
"المراهقة"... دراما بلقطة واحدة عن التنمر المتسلسل
يستند مسلسل "المراهقة" البريطاني إلى قصة من الواقع لينقل قضية التنمر الإلكتروني الذي يتعرض له المراهقون وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي في قالب مكتمل العناصر وتصوير رائع.
وخلال أسابيع قليلة من بداية عرضه على "نتفليكس" استطاع مسلسل "المراهقة" Adolescence أن يتصدر قائمة المسلسلات التلفزيونية الإنجليزية الأكثر مشاهدة على المنصة. وبحسب موقع "تودوم" التابع لـ"نتفليكس" استطاع المسلسل أن يقفز من المرتبة التاسعة إلى الرابعة على قائمة أكثر الأعمال الإنجليزية شعبية بعد أقل من شهر من صدوره، محققاً أكثر من 114 مليون مشاهدة.
يعود النجاح الواسع الذي حققه المسلسل الذي يخاطب المراهقين وأهلهم مستنداً إلى قصة من الواقع لعناصر عديدة أسهمت معاً في ذلك. حتى إنه عرض في عديد من المدارس الثانوية في المملكة المتحدة بفضل الرسالة الواقعية المؤثرة التي ينقلها، ونظراً إلى تناوله مواضيع حساسة عن المراهقين وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي عليهم، لذلك وصل إلى جمهور متنوع من المراهقين والشباب والمعلمين، إضافة إلى الأهل.
أحداث من الواقع
تدور أحداث مسلسل Adolescence الذي صور في بريطانيا حول المراهق جيمي ميلر البالغ من العمر 13 سنة الذي يعتقل بتهمة قتل أحد رفاقه في المدرسة مع ما سببه ذلك من حالة ارتباك واضطراب للأهل. ويظهر فيه أيضاً والد جيمي والمحقق، إضافة إلى خبيرة علم النفس التي تتابعه. ويتميز المسلسل الذي أخرجه فيليل بارانتيني، وهو من تأليف ستيفن غراهام وجاك ثورن، بعناصر عديدة لافتة، منها طريقة التصوير في كل من حلقاته بلقطة واحدة مستمرة، مما أعطاه طابعاً درامياً متكاملاً وجعل من مشاهدته تجربة لافتة.
وإضافة إلى طريقة التصوير التي تميزه تبرز فيه القضية التي يطرحها. وعلى رغم أن الأعمال والمسلسلات الدرامية كثيرة على المنصات، ومنها "نتفليكس"، وعلى رغم كثرة الأعمال التي تدور حول قضايا المراهقين، حقق المسلسل نجاحاً بسرعة قياسية بفضل طريقة المعالجة والطرح الجريء والأسلوب السردي المختلف، والإخراج البصري اللافت، والنقاش الذي أثاره في بريطانيا والعالم حول كيفية حماية الأطفال من التنمر الإلكتروني ومن المحتويات الضارة على وسائل التواصل الاجتماعي. هذا إلى جانب التسلسل الدرامي الذي استطاع من خلاله أن يمرر رسائل عدة في أقل من أربع ساعات، بما أنه يتألف من 4 حلقات، مدة كل منها 65 دقيقة.
هذه العناصر التي اجتمعت واستطاع من خلالها أن يحقق نجاحاً عالمياً، وبفضل تأثيره المجتمعي اللافت وما أثاره من نقاشات، دعم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر مبادرة من "نتفليكس" لبثِّ المسلسل الدرامي مجاناً في المدارس الثانوية في البلاد، ليشاهده أكبر عدد ممكن من المراهقين. وكان طالب بعرض المسلسل الذي تصدر محركات البحث على وسائل التواصل الاجتماعي في المدارس كأداة تعليمية.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قصة تحاكي المراهقين
بحسب الاختصاصي في المعالجة النفسية أنطوان الشرتوني تكمن أهمية المسلسل في أنه يخاطب المراهقين متناولاً إشكالية قد يواجهها كثر منهم، وهي التنمر، وتحديداً التنمر الرقمي، كما يتناول موضوع قتل مراهقة استناداً إلى قصة من الواقع.
