
تلوث التربة "قاتل صامت" في نظامنا البيئي
يحصل تلوث التربة عند دخول مواد كيميائية مباشرة في التربة، أو البيئة الطبيعية حولها جراء تغير المناخ أو غالبا النشاط البشري، مما يؤثر سلبا على خصوبتها ونظامها البيئي، فتتلوث المنتجات والمحاصيل الغذائية الزراعية، ويؤدي ذلك التدهور إلى تعطيل التوازن الطبيعي.
وغالبا لا يتم تناول تلوث التربة كغيره من أنواع التلوث، ربما لأنه يكون غير مرئي للناس، بالرغم من أن هذا النوع من التلوث خطير جدا على الإنتاج الغذائي وصحة الكائنات الحيّة والتنوع البيولوجي، ويعتبر بمثابة "القاتل الصامت".
وتشير منظمة الأمم المتحدة إلى أن الأرض تعتمد على الارتباط الثمين بالتربة، فأكثر من 95% من غذائنا يأتي من التربة، كما تزودنا بـ15 من العناصر الكيميائية الطبيعية الـ18 الضرورية للنباتات.
مصادر تلوث التربة
تعمل التربة كمنقٍ وعازل للملوثات، لكن قدرتها على التأقلم والتخفيف من آثار الملوثات محدودة، ويؤدي الاستخدام المفرط للمبيدات الزراعية والأسمدة الكيميائية إلى تراكم مواد تسبب اختلال التوازن الغذائي للتربة.
ويسبب تلوث التربة تفاعلا متسلسلا يبدأ بتناقص التنوع البيولوجي للتربة، ويغير معدلات دمج المواد العضوية، ثم تضعف بنية التربة، وبالتالي قدرتها على مقاومة التآكل، ويكون التلوث ناجما عن الأسباب التالية:
-النفايات المنزلية والصرف الصحي الملوثة بالبكتيريا أو المواد العضوية الضارة.
– النفايات البلاستيكية التي باتت أكبر خطر على التربة.
-مخلفات التعدين (مثل الأحماض والمعادن) التي تتسرب إلى التربة.
-تسرب النفط الخام أو مشتقاته بسبب حوادث النقل أو التخزين.
-هطول أمطار حمضية ناتجة عن تلوث الهواء يغير درجة حموضة التربة.
– ترسب الجسيمات الملوثة من الهواء مثل الغبار المحمل بالرصاص.
– إزالة الغابات، مما تؤدي إلى تقليص الغطاء النباتي ويعرض التربة للتعرية وتراكم الملوثات.
-الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات التي تنقل الملوثات من مناطق أخرى إلى التربة والبراكين التي تطلق مواد سامة مثل الكبريت.
-التوسع العمراني الذي يؤدي إلى زيادة البنية التحتية للنقل وإنتاج النفايات.
ومن أكبر المخاطر على التربة النفايات الصناعية والكيميائية، التي تشمل تصريف النفايات السامة والمعادن الثقيلة، مثل الرصاص والزئبق من المصانع دون معالجة، وأيضا التسربات الكيميائية من الخزانات أو خطوط أنابيب النفط، وكذلك الرماد الصناعي الناجم عن احتراق الفحم في المحطات الحرارية التي تحتوي على معادن ثقيلة.
وتشكل الحروب واستخدام الأسلحة الكيميائية أو المواد المشعة خطرا كبيرا على التربة تمتد لمئات أو آلاف السنين، كما حصل في هيروشيما وناغازاكي باليابان، أو في حرب فيتنام، أو العدوان الإسرائيلي على غزة.
آثار خطيرة ومزمنة
تشير منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة إلى أن 7 ملاعق كبيرة من الرصاص يمكن أن تلوث ما يصل إلى هكتار من التربة أو 200 ألف لتر من الماء، وأن أكثر من 3 ملايين شخص يدخلون المستشفيات بسبب تسمم مبيدات الآفات كل عام، مما يؤدي إلى وفاة ربع مليون منهم.
وتشير الدراسات أيضا إلى أن بطارية جافة صغيرة ترمى ضمن النفايات يمكن أن تلوث بشكل دائم نحو متر مكعب من التربة، وألف متر مكعب من المياه، ويمكن أن تمتد آثار ذلك إلى نحو 50 عاما، وهو ما يشير إلى أن الأنشطة البشرية هي غالبا المتسبب الرئيسي في التلوث بأنواعه.
