بوشيكيان بعد أمين سلام: القضاء يتجرأ على السياسيين مجددًا؟
استدعى القضاء اللبنانيّ وزير الصناعة السابق والنائب الحالي جورج بوشيكيان إلى التحقيق بصفة "شاهد". هي المرة الأولى التي يُطلب فيها للاستماع إلى أقواله. لم يمثل، متذرعًا بتعرضه لوعكة صحية منعته من حضور الجلسة التي حُدد تاريخها في الخامس والعشرين من حزيران الجاري.
"الحصانة السياسية"
تحوم شُبهات حول دور بوشيكيان حين كان وزيرًا للصناعة، في ملفٍ فتح في الأشهر الماضية لدى شعبة المعلومات بإشراف القضاء اللبنانيّ، حول تعرض مجموعة من الصناعيين للإبتزاز المالي من قبل الوزارة. عمليًا، تحرك القضاء اللبناني، فأوقف المدعي العام التمييزي جمال الحجار مجموعة من الموظفين داخل الوزارة، وأرجأ جلسة بوشيكيان للأسبوع المقبل، بانتظار أن تتحسن صحته الجسدية ليتمكن من حضور جلسة الاستماع إليه. وللتذكير، فإن الاستماع إليه بصفة شاهد يعود لسبب أساسي وهو أنه نائب حالياً، ما يعني أن الحجار قد يحتاج إلى المطالبة برفع الحصانة عنه ليتمكن من ملاحقته في حال أثبتت التهم المنسوبة إليه.
تُعيدنا هذه القضية إلى ملف وزير الاقتصاد السابق أمين سلام، وإن كانت بفوارق عديدة. كان يطمح سلام أن يصبح رئيسًا لحكومة لبنان، وأن يصبح الزعيم السني الأول لطائفة كان يملؤها الفراغ بعد غياب الحريرية السياسية. كان سلام مدعومًا من التيار الوطني الحر، تولى الوزارة، وحوّلها من مقرّ رسمي إلى جمعية عائلية، فاحت رائحة الفساد فيها سريعًا. ربما لأنه لم يتعلم من بعض الساسة الطُرق السرية لدفن الفساد لفترات أطول. استجوب أمام القضاء اللبناني عدة مرات، وفي المرة الأخيرة استدرج إلى شعبة المعلومات بأمر من القضاء اللبناني. حلّ ضيفًا هناك لأكثر من 4 ساعات متواصلة، استجوب فيها لمدة لم تتخط الـ15 دقيقة، قبل أن يبلّغ بأن الحجار أعطى إشارة بتوقيفه. ونقل إلى مديرية قوى الأمن الداخلي، هناك بالقرب من الغرفة التي جهزت سابقًا لحاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة. سلام تجرّد من الدعم السياسي الذي حظي به سابقًا، عجز عن إخراج شقيقه كريم من السجن، وعجز عن حماية نفسه أيضًا.
وبالعودة إلى بوشيكيان، فهو نائب حالي، يحظى بدعم سياسي من حزب الله وتيار المردة، ومقرب من رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، وكان يحظى بدعم من التيار الوطني الحر وحزب الطاشناق، قبل أن يسحب الأخير تغطيته له إثر تمرده على قراراته. بذلك، تصوب الأعين على أداء الحجار في هذا الملف. ففي حال أثبتت التهم المنسوبة إليه، هل سيطلب رفع الحصانة عنه لملاحقته؟ هل سيكون مصيره شبيهًا بمصير سلامة وسلام؟ أم سيقفل ملفه وكأن شيئًا لم يكن؟ وهل سيثبت الحجار أن عهده سيكون مختلفًا؟
نموذج سلامة
ثمة رائحة عفن داخل مؤسسات الدولة اللبنانية ووزاراتها، لا تحتاج لكثير من البراهين لتأكيدها. الفساد يستشري هناك، بسبب غياب الأجهزة الرقابية وعجز القضاء اللبناني عن ملاحقة كل من يحظى بدعم سياسي وطائفي. منذ سنوات، حين بدأ القضاء الأوروبي ملاحقة سلامة، تفتّحت ملفاته داخل القضاء اللبناني على مضض، لم يعد بإمكان أي أحد إخفاء فضائح سلامة أو تجميلها. آنذاك، استدعت النيابة العامة التمييزية سلامة، وتركته في سبيله.
