
أيها الداخل إلى هذا المكان..
279
A+ A-
كثير مما حولنا من صمت قد يشي بأن غزة صارت طي النسيان، لكنه في الحقيقة ينذر بأن غزة حاضرة وفلسطين. القصور في موقف الأمم المتحدة وبعض الدول العربية يجد نقدا وانتقادا على صفحات التواصل الاجتماعي. والسؤال مثلا هل تحققت رغبة نتنياهو في تهجير أهل غزة إلى سيناء أو غيرها. لا تهجير ولا هجرة ستحدث. الهجرة التي لا تزال تحدث هي من يهود الأرض المحتلة إلى أوروبا وغيرها. يأتي وسط هذا الصمت صاروخ من اليمن يصل الى مطار بن جوريون فتتوقف الرحلات. صاروخ يكشف عورات نظم الدفاع الإسرائيلية ويوقظ الرعب في إسرائيل، وبالطبع ليس الأول.. الدولة التي أقامتها إسرائيل ومن عاونها على فكرة الأصولية الدينية، وان الأرض لليهود وليست لغيرهم، وتأكدت أصوليتها منذ نشأتها، لم تتحمل كيانا مجاورا هو غزة، وأغفلت أنه رد فعل لأصوليتها، فالدين وهو يؤدي أحيانا بركوب فرس السياسة الخطأ إلى الانغلاق والجرائم كما حدث في الحروب الصليبية، يؤدي حين يركب الفرس الصحيح إلى الكفاح بكل أشكاله من أجل الوطن، وحين يأتي الوطن تتسع الأمور للمراجعة.
صمتنا عن غزة ربما فيه يأس عند البعض أو قلة حيلة أو حتى تعاون مع إسرائيل خفيا أو ظاهرا، لكنه بالنسبة لي بعد أن غبت أسابيع عن الكتابة عن غزة، فيه اطمئنان من درس التاريخ. فالطفل الصغير الذي كنته يوما ما في بداية الخمسينيات وأراه أبوه ماكينة حلاقة معه منذ الأربعينيات مكتوبا عليها «صنعت في فلسطين» لم تغب فلسطين عنه في رواياته أو مقالاته. كانت ماكينة الحلاقة نتيجة باقية من رحلة الأب البسيط الذي كان يعمل في السكة الحديد، وكانت تمر من مصر عبر سيناء إلى فلسطين ثم سوريا حتى الشاطئ لتبدأ رحلة السفن الى تركيا. رحلة قطار الشرق الشهيرة. كل ما جرى بعد ذلك من مواقف ضد إسرائيل في حروبها الطاغية على الأراضي الفلسطينية أو العربية، كان نتيجة هذا اليقين الذي استقر في روح الطفل. هذا اليقين عابر الزمان أغفر به لنفسي انشغالي في الكتابة أحيانا بموضوعات أخرى، لكني أعود الآن لأؤكد يقيني بأن إسرائيل حفرت لنفسها الحفرة التي ستتسع مهما طال الزمن، وأدرك إن إطالة الحرب على أهل غزة ليست إلا طريقة بشعة يتصور بها نتنياهو أنه سيظل في الحكم.
أخيرا جرت في مصر انتخابات نقابة الصحفيين وفاز فيها خالد البلشي نقيبا للمرة الثانية. كثير من الكلام يمكن أن يقال عن الأسباب النقابية للفوز، لكن السبب الذي لم يتمتع به منافسه، هو أن خالد البلشي جعل رصيف النقابة مكانا للتظاهر والتأييد لغزة، وإدانة إسرائيل ومن معها منذ أن صار نقيبا. كانت غزة أهم وأكبر أسباب فوزه. هكذا لا تضيع الحقائق. وهكذا مهما كانت التفسيرات للصبر أو النسيان فغزة حاضرة، وإسرائيل ستعلِّق يوما مهما ابتعد، على مطاراتها وموانيها، اللافتة التي رآها دانتي إليجيري في ملحمته «الكوميديا الإلهية» وهو يدخل الجحيم.. « أيها الداخل إلى هذا المكان تخلَّى عن كل أمل».