وصحيح أنه يخاطب المراهقين مباشرة، لكنه لا يخاطبهم حصرياً، وإنما يخاطب الأهل أيضاً، فيما يدعوهم إلى التنبه لكل التفاصيل التي تتعلق بأبنائهم. في الوقت نفسه ما يميز المسلسل بصورة خاصة هو ما يكشفه عن الدينامية في العائلة، وردود الفعل للأم والأب والمراهق وشقيقته، بصورة تعكس الواقع، "هو عمل رائع ومتكامل من النواحي كافة، بمختلف العناصر الرائعة فيه، بنصه البسيط والفعال، خصوصاً في الحلقة الثالثة التي تكشف دور خبيرة علم النفس وتصرفاتها ومخاوفها وتساؤلاتها، مما يجعله عملاً رائعاً يفسر نجاحه".
ويتناول المسلسل موضوع التنمر انطلاقاً من الجريمة التي حصلت والتهمة الموجهة إلى المراهق. وفي الحلقتين الثانية والثالثة تكشف خبيرة علم النفس في مساعيها إلى اكتشاف الحقيقة تلك العلاقة بين التنمر الإلكتروني والقتل. بالنسبة إلى الشرتوني عالج المخرج القصة بطريقة رائعة تجعل المشاهد في حالة ترقب لما سيكشف عنه المسلسل حول الجريمة، وما إذا كان المراهق قد أقدم فعلاً على قتل رفيقته في المدرسة، ولا يكشف ذلك إلا في الدقيقة الأخيرة، لذلك يجذب المسلسل المشاهد من اللحظة الأولى حتى الدقيقة الأخيرة من دون توقف، بحيث يجد صعوبة في التوقف عن المشاهدة في أي وقت من الأوقات.
ولا يؤيد الشرتوني عرض المسلسل في المدارس كأداة تعليمية ولا يراه مناسباً في هذا الإطار وإن كان من الممكن للأطفال مشاهدته من عمر 12 سنة، فيكون مناسباً لهم من هذه السن للاستمتاع به والاستفادة من الرسائل التي فيه، خصوصاً أنه في هذه السن من الممكن أن تبدأ سلوكيات التنمر بين الأطفال. فهو في الواقع لا يظهر حتى معاناة أهل الفتاة بصورة واضحة ومستمرة، ولا يسلط الضوء على قضية التنمر بصورة متواصلة، بل على جزء منها فقط. كما لا يركز على المعاناة المرتبطة بالتنمر من خلال شخصية صديقتها المراهقة إلا في مشاهد معينة وبصورة محدودة، مع ما ظهر لديها من مشاعر غضب وردود فعل، لذلك لا يراه فيلماً تثقيفياً عن التنمر، لأنه ليس هناك تركيز كافٍ على ذلك، فيما يرى أن فيلم Marion 13 ans pour toujours مناسب بصورة أمثل لهذا الهدف بتركيزه على التنمر كأداة تثقيفية. فهو يظهر معاناة الأهل بعد انتحار ابنتهم بسبب التنمر، ويسلط الضوء على أثر التنمر، وأيضاً على معاناة أهل الطفل المتنمر. فهي طفلة عاشت حتى عمر 13 سنة وأقدمت على الانتحار بسبب التنمر الذي تعرضت له.
على رغم ذلك يعد مسلسل "المراهقة" رائعاً ويمكن أن يشاهده المراهقون لأنه ينقل رسائل معينة، وهو يخاطبهم مباشرة من دون أن يكون فيلماً تربوياً. وقد نقل الرسالة بطريقة ذكية وكشف دينامية العائلة ودينامية المراهقة مع خبيرة علم النفس والمراهقين في المدرسة. كل المشاهد والرسائل واضحة فيه، وحتى بالنسبة إلى التحقيقات التي تجرى مع مراهق، هي تراعي سنه في طريقة التعامل معه بهدوء، بوجود من يمثله، ويحضر التحقيقات مراعاة لسنه، "هذا ما يجعله عملاً متكاملاً بطريقة المعالجة، والجماليات التي فيه التي هي أكثر من رائعة، إضافة إلى التنفيذ والتصوير والإخراج والسيناريو الرائع والتمثيل المبدع. وخبيرة علم النفس لعبت الدور بصورة ممتازة وجسدته بكل ما فيه من مشاعر".
