logo
العنف والتطرف وإرهاب الدولة: تحليل سوسيولوجي لحالة إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023

العنف والتطرف وإرهاب الدولة: تحليل سوسيولوجي لحالة إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023

معا الاخباريةمنذ 15 ساعات

تُمثّل حالة العنف السياسي والتطرف المُمنهج في فلسطين، خاصة بعد هجمات 7 أكتوبر 2023، ظاهرةً معقدة تتجاوز التفسيرات الهيكلية التقليدية القائمة على الاستعمار أو الصراع الديني فقط. تقدم هذه الدراسة، من خلال عدسة نظرية التفاعلية الرمزية (Herbert Blumer, George Herbert Mead)، تحليلاً دقيقاً للآليات الاجتماعية الجزئية (Micro-dynamics) التي تحوّلت بها الصدمة الجماعية في إسرائيل إلى ممارسات دولة متطرفة تُصنّف قانونياً وأخلاقياً كـ"إرهاب دولة". يكشف هذا التحليل كيف تُبنى السرديات العنيفة وتُبرَّر داخل نسيج المجتمع والسلطة الإسرائيليين.
التفاعلية الرمزية: عدسة لفهم تشكُّل التطرف
تقوم التفاعلية الرمزية على ثلاث ركائز أساسية لفهم السلوك الاجتماعي، بما فيه التطرف:
1. المعنى نتاج التفاعل الاجتماعي: لا تحمل الرموز (كلمات، أشياء، أفعال) معاني ثابتة، بل تُكتسب دلالاتها وتتغير عبر التفاعل اليومي والخطاب. مصطلحات مثل "الإرهاب"، "الهولوكوست"، أو حتى "الكوفية الفلسطينية" تُشحن بدلالات محددة في سياقات التفاعل.
2. بناء الهوية عبر "أخذ دور الآخر": (Mead, 1934) تتشكل هوية الفرد والجماعة من خلال تصورهم لكيفية نظر الآخرين إليهم. بعد 7 أكتوبر، أعاد الإسرائيليون تعريف ذواتهم بشكل جماعي كـ"ضحية وجودية مهددة"، متأثرين بالصورة التي رسختها رواية الدولة وردود الفعل المجتمعية.
3. تحديد الموقف (Definition of the Situation) يوجّه السلوك: الطريقة التي يُعرَّف بها الموقف الاجتماعي تحدد كيفية الاستجابة له. عندما يُعرَّف الفلسطيني بشكل منهجي على أنه "إرهابي وجودي"، يصبح أي عنف ضده، مهما بلغت فظاعته، مجرد "دفاع عن النفس" في التصور الجماعي الإسرائيلي.
آليات تشكُّل التطرف الإسرائيلي بعد 7 أكتوبر: تحليل تفاعلي
1. إعادة بناء المعاني والرموز:
- التوظيف التاريخي: شهدنا إعادة تعريف صادمة للرموز. ربط بنيامين نتنياهو (29 أكتوبر 2023) هجمات 7 أكتوبر مباشرة بـ"الهولوكوست الجديد". هذا الربط المتعمد حوَّل الهجوم من فعل مقاومة (مهما اختلفت حوله الآراء) في نظر الضمير العالمي، إلى "تهديد وجودي" مطلق في الوعي الجمعي الإسرائيلي (يشير Borum, 2011 إلى كيف تُستخدم هذه الصياغة لتبرير عنف غير متناسب). لم تكن مجرد مقارنة، بل كانت عملية إعادة شحن رمزي تخدم غرضاً سياسياً مُحدداً: التبرير المسبق للرد الوحشي.
- تشويه الرموز الوطنية: تحوّلت "الكوفية الفلسطينية"، رمز الهوية والمقاومة السلمية تاريخياً، إلى رمز للإرهاب في الخطاب الإعلامي والأمني الإسرائيلي السائد. هذا التشويه الرمزي شرَّع عملياً ملاحقة وحتى اعتقال حامليها في الضفة الغربية، كما وثق مركز "بتسيلم" لحقوق الإنسان (يناير 2024)، مما حوّل قطعة قماش إلى تهمة جنائية.
2. تصلُّب الهوية الجماعية و"الآخر المُجرَّد":
- تعزيز ثنائية "نحن/هم": تفاعلات ما بعد الصدمة، خاصة في فضاءات التواصل الاجتماعي المغلقة (مثل مجموعات "تيلغرام" المؤيدة للحرب بشدة)، عززت روابط الانتماء عبر شعارات مثل "معاً حتى النصر". هذا التفاعل عزز جداراً نفسياً بين "المجتمع الإسرائيلي الضحية" و"العدو الفلسطيني الإرهابي".
- تحويل الجنود إلى "أبطال خلاص": وظّف الخطاب العسكري والسياسي آليات البناء الرمزي لتحويل الجنود المشاركين في العمليات العسكرية في غزة إلى "حماة الوجود" و"أبطال خلاص" (كما بحث Sandberg & Schmidt, 2016 في سياقات أخرى). هذا البطلنة غطّت على طبيعة الأفعال المرتكبة.
