتهم «الأخبار» يترددون في الإجابة، ويسود صمت طويل قبل أن يقترح أحدهم الانتقال إلى موضوع آخر، مع عبارة «خليها على الله». وهؤلاء هم ممن كانوا قد عبّروا عن أملهم بالإصلاحات الجدية حين سمعوا الرئيس عون يلقي خطاب القسم عبر وسائل الإعلام، مؤكداً أن «لا تدخل في القضاء».
لكن ما تضجّ به أروقة قصور العدل أن صهر الرئيس، العميد المتقاعد أندريه رحال (المعروف بـ«ديدي»)، تدخل لدى وزير العدل ومجلس القضاء الأعلى لتغيير اسم مدعي عام جبل لبنان من القاضي سامر ليشع إلى القاضي سامي صادر، الذي كان معاوناً لمفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية. وعلى أي حال، وبغض النظر عن دقة هذه الرواية، لا بد من التذكير بأنه ليس هناك نص في القانون يحدّد منهجية إجراء التشكيلات القضائية، ولا توجد مكننة تتيح لأعضاء مجلس القضاء الأعلى الاطّلاع على سجلات القضاة والأحكام والقرارات الصادرة عنهم وسيرهم الذاتية المفصلة.
كما إن القانون لا يلزم مجلس القضاء باعتماد معيار الأقدمية أو الكفاءة أو الإنتاجية. وبالتالي، وفي ظل الأوضاع الراهنة، يبدو أن المعايير تقتصر، للأسف، على الحسابات الطائفية والمذهبية، والاعتبارات السياسية، والعلاقات الاجتماعية والعائلية والمناطقية.
ولا بد من الإشارة إلى مخالفة جسيمة للدستور في التشكيلات القضائية، إذ تنص المادة 95 على أن وظائف الفئة الأولى وما يعادلها، خلال المرحلة الانتقالية قبل إلغاء الطائفية، يجب أن تكون مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، «دون تخصيص أي وظيفة لأي طائفة، مع التقيّد بمبدأي الاختصاص والكفاءة».
ويتضمن الجدول المرفق بعض أبرز الوظائف القضائية التي تم تخصيصها لطوائف ومذاهب محددة، كما ظهر في التشكيلات القضائية المتعاقبة، بما فيها التشكيلات الأخيرة التي عُدّت «إنجازاً» للعهد، وسلّمت كما يبدو بتخصيص مراكز قضائية لطوائف ومذاهب محددة خلافاً للدستور. إذ إن مجلس القضاء الأعلى لم يغيّر أو يعدل في جدول المحاصصة الطائفية / المذهبية المعتمد في التشكيلات القضائية. وفي اليوم الذي تلى صدور مرسوم التشكيلات القضائية، تباهى البعض بـ«إنجاز» آخر، تمثل في صدور قانون التنظيم العدلي الجديد، المعروف بـ«قانون استقلالية القضاء».
وهو قانون ليس له من اسمه نصيب، إذ يكرّس نظام المحاصصة الطائفية والمذهبية بشكل غير مباشر. ففي القانون السابق، يشمل الأعضاء الحكميون في مجلس القضاء الأعلى المدعي العام التمييزي، والرئيس الأول لمحكمة التمييز (الذي يتولى رئاسة المجلس)، ورئيس هيئة التفتيش القضائي، وهذه المراكز القضائية مخصصة وفق جدول المحاصصة الطائفية والمذهبية المعتمد لاثنين مسلمَين سنة ومسيحي ماروني واحد. وبالتالي، فإن إضافة القانون الجديد رئيس معهد الدروس القضائية (المخصص لمسلم شيعي) على الأعضاء الحكميين في مجلس القضاء الأعلى يبدو استجابة لموجبات توازن المحاصصة المذهبية.
الحكومة تهمل القضاء
انتعشت آمال كثير من اللبنانيين حين سمعوا رئيس الجمهورية يتحدث عن «تطوير عمل النيابات العامة»، و«تسريع البت بالأحكام بما يضمن الحريات والحقوق ويشجع الاستثمارات ويكافح الفساد»، وعن «إصلاح السجون».
لكن، بعد مرور ستة أشهر، لا تزال النيابات العامة تعاني نقصاً حاداً في أبسط حاجاتها (أمن، مكاتب، حواسيب، وسائل نقل، قرطاسية… وحتى المراحيض).
أما تسريع البت في الأحكام، فيستدعي توفير احتياجات القضاة، والأقلام العدلية، وقصور العدل، في حين أن حصّة وزارة العدل من الموازنة العامة للدولة لا تتجاوز 1% فقط. فكيف تجاهر الحكومة في بيانها الوزاري بـ«ترسيخ استقلال القضاء العدلي والإداري والمالي وتحسين أوضاعه وإصلاحه وفق أعلى المعايير الدولية»، بينما لا تخصص الأموال اللازمة لذلك؟ وهل هي مجرّد شعارات فارغة تهدف إلى التضليل وإيهام الناس؟
في بيانها الوزاري، وعدت الحكومة اللبنانيين أيضاً بأنها «ستعمل على مكننة المحاكم، وتسهيل وصول المواطنين إلى المعلومات القانونية والقضائية، وإصلاح السجون».
غير أن الحق البديهي في المحاكمة العادلة يستلزم توافر كامل المعلومات والمحاضر والسجلات أمام الهيئة القضائية التي تنظر في الملف القضائي. ومع استمرار غياب المكننة في قصور العدل، لا يمكن لأي قاضٍ، حتى لو كان قاضي التحقيق الأول أو المدعي العام التمييزي، الاطلاع على كامل الملف من مكتبه في قصر العدل. وعلى سبيل المثال، إذا أراد القاضي الاطلاع على السجل العدلي لشخصٍ ما، عليه طلب ذلك خطياً من قوى الأمن الداخلي عبر المراسلات الرسمية.
أما الأحكام الصادرة، فتحفظ ورقيًا في سجلات الأحكام التي تكدّس في مستودعات تحتاج بدورها إلى صيانة دورية للحفاظ على سلامة هذه السجلات.
أمن القضاة مقابل رشوة العسكر
بسبب طبيعة وظائفهم والحساسية الأمنية المرتبطة بها، تُخصص المديرية العامة لأمن الدولة رجال أمن وحماية لمرافقة بعض القضاة. وينطبق هذا على رؤساء محاكم الاستئناف والتمييز، والمستشارين، وقضاة التحقيق، وقضاة النيابات العامة.
بعد صدور التشكيلات القضائية، طلب القضاة الذين كلفوا بتولي هذه المراكز تخصيص مرافقين أمنيين لهم. فجاء الجواب بأن عليهم دفع بدل مالي مقابل قيام رجال الأمن بالمهمات الموكلة إليهم وفق القانون.
وبحسب ما هو معروف في أوساط قصور العدل، يضطر القضاة إلى تسديد مبالغ تراوح بين 100 و200 دولار شهرياً، وقد تصل في بعض الحالات إلى 500 دولار شهرياً مقابل تخصيص رجل أمن لحمايتهم. علماً أن الرواتب الشهرية للقضاة تُقدّر بنحو 1000 دولار، يُضاف إليها دعم من صندوق تعاضد القضاة، ليصل مجموعها إلى 2500 دولار شهريًا كحد أقصى.
متى يبدأ إصلاح المؤسسات؟
طرح المواضيع العامة ورفع الشعارات وافتعال الصدامات السياسية جزء أساسي من الحياة السياسية في لبنان، ومن حق رئيس الحكومة والوزراء المشاركة فيه، بل إن مشاركتهم فيه أساسية في ظل النظام الديموقراطي.
غير أن على مجلس النواب القيام بدوره ومساءلة الحكومة حول التزامها بما وعدت به في البيان الوزاري. ولا يوجد مبرر مقنع لانشغال الرئيس نواف سلام ووزرائه بمغامرات متهوّرة تحت عنوان نزع سلاح المقاومة، في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي، وإهمالهم لوظيفتهم الأساسية التي تستدعي إصلاح مؤسسات الدولة وتأمين الخدمات الأساسية للمواطنين، وعلى رأسها الحق بالمحاكمات العادلة.