كان لا يزال حاكمًا لمصرف لبنان المركزي، ورجلًا مدلّلًا داخل قصر عدل بيروت، كان يتشارك تدخين السيجار مع القضاة، وفي مرة لدى سؤال أحد القضاة الذي حقق مع سلامة، لماذا لم يتم توقيفه حتى اليوم على الرغم من كل الأدلة والتحقيقات التي قدمها القضاء الأوروبي للقضاء اللبناني؟ كان جوابه واضحًا "لا نريد أن نخرب البلد، توقيف سلامة سيؤدي إلى تحليق الدولار أكثر". وعليه، ترك القضاء سلامة، لكن الدولار حلّق كثيرًا ولم يتم ضبطه، فيما "حرص" القاضي على مصلحة المواطنين كان وهمًا، وحجة ركيكة. إذ لم يكن القضاء قادرًا على توقيف سلامة لعلةٍ وحيدة: الحصانة والدعم من السلطة السياسية.
بعد انتهاء ولاية سلامة، تقلّصت مناعة الحاكم السياسيّة، وصار عبئًا على الجميع، تمامًا كعبارة الشاعر محمود درويش "تُنسى كأنك لم تكن..". هذا ما يحصل في كل المناصب الرسمية في لبنان. يُنسى المرء، فتُفتح الملفات على مصراعيها، وتبدأ المحاسبة.
ثمة تساؤلات كثيرة تطرح دائمًا حول قدرة القضاء اللبناني على ملاحقة كل الفاسدين سياسيين أو موظفين كبار. ولِمَ تُحصر الملاحقة بمن جُردوا من الغطاء السياسي وحدهم؟
دفن الملفات
لا ينفي مصدر قضائي لـ"المدن" وجود تدخلات سياسية تمارس على بعض القضاة لمنعهم من استكمال التحقيقات، فيطلب منهم عدم توقيف شخصية معينة. وبمنظوره فإن المشكلة هي في منع وصول ملفات الفساد إلى القضاء اللبناني، إذ أن القضاة لا يتحركون إلا لحظة انفجار أي قضية فساد. حينها، لا يمكنهم التغاضي عنها أو تجاهلها، ويصبحون مجبرين على متابعتها، خصوصًا في حال تحريكها أمام الرأي العام. ويؤكد أن ملاحقة أي موظف أو وزير أو نائب بعد انتهاء ولايته هو أمر يحصل في كل بلدان العالم. فعندها يتمكن القضاء بالتحرك براحة أكبر".
من جهة أخرى، ملفات كثيرة فتحت داخل القضاء اللبناني بعد أن أحدثت ضجيجًا في الرأي العام وانطفأت داخل أروقة قصور العدل، ولم تعرف الأسباب. ربما، يعود ذلك لأن المتورطين هم من أصحاب النفوذ.
عسى أن يتغيّر الحال حين نتمكن من تعديل القوانين بما يحرر القضاء من التدخل السياسي ومن نفوذ السلطة.
هل مع قضية أمين سلام، ثم راهنًا مع قضية بوشيكيان سيبدأ التحول المنتظر في مسار العدالة ومكافحة الفساد وابتداء زمن الإصلاح؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


تيار اورغ
منذ ساعة واحدة
- تيار اورغ
شو الوضع؟ العين على توقيت مفاوضات أميركا وإيران... جنبلاط يوجه رسائل للحزب: سلّمتُ سلاحي ومزارع شبعا سورية!