- التجريد من الإنسانية (Dehumanization): بلغت عملية "أخذ دور الآخر" مستوى خطيراً مع تجريد الفلسطينيين كلياً من إنسانيتهم. تصريحات المتطرف إيتمار بن غفير (15 أكتوبر 2023) واصفاً الفلسطينيين بـ"الأفاعي" و"الحشرات"، ليست مجرد شتائم، بل هي آلية تفاعلية رمزية تهدف إلى تدمير أي إمكانية لتقمص دور الضحية الفلسطينية أو التعاطف معها، وبالتالي تمهيد الطريق أخلاقياً ونفسياً لاستخدام عنف غير مقيّد.
3. الحدث المحوري وإعادة تعريف الذات الجماعية:
- 7 أكتوبر كـ"نقطة تحول" (Critical Incident): مثلت الهجمات حدثاً محورياً أعاد تعريف الذات الإسرائيلية الجماعية من "دولة قوية" إلى "قلعة محاصرة". هذا التحديد الجديد للموقف (Definition of the Situation) أصبح المبرر الرمزي الذي شرّع سياسات متطرفة غير مسبوقة:
- حصار شامل وتدمير ممنهج: أدى إلى مقتل عشرات الآلاف (تجاوز عدد القتلى 60000 بحسب مصادر فلسطينية ووثقت الأمم المتحدة الدمار الهائل حتى مارس 2025)، وتدمير ما يزيد عن 70% من منازل غزة (الأونروا، 2024).
- اعتقالات جماعية: اعتقال أكثر من 7,000 فلسطيني في الضفة الغربية (هيومن رايتس ووتش، 2024)، غالباً دون تهم أو محاكمة عادلة.
- استخدام التجويع كسلاح: اعترفت تقارير الأمم المتحدة (فبراير 2024) بحدوث مجاعة في شمال غزة، نتيجة حصار متعمد للمساعدات الإنسانية والغذائية، وهو ما يُعد جريمة حرب، ومازال استخدام هذا السلاح مستمراً على قطاع غزة .
- صناعة ذاكرة جمعية جديدة: ساهمت الصور المروعة لضحايا 7 أكتوبر، التي تم تداولها بشكل مكثف ومتحيز في الإعلام الإسرائيلي، في خلق "ذاكرة جمعية جديدة" تركز حصرياً على معاناة الإسرائيليين كضحايا (Hutchinson, 2021). هذه الذاكرة المحوّرة أصبحت أساساً للسردية الرسمية الداعمة للعنف المتطرف كرد "طبيعي" و"ضروري".
4. تبرير إرهاب الدولة: التفاوض على المفاهيم:
- إفراغ المفاهيم القانونية من مضمونها: شهدنا عملية تفاعلية ممنهجة لإعادة تعريف مفاهيم أساسية:
- "الأمن": تمديده ليشمل التطهير العرقي الفعلي، كما يتجلى في تصريحات المتطرف بيزليل سموتريتش (يناير 2024) الداعية لـ"هجرة طوعية" للفلسطينيين من غزة، وهو تعبير ملطف عن التهجير القسري.
- "الدفاع عن النفس": استخدامه لتبرير قصف المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء التي تحميها القوانين الدولية بشكل صارخ، كما وثقته منظمات مثل "أطباء بلا حدود" (2023) واللجنة الدولية للصليب الأحمر.
- التجريد من الإنسانية المؤسسي: وصف الأطفال الفلسطينيين بـ"أطفال الإرهاب" في وسائل إعلام رسمية أو مقربة من السلطة (مثل قناة 14 الإسرائيلية، نوفمبر 2023)، ليست مجرد خطاب كراهية، بل هي آلية رمزية لتبرير استهدافهم أو تجاهل معاناتهم.
إرهاب الدولة: التطرف المؤسسي كنتاج تفاعلي
تجاوزت ممارسات إسرائيل بعد 7 أكتوبر مفهوم "الأمن الوطني" التقليدي إلى آليات تطرف مؤسسي منظم، تُظهر بوضوح سمات "إرهاب الدولة":
- التشريع الرمزي للعنف:
- استخدام قانون "مكافحة الإرهاب" الإسرائيلي (2016) بشكل تعسفي لسجن نشطاء سلام فلسطينيين وقمع أي معارضة سلمية (كما وثقت جمعية "عدالة"، 2023).
- المصادقة على "قانون الإعدام للأسرى" (مارس 2024) والذي يسمح بإعدام أسرى فلسطينيين حتى أثناء احتجازهم، وهو لا يكرس فقط عنفاً مادياً محتملاً، بل يرسخ رمزية "القصاص" والانتقام كقيمة عليا في التعامل مع الفلسطيني، متجاوزاً أي مفهوم للعدالة القضائية.
- العنف البنيوي المنظم:
- التدمير الشامل للبنية التحتية الحيوية في غزة (مساكن، مستشفيات، مدارس، طرق، شبكات مياه وكهرباء) والذي وثّقته الأمم المتحدة (الأونروا، 2024) ليس "أضراراً جانبية"، بل هو عنف بنيوي ممنهج يهدف إلى جعل الحياة مستحيلة، وهو شكل من أشكال العقاب الجماعي والتطهير العرقي.
- استخدام التجويع كـ"أداة حرب" بشكل منهجي، كما أكدته تقارير الأمم المتحدة عن المجاعة (فبراير 2024)، يمثل أقصى درجات العنف البنيوي وإرهاب الدولة ضد مدنيين عُزّل.
تفكيك السرديات المتطرفة: توصيات تفاعلية
استناداً إلى فهم الآليات التفاعلية التي تبني التطرف، يجب أن تركز الجهود على:
1. تغيير ديناميكيات التفاعل:
- دعم وإنشاء فضاءات حوار آمنة ومحايدة بين جميع الاطراف، تركز على إنسانية الطرفين، وتسلط الضوء على قصص "الضحايا المشتركة" للعنف المستمر، بعيداً عن السرديات الرسمية المتطرفة.
- برامج تعليمية تزيل ثنائية "نحن/هم" المتصلبة، وتعزز التفكير النقدي تجاه الروايات التاريخية والسياسية، وتُظهر التاريخ والثقافة الفلسطينية بوصفها إنسانية (Kruglanski et al., 2014).
2. إعادة بناء المعاني والرموز:
- تطوير خطاب بديل قوي، محلياً ودولياً، يعيد تعريف "الأمن" الحقيقي ليس كـ"هيمنة عسكرية" أو "تفوق عرقي"، بل كـ"عدالة" و"سلام" و"احترام لحقوق الإنسان والقانون الدولي" للجميع. يجب تفكيك الربط بين "الأمن الإسرائيلي" وتدمير حياة الفلسطينيين.
- توثيق ونشر الروايات الفلسطينية، خاصة تلك التي توثق المعاناة اليومية والمرونة (صمود Sumud) تحت الاحتلال والعنف، في الإعلام العالمي الرئيسي بفعالية أكبر، لمواجهة التشويه الرمزي المنهجي.
3. المساءلة القانونية الدولية والضغط:
- دعم عمل المحكمة الجنائية الدولية وغيرها من آليات المساءلة الدولية بشكل كامل وفعال لمحاكمة المسؤولين الإسرائيليين عن جرائم يُشتبه بارتكابها (جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية، جريمة التطهير العرقي). المساءلة ليست انتقاماً، بل هي آلية حيوية لفرض تكلفة على إرهاب الدولة وكسر دائرة الإفلات من العقاب التي تغذيه.
- تطبيق ضغوط دولية ملموسة ومستمرة (عبر عقوبات سياسية واقتصادية وعسكرية) لوقف التطهير العرقي الجاري في غزة والضفة الغربية فوراً، ورفع الحصار غير القانوني، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية دون عوائق.
خاتمة: التطرف ليس قدراً محتوماً
الحالة الإسرائيلية بعد 7 أكتوبر 2023 تقدم نموذجاً صارخاً لكيفية تحوّل الصدمة الجماعية، عبر آليات التفاعل الرمزي اليومي (بناء المعاني، تشكيل الهوية، تحديد المواقف)، إلى آلة دولة متطرفة ترتكب إرهاب دولة تحت شعارات الأمن والانتقام. هذا التحليل السوسيولوجي يؤكد أن التطرف، حتى في شكله المؤسسي الأكثر فتكاً، ليس حتمياً ولا فطرياً. إنه نِتاج عمليات اجتماعية تفاعلية قابلة للملاحظة والتحليل.
الخروج من هذه الحلقة المروعة يتطلب أكثر من إدانة أخلاقية. يتطلب فهماً عميقاً لهذه الآليات الجزئية، وإرادة سياسية دولية حقيقية توازي جسامة الجرائم المرتكبة. مفتاح الحل يكمن في قدرة المجتمع الدولي، والمجتمع المدني داخل إسرائيل وفلسطين، على تغيير ديناميكيات التفاعل التي تعيد إنتاج العنف: تفكيك الرموز المبررة له (تحويل "التهديد الوجودي" إلى "صراع سياسي يحتاج حلولاً سياسية")، وإعادة بناء الهويات (من "ضحية مسلحة" إلى "مجتمع منفتح" قادر على الاعتراف بمعاناة الآخر)، وفرض مساءلة صارمة على إرهاب الدولة. فقط عندها يمكن كسر هذه الحلقة المميتة وفتح أفق لسلام قائم على العدل.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

