logo
الملك…  أذكى من قرأ اللحظة وأدق من استثمرها

الملك…  أذكى من قرأ اللحظة وأدق من استثمرها

الرأيمنذ 5 أيام
لم يكن اختيار الملك عبدالله الثاني لتوقيت التحرك الدبلوماسي الأخير مجرّد استجابة ظرفية، بل قراءة استراتيجية محسوبة في توقيت بالغ الحساسية، حيث يعاد تعريف مراكز الثقل في النظام الدولي، وتُفتح مساحات التأثير لمن يمتلك الجرأة على الفعل السياسي لا على التعليق عليه.
فلقاء المستشار الألماني ورئيس الوزراء الكندي لم يكن انعكاسًا لنشاط دبلوماسي روتيني، بل تعبير دقيق عن رؤية أردنية تستبق التشكل النهائي لمواقف هذه الدول، إزاء ملفات الشرق الأوسط، خاصة وأن الرجلان تسلما قيادة بلادهما حديثا، الملك، الذي طالما أدرك أن النوافذ المؤثرة لا تظل مفتوحة طويلًا، قرر أن يطرقها حين تكون قابلة للتشكيل، قبل أن تُغلق على مواقف جامدة يصعب زحزحتها لاحقًا.
في برلين وأوتاوا، لم يكن جلالته يجسّ النبض، بل كان يُعيد برمجة الاصطفافات الناشئة، اللقاءات، وإن حملت طابعًا ثنائيًا، إلا أنها انطوت على هندسة سياسية تهدف إلى إعادة إدراج الاعتراف بالدولة الفلسطينية ضمن الضرورات السيادية للقانون الدولي، لا كخيار أخلاقي فقط، بل كشرط أساسي لأي شرعية أخلاقية للنظام العالمي ما بعد غزة.
ومع تساقط أوراق التوت عن فظائع المستوطنين في الضفة الغربية، لم يعد الصمت الأوروبي مقبولًا، باريس، التي اعتادت الغموض البنّاء، خرجت عن تحفظها التقليدي وأدانت ما يجري بوصفه 'أعمالًا إرهابية'، هذه القفزة في الخطاب الفرنسي، وإن ظهرت في ظاهرها كتحول داخلي، إلا أن خلفها ضغطًا أردنيًا ممنهجًا، وظّف أدواته بهدوء، لكنه لم يساوم على النبرة ولا على الأهداف.
تحول كهذا لا تصنعه الاجتماعات ولا المؤتمرات الصحفية، بل يُنجز في الكواليس، حين تمتلك الدولة خطابًا متماسكًا، وحضورًا ميدانيًا في المشهد، وقدرة على إحراج من يحاولون الوقوف على الحياد. لقد نجح الأردن في إعادة تموضعه كلاعب يُحدد النغمة، لا تابعًا يرددها.
في غزة، لم تعد عمان مجرّد قناة لمرور المساعدات، بل تحوّلت إلى بنية ارتكاز إقليمية – دولية معترف بها، تنسّق وتضغط وتوزّع، لكنها في الوقت ذاته تُعيد تعريف المعنى الحقيقي لـ'الدور'. فالضغط على إسرائيل لم يُمارس من وراء المنابر، بل عبر شبكة الإمداد الدولية التي صار الأردن جزءًا لا يُستغنى عنه فيها، بل لا يمكن تجاوز إرادته عند الحديث عن العمليات اللوجستية أو حتى خطوط الملاحة السياسية نحو غزة.
وفي الخلفية، كانت المكالمة الأخيرة بين جلالته والرئيس الأميركي دونالد ترامب، مخصصة بالكامل لغزة. لم تكن لفتة رمزية، بل تحركًا محسوبًا ضمن أدوات كبح التصعيد الإسرائلي بحق الجوعى في غزة ووضعه لمسات أخيرة لكي يصبح التهجير سياسة أمر واقع.
لم يُقدم الأردن على المجازفة، لكنه رفض الصمت كخيار دبلوماسي، وفرض كرتا سياديًا يذكّر كل الأطراف بأن هناك خطوطًا أردنية حمراء لا تُمس، ولا تُفاوض.
الملف السوري أيضًا لم يُترك للفراغ، في كل لقاء كان الملف في حقيبة الملك، ترسيخ موقف واضح: وحدة الأراضي السورية ليست بندًا تفاوضيًا، بل عنصر جوهري في معادلة الأمن الإقليمي، وأي تفكيك جغرافي سيُترجم حتمًا إلى فوضى أمنية عابرة للحدود.
وسط كل ذلك، لا يتحدث الأردن كثيرًا، لكنه حين يفعل، يعيد ضبط مفردات الخطاب الدولي، وفي لحظة إقليمية حافلة بالانهيارات، يمارس الملك دوره لا كمراقب لتداعيات المرحلة، بل كمهندس صامت يُحرك خطوط التماس دون أن يُعلن عن موقعه، ويفرض على اللاعبين الكبار الإصغاء إليه، لا تعاطفًا، بل اعترافًا بثباته.
هو ليس الأكثر صخبًا، لكنه الأوضح رسالة…ليس الأكثر حضورًا أمام الكاميرات، لكنه الأكثر تأثيرًا في غرف القرار.
وفي شرقٍ يشتعل على حواف الانهيار، يبقى الملك عبدالله الثاني أذكى من قرأ اللحظة، وأدق من استثمرها، وأقدر من ثبّت الأردن كفاعل إقليمي لا يمكن القفز فوقه.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

