logo
نتنياهو من مأزق إلى مأزق

نتنياهو من مأزق إلى مأزق

الجزيرةمنذ 7 ساعات

تشكّل مأزق نتنياهو الأول، وتفاقم، في مدى عشرين شهرًا، في قطاع غزة. وذلك في الردّ على عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بشنّ حربَين في آن واحد: حرب بريّة خاضها الجيش الصهيوني، بهدف القضاء على المقاومة، وإحكام السيطرة العسكرية على القطاع.
أما الحرب الثانية، فقد شنّها الطيران الصهيوني، من خلال القتل الجماعي (الإبادة البشرية) والتدمير شبه الشامل، خصوصًا، هدم المشافي وإخراجها من الخدمة، وصولًا إلى فرض مجاعة عامة، وقنص المئات المندفعة لأخذ المساعدات، وهي تتضوّر جوعًا وعطشًا.
كانت نتيجة الحرب البريّة فشلًا عسكريًا. فقد أثبتت سلسلة الأنفاق الممتدّة على أرض القطاع، جدارتها في الحماية. وأثبتت قيادة المقاومة جدارتها في إعداد القائد والمقاتل المتحصّن بالأنفاق، الجدير بدوره في القتال، ومعه كل ما يحتاج إليه في حرب تمتدّ، ما يقرب من السنتين وأكثر.
الأمر الذي سمح، بتعطيل التفوّق العسكري بالطائرات والدبابات. ومن ثم الوصول إلى الفشل العسكري في تحقيق هدف القضاء على المقاومة. بل الوصول إلى انتصار المقاومة العسكري، كما عبّر عنه الاتفاق في 15 يناير/ كانون الثاني 2025، ولا سيما في إجراءات تبادل الأسرى. وقد غطّت غابة البنادق أرض القطاع.
أما حرب الإبادة، وبالرغم مما سبّبته من آلام وضحايا، وشهداء وجرحى، ودمار وعذابات، فقد وصمت الكيان الصهيوني، بمنتهك القانون الدولي، والقِيَم الأخلاقية والإنسانية، وبقاتِل الأطفال، وحارق المستشفيات. الأمر الذي دمّر سمعته في وعي الرأي العام العالمي. وهو ما سيترك أثره، لاحقًا، في تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وفي رحيل المستوطنين غاصبي فلسطين، وقد أقاموا كيانًا بلا حق أو أية شرعية.
هنا بدأت أزمة نتنياهو، ووقوعه في المأزق الذي تسبب له بعزلة دولية، ولا سيما من قِبَل دول الغرب التي لم توافقه في عودته للحرب الثانية، وفي استمرار الإبادة، بما أخذ يقترب من السنتين. بل حتى راح نتنياهو، يواجه أزمة في علاقته بترامب.
إعلان
ولا سيما بسبب ما توّلد من انقسام داخلي حاد ضده في الكيان، كما على مستوى عالمي ودولي، ورأي عام عالمي، وحتى في صفوف الحركات الصهيونية التي انقسمت بدورها ضدّه. وخاصة رسالة الصحفي الصهيوني توماس فريدمان، الذي طالب ترامب فيها، بأن يتخلى عن نتنياهو، الذي راح يدمّر الكيان الصهيوني وسمعته.
عندما يُوضع معارضو نتنياهو داخل الكيان وخارجه في كفة ميزان، لا يبقى مجالٌ لشك في وقوعه، في براثن أزمة تقف به على حافة السقوط، أو التراجع المذل.
شنّ نتنياهو الحرب على إيران في 13 يونيو/ حزيران 2025، ليجد بذلك مخرجًا من المأزق الداخلي الذي حاصر حكومته، ويدفع خصومه السياسيين في الداخل إلى الالتفاف حوله، في مشهد تكرّر خارجيًا مع الدول الغربية التي سارعت إلى تأييده تحت لافتة: "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد إيران".