تقنيات سينمائية
من جهته يتوقع الناقد والمستشار السينمائي إلياس دمّر أن يحصد المسلسل عديداً من الجوائز، وقد يحصل على جائزة أفضل مسلسل قصير، كونه يشكل تجربة فنية متميزة في عالم الدراما التلفزيونية، إذ اعتمد على تقنيات تصوير مبتكرة لتعزيز التأثير الدرامي للقصة الحساسة والمؤثرة. ومن أهم التقنيات المجدية فيه تقنية التصوير بلقطة واحدة مستمرة من دون انقطاع في كل حلقة للتحول إلى ما يشبه الفيلم، ومثل هذه التقنية في التصوير تتطلب تنسيقاً أمثل ودقيقاً بين الممثلين والمصورين.
وهذا الأسلوب ينقل إلى المشاهد واقعية الأحداث ويعزز التوتر الدرامي لقصة مشحونة. وقد استغرق تصوير الحلقة الأولى وحدها يوماً كاملاً، وفق التقارير. أما في باقي الحلقات فتكرر التصوير ليصل أحياناً إلى 16 مرة للوصول إلى لقطة مُثلى متواصلة في الحلقة لمدة 50 دقيقة، لأن هذا يتطلب درجة عالية من الاحتراف في التنسيق بين فرقاء العمل، حتى إنه كان هناك تعقيد في التصوير في لقطة واحدة متواصلة، وتم تطويره عبر إضافة التصوير الجوي بالطائرة المسيرة، مما يتطلب تنسيقاً عالي المستوى. وكان هناك انتقال من التصوير الجوي إلى الأرضي بصورة مثالية لا خطأ فيها، وهذا ما فرض تحديات لضمان هذا التنفيذ العالي المستوى مع أسابيع من التحضيرات حتى تأتي المشاهد سلسة، علماً أن التنقل بالكاميرا بين مواقع مختلفة بهذه الصورة غير مسبوق في التلفزيون ولا حتى في السينما، بحسب دمّر.
هذا الإبهار التقني انعكس بصورة واضحة على السرد الدرامي لتعزيز أثره، مما جعل المشاهد والنقاد يشعرون بواقعية الأحداث، وأضاف بُعداً فنياً أبرز التحديات النفسية التي يعانيها المراهق وعائلته وأصدقاؤه، والتحديات الاجتماعية التي تواجهها الشخصيات حتى اللحظة الأخيرة، وهذا ما جعل التجربة البصرية أكثر اندماجاً مع التسلسل الدرامي. ويعتبر دمّر أن هذا العمل يشكل نقطة مفصلية، وهو رائد في استعمال هذه التقنيات، ويعد نموذجاً رائداً أمام أعمال أخرى في اعتماد التقنيات السينمائية المتقدمة في الإنتاج التلفزيوني، كما يشكل نقطة مفصلية في إشكاليات المراهقة والهوية الشبابية وما تتعرض له من إذلال وتنمر إلكتروني، مع دخوله في التفاصيل وتفسيرات وتحليلات ذكية لزوايا تتعلق بهذا الشأن. وبصورة عامة يعتبر دمّر أنه لم تغلب التقنية التصويرية على المحتوى الدرامي، كما أن البعد الفني الدرامي لم يغلب على التقنية فيه، بل كمل كل منهما الآخر، مما أعادنا إلى روعة السينما التي انتقلت إلى التلفزيون.
