logo
"مهمة مستحيلة: الحساب الأخير" قد يكون "فيلم الصيف الأكثر كآبة"

"مهمة مستحيلة: الحساب الأخير" قد يكون "فيلم الصيف الأكثر كآبة"

الوسطمنذ 5 أيام

بينما يترقب كثيرون من عشاق هوليوود أفلام الصيف باعتبارها فرصة للهروب من واقع متوتر ومشحون عالمياً، فإن الجزء الثامن من سلسلة "مهمة مستحيلة"، الذي يحمل عنوان "الحساب الأخير"، يُقدّم تجربة عكس ذلك تماماً.
الفيلم، الذي يُرجّح أن يكون ختاماً لمسيرة إيثان هانت بقيادة توم كروز، يُعدّ الأكثر كآبةً وقتامة في تاريخ السلسلة. بعيداً عن أجواء التشويق المرحة أو المغامرات المليئة بالحيوية، يأتي هذا الجزء كبيان سينمائي سوداوي، ينشغل بأسئلة الهاجس النووي، وسرعة انهيار الحضارة الحديثة.
صحيح أن كروز يواصل أداءه البدني الجريء - بين قتال بملابس النوم ومشاهد تعلّق جديدة بطائرات - لكنّ هذه اللحظات لا تُخفّف من الجو العام القاتم، بل إن الفيلم يُهدد بأن يكون "أشد أفلام الصيف إحباطاً"، لا بسبب رداءته، بل بسبب ما يحمله من طابع تشاؤمي كثيف.
يفتتح الفيلم بجملة تنذر بالكارثة: "الحقيقة تتلاشى، والحرب تقترب"، يتبعها مشاهد لصواريخ تنطلق ومدن تُسحق. لا حوارات ذكية، ولا مزاح، بل فلسفة سطحية عن المصير والاختيار، حتى موسيقى السلسلة الشهيرة تم استبدالها بألحان أوركسترالية ثقيلة ومظلمة.
وما يثير الاستغراب أن هذا الانحراف الحاد في نغمة الفيلم جاء من نفس الفريق الذي قدّم الجزء السابق "Dead Reckoning"، والذي تميّز بخفة ظل، ولمسات من الرومانسية والغموض، وإن كان ضمن الحدود المعتادة لأفلام كروز، أما في "الحساب الأخير"، فتجري الأحداث في أماكن مغلقة، أنفاق وكهوف وأعماق بحر، وكأن الفيلم يغوص حرفياً ومجازياً في العتمة.
قد يتوقع البعض أن مشهداً لتوم كروز وهو يركض بين الانفجارات أو يتدلى من طائرة يكفي ليُعيد الحيوية إلى أي فيلم أكشن، لكن في "الحساب الأخير"، حتى هذه اللحظات لا تنقذ العمل من طابعه الخانق، إذ يخيم على الفيلم شعور مستمر بالتهديد والدمار، ويبدو أن ما تبقى من الأمل يتم سحقه عمداً في كل مشهد.
الحوارات هنا ليست أدوات للتقريب بين الشخصيات أو لإضفاء بعض المرح كما اعتدنا في أجزاء السلسلة السابقة، بل تتحول إلى خطب ثقيلة عن "الاختيار والمصير"، وكأننا أمام محاضرة عن نهاية العالم لا فيلم صيفي من إنتاج ضخم.