وبهذا يكون نتنياهو قد انتقل من حضيض العزلة، وحتى العداء له، إلى قيادة حرب ضد إيران، أراد لها بالوحدة الداخلية، وبتضامن عالمي، ما يعزّز قيادته للكيان الصهيوني. وذلك للتخلص من المنشآت النووية والصواريخ الباليستية، بل إنهاء كل ما بنته إيران وحققته طوال المرحلة الممتدة منذ انتصار الثورة الإسلامية في 1979 حتى اليوم.
ومن ثَم الانتقال إلى تركيع المنطقة العربية والإسلامية كلها، من خلال امتلاك قوّة الردع الأعلى، وبما في ذلك تصفية القضية الفلسطينية، وإعادة رسم خرائط دولها، والتحكم بأنظمتها وسياساتها.
وهذا ما أخذ يلمّح له كل من ترامب ونتنياهو طوال نهار الجمعة 13 يونيو/ حزيران 2025، بعد شنّ الغارات التي ضربت فجر اليوم نفسه، واغتالت عددًا هامًّا من العلماء وقادة الحرس الثوري. وقد أُعلن عن تدمير ما خُطّط لتدميره من منشآت نووية وصناعية باليستية. وقد بدت المعادلة الجديدة مائلة كل الميل لمصلحة الكيان الصهيوني، بما فيها "السيطرة على سماء طهران".
إن من يتذكّر ما جرى من مناخ سياسي طوال نهار الجمعة 13 يونيو/ حزيران، سوف يستحضر موقف الشامتين بإيران، ويسترجع خوف القوى المتعاطفة معها، كما يتذكّر دهشة المراقبين وهم يشهدون معادلة جديدة بدأ يرسمها فجر الجمعة نتيجة الحرب.
لكن هذا المناخ سرعان ما راح يتبدّد في ليلة الجمعة/ السبت 13/14 يونيو/ حزيران، مع انطلاق خمسمئة صاروخ من إيران ضربت تل أبيب وحيفا. وقد استعادت بها إيران زمام المبادرة المُحصّنة، بقرار من الإمام خامنئي بخوض حرب الردّ على هذا العدوان، وبتصميم لا تردّد فيه، وشجاعة استثنائية.
ثم جاءت ليلة السبت/ الأحد 14/15 يونيو/ حزيران لتُصعّد إيران في الردّ الصاروخي الباليستي، بما فيها صواريخ من نوع "فرط صوتي" القادرة على خرق القبة الحديدية والوصول إلى أهدافها، محققة دمارًا لم يعهده الكيان الصهيوني من قبل، وقد تجاوز النوعان، كما تأكّد في نهار وليلة الخامس عشر، مستويات جديدة من القدرة والتأثير والاختراق.
وبهذا كانت نتيجة الردود الإيرانية، عودة نتنياهو إلى مأزق أشدّ من سابقه. وكيف لا يكون أشدّ، إذا ما تطور ميزان القوى في حرب الثالث عشر من يونيو/ حزيران في غير مصلحة نتنياهو، بل تطوّر في مصلحة إيران. مما سيترك أثره في مستقبل الوضع كله في المنطقة، وفي المقدمة المقاومة الفلسطينية، والشعب الفلسطيني، والقضية الفلسطينية. وبهذا ينقلب السحر على الساحر مرة أخرى.
إعلان
لقد أصبح الاتجاه العام لتطوّر الحرب إلى مزيد من قوة إيران، وإلى المزيد من ضعف الكيان الصهيوني، وإلى تعميق مأزق نتنياهو الفاشل في غزة، والفاشل في إيران كذلك.
على أن هذه المعادلة، نقلت "الطابة" إلى ملعب ترامب، ودول أوروبا من ناحية الكيفية التي يعالج بها الوضع الجديد: هل في اتجاه هدنة تكرّس نصر إيران ودورها، كما تكرّس هزيمة الكيان، ومأزق نتنياهو؟ أم يُصار إلى الاستمرار في الحرب، مما يمنع الوصول إلى هذه النتيجة الفاجعة للكيان الصهيوني، حرصًا على الكيان ومستقبله؟
هذا، وسيترتب على كل من الخيارين، معادلة إقليمية جديدة، غير التي عرفها العالم، ما بين طوفان الأقصى وحرب الثالث من يونيو/ حزيران على إيران.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الجيش الإسرائيلي يعلن قصف مفاعل آراك وموقع في نطنز
الجيش الإسرائيلي يعلن قصف مفاعل آراك وموقع في نطنز