في ما يخص البناء الدرامي أتى السرد كما لو كان في الزمن الحقيقي بسبب طريقة التصوير بأسلوب يترك المشاهد مع أعلى درجات التوتر الدرامي من دون انقطاع أو تهدئة في سياق الأحداث. إلا أن التوتر كان ينمو شيئاً فشيئاً ليبلغ الذروة في مكان ما، وعندما انكشفت الروايات المتعددة، خلق ذلك للمشاهد حالة الشك المستمرة بسبب طريقة الكتابة. فهناك تساؤلات مستمرة حول ما إذا كان المراهق مذنباً فعلاً أو ضحية، على رغم الحقائق التي تعرض. ويشيد دمّر بشخصية المراهق المعقدة، الذي يبدو ضحية البيئة السامة والتنمر الرقمي، وكذلك شخصية الضحية المقتولة التي تمثل الصوت الغائب. فوجودها الوهمي شكل العمود الفقري للعاطفة الدرامية، حيث تكشف شخصيتها شيئاً فشيئاً.
وعلى رغم أنها ضحية وغائبة، هي في العمل رمز لانهيار القيم المجتمعية. ويظهر أيضاً في العمل عدم فهم الراشدين معاناة المراهقين في استخدامهم وسائل التواصل الاجتماعي. ومن الشخصيات المهمة أيضاً الأم والأب اللذان تظهر لديهما مشاعر الارتباك لعدم قدرتهما على تصديق ما حصل، بالتالي يسلط المسلسل الضوء على تسلسل أفكار الذكورية المتطرفة التي تسرب عبر الإنترنت إلى عقول الشباب بصورة تظهر من خلال تفاصيل يومية، كما يبرز الشرخ الموجود بين الأجيال، وعدم تفهم الراشدين للأطفال، وعدم تعبير المراهقين بالصورة المناسبة للراشدين، وهذا ما يخلق هوة بين الجيلين. أما المشكلة الثالثة التي يبرزها، فهي الهوية والانتماء لدى المراهق في بحثه عن مكان في العالم، وهو في حالة عجز مستمرة، فيتوه في وسائل التواصل الاجتماعي، ويحتمي بالتجمعات الإلكترونية التي أصبحت عنيفة للغاية.
يعبر دمّر عن إعجابه الشديد بهذا العمل بما يتخلله من تجريد للمشاعر في الأسلوب الدرامي والإخراجي بواقعية شديدة من دون مونتاج وبغياب الموسيقى التصويرية، مما يجعل المشاهد مرغماً على مواجهة المشاهد كما هي من دون تزيين وإضافات، إضافة إلى التداخل السردي مع الزمن النفسي. وعلى رغم الوجود في زمن واحد كأنه ثمة تضارب في الأزمنة بين مختلف الشخصيات، "أروع ما في العمل أنه يظهر كيف يمكن أن تحصل الجريمة في صمت، فيما لا يعرف أحد أن المراهق البريء يمكن أن يتحول إلى قاتل في أعين المجتمع، بينما الحقيقة معقدة أكثر بكثير، لذلك فإن الدراما موجودة لطرح أسئلة أخلاقية وإنسانية من دون أجوبة واضحة".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 4 ساعات
- Independent عربية
"سعفة كان" الفخرية تفاجئ دينزل واشنطن: أنا متأثر
