
الهزائم العسكرية العجيبة.. لماذا نتفاجأ مما نعرفه؟
ثمة نوعان من المفاجآت: الأول ، حين نتفاجأ بشيء لا نملك معلومات عنه، ويبدو هذا بديهيا جداً. والنوع الآخر، حين نتفاجأ بشيء لدينا معلومات كثيرة عنه، ويبدو هذا شديد الغرابة.
ومع غرابة الأمر، فإنه يحدث بشكل ثابت مع الأفراد والجماعات على حد سواء، آخرها تفاجؤ إيران بالهجوم الإسرائيلي الذي أدى إلى اغتيال العديد من القيادات العسكرية وعلماء رفيعي المستوى في المشروع النووي، بعضهم كان في بيته من فرط ما كان مطمئناً.
ومع أن إيران راقبت أمام عينيها المفاجأة "المتوقعة" في "الإطباق" على حزب الله، وكانت على دراية باستعداد "إسرائيل" للهجوم عليها، فإنها استبعدت ذلك وتفاجأت به عندما حدث.
المفاجآت التي نعرفها تحدث على الدوام، حدثت مع الأميركيين يوم هجوم اليابان على بيرل هاربر عام 1941، ويوم حرب أكتوبر /تشرين الأول 1973، و اجتياح صدام للكويت عام 1990، والكثير من الأمثلة، فما الذي يجعل المفاجأة المعروفة مسبقا تحدث؟
الأطر و"الفلاتر".. أين تذهب الملاحظات؟
حين وضع توماس كون كتابه "بنية الثورات العلمية"، كان يفكر بالطريقة التي يتقدم بها العلم: تتوارد الملاحظات التي يعجز نموذج مستقر على معالجتها، إلا أن ذلك لا يؤدي إلى استبداله على الفور، فهذا يحتاج إلى ثورة داخل التصور تأخذ وقتا، لأن الذي يحكم تطور العلم ليس الحقائق العلمية المستقرّة في داخله فحسب، بل أيضا البيئة النفسية والاجتماعية للسياق العلمي.
الانتقال من تصوّر بطليموس للكون إلى تصوّر كوبرنيكوس، والمشاكل التي واجهتها فيزياء نيوتن مُتيحةً المجالَ لظهور النسبية، وغيرها من المسائل التي لم يحكمها تطور العلم بحدّ ذاته فقط، بل يلعب الإطار المعرفي (البردايم) دوراً أساسياً في ظهور بعضها وتأخر قبول بعضها الآخر.
قد تتراكم الملاحظات والمشاكل أمام العلماء ولا يرونها أو يستثنونها، حفاظاً على إطار تقليدي للفهم اعتادوه، حتى لا يعدّ بالإمكان تجاهل هذا التنافر الرهيب بين الملاحظات والإطار التفسيري، فتصبح هناك ضرورة لإحداث ثورة على هذا الإطار التفسيري، غالبا ما تواجه بتعنت وصدام، لأن الفطام عن المألوف شديد، وهذه قصة تغير البنى العلمية كل فترة.
هذا يعني باختصار أن تطور العلم ليس هو قصة تطوّر تجاربه ومعلوماته فقط، بل أيضا قصّة الطريق الطويل الذي تعبره الحقائق في صراع أطر الفَهم، والتي تعمل مثل "فلتر" حقيقي يحجب أحيانا ما هو بدهي، شديد الوضوح.
ولقد بدأتُ بطرح الظاهرة في عالم العلم، لأنه يبدو أبعد الأماكن عن تحيزات الأطر والمفاهيم، إلا أن هذا منزع إنساني يحتاجه الإنسان لكي يشعر بنوع من السيطرة والأمن على محيطه، لكنه إذا استقر أكثر من اللازم يصبح تهديداً، وفي عالم السياسة والحرب يصبح قاتلاً، فمفهوم واحد مضلل يكفي لهزيمة بلد بأكمله.
المفاهيم المفخخة
في مساء 5 أكتوبر/تشرين الأول 1973، كان المقدم الإسرائيلي يونا باندمان يراقب بلا اكتراث؛ التقارير التي تتوالى عن استعداد مصر وسوريا لشن الهجوم الصادم، الذي سيشكل لاحقا عقدة حقيقية في الوعي الصهيوني. كتب بثقة: "مع أن مجرد تصور تشكيل الطوارئ على جبهة القناة يحمل ظاهريًا مؤشرات على مبادرة هجومية، فإنه على حد علمنا، لم يطرأ أي تغيير على تقييم المصريين لتوازن القوى بينهم وبين قوات جيش الدفاع الإسرائيلي. لذا، فإن احتمالية نية المصريين استئناف القتال ضئيلة".
كانت المعلومات التي أمامه تتحطم سريعا على "فلتر" ضخم من الثقة بالفهم، ثقة ستأخذ لاحقاً مصطلحاً محدداً في الوعي الإسرائيلي: "المفهوم"، وهو الاسم الذي أطلقته لجنة "أغرانات" خلال محاولة إجابتها عن الإخفاق في التنبؤ بالهجوم.
بدأ "المفهوم" بالتشكّل أواخر عام 1968، ففي اجتماع لهيئة الأركان العامة الإسرائيلية يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني، قيّم رئيس إدارة الطيران في القوات الجوية، اللواء بيني بيليد، أن المصريين سيرتكبون خطأً فادحًا إذا حاولوا عبور القناة دون تحقيق تفوق جوي، وقال بثقة: "أتمنى أن يرتكبوا هذا الخطأ". وافقه رئيس الجيش الإسرائيلي وقائد سلاح الجو قبل حرب الأيام الستة ، اللواء عزرا وايزمان.
شيئاً فشيئاً، سيتحول هذا التقييم إلى إطار للرؤية وإطار لحجبها أيضا، فقد استقرّ "المفهوم" إطاراً صارماً للفهم بعد أن صاغه قسم الأبحاث في مديرية استخبارات الجيش الإسرائيلي عام 1971، واضعاً شروطاً مسبقة تحكم ذهاب المصريين والسوريين إلى خيار الحرب، وأساسُه هو: لن تذهب مصر إلى الحرب مع "إسرائيل" ما لم تضمن لنفسها القدرة الجوية على مهاجمتها في العمق، خاصة المطارات الرئيسية لديها.
ومن أجل شل حركة القوات الجوية الإسرائيلية، احتاجت مصر من الاتحاد السوفياتي أن يزودها بالطائرات المقاتلة بعيدة المدى (طائرات "ميغ 23") التي يمكنها ضرب قواعد القوات الجوية الإسرائيلية، وأسلحة الردع (صواريخ "سكود" أرض-أرض) التي من شأنها أن تهدد العمق الإسرائيلي وتردعه عن ضرب أهداف عميقة في مصر، إلا أن ذلك لم يحصل. بعد أقل من سنة سينشأ لدى القيادة الإسرائيلية تناقض رهيب بين المعلومات الاستخباراتية التي تشير إلى استعدادات مصرية وسورية لخوض الحرب، وحقيقة أن مصر لم تحقق بعدُ القدرة الجوية لشل سلاح الجو الإسرائيلي.
ارتفع "المفهوم" إلى مرتبة العقيدة، ولم تعد آحاد الملاحظات والتقارير قادرة على زعزعته. وخلال ذلك، كان تقدير المصريين قد تغيّر: سنخوض المعركة دون الحصول على الطيران السوفياتي.