الجزيرة

timeمنذ 38 دقائق

  • الجزيرة

الجيش الإسرائيلي يعلن قصف مفاعل آراك وموقع في نطنز

أعلن الجيش الإسرائيلي عن تنفيذه الليلة الماضية سلسلة ضربات جوية استهدفت مواقع حساسة ومنشآت نووية داخل إيران. وقال الجيش في بيان اليوم الخميس إنه قصف مفاعل "آراك" النووي جنوب غرب العاصمة طهران، وأضاف أنه استهدف موقعا في نطنز جنوب شرقي طهران، يُستخدم في تطوير الأسلحة النووية، ويحتوي على معدات متطورة تُسهم في تسريع البرنامج النووي الإيراني، بحسب البيان. وأشار البيان إلى أن الضربات شملت أيضا مواقع صناعية وعسكرية، من بينها مصانع لإنتاج المواد الأولية وأجزاء من الصواريخ الباليستية. وأوضح أن الهجوم نُفذ بواسطة 40 مقاتلة حربية، استهدفت عشرات المواقع العسكرية في مختلف أنحاء طهران ومناطق أخرى داخل إيران. من جهتها، أعلنت إذاعة الجيش اعتراض 17 طائرة مسيرة أطلقتها إيران باتجاه إسرائيل خلال هجوم ليلة الأربعاء. وصباح اليوم الخميس، أعلن الحرس الثوري الإيراني تنفيذه "بنجاح الموجة الـ14 من الهجمات على الأهداف الاستراتيجية للعدو الصهيوني". وتوعّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن إيران"ستدفع ثمن" هجماتها على إسرائيل. وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن 6 مصابين بجروح خطيرة نُقلوا إلى المستشفيات في حالة حرجة، كما أشارت إلى ارتفاع عدد المصابين جراء الهجوم الإيراني إلى 65 شخصا. ومنذ فجر 13 يونيو/حزيران الجاري، تشن إسرائيل بدعم أميركي عدوانا على إيران يشمل قصف منشآت نووية، وقواعد صواريخ، واغتيال قادة عسكريين، وعلماء نوويين، ما أسفر عن 224 قتيلا و1277 جريحا، فيما ترد طهران بصواريخ بالستية وطائرات مسيرة، خلفت نحو 24 قتيلا ومئات المصابين. وتلوح في الأفق مخاطر توسيع الصراع مع تقارير غربية وإسرائيلية عن إمكانية انضمام الولايات المتحدة إلى تل أبيب في الهجوم على إيران.

مصر والتأثيرات المحتملة عليها جرّاء حرب إسرائيل وإيران
مصر والتأثيرات المحتملة عليها جرّاء حرب إسرائيل وإيران