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الأمن الروسي يحبط محاولة لتفجير مركبة على جسر القرم
الأمن الروسي يحبط محاولة لتفجير مركبة على جسر القرم

المدى

timeمنذ 29 دقائق

  • المدى

الأمن الروسي يحبط محاولة لتفجير مركبة على جسر القرم

أعلن الأمن الفدرالي الروسي إحباط محاولة جديدة لجهاز الأمن الأوكراني لتفجير عبوة ناسفة عالية القوة داخل مركبة على جسر القرم. وجاء في بيان الأمن الفدرالي الروسي: 'وصلت سيارة محملة بعبوة ناسفة مرتجلة شديدة الانفجار إلى روسيا من أوكرانيا عبر عدد من الدول. عبرت الحدود الروسية الجورجية وكان من المفترض أن تتجه إلى إقليم كراسنودار. وأضاف البيان 'كان من المقرر تسليم السيارة المفخخة لاحقًا إلى سائق آخر – كان من المفترض أن يقودها إلى شبه جزيرة القرم عبر جسر القرم 'ليصبح انتحاريًا دون علمه، والذي خطط نظام كييف لاستخدامه 'في الخفاء'. ورغم كل حيل الإرهابيين الأوكرانيين، تمكن ضباط جهاز الأمن الفيدرالي الروسي من كشف مخططاتهم بسرعة، وتحديد وتفكيك العبوة الناسفة، التي كانت مُخبأة بعناية في سيارة شيفروليه فولت، بالإضافة إلى اعتقال جميع الأشخاص المتورطين في إيصالها إلى أراضي بلدنا'.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store