منتدى التواصل الحكومي يستضيف أمين عام الهيئة الخيرية الهاشمية غدا
منتدى التواصل الحكومي يستضيف أمين عام الهيئة الخيرية الهاشمية غدا

الرأي

timeمنذ 8 دقائق

  • الرأي

منتدى التواصل الحكومي يستضيف أمين عام الهيئة الخيرية الهاشمية غدا

يعقد أمين عام وزارة الاتصال الحكومي الدكتور زيد النوايسة وأمين عام الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية الدكتور حسين الشبلي لقاء مع ممثلي وسائل الإعلام بعنوان "الجهود الإغاثية والإنسانية للهيئة الخيرية" وذلك في تمام الساعة الواحدة ظهر يوم غد الثلاثاء في مبنى وزارة الاتصال الحكومي. ويتناول اللقاء عمل الهيئة ضمن الجهود الإغاثية الأردنية الى الأشقاء في قطاع غزة براً وجواً والمشاريع التي تقدمها الهيئة خارج الأردن وجهودها في دعم المبادرات الخيرية والتنموية داخل المملكة. ودعت وزارة الاتصال الحكومي، الصحفيين الراغبين بتغطية أحداث اللقاء الحضور قبل 15 دقيقة من موعد اللقاء، وإبراز الوثيقة اللازمة التي تثبت عمله لدى أي من وسائل الإعلام.

خارجية النواب: الاعتداءات على السفارات استهداف لمواقف الأردن الداعمة لفلسطين
خارجية النواب: الاعتداءات على السفارات استهداف لمواقف الأردن الداعمة لفلسطين

الرأي

timeمنذ 8 دقائق

  • الرأي

خارجية النواب: الاعتداءات على السفارات استهداف لمواقف الأردن الداعمة لفلسطين

أدانت لجنة الشؤون الخارجية النيابية، في بيان صحفي صادر اليوم الأحد، حملات التحريض المستمرة ضد الأردن، والاعتداءات التي طالت مقرات السفارات والبعثات الدبلوماسية الأردنية في الخارج. وأكدت رئيسة اللجنة، النائبة دينا البشير، الموقف الثابت والتاريخي للأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني وسمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، إلى جانب الأسرة الهاشمية والشعب الأردني، في دعم القضية الفلسطينية على المستويات كافة، لا سيما السياسية والإنسانية والإغاثية، تأكيدًا على التزام الأردن القومي والإنساني الراسخ تجاه فلسطين. وأشارت اللجنة إلى أن الاعتداءات وأعمال التخريب التي استهدفت البعثات الأردنية تمثل أفعالًا إجرامية خارجة عن القانون، وتهدف إلى الإساءة لمواقف الأردن المشرفة، كما شملت هذه الحملات افتراءات إعلامية خارجية مشبوهة تحاول التشويش على الدور الأردني الداعم للأشقاء في قطاع غزة، وتستهدف الجهود الإغاثية الأردنية والرسالة القومية التي يحملها الأردن. وثمّنت اللجنة الإجراءات الفورية التي اتخذتها وزارة الخارجية وشؤون المغتربين بالتعاون مع الدول التي وقعت فيها تلك الاعتداءات، بهدف كشف هوية المتورطين ومن يقف وراءهم، ومحاسبتهم على انتهاكهم للحصانة الدبلوماسية وتهديدهم لأمن السفارات، وذلك وفقًا للقوانين والمواثيق الدولية. وشدّدت اللجنة على أهمية احترام قواعد القانون الدولي، وبخاصة اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، التي تكفل حماية وأمن البعثات الدبلوماسية في مختلف أنحاء العالم.

الاحتلال يهدم ويخطر بهدم منازل ومنشآت في مناطق عدة بالقدس المحتلة
الاحتلال يهدم ويخطر بهدم منازل ومنشآت في مناطق عدة بالقدس المحتلة

الرأي

timeمنذ 8 دقائق

  • الرأي

الاحتلال يهدم ويخطر بهدم منازل ومنشآت في مناطق عدة بالقدس المحتلة

هدمت جرافات الاحتلال الإسرائيلي، صباح اليوم الاثنين، منازل ومنشآت في بلدة رافات، شمال غرب القدس المحتلة. وأفادت محافظة القدس في بيان، بأن قوات الاحتلال شنت حملة هدم واسعة في البلدة، طالت عددا من المنازل والمنشآت التجارية، كما أصدرت أوامر هدم لمنشآت في بلدة العيسوية شمال شرق القدس. وأفادت محافظة القدس، بأن طواقم من بلدية الاحتلال اقتحمت البلدة وقامت بتصوير عدد من المباني، وسلمت أصحابها أوامر هدم. وأصدرت بلدية الاحتلال الإسرائيلي اليوم، قرارا بهدم منزل مواطن مقدسي، في سلوان جنوب المسجد الأقصى المبارك بالقدس المحتلة. وأفادت المحافظة، بأن بلدية الاحتلال أصدرت قرارا بهدم منزل المواطن محمد عمر سمرين في بلدة سلوان، بعد أن سلمته أمر هدم قبل أسبوع بمهلة 21 يوما لتنفيذه. وأضافت أن المنزل مكون من غرفتين وكان قد تم تغريمه بمبلغ 24 ألف شيقل، رغم محاولات استمرت سنوات لاستصدار رخصة بناء. وأوضحت أن قوات الاحتلال اقتحمت بلدة العيزرية شرق القدس المحتلة، وسلمت عدة منشآت ومحلات تجارية إخطارات بالهدم.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store