بيان مجلس الوزراء - الاجتماع العادي (25) لعام 2025
ترأس معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، الاجتماع العادي الذي عقده المجلس صباح اليوم بمقره في الديوان الأميري.
وعقب الاجتماع أدلى سعادة السيد/ إبراهيم بن علي المهندي، وزير العدل ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، بما يلي:
في بداية الاجتماع ثمن مجلس الوزراء دور القوات المسلحة القطرية بقيادة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى "حفظه الله"، في التصدي الناجح والحاسم للهجوم الصاروخي الذي قام به الحرس الثوري الإيراني مساء يوم الاثنين الماضي، واستهدف قاعدة العديد الجوية، مؤكدا أنه بفضل من الله، ثم بجاهزية ويقظة القوات المسلحة، والإجراءات الاحترازية التي تم اتخاذها لم ينتج عن الهجوم أي وفيات أو إصابات.
وجدد مجلس الوزراء إدانة دولة قطر الشديدة للهجوم الإيراني باعتباره انتهاكا صارخا لسيادتها، ومجالها الجوي، وللقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ويتنافى تماما مع مبدأ حسن الجوار والعلاقات الوثيقة التي تجمع البلدين.
وأعرب المجلس عن بالغ الشكر والتقدير للدول الشقيقة والصديقة التي سارعت إلى إدانة واستنكار الهجوم الإيراني، وأعلنت تضامنها مع دولة قطر، في وقفة جسدت صدق الإخوة ونبل المشاعر.
كما جدد المجلس ترحيب دولة قطر باتفاق وقف إطلاق النار بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وإسرائيل، آملا في التزام الطرفين بالاتفاق، ومشيرا إلى جهود دولة قطر المستمرة لخفض التصعيد وانتهاج الحوار والسبل الدبلوماسية لحل الخلافات، وتسوية النزاعات بالطرق السلمية، من أجل الحفاظ على الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة والعالم.
وأشاد مجلس الوزراء بالاستراتيجية الوطنية لوزارة التنمية الاجتماعية والأسرة ( 2025-2030)، التي دشنها معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، والتي تمثل نقلة نوعية من نموذج الرعاية التقليدية إلى نهج أكثر شمولا وتمكينا واستدامة، مبني على فهم واقعي لاحتياجات المجتمع القطري وتحدياته.
وتستند الاستراتيجية إلى خمس ركائز رئيسية، تشمل تعزيز تماسك الأسرة القطرية، وتمكين المرأة القطرية وتعزيز مشاركتها في مختلف المجالات، لاسيما في مواقع القيادة وصنع القرار. وتمكين الفئات الأولى بالرعاية، وتنمية روح المشاركة والتكافل وتحسين المستوى المعيشي للأفراد والأسر.
ومن ثم نظـر مجلس الوزراء في الموضوعات المدرجة على جدول أعماله، حيث أحاط المجلس علما بإقرار مجلس الشورى لمشروع قانون بشأن اللقطة والأموال المتروكة، وكانت وزارة الداخلية قد أعدت هذا المشروع لتنظيم إجراءات التعامل مع اللقطة والأموال المتروكة بهـدف ضمان عدم ضياع الحقوق وتشجيع الأشخاص الملتقطين على تسليم الأشياء التي عثر عليها ليتسنى إعادتها إلى أصحابها.
كما أحاط مجلس الوزراء علما بإقرار مجلس الشورى لمشروع قانون المياه، ويأتي مشروع القانون الذي أعدته المؤسسة العامة القطرية للكهرباء والماء سعيا لتحقيق الأمن المائي والحفاظ على الموارد المائية وحمايتها من الاستنزاف أو الإهدار أو التلوث، ورفع كفاءة خدمات المياه واستخداماتها، وضمان جودتها، وحسن صيانة وتشغيل منشآتها.
واعتمد مجلس الوزراء مشروع قرار مجلس الوزراء بتشكيل لجنة التظلمات المتعلقة بنزع ملكية العقارات للمنفعة العامة وإجراءات التظلم منها.
ووافق مجلس الوزراء على مشروعات قرارات وزير الدولة لشؤون الطاقة بتحديد مناطق خدمات تبريد المناطق، وتحديد ممرات ومسارات شبكات تبريد المناطق والاستثناءات الواردة عليها، ومعايير اعتبار المناطق والمنشآت والمساكن الواقعة بها مؤهلة لخدمات تبريد المناطق، وبتحديد القواعد اللازمة لتسهيل دخول ووصول المرخص لهم إلى الممتلكات والأراضي العامة لإنشاء وتشغيل أو صيانة نظام تبريد المناطق، وبتحديد الإجراءات والضوابط اللازمة لتقديم طلب إزالة أو نقل أو تغيير أو تحويل مسار أي جزء من أجزاء نظام تبريد المناطق والبت فيه، وبضوابط تعويض أصحاب الممتلكات والأراضي عن الأضرار أو التكاليف أو المصاريف التي يتسبب فيها المرخص له الناتجة عن تركيب نظام تبريد المناطق، وتأتي هذه المشروعات التي أعدتها المؤسسة العامة القطرية للكهرباء والماء بالتنسيق مع وزارة البلدية في إطار استراتيجية المؤسسة، الهادفة إلى وضع القواعد المنظمة لأعمال وخدمات تبريد المناطق، ومراقبة تنفيذها، وفقا لأحكام القانون رقم (19) لسنة 2024 بتنظيم خدمات تبريد المناطق.
واطلع مجلس الوزراء على المقترحات برغبة التي أبداها مجلس الشورى بشأن أوضاع الأشخاص ذوي الإعاقة، واتخذ بشأنها القرار المناسب.