كان العبور المصري حدثا صادما، ما زال يحفر في الوعي الإسرائيلي بعيداً، خاصة أن الإنذار المبكر وما يحمله من ضرورة تفوق استخباري، يشكل أحد الأركان الثلاثة الأساسية لمفهوم الأمن الإسرائيلي، إلى جانب الردع والحسم. لقد كان اندلاع الحرب بدون سابق إنذار ودون استعداد الجيش الإسرائيلي، "وضعا كارثيا" كما وصفه رئيس أركان الجيش، اللواء ديفيد إليعازر. وكما أشارت لجنة "أغرانات"، فإن المفاجأة الاستخباراتية كانت لها عواقب وخيمة عند اندلاع القتال.
ومقابل الدم الكثير الذي سال إسرائيلياً، سال حبر كثير في محاولة الإجابة عن السؤال الأهم: كيف تفاجأنا بشيء كان يحدث أمامنا طوال الوقت؟
عام 1983، كتب المؤرخ العسكري تسفي لانير كتاب "المفاجأة الأساسية.. استخبارات في أزمة"، محاولاً التفريق بين "المفاجأة الظرفية" الناتجة عن نقص المعلومات وبين "المفاجأة الأساسية"؛ تلك التي تحدث بسبب فجوة مفاهيمية لا يصلح فيها إطار الفهم في استيعاب المعلومات الواردة، وبالتالي فإن المعلومات الإضافية لا تُساعد في معالجتها.
"تحديد المفاجآت الأساسية أمر معقد"، كتب لانير، "فحتى بعد وقوع الحدث، نستمر في الحكم عليه باستخدام النظام الإدراكي القديم"، مقترحاً الوقوف في منطقة وسطى بين التفكير المنطقي والتفكير الحدسي، أو بكلماته: "التفكير في العاطفة"، ولكن ماذا يعني هذا؟
كان الدرس الأهم* بالنسبة للجنة "أغرانات" فيما يتعلق بالفشل الاستخباراتي قبل الحرب، أنه لا ينبغي الاعتماد على تحليل نوايا العدو، بل يجب على الجيش الإسرائيلي أن يُجهِّز نفسه بناءً على تقييم قدراته. هذا معناه، أن تكون العين على توسيع القدرات، لا على الانشغال بنوايا الأعداء، وأن تعدّ نفسك وكأنك ستُهاجَم الآن، ومن كل أحد.
لجان وإجراءات وكتب، حاولت "إسرائيل" من خلالها أن تسيطر على الطبيعة البشرية المجبولة على النقص. وضعت ثقتها في التكنولوجيا حيث التفوّق الاستخباراتي، فظنّت أن الجبل التكنولوجي سيعصمها من الماء، لكنْ جاءها الطوفان.
طوفان الأقصى.. لماذا أخفقت "إسرائيل" مجددا؟
أمام أنظار "إسرائيل"، كانت تجري التدريبات العسكرية على اقتحام " غلاف غزة". وفي الأسابيع الأخيرة التي سبقت هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وردت التقارير التي تفيد بقيام مزارعين فلسطينيين بالتقاط صور للسياج الحدودي، وأخرى تتحدث عن عناصر من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يراقبون المواقع العسكرية والمستوطنات وبيدهم خرائط، لكنْ جرى تجاهل كل هذا.
قبل 11 ساعة من الهجوم، كان بالإمكان تفاديه، تقول التقارير الاسرائيلية، ففي 6 أكتوبر/تشرين الأول، أرسلت الاستخبارات الإسرائيلية بعض المؤشرات التحذيرية، التي أدت إلى سلسلة من المشاورات الأمنية في وقت متأخر من الليل، بين قادة في مناصب حسّاسة. لكن "المفهوم" سيطر عليهم، فلم يرسل "الشاباك" سوى عدد قليل من العاملين الإضافيين إلى قطاع غزة، بينما واصل مدير "جهاز الاستخبارات العسكرية" (أمان) اللواء أهارون هاليفا ، قضاء إجازته في إيلات.
بتقدير مشترك من جهازي "الشاباك" و"أمان"، كانت ثمة قناعة راسخة بأن التفوق العسكري والاستخباري الإسرائيلي من شأنه أن يردع حماس عن الشروع في أي عمل عسكري كبير، وفي حال وجود هجوم يُخطط له فسيكون مسبوقاً بتحذير من المؤسستين في الوقت المناسب.
أخفقت "إسرائيل" أمام مثال سبق أن تعرضت له، واستطاعت المقاومة الفلسطينية أن تتحرك باتجاهين:
أولاً: تعزيز "المفهوم" عند العدو حتى يصبح عقيدة، وهو ما انعكس بضبط النفس الذي أبدته كتائب القسام بعدم دخولها في المواجهات المتقطعة بعد " سيف القدس"، وبمواصلة تدفق المساعدات المالية، وبزيادة نسبة العمال في الداخل المحتل؛ كلها مؤشرات أفادت بردع حماس وبنيّتها الذهابَ نحو تهدئة طويلة.
ثانياً: التخدير بالإغراق، وهو أمر عملت عليه حماس بشكل ذكي، فخدّرت اليقظة الاستخبارية وأغرقتها بالعديد من الرسائل الأمنية، التي أدت في النهاية إلى تعطيل حاسة الخطر. إن كنتَ مسؤولاً عن تقييم المخاطر الكبرى، وكنت تحصل كل يوم على تحذير بمخاطر كبرى، فإنك لا تعود قادراً على معرفة الخطر الكبير عندما سيأتي. لقد قرأنا قصة شبيهة في طفولتنا عن الراعي الذي كان على الدوام يستنفر أهل قريته ضد ذئب غير موجود، فعندما جاء الذئب حقيقةً لم يكن أحد قادرا على أخذ تحذيره على محمل الجد.
نُقلت القصة كما هي لتوصيف هذا الخطأ في عالم الاستخبارات، وصارت تعرف باسم "متلازمة الذئب" (Cry wolf syndrome)، وهي المشكلة المعروفة باسم "إرهاق التحذيرات". تكلمت حماس بشكل مستمر عن الطوفان والغلاف والاستعداد للمعركة الكبرى، وذُكر هذا في خطاب العديد من القادة، بل وأنتجت الحركة مسلسلاً تلفزيونياً يتحدث عن الخطة بكل وضوح؛ خالقةً حالة "تبلد التحذير" عند العدو.
إن خلق الضوضاء طريقة فعالة أمام هيمنة المراقبة وزيادة سطوتها، ومع أن الأمر قديم، فإن فاعليته الآن تزداد مع تزايد الرقابة واتساع قدرتها على جمع المعلومات. قبل الهجوم على بيرل هاربر عام 1941، أدى فائض الإنذارات والافتراضات إلى إلغاء فاعليتها، وعُدت هذه الحالة مثالا مرجعيا في فشل الاستخبارات الناتج عن ضوضاء التحذيرات.
يكشف معهد "بونيمون" أن المحللين الأمنيين، بسبب التشبّع المفرط بالمعلومات، يفوتون ما نسبته 31% من التحذيرات، وتتراوح الإنذارات الكاذبة بين 75 و95% من جميع التنبيهات الأمنية.
سوريا.. كيف يمكن "للمفهوم" أن لا يعضك؟
لا يمكن الاستغناء عن المفاهيم والأطر التحليلية، فهي ضرورية لترتيب الزخم الكبير من المعلومات التي تحيط بنا. وتساهم الأطر في تحديد الأولويات ورؤية العالم ووضع الخطط، وفي كثير من الأحيان يعتبر التحليل أهم من المعلومة ومقدما عليها، فبإمكان المعلومات أن تكون مُضلّلة، كما ضللت الديكَ الرومي ألفُ يوم حول نيّات صاحب البيت الذي يطعمه ثم يذبحه في عيد الشكر، والمثال لنسيم طالب. ولو أن الديك الرومي تمسّك بالمعرفة التاريخية عن الإنسان والأعياد وموقعه هو من عالم البشر، لما اغتر بالمعلومات الخاطئة المُستقاة من رعايته اليومية واستعد ليومه الموعود.
تشيع العديد من القناعات اليوم في الفضاء العام السوري، آخذة طريقها نحو تشكيل أطر مفخخة للفهم في مجال السياسة، قناعات مثل أننا دخلنا مرحلة بناء الدولة بما يتطلبه الأمر من وعد بالاستقرار والرفاه، وأن الالتزام بهذا التوجه من شأنه أن يطمئن الإقليم ومن خلفه العالم إلى التجربة الجديدة فيقومون بدعمها، وكأن العالم يكافئ أصحاب النيات الجيدة ويعاقب أصحاب النيات السيئة، وليس قائما على تدافع خشن وعنيف يهدف إلى تجريد أي تجربة في منطقتنا من ممكنات قوتها، إما بتنفيسها تدريجيا ثم جزّها، وإما بالقضاء عليها قبل أن تكتمل.
ويُخشى أن استقرار المفاهيم الوردية على التصور السياسي يُفوّت القدرة على التحليل الثابت لطبيعة النظام العالمي والإقليمي العربي (مثلما حدث مع الديك الرومي)، ويفوت قراءة المعلومات الكثيرة التي تتوارد من مشروع إسرائيل الكبرى الذاهب إلى إخضاع التجربة وتقسيمها بوصفها مجالا لنفوذه الإقليمي، خصوصا بعد تراجع إيران. فنحن نتكلم عن ثلاث قوى إقليمية: إيران وتركيا وإسرائيل، ولن تترك دولة فراغا لأخرى إلا بالصراع، وهذا يعني أن سوريا بطبيعة الحال ميدان لهذا الصراع حاضرا ومستقبلا.
مجددا، تُوازن المعلومات بالتحليل ويُراجع التحليل بتراكم المعلومات، ويقتضي الحس السليم فحص المجالين باستمرار وطلب الهداية من الله. قد تستدرجنا المعلومات إلى الفخ، وقد تخدرنا، وقد تزيد من استرخائنا النفسي أمام الأخطار، ولهذا، فإن الاستناد إلى التحاليل والبنى والمعرفة التاريخية ضروري جداً لترتيب كل ما يحدث. ومع توارد الملاحظات الجديدة، فإن علينا باستمرار أن نفحص مفاهيمنا عن الواقع ومدى قدرتها التفسيرية، ثمّ ردّها إلى الأسس الثابتة في فهم طبائع الأمور والصراعات.
الواقع متغير ولا يمكن القبض عليه في لحظة سكون، والتناقضات الداخلية في هذا الواقع مكون أساسي فيه. وبالطبع، تساعدنا المفاهيم، لكن ستخيب آمال أولئك الذين يضعون ثقتهم فيها بلا نهاية.
يلعب الهوى دوراً خطيراً في كل هذا، تميل النفس إلى تفسير المعلومات وفقًا لرغبتها في سير الأمور، والنتائج التي تنفر من رؤيتها في الواقع تقلل معالجة المعلومات التي ترسخها. بطبيعة الحال، فإن التخلّص من الهوى أمر صعب، لكن فحصه باستمرار؛ أمانة وقوة وضرورة.
ومن المهم بمكان، الفصل بين "التحليل السياسي" (وهو عملية موضوعية بطبيعتها) وبين "اتخاذ الموقف" (وهي عملية انحياز واع وإيماني)، لكنّ أحدهما لا يحل مكان الآخر، وبدافع الرغائب؛ كثيراً ما يصبح الموقف تحليلًا والتحليل موقفاً.
يساعدنا التدربُ على طرح سؤال "ماذا لو؟" بدلاً من "هل؟"، والقيادات التي لا تعود للتفكير في السؤال الأول، تخاطر في مواقعها، أو أنها تسلمها مسبقا. فليس السؤال في سوريا اليوم "هل إسرائيل ستقبل بوجود التجربة الجديدة مستقرة وقوية بقربها؟"، بل السؤال الحقيقي: ماذا لو قررت "إسرائيل" مهاجمة سوريا قريباً؟ بقاء السؤال يقظا يتيح الإعداد الجاد، ويبقي النفس خارج مناطق الراحة القاتلة.
يصف القرآن الكفار "بالعَمَه"، وهو عدم القدرة على رؤية الأمور على حقيقتها استناداً إلى البصيرة، وهو غيرُ العمى الخاص بتعطل جارحة العين. يخبرنا ابن فارس أن "العين والميم والهاء أصلٌ صحيح واحد يدل على حيرةٍ وقلة اهتداء".
ولقد اقترن الفعل "يعمهون" بالطغيان في 5 آيات، وبالسكرة في آية، وبالتزيين في آية، مما يدل على فقدان التبصّر والتنبيه في "العمه". وهذا يعني أن التزكية وتخليص النفس من انحيازاتها؛ مسألة أساسية في رؤية الأمور على حجمها الحقيقي، وفي رؤية المخاطر قبل قدومها، وفي التصدي لطغيان النفس وثقتها الزائدة بنفسها ، خصوصاً بعد لحظة انتصار، وعند السُكر والنشوة التي قد تصيبنا تحت وطأة الفرح أو الفزع، وعند التزيين الذي يمارسه شياطين الإنس والجن.. ومن تغلّب على نفسه "عدوه الداخلي"، يوشك أن يظفر بعدوه الخارجي.
__________
قبل الحرب، كانت مديرية الاستخبارات تحتكر تقييم المعلومات الاستخبارية في "إسرائيل". وكجزء من دروس الحرب، تم تفكيك مركزية التقييم، كما أُنشئت هيئات تقييم في "الموساد" (شعبة الاستخبارات) ووزارة الخارجية (دائرة البحوث السياسية).
أنشأت مديرية استخبارات الجيش الإسرائيلي قسم الرقابة (المعروف أيضًا باسم "التقييم المحتمل")، ومهمته تقديم تفسيرات بديلة للتقييم المركزي، لإثارة التساؤلات حول افتراضاته الأساسية. رئيس القسم ضابط برتبة مقدم، ويرفع تقاريره مباشرةً إلى رئيس مديرية الاستخبارات، وليس إلى رئيس قسم الأبحاث.
