
إصلاحات إبراهيم باشا.. وأحوال دمشق
ترك لنا الروائي السوري خيري الذهبي (1946-2022) قبل وفاته عدة أوراق عن تاريخ دمشق وبلاد الشام عمومًا، صدرت بعنوان «عود ثقاب قرب حقل جاف» عن دار المحيط للنشر. ومن العنوان نكتشف أنّ الشام هي مكان قابل للاشتعال على مدار التاريخ، وأنّ مدن بلاد الشام لم تعش حالة من الاستقرار الدائم، بل لطالما عاشت فترات عصيبة، ومذابح وحروب إبادات واسعة.
يرى الذهبي أنّ دمشق والشام عمومًا عاشت على الهوامش ولم تكن مركزًا رئيسيًا. وعلى الرغم من أنّ هذه القراءة قد تثير نقاشات واسعة حول دور المدن الشامية في فترات معينة، لكن الذهبي هنا لا يقصد من فكرة تهميشه لهذه الجغرافية التقليل من أهميتها، بل يعتقد أنّ الشام ظلت تدفع ثمن تمزّقها الجغرافي والثقافي وعجزها عن تشكيل دولة كبيرة موحدة. وهذا بالمناسبة ما نراه حتى يومنا هذا. فالشام الجغرافية اليوم هي مقسَّمة بين عشرات الجماعات والطوائف والميليشيات، والتي يمتلك كل منها سرديته ومظلوميته الخاصة.
يعتقد الذهبي أنه منذ روما، التي أعادت تشكيل مؤسسة الدين ليصبح دينًا دولتيًا، فعقدت «مجمع نيقيا» لتوحيد الرأي حول المُختَلف عليه في الدين، رفض الشاميون التخلّي عن رؤاهم للدين الذي نشأ في أحضانهم والانضواء تحت وحدة الدين الدولة. والغريب أنّ الصليبيين القادمين من دول كبرى موحدة تقريبًا في أوروبا خضعوا للجغرافية الشامية غير القادرة على صنع دولة موحدة، وهكذا تمزقوا في إمارات لم تستطع تشكيل دولة صليبية موحدة أبدًا، فشكَّلوا إمارة أورفة، وإمارة أنطاكية، وإمارة طرابلس، وإمارة بيت المقدس.
وفي كتابه الصادر باللغة الإنجليزية عام 2024 بعنوان «أحداث دمشق: مذبحة 1860 وتدمير العالم العثماني القديم»، يقول المؤرخ البريطاني يوجين روغان إن الوجود المصري في سوريا 1831-1840 فتح سلسلة من التغييرات كان أهمها إدخال القناصل الأوروبيين، وفتح أسواق دمشق أمام التجارة المتوسطية، وظهور الملاحة البخارية.
ربما يكمن التغيير الأهم في المدينة هو تنامي قوة الأقليات الدينية، والذي يمكن النظر إليه كنتيجة للتغييرات التي رافقت الوجود المصري في سوريا. حينما سيطر إبراهيم باشا على دمشق عام 1832، أدخل مفاهيم المساواة القانونية بين المسلمين وغير المسلمين. وشكّلت هذه المفاهيم، التي تم العمل بها بشكل فعلي في مصر، صدمة للمسلمين في دمشق، وأثارت استياءهم بشكل كبير. كان محمد علي باشا قد أدخل التغييرات في مصر لفرض المسؤوليات المالية والعسكرية على الأقليات.
ويصف المستشرق الفرنسي ألفونس دو لامارتين تلك الفترة: «المسلمون في دمشق كانوا مستائين من المساواة التي شرعها إبراهيم باشا بينهم وبين المسيحيين. كما أن بعض المسيحيين استغلوا التسامح الذي تمتعوا به لإهانة أعدائهم بانتهاك عاداتهم وأعرافهم بشكل مباشر، ما أذكى مرارة التعصب بين المسلمين» (ص 65). لم تكن إصلاحات إبراهيم باشا وحدها من عزز من قوة الأقليات، إنما توسع التجارة الأوروبية في دمشق. فقد اعتمد التجار الأوروبيون على عملاء محليين لإدارة تجارتهم، وقد كان الأوروبيون المسيحيون ومثلهم اليهود يوظفون أبناء دينهم للعمل لديهم في إدارة شؤونهم التجارية.