وقرر مجلس الوزراء اتخاذ الإجراءات اللازمة للتصديق على اتفاقية بين حكومة دولة قطر وحكومة روسيا الاتحادية بشأن التعاون في مجالات الرعاية الصحية والتعليم الطبي والعلوم الطبية.
كما قرر المجلس الموافقة على مشروع مذكرة تفاهم للتوأمة بين بلدية الدوحة في دولة قطر وبلدية غواتيمالا في جمهورية غواتيمالا، ومشروع مذكرة تفاهم في مجال الأوقاف والشؤون الإسلامية بين وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة قطر ووزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في المملكة الأردنية الهاشمية، ومشروع مذكرة تفاهم للتعاون بشأن إدارة الموارد البشرية في الخدمة المدنية بين حكومة دولة قطر وحكومة جمهورية كازاخستان، ومشروع البرنامج التنفيذي لمذكرة تفاهم للتعاون في مجال الأوقاف والشؤون الإسلامية بين حكومة دولة قطر وحكومة الجمهورية التونسية للسنوات 2025-2028، ومشروع البرنامج التنفيذي في إطار مذكرة التفاهم للتعاون في مجال الشباب بين حكومة دولة قطر وحكومة تركمانستان لعامي (2025-2026).
هذا واختتم مجلس الوزراء اجتماعه باستعراض تقرير عما تم اتخاذه من إجراءات لتنفيذ المقترحات التي أسفرت عنها نتائج زيارة سعادة وزير التنمية الاجتماعية والأسرة إلى المملكة المغربية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 7 ساعات
- الجزيرة
هل تلبي الموارد المتاحة خطط الحكومة السورية لتعافي الاقتصاد؟
وسط تحديات سياسية وأمنية ضاغطة، تحتاج الخطة التي رسمتها الحكومة السورية الجديدة للاقتصاد إلى موارد واستثمارات تقدر قيمتها الأولية، وفق حسابات المدير الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي عبد الله الدردري، بنحو 36 مليار دولار. فقد خلّف الصراع الذي امتد نحو 14 عاما أضرارا بالغة شملت معظم قطاعات الإنتاج، كما أخرج موارد مهمة من سلطة الدولة، كان من المفترض أن يدعم مردودها قطار التعافي الراهن، ويقلص زمن وصوله إلى التنمية المستدامة كمحطة أخيرة. "تعرض كل شيء للدمار"، هكذا يختصر وزير الاقتصاد والصناعة السوري نضال الشعار المشهد عن قرب. وفي السياق أيضا، تسجل لائحة الخسائر انكماش إجمالي الناتج المحلي بشكل تراكمي إلى أكثر من 50%، وانخفاض نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي في عام 2024 إلى 830 دولارا (وهو أقل بكثير من الحد الدولي للبلدان المنخفضة الدخل) وفق تصنيف البنك الدولي. لكن في المقابل، يرجح خبراء في الاقتصاد أن تؤدي الإجراءات الإصلاحية التي باشرت بها الحكومة منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول العام الماضي، وشملت سياسات الاقتصاد الكلي والمالية العامة، والسياسات النقدية، مع تركيزها على الحوكمة الرشيدة للمال العام وسلامة الإدارة المالية والإدارة النقدية، إلى تعزيز خطوات التعافي، والتأسيس لاقتصاد منفتح يرسم خارطة جديدة للنمو والمساواة والرخاء. ويتوقع البنك الدولي بهذا الصدد أن يتخلص الاقتصاد السوري من انكماشه، ويستعيد تطوره الإيجابي هذا العام، حيث تعكس المؤشرات إمكانية نمو إجمالي الناتج المحلي بنسبة 1% بعد انكماشه بنسبة 1.5% في عام 2024. وكان وزير المالية السوري محمد يسر برنية قد أعرب عن تفاؤله "بأن اقتصاد البلاد سيحقق قريبا نموا أعلى وسيستأنف مسار التنمية المستدامة" رغم التحديات الهائلة التي تواجهها سوريا على مختلف الصعد. ولفت في تصريحات صحفية إلى أن الحكومة تعمل على إعادة تأهيل البنية التحتية، بدءا من شبكات الكهرباء والمياه، وصولا إلى الطرق والمؤسسات العامة، بالتوازي مع إصلاح النظام القضائي وتحديث الإطار التشريعي للاستثمار. الإرث الصادم إنسانيا خلال فترة الصراع التي استمرت 14 عاما، شهدت القطاعات الإنتاجية والخدمية تدهورا أدى إلى تحولات عميقة في حياة السوريين، كان أكثرها تأثيرا تراجع نمط الحياة، حيث هبط مؤشر التنمية البشرية -الذي يقيس التنمية بناء على الصحة والتعليم ومستوى الدخل- بحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، من 0.661 عام 2010 إلى 0.557 حاليا. وبينما يعيش ربع السكان في فقر مدقع، وفق بيانات مسح برنامج تقييم الاحتياجات الإنسانية للأسر عام 2022، يستهلك 24% أيضا (5.7 ملايين فرد) أقل من خط الفقر الدولي للبلدان المنخفضة الدخل البالغ 2.15 دولارا للفرد يوميا، كما يعيش 67% تحت خط الفقر للشريحة الدنيا للدخل المتوسط