فوجئ الممثل الأميركي دينزل واشنطن بحصوله على جائزة السعفة الذهبية الفخرية في مهرجان "كان" السينمائي مساء أمس الإثنين، تقديراً لمسيرته الفنية المتميزة وفق ما قال منظمو المهرجان. وكان واشنطن (70 سنة) في جنوب فرنسا لحضور العرض الأول لفيلم "هايست تو لويست" للمخرج الأميركي سبايك لي، وهو مقتبس من فيلم "هاي أند لو" للمخرج الياباني أكيرا كوروساوا. ويقوم واشنطن الذي انضم إليه على السجادة الحمراء النجمان المشاركان آيساب روكي وجيفري رايت، بدور ديفيد كينغ في فيلم الجريمة والإثارة، وهو العمل الخامس الذي يجمعه مع سبايك لي. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وقال واشنطن خلال التكريم "لقد كانت هذه مفاجأة بالغة بالنسبة إليّ، لذا أنا متأثر قليلاً، ولكنني أشكركم جميعاً من أعماق قلبي". واشتبك النجم الأميركي مع مصور على السجادة الحمراء قبيل حصوله المفاجئ على جائزة السعفة الذهبية الفخرية. وبحسب صور تلفزيونية، أمسك المصور بذراع واشنطن على السجادة الحمراء للحصول على انتباهه. ثم اقترب واشنطن من الرجل رافعاً إصبع السبابة وقال مراراً "توقف". وبينما كان واشنطن يحاول المغادرة، أمسك المصور بذراعه مرة أخرى، ومجدداً طلب منه واشنطن التوقف. وتراوحت أدوار واشنطن الذي فاز بجائزتي "أوسكار"، السينمائية ما بين دور الناشط الأسود مالكوم إكس، ودور الطيار السكير البطل في فيلم "فلايت". ونال واشنطن جائزة "أوسكار" الثانية له عام 2002 عن دوره في فيلم "تريننغ داي"، بعد فوزه الأول عام 1990 عن فيلم "غلوري". وأخرج وقام ببطولة فيلم "ذا غريت ديبيترز" عام 2007 الذي يدور حول أستاذ قام بتدريب فريق للمناظرة من كلية أميركية للسود وقاده إلى المجد الوطني. كما أنتج وقام ببطولة الفيلم الدرامي "أنطون فيشر". وحصل الممثل الأميركي روبرت دي نيرو على جائزة السعفة الذهبية الفخرية عن مجمل إنجازاته التي أُعلن عنها مسبقاً، في حفل افتتاح المهرجان الأسبوع الماضي، حيث استخدم خطاب قبوله للجائزة في الدعوة إلى تنظيم احتجاجات مناهضة للرئيس الأميركي دونالد ترمب. ومن المقرر عرض فيلم "هايست تو لويست" في دور العرض السينمائية بالولايات المتحدة في الـ22 من أغسطس (آب) المقبل . اشتبك النجم الأميركي الشهير دينزل واشنطن مع مصور على السجادة الحمراء في مهرجان كان السينمائي الدولي قبيل حصوله المفاجئ على جائزة السعفة الذهبية الفخرية.


Independent عربية
منذ 4 ساعات
- Independent عربية
كيفين دي بروين يترك مانشستر سيتي أمام سؤال مستحيل
ستكون الليلة مخصصة لكيفين دي بروين، ومع ذلك لا يبدو هذا النوع من المناسبات، من بعض الجوانب، يعكس شخصيته. فقد كان دي بروين النجم المتواضع في مانشستر سيتي، لاعب الكرة الذي يقوم بتوصيل أطفاله إلى المدرسة، والآن سيكون هناك عرض ضوئي بعد مباراته الأخيرة على ملعب الاتحاد. عندما ارتبط اسم دي بروين بالأضواء، كان ذلك بسبب موهبته وليس لرغبته، وبفضل طريقته في التحكم بالكرة لا سعيه وراء الشهرة. وقد لا يكون اختار هذه اللحظة، تماماً كما لم يختر الرحيل هذا العام. لكن التوديع يتطلب اعترافاً واحتفالاً، احتفالاً بعقد من الزمن حصد فيه 19 لقباً، وسجل 108 أهداف، وقدم 173 تمريرة حاسمة، ولحظات لم يستطع أحد تخيلها، ناهيك بتنفيذها. سيكون هناك ممر شرفي من زملائه في الفريق، وجولة شكر للجماهير، وعروض نارية وهدايا، بعضها