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجزيرة

مصر والتأثيرات المحتملة عليها جرّاء حرب إسرائيل وإيران

لطالما كانت مصر- كغيرها من الدول التي تعتمد على مصادر دخل خارجية محدودة، وتفتقر إلى قاعدة إنتاج صناعي قوية- شديدة التأثر بالتحولات العالمية. فالاعتماد على السياحة، وقناة السويس، وتحويلات العاملين بالخارج، إلى جانب أزمة الزيادة السكانية، فضلًا عن اعتمادها على الخارج في الغذاء والسلع والخدمات، يجعلها أكثر هشاشة أمام أي اضطراب دولي، كما ظهر جليًّا في جائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، والعدوان الصهيوني على غزة. ولا تقتصر عوامل التأثر على الاقتصاد والتجارة، بل تمتد إلى مكانة الدولة الإقليمية. فكلما كانت الدولة ذات موقع جيوستراتيجي أو دور محوري في محيطها، زادت قابليتها للتأثر بما يدور حولها، سلبًا أو إيجابًا. ومصر تندرج بوضوح ضمن هذا التصنيف. نوعان من الآثار والتداعيات في ضوء ما سبق فإن آثار الحرب الدائرة حاليًّا بين إسرائيل وإيران، على مصر، تنقسم إلى نوعين: آثار عاجلة وآنية، وأخرى تتصل بالمدى المتوسط، وقد تمتد لفترات طويلة. ولا شك أن العوامل الاقتصادية تأتي في مقدمة ما يشغل مصر اليوم، بل هي مصدر القلق الأكبر، بالنظر إلى تداعيات الحرب على أوضاعها المالية. فمصر ما إن بدأت تتأقلم، بعد جائحة كوفيد-19، مع تبعات الأزمة الروسية الأوكرانية، وألفت تأثيرات العدوان الصهيوني المتكرر على غزة، حتى وجدت نفسها أمام همّ جديد، بأبعاد أكثر اتساعًا. ولعل أخطر ما قد تواجهه من هذه الحرب، هو انعكاسها على دور مصر الإقليمي، لا سيما ما يتصل بخطر إعادة تشكيل خارطة جديدة للشرق الأوسط، كما يحلم بها نتنياهو منذ أمد بعيد. وهذا السيناريو مرهون بتطور عدد المشاركين في الحرب مستقبلًا، وبما ستؤول إليه الأوضاع الميدانية في ساحات المعركة. تتعدد الآثار الاقتصادية المحتملة التي قد تظهر بوادرها في الأيام القليلة القادمة، وقد تمتد لتشمل الشأن الاجتماعي المصري. وعلى العموم، فإن درجة التأثير تتوقف على طبيعة التطورات الميدانية للحرب. ارتفاع معدلات التضخم، من خلال زيادة أسعار السلع والخدمات، نتيجة منطقية للقيود التي تفرضها الحرب على التجارة الخارجية، خاصة مع الدول المجاورة. تأثير الحرب على السياحة، بوصفها أحد مصادر الريع الأجنبي. فالسائح، بطبعه، يفرّ من مناطق التوتر إلى أماكن الاستقرار والراحة. وقد شهد قطاع السياحة في مصر انتعاشًا ملحوظًا مؤخرًا، إذ بلغت عائداته 15.3 مليار دولار عام 2024، بزيادة 9% عن 2023. بيدَ أن الحرب الحالية قد تُعيد حالة القلق وتؤثر سلبًا على تدفق السياح. انخفاض عائدات قناة السويس، وهو مصدر مهم من مصادر النقد الأجنبي. وقد بدأ هذا التأثير منذ حرب غزة، بسبب استهداف جماعة "أنصار الله" الحوثية للسفن الإسرائيلية أو المتجهة نحو موانئها، مما أدى إلى تراجع حركة الملاحة بالقناة إلى النصف تقريبًا.ومع الهدنة الأخيرة بين واشنطن والحوثيين، وتهدئة المواجهة في باب المندب بحصرها في المجال الجوي، بدأت القناة تستعيد جزءًا من نشاطها. وتشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن عائد القناة في فبراير/ شباط الماضي بلغ 13.1 مليار جنيه، وارتفع في مارس/ آذار وأبريل/ نيسان إلى 16.8 مليار جنيه شهريًا. غير أن استمرار الحرب الحالية يهدد مجددًا هذا المسار التصاعدي. احتمال تأثر تحويلات المصريين في الخارج، التي بلغت وفق بيانات البنك المركزي 32.6 مليار دولار عام 2024. ورغم أن عوائد المصريين قد ترتفع نظريًا نتيجة زيادة أسعار الطاقة، وتحسن دخل دول الخليج، فإن مخاوف عدم الاستقرار قد تدفع البعض للتعامل عبر السوق الموازية بدلًا من القنوات الرسمية، كما حدث في أوقات سابقة. انخفاض متوقع في قيمة الجنيه، نتيجة ضغوط على الإيرادات الدولارية، رغم تحسن الاحتياطي النقدي الذي بلغ نحو 48 مليار دولار مؤخرًا. وقد يُستخدم هذا الاحتياطي لسد العجز ودعم الجنيه مؤقتًا. اتساع عجز الموازنة