وفي الواقع كانت بريطانيا قد عيَّنت وليام فارين قنصلًا لها في دمشق منذ 1830، لكنه لم يجرؤ على دخول المدينة حتى عام 1834 تحت حماية قوات محمد علي؛ وذلك لأن النخب الدمشقية كانوا يشعرون بالريبة تجاه القنصليات الأوروبية ويكنّون لها البغضاء. وقد اعتبرت جريدة «التايمز» البريطانية دخول فارين إلى دمشق وقتها انتصارًا؛ إذ وصفت مشهد دخوله المدينة في تقريرها الإخباري: «اصطف المتفرجون على جانبي شوارع المدينة، وكانت نوافذ وأسقف المنازل مزدحمة وكان الناس يقفون حتى اثنين وثلاثة على حواف المحال التجارية. لم يسبق أن شاهد أحد مثل هذا المشهد في دمشق، والتي ظلت منزهة عن اللباس والعادات الأوروبية، واعتبارها مدينة مقدسة حتى دخول السيد فارين. ولم يكن يُسمح لأي شخص قبل الآن بدخولها على ظهر حصان» (ص 58). وكانت مسألة دخول غير المسلم إلى دمشق مسألة حساسة بالنسبة إلى المسلمين؛ إذ إنه من بين القيود الاجتماعية على غير المسلمين بأنه لم يكن مسموحًا لغير المسلمين بركوب الخيل حتى لا ينظر إلى المسلم من مكانة أعلى.
بحلول عام 1850 كانت فرنسا والنمسا قد دخلتا كشريكتين تجاريتين رئيسيتين في سوريا، ما أدى إلى تضاعف إجمالي الواردات الأوروبية عبر مرفأ بيروت تقريبًا بين عامي 1853ـ1857. وكان للتدفق المفاجئ للأقمشة القطنية والصوفية الرخيصة في سوق دمشق تأثير فوري على صناعة النسيج المحلية. وفي مواجهة هذا السيل من الأقمشة الأوروبية الرخيصة، أجبر النساجون (النويلاتية) على التوقف عن العمل. ترافق هذا التوسع في الحقوق القانونية للمسيحيين واليهود السوريين من خلال الفرص الاقتصادية المتنامية التي تمتعت بها مجتمعات الأقليات.
نرى دمشق في هذه الفترة وهي تعيش صراعًا بين النخب والناس العاديين والسلطة المركزية حول هذه الإصلاحات، كما نرى النخب المحلية الدمشقية المسلمة وهي تندد بالإصلاحات العثمانية، كونها أتاحت مساواة أكثر بين المسلمين والمسيحيين. ويبدو أن العثمانيين ساروا في هذا الطريق في ظل تدخُّل القوى الأوروبية بحقوق الأقليات لمنع المزيد من التدخلات الأوروبية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


وكالة نيوز
منذ 4 أيام
- وكالة نيوز
قواعد المحكمة العليا الإسرائيلية شين رهان شين بان من قبل نتنياهو 'غير قانوني'
لا تجد المحكمة العليا أي أساس واقعي لفصل Ronen Bar ، ويسلط الضوء على المخالفات وعدم وجود جلسة استماع رسمية. قضت المحكمة العليا في إسرائيل بأن قرار الحكومة بإقالة رئيس الأمن المحلي رونين بار كان 'غير قانوني' ، مما يمثل آخر تطور في صراع على السلطة المريرة بين حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ونظام العدالة في البلاد. قال حكمها يوم الأربعاء إن المحكمة العليا 'قضت بأن قرار الحكومة بإنهاء رئيس ولاية شين رهان قد تم من خلال عملية غير قانونية وغير قانونية'. كما قال إن نتنياهو كان لديه تضارب في المصالح في الانتقال إلى إطلاق النار ، حيث كان الرهان الشين يجري التحقيق في العلاقات المزعومة بين مساعدي رئيس الوزراء المقربين وقطر. قام الرجلان بتبادل الاتهامات والفشل الأمنية العميقة المحيطة بهجوم 7 أكتوبر الذي تقوده حماس. قال نتنياهو لأول مرة إنه سيطلق النار بسبب انهيار في 'الثقة' ، مما يشير إلى أنه كان مرتبطًا بـ 7 أكتوبر ، مما أدى بعد ذلك إلى حرب غزة. لكن بار قال إن قرار نتنياهو كان مدفوعًا بسلسلة من الأحداث بين نوفمبر 2024 وفبراير 2025. في الجزء غير المصنف من تقديم المحكمة ، بار قال أخبره نتنياهو 'في أكثر من مناسبة' أنه يتوقع أن يتخذ شين بيت إجراءً ضد الإسرائيليين المشاركين في المظاهرات المناهضة للحكومة ، 