سيسلم من ماري وجون بيل، زوجة وابن كولين بيل. الرجل الذي كثيراً ما اعتبر أعظم لاعب في تاريخ النادي، والآن يبدو أن هذا اللقب ربما أصبح من نصيب دي بروين. سيقدم سيتي تحيته لدي بروين، لكن ما قد لا يتضمنه ذلك، هو مشاركته أساسياً في المباراة على ملعب كثيراً ما تألق فيه، فلم يعد غوارديولا بذلك، ولم يضمن له حتى مشاركة قصيرة، وقد لا تكون ليلته داخل المستطيل الأخضر. خلال فترة دي بروين في إنجلترا، أصبح مانشستر سيتي الفريق الأبرز في أوروبا. أما الآن فهم يحتلون المركز السادس في الدوري الإنجليزي الممتاز، ويحتاجون إلى إنهاء الموسم ضمن أفضل خمسة مراكز. وقال غوارديولا "ما يريده كيفين هو أن نفوز بالمباراة لنضمن التأهل لدوري أبطال أوروبا"، مما يعني أن هدية الوداع قد تكون من اللاعب للنادي. طوال معظم العقد الماضي، كان إشراك دي بروين أفضل وسيلة لحسم لقاء ضد بورنموث، لكن ساقيه المتعبتين شاركتا لأكثر من 100 دقيقة في نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي، ويعمل غوارديولا على معرفة ما إذا كانت خطته المثلى تتماشى مع وداع مثالي لديك بروين. حفلة جيمي فاردي مع ليستر الأحد الماضي لم يكن لها تبعات، أما هذه المباراة فنتائجها بالغة الأهمية، لذا على غوارديولا أن يقرر ما إذا كان دي بروين سيشارك في مباراة الثلاثاء، ومن زاوية أخرى قد يكون ضمن فريقه المثالي عبر الزمن. فعند استرجاعه لأكثر من ثلاثة عقود قضاها مع لاعبين من الطراز العالمي، كلاعب ومدرب، يرى أن البلجيكي من بين أفضل الممررين الذين رآهم. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) لقد لعب مع رونالد كومان وميشيل لاودروب، ودرب أساتذة التيكي تاكا: تشافي وأندريس إنييستا وسيرجيو بوسكيتس في برشلونة، وذهب إلى بايرن ميونيخ، إذ كان فيليب لام وتياغو ألكانتارا وباستيان شفاينشتايغر، وفي مانشستر سيتي قاد وسطاً ضم إلكاي غوندوغان ورودري وديفيد وبرناردو سيلفا، وجميعهم كانوا مميزين في تمرير الكرة. فماذا عن دي بروين؟ قال غوارديولا "إنه واحد من أفضل ثلاثة رأيتهم أو تعاملت معهم على الإطلاق"، مما دفع لسؤال بدهي: من الآخران؟ على رغم أن جزءاً من الجواب كان واضحاً. وقال المدرب الذي يضع ميسي في الصدارة دائماً تقريباً "الأول هو (ليونيل) ميسي، والثاني دعني أفكر، حسناً سأضع كيفين في المركز الثاني". وتابع غوارديولا "ميسي هو الأفضل لأن ما يفعله يكون قريباً جداً من منطقة الجزاء، أما كيفن فهو هناك أيضاً، الأرقام والأهداف والتمريرات الحاسمة التي يقدمها للفريق في الثلث الأخير والموهبة. في المباراة الأخيرة (نهائي كأس الاتحاد)، مرر تمريرتين أو ثلاث وضعت لاعباً وجهاً لوجه مع الحارس. هذا أمر فريد، ولهذا كان أحد أعظم اللاعبين في تاريخ هذا النادي. هذه كلمات كبيرة، لأنه لاعب استثنائي". وإذا كان هناك تمايز، فقد كان غوارديولا يتحدث عن نوع محدد من الممررين، فبوسكيتس وتشافي وإنييستا كانوا يمررون