التحوّل الحاد في توجه السلسلة يبدو وكأنه انعطافة غير محسوبة، ففي الجزء السابق، رغم كل التوتر، كانت هناك مساحات خفيفة من المزاح، ولمسات من البهجة البصرية، ومشاهد في مدن أوروبية نابضة، أما في هذا الجزء، فالفيلم يكاد يختنق في عتمة أنفاقه، وأعماق بحره، وسط ألوان باهتة لا حياة فيها، وصوت موسيقي جنائزي لا يمت بصلة للّحن الشهير الذي طالما رافق السلسلة.
كل ذلك يُثير تساؤلاً مشروعاً: هل هذا هو المسار الذي تستحقه سلسلة "مهمة مستحيلة"؟ وهل كان من الضروري أن تُختم بهذا النوع من الكآبة البصرية والعاطفية؟
يُهدر الفيلم جزءاً غير متناسب من مدته - التي تقترب من ثلاث ساعات - في مشاهد متكررة لأشخاص يجلسون في غرف مظلمة، يشرحون القصة لبعضهم البعض بهمس خافت وكأنهم يتآمرون في جنازة، مراراً وتكراراً، يُجبَر المشاهد على متابعة هذه الحوارات الثقيلة، المتكلفة، المليئة بالتحذيرات المبهمة.
ولو أُطلق على الفيلم اسم "الشرح الذي لا ينتهي"، لكان ذلك أكثر دقة من "الحساب الأخير".
عادةً ما تُقطع هذه المشاهد بلمحات من الماضي (فلاش باك)، أو من المستقبل (فلاش فورورد)، وأحياناً - على طريقة مسلسل "لوست" - بلقطات جانبية تُظهر شخصيات أخرى في غرف مظلمة مشابهة، تهمس بنفس القصة بنفس اللهجة المرهقة.
ولكن بدل أن تُضفي هذه التقطيعات شيئاً من الحيوية على السرد، فإنها توحي بأن المخرج كريستوفر ماكوايري وفريقه عجزوا عن تسيير القصة فعلياً، فلجأوا إلى تفكيك المشاهد إلى لقطات صغيرة ومبعثرة، على أمل ألا نلاحظ ذلك.
وربما كان من الممكن تجاوز هذه الأجواء القاتمة، لو كان "الحساب الأخير" فيلماً ذكياً بحق، أو يحمل عمقاً درامياً حقيقياً، لكن للأسف، هو مجرد مثال جديد على السذاجة التي يمكن أن تصل إليها أفلام هوليوود الضخمة.
القصة، التي تُكمل ما بدأ في الجزء السابق "Dead Reckoning"، تدور حول كيان ذكاء اصطناعي يُدعى "الكيان" (The Entity)، استولى على الإنترنت، ويخطط لإطلاق هجوم نووي عالمي يُفني البشرية.
لا نعرف لماذا يريد فعل ذلك، ولا كيف عرف الأبطال بهذه الخطة، لكن لا بأس... المهم أن إيثان هانت (توم كروز) قادر على إنقاذ العالم، بكل بساطة، عبر نقر جهازين صغيرين ببعضهما، وفجأة، يصبح "الكيان" مجرد "لا شيء".
من بين هذه "الأجهزة" الحاسمة، هناك صندوق يحتوي على الشفرة المصدرية لـ"الكيان"، وهو الآن غارق في غواصة محطمة في قاع البحر - ولهذا نرى مشهد غوص طويل في الأعماق. ورغم أن المشهد يستحق الإشادة من حيث الأجواء الغامضة، فإنه لا يحظى بأي نقطة على مقياس الإثارة. (إلى أي مدى يمكن للمشاهد أن يصبر على لقطة طويلة لشخص يسبح في مياه مظلمة بلا أي ملاحقة؟).