البالغ 3.65 دولارات للفرد يوميا. وكشف تحليل الإضاءة الليلية، لصور أقمار اصطناعية التقطها مشروع بلاك ماربل التابع للإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء الأميركية لأجزاء من سوريا، تراجع النشاط الاقتصادي إلى سلبي للغاية، وانكماشه في جميع المحافظات، بعد أن ضعفت الحركة المتبادلة بنسبة 83% بين عامي 2010 و2024 وهو الأمر الذي أدى إلى خلل في الروابط الاقتصادية بين المدن، وتسبب بصدمات مؤثرة. بدائل الاستدانة من الخارج ينظر الخبير الاقتصادي أحمد سيريس إلى التركة التي خلفها نظام الأسد على أنها تحدّ حقيقي تفوق مواجهته إمكانات الحكومة الراهنة. ويرى أن رغبة الحكومة في عدم الاقتراض من المؤسسات الدولية، كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، للتغلب على ما يواجهها من مصاعب مالية دفعها إلى التركيز على الموارد الرئيسية، والاستثمارات الخارجية. غير أن وجود قسم مهم من هذه الموارد تحت سيطرة قوى مناهضة للحكم الجديد، وتهالك قطاع التعدين، بحسب حديث سيريس للجزيرة نت، أفقد البلاد إيرادات كان من الممكن لها لو استثمرت إلى جانب استثمارات وطنية وأجنبية أخرى، كالتي جرى الإعلان عنها خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، أن تضيف إلى خزينة الدولة موارد تساعد الحكومة على تغطية جانب من فاتورة التعافي. هل تسد الموارد المتاحة احتياجات التعافي؟ تشكل الموارد الطبيعية والزراعية، برأي الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي، مصدرا مهما على صعيد الدخل الوطني. ويرى أن سوريا تمتلك موارد يمكن أن تشكل قاعدة للنهوض الاقتصادي إذا أُعيد استثمارها بشكل فعال. لكن استثمارها على النحو الأمثل -وفق رأيه- يواجه مصاعب عديدة، منها: معظم حقول النفط الحيوية، لا سيما في دير الزور والحسكة ، والتي تنتج نحو 50 ألف برميل يوميا، ما زالت تقع خارج سيطرة الحكومة، في حين تنتج الآبار بمناطق الحكومة نحو 15 ألف برميل. يغطي إنتاج الغاز المستثمر نحو 30% من الاحتياج المحلي، الذي يبلغ وفق تقديرات رسمية نحو 5 مليارات متر مكعب سنويا، في حين تبلغ الاحتياطات نحو 8.5 تريليونات قدم مكعب. تبلغ العائدات السنوية من تصدير الفوسفات الخام نحو 400 مليون دولار، في حين تشير التقديرات إلى أن تصنيع الفوسفات محليا يمكن أن يرفع العائدات إلى أكثر من ملياري دولار سنويا. أما بخصوص الموارد الزراعية، يضيف الباحث، فقد انخفض إسهام القطاع الزراعي الذي يشمل إنتاجه "القمح، والقطن، والذرة، والزيتون، والحمضيات" في الناتج المحلي الإجمالي من 28% عام 2010 إلى 10% في الوقت الراهن، نتيجة الجفاف ونقص التمويل ودمار البنية التحتية. ويؤكد قوشجي أن الكميات المتاحة من الموارد الاقتصادية، رغم تنوعها ووفرتها النسبية، لا تكفي لتلبية الاحتياجات الوطنية الأساسية. فعلى سبيل المثال، يبلغ إجمالي إنتاج النفط السوري يوميا قرابة 65-70 ألف برميل، في حين يُقدّر الاحتياج الوطني بنحو 90 ألف برميل يوميا، وذلك يعني وجود فجوة تراوح بين 20-30 ألف برميل يوميا. أما قطاع الغاز، فلا يغطي الإنتاج فيه سوى أقل من ثلث الاحتياج المحلي السنوي المقدر بنحو 5 مليارات متر مكعب، مما يشكل ضغطا مستمرا على قطاع الطاقة يمس استقرار أغلب الخدمات الحيوية. ولفت قوشجي إلى وجود محدودية واضحة في العوائد الحالية من الفوسفات والموارد الزراعية تعود ليس فقط إلى ضعف الإنتاج، بل أيضا إلى محدودية الاستثمار، وخروج مساحات واسعة من الموارد عن السيطرة الحكومية، إضافة إلى تدهور البنية التحتية الصناعية والزراعية. تقف قطر و السعودية وتركيا في مقدمة الدول التي دعمت الاقتصاد السوري في مرحلة ما بعد الأسد، إذ قدمت مساعدات واستثمارات ضخمة في قطاعات حيوية، كقطاعات الطاقة، والبنية التحتية، والاتصالات، والخدمات الرقمية، والمواصلات. وتقدر مصادر صحفية محلية حجم الاستثمارات والمساعدات العربية والدولية بنحو 30 مليار دولار، أبرزها: تمويل قطر لمشروع توريد الغاز الطبيعي من أذربيجان إلى سوريا عبر الأراضي التركية، بمعدل نحو 3.4 ملايين متر مكعب يوميا في المرحلة الأولى. مشروع بناء 4 محطات طاقة تعمل بالغاز إلى جانب محطة للطاقة الشمسية، بكلفة 7 مليارات دولار، يعود لشركة UCC Holding القطرية. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لإعادة بناء البنية التحتية، وإطلاق شبكة حماية اجتماعية، ودعم الشركات الناشئة الرقمية، بقيمة 1.3 مليار دولار. حصول شركة الشحن الفرنسية CMA CGM على امتياز إدارة ميناء اللاذقية بقيمة 260 مليون دولار، تتحصل الدولة على 60% من إيرادات التشغيل. تنفذ شركة موانئ دبي العالمية مشروع تطوير محطة متعددة الوظائف في ميناء طرطوس وإدارتها وتشغيلها بقيمة 800 مليون دولار. 47 اتفاقية ومذكرة تفاهم بقيمة إجمالية تقارب 24 مليار ريال سعودي (6.4 مليارات دولار) تعود لشركات سعودية. توقيع مذكرات تفاهم استثمارية مع عدد من الشركات الدولية، تتضمن 12 مشروعا إستراتيجيا بقيمة إجمالية تصل إلى 14 مليار دولار. تخصيص 6.5 مليارات دولار لإعادة الإعمار، تعهد بها المانحون في مؤتمر بروكسل بنسخة 2025. ويذهب الخبير الاقتصادي سيريس إلى أن الزخم الذي يشهده قطاع الاستثمار الأجنبي، بحسب المعطيات الحالية، تجاوز الفجوة التي أحدثها الصراع على صعيد الاستثمار الأجنبي، بتراجع نسبته في الناتج المحلي الإجمالي من 2.8% في عام 2008 إلى نقطة الصفر خلال عامي 2022 و2023. وأكد ضرورة أن يشهد السوريون نتائج ملموسة على الأرض، تعزز خطط الحكومة للتعافي، وتنهض بواقع الحياة العامة. يعتمد الإنفاق الحكومي في مجمله على الوعاء الضريبي. وعلى الرغم من انخفاض الإيرادات غير الضريبية، التي كانت تشكل غالبية إيرادات المالية العامة، في مرحلة ما قبل الحرب، فإن موازنة عام 2025 سجلت تحسنا بطيئا في إجمالي الإيرادات (ضرائب، ورسوم، وصادرات) إذ بلغ حجمها نحو 52.6 تريليون ليرة سورية (4 مليارات دولار). أما سجل الإنفاق فسجل نحو 37 تريليون ليرة سورية (2.8 مليار دولار). وتغطي الإيرادات الضريبية (بما فيها الضرائب المباشرة وغير المباشرة والرسوم) نحو 79% من الإنفاق الحكومي، مما يعني أن إجمالي الإيرادات الضريبية يقدر بنحو 29,2 تريليون ليرة (2.2 مليار دولار تقريبا). وتعكف الحكومة على إعداد ميزانية تكميلية للعام المالي الجاري إلى جانب موازنة جديدة لعام 2026. تركز فيهما -بحسب تصريح وزير المالية محمد يسر برنية على هامش مشاركته في اجتماعات مجموعة البنك الإسلامي للتنمية التي انعقدت في الجزائر في مايو/أيار الماضي- على تعزيز الخدمات الأساسية. ورغم عدم إفصاحه عن الأرقام المحددة للموازنة المرتقبة بسبب "عدم توافر البيانات بشكل نهائي" على حد قوله، فإن المؤشرات تظهر توجها جديدا نحو إعادة ترتيب أولويات الإنفاق الحكومي بما يواكب متطلبات الإصلاح، واعتماد الإيرادات الضريبية، كمورد ثابت خلال المرحلة المقبلة.


الجزيرة
منذ 21 ساعات
- الجزيرة
حزب الله وضربات "لئيمة" من إسرائيل
خياران أحلاهما مر بانتظار حزب الله؛ كلفة الاحتفاظ بالسلاح باهظة للغاية، عليه وعلى لبنان، والتخلي عنه، يكاد يكون انتحارا سياسيا، يُخرج الحزب من ثوبه، ومن كل ما نشأ عليه ومن أجله، فيما الرهان على "عامل الوقت"، أو البحث عن مخرج، يبدو معلقا على المجهول. في لبنان، ثمة أغلبية سياسية وشعبية، تبلورت في ضوء نتائج "حربي الإسناد" و"أولي البأس"، باتت تنظر للسلاح باعتباره فاقدا القدرة على الحماية والردع والتحرير في مواجهة إسرائيل، وهي الوظائف الثلاث التي تراكم السلاح من أجلها، وشكلت المبرر لانفراد الحزب طوال أكثير من أربعة عقود، بحمله وتخزينه وتطويره واستخدامه. اليوم، يجد الحزب صعوبة في تسويق هذه الوظائف على جمهور متزايد من اللبنانيين، لا سيما من خارج بيئته الشيعية الحاضنة. غالبية مسيحية وسُنية ودرزية، وأقلية شيعية، باتت تدعم توجه الدولة الجديد، والجريء، في معالجة قضيتي؛ "حصرية السلاح"، و"قرار الحرب والسلم". وحتى من بين الشيعة أنفسهم، فإن ثمة فريقا لا بأس به – من داعمي احتفاظ الحزب بسلاحه- ينطلق في مواقفه من اعتبارات داخلية، ومخاوف (مشروعة أو غير مشروعة) على مستقبل الطائفة ومكانتها، أو يتحسب لتداعيات الحدث السوري على لبنان وتوازنات القوى فيه، منذ سقوط نظام الأسد 8 ديسمبر الفائت. بهذا المعنى، لم يعد هذا الفريق يربط السلاح بمقاومة إسرائيل أو تحرير ما تبقى من أراضي الجنوب، بل بديناميات العلاقة مع القوى والمكونات الأخرى، لبنانيا، وامتداداتها السورية. لا شك أن فريقا من اللبنانيين، لم ينظر يوما بعين الرضا عن المقاومة والحزب والسلاح، وهو سبق أن أشهر سلاحه في مواجهة المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، ولم يتوانَ عن استدعاء مختلف أشكال