أكثر خلال المباراة، وبنسبة دقة أعلى من دي بروين، وربما غوارديولا نفسه في ذروة مستواه. لكن مثل ميسي، يعد دي بروين ممرراً إبداعياً، ذلك اللاعب الذي يقدم التمريرة الحاسمة، الذي يفتح الدفاع برؤية ثاقبة وإلهام حاد. وكما أشار غوارديولا، فإن دي بروين يفعل ذلك من مسافات أبعد: وقلائل يمتلكون قدرته على تسديد وثني وتوجيه الكرة من مسافة 30 أو 40 ياردة. وبدا فيه لمحات من ديفيد بيكهام، ولمسة من ستيفن جيرارد، وتأثير مدمر وضعه غوارديولا في المرتبة الثانية بعد ميسي. وكل هذا يجعل من مهمة الصيف للمدرب، ولمديري الكرة الراحلين والجدد، تشيكي بيغيريستين وهوغو فيانا، شبه مستحيلة. فكيف يمكنهم إيجاد بديل للاعب وصفه غوارديولا بـ"الفريد"؟ وقال غوارديولا متأملاً "هناك لاعبون يصعب جداً تعويضهم، لأسباب عدة. ونحن نعلم ذلك، لكن بالطبع علينا أن نمضي قدماً". وهو يأمل أن يكون ذلك في دوري أبطال أوروبا، ويعلم أنه سيكون من دون دي بروين، والبدائل المحتملة قد تشمل فلوريان فيرتز أو تيغاني رايندرز أو مورغان غيبس وايت، وكلهم لاعبون ممتازون، يمتلكون القدرة على صناعة الفرص وتسجيل الأهداف، لكن القاسم المشترك بينهم هو أن لا أحد منهم هو دي بروين، الممرر الذي صنفه غوارديولا ثانياً بعد ميسي.


Independent عربية
منذ 5 ساعات
- Independent عربية
"نسور الجمهورية" فيلم سطحي يحط في مهرجان كان
من "حادثة النيل هيلتون" إلى "ولد من الجنة"، رسم المخرج السويدي المصري طارق صالح لنفسه صورة سينمائي معارض، لا يساوم ولا يداري. هذه الصورة راقت للغرب، واستفزت النظام المصري، وفتحت لطارق صالح أبواب المهرجانات الدولية. كل شيء كان يعد بمسيرة تصاعدية، تضعه في مصاف الأصوات السينمائية النادرة التي تملك الشجاعة لقول ما لم نعتده في العالم العربي. لكن صالح، مع فيلمه الأحدث "نسور الجمهورية"، يواصل سينماه السطحية التي تهتم بالقشور لا بالجوهر، في عمل أقلّ ما يُقال عنه إنه تعثّر فني وفكري، يفشل في أن يكون هجاءً سياسياً أو دراما ذات معنى. يختتم ما يعرّفه بـ"ثلاثية القاهرة" مواجهاً أعلى مرجعية سياسية في بلاده، بنتيجة لن تكون لصالحه. منذ اللحظة التي أُعلن فيها عن مشاركة الفيلم في مهرجان كانّ الثامن والسبعين (13 - 24 مايو/ أيار)، ارتفعت التوقعات. الفيلم الذي عُرض في اطار المسابقة، بدا وكأنه نسخة مشوشة من مشروع لا يجهل إلا ما يطمح إليه. حتى الفكرة ساذجة: فنان مصري شعبي يدعى جورج فهمي (الممثل السويدي اللبناني الأصل فارس فارس)، يُطلب منه أداء دور الرئيس عبد الفتاح السيسي في فيلم دعائي عن انجازاته. ترغب السلطة في الاستفادة من شعبيته. الممثل معارض للرئيس ولكن في الختام، يرضخ للضغوط والابتزاز. موضوع عمل الفنان تحت الضغط السياسي يحمل وحده بذور عشرات الأسئلة السياسية، النفسية، السينمائية، ولكن بدلاً من زراعة هذه البذور، يختار صالح رشّها بماء الكليشيهات والسهولة والتهافت. في لحظة عبثية، يُستدعى