logo
تداعيات حرمان لوبان من الترشح على المشهد السياسي الفرنسي

تداعيات حرمان لوبان من الترشح على المشهد السياسي الفرنسي

الجزيرة٠٢-٠٤-٢٠٢٥

باريس- ضجت وسائل الإعلام الفرنسية والعالمية بخبر منع مارين لوبان ، زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا والمرشحة الأبرز لرئاسة البلاد، من الترشح في رئاسيات عام 2027، بعد إدانتها باختلاس الأموال من البرلمان الأوروبي.
وحكم القضاء الفرنسي، الاثنين، على السياسية المناهضة للهجرة بغرامة قدرها 100 ألف يورو والسجن 4 سنوات، منها سنتان مع وقف التنفيذ وسنتان يمكن قضاؤهما تحت الإقامة الجبرية، فضلا عن فترة عدم أهلية لمدة 5 سنوات مع التنفيذ المؤقت.
وعلى الرغم من إنكار لوبان كل التهم الموجهة إليها هي وحزبها (التجمع الوطني)، فإن هذا الحكم يهدد بإفشال جميع خططها لتصبح خليفة للرئيس الحالي إيمانويل ماكرون ، بعد أن أمضت سنوات طويلة من مشوارها السياسي حاولت خلالها تحسين صورة تيارها السياسي في الداخل والخارج.
قرار قانوني
وغير راضية عن قرار محكمة باريس، أكدت لوبان عدم انسحابها من الحياة السياسية "لست مستعدة للاستسلام لإنكار الديمقراطية بسهولة، لا يمكن لأي قاض أن يقرر التدخل في الانتخابات الرئاسية من خلال انتهاك سيادة القانون، وجعل القرار قابلا للتنفيذ بعد أن كان ينبغي تعليقه عن طريق الاستئناف".
واعتبرت الباحثة في الأحزاب السياسية فيرجيني مارتن أن القرار قانوني، قائلة "ما زلنا نؤمن بفصل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، لذا فإن السياسة ليست لها علاقة كبيرة بالأمر، رغم اتهامات أعضاء الجبهة الوطنية القائلة إنهم يسرقون انتخاباتنا ويحرموننا من الديمقراطية"، ووصفت ذلك "بالموسيقى الترامبية" (نسبة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب).
وبشأن المسيرة التي من المقرر تنظيمها يوم الأحد لمساندة لوبان، أشارت مارتن في حديث للجزيرة نت إلى أن عدد الأشخاص الذين سيشاركون فيها ونوعيتهم -إن كانوا فقط من المؤيدين المتشددين للحزب أم أبعد من ذلك- سيحدد شكل وأهمية تضامن الناخبين.
من جانبه، قال المحلل السياسي إيف سنتومير إن "الحكم قانوني، لكن شرعيته موضع شك"، موضحا أنه "إذا قمنا بالتمييز بين اتباع القانون بشكل أكثر صرامة أو أقل، وبين وضع الحكم في سياق أكثر شمولا، فيبدو أن ما حدث أمر مشكوك فيه لجملة أسباب، ضد لوبان التي تمثل حوالي ثلث الناخبين الفرنسيين"، وفق تعبيره.
ومن بين الأسباب التي ذكرها سنتومير في حديثه للجزيرة نت "عدم وجود فساد يهدف إلى تمويل الحزب من خلال إجبار الشركات على دفع عمولات سرية، أو اختلاس مباشر، وإنما موارد متاحة لأنشطة حزب سياسي من قبل البرلمان الأوروبي، لذا كان من الطبيعي طلب استرداد الأموال أو عقوبات مالية، بدل الحكم بالسجن وعدم الأهلية".
اغتيال انتخابي
من جهتها، قالت مارين لوبان، أمس الثلاثاء، إن نية محكمة باريس عقد جلسة استئناف وإصدار القرار في صيف عام 2026 -أي قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية- "خبر جيد" ويعكس "الارتباك الناجم عن الحكم ضدها".
وفي هذا السياق، اعتبر مدير قسم السياسة والأبحاث في معهد "إيبسوس" لاستطلاعات الرأي ستيفان زومستيغ أن إدانة لوبان "ليست خطيرة سياسيا، لأن حزبها لا يزال مرشحا في الساحة السياسية ولم يفقد فرصه في الفوز بالانتخابات الرئاسية بعد".
