
قاسم: هل تتصورون أننا سنبقى ساكتين إلى أبد الآبدين؟
ألقى الأمين العام ل"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم كلمة في الليلة الثالثة من شهر محرم، جاء فيها:
"مع عاشوراء نتزود لِحياتنا من أجل أن نعيشها سعيدة، مستقيمة، عظيمة، صالحة، طيبة. في الليلة الماضية أسسنا لأسس عقائدية أساسية لها علاقة بالمنهج، واعتبرنا أن المنهج هو دين الله تعالى، هو الإسلام، يُطبقه محمد وآل محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ونحن علينا أن نقتدي بهم. اليوم نتحدث عن عاشوراء، السلوك والموقف الذي ينسجم مع المنهج، مع الأصالة، مع الاستقامة.عاشوراء هي الموقف المنعطف، لماذا؟ لأن لحظة كربلاء هي لحظة قتال، لكن ليست كل حياة الإنسان قتال، حياة الإنسان تربية، حياة الإنسان أخلاق، حياة الإنسان علاقات اجتماعية، بناء مجتمع صالح، لكن توجد محطات معينة، في هذه المحطات لا بد أن يكون هناك جهاد، ولا بد أن يكون هناك قتال. لذا اعتبرت أن عاشوراء هي الموقف المنعطف كنتيجة طبيعية لكل هذا السلوك الإسلامي المرتبط بالمنهج الذي آمنا به من عند الله تعالى. هذا السلوك وهذا الموقف المنعطف يوصلنا إلى إحدى الحُسنيين، يعني النتيجة الطبيعية لهذا السلوك، أي القتال في سبيل الله تعالى، يُوصل إلى إحدى الحُسنيين: النصر أو الشهادة، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ﴾، يعني لدينا الأمرين، ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾، يعني إما أن يُقتل الإنسان فيُستشهد في سبيل الله تعالى، وإما أن ينتصر الإنسان، وبالتالي يكون هناك انعكاس مادي لهذا النصر. التفسير الجميل الرائع الذي قاله سيد شهداء الأمة، السيد حسن نصر الله رضوان الله تعالى عليه عن الحُسنيين، قال: "عندما ننتصر ننتصر، وعندما نستشهد ننتصر"، يعني لا توجد لدينا خسارة، لأن العبرة أين؟ العبرة أنك هل بقيت ثابتاً على موقفك، أو أنك تزعزعت وغيّرت هذا الموقف؟ إذا بقيت ثابتاً على موقفك، هذا يعني أنك ربحت، سواء كان الربح من خلال الانتصار المادي المباشر، أو كان الربح من خلال الشهادة التي تُعبّر أيضاً عن ربح. نحن نُريد من خلال سيرة الإمام الحسين عليه السلام، ومن خلال التزامنا بالإسلام، نُريد أن نعيش في هذه الدنيا حياةً عزيزة، ليس مطلوباً أن تكون الدنيا حياة عادية، لا، مطلوب أن تكون الدنيا حياة عزيزة، حياة فيها معنويات، حياة يشعر الإنسان فيها أنه محترم، أن له دور، أنه يقوم بخلافة الله تعالى على الأرض، أنه يتصرف بحريةٍ كاملة في إطار الطيبات، وفي إطار الأعمال الصالحة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. إذًا نحن نُريد حياة عزيزة، هذه يجب أن نبدأ منها، لا يصح أن تقول: "أيّ حياة أقبل بها، المهم أن أبقى على قيد الحياة"، يا أخي، البقاء على قيد الحياة ليس بيد الناس، البقاء على قيد الحياة بيد الله تعالى، ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾، الذي هو بيدك أن تبقى على قيد الحياة عزيزاً، أو أن تقبل بأن تكون ذليلاً. علّمنا الإمام الحسين أن نعيش الحياة عزيزة، عزيزة برؤوسٍ مرفوعة، ولذا عندما وصل الإمام الحسين عليه السلام إلى "ذي حُسَم"، وتحدث بالقوم، قال: "ألا ترون أن الحق لا يُعمل به، وأن الباطل لا يُتناهى عنه؟، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً، فإني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برماً". ما تقييم الإمام الحسين عليه السلام للموت فيما لو جاءه الأجل؟ سعادة. لماذا سعادة؟ لأنه لحظة الانتقال إلى الآخرة، لحظة الموت، كانت في الموقف الأنبل، الموقف الأعز، الموقف الذي يقف مع الحق. ما قيمتك أنت كإنسان إذا لم تقف مع الحق؟ هل مطلوب من الإنسان أن يكون فقط يأكل ويشرب ويؤمن بعض المتطلبات العادية في الحياة الدنيا، حتى ولو كان ذليلاً؟ لا، "إني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برماً"، كما قال أمير المؤمنين: "الموت في حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين". انظر إلى التعبير والاتجاه الذي يُرسم. نحن نريد حياة عزيزة، ولا نقبل أن نكون في حياة ذليلة.".
وتابع: "هذا الموقف البطولي الرائع الذي ينسجم مع الحق، رأيناه أيضاً على لسان السيدة زينب سلام الله تعالى عليها، قالت ليزيد: "فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يُرحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فَنَد؟ وأيامك إلا عدد؟ وجمعك إلا بَدَد؟ يوم يُنادي المنادي: ألا لعنة الله على الظالمين". هذا موقف عظيم للسيدة زينب عليها السلام، تعرفون ماذا يُشير؟ يُشير إلى أن الموقف الحسيني هو موقف يشمل الأمة جميعاً، يشمل الرجل والمرأة. من قال إن البطولة، الشجاعة، الوقفة مع الحق، هي مختصة بالشباب، بالرجال؟ لا، أيضاً النساء، أيضاً الشباب، أيضاً الأطفال، كلهم يجب أن يعيشوا هذه الفكرة. السيدة زينب سلام الله تعالى عليها أكملت المسار الحسيني بالموقف نفسه، لأنها طبعاً حين وقفت هذا الموقف كان من الممكن أن يقتلها يزيد، كان من الممكن أن يفعل أشياء كثيرة، وهي على كل حال من السبايا التي سُبيت، يعني تعذبت وتحملت وضحت، وكانوا يحاولون إرغامها على أن تغيّر، أن تبدّل، أو بحسب كلامهم أن تتعظ مما حصل، وكانت النتيجة أنها هي من كانت تعظهم وتقول لهم الذي حصل: "ما رأيت إلا جميلاً". لكن هناك شهادة، نعم: "ما رأيت إلا جميلاً". لماذا جميل؟ لأنها صمدت على الحق، ولأن الشهادة التي حصلت كانت على أساس الحق. هذا هو المقياس الذي نُريد أن نعود إليه دائماً، لا تسألني هل هذا يُبقينا على قيد الحياة أم لا؟ يا أخي الحياة بيد الله عز وجل. السؤال المركزي، أنت مع الحق أم لا؟ أنت تُقاتل من أجل الحق أم لا؟ أنت تقبل أن تكون ذليلاً أم لا؟ الحسين سلام الله تعالى عليه علّمنا أن نكون مع الحق مهما كانت النتائج ومهما كانت التضحيات. هذه العِزّة يجب أن يطلبها المؤمن، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين. لا تقبل حياة الذل، لا تقبل أن يستعبدك الآخرون، لا تقبل بأن تكون خادمًا لمشاريع الانحراف ومشاريع الباطل. هنا نفهم معنى "ما تركتك يا حسين". سماحة السيد رضي الله عنه كان دائمًا، عندما كُنا في بعض الجلسات ونتحدث عن هذا الشعار، خاصةً عندما تقترب عاشوراء، كنت أشعر بأنه عاشق لهذا الشعار، يُحبه كثيرًا، لأن "ما تركتك يا حسين" هو حالة تفاعلية، عاطفية، شعورية، تجعل الإنسان يذوب في الحسين سلام الله تعالى عليه، وينسى أن له جسدًا، وينسى أنه موجودٌ على الأرض، يُحلق المؤمن بهذا الشعار في علوٍ وسموٍ وقوةٍ وقدرة. "ما تركتك يا حسين" هذا هو موقفنا، "ما تركتك يا حسين" عزيزًا كريمًا تكون مع الحق. إذًا، عاشوراء هي من أجل الحياة العزيزة في مواجهة التسلط والإرغام والاحتلال والاستكبار. عاشوراء هي في مواجهة كل هذا الانحراف. يا أخي، دعونا نعيش حياتنا، لا يتركوننا، لماذا؟ هل نحن من نتحرّش بهم؟ بل هم من يتحرّشون بنا، الكفر يتحرّش بالإيمان، المتسلطون، الظالمون، هم الذين يظلمون. المشكلة ليست فيما نُبادر به، المشكلة أنهم هم يبادرون دائمًا إلى الضغط، إلى القهر، إلى الإرغام. ماذا نفعل في مقابل هذا الموقف؟ لا بدّ أن نقف، أن نقول لا. إذًا، نتعلّم من الحسين سلام الله تعالى عليه إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة. أنا هنا أريد أن أُلفت إلى تفسير ممكن أن يكون مُعالجاً لبعض النظرات التي ينظر بها أولئك الذين يشعرون أنهم قد لا يكونون منتصرين. انظروا، النصر هو نصر للفرد ونصر للجماعة. يعني، مرة الفرد وحده، لأن موقفه صحيح، ينتصر، مرة الجماعة تنتصر. كيف ينتصر الفرد؟ الفرد ينتصر إذا انتصر، وينتصر إذا استشهد. لماذا؟ لأنه بشهادته نال ما تمنى، في موقف لم يتزعزع عنه، منتقلًا من الحياة إلى الآخرة بشهادة عظيمة. فإذا الفرد انتصر، فكيف تنتصر الجماعة؟ الجماعة تنتصر عندما تُحقق انتصارًا ميدانيًا، لكن أحيانًا تكون هناك مشاكل أو تكون عقبات أو يكون العدو مُتماهيًا في القوة، لا يكون هناك توازن، لا يمكن أن يحصل نصر الجماعة في كل معركة، في كل موقف، في كل حالة. إذًا، كيف نقول إن الجماعة انتصرت؟ نقول إنها انتصرت إذا استمرت، إذا بقيت، إذا حافظت على منهجها. ولذلك، فهمُنا للنصر على المستوى الإسلامي غير فهم الآخرين للنصر. هناك نصر مادي، نعم، ولكن أيضًا هناك نصر معنوي. النصر المعنوي هو أن نُلملم جراحاتنا، أن نتمكن من الاستمرار، أن يكون هناك من يسير على العهد. نحن عندما أطلقنا شعار "إنّا على العهد" لسيدنا وحبيبنا ومقدسنا السيد حسن رضوان الله تعالى عليه، والسيد الهاشمي، وكل الشهداء الأبرار، أطلقنا هذا العهد لماذا؟ لنستمر، لنبقى، لنكون من بعدهم نعمل كما يعملون، ونقف كما يقفون، ونستعيد الحسين إلى حياتنا كما استعادوه، ونعيش حياة العز بكل قدرة وبكل طاقة، دون أن نخشى في الله لومة لائم. فإذًا، نحن عندما نقول إننا دائمًا منتصرون، هل هذا يُعجب الآخرين أم لا؟ هم يحلّلون، أين انتصرتم؟ أين لم تنتصروا؟ يا أخي، استمرارنا انتصار، استمرار الشعار انتصار. هذا الإمام الحسين سلام الله تعالى عليه استشهد منذ أكثر من 1350 سنة، ماذا كانت النتيجة؟ إلى الآن الحسين حي، إلى الآن الحسين يُعلّم ويُربي، إلى الآن عاشوراء حاضرة، إلى الآن زينب قدوة لكل النساء، إلى الآن الصرخة من خلال الدماء ومن خلال الكلمات تُعبّئ وتُربّي وتُخرج الأجيال التي تعيش حالة العزّة. إذًا، هل كانت الشهادة موتًا وانتهاءً؟ لا، كانت الشهادة نصرًا، لكن هذا النصر ممتد في الأجيال، بالاستمرارية التي حصلت. أنا اليوم أريد أن أجيب عن سؤال، وهذا السؤال يُطرح دائمًا من البعض، إذا كنا نحن متدينين ومرتبطين بالله عز وجل، ودائمًا ربّ العالمين يقول: "وكان حقًا علينا نصر المؤمنين"، حسنًا، هل ينصرنا الله تعالى دائمًا؟ أم أن هناك مرات ينصرنا، ومرات لا ينصرنا؟ حسنًا، إذا لم ينصرنا دائمًا، فهل هناك مشكلة معينة موجودة حتى لم ينصرنا؟ أم يجب أن ينصرنا دائمًا لأننا متدينون، بصرف النظر عن العقبات والمشاكل الموجودة في حياتنا؟ هنا أُريد أن أُفصّل قليلًا في هذا الموضوع، لأنه حساس وأساسي. الله عز وجل وضع السنن الإلهية في هذه الحياة، هذه السنن الإلهية هي عبارة عن قواعد، عن أنظمة موجودة. أي الذي يحمل السيف ويقتل ويجرح، لكن إذا أحد لم يحمل السيف و"تكتّف"، لا يمكن أن يَجرح. إذا قاتل أحد في معركة، فممكن في هذه المعركة أن يربح، إذا كان العدد ملائمًا، إذا كانت الاستعدادات ملائمة، إذا كان التدريب موجودًا بشكل كافٍ، أما إذا كان هناك نقص معين في التدريب أو في الإمكانات، قد لا ينجح في قلب المعركة. هذه سنن إلهية، أي الإنسان يجب أن يكون قد أعدّ العدّة اللازمة حتى يتمكن من النجاح. أحيانًا لا يتمكن من إعداد العدّة اللازمة، أحيانًا تكون العدّة عند العدو أكبر بكثير من العدّة التي لديه، إمكانات العدو أكبر من إمكاناته بكثير، ممكن عندها أن ينتصر العدو على المؤمنين ماديًا، نعم. بحسب السنة الإلهية إذا كانت لديك إمكانات وهو لديه إمكانات أكبر، فهو سينتصر بالإمكانات الأكبر الموجودة لديه، لأنه هو أعدّ العدّة، وأنت لم تستطع، لا أقول إنك قصّرت، بل أقول إنك لم تستطع، وبالتالي يجب أن نتحمّل بأن يكون هذا طبيعيًا. الله عز وجل أول نقطة يعاملنا وفق السنن الإلهية الموجودة. إذا أردت أن تنجح في الامتحان، فعليك أن تدرس، ليس كما يفعل البعض عندما يقول: "والله دعونا الله كثيرًا ليلة الامتحان، لكن في اليوم التالي فشلنا"، لقد فشلت لأنك لم تدرس. لا يمكنك أن تنجح دون أن تُعدّ المقدمات، افعل ما عليك والباقي على الله عز وجل، أعدّ العدّة، والباقي على الله عز وجل. لذلك، ماذا يقول الله عز وجل؟ يقول: " وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ"، ماذا يحصل؟ " تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ"، يعني أنتم أعدوا ما عليكم، اعملوا ما عليكم، تكونوا قد عملتم المقدمات الصحيحة، تأكدوا في النهاية أنكم سترهبونهم، الآن ترهبونهم في هذه المرحلة، في مرحلة ثانية تكون العُدّة كافية، فالله عز وجل أيضاً يُسدّد ويُعين حتى ينجح الإنسان، لا، هذا الموضوع مؤجل لأن العُدّة غير كافية، هذه أمور غيبية لا نعرفها. فإذَا علينا أن نؤمن بأن السُّنن الإلهية هي التي تعمل، لكن الفرق أين؟ أن المؤمن مدعومٌ من الله تعالى قطعاً، كيف؟ كما يقول: " إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ". طيب إذا نتحدث عن السُّنن الإلهية، من المفترض أن يكون واحد مقابل واحد، وإذا كانوا اثنين يغلبون واحد؟ قال: لا، أنت بإيمانك، بقناعاتك، بارتباطك بمحمد وآل محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، بحفاظك على دماء الشهداء، بإعارة جمجمتك لله، قال: الواحد بعشرة، "إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ"، معناها عشر أضعاف. من أين جاءت تسعة أضعاف؟ هل جاءت من البنية الجسدية؟ لا، بل جاءت من البنية المعنوية، جاءت من الدعم الإلهي، جاءت من التسديد الإلهي الذي لا نعرف كيف يأتي، وكيف يحصل، وكيف يتم. أنا أقول لكم، الشباب الذين كانوا موجودين على الحافة الأمامية يقاتلون في معركة "أولي البأس"، إذا تعرف عددهم كم مع خمس فرق إسرائيلية فيها سبعين ألف جندي، تقول: معقول هذا العدد القليل الذي هو عبارة عن مئات يستطيع أن يصمد أمام خمسة وسبعين ألفاً معهم كل الإمكانات وكل القدرات؟ أنا أقول لكم لماذا: لأنهم أعدّوا العدّة وأعاروا جماجمهم لله تعالى، فكانت النتيجة أن الله تعالى سدّدهم. تقول لي: كيف سدّدهم؟ أنا لا أعرف، الله له طرقه في التسديد، يرسل ملائكة، يعطي معنويات كبيرة، يجعل معنويات العدو منهارة، يُدخل عوامل إضافية نحن لا نعلمها، الله يعلمها، ليس لنا علاقة بكيفية دعم الله تعالى، لكننا مطمئنون أن الله معنا، وأن الله ينصرنا، وأن نصرنا في كل مرحلةٍ هو نصر إلهي، لأن السنن الإلهية من عنده، والدعم من عنده. إذا افترضنا في مرحلة من المراحل كُنا نتوقع نصراً بشكل معين ولم نحصل عليه، فلننظر إلى السبب، يمكن أن يكون السبب نقص في إمكاناتنا، يمكن أن يكون السبب قوة غير متكافئة بشكل كبير جداً، يمكن أن يكون مطلوباً أن نعمل شيئاً إضافياً، نُعيد حساباتنا في بعض الأمور، هذا أمر طبيعي. وعندما ننتصر بشكل مباشر حتى على المستوى المادي، هذا يعني أن كل شيء نحن قد أَمَّناه بشكل طبيعي، والله عز وجل أعطانا الإضافات الكثيرة التي لا يمكن أن نُحققها إلا بدعم من الله. ماذا قال الله لأهل بدر؟ " وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ"، يعني أنتم ضعفاء، لا تقدرون بإمكاناتكم وحدها، ثلاثمئة وثلاثة عشر مقابل تسعمئة وخمسين مع أسلحة وإمكانات، يعني كان واحد مقابل ثلاثة، مع عدم التكافؤ في الإمكانات، لا ندري كم هو الفرق، لكن عندما يقول: "إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ"، يعني 313 قبل أن يبدأوا صاروا 3130 من حيث القوة المادية المباشرة، الآن أنزل الله ملائكة ودعم وأعطى، هذه أمور أخرى، لكن في النهاية نصرهم الله تعالى لأنهم قدموا ما عندهم، وكان النصر حليفاً لهم. نحن دائماً نقول إن أي نصر يحصل معنا هو نصر إلهي، لماذا؟ لأن السُّنة إلهية، ولأننا حقيقةً نشعر أن هناك إضافات تحصل للمؤمنين لا يمكن أن تحصل لغير المؤمنين، ولا يشعرون بها.كُنت أقرأ بعض التقارير القديمة عن فترة انسحاب إسرائيل سنة 2000، انتصار 2000. سألوا بعض الجنود الإسرائيليين: كيف كانت تكون المعارك؟ قالوا: يا أخي، مرات كنا نشعر أن هناك أناساً راكبين على خيل ويركضون وراءنا ويلاحقوننا. من أين ظهر هذا الخيل؟ لا أعرف. هل هو متوهّم؟ هل ظهر له الخيل فعلاً؟ هل الله عز وجل أرسلهم؟ لا علاقة لنا بذلك، هذا جزء من النصر الإلهي، لا تدخلوا في هذه التفاصيل. المهم أن نقتنع بأننا منصورون من الله تعالى، والله عز وجل لا بد أن ينصر المؤمنين، "وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ". أما الابتلاءات التي تُصيبنا في هذه الدنيا، هي الحياة الدنيا كلها ابتلاءات؟ يعني أنت تريد أن تربح وتنجح بدون اختبار؟ بدون امتحان؟ هذه امتحانات، اختبارات. نُبتلى في مكان، ننجح في مكان، نمرض في مكان، نتأذى في مكان، نُشفى في مكان، نرتفع في مكان، وهكذا. هذه كلها ابتلاءات في الحياة الدنيا، إلى درجة أن الله تعالى قال للمؤمنين: " أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ". أي لا تخف، في النهاية أنت منصور، لأن طريقتك صحيحة، مسارك صحيح، إمكاناتك التي تعمل بها صحيحة، عليك أن تصبر. في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسراً". عليك أن تطيل بالك، ليست الأمور دائماً تحصل بالتوقيت الذي تراه مناسباً، التوقيت دعه لرب العالمين، أنت اعمل ما عليك، المهم أن تؤدي تكليفك. من هنا، عندما نَنظر إلى نهضة الإمام الحسين وما فعله في كربلاء، ماذا نستنتج؟ نستنتج أن الإمام الحسين حقق الموقف، وقام بكل المتطلبات من أجل الذهاب إلى كربلاء، يعني من المدينة المنورة قال: "إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله"، ولم يَقبل أن يعطي البيعة. فإذاً هذا الموقف على المستوى الشخصي، ذهب إلى مكة المكرمة، فجاءته الكتب تقول: إننا حاضرون لنكون معك. فإذاً صار مكلفًا أن يقود الجماعة، لأن الجماعة حاضرة لتخوض غمار الحرب أو تخوض غمار الثورة والانقلاب والمواجهة للحاكم. اتجه إلى كربلاء على قاعدة أنه يريد أن ينصر الجماعة الذين أعدّوا العدّة وقالوا: نحن حاضرون. اشتغل بسعي بشكل طبيعي، وعمل كل الإجراءات اللازمة. هناك أمر لا يلتفت إليه البعض أثناء الاطلاع على السيرة، عندما وصل الإمام الحسين إلى كربلاء، ماذا حصل؟ بعد أن أنهى صلاة العصر، اتجه إلى القوم وخطب فيهم، وقال لهم في نهاية الكلمة: "فَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا الْكَرَاهِيَةَ لَنَا وَالْجَهْلَ بِحَقِّنَا، وَكَانَ رَأْيُكُمُ الْآنَ غَيْرَ مَا أَتَتْنِي بِهِ كُتُبُكُمْ وَقَدِمَتْ عَلَيَّ بِهِ رُسُلُكُمْ انْصَرَفْتُ عَنْكُمْ...". قال: إذا لا تريدونني، فأنا أرجع. لمن قال ذلك؟ للحر الرياحي والجماعة الذين معه، الذين جعجعوا به. قال لهم: إذا لا تريدونني، أنا أرجع. لماذا؟ لأن الإمام الحسين عليه السلام أدرك أن الجماعة الذين بعثوا الكتب لم يعودوا يريدون القتال، فإذًا ارتفعت عنه مسؤولية أن يقاتل مع الجماعة. قال لهم: إذا لا تريدونني، أنا أرجع. ماذا قال له الحر؟ قال له: لا، أنا هذه الكتب لم أسمع بها، وأنا مأمور بأن آتي لأوقفك في هذا المكان، ولا أملك معلومات أخرى. عندما رأى الإمام الحسين أنه لا يسمح له بالمغادرة، قال لجماعته: "الموت أدنى من ذلك". يعني أنني لا أستطيع أن أُوافق معه على أن أُسلَّم، لأن هذا الرجل مأمور بأن يُجعجع على قاعدة أنه في النهاية يريد أن يأخذ موقفًا حتى يُبايع الإمام الحسين سلام الله تعالى عليه. الإمام الحسين لم يُبايع. إذاً بذل الإمام كل الجهود حتى لا يصل إلى المعركة، لأنه في هذه اللحظة وجد أن القوم قد تراجعوا. حسنًا، موقفه موقف ثابت بأنه لا يُبايع يزيد، إذا تعرّض له يزيد بشكل مباشر سيواجه، وإذا تعرّض له الجماعة سيواجه. فإذًا، هو ذهب إلى كربلاء مقاتلًا، مدافعًا، مواجهًا، من أجل إعلاء الحق، ومن أجل عدم إعطاء الموقف الذليل لهذا الإنسان الطاغية. هنا لفتني كلام للإمام الخميني، لأن كثيرًا من الناس يناقشون هل ذهب الإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء ليستشهد؟ هذا ليس هو الهدف، الهدف عند الإمام الحسين كان مختلفًا. ما هو الهدف؟ الإمام الخميني يقول لم يكن يريد الإمام الحسين عليه السلام أن يجرّب ويجازف في تحركه ليعلم هل ينجح أم لا، أي هو ذهب وهو يعلم أن هناك من أرسل له كتبًا، ويريد أن يذهب كي يُلبّيهم، لم يذهب على أساس أنه ينجح أو لا، لا، بل إنه كان قد تحرك ليتسلم زمام الحكومة، وهذا مبعث فخرٍ له ومدعاة افتخار. والذين يتصورون أن سيد الشهداء لم ينهض لأخذ زمام الحكم، مخطئون. فسيد الشهداء إنما جاء وخرج مع صحبه لتسلُّم الحكم، لأن الحكومة يجب أن تكون لأمثال سيد الشهداء وأمثال شيعته".
وقال: "إذًا هدف الإمام الحسين ليس أن يذهب ليستشهد، كلا، بل إن هدف الإمام الحسين هو تحقيق الإصلاح في الأمة لِتلبية نداء الجماعة الذين قالوا نحن حاضرون لنكون في قيادتك حتى تُحدث التغيير المناسب. من هنا، عندما يُركّز إخواننا دائمًا على أن "أنا حاضر أن أُستشهد"، البعض يقول: "ما بالكم تحبون الموت؟ يعني ذاهبون للموت؟" لا يا أخي، لا، هذا الاستشهادي هو شخصٌ لا يهاب الموت، بل يتمناه، لكن عزيزًا في الموقف، أو أن يعيش حياةً عزيزة، لذلك مثلًا الشباب الذين يخرجون ليقاوموا ويعملوا مباشرة في المواجهة، لماذا يقاومون كل هذه الفترة؟ حسنًا، إذا أراد أحدهم فقط أن يُستشهد في سبيل الله تعالى، فهناك فرصة ليُقتل. لا، لا، هو يقاتل حتى يبقى على قيد الحياة عزيزًا، فإن جاء أجله، جاء أجله وهو في حالة استشهاد، وهذه هي العزة الحقيقية التي يريدها.".
واردف: "نتحدث اليوم عن واقعنا السياسي، وعما قام به حزب الله خلال هذه الفترة، منذ 8 تشرين الأول سنة 2023، قام حزب الله بمساندة أهل غزة وأهل فلسطين الذين أطلقوا طوفان الأقصى لِيحرروا أرضهم ويحرروا أسراهم. المساندة التي قدّمها حزب الله كانت مساندة واجبة وضرورية، لأنها أولًا منسجمة مع تربيتنا وقناعتنا أن نكون مع الحق وأنصار الحق، ونُواجه عدوًا واحدًا هو الكيان الإسرائيلي، وهذا الكيان الإسرائيلي يُريد أن يضرب المقاومة ويُنهي حضورها ووجودها. فإذًا لا بد أن نتكاتف ونتآلف ونقوم بما نستطيع من أجل درء هذا الخطر. قُمنا بعملية المساندة التي هي واجب أخلاقي وسياسي ومبدئي، ومع الحق. وأيضًا في الوقت نفسه، لدينا عدو مشترك، واقتداءً بتعاليم سيد شهداء الأمة، الذي وقف مُعبّرًا بشكلٍ واضح عن رؤيته ورؤية الحزب تجاه فلسطين. فلسطين لن ندعمها بالكلام، بل ندعمها بالعمل، وإذا استطعنا أن نقدم شيئًا، لا بد أن نقدمه، فكانت المساندة. لكن الذي حصل هو أن إسرائيل التي كانت تخطط سابقًا لحرب على حزب الله، وجدت أن هذا التوقيت، توقيت أيلول سنة 2024، هو توقيت مناسب لِبداية حرب على حزب الله، تبدأها بقتل القيادة في صفوفها الأولى والثانية، وعلى رأسهم سيد شهداء الأمة السيد حسن (رضوان الله تعالى عليه)، والسيد الهاشمي (رضوان الله تعالى عليه)، وكذلك تقوم بضربة من خلال البايجر لآلاف من الشباب، فَتُخرجهم من المعركة، وأيضًا تضرب القدرات، فتُبطل القدرة الموجودة، وتكون قد حققت ثلاث غايات معًا: أولًا، قتلت منظومة القيادة والسيطرة. ثانيًا، آذت وجرحت وقتلت عددًا بالآلاف من المجاهدين المقاومين. ثالثًا، ضَربت القدرة، وبالتالي ستكون النتيجة الطبيعية من الأيام الأولى إنهاء حزب الله وإنهاء مقاومته بشكل كامل. هذه هي الفكرة، وهذا هو المشروع. وعلى كل حال، الذي يرى التحليلات بعد "أُولي البأس" يستطيع أن يرى ما الذي يقوله الإسرائيلي، وكيف كان المشروع الذي كان يسير فيه. عطاءات الشهداء أعطتنا زخمًا ومعنويات، عطاءات الجرحى جعلتنا نعيش حالةً من المسؤولية أكبر، التفاف الناس وقوة الصمود وتحمل النزوح كان عنوانًا من عناوين القوة والمعنويات. ولِأقولها لكم من آخرها، لماذا صمد هذا الحزب؟ لماذا رفع رأسه من جديد؟ لماذا وقف مجددًا؟ لأن سيد شهداء الأمة (قدّس الله روحه) أمضى عشرات السنين مع إخوانه وأحبّائه يبنون، وهذا البناء وصل إلى درجة عظيمة من القوة والسعة والإمكانات والإعداد، ما يجعل هذه التضحيات التي قُدمت على عظمتها، لا تمنع من الاستمرارية، في حال انطلق الإخوة مجددًا ولم يستسلموا للواقع القائم. والحمد لله، هذا ما حصل. سارعت الشورى إلى انتخاب أمين عام جديد، وتمّ ملء مجموعة القيادة والسيطرة بِنوّابهم أو بأفراد آخرين، واستعادت منظومة العمل الجهادي قدرتها وقوتها، وصمد الشباب في المحاور الأمامية بشكل منقطع النظير. لذلك، عملية "أُولي البأس" استمرت 64 يومًا، وطلب الإسرائيلي أن تتوقف على قاعدة الصمود والقدرة والمواجهة والاستمرارية. عندما كُنّا نقول الحمد لله نصرنا الله، نصرنا بالاستمرارية، نصرنا باستعادة المبادرة، لا بالنصر المادي المطلق الذي يكون ميدانيًا على الأرض. ليس معنا نصر مادي مطلق، صحيح، لكننا استطعنا أن ننهض مجددًا، وأن نُعطي التعبير القوي في أننا بقينا حتى اللحظة، لحظة وقف إطلاق النار، صامدين، ثابتين، نضرب العدو ضربات مؤلمة ونُؤذيه ونُوجعه. والحمد لله، بعد ذلك، ظهر من خلال التشييع الاستراتيجي أن هذه الجماهير مُلتحمة، مُتراصة، مستمرة. ومن خلال انتخابات البلدية أيضًا، تبين أننا مجموعة مترابطة، حركة أمل، حزب الله، كل هذا المكون مع كل الحلفاء قوة حقيقية متماسكة. إضافة إلى المشهد التاريخي حيث خرج الناس إلى القرى الأمامية وتصدّوا بِصدورهم للاحتلال الإسرائيلي لِيعودوا إلى قراهم. هذه علامات قوة، علامات انتصار، علامات استمرارية بِحمد الله تعالى، بِبركة التضحيات استطعنا أن نصل إلى هذه النتيجة، لأنه أيضاً كان يومذاك الاستمرار عبثًا، قَتل وقَتل مضاد، لكن من دون فائدة. فإذًا، وصلنا إلى الاتفاق الذي عقدته الدولة اللبنانية مع الكيان الإسرائيلي بِطريقة غير مباشرة ووافقنا عليه. هذا الاتفاق هو مرحلة جديدة. يعني أنا أُحب أن أقول لِهؤلاء الذين يتفلسفون دائمًا ويقولون لنا: أنتم تحرّشتم بإسرائيل! يا أخي، تحرّشنا بإسرائيل، وفعلنا شيئًا لم يعجبكم، وصلنا إلى الاتفاق، هذا الاتفاق خلق مرحلة جديدة اسمها "مسؤولية الدولة"، مفروض الآن، من الآن فصاعدًا، أن نقول هذا الاتفاق، من يطبقه ومن لا يطبقه؟ تُحاكموننا على هذا الأساس. الحمد لله، نحن نفذنا الاتفاق بالكامل، لا يستطيع الإسرائيلي أن يجد علينا ثغرة واحدة، ولا الأميركي، ولا أحد من الداخل يستطيع أن يجد ثغرة. الآن لا يقولون لنا مثلًا: لماذا لا يُطبّق الاتفاق في الداخل؟ لا، بل يقولون لنا سلّموا السلاح! يا جماعة، هل هناك أحد عنده عقل ويُفكر بشكل صحيح؟ نحن في قلب معركة التزمنا فيها بالاتفاق بشكل كامل، ولم يخطُ الإسرائيلي خطوات، ولو في المقدمات، ولم يُطبّق الاتفاق، ونأتي لِنقول عوامل القوة التي كانت بين أيدينا، والتي كانت تُخيفه، والتي كانت تُؤثر عليه، والتي أجبرته على الاتفاق، نُزيلها، بينما الإسرائيلي ما زال موجودًا ولم ينفّذ ما عليه! أنتم، بماذا تفكرون يا أخي؟ فيقولون لك نحن لا علاقة لنا، لا علاقة لكم، لماذا؟ لأنكم لستم مستهدفين! لا علاقة لكم لأنكم تُنسقون مع الإسرائيلي! فماذا نقول عنكم؟ قولوا لنا؟ هل تُريدون إعمار البلد؟ لماذا لا تذكرون كيف أن هذه المقاومة، لمدة أكثر من أربعين سنة، حررت، واستطاعت أن ترفع رؤوس العالم جميعًا، وأخرجت إسرائيل غصبًا عنها، ويئست إسرائيل من إمكانية بناء المستوطنات في لبنان؟ ألا تذكرون هذا؟ هذا التاريخ الشريف، النبيل، العظيم، وما زلنا قادرين. اصبروا، فالأمور تتغير وتتبدل. ولذلك نحن التزمنا بالاتفاق، والإسرائيلي لم يلتزم. وهنا أعتبر أن العدوان الذي يحصل، والخروقات التي تحصل، مسؤولية على الدولة اللبنانية، العدوان على النبطية، على المرأة والناس، العدوان على من يعمل في سلك الصيرفة، كل هذه الأمور، حتى العدوان على أي مواطن في الجنوب، هو عدوان مرفوض مئة بالمئة، وهذا يجب ألا يكون. على الدولة أن تضغط، على الدولة أن تقوم كل واجبها. يجب أن تعرفوا أن هذا أمر لا يمكن أن يستمر، هي فرصة، الآن يقولون وكم هي الفرصة؟ نحن نُحدد كم هي الفرصة، لكن هل تتصورون أننا سنبقى ساكتين إلى أبد الآبدين؟ لا، هذا كله له حدود، نحن جماعة الحسين، نحن من الذين يقولون: "هيهات منّا الذلّة"، ماذا تظنون؟ جرّبتمونا، وتريدون أن تجربونا مجددًا؟ جرّبوا! نحن لا نتحدث عبثًا، نحن نتحدث ونحن نعرف لماذا نتحدث. اطلعوا من قصة لا تعطوا ذرائع لإسرائيل، لا أحد يعطي ذرائع لإسرائيل، إسرائيل نفسها احتلّت 600 كم² من سوريا، ولم تكن هناك ذرائع، دمّرت كل القدرة، ولم تكن هناك ذرائع، اعتدت على إيران، ولم تكن هناك ذرائع. والآن أقول لكم: كلما كانت هناك جهة ضعيفة، هذا يعني أن إسرائيل ستتوسع وتأخذ كل شيء على مستوى الحجر والبشر والإمكانات والقدرات. هذا لن يكون معنا، نحن أبناء "بين السلة والذلة، وهيهات منّا الذلة". يقولون لنا: هل أنتم قادرون على الإسرائيليين؟ نعم، نحن قادرون على الإسرائيليين، عندما نكون مخيّرين، لا نملك إلا خيارًا واحدًا. عندما يكون عندنا خيار العِزّة، يعني أننا نُواجه. فيقولون لك: إذا واجهتم، هل تربحون؟ نعم، نربح. كيف تربحون؟ لاقونا، تعالوا لملاقاتنا حتى تروا كيف نربح، إن شاء الله تظنون أننا مثل حكايتهم نحسبها على القلم والورقة؟ لا، نحن نقول: نقوم بواجبنا، نقف في الميدان، ندعو الله ونتوكل عليه، فيُرسل ملائكته معنا وننجح بإذن الله، إن لم يكن في اليوم الأول ففي الثاني والثالث، إن لم يكن في الشهر الأول ففي الثاني والثالث، إن لم يكن بأيدي بعضنا، فهو بأيدي البعض الآخر، لكننا دائمًا فائزون: بالنصر أو الشهادة. لا أحد يمزح معنا، لا أحد يلعب معنا، لا أحد يقول أننا نستطيع أن نُخضع هؤلاء. نحن أبناء الحسين، نحن أبناء سيد شهداء الأمة، نحن أبناء المعادلة الذهبية بين السلة والذلة: "هيهات منّا الذلة".
وختم: "أنتهز الفرصة لِأُعزّي القائد العظيم الإمام الخامنئي (دام ظله)، وأُعزّي الشعب الإيراني، والجيش، والحرس، والقوى الأمنية، والحكومة، بِالشهداء الأبرار الذين قدّموهم على طريق العزة وعلى طريق الحق، وخاصة اللواء سلامي، واللواء باقري، واللواء محمد سعيد إيزدي (الحاج رمضان). والحقيقة، كل هؤلاء مع كثير من الشهداء كانوا أصدقاءنا وأحبّاءنا، ودائمًا كان هناك تعامل بيننا وبينهم. لكن أُخصص الشهيد الحاج رمضان، الذي عاش بيننا حوالي أربعين سنة تقريبًا، وكان نموذجًا للإنسان المُخلص المُعطاء. ترك بلده وجاء لِيقعد عندنا كي يُتابع القضية الفلسطينية، والتسليح، والإمكانات، والقدرات. رحمة الله على الشهيد اللواء الحاج رمضان، الذي كان في الحقيقة نموذجًا من النماذج. إن شاء الله نحن سنبقى على الدرب ونُردد الشعار الذي حملناه " ما تركتك يا حسين"، "ما تركتك يا حسين"، "ما تركتك يا حسين".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


ليبانون 24
منذ 31 دقائق
- ليبانون 24
بعد 19 عاماً... مصالحة عائلية في رويسة البلوط برعاية شيخ العقل