وتتراكم الملوثات تدريجيا في الأنسجة النباتية، وتنتقل إلى حيوانات الرعي، والطيور التي تأكل الفواكه والبذور، أو إلى البشر الذين يستهلكونها، كما تصبح العديد من الملوثات أكثر تركيزا عندما ترتفع السلسلة الغذائية، مما يزيد من الضرر بصحة الإنسان، ويسبب أمراضا، تختلف باختلاف نوعية الملوثات ودرجة تركيزها
ويمكن للكائنات الحية في التربة مثل ديدان الأرض أن تمتص أيضا تلك الملوثات ونقلها، مما يؤدي إلى آثار واسعة وبعيدة المدى، كما تتسرب تلك الملوثات إلى المياه الجوفية وتتفاقم مخاطرها.
يؤدي تلوث التربة إلى سلسلة مترابطة من المخاطر، تؤثر في النهاية على صحة المجتمعات وأمنها الغذائي وانخفاض الإنتاج الزراعي، بسبب المستويات السامة للملوثات التي تعرقل نمو المحاصيل وتقلل التنوع البيولوجي، وكذلك على نوعية المياه الجوفية وتعرض خدمات النظم الإيكولوجية التي توفرها التربة للخطر، وبالتالي اختلال النظام البيئي والاقتصادي والاجتماعي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 7 ساعات
- الجزيرة
نحن -القطريين- لنا مع البحر كل الحكايات
هل البحر مجرّد تجمع للمياه المالحة المتصلة بالمحيطات؟ وهل نرتاده من أجل صحتنا النفسية والبدنية، وزيادة مناعتنا، وتعزيز صحة العظام والعضلات، وصحة البشرة والشعر؟ ربما نعم.. ولمَ لا؟ لنا مع بحرنا حكاية، بل هي حكايات.. هو مصدر الإلهام، وهو حامل الأسرار، وهو الذي كلما اتجهت إليه أتى إليك محملًا بالخير والبركة هذه أسباب، أو هي أقوال مشهورة متداولة في الوقت الحاضر، بشأن ارتياد البحر.. غير أنني أعتقد أن العلاقة بين البحر والإنسان القطري أكبر وأعمق بكثير من هذا الفهم البسيط. لطالما كان البحر مصدر الرزق الأساسي، الذي دارت عليه حياة الإنسان القطري في القِدَم، وهذا القول المختصر بحاجة إلى كلام آخر، وتفكيك وتفصيل، ووصف عميق لما كانت عليه الحياة في الماضي، في حقبة الغوص، وما قبل اكتشاف النفط. وأنا على يقين أن الإنسان القطري، ابن الوقت الحاضر، يحمل تلك الجينات التي توارثها عن الآباء والأجداد، وهو الذي عاش ورُبِّي على حب وتوقير وتقدير قيمة البحر. وبالنسبة لي، أجد في الوقت الذي أقضيه على الشاطئ، وفي تأمل البحر، تعزيزًا لحالة السلام والتصالح مع النفس، ومع الحياة التي أنعمُ بها بفضل الله وكرمه، وحاجة متجددة لصفاء الذهن والاسترخاء الروحي. وفي هذا الصباح، كان لي مع البحر حكاية، لربما أروي قدرًا ضئيلًا منها.. أعتقد أننا نحن -القطريين- لنا مع بحرنا حكاية، بل هي حكايات.. هو مصدر الإلهام، وهو حامل الأسرار، وهو الذي كلما اتجهت إليه أتى إليك محملًا بالخير والبركة. بلدنا المشهور باعتزازه بالعادات والتقاليد، وتمسكه بالقيم والمبادئ الدينية والأخلاقية استمدّ الكثير مما هو عليه من علاقته المادية والمعنوية بالبحر وبحرنا نقي الصفاء، يحمل في طياته جمالًا وغموضًا، ودواعي للسرور.. بحرٌ لا يسبر غوره، ويتعذر إدراكه.. بحرٌ عرَف آباءنا وأجدادنا، وأكرمهم، وعرفنا وأكرمنا وأسعدنا.. ولسوف يعرف من بعدنا عيالنا وأحفادنا، ولسوف يكرمهم ويحفظهم. إعلان هذا ظننا، وظننا بالله -ربنا ورب البحر، الوهاب الكريم، مسبب الأسباب- لا يخيب ولن يخيب. قطر -بلدي، البلد العربي الأصيل، المشهور باعتزازه بالعادات والتقاليد، وتمسكه بالقيم والمبادئ الدينية والأخلاقية- استمدّ الكثير مما هو عليه من علاقته المادية والمعنوية بالبحر، الذي هو من الأصل يحيط به من ثلاث جهات. وهكذا، كان لنا نحن -القطريين- مع البحر حكاية، بل هي كل الحكايات، تلك التي تروى، وتلك التي لا تروى. ونحنُ -القطريين- في أولنا وآخرنا، في ماضينا وحاضرنا، نؤمن برعاية الله، التي شملتنا في سائر المراحل، وأمطرت علينا الخيرات والبركات.. لا نعيشُ إلا برضاه ولا نرتجي إلا عفوه وحبه. والحمد لله رب العالمين، أولًا وآخرًا، ودائمًا وأبدًا.