وأشار زومستيغ، في حديث للجزيرة نت، إلى أن استطلاعات رأي أظهرت أمس الثلاثاء أن "وصيف لوبان جوردان بارديلا الذي يحظى بشعبية بين هذه الدائرة الانتخابية ما زال موجودا، وأن للحزب كل الفرص في الرئاسيات، وسيدخلها بارديلا في وضع مريح قد يخوله الوصول إلى الجولة الثانية".
وفي سياق متصل، لفتت فيرجيني مارتن إلى بعض النقاط الإيجابية التي لا يُتطرق إليها في العادة بشأن بارديلا، قائلة إنه "نجم روك حقيقي ويتمتع بكاريزما وسط الحشود، كما أنه غير مستهلك على عكس مارين لوبان التي بدأت مسيرتها بالتآكل والتلف إذ ستقدم نفسها للترشح للمرة الرابعة مع التصريحات والاستنتاجات نفسها، وهو أمر لا يطاق".
في المقابل، أكد المحلل السياسي سنتومير أن الفرصة المتاحة للوبان للمشاركة في الانتخابات الرئاسية بفضل استئناف الحكم، "ولكن من دون طلب التنفيذ الفوري، وفي هذه الحالة قد تقدم نفسها بطريقة دونالد ترامب ذاتها إلى حد ما، لكن ترشحها سيكون ضعيفا".
من جهته، اعتبر المرشح المحتمل لحزب التجمع الوطني للانتخابات الرئاسية المقبلة بارديلا أنه "لم تعد مارين لوبان وحدها تُدان ظلما، بل إن الديمقراطية الفرنسية تُعدم أيضا".
وبعد إدانة لوبان، رأى زعيم "فرنسا الأبية" جان لوك ميلانشون أن اختيار عزل مسؤول منتخب يجب أن يكون بيد الشعب، معتبرا في تغريدة على منصة إكس "أن هذا ما يُفترض أن يكون عليه استفتاء سحب الثقة، في جمهورية ديمقراطية سادسة".
زلزال سياسي
وبينما أشاد كثيرون بتحسن صورة "التجمع الوطني" في السنوات الأخيرة بفضل لوبان التي تمكنت من تطهير عدد من العناصر المتطرفة وإضفاء الطابع المؤسسي على الحزب، يحذر آخرون من الزلزال السياسي الذي سيخلفه الحكم على شخصية بارزة في البلاد وزعيمة حزب المعارضة الرئيسي.
وفي هذا الإطار، يعتقد مدير قسم السياسة والأبحاث في معهد "إيبسوس" ستيفان زومستيغ أن لقرار المحكمة عواقب سياسية وانتخابية ستؤدي إلى إعادة تشكيل الحياة السياسية في السنوات القادمة في فرنسا.
وتابع بالقول إن "إدانة لوبان تعدّ خبرا سيئا لحكومة رئيس الوزراء فرانسوا بايرو ، لأن زعيمة اليمين المتطرف وحزبها سيبتعدان عن ورقة الحياد تجاهه، وسيميلان إلى انتقاد حكومته -بمساعدة اليسارـ بمجرد أن تتاح الفرصة للإعراب عن غضبهم وعدم موافقتهم على الحكم الذي صدر".
بدورها، ترى أستاذة العلوم السياسية وعلم الاجتماع في كلية كيدج للأعمال فيرجيني مارتن أن "بايرو يلعب بالنار، لأنه يتعامل مع القضية بشكل مزدوج"، متوقعة حدوث تداعيات داخل الجمعية الوطنية، "فإذا بدأ حزب لوبان بالمصادفة في فرض الرقابة على حكومة بايرو، فقد يؤدي ذلك إلى استقرار الحكومة وليس العكس، لأن لوبان لم تعد قادرة على تمثيل نفسها".
"وإذا ساعد الحزب اليميني المتطرف في إسقاط حكومة رئيس الوزراء بايرو من خلال اقتراح سحب الثقة، وإجراء انتخابات جديدة في يوليو/تموز المقبل، فستجد لوبان نفسها من دون أي تفويض، وسيكون هناك ضغط داخلي لعدم الدعوة إلى هذه الانتخابات"، حسب قولها.
وأضافت "أما إذا تم العكس، من أجل قلب الطاولة وإلحاق الهزيمة برئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون لتأمين فوز حزبها، فسيعتمد الأمر آنذاك على استطلاعات الرأي، وسيكون قرارا مبنيا على الفرصة وليس المبدأ".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"دويتشه فيله": خطط ألمانيا لإنفاق تريليون يورو في الدفاع والبنية التحتية تصطدم بقواعد الاتحاد الأوروبي المالية
"دويتشه فيله": خطط ألمانيا لإنفاق تريليون يورو في الدفاع والبنية التحتية تصطدم بقواعد الاتحاد الأوروبي المالية