بالإضافة إلى ذلك، تقرر فصل شعبة الاستخبارات عن هيئة الاستخبارات، التي سيرأسها ضابط استخبارات رئيسي تابع لرئيس الاستخبارات العسكرية، واستبدالها بمنصب "مساعد رئيس الاستخبارات العسكرية". وكان الهدف من ذلك، تمكين رئيس الاستخبارات العسكرية من تكريس نفسه للبحث وتقييم المعلومات الاستخبارية والتحذير، وإزالة الأعباء الإدارية للشؤون اللوجستية والتنظيمية عنه.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
الأردن والعراق وسوريا.. تحالف جيولوجي يكشف خبايا "الصفيحة العربية"
تخيل أن الأرض بحجم التفاحة، في هذه الحالة ستكون القشرة الأرضية بحجم قشرة التفاحة الرقيقة، لكنّ هناك اختلافا، فقشرة الأرض مقسمة إلى "صفائح تكتونية" متداخلة كما تتداخل قطع الأحجيات الورقية التي يطلب منك تجميعها للحصول على صورة جميلة. الصفائح التكتونية هي قطع ضخمة من صخور القشرة الأرضية تطفو فوق طبقة منصهرة جزئيا تُسمى "الوشاح". تتحرك هذه الصفائح ببطء بسبب تيارات حرارية في باطن الأرض، وقد تصطدم أو تبتعد أو تنزلق بجانب بعضها، وتسبب حركتها الزلازل والبراكين وتُشكّل الجبال والمحيطات على مدى ملايين السنين. ومن ضمن هذه الصفائح توجد "الصفيحة العربية"، ومن اسمها يتضح موضعها، فهي كتلة ضخمة من القشرة الأرضية تتحرك ببطء إلى الشمال الشرقي، وتشكل جزءا كبيرا من منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك شبه الجزيرة العربية والأردن وسوريا والعراق، ويؤدي تحركها وتفاعلها مع الصفائح المجاورة إلى نشوء ظواهر طبيعية مهمة مثل الزلازل، وتكون السلاسل الجبلية، كما تلعب دورا رئيسيا في تشكيل الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز في المنطقة. وخلال دراسة نشرت بدورية"مارين آند بيتروليوم جييولوجي"، اقتحم فريق بحثي دولي الصمت الظاهري لمناطق مهمة بتلك الصفيحة، وبتعاون بين علماء علوم السطح وباطن الأرض من السعودية والأردن وبريطانيا، قرأ العلماء لغة الطبقات والصخور والصدوع في باطن الأرض، ليتمكنوا من بناء نموذج زمني دقيق لطبقات الصخور الممتدة من أواخر العصر الطباشيري (أي منذ حوالي 100 إلى 66 مليون سنة) إلى الإيوسين (الذي بدأ قبل نحو 56 مليون سنة واستمر حتى حوالي 34 مليون سنة مضت). 4 أدوات تحليلية واستعان الباحثون في دراستهم بـ4 أدوات تحليلية، هي بيانات بيوستراتيغرافية "أعمار الأحافير"، ونسب الكربون والأكسجين والسترونشيوم، إلى جانب بيانات زلزالية وسجلات آبار النفط، لبناء هذا النموذج الذي أعاد كتابة تاريخ الصفيحة العربية. وتساعد البيانات البيوستراتيغرافية على دراسة توزع الأحافير وترتيبها داخل طبقات الصخور، حيث تستخدم أعمار الأحافير كدلائل زمنية تساعد العلماء على تحديد عمر الطبقات الصخرية ومقارنتها بين مناطق مختلفة، فالأحافير التي تعود إلى فترات زمنية معروفة تتيح معرفة متى تكونت كل طبقة صخرية، وهذا أمر مهم لبناء تسلسل زمني دقيق. أما نظائر الكربون والأكسجين والسترونشيوم، فهي طريقة تعتمد على تحليل النسب المختلفة لهذه النظائر داخل المعادن والصخور، ويعكس ذلك ظروف المناخ والبيئة التي سادت في تلك الفترات، كما يساعد في تحديد الفترات الزمنية بدقة، لأنها تتغير وفقا لمراحل زمنية محددة في التاريخ الجيولوجي، وبالتالي فإن تحليل هذه النسب يمكن أن يوفر توقيتًا دقيقًا لتغيرات الصخور عبر الزمن. وتتيح البيانات الزلزالية تسجيل الموجات الزلزالية التي تمر عبر الأرض بعد توليدها بواسطة مصادر اصطناعية أو طبيعية، ويساعد ذلك في تكوين صور ثلاثية الأبعاد لتركيب الأرض تحت السطح، وتحديد مواقع طبقات الصخور والصدوع والتجاويف، مما يساعد في فهم البنية الجيولوجية تحت سطح الأرض بشكل دقيق. وأخيرا، فإن بيانات سجلات آبار النفط تُجمع من خلال أجهزة قياس توضع داخل آبار النفط والغاز، وتقيس خصائص الصخور مثل كثافتها وتركيبتها المعدنية وخصائصها الفيزيائية والكيميائية، وهذه المعلومات تساعد في تعميق فهم التكوينات الصخرية والطبقات الجيولوجية. ماذا وجد الباحثون؟ وباستخدام هذه الأدوات التحليلية، توصل الباحثون إلى أن الأردن، قبل نحو 95 إلى 90 مليون سنة، وتحديدا خلال المرحلة الوسطى من العصر الطباشيري، شهد فترة من الهدوء التكتوني النسبي، وخلال تلك المرحلة بدأت طبقات الصخور الرسوبية تترسب بهدوء، وكانت سماكتها تزداد تدريجيا كلما اتجهنا شمالا وشمال غرب البلاد. لكن هذا الاستقرار لم يدم طويلا، فمع نهاية تلك المرحلة الهادئة، وتحديدا في الفترة الواقعة بين نهاية المرحلة الوسطى وبداية المرحلة المتأخرة من العصر الطباشيري، أي قبل نحو 89 إلى 83 مليون سنة، تعير المشهد الجيولوجي بشكل جذري، حيث بدأت الأرض في التشقق والتمدد، وظهر ما يعرف اليوم بمنخفض "الأزرق-حمزة" في شرق الأردن، وهو صدع ضخم يمتد من شمال غربي البلاد حتى جنوب شرقها، ليصل إلى وادي السرحان داخل الأراضي السعودية. وتقدر الإزاحة الرأسية للصخور داخل هذا المنخفض بحوالي 1800 متر، مما يعد رقما مذهلا يدل على قوة وشدة الحركات الأرضية التي شهدتها المنطقة في ذلك الزمن الجيولوجي العنيف. ويوضح الباحثون في دراستهم أن "هذا المنخفض ليس فقط مفتاحا لفهم تاريخ الأردن التكتوني، بل هو جزء من منظومة متصلة تشمل منخفض الفرات في سوريا وسنجار في العراق، فهذه البُنى تمتد كأنها صدع طويل يروي قصة تشوه الصفيحة العربية من الأطراف إلى القلب". تشابك المصاير التكتونية وما حدث في الأردن وسوريا والعراق ليس بمعزل عن أماكن أبعد، كعُمان وإيران، وهذا ما كشفت عنه هذه الدراسة أيضا. فبينما كانت منطقة الأزرق في شرق الأردن تشهد حركة تمدد للقشرة الأرضية، أي إن الصخور كانت تتباعد وتتشقق نتيجة لقوى داخلية، كانت المنطقة الواقعة إلى الشرق، وتحديدا إيران وعُمان، تمر بعكس ذلك تماما، وهو ضغط شديد أدى إلى تصادم صفائح قارية ضخمة. ووفقا للدراسة، فإنه في تلك الفترة من العصر الطباشيري بدأت "الصفيحة العربية" تتحرك ببطء نحو الشمال الشرقي، حتى اصطدمت مع "الصفيحة الأوراسية" التي تحمل مناطق مثل إيران وأجزاء من آسيا. وهذا التصادم العملاق أدى إلى ما يُعرف جيولوجيا بظاهرة "الطمر والانزلاق القاري"، وهي عملية تندفع فيها إحدى الصفائح تحت الأخرى، ونتيجة لهذا الاصطدام والانزلاق تشكلت سلاسل جبلية شاهقة مثل جبال زاغروس في إيران، كما تكونت أحواض رسوبية ضخمة، وهي مناطق انخفض فيها سطح الأرض وتجمعت فيها كميات هائلة من الطين والرواسب العضوية، فأدى ذلك لاحقا إلى تشكيل احتياطيات ضخمة من النفط والفوسفات. من المعرفة إلى الوقاية ويقول الدكتور شريف الهادي رئيس قسم الزلازل بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية بمصر -لم يشارك بالدراسة- للجزيرة نت: "نستطيع أن نقول باختصار إن ما حدث في الأردن من تمدد جيولوجي كان جزءا من لوحة تكتونية أوسع، فيها مناطق تتوسع وأخرى تنضغط في آن واحد، وكل ذلك نتيجة حركة الصفائح الأرضية الكبرى التي لا تزال تشكل ملامح كوكبنا حتى اليوم". والدراسة بهذه النتيجة ليست مجرد بحث في الماضي، بل هي خريطة لفهم الحاضر واستشراف المستقبل، سواء من حيث استثمار الثروات، أو الحد من المخاطر الطبيعية، كما يوضح الدكتور الهادي. ويضيف أن "فهم كيف وأين تشكلت أحواض الرسوبيات الغنية بالنفط والغاز والفوسفات، ومعرفة أن حركات الطمر والانزلاق أدت إلى تشكل هذه الأحواض، يمكّن فرق التنقيب من استخدام هذه المعرفة لتحديد المناطق الواعدة للاستخراج، ومن ثم يوفر الوقت والمال في أعمال الحفر والمسح الجيولوجي". ويوضح "كما أن فهم كيف تكونت الصدوع مثل صدع (الأزرق-حمزة) يساعد العلماء والمهندسين على تحديد المناطق الأكثر عرضة للزلازل والهزات الأرضية، وهذا مهم لتخطيط المدن، وتصميم المباني والبنية التحتية لتكون أكثر أمانًا في المستقبل". وتسجل تلك المنطقة زلازل ذات طاقة منخفضة نسبيا، إلا أن ازدياد وتيرتها في الفترة الأخيرة، حتى إن لم يشعر بها السكان، يعتبره العلماء "إنذارا صامتا" يشير إلى أن الصخور تُعيد ترتيب نفسها ببطء، وأن الطاقة التكتونية تتراكم، وقد تنفجر في زلزال ضخم مثل زلزال حلب عام 1138 أو زلزال البحر الميت عام 1927. ولأن الهزات الكبرى قد تسبقها زلازل خفيفة، بدأت مراكز الرصد الجيولوجي في الدول الثلاث بالعمل على نماذج تنبئية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل أنماط الزلازل الصغيرة، واستشراف احتمالات وقوع زلازل أكبر في المستقبل، ومثل هذه الدراسات تساعد في بناء تلك النماذج، كما يؤكد الدكتور الهادي.