العنف والتطرف وإرهاب الدولة: تحليل سوسيولوجي لحالة إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023
العنف والتطرف وإرهاب الدولة: تحليل سوسيولوجي لحالة إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023

معا الاخبارية

timeمنذ 15 ساعات

  • معا الاخبارية

العنف والتطرف وإرهاب الدولة: تحليل سوسيولوجي لحالة إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023

تُمثّل حالة العنف السياسي والتطرف المُمنهج في فلسطين، خاصة بعد هجمات 7 أكتوبر 2023، ظاهرةً معقدة تتجاوز التفسيرات الهيكلية التقليدية القائمة على الاستعمار أو الصراع الديني فقط. تقدم هذه الدراسة، من خلال عدسة نظرية التفاعلية الرمزية (Herbert Blumer, George Herbert Mead)، تحليلاً دقيقاً للآليات الاجتماعية الجزئية (Micro-dynamics) التي تحوّلت بها الصدمة الجماعية في إسرائيل إلى ممارسات دولة متطرفة تُصنّف قانونياً وأخلاقياً كـ"إرهاب دولة". يكشف هذا التحليل كيف تُبنى السرديات العنيفة وتُبرَّر داخل نسيج المجتمع والسلطة الإسرائيليين. التفاعلية الرمزية: عدسة لفهم تشكُّل التطرف تقوم التفاعلية الرمزية على ثلاث ركائز أساسية لفهم السلوك الاجتماعي، بما فيه التطرف: 1. المعنى نتاج التفاعل الاجتماعي: لا تحمل الرموز (كلمات، أشياء، أفعال) معاني ثابتة، بل تُكتسب دلالاتها وتتغير عبر التفاعل اليومي والخطاب. مصطلحات مثل "الإرهاب"، "الهولوكوست"، أو حتى "الكوفية الفلسطينية" تُشحن بدلالات محددة في سياقات التفاعل. 2. بناء الهوية عبر "أخذ دور الآخر": (Mead, 1934) تتشكل هوية الفرد والجماعة من خلال تصورهم لكيفية نظر الآخرين إليهم. بعد 7 أكتوبر، أعاد الإسرائيليون تعريف ذواتهم بشكل جماعي كـ"ضحية وجودية مهددة"، متأثرين بالصورة التي رسختها رواية الدولة وردود الفعل المجتمعية. 3. تحديد الموقف (Definition of the Situation) يوجّه السلوك: الطريقة التي يُعرَّف بها الموقف الاجتماعي تحدد كيفية الاستجابة له. عندما يُعرَّف الفلسطيني بشكل منهجي على أنه "إرهابي وجودي"، يصبح أي عنف ضده، مهما بلغت فظاعته، مجرد "دفاع عن النفس" في التصور الجماعي الإسرائيلي. آليات تشكُّل التطرف الإسرائيلي بعد 7 أكتوبر: تحليل تفاعلي 1. إعادة بناء المعاني والرموز: - التوظيف التاريخي: شهدنا إعادة تعريف صادمة للرموز. ربط بنيامين نتنياهو (29 أكتوبر 2023) هجمات 7 أكتوبر مباشرة بـ"الهولوكوست الجديد". هذا الربط المتعمد حوَّل الهجوم من فعل مقاومة (مهما اختلفت حوله الآراء) في نظر الضمير العالمي، إلى "تهديد وجودي" مطلق في الوعي الجمعي الإسرائيلي (يشير Borum, 2011 إلى كيف تُستخدم هذه الصياغة لتبرير عنف غير متناسب). لم تكن مجرد مقارنة، بل كانت