الراية

time١٤-٠٥-٢٠٢٥

  • الراية

"دويتشه فيله": خطط ألمانيا لإنفاق تريليون يورو في الدفاع والبنية التحتية تصطدم بقواعد الاتحاد الأوروبي المالية

"دويتشه فيله": خطط ألمانيا لإنفاق تريليون يورو في الدفاع والبنية التحتية تصطدم بقواعد الاتحاد الأوروبي المالية برلين - قنا: حذر خبراء اقتصاديون من تضارب الخطط الألمانية لاستثمار تريليون يورو في الدفاع والبنية التحتية على مدى العقد المقبل، مع القواعد المالية للاتحاد الأوروبي وسمعتها الراسخة في ضبط الإنفاق المالي وفق ما نقلته إذاعة صوت ألمانيا /دويتشه فيله/. وأوضحت الإذاعة أن هذه الخطط تضع ألمانيا في مسار تصادم مع القواعد المالية للاتحاد الأوروبي، التي تفرض على الدول الأعضاء التقيد بسياسة مالية للموازنة من أجل إبقاء العجز العام أقل من نسبة 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك الدين أقل من 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مشيرة إلى أنه في حال تجاوز هذا السقف، فإن الدول الأعضاء تكون معرضة لتطبيق إجراءات "العجز المفرط" من قبل المفوضية الأوروبية بجانب عقوبات وغرامات. وقد تم تخفيف القواعد خلال جائحة (كوفيد-19)، ومرة أخرى بعد بدء روسيا الحرب على أوكرانيا عام 2022، حيث سمحت بروكسل بمزيد من المرونة المالية، وخاصة للدفاع، قبل أن يتم في مارس الماضي مراجعة القواعد وتفعيل ما يسمى بند الإعفاء الوطني لمنح الدول الأعضاء هامشا مؤقتا من المرونة، لاسيما فيما يتعلق بالإنفاق الأمني. وأعرب لارس كلينجبايل وزير المالية الألماني لدى وصوله إلى بروكسل الإثنين الماضي، للمشاركة في أول اجتماع له مع نظرائه الأوروبيين، عن تفاؤله بعدم تعرض بلاده لإجراءات عقابية من الاتحاد الأوروبي، رغم احتمال تجاوزها قواعد العجز والدين العام التي يفرضها التكتل. وقال كلينجبايل في تصريحات للصحفيين: "إن قواعد الاتحاد الأوروبي المعدلة بشأن العجز والدين تمنح الدول الأعضاء مرونة أكبر، ما يساعد في التعامل مع التحديات الاقتصادية الراهنة". وأكد الوزير أن ألمانيا تركز في المرحلة الحالية على تنفيذ إصلاحات هيكلية لتعزيز القدرة التنافسية لاقتصادها، مشددا على أن الاستثمار في البنية التحتية والأمن هو استثمار في قوة اقتصاد ألمانيا وأوروبا ككل. وذكرت /دويتشه فيله/ أن حجم الخطة يضع ألمانيا الآن في مسار تصادمي مع الإطار المالي للاتحاد الأوروبي، حيث حذر أرمين شتاينباخ، الباحث في مركز بروغل للأبحاث والأستاذ في كلية إدارة الأعمال بجامعة /اتش أي سي/ في باريس، قائلا: "هذا يرسي سابقة خطيرة". وحول ما يراه المسؤولون أن قواعد الاتحاد الأوروبي المعدلة بشأن العجز والدين تمنح الدول الأعضاء مرونة أكبر، أشارت /دويتشه فيله/ أنه بينما توفر القواعد الجديدة مرونة أكبر في مجال الدفاع، إلا أن حزمة ألمانيا أيضا استثمارات واسعة النطاق في البنية التحتية والطاقة والرقمنة، وهي مجالات لم تشملها القواعد المعدلة صراحة. وفي هذا السياق، قال شتاينباخ: "هذا يتجاوز بكثير ما تسمح به القواعد"، منبها إلى أنه إذا وافقت المفوضية الأوروبية على خطة برلين، فقد يؤدي ذلك إلى موجة من ردود الفعل السياسية العكسية، ومضيفا أن أي معاملة خاصة لألمانيا ستقوض مبدأ عدم التمييز في الاتحاد الأوروبي. وأشار إلى أن دولا أخرى لديها مستويات مرتفعة من الديون، مثل إيطاليا أو فرنسا، تطالب باستثناءات مماثلة، ما يضعف الانضباط المالي في مختلف أنحاء الكتلة، ويؤدي إلى أزمة اقتصادية. في المقابل، ذكرت /دويتشه فيله/ أن تقليص خطط الإنفاق الألمانية ليس خيارا سهلا أيضا، إذ يأتي في وقت حرج بالنسبة للاتحاد الأوروبي. فمع تصاعد التوترات الجيوسياسية وركود النمو الاقتصادي، يأمل الكثيرون هنا في بروكسل أن يبدأ زخم اقتصادي من برلين. ونقلت الإذاعة الألمانية عن كارل لانو من مركز دراسات السياسة الأوروبية في بروكسل أنه رغم أن ألمانيا في حالة ركود منذ ثلاث سنوات، فإنها تظل الدولة الأوروبية الأكثر أهمية، حيث تمتلك أكبر اقتصاد في أوروبا وإمكانات هائلة. وزادت /دويتشه فيله/ أن السؤال المطروح هو ما إذا كان إنفاق ألمانيا سيحدث تأثيرا فعليا، ///////////////// أثرا اقتصاديا حقيقيا وملحوظا يمتد من ألمانيا إلى دول أوروبية أخرى، كما تم الإعلان عن ذلك، ونقلت عن خبراء في هذا الخصوص أن التأثيرات الاقتصادية التي تمتد من بلد إلى بلدان أخرى موجودة، لكن حجمها غير واضح.