الجزيرة
منذ 7 ساعات
- الجزيرة
500 حالة كوليرا في اليوم تثير الرعب بالخرطوم ومغردون ينتقدون الحكومة
شبكات تفاعل مغردون مع الأنباء المتزايدة حول تفشي وباء الكوليرا في العاصمة السودانية، حيث سجلت السلطات الصحية انتشارا واسعا للمرض تحديدا في منطقتي كرري وجبل أولياء. اقرأ المزيد


الجزيرة
منذ 19 ساعات
- الجزيرة
تحقيق لهآرتس: الجيش يطلق العنان لاستهداف المراكز الطبية بغزة
كشف تحقيق لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن جيش الاحتلال أطلق العنان في عمليته العسكرية الحالية لسلسلة هجمات على المراكز الطبية في قطاع غزة. وذكر تحقيق الصحيفة الذي نشرته أمس السبت أن 10 مستشفيات وعيادات طبية في غزة تعرضت لهجمات إسرائيلية خلال الأسبوع الماضي، وخرجت كليا أو جزئيا عن الخدمة، مما فاقم بشكل كبير الضغط على ما تبقى من النظام الصحي في غزة. وبحسب الصحيفة، فإن الهجوم الذي وقع الأسبوع الماضي على المستشفى الأوروبي في مدينة خان يونس جنوبي غزة شكل نقطة البداية لتوسيع العملية العسكرية في القطاع التي تحولت إلى " عملية عربات جدعون"، والتي تبعها إطلاق موجة من الهجمات المكثفة على مراكز طبية أخرى في أنحاء القطاع. وأشارت الصحيفة إلى أن منظمة الصحة العالمية أحصت 28 هجوما على مستشفيات القطاع خلال الأسبوع الأخير، بما يشكل 4% من مجمل الهجمات على المستشفيات منذ بداية الحرب. وبحسب "هآرتس"، فإن وزارة الصحة في غزة تقول إن هناك الآن نحو 400 ألف شخص من دون أي خدمات طبية متاحة، وأكدت أن الجيش الإسرائيلي يواصل مزاعمه بأن مسلحي حركة حماس ما زالوا يختبئون داخل مستشفيات القطاع. وأعلنت منظمة الصحة العالمية أول أمس الجمعة أن الهجمات الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة المحاصر منذ سنوات دفعت النظام الصحي نحو الانهيار. وفي بيان نشرته عبر حسابها على منصة "إكس"، قالت المنظمة إن الهجمات العسكرية المكثفة في غزة تدفع النظام الصحي نحو الانهيار. وأشارت إلى أن 94% على الأقل من مستشفيات القطاع تعرضت لأضرار جسيمة أو دُمرت بالكامل. وذكرت المنظمة أن 19 فقط من أصل 36 مستشفى في غزة لا تزال تعمل ولو بشكل جزئي. وأكدت أن المستشفيات لا ينبغي أبدا عسكرتها أو استهدافها. ولفتت الصحة العالمية إلى أن 4 مستشفيات رئيسية أُجبرت على الإغلاق خلال الأسبوع الماضي، نتيجة للهجمات المتكررة، وأوامر الإخلاء، وتصاعد وتيرة الهجمات. ومنذ بدئه حرب الإبادة على القطاع في 7 أكتوبر/تشرين أول 2023، عمد الجيش الإسرائيلي إلى استهداف مستشفيات غزة ومنظومتها الصحية، وأخرج معظمها عن الخدمة، مما عرّض حياة المرضى والجرحى للخطر، حسب بيانات فلسطينية وأممية. ومنذ 2 مارس/آذار الماضي، تواصل إسرائيل سياسة تجويع ممنهج لنحو 2.4 مليون فلسطيني بغزة، عبر إغلاق المعابر بوجه المساعدات المتكدسة على الحدود، مما أدخل القطاع مرحلة المجاعة وأودى بحياة كثيرين. وبدعم أميركي، ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 جرائم إبادة جماعية في غزة، خلّفت أكثر من 176 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، بجانب مئات الآلاف من النازحين.