العامة، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة. فالموازنة العامة 2025/2026 وضعت تقديراتها بناءً على أسعار تتراوح بين 75 و82 دولارًا لبرميل النفط، فيما تتجه الأسعار للارتفاع. وقد يؤدي ذلك إلى زيادة تكلفة الواردات، خاصة الوقود، حيث استوردت مصر في 2022 ما قيمته 12.3 مليار دولار، وارتفع الرقم إلى 15.5 مليار دولار في 2024، ما سيضغط على مخصصات الدعم والخدمات. شح في واردات الغاز، نتيجة توقف الإمدادات الإسرائيلية، واحتمالات تعثر الشحنات القطرية الممنوحة بأسعار مميزة، بفعل اضطراب الملاحة بين البلدين. وقد تلجأ مصر إلى الجزائر لسد العجز. يُذكر أن وزارة البترول أعلنت مع بداية الحرب وقف إمداد مصانع الأسمدة بالغاز، ودرست خفض الحصة المخصصة لمصانع الحديد التي تعمل بنظام الاختزال المباشر، وهي من أكبر مستهلكي الغاز. انعكاسات اجتماعية متوقعة، حال استمرار الأزمات، لا سيما على نسب الفقر. فقد ارتفعت النسبة خلال العقد الأخير، بحسب البنك الدولي ولجنة الإسكوا، من 29.7% عام 2019 إلى 34.3% عام 2023، وتُقدّر اليوم بنحو 36% وفق مصادر غير رسمية. واستمرار الأزمة قد يؤدي إلى ارتفاعات إضافية، مع آثار مباشرة على الأمن الاجتماعي. ثانيًا: الآثار السياسية.. قتامة في الأفق لعل أبرز التداعيات السياسية للحرب على مصر تتمثل في انعكاساتها على دورها الإقليمي، ومدى تأثره بنتائج الحرب، لا سيما في ظل طموح الكيان الصهيوني إلى فرض هيمنته على المنطقة، إذا ما نجح في إخضاع إيران وإجبارها على الرضوخ الكامل لشروط المشروع الصهيو-أميركي. في هذا الإطار، تكمن خطورة فرض نتنياهو رؤيته الأمنية، مدعومًا بالكامل من الولايات المتحدة، وما يمكن أن يترتب عليها من تسويات سياسية تشمل تطبيعًا كاملاً مع القوى العربية التي ما تزال خارج "الاتفاقات الإبراهامية". غزة ستكون أول المتضررين من هذه الرؤية، إذ إن الحرب النفسية الناجمة عنها ستلقي بظلالها الثقيلة على معنويات فصائل المقاومة. ورغم أن الفلسطينيين استطاعوا استغلال انشغال إسرائيل بالحرب مع إيران لتحقيق بعض المكاسب الميدانية، فإن المخزون النفسي العالي لديهم قد يتآكل في حال جاءت نتائج الحرب بما يُضعف الحلفاء، ويُقوي أعداءهم. في خضم هذه المعادلة، تبدو مصر في موقع حساس، إذ إنها لا تزال تُصرّ على منع أي محاولة لتهجير الفلسطينيين إلى أراضي سيناء، وهو موقف حاسم في إستراتيجيتها الأمنية. غير أن نجاح المشروع الصهيو-أميركي في كسر شوكة إيران، وسقوط آخر قلاع المقاومة، قد يفرض ضغوطًا سياسية كبيرة على القاهرة، ويفتح المجال أمام سيناريوهات أكثر تعقيدًا، تُبقي فقط بعض جيوب المقاومة المتفرقة، كالحوثيين في اليمن. تحركات مصرية مطلوبة في ضوء هذه المستجدات، تجد القاهرة نفسها في سباق مع الزمن، ويصبح من الضروري الدخول في مشاورات عاجلة مع القوى العربية الأكثر تأثيرًا، مثل السعودية، الإمارات، قطر، الأردن، وربما الجزائر، للتوصل إلى ترتيبات أمنية إقليمية قادرة على صدّ أي مشروع صهيوني يحاول استغلال نتائج الحرب لفرض واقع جديد. لكن هذا التحرك المصري سيكون مرهونًا بتجاوب تلك الأطراف، ليس فقط من أجل إدارة آثار الانهيار الإيراني المحتمل، بل أيضًا لمنع إسرائيل من ملء الفراغ الناجم عن الحرب، وفرض هيمنة سياسية وأمنية على المنطقة بأسرها. ومن الأمور الجوهرية كذلك، الحاجة إلى خلق حاضنة شعبية داخلية تدعم صانع القرار. فقد أظهرت تطورات الحرب مدى قابلية الداخل الإيراني للاختراق من قبل أجهزة الاحتلال، وهو ما سهل على تل أبيب إحراز تقدم. ورغم أن المجتمع الإيراني متعدد ومعقد على نحو يختلف عن المجتمع المصري المتماسك، فإن الحصانة المجتمعية تظل عاملًا حاسمًا في دعم الدولة. ومن هنا، فإن توسيع المجال العام، ومنح المواطنين مزيدًا من حرية الرأي والتعبير، لا يُعد ترفًا سياسيًا، بل ضرورة أمنية تمكّن القيادة من اتخاذ قرارات جريئة لمواجهة تداعيات الحرب، لا سيما إذا أُجبرت على التعامل مع ترتيبات إقليمية صعبة، قد تفرض اتخاذ خطوات منفردة تحت ضغط الواقع.