أما الجهاز الثاني - الذي يحتاجه إيثان لتدمير "الكيان" - فهو "حبّة السم"، أو ما يُشبه وحدة تخزين صغيرة (USB)، اخترعها صديقه لثر (فيغ ريمز). وفي عالم "مهمة مستحيلة"، هذه الحبّة ليست مجرّد أداة تقنية، بل هي أهم قطعة في تاريخ البشرية. يمكنها حرفياً إنقاذ العالم.
ومع ذلك، ما الذي يفعله إيثان بهذه القطعة المصيرية؟ يتركها - ببساطة - في جيب صديقه فاقد الوعي، والذي لا يحرسه أحد، مما يسمح للشرير غابرييل (إيساي موراليس) بسرقتها بكل سهولة.
والمفارقة الكبرى أن الفيلم لا يتوقف عن تمجيد بطله، فبين خطب هامسة تتحدث عن "بطولاته الخالدة"، وبين مشاهد أرشيفية تعرض لقطات من الأجزاء السابقة، يكاد المرء يشعر أن إيثان على وشك تسلّم جائزة عن مجمل أعماله.
لكن في وسط كل هذا الإطراء، لا أحد يجرؤ على الإشارة إلى مدى غبائه عندما ترك أهم جهاز في العالم في مكان مكشوف.
قبل أن يصل الفيلم إلى المشهد الوحيد الذي قد يُغري المشاهد بإعادة تكراره - المشهد الذي تصدر ملصق العمل، حيث يتمسك توم كروز بطائرة ذات جناحين في الجو - عليك أن تتجاوز عدداً لا يُحصى من الثغرات السردية والمفارقات العبثية في الحبكة.
نعلم جميعاً أن كروز ينفّذ مشاهده الخطرة بنفسه، وينفذها ببراعة لا شك فيها، لذا إن كنت من عشاق رؤية وجهه وهو يُعصر تحت ضغط الرياح على ارتفاع شاهق، فربما تستمتع بهذا العرض البهلواني الجديد.
لكن رغم كل ذلك، لا يحمل المشهد جديداً يُذكر؛ فهو مزيج من مطاردة المروحية في فيلم Fallout، ومشهد الطائرة الشاحنة في Rogue Nation.
والسؤال هنا: طائرة ذات جناحين؟ فعلاً؟
يبدو أن صناع الفيلم قرروا أنه لم يبقَ وسيلة نقل لم يستعملوها في هذه السلسلة الممتدة منذ أكثر من ثلاثين عاماً، فاضطروا لاستخدام الطائرة ذات الجناحين كحل أخير.
وإذا ما تقرر إنتاج جزء تاسع، فربما نراهم يقودون دراجات من طراز القرن التاسع عشر داخل حديقة عامة، وهو ما يجعل تسويق هذا الفيلم باعتباره "الخاتمة الكبرى" للسلسلة أمراً منطقياً.
المؤسف فقط أن وداع "مهمة مستحيلة" كان بهذا القدر من الجدية... والسخافة في آن واحد.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مهرجان كان يؤكد الدور الأساسي للذكاء الصناعي في السينما
مهرجان كان يؤكد الدور الأساسي للذكاء الصناعي في السينما