عملية إعادة شحن رمزي تخدم غرضاً سياسياً مُحدداً: التبرير المسبق للرد الوحشي. - تشويه الرموز الوطنية: تحوّلت "الكوفية الفلسطينية"، رمز الهوية والمقاومة السلمية تاريخياً، إلى رمز للإرهاب في الخطاب الإعلامي والأمني الإسرائيلي السائد. هذا التشويه الرمزي شرَّع عملياً ملاحقة وحتى اعتقال حامليها في الضفة الغربية، كما وثق مركز "بتسيلم" لحقوق الإنسان (يناير 2024)، مما حوّل قطعة قماش إلى تهمة جنائية. 2. تصلُّب الهوية الجماعية و"الآخر المُجرَّد": - تعزيز ثنائية "نحن/هم": تفاعلات ما بعد الصدمة، خاصة في فضاءات التواصل الاجتماعي المغلقة (مثل مجموعات "تيلغرام" المؤيدة للحرب بشدة)، عززت روابط الانتماء عبر شعارات مثل "معاً حتى النصر". هذا التفاعل عزز جداراً نفسياً بين "المجتمع الإسرائيلي الضحية" و"العدو الفلسطيني الإرهابي". - تحويل الجنود إلى "أبطال خلاص": وظّف الخطاب العسكري والسياسي آليات البناء الرمزي لتحويل الجنود المشاركين في العمليات العسكرية في غزة إلى "حماة الوجود" و"أبطال خلاص" (كما بحث Sandberg & Schmidt, 2016 في سياقات أخرى). هذا البطلنة غطّت على طبيعة الأفعال المرتكبة. - التجريد من الإنسانية (Dehumanization): بلغت عملية "أخذ دور الآخر" مستوى خطيراً مع تجريد الفلسطينيين كلياً من إنسانيتهم. تصريحات المتطرف إيتمار بن غفير (15 أكتوبر 2023) واصفاً الفلسطينيين بـ"الأفاعي" و"الحشرات"، ليست مجرد شتائم، بل هي آلية تفاعلية رمزية تهدف إلى تدمير أي إمكانية لتقمص دور الضحية الفلسطينية أو التعاطف معها، وبالتالي تمهيد الطريق أخلاقياً ونفسياً لاستخدام عنف غير مقيّد. 3. الحدث المحوري وإعادة تعريف الذات الجماعية: - 7 أكتوبر كـ"نقطة تحول" (Critical Incident): مثلت الهجمات حدثاً محورياً أعاد تعريف الذات الإسرائيلية الجماعية من "دولة قوية" إلى "قلعة محاصرة". هذا التحديد الجديد للموقف (Definition of the Situation) أصبح المبرر الرمزي الذي شرّع سياسات متطرفة غير مسبوقة: - حصار شامل وتدمير ممنهج: أدى إلى مقتل عشرات الآلاف (تجاوز عدد القتلى 60000 بحسب مصادر فلسطينية ووثقت الأمم المتحدة الدمار الهائل حتى مارس 2025)، وتدمير ما يزيد عن 70% من منازل غزة (الأونروا، 2024). - اعتقالات جماعية: اعتقال أكثر من 7,000 فلسطيني في الضفة الغربية (هيومن رايتس ووتش، 2024)، غالباً دون تهم أو محاكمة عادلة. - استخدام التجويع كسلاح: اعترفت تقارير الأمم المتحدة (فبراير 2024) بحدوث مجاعة في شمال غزة، نتيجة حصار متعمد للمساعدات الإنسانية والغذائية، وهو ما يُعد جريمة حرب، ومازال استخدام هذا السلاح مستمراً على قطاع غزة . - صناعة ذاكرة جمعية جديدة: ساهمت الصور المروعة لضحايا 7 أكتوبر، التي تم تداولها بشكل مكثف ومتحيز في الإعلام الإسرائيلي، في خلق "ذاكرة جمعية جديدة" تركز حصرياً على معاناة الإسرائيليين كضحايا (Hutchinson, 2021). هذه الذاكرة المحوّرة أصبحت أساساً للسردية الرسمية الداعمة للعنف المتطرف كرد "طبيعي" و"ضروري". 