مساحة إعلانية

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة الشرق
منذ 4 أيام
- صحيفة الشرق
الرئيس العراقي: القمة العربية الـ34 تعقد في ظل ظروف بالغة التعقيد
عربي ودولي 32 A+ A- بغداد - قنا أكد الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، اليوم، أن القمة العربية الـ 34، تعقد في ظل ظروف بالغة التعقيد وتحديات خطيرة تهدد المنطقة وأمن البلاد والشعوب العربية، لافتا إلى أن "شبح الحرب يهدد الأمن والاستقرار ويعرقل جهودنا التنموية وتطلعاتنا المستقبلية". وشدد الرئيس العراقي، في كلمته خلال افتتاح أعمال القمة العربية الرابعة والثلاثين تحت شعار: (حوار وتضامن وتنمية) برئاسة العراق، على ضرورة أخذ المبادرة والحراك العاجل لتعزيز فرص الاستقرار العربي والإقليمي والدولي. وأشار إلى أن العراق ملتزم بمبادئ الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي القائمة على احترام سيادة الدول وحسن الجوار والتعاون المشترك، مبينا أن العراق يشدد على أهمية تسوية الخلافات بالوسائل السلمية والحوارات الثنائية المباشرة أو عبر الوسطاء، ويرفض سياسة الإملاءات والتدخلات الخارجية واستخدام القوة. كما أكد ضرورة نيل حقوق الشعب الفلسطيني على كامل ترابه الوطني ورفض جميع محاولات التهجير تحت أي ظرف أو مسمى، لافتا إلى حرص العراق الراسخ على دعم الأمن والاستقرار في الدول العربية الشقيقة، حيث لا يمكن تجزئة الأمن المشترك، لافتا إلى أن العراق يشدد على أهمية الحلول السياسية والحوار الوطني الشامل كسبيل وحيد لإنهاء الأزمات . وأضاف أن الهدف الأسمى من عقد القمة العربية اليوم، هو توحيد المواقف تجاه التحديات المتزايدة، مطالبا بتفعيل مشترك، مع التغاضي عن ما يمكن أن يفرق وحدة الدول العربية. من جانبه أعلن محمد شياع السوداني رئيس الوزراء العراقي، في كلمته أمام القمة، عن إطلاق 18 مبادرة، بالإضافة إلى تبرعات بلغت 40 مليون دولار مخصصة لغزة ولبنان. وقال السوداني إن العراق يعتمد سياسة خارجية تقدم الشراكة كأولوية، مشيرا إلى أن رؤية العراق لنهاية الأزمات ومناشئ الصراع في المنطقة تنطلق من حصول الشعب الفلسطيني على كامل حقه في الحياة الحرة الكريمة على أرضه، وأن يتوقف العدوان المستمر الذي يغذي الصراع والعنف. وتابع السوداني قائلا: هذه الإبادة الجماعية قد بلغت من البشاعة ما لم تشهده كل صراعات التاريخ، مؤكداً رفض العراق المستمر لأفعال التهجير القسري للفلسطينيين مع وجوب إيقاف المجازر في غزة، والاعتداءات على الضفة الغربية والأراضي المحتلة، وفتح الأبواب أمام المساعدات الإنسانية. ودعا السوداني إلى عمل عربي جاد ومسؤول لإنقاذ غزة وإعادة تفعيل دور وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا) في القطاع وفي الضفة الغربية. وأكد رئيس الوزراء دعم العراق لـوقف إطلاق النار في جنوب لبنان مديناً الاعتداءات المتكررة على سيادة هذا البلد الشقيق ومشدداً على العمل من أجل أن يستعيد لبنان دوره ويحقق استقراره. وجدد السوداني مواقف العراق الثابتة الداعمة لوحدة سوريا وسيادتها على ترابها الوطني، ورفض أي اعتداء أو هيمنة على أي أرض سوريا. وتابع: "لن نبخل بأي جهد لدعم الأشقاء في سوريا لإقامة دولة المواطنة وبناء نظام دستوري ديمقراطي عبر عملية انتقالية شاملة تضمن حقوق أبناء الشعب السوري وحرية الأديان لجميع مكوناته، وتحارب الإرهاب بمختلف أشكاله". وثمن رئيس الحكومة العراقية، قرار الولايات المتحدة