قادة بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
قادة بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا

الجزيرة

time١٠-٠٥-٢٠٢٥

  • الجزيرة

قادة بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا

طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة الذي يواجه المجاعة نتيجة الحصار الذي تفرضه عليه. ودعا القادة في بيان إلى التحرك الفوري من جانب الحكومة الإسرائيلية، بالتعاون مع الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، لضمان الدخول غير المقيد للمساعدات الإنسانية الضرورية لسكان قطاع غزة. ودعا البيان إلى التحرك الدولي الفوري والفعال لتخفيف الأزمة الإنسانية التي لا تُحتمل في غزة على خلفية الحصار الذي تفرضه إسرائيل ويمنع وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين الذين يعيشون في أوضاع غير إنسانية. وأدان الموقعون على البيان "أي عمل من أعمال تسييس أو عسكرة المساعدة الإنسانية". وفي الوقت نفسه، دعا زعماء الكتل البرلمانية الأوروبية الاتحاد الأوروبي إلى بذل جهود دبلوماسية استباقية لتحقيق هدنة دائمة في غزة وإعادة التأكيد على التزام البرلمان الأوروبي بحل الدولتين. وأصدر البيان مانفريد فيبر، من كتلة حزب الشعب الأوروبي، وإيراتكس جارسيا من مجموعة الاشتراكيين والديمقراطيين، وفاليري هاير من كتلة تجديد أوروبا، وتيري رينتكه وباس أيكهوت من تكتل الخضر/التحالف الأوروبي الحر، ومارتين شيردفان مناليسار. وكانت الأمم المتحدة حذرت في وقت سابق اليوم من استخدام إسرائيل للمساعدات في غزة كـ"طعم" من أجل إجبار الفلسطينيين على النزوح من مناطقهم، خاصة من شمال القطاع إلى جنوبه، مؤكدة عدم وجود "فشل" في توزيعها. ووسط حصار خانق تفرضه إسرائيل على قطاع غزة منذ الثاني من مارس/آذار الماضي، سجّلت أسعار السلع الأساسية مستويات غير مسبوقة وصفت بالخيالية. والأربعاء، أعلنت منظمة المطبخ المركزي العالمي، التي تقدم وجبات طعام لسكان غزة منذ بداية حرب الإبادة، أنها لم تعد قادرة على طهي وجبات جديدة جراء نفاد الإمدادات الغذائية وشحنات الوقود اللازمة لطهي الوجبات أو إعداد الخبز جراء الحصار الإسرائيلي. كما أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى، قطاع غزة "منطقة مجاعة"، بفعل الحصار الإسرائيلي والإبادة الجماعية المستمرة.