باسم عيسى مؤسس وحدة الظل في كتائب القسام
باسم عيسى مؤسس وحدة الظل في كتائب القسام

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجزيرة

باسم عيسى مؤسس وحدة الظل في كتائب القسام

باسم عيسى -المعروف بلقبه أبو عماد- قائد سابق في كتائب عز الدين القسام -الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- ولد عام 1965 واغتالته إسرائيل عام 2021. تولى قيادة لواء غزة من عام 2017 حتى استشهاده في مايو/أيار 2021. ترك وراءه إرثا في بناء القدرات العسكرية للكتائب وتنظيم وحداتها الهندسية، واعتبر محللون استشهاده خسارة نوعية لحماس في معركة "سيف القدس". المولد والنشأة ولد باسم صبحي شعبان عيسى (أبو عماد) يوم 26 فبراير/شباط 1965 في قطاع غزة في عائلة مناضلة لها باع طويل في مقارعة الاحتلال. فقد لجأت عائلته عام 1948 إلى قطاع غزة بعد أن هجّرتها العصابات الصهيونية من بلدتها الأصلية في بيت طيما قرب عسقلان، فاستقرت في مخيم خان يونس للاجئين الفلسطينيين. كان باسم عيسى متزوجا من راوية القوقا (أم عماد)، وأنجبا سبعة أولاد: أربع بنات وثلاثة أبناء. تقول زوجته أم عماد في إحدى تصريحاتها الصحفية إن القائد العام السابق لكتائب القسام الشهيد محمد الضيف لقبه بـ"التِّسْتُري"، وذلك لأنه كان دائما يحمل في جيبه قلما ومفك فحص الكهرباء (مفك التّست)، وكانت هذه الآلة مهمة جدا له نظرا لعمله في تصنيع المتفجرات، وحاجته الدائمة لفحص التيار الكهربائي حتى لا يقع في أخطاء. أجمع رفاقه ومعارفه وأفراد أسرته على أنه كان يجمع بين الصرامة القيادية داخل الميدان والحنان الأسري في بيته. الدراسة والتكوين العلمي أنهى دراسته الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدارس قطاع غزة، والتحق بكلية التربية وحصل فيها على دبلوم تدريس العلوم والرياضيات، كما درس إدارة الأعمال وتخصص في المحاسبة بجامعة القدس المفتوحة. التجربة العسكرية التحق أبو عماد مبكرا بصفوف حركة حماس و جماعة الإخوان المسلمين ، وكان لمؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين وكذا الشيخ عبد الله عزام الأثر الكبير عليه، مما دفعه للانخراط في صفوف المقاومة. في 8 ديسمبر/كانون الأول 1987 كان باسم من أوائل المشاركين في الانتفاضة الفلسطينية الأولى بفعالياتها الشعبية والجماهيرية، وعُرف بنشاطه وشجاعته، واعتقلته قوات الاحتلال في تلك الفترة 3 مرات، أطولها استمرت عامين ونصف العام. بعد الإفراج عنه منتصف عام 1991 كانت كتائب القسام تعيد تشكيل نفسها من خلال انتقاء عناصر ذات صفات خاصة، وكان عيسى أحد عناصر الرعيل الأول الذين انضموا للكتائب بسرية