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
القبة الفولاذية.. منظومة دفاع جوي تركية
منظومة دفاع جوي متكاملة ومتعددة الطبقات، طورتها تركيا لتلبية احتياجاتها الدفاعية وتأمين حماية شاملة بزاوية 360 درجة ضد التهديدات الجوية والبرية والبحرية والهجمات السيبرانية. وتعتمد المنظومة على شبكة رادارات وأنظمة حرب إلكترونية وأنظمة قيادة وسيطرة مدعومة بالذكاء الاصطناعي. طورتها شركة أسيلسان المتخصصة في الصناعات الدفاعية والتكنولوجيا، وتعتبرها تركيا ثمرة جهود استمرت سنوات في إطار إستراتيجيتها الوطنية لتحقيق الاكتفاء الذاتي في الصناعات الدفاعية. التصنيع والتطوير بدأ تطوير مشروع "القبة الفولاذية" التركي رسميا عام 2018، في إطار برنامج شامل أطلقته رئاسة الصناعات الدفاعية التركية (إس إس بي) لتأسيس منظومة دفاع جوي وطنية متعددة الطبقات، في ظل تصاعد التهديدات الإقليمية والتقدم المتسارع في تقنيات الطائرات المسيّرة والحرب الإلكترونية. وتولت شركة "أسيلسان" للصناعات الدفاعية قيادة عمليات التصميم والإنتاج بالتعاون مع عدد من الشركات المحلية، أبرزها "روكيتسان" التي أسندت إليها مهمة تطوير صواريخ الاعتراض، و"هافلسان" التي تولت تصميم أنظمة القيادة والسيطرة والدعم البرمجي. ودخلت المكونات الأولى من المنظومة -وعلى رأسها أنظمة الدفاع الجوي "حصار" و"كوركوت"- الخدمة تدريجيا بين عامي 2019 و2022، فيما استمر العمل على تحديث أنظمة أخرى لدمجها ضمن شبكة دفاعية متكاملة مدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي. وفي 6 أغسطس/آب 2024، قررت اللجنة التنفيذية للصناعات الدفاعية، في اجتماع ترأسه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الانتقال إلى مرحلة تطوير شاملة لمشروع "القبة الفولاذية"، بهدف تعزيز أمن المجال الجوي التركي. وتعاونت في هذه المرحلة شركات الصناعات الدفاعية التركية -ومن بينها أسيلسان وروكيتسان و"إم كي إي"، إلى جانب معهد أبحاث الصناعات الدفاعية التابع لهيئة "توبيتاك ساغا"- لتنفيذ المشروع الذي وُصف بأنه "نظام الأنظمة"، كونه يجمع عدة أنظمة وأسلحة ذات ميزات وقوى مختلفة. وفي أواخر يوليو/تموز 2025، أعلن المدير العام لشركة أسيلسان، أحمد أكيول، عن جاهزية النسخة المتكاملة من "القبة الفولاذية"، وذلك أثناء فعاليات معرض الصناعات الدفاعية الدولي السابع عشر في إسطنبول ، الذي نُظم برعاية وزارة الدفاع التركية، وبإشراف مؤسسة القوات المسلحة التركية. المكونات والمميزات تُعد منظومة "القبة الفولاذية" نموذجا متقدما لدفاع متعدد الأبعاد، إذ تتكون من سلسلة من الأنظمة المتكاملة التي تعمل لمواجهة التهديدات الجوية والبرية والبحرية، إضافة إلى الهجمات السيبرانية، وذلك ضمن إطار تشغيلي واحد عالي الكفاءة. وفيما يلي أبرز مكوناتها: أنظمة الدفاع الجوي "حصار" وصُممت لتغطية المسافات القصيرة والمتوسطة، وتعتمد على صواريخ تركية الصنع مزودة بأنظمة توجيه دقيقة قادرة على اعتراض الطائرات و المسيرات والصواريخ. نظام المدفعية المضادة للطائرات "كوركوت" ويوفر حماية ضد الطائرات المسيرة والأهداف منخفضة الارتفاع، عبر مدافع عالية السرعة مزودة بذخائر ذكية. منظومة الدفاع بعيد المدى "سيبر" موجهة للتعامل مع التهديدات بعيدة المدى، بما في ذلك الصواريخ الباليستية التكتيكية والطائرات المقاتلة. أنظمة الحرب الإلكترونية "إخطار" مصممة للكشف والتشويش على إشارات التحكم والتوجيه الخاصة بالطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة، مما يعطل قدرتها على إصابة الأهداف. رادارات متعددة المهام وتتميز بقدرتها على تتبع مئات الأهداف المختلفة، سواء أكانت جوية أم برية أم بحرية، مع دقة عالية في الرصد والتصنيف. شبكة القيادة والسيطرة وتعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي لتوفير إدارة موحدة للعمليات الدفاعية، مما يُمكّن من اتخاذ قرارات تكتيكية سريعة وفعالة. البنية السيبرانية الدفاعية وتؤمّن حماية إلكترونية شاملة لبنية المنظومة، كما تضمن استمرارية التشغيل عند التعرض لهجمات سيبرانية معقدة. أجيال متطورة في يوليو/تموز 2025، كشفت شركة أسيلسان أثناء مشاركتها في معرض الصناعات الدفاعية الدولي "آيدف 2025" عن إدخال جيل جديد من الأنظمة الدفاعية ضمن منظومة "القبة الفولاذية"، وذلك استجابةً لتغير طبيعة التهديدات، وعلى رأسها "أسراب المسيّرات الصغيرة" و"الهجمات المتزامنة المعقدة". ومن أبرز هذه الإضافات نظام "أجدرها"، وهو سلاح ليزري محلي الصنع يعتمد على الموجات الدقيقة لتحييد المسيّرات الصغيرة والطائرات الانتحارية بدقة وسرعة، خصوصا في المسافات القصيرة، مما يعزز قدرة حماية المنشآت الحيوية والمواقع الحساسة بشكل فوري. كما أعلنت الشركة عن استحداث أنظمة دعم جديدة لتعزيز القدرات الدفاعية للمنظومة، وهي "غوكتان" و"كورال 200″ و"طوران" و"غورز". ووفقا لتصريحات المدير العام لشركة أسيلسان فإن "التكامل بين المكونات التقليدية والأنظمة المستحدثة يجعل من "القبة الفولاذية" منظومة ديناميكية قابلة للتطوير والتحديث المستمر، وقادرة على مواجهة أخطر التهديدات الحديثة في بيئة جغرافية وأمنية معقدة بما في ذلك الطائرات المسيرة الصغيرة والصواريخ الجوالة والصواريخ الباليستية التكتيكية والهجمات السيبرانية.