الأمريكية برفع العقوبات عن سوريا معبراً عن أمله في أن تسهم هذه الخطوة في التخفيف من معاناة الشعب السوري. كما شدد رئيس الوزراء العراقي، على ضرورة الحفاظ على وحدة السودان وحقن دماء أبناء الوطن الواحد، وإيجاد حلول مستدامة للأزمة الإنسانية الحادة التي تمر بها البلاد. كانت أعمال القمة انطلقت بكلمة البحرين التي ألقاها عبد اللطيف بن راشد الزياني وزير الخارجية البحريني بصفة بلاده رئيس الدورة السابقة الـ 33، حيث سلم رئاسة الدورة إلى العراق. مساحة إعلانية


صحيفة الشرق
١٢-٠٥-٢٠٢٥
- صحيفة الشرق
زيارة ترامب.. ترسخ الشراكة ومركزية دول مجلس التعاون الخليجي
321 أ.د. عبد الله خليفة الشايجي تشكل زيارة الرئيس ترامب الرسمية الأولى خارج الولايات المتحدة برئاسته الثانية اعترافاً مهماً ومعبراً لمكانة ودور دول مجلس التعاون الخليجي إقليميا وحل الأزمات الدولية. وبذلك يكرر الرئيس ترامب، كما في رئاسته الأولى الزيارة الخارجية الأولى إلى السعودية في مايو 2017، وعقده قمة أمريكية-سعودية وقمة أمريكية-خليجية وقمة أمريكية-عربية-إسلامية. تشمل زيارة الرئيس ترامب (13-16 مايو الجاري) المملكة العربية السعودية وعقد قمة أمريكية-سعودية وقمة أمريكية-خليجية بمشاركة قادة دول مجلس التعاون الخليجي في 14 مايو. سيعقبها ترامب بزيارتين رسميتين لدولتي قطر، والإمارات العربية المتحدة. ما يُكرّس مكانة وأهمية دول مجلس التعاون الخليجي الست. وبذلك يفرض ترامب نهجا جديدا يخالف الرؤساء الأمريكيين بكسر البروتوكول والتقاليد بأن زيارة الرئيس الأمريكي الأولى تكون للجوار كندا والمكسيك أو بريطانيا واليابان. والملفت تجاهل الرئيس ترامب في زيارته إسرائيل، ليرسل رسالة انزعاج من مواقف وتدخلات وتلاعب نتنياهو والتباين حول حربه على غزة ورفضه مفاوضات إيران وتحريضه ضرب برنامج إيران النووي، وتهديد أمن واستقرار المنطقة. والواقع أن دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعين باتت القلب ومركز الثقل الرئيسي وقائد النظام العربي ولاعبا إقليميا فاعلا. وتتمتع بعلاقات متنامية مع الدول الفاعلة في النظام العالمي- وتستقطب الخبرات وتشارك بدبلوماسية الوساطات بخفض تصعيد الأزمات وحل الأزمات الرئيسية. سواء في قضايا إقليمية كما تقوم به دولة قطر في الوساطة بين الولايات المتحدة وإيران والولايات المتحدة وطالبان في أفغانستان وبين حماس وإسرائيل بوساطة أمريكية - مصرية أو ما تقوم به السعودية والإمارات بالوساطة بين روسيا وأوكرانيا حول تبادل أسرى الحرب، واستضافة السعودية لمفاوضات روسية-أوكرانيا. وتبرز دبلوماسية وساطة سلطنة عمان باستضافة مفاوضات مهمة بين الولايات المتحدة وإيران. بنقل رسالة من إيران إلى الولايات المتحدة الأمريكية رداً على رسالة الرئيس ترامب إلى إيران نقلها مستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد إلى الطرف الإيراني. انطلقت على أثرها مفاوضات غير مباشرة في ثلاث جولات بين الولايات المتحدة وإيران بوساطة-وتُعقد اليوم الجولة الرابعة في مسقط. كما توسطت سلطنة عمان لوقف المواجهات والقصف المتبادل بين الولايات المتحدة والحوثيين بعد 51 يوما من العمليات العسكرية. أصاب إعلان الرئيس ترامب وقف إطلاق النار والعمليات العسكرية ضد الحوثيين دون التنسيق بصدمة ودهشة نتنياهو وحكومته. خاصة أن ترامب لا يرغب باستمرار حرب أثناء زيارته. ويمارس ترامب حسب الإعلام الإسرائيلي ضغوطا كبيرة لفرض خطته بوقف حرب غزة وتبادل