4. تبرير إرهاب الدولة: التفاوض على المفاهيم: - إفراغ المفاهيم القانونية من مضمونها: شهدنا عملية تفاعلية ممنهجة لإعادة تعريف مفاهيم أساسية: - "الأمن": تمديده ليشمل التطهير العرقي الفعلي، كما يتجلى في تصريحات المتطرف بيزليل سموتريتش (يناير 2024) الداعية لـ"هجرة طوعية" للفلسطينيين من غزة، وهو تعبير ملطف عن التهجير القسري. - "الدفاع عن النفس": استخدامه لتبرير قصف المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء التي تحميها القوانين الدولية بشكل صارخ، كما وثقته منظمات مثل "أطباء بلا حدود" (2023) واللجنة الدولية للصليب الأحمر. - التجريد من الإنسانية المؤسسي: وصف الأطفال الفلسطينيين بـ"أطفال الإرهاب" في وسائل إعلام رسمية أو مقربة من السلطة (مثل قناة 14 الإسرائيلية، نوفمبر 2023)، ليست مجرد خطاب كراهية، بل هي آلية رمزية لتبرير استهدافهم أو تجاهل معاناتهم. إرهاب الدولة: التطرف المؤسسي كنتاج تفاعلي تجاوزت ممارسات إسرائيل بعد 7 أكتوبر مفهوم "الأمن الوطني" التقليدي إلى آليات تطرف مؤسسي منظم، تُظهر بوضوح سمات "إرهاب الدولة": - التشريع الرمزي للعنف: - استخدام قانون "مكافحة الإرهاب" الإسرائيلي (2016) بشكل تعسفي لسجن نشطاء سلام فلسطينيين وقمع أي معارضة سلمية (كما وثقت جمعية "عدالة"، 2023). - المصادقة على "قانون الإعدام للأسرى" (مارس 2024) والذي يسمح بإعدام أسرى فلسطينيين حتى أثناء احتجازهم، وهو لا يكرس فقط عنفاً مادياً محتملاً، بل يرسخ رمزية "القصاص" والانتقام كقيمة عليا في التعامل مع الفلسطيني، متجاوزاً أي مفهوم للعدالة القضائية. - العنف البنيوي المنظم: - التدمير الشامل للبنية التحتية الحيوية في غزة (مساكن، مستشفيات، مدارس، طرق، شبكات مياه وكهرباء) والذي وثّقته الأمم المتحدة (الأونروا، 2024) ليس "أضراراً جانبية"، بل هو عنف بنيوي ممنهج يهدف إلى جعل الحياة مستحيلة، وهو شكل من أشكال العقاب الجماعي والتطهير العرقي. - استخدام التجويع كـ"أداة حرب" بشكل منهجي، كما أكدته تقارير الأمم المتحدة عن المجاعة (فبراير 2024)، يمثل أقصى درجات العنف البنيوي وإرهاب الدولة ضد مدنيين عُزّل. تفكيك السرديات المتطرفة: توصيات تفاعلية استناداً إلى فهم الآليات التفاعلية التي تبني التطرف، يجب أن تركز الجهود على: 1. تغيير ديناميكيات التفاعل: - دعم وإنشاء فضاءات حوار آمنة ومحايدة بين جميع الاطراف، تركز على إنسانية الطرفين، وتسلط الضوء على قصص "الضحايا المشتركة" للعنف المستمر، بعيداً عن السرديات الرسمية المتطرفة. - برامج تعليمية تزيل ثنائية "نحن/هم" المتصلبة، وتعزز التفكير النقدي تجاه الروايات التاريخية والسياسية، وتُظهر التاريخ والثقافة الفلسطينية بوصفها إنسانية (Kruglanski et al., 2014). 