تامة. عمل مع أبرز قادة القسام أمثال الشهيد يحيى عياش ومحمد الضيف وعماد عقل، وفي سبتمبر/أيلول 1993 نفذ أول عملية قتل لجنود إسرائيليين من نقطة الصفر في حي الزيتون رفقة الشهيد عماد عقل، عُرفت بعملية "الزيتون" وأسفرت عن 3 قتلى واغتنام قطعتي سلاح. آوى باسم في بيته بغزة الشهيد يحيى عياش الذي فر من قوات الاحتلال في الضفة الغربية ، ثم بدأت تلاحقه أجهزة أمن السلطة الفلسطينية بهدف معرفة مكان وجود عيّاش، فاقتحمت منزله مرات عدة، وأطلقت عليه النار واعتقلته، ولم تفرج عنه إلا بعد استشهاد عياش. تعلّم باسم أساسيات صناعة المتفجرات من الشهيد يحيى عياش، وطوّر خبرته في تصليح الأدوات الكهربائية وأصبح واحدا من أهم صانعي المتفجرات لاحقا. في مايو/أيار 1994 أوكلت قيادة كتائب القسام إلى باسم مهام تتعلق بتدريب بعض أفرادها في الضفة الغربية المحتلة، فدرّب كلاً من أكرم القواسمي وحسن النتشة وأيمن الرازم، الذين كان لهم لاحقا دور في عمليات عدة بالضفة الغربية المحتلة. برز اسمه واسم أخيه مروان عيسى عقب اغتيال القائد في كتائب القسام أحمد الجعبري بغارة إسرائيلية عام 2012، واتهمته إسرائيل بالمسؤولية المباشرة عن إطلاق الصواريخ على مستوطنات غلاف غزة. في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 خلف باسم عيسى الشهيدَ أحمد الجعبري، وتقلد مناصب قيادية في القسام إلى أن أصبح قائدا للواء غزة بين عامي 2017 و2021. شارك باسم عيسى في التصنيع العسكري مع القادة يحيى عياش وسعد العرابيد وعدنان الغول، وأشرف على تصنيع ما عُرفت بـ"العبوة القسامية". وكان من ضمن الفريق الذي عمل على تصنيع قذائف "الأنيرجا"، وحصل مع الشهيد عدنان الغول على "مدفع هاون" قديم عملوا على إصلاحه واستخدامه. تولى مسؤولية الدائرة المشرفة على صناعة " قذائف الياسين" بعد اغتيال القائدين عدنان الغول وعماد عباس. شارك في مشروع تصنيع صواريخ "عياش" التي ضربت بها مطار "ريمون" العسكري جنوب فلسطين المحتلة، وفاء لرفيقه الشهيد المهندس يحيى عياش، وأسس وحدة الظل في القسام، وهي التي تتولى مهمة الحفاظ على الأسرى الإسرائيليين وحراستهم. الاغتيال اغتالت قوات الاحتلال باسم عيسى يوم 12 مايو/أيار 2021 أثناء معركة "سيف القدس" التي أطلقتها الفصائل الفلسطينية دفاعا عن القدس وحماية لأهالي حي الشيخ جراح من التهجير في إطار التلاحم بين جميع ساحات فلسطين المحتلة. وعلقت زوجة الشهيد يحيى عياش (أم البراء) على اغتيال باسم عيسى، وكتبت في صفحتها على فيسبوك"استشهد صاحبك يا يحيى، باسم عيسى أحد قيادات القسام، ومن لم يعرفه؟".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store