'مع التركيز بشكل خاص على مراقبة الداعمين الماليين في الاحتجاجات'. قال رئيس شين رهان أيضًا إنه رفض التوقيع على طلب أمني يهدف إلى تخفيف نتنياهو عن الشهادة محاكمة الفساد حيث يواجه تهم الرشوة والاحتيال والخرق لثقة الجمهور. وقالت المحكمة إن قرار إقالة بار قد اتخذ دون 'أساس واقعي' ودون إعطائه جلسة استماع رسمية قبل إطلاقه ، وفقًا لتقرير صادر عن التايمز من إسرائيل. أشار حكم يوم الأربعاء إلى 'مخالفات' في العملية التي أدت إلى إقالة بار ، وكذلك 'تجاهل للمبادئ الأساسية المتعلقة بالأمن الداخلي'. صوت مجلس الوزراء الإسرائيلي على رفض المحامين في مارس ، مما أدى إلى احتجاجات جماهيرية واتهامات على المساعي الاستبدادية من قبل الحكومة اليمينية المتطرفة. توقفت المحكمة العليا للعدل القرار حتى يمكن عقد جلسة الاستماع. قدمت عدة مجموعات ، بما في ذلك السياسيون المعارضون ، التماسات إلى المحكمة ضد قرار الحكومة. في أبريل ، ألغت الحكومة قرار إطلاق النار بعد يوم من أن يتنحى. بعد قرار Bar بالتوقف عن الوظيفة ، قال حكم المحكمة العليا يوم الأربعاء إن 'هذا الإعلان يضع حداً للإجراء (القانوني)'.


بوابة الفجر
منذ 5 أيام
- بوابة الفجر
"يديعوت أحرونوت": كل الأطراف تعمل على التوصل إلى صفقة شاملة تعيد جميع الرهائن إلى إسرائيل
قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية إن مسؤولين في البيت الأبيض عبروا عن إحباطهم من حكومة نتنياهو، مؤكدين أنها تسير عكس التيار ولا تعمل على التوصل لاتفاق شامل لإعادة الرهائن. وأفادت "يديعوت أحرونوت" عن مصادر بأن مسؤولين كبارا في البيت الأبيض أبلغوا عائلات المحتجزين أن جميع الأطراف تعمل على التوصل إلى صفقة شاملة تعيد جميع الرهائن باستثناء إسرائيل التي تعمل عكس ذلك. وذكرت المصادر أن عبروا عن غضبهم من حكومة نتنياهو جراء سلوكها في مفاوضات الدوحة. وأشارت المصادر إلى أن المسؤولين في واشنطن يبذلون قصارى جهدهم للتوصل إلى اتفاق شامل وإنهاء الحرب في غزة، وهذا ما يريده الرئيس ترامب، وهذا ما أوعز به إلى فريقه. وأوضحت المصادر أن قادة العالم يتفهمون ويحترمون جهود الرئيس ترامب لإنهاء الصراعات والحروب حول العالم وبناء مستقبل أفضل، مضيفين: "لا نرى أي سبب منطقي يمنع إسرائيل من فهم الرسالة والعمل على إعادة مواطنيها إلى ديارهم". ونقلت صحيفة "التايمز" البريطانية عن مصدر مطلع على التفاصيل قوله إن "الرئيس ترامب يشعر بالقلق إزاء محنة الفلسطينيين في المنطقة". وبحسب المصدر المطلع على فحوى المحادثات التي أجراها ترامب خلال زيارته للشرق الأوسط، فإن الرئيس الأمريكي نفد صبره من مواقف نتنياهو، بل إنه لا يكن له الود أصلا". وفي هذه الأثناء، قال المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي لشؤون الأسرى آدم بوهلر في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" إن المزاعم بأن ترامب نقل رسالة إلى إسرائيل مفادها "إذا لم تنهوا الحرب فسوف نتخلى عنكم" هي "أنباء كاذبة"، مؤكدا أنه يواصل دعمه لإسرائيل. وأوضح بوهلر أيضا أن الإدارة الأمريكية منشغلة بجهود تأمين إطلاق سراح الرهائن الثمانية والخمسين الذين لا يزالون محتجزين لدى حماس، مردفا بالقول: "الرئيس واضح تماما إنه يريد نهاية للأمور.. ستيف ويكتوف يبذل جهودا حثيثة الآن.. نحن نركز أولا على عودة الرهائن، ثم على أمن إسرائيل". وبحسب المصادر، فإن "المفاوضات الجارية في قطر بين إسرائيل وحماس لا تزال مستمرة، ولم يتم الاتفاق على نتائجها بعد، رغم تعقيد المحادثات في الدوحة وإصرار كل طرف على مطالبه". وفي السياق أفادت وكالة "معا" الفلسطينية للأنباء، نقلا عن