الوسط

timeمنذ 4 أيام

  • الوسط

مهرجان كان يؤكد الدور الأساسي للذكاء الصناعي في السينما

لم يشذّ مهرجان «كان» السينمائي عن توجه مختلف القطاعات للجوء إلى الذكاء الصناعي، إذ تشهد أروقة سوق الأفلام خلال المهرجان نقاشات في هذا الشأن، في ظل مخاوف بعض كتّاب السيناريو الذين يرون في هذه التقنية خطراً على الإبداع. وبات الذكاء الصناعي موضوع الساعة في الإنتاجات الأميركية الكبرى، و«الشرير» في القصص التي تتناولها الأفلام، وفقا لوكالة «فرانس برس». ففي فيلم «ميشن إمباسيبل - ذي فاينل ريكونينغ» Mission: Impossible - The Final Reckoning، الذي عُرض خارج المسابقة في مهرجان «كان» ويُطرح الأسبوع المقبل في صالات السينما، ينبري إيثن هانت (توم كروز) طوال نحو ثلاث ساعات لمقاتلة «الكيان»، وهو ذكاء صناعي شرير خرج عن السيطرة ويهدف إلى القضاء على البشرية. - - وفي المهرجان أيضاً فيلم «دالواي» Dalloway للمخرج الفرنسي يان غوزلان، والذي سيُطرح في الصالات التجارية في 17 سبتمبر، ويتناول قصة روائية تعجز عن الكتابة منذ ست سنوات، والتي تؤدي دورها سيسيل دو فرانس، فتلتحق ببرنامج إقامة فنية مرموق لاستعادة الإلهام. وتستعين في سعيها إلى تأليف كتابها بذكاء صناعي توليدي، بصوت المغنية الفرنسية ميلين فارمر، يهيمن عليها أكثر فأكثر، مما يدفعها إلى التشكيك في نواياها. ويطرح يان غوزلان في فيلم التشويق النفسي هذا مسألة تأثير التكنولوجيا على الإبداع. وسأل في هذا الصدد: «هل سيكون الذكاء الصناعي أداةً ستؤدي في النهاية إلى استعبادنا واستبدالنا؟ إنها مصدر قلق حقيقي». تقليص الموازنات وأوضح أن شخصية الروائية في الفيلم «تصبح شديدة الإدمان على أداتها القائمة على الذكاء الصناعي دالواي، ولا تعود عملياً قادرة على الكتابة من دونها». ولاحظ غوزلان أن «ثمة كتاب سيناريو يستعينون بـ"تشات جي بي تي" لمساعدتهم»، لكنّ المُخرج يرفض هذا الواقع. وأضاف: «في مكان ما، عندما يفوّض المرء مهمة ما إلى غيره، يفقد القدرة على تولّيها بنفسه إذا استمر طويلاً في تفويضها»، وهو ما يؤدي مثلاً إلى فقدان القدرة على الكتابة. شرعت الشركات في أروقة أكبر سوق للأفلام في العالم خلال مهرجان «كان» في عرض أشكال مختلفة من الخدمات لتوفير الوقت والمال على شركات الإنتاج. ورأى المؤسس المشارك لشركة «لارغو دوت إيه آي» سامي أربا، أن «الذكاء الصناعي سيساهم في تحسين الإبداع». وتُحلل أداته «محتوى الأفلام، وتُقدم رؤيةً ثاقبةً لنقاط القوة والضعف». وشرح أنها تتيح «تحليل الشخصيات، واقتراح اختيار الممثلين، وتحديد الأنسب منهم لكل شخصية، وتقديم توقعات للإيرادات المتوقعة في شباك التذاكر أو عبر منصات البث التدفقي». ورأى رئيس الشركة أن الذكاء الصناعي يساعد على تقليص موازنات الإنتاج، إذ «يمكّن الناس من اكتشاف أنواع جديدة، وأشكال مختلفة، ويفتح آفاقاً جديدة». «الإبداع البشري هو الأساس» ويشدد أربا على أنه «أداة مساعِدة تساهم في تسريع العمل، لكنها في الوقت نفسه تجعل الإبداع البشري الأساس». ولدى «لارغو دوت إيه آي» أكثر من 600 زبون في أوروبا والولايات المتحدة، بدءاً من الاستوديوهات وحتى المنتجين والموزعين، لإنتاجات تصل قيمتها إلى 150 مليون دولار. وقلّل المفوّض العام لمهرجان «كان»، تييري فريمو، الاثنين، من أهمية مخاطر الذكاء الصناعي على الإبداع. وقال: «بالنسبة للنصوص والأدب، لست متأكداً من أننا يجب أن نشعر بالقلق الشديد». وأكد أن «الأمل لا يزال موجوداً، وهو الأمل ممنوح للمبدعين». وأضاف الرجل الذي يدير منذ 2007 أكبر مهرجان سينمائي في العالم: «أنا أنتمي إلى مدرسة فرنسية لحماية المؤلفين، والاستثناء الثقافي، والدفاع عن المؤلفين مهما حدث». ودعا تالياً شركات التكنولوجيا العملاقة إلى وضع حدود لهذه التكنولوجيا الجديدة.