دعا شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى إلى "مواجهة محاولات تشويه الهوية التاريخية، بالتأكيد على الثوابت الوجودية للمسلمين الموحدين الدروز، عقائدياً واجتماعياً ووطنياً، مهما تبدّلت الأحوال وانتصرت المخطّطات"، ورأى ان "لا مظلَّة تقي مسيرةَ الدولة والعهودِ المتعاقبة والعهد الميمون الجديد إلاّ مظلّة الشراكة الروحية الوطنية التي نادينا بها وسنستمرّ ننادي، تأكيداً منّا بأن لبنانَ قويٌّ ومُصانٌ بتضامن قواه الوطنية وعائلاته الروحية، وتلك الشراكة هي أقوى وأمضى سلاحٍ، وهو ما يجبُ على الشعبِ التمسَّكُ به، لا بسواه". كلامه جاء خلال رعايته مصالحة عائليّة في بلدة رويسة البلوط (قضاء بعبدا) بدعوة من عائلتي زيدان وخداج وعموم مشايخ وأهالي البلدة، لعقد راية الصلح وإنهاء ذيول الحادثة الأليمة التي حصلت بين ابناء المرحومين فوزي خداج وانيس زيدان منذ نحو 19 عاماً. شارك في اللقاء جمع كبير من المشايخ والمدعوين واهالي البلدة من جميع عائلاتها، يتقدمهم الشيخ أبو فايز أمين مكارم، والنائب هادي أبو الحسن على رأس وفد من الحزب التقدمي الاشتراكي ممثلاً الوزير السابق وليد جنبلاط ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب تيمور جنبلاط ، مدير الداخلية في الحزب الديمقراطي اللبناني لواء جابر على رأس وفد مثل رئيس الحزب الأمير طلال ارسلان، ووفد من الحزب السوري القومي الاجتماعي برئاسة فخر أبو فخر وممثل منفذية المتن يحيى زيدان. وحضر المشايخ: أبو حسن عادل النمر وأبو نعيم محمد حلاوي والقاضي الشيخ سعيد مكارم ومستشار شيخ العقل الشيخ عماد فرج ورئيس لجنة التواصل والعلاقات في المجلس المذهبي الشيخ فادي العطار وأعضاء من المجلس المشايخ نضال سري الدين وشاهين هاني القنطار وسلمان المغربي وعضو الهيئة الاستشارية الدينية الشيخ وجيه ابو مغلبيه، والشيخان نسيب ماضي وكمال فرج ورئيس بلدية العبادية الشيخ نزار ابو جابر ورؤساء بلديات ومخاتير وفاعليات من قرى منطقة المتن. شيخ العقل افتُتح اللقاء باستقبال آل زيدان والعائلات آل خداج واقاربهم وبمصافحة ودية بين ابناء العائلتين، ثم بدأ اللقاء بالنشيد الوطني اللبناني، فكلمة الشيخ رفعت عفيف زيدان معرّفاً، فالكاتب العدل وديع ابو نصار، والشاعر عادل خداج، وختاماً كانت الكلمة لصاحب الرعاية سماحة شيخ العقل، قائلا: "نلتقي وإيَّاكم اليومَ في رويسة البلوط، على نيّة المصالحة وطي صفحة الألم والخلاف، لنُعيدَ إلى نفوسِنا الراحةَ والأمان، ولنمسحَ من عيوننا دمعةَ الأحزان، مترفّعين عنِ طلب الأذى لأيٍّ منّا، راجين عفوَ الله الذي لا يُرجى سواه. نلتقي اليومَ معاً في رحاب قريةٍ متنيةٍ من أجمل قرى الجبل، تختالُ كجاراتها بصنوبراتها وبما فيها كذلك من السنديان "وشجر البلُّوط"، ليكون الاسمُ على المسمَّى. نلتقي بين أهلٍ وعائلاتٍ هم بالحقيقة عائلةٌ واحدة في بلدةٍ تَختزن في تاريخها أجملَ حكايا الودِّ والنخوة والمروءة، بلدةٍ لم تُوسم مرَّةً بالخلاف والضغينة إلَّا لتُوسَمَ مرَّاتٍ ومرَّات، بالحكمة والمحبة والرحمة، ولتُعرفَ برجالها العقلاء وأبطالها الأشاوس، وقد كانوا وما زالوا يسطعون في سماء الجبل والوطن والعالم نجوماً مضيئةً بالمعرفة والأصالة، وهمماً عالية وقلوباً نقيَّة. هكذا هي حقيقةُ رويسة البلوط، وهذا هو تراثُها وحاضرُها ومستقبلُها، وها نحن نلتقي معاً برعاية الله، فنطوي الصفحةَ الرمادية التي لا تعبِّرُ عن حقيقتها، ونفتحُ الصفحةَ البيضاءَ النقيّة ليَكتُبَ عليها أهالي رويسة البلُّوط عباراتِ الودِّ والتسامح والمغفرة، وأدعيةَ الحمد والشكر والإيمان، وقصائدَ الجَمع والتلاقي، وثوابتَ التوحيد والوطنية". أضاف: "نلتقي معاً، مشيخة العقل ومشايخ المتن وفاعلياته السياسية والاجتماعية، حاملين معنا التحيّة والمسؤولية من كلِّ من فوّضنا بعقد راية المصالحة، من الزعيم الوطني وليد بك جنبلاط إلى الأمير طلال أرسلان وسماحة الشيخ نصر الدين الغريب والمشايخ الأجلّاء، وكلِّ من واكب مسيرةَ المصالحة من قديمٍ ومن جديد، وكلِّ من حضر إلى جانبنا اليومَ، من الحزب التقدمي الاشتراكي إلى الحزب القومي والحزب الديمقراطي، إلى كلِّ فردٍ من هذه البلدة والجوار مهما كان انتماؤه السياسي، إلَّا أننا واثقون أن ما يجمعُنا هو أبعدُ من خطٍّ سياسيٍّ وأعمقٌ من انتماءٍ عائلي، إنّما هو الهوية الروحية التوحيدية، والهوية الاجتماعيةُ المعروفية، والهوية الوطنيةُ والقومية، والهويةُ الإنسانية الواحدة. نلتقي وإياكم في مطلع سنة هجرية جديدة لنطلبَ الصَّفحَ منه تعالى عمَّا حصل في ديارنا منذ تسعة عشر عاماً في لحظة انفعالٍ وغضبٍ وتخلٍّ، ولنعقدَ رايةَ المصالحةِ البيضاءَ دلالةً على زوال الحقد وعلى انتصار المحبة بين أبناء العائلة الواحدة، ولنحيّيَ الأحبّاءَ أبناءَ المرحومَين أنيس زيدان وفوزي خداج وأقربائهم على موقفِ القَبول والوعي والتجاوب، فنضمِّدُ معهم الجراحَ بالرضا والإيمان، ونكظِمُ وإيَّاهم الغيظَ، ونَعفُو بعضُنا عن بعض، ونُحسنُ إلى من أحسن وإلى من أساء، واللهُ يُحبُّ المحسنين، "وَالَّذينَ صَبَرُوا ابتِغاءَ وَجهِ رَبِّهِم وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقوا مِمّا رَزَقناهُم سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدرَءونَ بِالحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولـئِكَ لَهُم عُقبَى الدّارِ". وتابع: "حضرة المشايخ والأخوة الأفاضل، لم تكنْ هذه المصالحةُ لتحصلَ لولا عنايةُ الله سبحانه وتعالى وبركةُ مشايخنا الأطهار ودعاؤُهم، ولولا الشعورُ بالمسؤولية من قبل الجميع، والتصميمُ على الانتقال من ضَفّة الضغائن العقيمة الضيِّقة، إلى ضفَّة المحبةِ الغنيّة الرحيبة، فنزرع فيها بذارِ الإلفة والمودّة لتنموَ غرسةُ الأخوَّة كما ينمو الإيمانُ في القلوب والأرواح، ولتشمخَ شجرةُ المحبة في رويسة البلوط أعلى من شموخ صنوبراتِها الباسقات، فتُثمرَ اجتماعاً لشبابها لا مثيل له، كما تُثمرُ الحروفُ المجموعةُ المتجانسةُ كلماتٍ طيِّبةً وعباراتٍ مفيدةً وكتباً تُغذّي النفوسَ والعقول. وجميعُنا يعلمُ أن هذه المصالحة لم تكن كذلك لتكتملَ لولا مساعدةُ الأقربين، كباراً وشباباً، ولولا تعالي الجميع عن المطالب المعرقلة، ولولا حثُّ القيادة السياسية ودعمُها، ولولا توجيهٌ حازمٌ وحاسمٌ ويدٌ أبويّةٌ سخيَّةٌ لوليد جنبلاط كعادتِه في موقع الزعامة والإنسانية، ولولا استعدادٌ صادقٌ كذلك من أصحاب الجود والغيرة للمساهمة في احتواء تداعيات ما حصل، ولكلّ مَن مدّ يدِ العون إلى من أثّرت عليهم الحادثةُ فضاقت بهم سُبُلُ العيش واحتاجوا إلى تأمين المسكن اللائق، ممَّا يعزِّزُ قناعتَنا وثقتَنا بأننا في مواجهة الأقدار وتحدياتِ الحياة جماعةٌ لا يمكن أن تحيا إلّا بصدق اللسان وحفظ الإخوان، ولا ترتدي إلّا عباءة الأصالة التوحيدية، ولا تنطقُ إلا بكلمة الحقِّ والكرامة. ألا بارك اللهُ ببني معروف، أهلِ الفضل والعقل والمعروف". وقال: "يمرُّ الإنسانُ بظروفٍ صعبة، لأنّ الحياةَ غيرُ مستقرَّة، ومسؤولياتِها متشعِّبةٌ وضاغطة، والصراعَ قائمٌ في داخل كلِّ واحدٍ منّا، وقائمٌ بيننا وبين مَن نعيشُ معهم، حتى في الأسرةِ الواحدة، وهناك خوفٌ كامنٌ من المجهول يترافقُ غالباً معَ ضغطٍ نفسي وتوتُّرٍ عصبي. قلتُ ذلك في مصالحة كفرسلوان منذ سنةٍ ونيّف، وفي المصالحة بين أهلنا في عرمون وفي عيتات، وفي أكثرَ من مناسبةٍ مماثلة، بأنَّ علينا مواجهةَ الأمورِ بعقلانيةٍ وإيمانٍ وعدم السماح للنزق والغضب وسوءِ الظَّنِّ والانفعال أن يضعَنا في مهبِّ الريح وينتقلَ بنا من خطأٍ إلى خطيئة ومن سيِّءٍ إلى أسوأ، وإن كانت تلك هي طِباعُ البشر منذ القِدَم، فقابيلُ قتل أخاه هابيل "فأصبح من النادمين"، وإخوةُ يوسُفَ الصدّيقِ (ع) رمَوه في البئر ليتخلّصوا منه، ثمّ عادوا يطلبون الغفران قائلين: "يا أبانا استغفر لنا ذنوبَنا إنَّا كنّا خاطئين"، فالأجدرُ بنا ألَّا نُخطئَ أولاً، وأن نتروَّى في مواجهة الأمور، وأن نستغفرَ ثانياً ونطلبَ العفو إذا كان الخطأُ قد حصل، فالاستغفارُ من شِيَم الكبار، والعفوُ عند المقدرة من شيمِ الكرام ومن شيم الأنبياء والرسل (ع)، فها هو نبيُّ الله يوسفُ يعفو عن إخوته الذين حاولوا قتله وفرّقوا بينه وبين أبيه، فعفا عنهم عندما وصلوا إلى مصرَ وكان قادراً على الانتقام منهم. لكنّه سامحهم وترك أمرَهم لله، فهو العَفوُّ الغفور، "ومَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ". أضاف: "إنّنا اليومَ في مدرسة العفو والاستغفار عن كلِّ ما حصل، ورويسة البلُّوط تعفو وتسامحُ، وتُعلنُ أنّها جانبٌ أصيلٌ من طبق النُّحاس المعروفيِّ المُقدّس الذي إذا ما علا صوتُه في المتنِ سُمِعَ في الجانب الآخر من البلاد، وها هي تَصدحُ اليومَ عالياً بصوت الشرفِ والعنفوان، صوتِ الخيرِ والإيمان، صوتِ المحبةِ وحفظ الإخوان... صوتِ التسامحِ والغفران، فيُسمَعُ الصوتُ في كلِّ مكان. رويسة البلوط العائلةُ الواحدة والقلبُ الواحدُ، في رحابِها العامرة نلتقي فنرتقي، على نيَّة رأب الصَّدعِ وجمع الشمل، وعلى بركةِ الله وصوتِ دعاءِ الأجاويد وعلى صدى همّةِ الغيارى ووقعِ كلمات الرضا والتسليم والقَبول، نرفعُ الرايةَ البيضاءَ إلى جانب العمائم البيضاء وجباهِ الخيرِ الشريفة، ونُطلقُ قَسَمَ المصالحةِ من أفواه الطيِّبينَ المُتسامحين ومن أفئدة الأهلِ المتحابِّينَ من آل زيدان ومن آل خداج وجميع أبناءِ عائلات البلدةِ الكريمة مجتمعين، ليباركَه أبناءُ المتن الميامين وأهلُ الخيرِ والمعروفِ والدين". واستطرد: "حضرة المشايخ والأخوة الكرام في رويسة البلوط، ثقوا بأنَّ ما قمتم به اليوم يُثلجُ قلوبَ الموحِّدين، وسيكونُ موضعَ تقديرِ قادة الجبل ومشايخِ البلاد، وموضِعَ اعتزازِ مجتمع الموحدين الدروز وجميع المتنيين واللبنانيين، بل سيكونُ بمثابة كتابٍ تتعلَّمُ فيه الأجيال، ويتغذّى من دروسِه الرجال، ويقتدي بنهجِه الأبطال، وقد كنّا على يقين بأن أيّةَ مصالحة في قرانا تفتح الطريق أمام مصالحاتٍ أوسعَ وأشمل، وهذا ما نتمنّاه، وما نأمل أن يسمعُه ويعرفُ به أهلنا في كلّ بلدة وعائلة، فيسارعوا إلى التشبُّه والامتثال والعفوِ وطلبِ المغفرة، لقوله تعالى: "وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ". إخواني، يا أبناء التوحيد والجبل الكرام، يكفينا ما مرّت به البلاد من محن وحروبٍ ومصائب وانهيارات مالية كادت تُطيح بآمال اللبنانيين وتهدمُ آخر ما تبقّى من بناء الدولة، حيثُ لم يعدْ يُفيدُنا إلا التماسكُ ووحدة الكلمة والعملُ معاً لرأب الصدّع أينما وُجد، ولمواجهةِ محاولات تشويه الهوية التاريخية بالتأكيد على الثوابت الوجودية للمسلمين الموحدين الدروز، عقائدياً واجتماعياً ووطنياً، مهما تبدّلت الأحوال وانتصرت المخطّطات، لكن "ما من شيءٍ يدوم إلّا الذاكرة الوطنية"، كما قال بالأمس وليد بك، وإلا الهوية والثوابت التي حافظنا عليها منذ مئات السنين بالرغم من تغيُّر الأمم ومداولة الدول. ميزتُنا في لبنان أننا مرنون وقادرون على التكيُّف مع الواقع ومنفتحون على العالم وعلى المستقبل ، وراسخون في انتمائنا القومي وفي التمسك بعمقنا العربي، ومعتزُّون بميزة التنوُّع والعيش الواحد، ومدركون أن لا مظلَّة تقي مسيرةَ الدولة والعهودِ المتعاقبة والعهدِ الميمونِ الجديد إلاّ مظلّة الشراكة الروحية الوطنية التي نادينا بها وسنستمرّ ننادي، تأكيداً منّا بأن لبنانَ قويٌّ ومُصانٌ بتضامن قواه الوطنية وعائلاته الروحية، وتلك الشراكة هي أقوى وأمضى سلاحٍ، وهو ما يجبُ على الشعبِ التمسَّكُ به، لا بسواه". وختم: "شكراً لكم جميعاً، شكراً لمشايخ رويسة البلوط ووجوهها الخيِّرة، شكراً لأعضاء اللّجنة المواكبة من العائلتين، ولجميع من زارنا من المسؤولين والأهالي للمتابعة والتشاور، شكراً للأحبّاء آل زيدان وآل خداج الذين وقَّعوا بالأمس على ورقة الاتّفاق، والتي سنحفظها في ملفاتنا وقلوبنا، ولتكُن الأفكارُ من هذه اللحظةِ صافيةً نقيَّة، والقلوبُ نابضةً بالأريحية، والأيدي متصافحةً ومتشابكةً وقويّة، والألسنُ ناطقةً بالحقِّ تقولُ سويّا: إنَّا عَقدنا على التوحيدِ رايتَناوصحوةُ العقلِ فاقت نبرةَ الغضبِ كفٌّ تُصافحُ، بل قلبٌ يُصارحُ، بلفكرٌ يُصالحُ، بل فَيــضٌ من الأدبِ ليكُنْ هذا هو قسَمُنا الدائم، ونحن نسجِّلُ في سجلِّنا الذهبيِّ يومَ 28 حزيران 2025 تاريخاً مجيداً يُضافَ إلى تواريخ المتن المشرِّفة، حامدينَ الله تعالى في كلِّ بَدءٍ وخِتام. آجركُم الله، والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه".


MTV
منذ 41 دقائق
- MTV
29 Jun 2025 13:00 PM عودة عزى يوحنا العاشر في أحد القديسين بطرس وبولس
ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة، خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس، بحضور حشد من المؤمنين. بعد الإنجيل ألقى عظة قال فيها: "تحتفل كنيستنا المقدسة اليوم بعيد القديسين الرسولين بطرس وبولس هامتي الرسل، عمودي الكنيسة، ومؤسسي كرسينا الأنطاكي. كان بطرس رسولا لأمة اليهود، وبولس رسولا للأمم. تحتفل بهما الكنيسة معا وتجمعهما أيقونة واحدة، عندما نتأملها نراهما يتصافحان بالقبلة الأخوية، مع أن كلا منهما يتحدر من بيئة مختلفة عن بيئة الآخر. فاليهود كانوا يعتبرون أنفسهم شعب الله الوحيد، ويعتبرون الأمم بقية العالم ويتعالون عليهم. كانت لكل من الرسولين شخصيته وأفكاره وثقافته. كان بولس ذا ثقافة عالية، فريسيا من عائلة ذات نسب رفيع، درس الشريعة، وكان يحمل الجنسية الرومانية ويضطهد كنيسة المسيح، فيما كان بطرس صيادا يهوديا بسيطا ترك أباه وشباكه وتبع المسيح. وقد عارض بولس بطرس وجها لوجه في أنطاكية إذ اختلفا حول ختان المسيحيين من غير اليهود. يقول في رسالته إلى أهل غلاطية: «ولكن لما أتى بطرس إلى أنطاكية قاومته مواجهة، لأنه كان ملوما» (2: 11). أضاف: "رغم الإختلاف الظاهر نعاين في هذا العيد المبارك مثالا نتعلم منه كيف نحيا معا في الكنيسة. نحن بشر نتحدر من مسارات حياتية مختلفة، غير أن العيد الحاضر يرينا أن الكنيسة هي أولا وأخيرا المكان الذي تحكمه محبة الرب القائل: «هكذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي، إن كان لكم حب بعضا لبعض» (يو 13: 35). هذه المحبة الإلهية تدفعنا إلى تخطي الخلافات الشخصية، وتذكرنا بأن كل الأمور مستطاعة عندما نحيا مع الله. عندما يطلب الرب منا أن نحب حتى أعداءنا هو عليم بأن محبته ونعمته ستقوياننا على فعل ذلك. إن المحبة قرار واع نتخذه بملء حريتنا الشخصية إذا كان هدفنا الخير لجميع الذين نتعامل معهم في حياتنا. الرسولان العظيمان بطرس وبولس يشكلان مثالا على كيفية العيش والعمل معا ضمن الكنيسة، رغم كل الإختلافات والخلافات، وعلى كيفية إرساء المصالحة من خلال نعمة الله ومحبته، طبعا إذا كنا نرغب في ذلك. ربما الأمر الوحيد الذي يقف عائقا يمنع المصالحة الحقيقية أحيانا هو الخيار الواعي بالتشبث بالرأي وتأليه الأنا، وعدم الإتضاع وطلب الغفران من المسيئين باستخدام العبارة التي تحرق الشيطان، أي «إغفر لي». وتابع: "يذكرنا هذا العيد أيضا بأنه لا يمكننا أن نعيش الحياة المسيحية بمفردنا. فبطرس كان ذراعا في جسد المسيح، وبولس الذراع الآخر، وقد استخدمهما الرب معا ليؤسس كنيسته على صخرة الإيمان غير المتزعزعة. كانا كالشمس والقمر يضيئان الكنيسة ليلا نهارا حتى يومنا. ورغم عظمتهما التي لا يحدها وصف، واضعتهما ظروف حياتهما، فأمسيا مثالين للتوبة. فبطرس أنكر المسيح ثلاثا ثم ندم وبكى بكاء مرا. لطالما اعتبرت الكنيسة إنكار المسيح المخلص خطيئة ثقيلة، إلا أن بطرس بتوبته الصادقة أقيم من موت الخطيئة بقيامة معلمه، ثم تقوى بنعمة الروح القدس فأصبح التلميذ الخائف منارة للعالم، حتى إنه أميت من أجل إيمانه. من جهته، كان بولس فريسيا يضطهد المسيحيين ويقتلهم قبل أن يدعوه الرب، معميا عينيه ومنيرا نفسه. كلاهما امتلكا جناحين حلقا بهما نحو الملكوت، التوبة المحيية عن الخطايا الغابرة، والتواصل الحقيقي مع المخلص مانح الإيمان المحيي بألوهته الحقة. وقد جمعهما اندفاعهما العظيم ومحبتهما المتبادلة واستشهادهما معا في سبيل إيمانهما". وقال: "في إنجيل اليوم سأل الرب يسوع: «من تقولون إني هو؟» أجابه بطرس: «أنت المسيح ابن الله الحي»، فأجابه الرب قائلا: «ليس لحم ولا دم كشف لك هذا لكن أبي الذي في السماوات». الله وحده يمكنه أن يكشف لنا حقيقته، إذ لا نستطيع نحن أن نعقلها، ولا يستطيع عقلنا المحدود أن يستوعب لا محدودية الله. بطرس وبولس عاينا الله بقلبيهما وأدركا أنه الإله الحقيقي واندفعا، من أنطاكية إلى العالم أجمع، مبشرين بالإله الحقيقي، يسوع المسيح إبن الله الوحيد، القائم من بين الأموات. وكانا قد أسسا كنيسة أنطاكية على هذا الإيمان، وقد « دعي التلاميذ مسيحيين في أنطاكية أولا» (أع11: 26). هذه البطريركية المحروسة بالله ليست دخيلة على هذه الأرض، ولا فتية بل يرجع تاريخها إلى الأيام الأولى للمسيحية، وكان القديس أغناطيوس الأنطاكي أول أسقف على كرسيها يخلف الرسولين بطرس وبولس، كما أن بطريرك أنطاكية وسائر المشرق هو خليفة هذين الرسولين العظيمين على هذا الكرسي. وقد ارتوت أرض كنيسة أنطاكية العظمى، على مر التاريخ، بدماء الشهداء وأولهم بطرس وبولس وأغناطيوس الأنطاكي، مع سائر القديسين الذين استشهدوا من أجل إيمانهم بالمسيح. وما زال أبناء هذه الكنيسة يعانون الإضطهاد ويهددون بالإلغاء والقتل بسبب انتمائهم إلى المسيح، وقد استشهد إخوة لنا الأحد الماضي فيما كانوا يشاركون في القداس الإلهي ويستعدون للمناولة. لكن هذه الكنيسة باقية بمشيئة الله لأنها مبنية على صخرة الإيمان و «أبواب الجحيم لن تقوى عليها» (متى 16: 18). وسأل: "متى ينتهي التطرف والحقد وإقصاء الآخر المختلف؟ متى يعي البشر أن الله خلق الإنسان، كل إنسان، على صورته ومثاله، ليعيش حياة هانئة بالمحبة والرحمة والسلام؟ متى ستعم المحبة والسلام في أرض المسيح المصلوب من أجل خلاص العالم أجمع؟ متى يستفيق أهل هذه الأرض ومتى يصغون لتعاليم ديانات هذه الأرض؟ مؤسف ومرفوض ومدان أن يقتل الإنسان أخاه، ومؤلم جدا أن يطعن من القريب. أملنا أن لا تمر هذه الجريمة، كغيرها العديد من الجرائم، بدون عقاب. حياة الإنسان ليست مباحة، وكرامته من كرامة خالقه، ولا يحق لأي مخلوق أن يستهين بعمل الخالق، والإنسان أرقى ما خلق. صلاتنا نرفعها كي ينير الرب الإله البصائر ويهدي العقول ويوقظ الضمائر ويطهر القلوب، ومن أجل أن يغمر نفوس شهدائنا برحمته ويتقبلهم في ملكوته مع قديسيه الذين عيدنا لهم الأحد الماضي، وأن يمنح ذويهم الصبر والعزاء والرجاء. باسمي وباسم إخوتي كهنة أبرشية بيروت وابنائها أقدم التعزية الممزوجة بالألم والرجاء لغبطة أبينا البطريرك يوحنا العاشر الكلي الطوبى، سائلا الرب الإله أن يحفظ كنيستنا من كل شر ومكروه، وأن يشفي المصابين ويشددهم مع آباءالكنيسة وجميع ابنائها ليبقوا أمناء لإيمانهم ولسيدهم القائل «في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا، أنا قد غلبت العالم» (يو 16 : 33). وختم: "في هذا العيد المبارك، نحن مدعوون إلى أن نتحلى بإيمان كإيمان هامتي الرسل بطرس وبولس واندفاعهما وغيرتهما وتحملهما الضيقات والعذابات في سبيل إيمانهما، حتى الإستشهاد. علينا ألا نيأس بسبب خطايانا، بل أن نسعى إلى التوبة الحقيقية الصادقة، وإلى إعلان المسيح مخلصا لنفوسنا وأن نتحد تحت مظلة الكنيسة، أعضاء تعمل معا بتناغم مع الرأس، يسوع المسيح، وبعضها مع بعض بنعمة الرأس وفي ظل كلمته ووصاياه. هكذا تستمر الكنيسة راسخة على صخر".

القناة الثالثة والعشرون
منذ 41 دقائق
- القناة الثالثة والعشرون
شيخ العقل : لبنانَ قويٌّ ومُصانٌ بتضامن قواه الوطنية
دعا شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى إلى "مواجهة محاولات تشويه الهوية التاريخية، بالتأكيد على الثوابت الوجودية للمسلمين الموحدين الدروز، عقائدياً واجتماعياً ووطنياً، مهما تبدّلت الأحوال وانتصرت المخطّطات"، ورأى ان "لا مظلَّة تقي مسيرةَ الدولة والعهودِ المتعاقبة والعهد الميمون الجديد إلاّ مظلّة الشراكة الروحية الوطنية التي نادينا بها وسنستمرّ ننادي، تأكيداً منّا بأن لبنانَ قويٌّ ومُصانٌ بتضامن قواه الوطنية وعائلاته الروحية، وتلك الشراكة هي أقوى وأمضى سلاحٍ، وهو ما يجبُ على الشعبِ التمسَّكُ به، لا بسواه". كلامه جاء خلال رعايته مصالحة عائليّة في بلدة رويسة البلوط (قضاء بعبدا) بدعوة من عائلتي زيدان وخداج وعموم مشايخ وأهالي البلدة، لعقد راية الصلح وإنهاء ذيول الحادثة الأليمة التي حصلت بين ابناء المرحومين فوزي خداج وانيس زيدان منذ نحو 19 عاماً. شارك في اللقاء جمع كبير من المشايخ والمدعوين واهالي البلدة من جميع عائلاتها، يتقدمهم الشيخ أبو فايز أمين مكارم، والنائب هادي أبو الحسن على رأس وفد من الحزب التقدمي الاشتراكي ممثلاً الوزير السابق وليد جنبلاط ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب تيمور جنبلاط، مدير الداخلية في الحزب الديمقراطي اللبناني لواء جابر على رأس وفد مثل رئيس الحزب الأمير طلال ارسلان، ووفد من الحزب السوري القومي الاجتماعي برئاسة فخر أبو فخر وممثل منفذية المتن يحيى زيدان. وحضر المشايخ: أبو حسن عادل النمر وأبو نعيم محمد حلاوي والقاضي الشيخ سعيد مكارم ومستشار شيخ العقل الشيخ عماد فرج ورئيس لجنة التواصل والعلاقات في المجلس المذهبي الشيخ فادي العطار وأعضاء من المجلس المشايخ نضال سري الدين وشاهين هاني القنطار وسلمان المغربي وعضو الهيئة الاستشارية الدينية الشيخ وجيه ابو مغلبيه، والشيخان نسيب ماضي وكمال فرج ورئيس بلدية العبادية الشيخ نزار ابو جابر ورؤساء بلديات ومخاتير وفاعليات من قرى منطقة المتن. افتُتح اللقاء باستقبال آل زيدان والعائلات آل خداج واقاربهم وبمصافحة ودية بين ابناء العائلتين، ثم بدأ اللقاء بالنشيد الوطني اللبناني، فكلمة الشيخ رفعت عفيف زيدان معرّفاً، فالكاتب العدل وديع ابو نصار، والشاعر عادل خداج، وختاماً كانت الكلمة لصاحب الرعاية سماحة شيخ العقل، قائلا: "نلتقي وإيَّاكم اليومَ في رويسة البلوط، على نيّة المصالحة وطي صفحة الألم والخلاف، لنُعيدَ إلى نفوسِنا الراحةَ والأمان، ولنمسحَ من عيوننا دمعةَ الأحزان، مترفّعين عنِ طلب الأذى لأيٍّ منّا، راجين عفوَ الله الذي لا يُرجى سواه. نلتقي اليومَ معاً في رحاب قريةٍ متنيةٍ من أجمل قرى الجبل، تختالُ كجاراتها بصنوبراتها وبما فيها كذلك من السنديان "وشجر البلُّوط"، ليكون الاسمُ على المسمَّى. نلتقي بين أهلٍ وعائلاتٍ هم بالحقيقة عائلةٌ واحدة في بلدةٍ تَختزن في تاريخها أجملَ حكايا الودِّ والنخوة والمروءة، بلدةٍ لم تُوسم مرَّةً بالخلاف والضغينة إلَّا لتُوسَمَ مرَّاتٍ ومرَّات، بالحكمة والمحبة والرحمة، ولتُعرفَ برجالها العقلاء وأبطالها الأشاوس، وقد كانوا وما زالوا يسطعون في سماء الجبل والوطن والعالم نجوماً مضيئةً بالمعرفة والأصالة، وهمماً عالية وقلوباً نقيَّة. هكذا هي حقيقةُ رويسة البلوط، وهذا هو تراثُها وحاضرُها ومستقبلُها، وها نحن نلتقي معاً برعاية الله، فنطوي الصفحةَ الرمادية التي لا تعبِّرُ عن حقيقتها، ونفتحُ الصفحةَ البيضاءَ النقيّة ليَكتُبَ عليها أهالي رويسة البلُّوط عباراتِ الودِّ والتسامح والمغفرة، وأدعيةَ الحمد والشكر والإيمان، وقصائدَ الجَمع والتلاقي، وثوابتَ التوحيد والوطنية". أضاف: "نلتقي معاً، مشيخة العقل ومشايخ المتن وفاعلياته السياسية والاجتماعية، حاملين معنا التحيّة والمسؤولية من كلِّ من فوّضنا بعقد راية المصالحة، من الزعيم الوطني وليد بك جنبلاط إلى الأمير طلال أرسلان وسماحة الشيخ نصر الدين الغريب والمشايخ الأجلّاء، وكلِّ من واكب مسيرةَ المصالحة من قديمٍ ومن جديد، وكلِّ من حضر إلى جانبنا اليومَ، من الحزب التقدمي الاشتراكي إلى الحزب القومي والحزب الديمقراطي، إلى كلِّ فردٍ من هذه البلدة والجوار مهما كان انتماؤه السياسي، إلَّا أننا واثقون أن ما يجمعُنا هو أبعدُ من خطٍّ سياسيٍّ وأعمقٌ من انتماءٍ عائلي، إنّما هو الهوية الروحية التوحيدية، والهوية الاجتماعيةُ المعروفية، والهوية الوطنيةُ والقومية، والهويةُ الإنسانية الواحدة. نلتقي وإياكم في مطلع سنة هجرية جديدة لنطلبَ الصَّفحَ منه تعالى عمَّا حصل في ديارنا منذ تسعة عشر عاماً في لحظة انفعالٍ وغضبٍ وتخلٍّ، ولنعقدَ رايةَ المصالحةِ البيضاءَ دلالةً على زوال الحقد وعلى انتصار المحبة بين أبناء العائلة الواحدة، ولنحيّيَ الأحبّاءَ أبناءَ المرحومَين أنيس زيدان وفوزي خداج وأقربائهم على موقفِ القَبول والوعي والتجاوب، فنضمِّدُ معهم الجراحَ بالرضا والإيمان، ونكظِمُ وإيَّاهم الغيظَ، ونَعفُو بعضُنا عن بعض، ونُحسنُ إلى من أحسن وإلى من أساء، واللهُ يُحبُّ المحسنين، "وَالَّذينَ صَبَرُوا ابتِغاءَ وَجهِ رَبِّهِم وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقوا مِمّا رَزَقناهُم سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدرَءونَ بِالحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولـئِكَ لَهُم عُقبَى الدّارِ". وتابع: "حضرة المشايخ والأخوة الأفاضل، لم تكنْ هذه المصالحةُ لتحصلَ لولا عنايةُ الله سبحانه وتعالى وبركةُ مشايخنا الأطهار ودعاؤُهم، ولولا الشعورُ بالمسؤولية من قبل الجميع، والتصميمُ على الانتقال من ضَفّة الضغائن العقيمة الضيِّقة، إلى ضفَّة المحبةِ الغنيّة الرحيبة، فنزرع فيها بذارِ الإلفة والمودّة لتنموَ غرسةُ الأخوَّة كما ينمو الإيمانُ في القلوب والأرواح، ولتشمخَ شجرةُ المحبة في رويسة البلوط أعلى من شموخ صنوبراتِها الباسقات، فتُثمرَ اجتماعاً لشبابها لا مثيل له، كما تُثمرُ الحروفُ المجموعةُ المتجانسةُ كلماتٍ طيِّبةً وعباراتٍ مفيدةً وكتباً تُغذّي النفوسَ والعقول. وجميعُنا يعلمُ أن هذه المصالحة لم تكن كذلك لتكتملَ لولا مساعدةُ الأقربين، كباراً وشباباً، ولولا تعالي الجميع عن المطالب المعرقلة، ولولا حثُّ القيادة السياسية ودعمُها، ولولا توجيهٌ حازمٌ وحاسمٌ ويدٌ أبويّةٌ سخيَّةٌ لوليد جنبلاط كعادتِه في موقع الزعامة والإنسانية، ولولا استعدادٌ صادقٌ كذلك من أصحاب الجود والغيرة للمساهمة في احتواء تداعيات ما حصل، ولكلّ مَن مدّ يدِ العون إلى من أثّرت عليهم الحادثةُ فضاقت بهم سُبُلُ العيش واحتاجوا إلى تأمين المسكن اللائق، ممَّا يعزِّزُ قناعتَنا وثقتَنا بأننا في مواجهة الأقدار وتحدياتِ الحياة جماعةٌ لا يمكن أن تحيا إلّا بصدق اللسان وحفظ الإخوان، ولا ترتدي إلّا عباءة الأصالة التوحيدية، ولا تنطقُ إلا بكلمة الحقِّ والكرامة. ألا بارك اللهُ ببني معروف، أهلِ الفضل والعقل والمعروف". وقال: "يمرُّ الإنسانُ بظروفٍ صعبة، لأنّ الحياةَ غيرُ مستقرَّة، ومسؤولياتِها متشعِّبةٌ وضاغطة، والصراعَ قائمٌ في داخل كلِّ واحدٍ منّا، وقائمٌ بيننا وبين مَن نعيشُ معهم، حتى في الأسرةِ الواحدة، وهناك خوفٌ كامنٌ من المجهول يترافقُ غالباً معَ ضغطٍ نفسي وتوتُّرٍ عصبي. قلتُ ذلك في مصالحة كفرسلوان منذ سنةٍ ونيّف، وفي المصالحة بين أهلنا في عرمون وفي عيتات، وفي أكثرَ من مناسبةٍ مماثلة، بأنَّ علينا مواجهةَ الأمورِ بعقلانيةٍ وإيمانٍ وعدم السماح للنزق والغضب وسوءِ الظَّنِّ والانفعال أن يضعَنا في مهبِّ الريح وينتقلَ بنا من خطأٍ إلى خطيئة ومن سيِّءٍ إلى أسوأ، وإن كانت تلك هي طِباعُ البشر منذ القِدَم، فقابيلُ قتل أخاه هابيل "فأصبح من النادمين"، وإخوةُ يوسُفَ الصدّيقِ (ع) رمَوه في البئر ليتخلّصوا منه، ثمّ عادوا يطلبون الغفران قائلين: "يا أبانا استغفر لنا ذنوبَنا إنَّا كنّا خاطئين"، فالأجدرُ بنا ألَّا نُخطئَ أولاً، وأن نتروَّى في مواجهة الأمور، وأن نستغفرَ ثانياً ونطلبَ العفو إذا كان الخطأُ قد حصل، فالاستغفارُ من شِيَم الكبار، والعفوُ عند المقدرة من شيمِ الكرام ومن شيم الأنبياء والرسل (ع)، فها هو نبيُّ الله يوسفُ يعفو عن إخوته الذين حاولوا قتله وفرّقوا بينه وبين أبيه، فعفا عنهم عندما وصلوا إلى مصرَ وكان قادراً على الانتقام منهم. لكنّه سامحهم وترك أمرَهم لله، فهو العَفوُّ الغفور، "ومَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ". أضاف: "إنّنا اليومَ في مدرسة العفو والاستغفار عن كلِّ ما حصل، ورويسة البلُّوط تعفو وتسامحُ، وتُعلنُ أنّها جانبٌ أصيلٌ من طبق النُّحاس المعروفيِّ المُقدّس الذي إذا ما علا صوتُه في المتنِ سُمِعَ في الجانب الآخر من البلاد، وها هي تَصدحُ اليومَ عالياً بصوت الشرفِ والعنفوان، صوتِ الخيرِ والإيمان، صوتِ المحبةِ وحفظ الإخوان... صوتِ التسامحِ والغفران، فيُسمَعُ الصوتُ في كلِّ مكان. رويسة البلوط العائلةُ الواحدة والقلبُ الواحدُ، في رحابِها العامرة نلتقي فنرتقي، على نيَّة رأب الصَّدعِ وجمع الشمل، وعلى بركةِ الله وصوتِ دعاءِ الأجاويد وعلى صدى همّةِ الغيارى ووقعِ كلمات الرضا والتسليم والقَبول، نرفعُ الرايةَ البيضاءَ إلى جانب العمائم البيضاء وجباهِ الخيرِ الشريفة، ونُطلقُ قَسَمَ المصالحةِ من أفواه الطيِّبينَ المُتسامحين ومن أفئدة الأهلِ المتحابِّينَ من آل زيدان ومن آل خداج وجميع أبناءِ عائلات البلدةِ الكريمة مجتمعين، ليباركَه أبناءُ المتن الميامين وأهلُ الخيرِ والمعروفِ والدين". واستطرد: "حضرة المشايخ والأخوة الكرام في رويسة البلوط، ثقوا بأنَّ ما قمتم به اليوم يُثلجُ قلوبَ الموحِّدين، وسيكونُ موضعَ تقديرِ قادة الجبل ومشايخِ البلاد، وموضِعَ اعتزازِ مجتمع الموحدين الدروز وجميع المتنيين واللبنانيين، بل سيكونُ بمثابة كتابٍ تتعلَّمُ فيه الأجيال، ويتغذّى من دروسِه الرجال، ويقتدي بنهجِه الأبطال، وقد كنّا على يقين بأن أيّةَ مصالحة في قرانا تفتح الطريق أمام مصالحاتٍ أوسعَ وأشمل، وهذا ما نتمنّاه، وما نأمل أن يسمعُه ويعرفُ به أهلنا في كلّ بلدة وعائلة، فيسارعوا إلى التشبُّه والامتثال والعفوِ وطلبِ المغفرة، لقوله تعالى: "وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ". إخواني، يا أبناء التوحيد والجبل الكرام، يكفينا ما مرّت به البلاد من محن وحروبٍ ومصائب وانهيارات مالية كادت تُطيح بآمال اللبنانيين وتهدمُ آخر ما تبقّى من بناء الدولة، حيثُ لم يعدْ يُفيدُنا إلا التماسكُ ووحدة الكلمة والعملُ معاً لرأب الصدّع أينما وُجد، ولمواجهةِ محاولات تشويه الهوية التاريخية بالتأكيد على الثوابت الوجودية للمسلمين الموحدين الدروز، عقائدياً واجتماعياً ووطنياً، مهما تبدّلت الأحوال وانتصرت المخطّطات، لكن "ما من شيءٍ يدوم إلّا الذاكرة الوطنية"، كما قال بالأمس وليد بك، وإلا الهوية والثوابت التي حافظنا عليها منذ مئات السنين بالرغم من تغيُّر الأمم ومداولة الدول. ميزتُنا في لبنان أننا مرنون وقادرون على التكيُّف مع الواقع ومنفتحون على العالم وعلى المستقبل، وراسخون في انتمائنا القومي وفي التمسك بعمقنا العربي، ومعتزُّون بميزة التنوُّع والعيش الواحد، ومدركون أن لا مظلَّة تقي مسيرةَ الدولة والعهودِ المتعاقبة والعهدِ الميمونِ الجديد إلاّ مظلّة الشراكة الروحية الوطنية التي نادينا بها وسنستمرّ ننادي، تأكيداً منّا بأن لبنانَ قويٌّ ومُصانٌ بتضامن قواه الوطنية وعائلاته الروحية، وتلك الشراكة هي أقوى وأمضى سلاحٍ، وهو ما يجبُ على الشعبِ التمسَّكُ به، لا بسواه". وختم: "شكراً لكم جميعاً، شكراً لمشايخ رويسة البلوط ووجوهها الخيِّرة، شكراً لأعضاء اللّجنة المواكبة من العائلتين، ولجميع من زارنا من المسؤولين والأهالي للمتابعة والتشاور، شكراً للأحبّاء آل زيدان وآل خداج الذين وقَّعوا بالأمس على ورقة الاتّفاق، والتي سنحفظها في ملفاتنا وقلوبنا، ولتكُن الأفكارُ من هذه اللحظةِ صافيةً نقيَّة، والقلوبُ نابضةً بالأريحية، والأيدي متصافحةً ومتشابكةً وقويّة، والألسنُ ناطقةً بالحقِّ تقولُ سويّا: إنَّا عَقدنا على التوحيدِ رايتَناوصحوةُ العقلِ فاقت نبرةَ الغضبِ كفٌّ تُصافحُ، بل قلبٌ يُصارحُ، بل فكرٌ يُصالحُ، بل فَيضٌ من الأدبِ ليكُنْ هذا هو قسَمُنا الدائم، ونحن نسجِّلُ في سجلِّنا الذهبيِّ يومَ 28 حزيران 2025 تاريخاً مجيداً يُضافَ إلى تواريخ المتن المشرِّفة، حامدينَ الله تعالى في كلِّ بَدءٍ وخِتام. آجركُم الله، والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه". انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News