مصادر، بأن "هناك احتمالا للتوصل إلى اتفاق في اللحظة الأخيرة". هذا، وقال مسؤولون إسرائيليون كبار إن المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف قدم السبت اقتراحا جديدا لإطلاق سراح 10 من الرهائن الأحياء وجثث 16 رهينة مقابل وقف إطلاق النار لمدة تتراوح بين 45 و60 يوما، مع إطلاق سراح أسرى فلسطينيين من السجون الإسرائيلية وفقا لمعايير سيتم تحديدها. وخلال فترة وقف إطلاق النار، ستبدأ المناقشات حول المرحلة الثانية من الاتفاق، والتي سيتم بموجبها إطلاق سراح جميع الرهائن، وإعادة جميع القتلى وتنتهي الحرب. وبحسب المسؤولين، فإن إسرائيل ردت بشكل إيجابي على اقتراح ويتكوف، لكن حماس امتنعت عن إعطاء أي رد. وفي إسرائيل، قدروا أن هناك فرصة جيدة للتوصل إلى اتفاق خلال زيارة الرئيس ترامب إلى الشرق الأوسط، ورأوا أنه ما دام هو موجود في منطقة حماس، فإنه سيرغب في الاستفادة من الفرصة والذهاب للتوصل إلى اتفاق. ورغم ذلك، أعلن جيش الدفاع الإسرائيلي عند مغادرته عن "التحركات الافتتاحية لعملية عربات جدعون"، وبعد يومين أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن فريق التفاوض في الدوحة يعمل على استنفاد كل الخيارات بما في ذلك إمكانية إطلاق سراح جميع الرهائن، كجزء من إنهاء القتال في غزة


24 القاهرة
منذ 5 أيام
- 24 القاهرة
منفذ مجزرة عمال الإغاثة برفح.. غضب واسع بعد ظهور لواء جولاني في مناورات عسكرية بالمغرب
أثارت صورة متداولة من مشاركة لواء جولاني التابع لجيش الاحتلال الإسرائيلي في المناورات العسكرية التي تجري في المغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية حالة من الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي حيث ارتكبت وحدة جولاني على وجه الخصوص مجزرة دامية في رفح الفلسطينية. مناورات عسكرية بالمغرب ولواء جولاني يشارك وكتب أحد الأشخاص عبر منصة إكس: سرية الاستطلاع في جولاني الوحدة ذاتها التي ارتكبت قبل شهرين فقط في رفح أكبر مجزرة منذ عقود طويلة بحق 15 مسعفًا، وعاملي إغاثة تابعين للأمم المتحدة، وعناصر من الدفاع المدني توجد اليوم في أكادير، المغرب، هنا، ينفجر القلب قهرًا، وتصرخ الروح وجعًا.. أيُعقَل هذا؟!. ويشارك الجيش الإسرائيلي في مناورات عسكرية واسعة النطاق تقودها الولايات المتحدة في المغرب وعدد من الدول الإفريقية المجاورة، حسب صحيفة تايمز أوف إسرائيل. وأعلنت القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا أن المناورات السنوية المشتركة مع المغرب، والتي تحمل اسم الأسد الإفريقي، تضم نحو 10 آلاف عنصر من أكثر من 40 دولة، وتُجرى في الفترة ما بين 14 أبريل و23 مايو. وتقتصر مشاركة القوات الإسرائيلية على التدريبات التي تُقام داخل الأراضي المغربية، في حين تشمل المناورات أيضًا دولًا م ثل غانا والسنغال وتونس، علمًا بأن الأخيرة لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وتعد هذه المشاركة الإسرائيلية في مناورات الأسد الإفريقي ليست الأولى من نوعها. وخلال الأسبوع الماضي، وخلال سير التمرين، أُصيب جنديان من مدرسة المظليين التابعة للجيش الإسرائيلي بجروح متوسطة إثر حادث سير، حسب ما أفاده الجيش الإسرائيلي. ولم تكشف القوات الإسرائيلية عن باقي الوحدات المشاركة في المناورات، إلا أن صورة جرى تداولها على الإنترنت يوم أمس أظهرت وجود عناصر من وحدة الاستطلاع التابعة للواء جولاني ضمن التمرين، وفقًا لصحيفة التايمز الإسرائيلية. هآرتس: لواء جولاني فقد 114 من مقاتليه وضباطه منذ بدء الحرب على غزة وزير خارجية قطر: الحرب في غزة لن تنتهي إلا بالدبلوماسية.. وسلوك إسرائيل لا يُحتمل