ارتفاع أسعار البناء يضاعف معاناة المهجّرين بعد عودتهم لقراهم بسوريا
ارتفاع أسعار البناء يضاعف معاناة المهجّرين بعد عودتهم لقراهم بسوريا

الجزيرة

time٠٤-٠٥-٢٠٢٥

  • الجزيرة

ارتفاع أسعار البناء يضاعف معاناة المهجّرين بعد عودتهم لقراهم بسوريا

عاد محمد البرو إلى منزله في منطقة كفرومة جنوب إدلب، بعد 6 سنوات من التهجير والعيش في الخيام، جراء هجوم عام 2019 الذي شنه النظام السوري المخلوع، ليُفاجأ بمشهدٍ صادم حيث تهدّم سقف منزله وتعرّض للسرقة بالكامل. ويؤكد البرو، الذي شيّد منزله عام 2017 بتكلفة بلغت نحو 40 ألف دولار، أن إعادة ترميمه اليوم ستكلّفه أكثر من 80 ألفا بسبب تضاعف أسعار جميع المواد الأساسية من أجور العمال إلى الحديد والأسمنت والوقود، بالإضافة إلى تكاليف نقل المياه والبضائع. ويقول في حديثه للجزيرة نت "طيلة فترة نزوحي لم يكن لدي عمل ثابت، وكل ما كنت أكسبه أنفقه على المعيشة دون القدرة على التوفير. وبعد العودة، لا أملك حتى ما يغطي سقف المنزل بالنايلون". ويضيف "فكرت في بيع أرضي الزراعية لتمويل ترميم المنزل، لكن بعد اقتلاع الأشجار من قبل جيش النظام، بات السماسرة يعرضون ربع قيمتها فقط. لذلك، عدت إلى الخيمة وقررت البقاء فيها حتى تتكفل المنظمات يوماً ما بترميم منازلنا". جنون الأسعار قرر آلاف المهجرين العودة إلى منازلهم لترميمها بعد تحرير مناطقهم، بعد 6 سنوات من النزوح من ريف إدلب الشرقي والجنوبي، وريف حماة الشمالي، وريف حلب الغربي، وهي من أكثر المناطق تضرراً بفعل القصف والتخريب الذي نفّذه النظام. ولكنهم فوجئوا بارتفاع أسعار مواد البناء وأجور العمال بشكل كبير. فقد ارتفع سعر طن الحديد من 610 إلى 670 دولارًا، بينما زاد سعر طن الأسمنت من 103 إلى 123 دولارًا. وتستمر الأسعار في الارتفاع مع ازدياد الطلب. كما تضاعفت أجور العمال من 4 دولارات يومياً إلى ما بين 15 و20 دولارًا، في حين تطلب بعض الورش أرقامًا قياسية، بسبب ندرة العمال وتوجه الكثير منهم للعمل في الوظائف الحكومية. وارتفع سعر متر صب البيتون من نوع "هوردي" من 15 إلى 30 دولارًا، وزاد سعر صب البيتون من نوع "بلاطة" من 10 إلى 20 دولارًا. وتشير هذه الأرقام إلى تضاعف التكاليف مقارنةً بما كانت عليه قبل تحرير المناطق. ويعزو الكثيرون هذا الارتفاع إلى التعديلات الأخيرة في تعرفة الجمارك المفروضة على الإسمنت والحديد المستورد من تركيا عبر المعابر بين البلدين مما أثر بشكل كبير على حركة الأسواق في الشمال السوري. خدمات شبه غائبة يؤكد حازم الهادي (صاحب منشأة لبيع مواد البناء في كفرنبل جنوب إدلب) أن النشاط التجاري في قطاع البناء لا يزال ضعيفًا مقارنةً