"مهمة مستحيلة: الحساب الأخير" قد يكون "فيلم الصيف الأكثر كآبة"
"مهمة مستحيلة: الحساب الأخير" قد يكون "فيلم الصيف الأكثر كآبة"

الوسط

timeمنذ 5 أيام

  • الوسط

"مهمة مستحيلة: الحساب الأخير" قد يكون "فيلم الصيف الأكثر كآبة"

بينما يترقب كثيرون من عشاق هوليوود أفلام الصيف باعتبارها فرصة للهروب من واقع متوتر ومشحون عالمياً، فإن الجزء الثامن من سلسلة "مهمة مستحيلة"، الذي يحمل عنوان "الحساب الأخير"، يُقدّم تجربة عكس ذلك تماماً. الفيلم، الذي يُرجّح أن يكون ختاماً لمسيرة إيثان هانت بقيادة توم كروز، يُعدّ الأكثر كآبةً وقتامة في تاريخ السلسلة. بعيداً عن أجواء التشويق المرحة أو المغامرات المليئة بالحيوية، يأتي هذا الجزء كبيان سينمائي سوداوي، ينشغل بأسئلة الهاجس النووي، وسرعة انهيار الحضارة الحديثة. صحيح أن كروز يواصل أداءه البدني الجريء - بين قتال بملابس النوم ومشاهد تعلّق جديدة بطائرات - لكنّ هذه اللحظات لا تُخفّف من الجو العام القاتم، بل إن الفيلم يُهدد بأن يكون "أشد أفلام الصيف إحباطاً"، لا بسبب رداءته، بل بسبب ما يحمله من طابع تشاؤمي كثيف. يفتتح الفيلم بجملة تنذر بالكارثة: "الحقيقة تتلاشى، والحرب تقترب"، يتبعها مشاهد لصواريخ تنطلق ومدن تُسحق. لا حوارات ذكية، ولا مزاح، بل فلسفة سطحية عن المصير والاختيار، حتى موسيقى السلسلة الشهيرة تم استبدالها بألحان أوركسترالية ثقيلة ومظلمة. وما يثير الاستغراب أن هذا الانحراف الحاد في نغمة الفيلم جاء من نفس الفريق الذي قدّم الجزء السابق "Dead Reckoning"، والذي تميّز بخفة ظل، ولمسات من الرومانسية والغموض، وإن كان ضمن الحدود المعتادة لأفلام كروز، أما في "الحساب الأخير"، فتجري الأحداث في أماكن مغلقة، أنفاق وكهوف وأعماق بحر، وكأن الفيلم يغوص حرفياً ومجازياً في العتمة. قد يتوقع البعض أن مشهداً لتوم كروز وهو يركض بين الانفجارات أو يتدلى من طائرة يكفي ليُعيد الحيوية إلى أي فيلم أكشن، لكن في "الحساب الأخير"، حتى هذه اللحظات لا تنقذ العمل من طابعه الخانق، إذ يخيم على الفيلم شعور مستمر بالتهديد والدمار، ويبدو أن ما تبقى من الأمل يتم سحقه عمداً في كل مشهد. الحوارات هنا ليست أدوات للتقريب بين الشخصيات أو لإضفاء بعض المرح كما اعتدنا في أجزاء السلسلة السابقة، بل تتحول إلى خطب ثقيلة عن "الاختيار والمصير"، وكأننا أمام محاضرة عن نهاية العالم لا فيلم صيفي من إنتاج ضخم. التحوّل الحاد في توجه السلسلة يبدو وكأنه انعطافة غير محسوبة، ففي الجزء السابق، رغم كل التوتر، كانت هناك مساحات خفيفة من المزاح، ولمسات من البهجة البصرية، ومشاهد في مدن أوروبية نابضة، أما في هذا الجزء، فالفيلم يكاد يختنق في عتمة أنفاقه، وأعماق بحره، وسط ألوان باهتة لا حياة فيها، وصوت موسيقي جنائزي لا يمت بصلة للّحن الشهير الذي طالما رافق السلسلة. كل ذلك يُثير تساؤلاً مشروعاً: هل هذا هو المسار الذي تستحقه سلسلة "مهمة مستحيلة"؟ وهل كان من الضروري أن تُختم بهذا النوع من الكآبة البصرية والعاطفية؟ يُهدر الفيلم جزءاً غير متناسب من مدته - التي تقترب من ثلاث ساعات - في مشاهد متكررة لأشخاص يجلسون في غرف مظلمة، يشرحون القصة لبعضهم البعض بهمس خافت وكأنهم يتآمرون في جنازة، مراراً وتكراراً، يُجبَر المشاهد على متابعة هذه الحوارات الثقيلة، المتكلفة، المليئة بالتحذيرات المبهمة. ولو أُطلق على الفيلم اسم "الشرح الذي لا ينتهي"، لكان ذلك أكثر دقة من "الحساب الأخير". عادةً ما تُقطع هذه المشاهد بلمحات من الماضي (فلاش باك)، أو من المستقبل (فلاش فورورد)، وأحياناً - على طريقة مسلسل "لوست" - بلقطات جانبية تُظهر شخصيات أخرى في غرف مظلمة مشابهة، تهمس بنفس القصة بنفس اللهجة المرهقة. ولكن بدل أن تُضفي هذه التقطيعات شيئاً من الحيوية على السرد، فإنها توحي بأن المخرج كريستوفر ماكوايري وفريقه عجزوا عن تسيير القصة فعلياً، فلجأوا إلى تفكيك المشاهد إلى لقطات صغيرة ومبعثرة، على أمل ألا نلاحظ ذلك. وربما كان من الممكن تجاوز هذه الأجواء القاتمة، لو كان "الحساب الأخير" فيلماً ذكياً بحق، أو يحمل عمقاً درامياً حقيقياً، لكن للأسف، هو مجرد مثال جديد على السذاجة التي يمكن أن تصل إليها أفلام هوليوود الضخمة. القصة، التي تُكمل ما بدأ في الجزء السابق "Dead Reckoning"، تدور حول كيان ذكاء اصطناعي يُدعى "الكيان" (The Entity)، استولى على الإنترنت، ويخطط لإطلاق هجوم نووي عالمي يُفني البشرية. لا نعرف لماذا يريد فعل ذلك، ولا كيف عرف الأبطال بهذه الخطة، لكن لا بأس... المهم أن إيثان هانت (توم كروز) قادر على إنقاذ العالم، بكل بساطة، عبر نقر جهازين صغيرين ببعضهما، وفجأة، يصبح "الكيان" مجرد "لا شيء". من بين هذه "الأجهزة" الحاسمة، هناك صندوق يحتوي على الشفرة المصدرية لـ"الكيان"، وهو الآن غارق في غواصة محطمة في قاع البحر - ولهذا نرى مشهد غوص طويل في الأعماق. ورغم أن المشهد يستحق الإشادة من حيث الأجواء الغامضة، فإنه لا يحظى بأي نقطة على مقياس الإثارة. (إلى أي مدى يمكن للمشاهد أن يصبر على لقطة طويلة لشخص يسبح في مياه مظلمة بلا أي ملاحقة؟). أما الجهاز الثاني - الذي يحتاجه إيثان لتدمير "الكيان" - فهو "حبّة السم"، أو ما يُشبه وحدة تخزين صغيرة (USB)، اخترعها صديقه لثر (فيغ ريمز). وفي عالم "مهمة مستحيلة"، هذه الحبّة ليست مجرّد أداة تقنية، بل هي أهم قطعة في تاريخ البشرية. يمكنها حرفياً إنقاذ العالم. ومع ذلك، ما الذي يفعله إيثان بهذه القطعة المصيرية؟ يتركها - ببساطة - في جيب صديقه فاقد الوعي، والذي لا يحرسه أحد، مما يسمح للشرير غابرييل (إيساي موراليس) بسرقتها بكل سهولة. والمفارقة الكبرى أن الفيلم لا يتوقف عن تمجيد بطله، فبين خطب هامسة تتحدث عن "بطولاته الخالدة"، وبين مشاهد أرشيفية تعرض لقطات من الأجزاء السابقة، يكاد المرء يشعر أن إيثان على وشك تسلّم جائزة عن مجمل أعماله. لكن في وسط كل هذا الإطراء، لا أحد يجرؤ على الإشارة إلى مدى غبائه عندما ترك أهم جهاز في العالم في مكان مكشوف. قبل أن يصل الفيلم إلى المشهد الوحيد الذي قد يُغري المشاهد بإعادة تكراره - المشهد الذي تصدر ملصق العمل، حيث يتمسك توم كروز بطائرة ذات جناحين في الجو - عليك أن تتجاوز عدداً لا يُحصى من الثغرات السردية والمفارقات العبثية في الحبكة. نعلم جميعاً أن كروز ينفّذ مشاهده الخطرة بنفسه، وينفذها ببراعة لا شك فيها، لذا إن كنت من عشاق رؤية وجهه وهو يُعصر تحت ضغط الرياح على ارتفاع شاهق، فربما تستمتع بهذا العرض البهلواني الجديد. لكن رغم كل ذلك، لا يحمل المشهد جديداً يُذكر؛ فهو مزيج من مطاردة المروحية في فيلم Fallout، ومشهد الطائرة الشاحنة في Rogue Nation. والسؤال هنا: طائرة ذات جناحين؟ فعلاً؟ يبدو أن صناع الفيلم قرروا أنه لم يبقَ وسيلة نقل لم يستعملوها في هذه السلسلة الممتدة منذ أكثر من ثلاثين عاماً، فاضطروا لاستخدام الطائرة ذات الجناحين كحل أخير. وإذا ما تقرر إنتاج جزء تاسع، فربما نراهم يقودون دراجات من طراز القرن التاسع عشر داخل حديقة عامة، وهو ما يجعل تسويق هذا الفيلم باعتباره "الخاتمة الكبرى" للسلسلة أمراً منطقياً. المؤسف فقط أن وداع "مهمة مستحيلة" كان بهذا القدر من الجدية... والسخافة في آن واحد.