الأسرى وإدخال مساعدات إنسانية ضرورية، ليضع نتنياهو تحت الأمر الواقع، يتوج زيارته ويكرس دوره صانع سلام يستحق جائزة نوبل للسلام! تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بمركز وملاءة مالية هي الأعلى في المنطقة الممتدة بين إسبانيا والهند. وتوقع نمو اقتصاد دول المجلس مجتمعة ب3.5% عام 2025. وبلغ إجمالي الناتج الإجمالي لدول المجلس2.129 تريليون دولار. وتوقع ارتفاع الناتج الإجمالي لعام 2025 بين 2.5 -2.7 تريليون دولار. ما يجعل ترتيب دول مجلس التعاون الخليجي 12 على مستوى العالم. كما تمتلك دول مجلس التعاون أكبر صناديق ثروات سيادية في العالم بمجمل 4.4 تريليون دولار. وتشكل صناديق الثروات الخليجية حوالي 40% من أصول صناديق الثروة السيادية على مستوى العالم. وتحتل 6 من أكبر 10 صناديق ثروات سيادية في العالم. ويتوقع ارتفاع حجم أصول صناديق الثروات السيادية الخليجية إلى 18 تريليون دولار بحلول عام 2050. ما يمكّن دول المجلس من تبوؤ مركز متقدم على مستوى العالم. ناهيك عن امتلاك دول المجلس احتياطات طاقة من نفط وغاز على مستوى العالم. وتنتج دول مجلس التعاون الخليجي 17 مليون برميل نفط يوميا- ما يعادل 23% من الإنتاج العالمي. وتملك دول المجلس511.9 مليار برميل نفط ما يعادل ثلث احتياطات النفط العالمية. وتملك دولة قطر ثالث أكبر احتياطي نفط في العالم في حقل الشمال. وتملك دول مجلس التعاون استثمارات بمئات مليارات الدولارات في أسهم الشركات الكبرى الأمريكية وسندات الخزانة الأمريكية وستستثمر المزيد مستقبلا. أما عن القضايا والملفات المهمة التي ستبحث في زيارة والقمم التي سيشارك بها الرئيس ترامب فتشمل: تعزيز المصالح المشتركة وتطوير العلاقات وأمن واستقرار المنطقة المهمة للاقتصاد الأمريكي والعالمي، ودعم الاستقرار ولجم تهور نتنياهو وحروبه السبع وتصميمه على تغيير الشرق الأوسط بحروب وعدوان على غزة والضفة وسوريا ولبنان واليمن. والتحريض ضد إيران وبرنامجها النووي، وتفضيله المواجهة على التفاوض. وهو عكس استراتيجية ترامب الذي يتباين عن مواقف نتنياهو ويمارس ضغوطه عليه في عدة ملفات، لتحقيق الاستقرار وفقًا لمصالح أمريكا وليس مصالح نتنياهو. ترى دول مجلس التعاون أن الاستقرار ووقف الحرب والدفع لقيام دول فلسطينية سيعزز الاستقرار والسلام في المنطقة بما يخدم مصالح الجميع. ستحث دول المجلس الرئيس ترامب على دعم جهود الوساطة الخليجية للتوصل لاتفاق مع إيران حول برنامجها النووي-لاعتدال مواقف إيران وإنهاء أنشطتها المزعزعة للأمن بعد انتكاسات حلفائها في المنطقة. وستركز المحادثات على تعزيز التحالف العسكري مع الحلفاء وطمأنة الحلفاء بضمان الأمن الخليجي ومكافحة الإرهاب بعد انكفاء وتراجع حضور أمريكا العسكري. وتوقيع اتفاقية أمنية مع السعودية، وتوقيع صفقات تسلح. واستقرار أسواق النفط والطاقة. وتعزيز التجارة البينية والاستثمارات في قطاعات الطاقة. وبحث الرسوم الجمركية والذكاء الاصطناعي ومواجهة مخاطر الأمن السيبراني وقضايا اللاجئين والهجرة غير الشرعية. والتأكيد على عدم التطبيع قبل وقف حرب غزة ووضع مسار واضح لا رجعة فيه لقيام دولة فلسطينية، وهو موقف السعودية ودول المجلس. إضافة لمناقشة الوضع اليمني والحوثيين ودعم الحكومة السورية الجديدة بعد سقوط نظام الأسد والأزمة المتفاقمة في السودان، والوساطة بين الهند وباكستان. مساحة إعلانية


صحيفة الشرق
١١-٠٥-٢٠٢٥
- صحيفة الشرق
أيها الداخل إلى هذا المكان..