2. إعادة بناء المعاني والرموز: - تطوير خطاب بديل قوي، محلياً ودولياً، يعيد تعريف "الأمن" الحقيقي ليس كـ"هيمنة عسكرية" أو "تفوق عرقي"، بل كـ"عدالة" و"سلام" و"احترام لحقوق الإنسان والقانون الدولي" للجميع. يجب تفكيك الربط بين "الأمن الإسرائيلي" وتدمير حياة الفلسطينيين. - توثيق ونشر الروايات الفلسطينية، خاصة تلك التي توثق المعاناة اليومية والمرونة (صمود Sumud) تحت الاحتلال والعنف، في الإعلام العالمي الرئيسي بفعالية أكبر، لمواجهة التشويه الرمزي المنهجي. 3. المساءلة القانونية الدولية والضغط: - دعم عمل المحكمة الجنائية الدولية وغيرها من آليات المساءلة الدولية بشكل كامل وفعال لمحاكمة المسؤولين الإسرائيليين عن جرائم يُشتبه بارتكابها (جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية، جريمة التطهير العرقي). المساءلة ليست انتقاماً، بل هي آلية حيوية لفرض تكلفة على إرهاب الدولة وكسر دائرة الإفلات من العقاب التي تغذيه. - تطبيق ضغوط دولية ملموسة ومستمرة (عبر عقوبات سياسية واقتصادية وعسكرية) لوقف التطهير العرقي الجاري في غزة والضفة الغربية فوراً، ورفع الحصار غير القانوني، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية دون عوائق. خاتمة: التطرف ليس قدراً محتوماً الحالة الإسرائيلية بعد 7 أكتوبر 2023 تقدم نموذجاً صارخاً لكيفية تحوّل الصدمة الجماعية، عبر آليات التفاعل الرمزي اليومي (بناء المعاني، تشكيل الهوية، تحديد المواقف)، إلى آلة دولة متطرفة ترتكب إرهاب دولة تحت شعارات الأمن والانتقام. هذا التحليل السوسيولوجي يؤكد أن التطرف، حتى في شكله المؤسسي الأكثر فتكاً، ليس حتمياً ولا فطرياً. إنه نِتاج عمليات اجتماعية تفاعلية قابلة للملاحظة والتحليل. الخروج من هذه الحلقة المروعة يتطلب أكثر من إدانة أخلاقية. يتطلب فهماً عميقاً لهذه الآليات الجزئية، وإرادة سياسية دولية حقيقية توازي جسامة الجرائم المرتكبة. مفتاح الحل يكمن في قدرة المجتمع الدولي، والمجتمع المدني داخل إسرائيل وفلسطين، على تغيير ديناميكيات التفاعل التي تعيد إنتاج العنف: تفكيك الرموز المبررة له (تحويل "التهديد الوجودي" إلى "صراع سياسي يحتاج حلولاً سياسية")، وإعادة بناء الهويات (من "ضحية مسلحة" إلى "مجتمع منفتح" قادر على الاعتراف بمعاناة الآخر)، وفرض مساءلة صارمة على إرهاب الدولة. فقط عندها يمكن كسر هذه الحلقة المميتة وفتح أفق لسلام قائم على العدل.