توم كروز يتألق في مهرجان كان بمغامرات جديدة وعرض أخير لـ«ميشن إمباسيبل»
توم كروز يتألق في مهرجان كان بمغامرات جديدة وعرض أخير لـ«ميشن إمباسيبل»

الوسط

timeمنذ 6 أيام

  • الوسط

توم كروز يتألق في مهرجان كان بمغامرات جديدة وعرض أخير لـ«ميشن إمباسيبل»

يطلّ النجم توم كروز في مهرجان كان السينمائي الأربعاء لمواكبة عرض الجزء الثامن من سلسلة أفلام «ميشن إمباسيبل»، غداة مراسم افتتاح الحدث السينمائي الفرنسي التي طغت السياسة عليها، خصوصًا من خلال تصريح لروبرت دي نيرو استهدف فيه الرئيس دونالد ترامب. ويُعد ظهور نجم هوليوود خارج المنافسة من أبرز الأحداث المرتقبة في هذه النسخة الثامنة والسبعين من المهرجان العالمي الذي يقام سنويًا في جنوب فرنسا، وفقًا لوكالة «فرانس برس». لم يكن محبو شخصية «إيثان هانت» ليحلموا بمكان أفضل لاختتام هذه الملحمة السينمائية التي أصبحت من كلاسيكيات الفن السابع، فيما يستفيد المهرجان من حضور الممثل (62 عامًا)، وهو من النجوم القلائل القادرين على جذب ملايين المشاهدين لمتابعة أعماله. ويسود ترقب لمتابعة الطريقة التي سيظهر فيها توم كروز المعروف بحبه لمشاهد الحركة، بعد أن هبط بطائرة هليكوبتر على جادة كروازيت في مدينة كان الفرنسية قبل ثلاث سنوات لتقديم فيلم «توب غن: مافريك»، كما أبهر المتابعين في أغسطس الماضي خلال حفل ختام دورة الألعاب الأولمبية في باريس عندما قفز على حبل من سطح ملعب ستاد دو فرانس. - - فهل سيصل هذه المرة عن طريق البحر أم البر؟ فيما يتعلق بما قُدّم على أنه الجزء الأخير من السلسلة، والذي يُطرح في صالات السينما في 21 مايو، فليس لتوم كروز الذي سيصعد سلالم المهرجان قبيل الساعة السابعة مساء (17:00 بتوقيت غرينتش)، الحق في أن يخيب الآمال. وبات معلومًا أنه سيكون محاطًا بموسيقيين سيعزفون الموسيقى الأصلية الشهيرة من فيلم «ميشن إمباسيبل» للمؤلف لالو شيفرين. ويعد الفيلم الطويل للغاية (ساعتان و49 دقيقة)، بتقديم كل مفاتيح القصة الملحمية التي بدأت على الشاشة الصغيرة بين عامي 1966 و1973، ونقلها بريان دي بالما إلى الشاشة الكبيرة عام 1996، واختتمها المخرج كريستوفر ماك كويري. انطلاق المسابقة فيما وضع الجزء السابع توم كروز في مواجهة أداة ماكيافيلية عاملة بالذكاء الصناعي تسمى «ذي إنتيتي»، يعد الجزء الجديد باستكمال ما انتهى إليه العمل السابق، مع نفس الشركاء على الشاشة، بما في ذلك سيمون بيغ وهايلي أتويل. بعد واحد من أقوى مشاهد الإثارة في فيلم «ميشن إمباسيبل»، على متن قطار يسقط في الفراغ، يطير توم كروز هذه المرة متصلًا بأجنحة طائرة صغيرة أو يغوص في الأعماق لاختراق غواصة، بحسب اللقطات الأولى التي نُشرت للفيلم الجديد. ويشهد الأربعاء أيضًا انطلاق المسابقة الرسمية مع فيلمين أوّلين يتنافسان على جائزة السعفة الذهبية: In die Sonne schauen «صوت السقوط»، وهو عمل درامي ألماني من إخراج ماشا شيلينسكي، ويدور حول أربعة أجيال من النساء، وTwo Prosecutors «مدعيان عامان» للمخرج سيرغي لوزنيتسا. يجد هذا الفيلم صدى في الأحداث الجارية، إذ يعود لوزنيتسا، الاسم الكبير في السينما الأوكرانية، إلى عصر التطهير الستاليني ويعد بالغوص «في نظام شمولي مستتر». وتشهد الأقسام الموازية في المهرجان عرضًا مؤثرًا لفيلم «إنزو» في افتتاح أسبوعَي صنّاع السينما. كتب لوران كانتيه، الفائز بجائزة السعفة الذهبية في عام 2008 عن فيلم «أنتر لي مور» «بين الجدران»، الفيلم وأعدّه بالتعاون مع صديقه القديم وشريكه في العمل رومان كامبيلو الذي فاز بالجائزة الكبرى في كان عن فيلم «120 نبضة في الدقيقة» في العام 2017. توفي كانتيه في أبريل 2024، قبل تصوير الفيلم مباشرة، عن 63 عامًا. لذلك أكمل كامبيلو هذا العمل، كتحية أخيرة لصديقه الراحل.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store