الدعم والتدخل الإسرائيلية، لإنجاز الحسم في معركة الداخل. هذا الفريق، ما زال "وفيا" لمواقفه ونهجه، وهو بات أكثر جرأة في التصدي لمسألة السلاح، والتحريض عليه، والاستقواء بـ"الخارج" على الفريق الذي يحمله. و"الخارج" اليوم، لم يعد إسرائيل حصرا، فالولايات المتحدة، تقود أشد حملات التضييق والحصار على سلاح الحزب ومسلحيه، وتسعى في تقطيع شرايينه، وتجفيف موارده، من مالية واقتصادية، وتؤلّب عليه الدولة والمؤسسات والأحزاب وكل الحلفاء المحليين، وهي تستعجل إنجاز هذه المهمة من دون تردد. ومن ضمن تكتيكاتها، التلويح بورقة "بلاد الشام"، و"تلزيم" لبنان لسوريا، كما ورد على لسان توم باراك، الموفد الأميركي، الكاره سايكس بيكو، والمتحمس لفكرة إعادة ترسيم خرائط المنطقة، على خطوط الطوائف والمذاهب والأقوام، والداعم بشكل "مداهن" لنظرية جدعون ساعر حول "حلف الأقليات". وهي النظرية التي عبر مؤتمر الحسكة الأخير، عن خطوة عملية باتجاه ترجمتها، بدعم فرنسي، وضوء أخضر أميركي، وفي مواجهة النظام الجديد في دمشق، وأبعد منه، في مواجهة أنقرة وحلفائها السوريين. يشعر هذا الفريق المتسع من اللبنانيين، أن لبنان بانتظار "فرصة تاريخية" لإغلاق ملف مضى عليه مفتوحا أكثر من أربعة عقود، ودائما تحت شعار بناء الدولة القوية العادلة والضامنة للجميع. لكأن هذا الفريق، في سباق مع الزمن، حتى لا تفقد "الفرصة" زخمها وقواها الدافعة. رهانات الحزب لكن ثمة ما يجعل مهمة هذا الفريق، صعبة للغاية، فلا إسرائيل التزمت باتفاق 27 نوفمبر/ تشرين الثاني، وأوقفت عدوانه المتكرر والمتمادي على لبنان، ولا الولايات المتحدة، بصدد تقديم ضمانات مقنعة للدولة اللبنانية، بأن مرحلة ما بعد تسليم السلاح، ستعيد للبنان أرضه وأسراه وسلامه واستقراره وازدهاره. حتى بلغ الأمر بأكثر المتحمسين لنزع السلاح، حد التعبير عن موقفه بلغة الاحتمالات والترجيحات، بلا أي ضمانة أو يقين، وهذا أمرٌ يدفع الحزب وأنصاره إلى التحذير من "قفزة في المجهول". وثمة عامل آخر، يلعب، وسيلعب دورا في حسم مسألة السلاح، وأعني به "العامل السوري"، إذ ربما يراهن الحزب على ما يمكن أن تأتي به التطورات المتلاحقة في المشهد السوري، ونشوء "مسألة درزية" إلى جانب "المسألة الكردية"، وربما بعد حين، "مسألة علوية"، من تحولات في مواقف الدولة والرأي العام اللبنانيين من الحزب والسلاح، ذلك أن الصور المبثوثة من سوريا عن صدامات و"جرائم" على خلفية طائفية ومذهبية، لا تساعد في طمأنة مكونات لبنانية عديدة إلى سلامة مستقبلها، ومن ضمنها جهات، لا تكنّ ودا ظاهرا أو مضمرا للحزب. على أن أسوأ ما يمكن أن يبني عليه الحزب من رهانات، هو الاعتقاد بأن إسرائيل سئمت الحرب وتستصعب العودة، سواء للإعياء الذي أصاب جيشها أو لانشغالاتها على جبهة غزة، أو الافتراض بأن مستقبل الحزب والسلاح، سيكون مطروحا على مائدة التفاوض بين إيران والولايات المتحدة، حين تلتئم. فلا إسرائيل بوارد التوقف عن استهداف لبنان، لا سيما أنها ترى في حربها عليه، حربا بلا كلفة.. ولا إيران، ستقدم مصلحة الحزب والسلاح، على حسابات أمنها القومي ومصالحها الإستراتيجية حال بدأت بحثا جديا حول هذه العناوين مع واشنطن والغرب. صدام مستبعد يخشى لبنانيون كثر، من مغبة تحول الخلاف بين الدولة والحزب، إلى صدام بين الأخير والجيش، وفي ظني أن لا الحزب ولا الجيش، لديهما الرغبة والإرادة والمصلحة في الوصول إلى صدام كهذا، ترفضه غالبية اللبنانيين، ولا تحرض عليه سوى أقلية منهم. وأحسب أن صداما كهذا، لن يترك الحزب معزولا في بيئته الوطنية والمذهبية فحسب، بل وقد يتهدد مصير الجيش ووحدته وتماسكه، وربما يعيد إنتاج سيناريو "الحرب الأهلية"، إذ انقسم الجيش إلى عدة جيوش على أساس مذهبي وطائفي. استبعاد سيناريو الصدام بين الجيش والحزب، لا يعني أن لبنان سينجح في تفادي احتمال عودة الحرب من جديد، ولكن بين إسرائيل وحزب الله.. امتناع الحزب عن تسليم سلاحه للجيش، سيعطي إسرائيل مبررا لتوجيه ضربات "لئيمة" لمواقعه ومقدراته، وربما العودة إلى الاغتيالات "رفيعة المستوى". وقيام الحزب بالرد على العدوان الإسرائيلي، سيطلق يد إسرائيل في ترجمة سيناريو غزة في لبنان. ولا أحد يعرف حتى الآن، ما إذا كان الحزب قادرا على استعادة "معادلة التوازن والردع"، وفرض قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل. أغلب التقديرات، تقول إن