279 A+ A- كثير مما حولنا من صمت قد يشي بأن غزة صارت طي النسيان، لكنه في الحقيقة ينذر بأن غزة حاضرة وفلسطين. القصور في موقف الأمم المتحدة وبعض الدول العربية يجد نقدا وانتقادا على صفحات التواصل الاجتماعي. والسؤال مثلا هل تحققت رغبة نتنياهو في تهجير أهل غزة إلى سيناء أو غيرها. لا تهجير ولا هجرة ستحدث. الهجرة التي لا تزال تحدث هي من يهود الأرض المحتلة إلى أوروبا وغيرها. يأتي وسط هذا الصمت صاروخ من اليمن يصل الى مطار بن جوريون فتتوقف الرحلات. صاروخ يكشف عورات نظم الدفاع الإسرائيلية ويوقظ الرعب في إسرائيل، وبالطبع ليس الأول.. الدولة التي أقامتها إسرائيل ومن عاونها على فكرة الأصولية الدينية، وان الأرض لليهود وليست لغيرهم، وتأكدت أصوليتها منذ نشأتها، لم تتحمل كيانا مجاورا هو غزة، وأغفلت أنه رد فعل لأصوليتها، فالدين وهو يؤدي أحيانا بركوب فرس السياسة الخطأ إلى الانغلاق والجرائم كما حدث في الحروب الصليبية، يؤدي حين يركب الفرس الصحيح إلى الكفاح بكل أشكاله من أجل الوطن، وحين يأتي الوطن تتسع الأمور للمراجعة. صمتنا عن غزة ربما فيه يأس عند البعض أو قلة حيلة أو حتى تعاون مع إسرائيل خفيا أو ظاهرا، لكنه بالنسبة لي بعد أن غبت أسابيع عن الكتابة عن غزة، فيه اطمئنان من درس التاريخ. فالطفل الصغير الذي كنته يوما ما في بداية الخمسينيات وأراه أبوه ماكينة حلاقة معه منذ الأربعينيات مكتوبا عليها «صنعت في فلسطين» لم تغب فلسطين عنه في رواياته أو مقالاته. كانت ماكينة الحلاقة نتيجة باقية من رحلة الأب البسيط الذي كان يعمل في السكة الحديد، وكانت تمر من مصر عبر سيناء إلى فلسطين ثم سوريا حتى الشاطئ لتبدأ رحلة السفن الى تركيا. رحلة قطار الشرق الشهيرة. كل ما جرى بعد ذلك من مواقف ضد إسرائيل في حروبها الطاغية على الأراضي الفلسطينية أو العربية، كان نتيجة هذا اليقين الذي استقر في روح الطفل. هذا اليقين عابر الزمان أغفر به لنفسي انشغالي في الكتابة أحيانا بموضوعات أخرى، لكني أعود الآن لأؤكد يقيني بأن إسرائيل حفرت لنفسها الحفرة التي ستتسع مهما طال الزمن، وأدرك إن إطالة الحرب على أهل غزة ليست إلا طريقة بشعة يتصور بها نتنياهو أنه سيظل في الحكم. أخيرا جرت في مصر انتخابات نقابة الصحفيين وفاز فيها خالد البلشي نقيبا للمرة الثانية. كثير من الكلام يمكن أن يقال عن الأسباب النقابية للفوز، لكن السبب الذي لم يتمتع به منافسه، هو أن خالد البلشي جعل رصيف النقابة مكانا للتظاهر والتأييد لغزة، وإدانة إسرائيل ومن معها منذ أن صار نقيبا. كانت غزة أهم وأكبر أسباب فوزه. هكذا لا تضيع الحقائق. وهكذا مهما كانت التفسيرات للصبر أو النسيان فغزة حاضرة، وإسرائيل ستعلِّق يوما مهما ابتعد، على مطاراتها وموانيها، اللافتة التي رآها دانتي إليجيري في ملحمته «الكوميديا الإلهية» وهو يدخل الجحيم.. « أيها الداخل إلى هذا المكان تخلَّى عن كل أمل». مساحة إعلانية