إسرائيل تبلغ ترامب بعدم ضرب إيران إلا حال فشل المحادثات
إسرائيل تبلغ ترامب بعدم ضرب إيران إلا حال فشل المحادثات

معا الاخبارية

timeمنذ 2 أيام

  • معا الاخبارية

إسرائيل تبلغ ترامب بعدم ضرب إيران إلا حال فشل المحادثات

تل أبيب- معا- كشف موقع "أكسيوس" الأمريكي، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين مطلعين، أن إسرائيل أبلغت الإدارة الأمريكية بأنها لن تقدم على ضرب المنشآت النووية الإيرانية، إلا إذا أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فشل المحادثات النووية الجارية مع طهران. وأوضح الموقع أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أبلغ الرئيس ترامب مباشرة بأنه "متشكك" بشأن فرص التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، وهو ما يعكس حالة من عدم الثقة بين الطرفين بشأن جدوى المفاوضات الحالية. وأشار المسؤولون الإسرائيليون إلى أنه من غير المتوقع عقد جولة جديدة من المحادثات بين المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف ونائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي خلال هذا الأسبوع، ما يعزز التكهنات بشأن تعثر المسار التفاوضي.

لحماية الجيش ومحاربة حماس..نتنياهو يقر بتسليح جماعات في غزة
لحماية الجيش ومحاربة حماس..نتنياهو يقر بتسليح جماعات في غزة

معا الاخبارية

timeمنذ 2 أيام

  • معا الاخبارية

لحماية الجيش ومحاربة حماس..نتنياهو يقر بتسليح جماعات في غزة

بيت لحم معا- أقر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتسليح جماعات مسلحة في قطاع غزة لمحاربة حماس وحماية الجيش الإسرائيلي. وفي مقطع فيديو أضاف أن إسرائيل فعّلت جماعات في غزة ضد حماس، بناءً على توصية من مصادر أمنية. واتهم نتنياهو ليبرمان بالكشف عن التفاصيل، مدعيًا أنها تساعد حماس. وقال نتنياهو: "بناءً على نصيحة مسؤولين أمنيين، فعّلنا عشائر في غزة، معارِضة لحماس". وأضاف أن "هذا أمر جيد، وينقذ أرواح جنود الجيش الإسرائيلي". وهاجم نتنياهو ليبرمان، وقال إن "الدعاية لهذا الأمر لا تخدم إلا حماس، لكن ليبرمان لا يكترث"، مضيفا أن إعلان ليبرمان، "تسريب إجرامي من لجنة فرعية تابعة للجنة الشؤون الخارجية والأمن".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store