الحزب ليس في وضع عسكري سيمكنه من فعل ذلك، والأهم أنه سيُحمل المسؤولية عن عودة التصعيد، وسط انكشاف في الغطاء اللبناني والعربي والدولي، ووسط ضعف قوى وأطراف ما كان "محورا للمقاومة والممانعة" ذات يوم. معنى أن يتخلى الحزب عن سلاحه مقابل ذلك، فإن قبول الحزب بتسليم سلاحه للجيش، والتحول كليا للعمل السياسي المحلي، يعني أنه فقد "فرادته"، وأنه سيكون حزبا من بين أحزاب أخرى عديدة، ليس أقواها بالضرورة، لا في الشارع ولا في البرلمان ولا في الحكومة. كما يعني أنه سيفتح فصلا من المراجعة والمساءلة، قد لا ينتهي لصالحه، لا سيما بوجود عشرات ألوف الشهداء والجرحى، وعوائلهم، الذين لم يقطعوا كل هذا الشوط مع الحزب، وقدموا كل هذه التضحيات على مذبح المقاومة، لينتهوا إلى "صناديق المعونة والإغاثة". حزب الله بلا سلاح، لن يبقى قوة مهيمنة حتى في الوسط الشيع، بل وقد لا يبقى الثنائي الشيعي متفردا بتمثيل الطائفة والنطق باسمها، وقد تنشأ تيارات واتجاهات داخلها، متصادمة مع الحزب والثنائي، ومصطرعة مع أطروحاتهما. والأخطر من كل هذا وذاك، وأهم، أن إسرائيل لن تدع الحزب وشأنه، حتى إن هو قرر تسليم سلاحه، وستواصل حكومة اليمين الفاشي،" أخذ زمام أمنها في لبنان بيدها"، وتحت شعار "يد طليقة في لبنان"، ستعمل على إذلال الحزب في كل مناسبة، وتذكيره بأنها هي من انتصر، وهو من هزم، كما ستعمل على "تسوية الحساب" مع كل من تورط بإراقة دماء إسرائيلية، وسيظل لبنان من منظورها الإستراتيجي، "مجالا حيويا" لنظرية الأمن القومي الإسرائيلي. وتأسيسا على تجارب متراكمة للتعامل مع هذا الكيان، فإنه سيلجأ إلى ممارسة "التنمر" وطلب المزيد من الإذعان والتنازلات، كلما استشعر ضعفا وهوانا، وكلما أحسّ بأن الطرف المقابل، قد قرر الخروج من ميدان المواجهة. لقد فقد سلاح الحزب، "دورا إقليميا" لطالما اضطلع به من موقع قيادي، وفي ساحات عدة، وليس في سوريا وحدها، إثر النتائج الكارثية لحربي "الإسناد" و"أولي البأس". اليوم، يبدو هذا السلاح، مهددا بفقدان دوره الوطني، في ظل تفاقم مأزق الخيارات المطروحة، واشتداد مصاعب الاحتفاظ به أو التخلي عنه. لا خيارات سهلة أمام الحزب، والشيء ذاته، ينطبق بقدر أكبر على لبنان برمته. فالدولة اللبنانية، محاصرة بضغوط لا قبل لها بها، من أشقائها وأصدقائها، عربا وأوروبيين وأميركيين، وجميعها تندرج تحت عنوان "حصرية السلاح". فيما إعادة إعمار لبنان ووضعه على سكة التعافي المبكر وخروجه من شرنقة الحصار والعقوبات، تنتظر إنجازا سريعا على هذا الدرب.. والدولة، المتحمسة لسحب السلاح، تدرك أن استخدام القوة لفعل ذلك، هو "وصفة خراب" قد تقود إلى تجدد الحرب الأهلية من جديد، وهذا كابوس يسعى عقلاء لبنان لتفاديه. ترك المهمة لإسرائيل أمام هذا الاستعصاء المزدوج: استعصاء الدولة والحزب، فإن أكثر السيناريوهات ترجيحا، هو ترك المهمة لإسرائيل، ليس باتفاق "تآمري" مباشر وصريح بين الأطراف، بل من خلال "تقاسم موضوعي" للمهام والأدوار، كأن يعاود سلاح الجو توجيه ضربات نوعية تدميرية مكثفة للحزب وبيئته الاجتماعية في الجنوب والضاحية والبقاع على نطاق أوسع مما يفعله اليوم، وأن يعاود "الموساد" سياسة الاغتيالات ويتوسع بها، فلا تقتصر على الجناح العسكري فقط، كما هي جارية منذ وقف إطلاق النار، وبعدها يمكن معاودة النقاش المحلي حول السلاح في ظروف مختلفة، يكون فيها الحزب في موقع أضعف، أو هكذا يُراهن بعضهم على أقل تقدير. إعلان


الجزيرة
منذ 21 ساعات
- الجزيرة
حزب الله وسلاحه وضربات "لئيمة" من إسرائيل
خياران أحلاهما مر بانتظار حزب الله؛ كلفة الاحتفاظ بالسلاح باهظة للغاية، عليه وعلى لبنان، والتخلي عنه، يكاد يكون انتحارا سياسيا، يُخرج الحزب من ثوبه، ومن كل ما نشأ عليه ومن أجله، فيما الرهان على "عامل الوقت"، أو البحث عن مخرج، يبدو معلقا على المجهول. في لبنان، ثمة أغلبية سياسية وشعبية، تبلورت في ضوء نتائج "حربي الإسناد" و"أولي البأس"، باتت تنظر للسلاح باعتباره فاقدا القدرة على الحماية والردع والتحرير في مواجهة إسرائيل، وهي الوظائف الثلاث التي تراكم السلاح من أجلها، وشكلت المبرر لانفراد الحزب طوال أكثير من أربعة عقود، بحمله وتخزينه وتطويره واستخدامه. اليوم، يجد الحزب صعوبة في تسويق هذه الوظائف على جمهور متزايد من اللبنانيين، لا سيما من خارج بيئته الشيعية الحاضنة. غالبية مسيحية وسُنية ودرزية، وأقلية شيعية، باتت تدعم توجه الدولة الجديد، والجريء، في معالجة قضيتي؛ "حصرية السلاح"، و"قرار الحرب والسلم". وحتى من بين الشيعة أنفسهم، فإن ثمة فريقا لا بأس به – من داعمي احتفاظ الحزب بسلاحه- ينطلق في مواقفه من اعتبارات داخلية، ومخاوف (مشروعة أو غير مشروعة) على مستقبل الطائفة ومكانتها، أو يتحسب لتداعيات الحدث السوري على لبنان وتوازنات القوى فيه، منذ سقوط نظام الأسد 8 ديسمبر الفائت. بهذا المعنى، لم يعد هذا الفريق يربط السلاح بمقاومة إسرائيل أو تحرير ما تبقى من أراضي الجنوب، بل بديناميات العلاقة مع القوى والمكونات الأخرى، لبنانيا، وامتداداتها السورية. لا شك أن فريقا من اللبنانيين، لم ينظر يوما بعين الرضا عن المقاومة والحزب والسلاح، وهو سبق أن أشهر سلاحه في مواجهة المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، ولم يتوانَ عن استدعاء مختلف أشكال الدعم والتدخل الإسرائيلية، لإنجاز الحسم في معركة الداخل. هذا الفريق، ما زال "وفيا" لمواقفه ونهجه، وهو بات أكثر جرأة في التصدي لمسألة السلاح، والتحريض عليه، والاستقواء بـ"الخارج" على الفريق الذي يحمله. و"الخارج" اليوم، لم يعد إسرائيل حصرا، فالولايات المتحدة، تقود أشد حملات التضييق والحصار على سلاح الحزب ومسلحيه، وتسعى في تقطيع شرايينه، وتجفيف موارده، من مالية واقتصادية، وتؤلّب عليه الدولة والمؤسسات والأحزاب وكل الحلفاء المحليين، وهي تستعجل إنجاز هذه المهمة من دون تردد. ومن ضمن تكتيكاتها، التلويح بورقة "بلاد الشام"، و"تلزيم" لبنان لسوريا، كما ورد على لسان توم باراك، الموفد الأميركي، الكاره سايكس بيكو، والمتحمس لفكرة إعادة ترسيم خرائط المنطقة، على خطوط الطوائف والمذاهب والأقوام، والداعم بشكل "مداهن" لنظرية جدعون ساعر حول "حلف الأقليات". وهي النظرية التي عبر مؤتمر الحسكة الأخير، عن خطوة عملية باتجاه ترجمتها، بدعم فرنسي، وضوء أخضر أميركي، وفي مواجهة النظام الجديد في دمشق، وأبعد منه، في مواجهة أنقرة وحلفائها السوريين. يشعر هذا الفريق المتسع من اللبنانيين، أن لبنان بانتظار "فرصة تاريخية" لإغلاق ملف مضى عليه مفتوحا أكثر من أربعة عقود، ودائما تحت شعار بناء الدولة القوية العادلة والضامنة للجميع. لكأن هذا الفريق، في سباق مع الزمن، حتى لا تفقد "الفرصة" زخمها وقواها الدافعة. رهانات الحزب لكن ثمة ما يجعل مهمة هذا الفريق، صعبة للغاية، فلا إسرائيل التزمت باتفاق 27 نوفمبر/ تشرين الثاني، وأوقفت عدوانه المتكرر والمتمادي على لبنان، ولا الولايات المتحدة، بصدد تقديم ضمانات مقنعة للدولة اللبنانية، بأن مرحلة ما بعد تسليم السلاح، ستعيد للبنان أرضه وأسراه وسلامه واستقراره وازدهاره. حتى بلغ الأمر بأكثر المتحمسين لنزع السلاح، حد التعبير عن موقفه بلغة الاحتمالات والترجيحات، بلا أي ضمانة أو يقين، وهذا أمرٌ يدفع الحزب وأنصاره إلى التحذير من "قفزة في المجهول". وثمة عامل آخر، يلعب، وسيلعب دورا في حسم مسألة السلاح، وأعني به "العامل السوري"، إذ ربما يراهن الحزب على ما يمكن أن تأتي به التطورات المتلاحقة في المشهد السوري، ونشوء "مسألة درزية" إلى جانب "المسألة الكردية"، وربما بعد حين، "مسألة علوية"، من تحولات في مواقف الدولة والرأي العام اللبنانيين من الحزب والسلاح، ذلك أن الصور المبثوثة من سوريا عن صدامات و"جرائم" على خلفية طائفية ومذهبية، لا تساعد في طمأنة مكونات لبنانية عديدة إلى سلامة مستقبلها، ومن ضمنها جهات، لا تكنّ ودا ظاهرا أو مضمرا للحزب. على أن أسوأ ما يمكن أن يبني عليه الحزب من رهانات، هو الاعتقاد بأن إسرائيل سئمت الحرب وتستصعب العودة، سواء للإعياء الذي أصاب جيشها أو لانشغالاتها على جبهة غزة، أو الافتراض بأن مستقبل الحزب والسلاح، سيكون مطروحا على مائدة التفاوض بين إيران والولايات المتحدة، حين تلتئم. فلا إسرائيل بوارد التوقف عن استهداف لبنان، لا سيما أنها ترى في حربها عليه، حربا بلا كلفة.. ولا إيران، ستقدم مصلحة الحزب والسلاح، على حسابات أمنها القومي ومصالحها الإستراتيجية حال بدأت بحثا جديا حول هذه العناوين مع واشنطن والغرب. صدام مستبعد يخشى لبنانيون كثر، من مغبة تحول الخلاف بين الدولة والحزب، إلى صدام بين الأخير والجيش، وفي ظني أن لا الحزب ولا الجيش، لديهما الرغبة والإرادة والمصلحة في الوصول إلى صدام كهذا، ترفضه غالبية اللبنانيين، ولا