الجزيرة
منذ 3 أيام
- الجزيرة
الهزائم العسكرية العجيبة.. لماذا نتفاجأ مما نعرفه؟
«وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ…» ثمة نوعان من المفاجآت: الأول ، حين نتفاجأ بشيء لا نملك معلومات عنه، ويبدو هذا بديهيا جداً. والنوع الآخر، حين نتفاجأ بشيء لدينا معلومات كثيرة عنه، ويبدو هذا شديد الغرابة. ومع غرابة الأمر، فإنه يحدث بشكل ثابت مع الأفراد والجماعات على حد سواء، آخرها تفاجؤ إيران بالهجوم الإسرائيلي الذي أدى إلى اغتيال العديد من القيادات العسكرية وعلماء رفيعي المستوى في المشروع النووي، بعضهم كان في بيته من فرط ما كان مطمئناً. ومع أن إيران راقبت أمام عينيها المفاجأة "المتوقعة" في "الإطباق" على حزب الله، وكانت على دراية باستعداد "إسرائيل" للهجوم عليها، فإنها استبعدت ذلك وتفاجأت به عندما حدث. المفاجآت التي نعرفها تحدث على الدوام، حدثت مع الأميركيين يوم هجوم اليابان على بيرل هاربر عام 1941، ويوم حرب أكتوبر /تشرين الأول 1973، و اجتياح صدام للكويت عام 1990، والكثير من الأمثلة، فما الذي يجعل المفاجأة المعروفة مسبقا تحدث؟ الأطر و"الفلاتر".. أين تذهب الملاحظات؟ حين وضع توماس كون كتابه "بنية الثورات العلمية"، كان يفكر بالطريقة التي يتقدم بها العلم: تتوارد الملاحظات التي يعجز نموذج مستقر على معالجتها، إلا أن ذلك لا يؤدي إلى استبداله على الفور، فهذا يحتاج إلى ثورة داخل التصور تأخذ وقتا، لأن الذي يحكم تطور العلم ليس الحقائق العلمية المستقرّة في داخله فحسب، بل أيضا البيئة النفسية والاجتماعية للسياق العلمي. الانتقال من تصوّر بطليموس للكون إلى تصوّر كوبرنيكوس، والمشاكل التي واجهتها فيزياء نيوتن مُتيحةً المجالَ لظهور النسبية، وغيرها من المسائل التي لم يحكمها تطور العلم بحدّ ذاته فقط، بل يلعب الإطار المعرفي (البردايم) دوراً أساسياً في ظهور بعضها وتأخر قبول بعضها الآخر. قد تتراكم الملاحظات والمشاكل أمام العلماء ولا يرونها أو يستثنونها، حفاظاً على إطار تقليدي للفهم اعتادوه، حتى لا يعدّ بالإمكان تجاهل هذا التنافر الرهيب بين الملاحظات والإطار التفسيري، فتصبح هناك ضرورة لإحداث ثورة على هذا الإطار التفسيري، غالبا ما تواجه بتعنت وصدام، لأن الفطام عن المألوف شديد، وهذه قصة تغير البنى العلمية كل فترة. هذا يعني باختصار أن تطور العلم ليس هو قصة تطوّر تجاربه ومعلوماته فقط، بل أيضا قصّة الطريق الطويل الذي تعبره الحقائق في صراع أطر الفَهم، والتي تعمل مثل "فلتر" حقيقي يحجب أحيانا ما هو بدهي، شديد الوضوح. ولقد بدأتُ بطرح الظاهرة في عالم العلم، لأنه يبدو أبعد الأماكن عن تحيزات الأطر والمفاهيم، إلا أن هذا منزع إنساني يحتاجه الإنسان لكي يشعر بنوع من السيطرة والأمن على محيطه، لكنه إذا استقر أكثر من اللازم يصبح تهديداً، وفي عالم السياسة والحرب يصبح قاتلاً، فمفهوم واحد مضلل يكفي لهزيمة بلد بأكمله. المفاهيم المفخخة في مساء 5 أكتوبر/تشرين الأول 1973، كان المقدم الإسرائيلي يونا باندمان يراقب بلا اكتراث؛ التقارير التي تتوالى عن استعداد مصر وسوريا لشن الهجوم الصادم، الذي سيشكل لاحقا عقدة حقيقية في الوعي الصهيوني. كتب بثقة: "مع أن مجرد تصور تشكيل الطوارئ على جبهة القناة يحمل ظاهريًا مؤشرات على مبادرة هجومية، فإنه على حد علمنا، لم يطرأ أي تغيير على تقييم المصريين لتوازن القوى بينهم وبين قوات جيش الدفاع الإسرائيلي. لذا، فإن احتمالية نية المصريين استئناف القتال ضئيلة". كانت المعلومات التي أمامه تتحطم سريعا على "فلتر" ضخم من الثقة بالفهم، ثقة ستأخذ لاحقاً مصطلحاً محدداً في الوعي الإسرائيلي: "المفهوم"، وهو الاسم الذي أطلقته لجنة "أغرانات" خلال محاولة إجابتها عن الإخفاق في التنبؤ بالهجوم. بدأ "المفهوم" بالتشكّل أواخر عام 1968، ففي اجتماع لهيئة الأركان العامة الإسرائيلية يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني، قيّم رئيس إدارة الطيران في القوات الجوية، اللواء بيني بيليد، أن المصريين سيرتكبون خطأً فادحًا إذا حاولوا عبور القناة دون تحقيق تفوق جوي، وقال بثقة: "أتمنى أن يرتكبوا هذا الخطأ". وافقه رئيس الجيش الإسرائيلي وقائد سلاح الجو قبل حرب الأيام الستة ، اللواء عزرا وايزمان. شيئاً فشيئاً، سيتحول هذا التقييم إلى إطار للرؤية وإطار لحجبها أيضا، فقد استقرّ "المفهوم" إطاراً صارماً للفهم بعد أن صاغه قسم الأبحاث في مديرية استخبارات الجيش الإسرائيلي عام 1971، واضعاً شروطاً مسبقة تحكم ذهاب المصريين والسوريين إلى خيار الحرب، وأساسُه هو: لن تذهب مصر إلى الحرب مع "إسرائيل" ما لم تضمن لنفسها القدرة الجوية على مهاجمتها في العمق، خاصة المطارات الرئيسية لديها. ومن أجل شل حركة القوات الجوية الإسرائيلية، احتاجت مصر من الاتحاد السوفياتي أن يزودها بالطائرات المقاتلة بعيدة المدى (طائرات "ميغ 23") التي يمكنها ضرب قواعد القوات الجوية الإسرائيلية، وأسلحة الردع (صواريخ "سكود" أرض-أرض) التي من شأنها أن تهدد العمق الإسرائيلي وتردعه عن ضرب أهداف عميقة في مصر، إلا أن ذلك لم يحصل. بعد أقل من سنة سينشأ لدى القيادة الإسرائيلية تناقض رهيب بين المعلومات الاستخباراتية التي تشير إلى استعدادات مصرية وسورية لخوض الحرب، وحقيقة أن مصر لم تحقق بعدُ القدرة الجوية لشل سلاح الجو الإسرائيلي. ارتفع "المفهوم" إلى مرتبة العقيدة، ولم تعد آحاد الملاحظات والتقارير قادرة على زعزعته. وخلال ذلك، كان تقدير المصريين قد تغيّر: سنخوض المعركة دون الحصول على الطيران السوفياتي. كان العبور المصري حدثا صادما، ما زال يحفر في الوعي الإسرائيلي بعيداً، خاصة أن الإنذار المبكر وما يحمله من ضرورة تفوق استخباري، يشكل أحد الأركان الثلاثة الأساسية لمفهوم الأمن الإسرائيلي، إلى جانب الردع والحسم. لقد كان اندلاع الحرب بدون سابق إنذار ودون استعداد الجيش الإسرائيلي، "وضعا كارثيا" كما وصفه رئيس أركان الجيش، اللواء ديفيد إليعازر. وكما أشارت لجنة "أغرانات"، فإن المفاجأة الاستخباراتية كانت لها عواقب وخيمة عند اندلاع القتال. ومقابل الدم الكثير الذي سال إسرائيلياً، سال حبر كثير في محاولة الإجابة عن السؤال الأهم: كيف تفاجأنا بشيء كان يحدث أمامنا طوال الوقت؟ عام 1983، كتب المؤرخ العسكري تسفي لانير كتاب "المفاجأة الأساسية.. استخبارات في أزمة"، محاولاً التفريق بين "المفاجأة الظرفية" الناتجة عن نقص المعلومات وبين "المفاجأة الأساسية"؛ تلك التي تحدث بسبب فجوة مفاهيمية لا يصلح فيها إطار الفهم في استيعاب المعلومات الواردة، وبالتالي فإن المعلومات الإضافية لا تُساعد في معالجتها. "تحديد المفاجآت الأساسية أمر معقد"، كتب لانير، "فحتى بعد وقوع الحدث، نستمر في الحكم عليه باستخدام النظام الإدراكي القديم"، مقترحاً الوقوف في منطقة وسطى بين التفكير المنطقي والتفكير الحدسي، أو بكلماته: "التفكير في العاطفة"، ولكن ماذا يعني هذا؟ كان الدرس الأهم* بالنسبة للجنة "أغرانات" فيما يتعلق بالفشل الاستخباراتي قبل الحرب، أنه لا ينبغي الاعتماد على تحليل نوايا العدو، بل يجب على الجيش الإسرائيلي أن يُجهِّز نفسه بناءً على تقييم قدراته. هذا معناه، أن تكون العين على توسيع القدرات، لا على الانشغال بنوايا الأعداء، وأن تعدّ نفسك وكأنك ستُهاجَم الآن، ومن كل أحد. لجان وإجراءات وكتب، حاولت "إسرائيل" من خلالها أن تسيطر على الطبيعة البشرية المجبولة على النقص. وضعت ثقتها في التكنولوجيا حيث التفوّق الاستخباراتي، فظنّت أن الجبل التكنولوجي سيعصمها من الماء، لكنْ جاءها الطوفان. طوفان الأقصى.. لماذا أخفقت "إسرائيل" مجددا؟ أمام أنظار "إسرائيل"، كانت تجري التدريبات العسكرية على اقتحام " غلاف غزة". وفي الأسابيع الأخيرة التي سبقت هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وردت التقارير التي تفيد بقيام مزارعين فلسطينيين بالتقاط صور للسياج الحدودي، وأخرى تتحدث عن عناصر من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يراقبون المواقع العسكرية والمستوطنات وبيدهم خرائط، لكنْ جرى تجاهل كل هذا. قبل 11 ساعة من الهجوم، كان بالإمكان تفاديه، تقول التقارير الاسرائيلية، ففي 6 أكتوبر/تشرين الأول، أرسلت الاستخبارات الإسرائيلية بعض المؤشرات التحذيرية، التي أدت إلى سلسلة من المشاورات الأمنية في وقت متأخر من الليل، بين قادة في مناصب حسّاسة. لكن "المفهوم" سيطر عليهم، فلم يرسل "الشاباك" سوى عدد قليل من العاملين الإضافيين إلى قطاع غزة، بينما واصل مدير "جهاز الاستخبارات العسكرية" (أمان) اللواء أهارون هاليفا ، قضاء إجازته في إيلات. بتقدير مشترك من جهازي "الشاباك" و"أمان"، كانت ثمة قناعة راسخة بأن التفوق العسكري والاستخباري الإسرائيلي من شأنه أن يردع حماس عن الشروع في أي عمل عسكري كبير، وفي حال وجود هجوم يُخطط له فسيكون مسبوقاً بتحذير من المؤسستين في الوقت المناسب. أخفقت "إسرائيل" أمام مثال سبق أن تعرضت له، واستطاعت المقاومة الفلسطينية أن تتحرك باتجاهين: أولاً: تعزيز "المفهوم" عند العدو حتى يصبح عقيدة، وهو ما انعكس بضبط النفس الذي أبدته كتائب القسام بعدم دخولها في المواجهات المتقطعة بعد " سيف القدس"، وبمواصلة تدفق المساعدات المالية، وبزيادة نسبة العمال في الداخل المحتل؛ كلها مؤشرات أفادت بردع حماس وبنيّتها الذهابَ نحو تهدئة طويلة. ثانياً: التخدير بالإغراق، وهو أمر عملت عليه حماس بشكل ذكي، فخدّرت اليقظة الاستخبارية وأغرقتها بالعديد من الرسائل الأمنية، التي أدت في النهاية إلى تعطيل حاسة الخطر. إن كنتَ مسؤولاً عن تقييم المخاطر الكبرى، وكنت تحصل كل يوم على تحذير بمخاطر كبرى، فإنك لا تعود قادراً على معرفة الخطر الكبير عندما سيأتي. لقد قرأنا قصة شبيهة في طفولتنا عن الراعي الذي كان على الدوام يستنفر أهل قريته ضد ذئب غير موجود، فعندما جاء الذئب حقيقةً لم يكن أحد قادرا على أخذ تحذيره على محمل الجد. نُقلت القصة كما هي لتوصيف هذا الخطأ في عالم الاستخبارات، وصارت تعرف باسم "متلازمة الذئب" (Cry wolf syndrome)، وهي المشكلة المعروفة باسم "إرهاق التحذيرات". تكلمت حماس بشكل مستمر عن الطوفان والغلاف والاستعداد للمعركة الكبرى، وذُكر هذا في خطاب العديد من القادة، بل وأنتجت الحركة مسلسلاً تلفزيونياً يتحدث عن الخطة بكل وضوح؛ خالقةً حالة "تبلد التحذير" عند العدو. إن خلق الضوضاء طريقة فعالة أمام هيمنة المراقبة وزيادة سطوتها، ومع أن الأمر قديم، فإن فاعليته الآن تزداد مع تزايد الرقابة واتساع قدرتها على جمع المعلومات. قبل الهجوم على بيرل هاربر عام 1941، أدى فائض الإنذارات والافتراضات إلى إلغاء فاعليتها، وعُدت هذه الحالة مثالا مرجعيا في فشل الاستخبارات الناتج عن ضوضاء التحذيرات. يكشف معهد "بونيمون" أن المحللين الأمنيين، بسبب التشبّع المفرط بالمعلومات، يفوتون ما نسبته 31% من التحذيرات، وتتراوح الإنذارات الكاذبة بين 75 و95% من جميع التنبيهات الأمنية. سوريا.. كيف يمكن "للمفهوم" أن لا يعضك؟ لا يمكن الاستغناء عن المفاهيم والأطر التحليلية، فهي ضرورية لترتيب الزخم الكبير من المعلومات التي تحيط بنا. وتساهم الأطر في تحديد الأولويات ورؤية العالم ووضع الخطط، وفي كثير من الأحيان يعتبر التحليل أهم من المعلومة ومقدما عليها، فبإمكان المعلومات أن تكون مُضلّلة، كما ضللت الديكَ الرومي ألفُ يوم حول نيّات صاحب البيت الذي يطعمه ثم يذبحه في عيد الشكر، والمثال لنسيم طالب. ولو أن الديك الرومي تمسّك بالمعرفة التاريخية عن الإنسان والأعياد وموقعه هو من عالم البشر، لما اغتر بالمعلومات الخاطئة المُستقاة من رعايته اليومية واستعد ليومه الموعود. تشيع العديد من القناعات اليوم في الفضاء العام السوري، آخذة طريقها نحو تشكيل أطر مفخخة للفهم في مجال السياسة، قناعات مثل أننا دخلنا مرحلة بناء الدولة بما يتطلبه الأمر من وعد بالاستقرار والرفاه، وأن الالتزام بهذا التوجه من شأنه أن يطمئن الإقليم ومن خلفه العالم إلى التجربة الجديدة فيقومون بدعمها، وكأن العالم يكافئ أصحاب النيات الجيدة ويعاقب أصحاب النيات السيئة، وليس قائما على تدافع خشن وعنيف يهدف إلى تجريد أي تجربة في منطقتنا من ممكنات قوتها، إما بتنفيسها تدريجيا ثم جزّها، وإما بالقضاء عليها قبل أن تكتمل. ويُخشى أن استقرار المفاهيم الوردية على التصور السياسي يُفوّت القدرة على التحليل الثابت لطبيعة النظام العالمي والإقليمي العربي (مثلما حدث مع الديك الرومي)، ويفوت قراءة المعلومات الكثيرة التي تتوارد من مشروع إسرائيل الكبرى الذاهب إلى إخضاع التجربة وتقسيمها بوصفها مجالا لنفوذه الإقليمي، خصوصا بعد تراجع إيران. فنحن نتكلم عن ثلاث قوى إقليمية: إيران وتركيا وإسرائيل، ولن تترك دولة فراغا لأخرى إلا بالصراع، وهذا يعني أن سوريا بطبيعة الحال ميدان لهذا الصراع حاضرا ومستقبلا. مجددا، تُوازن المعلومات بالتحليل ويُراجع التحليل بتراكم المعلومات، ويقتضي الحس السليم فحص المجالين باستمرار وطلب الهداية من الله. قد تستدرجنا المعلومات إلى الفخ، وقد تخدرنا، وقد تزيد من استرخائنا النفسي أمام الأخطار، ولهذا، فإن الاستناد إلى التحاليل والبنى والمعرفة التاريخية ضروري جداً لترتيب كل ما يحدث. ومع توارد الملاحظات الجديدة، فإن علينا باستمرار أن نفحص مفاهيمنا عن الواقع ومدى قدرتها التفسيرية، ثمّ ردّها إلى الأسس الثابتة في فهم طبائع الأمور والصراعات. الواقع متغير ولا يمكن القبض عليه في لحظة سكون، والتناقضات الداخلية في هذا الواقع مكون أساسي فيه. وبالطبع، تساعدنا المفاهيم، لكن ستخيب آمال أولئك الذين يضعون ثقتهم فيها بلا نهاية. يلعب الهوى دوراً خطيراً في كل هذا، تميل النفس إلى تفسير المعلومات وفقًا لرغبتها في سير الأمور، والنتائج التي تنفر من رؤيتها في الواقع تقلل معالجة المعلومات التي ترسخها. بطبيعة الحال، فإن التخلّص من الهوى أمر صعب، لكن فحصه باستمرار؛ أمانة وقوة وضرورة. ومن المهم بمكان، الفصل بين "التحليل السياسي" (وهو عملية موضوعية بطبيعتها) وبين "اتخاذ الموقف" (وهي عملية انحياز واع وإيماني)، لكنّ أحدهما لا يحل مكان الآخر، وبدافع الرغائب؛ كثيراً ما يصبح الموقف تحليلًا والتحليل موقفاً. يساعدنا التدربُ على طرح سؤال "ماذا لو؟" بدلاً من "هل؟"، والقيادات التي لا تعود للتفكير في السؤال الأول، تخاطر في مواقعها، أو أنها تسلمها مسبقا. فليس السؤال في سوريا اليوم "هل إسرائيل ستقبل بوجود التجربة الجديدة مستقرة وقوية بقربها؟"، بل السؤال الحقيقي: ماذا لو قررت "إسرائيل" مهاجمة سوريا قريباً؟ بقاء السؤال يقظا يتيح الإعداد الجاد، ويبقي النفس خارج مناطق الراحة القاتلة. يصف القرآن الكفار "بالعَمَه"، وهو عدم القدرة على رؤية الأمور على حقيقتها استناداً إلى البصيرة، وهو غيرُ العمى الخاص بتعطل جارحة العين. يخبرنا ابن فارس أن "العين والميم والهاء أصلٌ صحيح واحد يدل على حيرةٍ وقلة اهتداء". ولقد اقترن الفعل "يعمهون" بالطغيان في 5 آيات، وبالسكرة في آية، وبالتزيين في آية، مما يدل على فقدان التبصّر والتنبيه في "العمه". وهذا يعني أن التزكية وتخليص النفس من انحيازاتها؛ مسألة أساسية في رؤية الأمور على حجمها الحقيقي، وفي رؤية المخاطر قبل قدومها، وفي التصدي لطغيان النفس وثقتها الزائدة بنفسها ، خصوصاً بعد لحظة انتصار، وعند السُكر والنشوة التي قد تصيبنا تحت وطأة الفرح أو الفزع، وعند التزيين الذي يمارسه شياطين الإنس والجن.. ومن تغلّب على نفسه "عدوه الداخلي"، يوشك أن يظفر بعدوه الخارجي. __________ قبل الحرب، كانت مديرية الاستخبارات تحتكر تقييم المعلومات الاستخبارية في "إسرائيل". وكجزء من دروس الحرب، تم تفكيك مركزية التقييم، كما أُنشئت هيئات تقييم في "الموساد" (شعبة الاستخبارات) ووزارة الخارجية (دائرة البحوث السياسية). أنشأت مديرية استخبارات الجيش الإسرائيلي قسم الرقابة (المعروف أيضًا باسم "التقييم المحتمل")، ومهمته تقديم تفسيرات بديلة للتقييم المركزي، لإثارة التساؤلات حول افتراضاته الأساسية. رئيس القسم ضابط برتبة مقدم، ويرفع تقاريره مباشرةً إلى رئيس مديرية الاستخبارات، وليس إلى رئيس قسم الأبحاث. بالإضافة إلى ذلك، تقرر فصل شعبة الاستخبارات عن هيئة الاستخبارات، التي سيرأسها ضابط استخبارات رئيسي تابع لرئيس الاستخبارات العسكرية، واستبدالها بمنصب "مساعد رئيس الاستخبارات العسكرية". وكان الهدف من ذلك، تمكين رئيس الاستخبارات العسكرية من تكريس نفسه للبحث وتقييم المعلومات الاستخبارية والتحذير، وإزالة الأعباء الإدارية للشؤون اللوجستية والتنظيمية عنه.