بعدد السكان، إذ تتراوح نسبة العائدين ما بين 5% و10%. وحتى من عاد، فإن معظمهم من الرجال الذين جاؤوا للعمل بسبب غلاء المعيشة. ويقول "جميع سكان هذه القرى من المهجرين الذين لا يملكون قوت يومهم، وغالبية منازلهم مدمّرة، وأي سقف مهما كان بسيطًا يحتاج إلى نحو ألفي دولار أميركي، وهو مبلغ كبير بالنسبة لأي مهجَّر خارج بلدته، خصوصًا أن السنوات الماضية كانت مليئة بالبطالة وتدني الأجور". وقد دفع غياب الخدمات الأساسية -من كهرباء ومدارس ونقاط طبية- الآلاف إلى التردد في العودة إلى منازلهم، فبات أقصى طموحهم دخول منظمات إنسانية لترميم منازلهم ولو بشكل جزئي، نظراً لعدم قدرتهم على تغطية جزء بسيط من التكاليف المرتفعة. أرقام صادمة يؤكد عبد الباري شحود، مهندس ومسؤول في المجلس البلدي، أن نسبة الدمار في المناطق الواقعة على خطوط التماس تصل إلى 50% دمارًا كليًا، ونحو 40% دمارًا جزئيًا، لافتًا إلى أن معظم المنازل تضررت باستثناء تلك التي استخدمها جيش النظام كثكنات عسكرية. ويضيف في حديثه للجزيرة "اجتمعنا مع المحافظ وطالبنا بتوجيه الدعم إلى الخدمات الأساسية، ووُعدنا بالعمل على إعادتها، خصوصاً النقاط الطبية وترحيل الأنقاض والمدارس قبل بداية العام الدراسي، إلى جانب إعادة التيار الكهربائي، وهو ما قد يسهل عودة عدد من سكان المخيمات". وبسبب تردي الأوضاع، اضطر العديد من النازحين إلى حمل خيامهم أو منازلهم البديلة المصنوعة من البلاستيك العازل، والعودة إلى قراهم المدمرة، رغم غياب الخدمات الحيوية وعلى رأسها الرعاية الطبية. محمود الأحمد، الذي عاد مع زوجته وابنه إلى معرة النعمان، وهي منطقة يبلغ عدد سكانها في المدينة والريف أكثر من نصف مليون نسمة، يصف الوضع في الليل بأنه "موحش" حيث لا توجد حركة مرور، ولا أضواء، ولا سكان. ويضيف "فقط 50 عائلة عادت إلى قريتنا من أصل 3200 عائلة، وهي نسبة ضئيلة للغاية. ولا يوجد جيران بالقرب منا، مما يجعل الأمر صعبًا جدًا في حال غيابي عن المنزل للعمل". ويروي قصة مأساوية عن شاب في الأربعين من عمره تعرّض لأزمة قلبية أثناء عمله في أرض زراعية، فحاول شقيقه إسعافه بدراجته النارية، لكن بعد ساعة من الوصول إلى أقرب نقطة طبية، كان الشاب قد فارق الحياة نتيجة التأخير. يُشار إلى أن هذه المناطق تعرّضت لاقتلاع ممنهج لعشرات الآلاف من الأشجار المثمرة، لا سيما الزيتون والتين والرمان، مما شكّل ضربة قاسية للقطاع الزراعي في ريف إدلب الجنوبي، الذي يعتمد على الزراعة البعلية كمصدر أساسي للدخل والغذاء، الأمر الذي زاد من تعقيد ظروف العودة بالنسبة لكثير من المهجرين.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store