فيها لتجسيد الريس، رغم أن الفارق في الطول بينهما عشرون سنتيمتراً على الأقل. لكن الطول ليس المشكلة الوحيدة، بل ربما هو التفصيل الأكثر واقعية في فيلم لا يُقنعك بشيء. الطامة الكبرى، وهذه كانت مشكلة فيلمه السابق، أن صالح لا يقيم وزناً للمصداقية. تخيلوا أن معظم الممثلين قادمون من خارج مصر: لبنان، المغرب، فلسطين، الجزائر، السويد، هم أبناء الانتشار العربي وبناته ، وحتى المصريون الأقحاح الذين في الفيلم، كانوا قد غادروا بلادهم منذ زمن أو فقدوا اتصالهم بالشارع الذي يُفترض أن الفيلم يدّعي قول شيء عنه، فهذا هو الهدف من أي فيلم يحكي عن السلطة وممارساتها. غربة عن مصر مصر التي نراها في الفيلم مختصرة بالحد الأدنى، فطارق صالح لا يستطيع الذهاب إلى مصر كي يصور فيها كما يحلو له. الفيلم يحاول أن يلعب على فكرة "الفيلم داخل الفيلم"، فنرى جورج يؤدي مشاهد يفترض أنها جزء من فيلم السيسي، وأمامه ممثل يؤدي دور مرسي. مشاهد مغرقة في الكاريكاتورية. ثم ننتقل إلى الحوارات، لتدخل شخصية زوجة أحد الساسة التي تشرح لنا أن هناك عقدة جنسية لدى الرجل العربي. كل هذا يبدو وكأن الفيلم كُتب خصيصاً ليتوافق مع مزاج جمهور أوروبي وغربي. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) يعاني الفيلم من خلل بنوي عميق، فيتنقل بين مواضيع كثيرة من دون أن يلتقط واحداً منها فعلاً. لا يرصد، لا يفسّر، لا يحلّل، ولا حتى يصدم. هو فقط يُلقي إشارات، كمن يوزّع بطاقات تعريفية على جمهور ليس لديه وقت للمزيد. بيد ان أخطر ما في "نسور الجمهورية" هو أنه، من دون أن يقصد، يُلمّع صورة النظام الذي يدّعي نقده. فما نشاهده طوال أكثر من ساعتين لا يختلف عن ممارسات أي نظام سلطوي منذ فجر البشرية. بل إن تصوير هذا النظام بهذا الشكل المختزل والركيك، لا يصب في مصلحة من عانوا منه. الواقع المصري أقوى بحيث يبدو الفيلم وكأنه نسخة لطيفة من أي كابوس يرزح تحته مواطن أو فنان. الخاتمة، الغامضة وغير المفهومة، تأتي في استعراض 6 أكتوبر. مشهد كان من المفترض أن يكون قوياً، رمزياً، مفاجئاً… فإذا به امتداد لكل ما سبقه من ارتباك. لا لحظة صدمة، لا نهاية درامية، لا وضوح، فقط إحباط يتراكم إلى آخر الطريق. "نسور الجمهورية" مثال حيّ على الفصام: فيلم ينجزه معارض من الخارج مكتفياً بملامسة السطح، ظناً منه أن تناول موضوع كهذا يكفي لتصنيفه في عداد الشجعان. لكن كل مشهد في الفيلم يذكرنا بأن استعراض النوايا شيء وإنجاز عمل سياسي ذي تأثير، شيء آخر. من الواضح ان ملامح التيار السينمائي المعارض الذي بدأ يتكوّن منذ بضع سنوات خارج الدول العربية، لا تزال تصطدم بحاجز جوهري: الغربة عن الأصل. كلما ابتعد السينمائي عن واقعه، خسر شيئاً من دقّته ونظرته إلى الأشياء، وأحياناً من شرعيته. وهذا ما فهمه جيداً السينمائيون الإيرانيون المعارضون الذين ظلوا في بلادهم رغم كل ما تعرضوا له، لمناكفة السلطة وإنجاز أفلام كبيرة عنها.