تحرض عليه سوى أقلية منهم. وأحسب أن صداما كهذا، لن يترك الحزب معزولا في بيئته الوطنية والمذهبية فحسب، بل وقد يتهدد مصير الجيش ووحدته وتماسكه، وربما يعيد إنتاج سيناريو "الحرب الأهلية"، إذ انقسم الجيش إلى عدة جيوش على أساس مذهبي وطائفي. استبعاد سيناريو الصدام بين الجيش والحزب، لا يعني أن لبنان سينجح في تفادي احتمال عودة الحرب من جديد، ولكن بين إسرائيل وحزب الله.. امتناع الحزب عن تسليم سلاحه للجيش، سيعطي إسرائيل مبررا لتوجيه ضربات "لئيمة" لمواقعه ومقدراته، وربما العودة إلى الاغتيالات "رفيعة المستوى". وقيام الحزب بالرد على العدوان الإسرائيلي، سيطلق يد إسرائيل في ترجمة سيناريو غزة في لبنان. ولا أحد يعرف حتى الآن، ما إذا كان الحزب قادرا على استعادة "معادلة التوازن والردع"، وفرض قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل. أغلب التقديرات، تقول إن الحزب ليس في وضع عسكري سيمكنه من فعل ذلك، والأهم أنه سيُحمل المسؤولية عن عودة التصعيد، وسط انكشاف في الغطاء اللبناني والعربي والدولي، ووسط ضعف قوى وأطراف ما كان "محورا للمقاومة والممانعة" ذات يوم. معنى أن يتخلى الحزب عن سلاحه مقابل ذلك، فإن قبول الحزب بتسليم سلاحه للجيش، والتحول كليا للعمل السياسي المحلي، يعني أنه فقد "فرادته"، وأنه سيكون حزبا من بين أحزاب أخرى عديدة، ليس أقواها بالضرورة، لا في الشارع ولا في البرلمان ولا في الحكومة. كما يعني أنه سيفتح فصلا من المراجعة والمساءلة، قد لا ينتهي لصالحه، لا سيما بوجود عشرات ألوف الشهداء والجرحى، وعوائلهم، الذين لم يقطعوا كل هذا الشوط مع الحزب، وقدموا كل هذه التضحيات على مذبح المقاومة، لينتهوا إلى "صناديق المعونة والإغاثة". حزب الله بلا سلاح، لن يبقى قوة مهيمنة حتى في الوسط الشيع، بل وقد لا يبقى الثنائي الشيعي متفردا بتمثيل الطائفة والنطق باسمها، وقد تنشأ تيارات واتجاهات داخلها، متصادمة مع الحزب والثنائي، ومصطرعة مع أطروحاتهما. والأخطر من كل هذا وذاك، وأهم، أن إسرائيل لن تدع الحزب وشأنه، حتى إن هو قرر تسليم سلاحه، وستواصل حكومة اليمين الفاشي،" أخذ زمام أمنها في لبنان بيدها"، وتحت شعار "يد طليقة في لبنان"، ستعمل على إذلال الحزب في كل مناسبة، وتذكيره بأنها هي من انتصر، وهو من هزم، كما ستعمل على "تسوية الحساب" مع كل من تورط بإراقة دماء إسرائيلية، وسيظل لبنان من منظورها الإستراتيجي، "مجالا حيويا" لنظرية الأمن القومي الإسرائيلي. وتأسيسا على تجارب متراكمة للتعامل مع هذا الكيان، فإنه سيلجأ إلى ممارسة "التنمر" وطلب المزيد من الإذعان والتنازلات، كلما استشعر ضعفا وهوانا، وكلما أحسّ بأن الطرف المقابل، قد قرر الخروج من ميدان المواجهة. لقد فقد سلاح الحزب، "دورا إقليميا" لطالما اضطلع به من موقع قيادي، وفي ساحات عدة، وليس في سوريا وحدها، إثر النتائج الكارثية لحربي "الإسناد" و"أولي البأس". اليوم، يبدو هذا السلاح، مهددا بفقدان دوره الوطني، في ظل تفاقم مأزق الخيارات المطروحة، واشتداد مصاعب الاحتفاظ به أو التخلي عنه. لا خيارات سهلة أمام الحزب، والشيء ذاته، ينطبق بقدر أكبر على لبنان برمته. فالدولة اللبنانية، محاصرة بضغوط لا قبل لها بها، من أشقائها وأصدقائها، عربا وأوروبيين وأميركيين، وجميعها تندرج تحت عنوان "حصرية السلاح". فيما إعادة إعمار لبنان ووضعه على سكة التعافي المبكر وخروجه من شرنقة الحصار والعقوبات، تنتظر إنجازا سريعا على هذا الدرب.. والدولة، المتحمسة لسحب السلاح، تدرك أن استخدام القوة لفعل ذلك، هو "وصفة خراب" قد تقود إلى تجدد الحرب الأهلية من جديد، وهذا كابوس يسعى عقلاء لبنان لتفاديه. ترك المهمة لإسرائيل أمام هذا الاستعصاء المزدوج: استعصاء الدولة والحزب، فإن أكثر السيناريوهات ترجيحا، هو ترك المهمة لإسرائيل، ليس باتفاق "تآمري" مباشر وصريح بين الأطراف، بل من خلال "تقاسم موضوعي" للمهام والأدوار، كأن يعاود سلاح الجو توجيه ضربات نوعية تدميرية مكثفة للحزب وبيئته الاجتماعية في الجنوب والضاحية والبقاع على نطاق أوسع مما يفعله اليوم، وأن يعاود "الموساد" سياسة الاغتيالات ويتوسع بها، فلا تقتصر على الجناح العسكري فقط، كما هي جارية منذ وقف إطلاق النار، وبعدها يمكن معاودة النقاش المحلي حول السلاح في ظروف مختلفة، يكون فيها الحزب في موقع أضعف، أو هكذا يُراهن بعضهم على أقل تقدير. إعلان