كل الشرق الأوسط ودوله المكوية بالصراع الأميركي - الإيراني، يتوجه نحو توقيت المفاوضات بين الدولتين. ففي ذلك "تقريش" حسابات الربح والخسارة، وحدود الأدوار، وضبط النفوذ الإقليمي. فعلى نتائج هذه المفاوضات، يتقرر الكثير. إذ لا ينسى أحد تداعيات انتهاء الحرب العراقية - الإيرانية في ولادة إيران جديدة وانعكاسها على دخول حزب الله مؤسسات الدولة بعد العام ١٩٩٠. وفيما يكرر دونالد ترامب في كل مناسبة فوز بلاده، واحتفاله بالفوائد المنتظرة، أطلّ المرشد الإيراني علي خامنئي ليؤكد انتصار بلاده، معتبراً أن الولايات المتحدة دخلت الحرب "لأنها شعرت أن الكيان الصهيوني سيدمر بالكامل". وخلص خامنئي للإعلان أن أميركا لم تحقق أي إنجاز من هذه الحرب، لا بل أنها تلقت "صفعة قاسية" من إيران. لبنانياً، أطل الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ليعكسَ اتجاهه مع المشهد الجديد المرسوم أميركياً، وليوجّه سلسلة رسائل وإشارات بالغة الدلالة.جنبلاط بدا في مؤتمره الصحافي وكأنه في اواخر العام ٢٠٠٥ حين أمسك بخريطة تظهر مزارع شبعا ويؤكد عدم لبنانيتها.فإذ دعا حزب الله في شكلٍ مباشر إلى جعل السلاح "من الذاكرة"، كشف أنه "سلّم" مخزن سلاح في المختارة يتضمن النوعين المتوسط والخفيف، للدولة. وإذ لفت جنبلاط الى التغيرات وانتصار أميركا وإسرائيل، رأى ان مزارع شبعا تخضع للقرار ٢٤٢ الذي صدر بعد حرب ١٩٦٧، وبالتالي اعتبارها سورية وليس لبنانية. موقف جنبلاط تعتبر أنها مواكبة للإتجاه في المنطقة والمرعية أميركياً لحل النقاط العالقة سورياً ولبنانياً مع إسرائيل، بما في ذلك تصفية قضية الجولان المحتل نفسه. على خط آخر، بقي تفجير كنيسة مار الياس في دمشق، مثاراً للادانة والتضامن خاصة في لبنان، من خلال سلسلة لقاءات ومواقف تأبى نسيان قضية الحفاظ على التنوع في مجتمعات المشرق.

المدن
منذ 2 ساعات
- المدن
شهيدان في غارتين استهدفتا شقرا وبيت ليف
استهدفت غارةٌ إسرائيليّة جرافةً من نوع "بوبكات" بين بلدتي برعشيت وشقرا، ما أسفر عن إصابة سائقها. وأصدر مركز عمليات طوارئ الصحّة العامّة التابع لوزارة الصحّة بيانًا أعلن فيه أنّ الجريح، الذي أُصيب صباح اليوم في الغارة الّتي استهدفت جرافته، استُشهد في المستشفى متأثّرًا بجراحه البليغة. كما استهدفت مسيّرةٌ إسرائيليّة، عند المدخل الغربي لبلدة بيت ليف، درّاجةً ناريّة، ما أدّى إلى سقوط شهيد. وأعلن المركز نفسه أنّ الجريح، الذي أُصيب جرّاء المسيّرة في بيت ليف ـــ قضاء بنت جبيل، استُشهد في المستشفى متأثّرًا بإصاباته الخطِرة. في المقابل، أفادت هيئة البثّ الإسرائيليّة بمقتل عنصرين من حزب الله في غاراتٍ جويّة جنوبيّ لبنان. ولاحقًا، أعلن الجيش الإسرائيلي: "قتلنا قائدًا في قوّة الرضوان وآخر في وحدة المراقبة التّابعة لحزب الله في بيت ليف وبرعشيت، جنوب لبنان". تفجير في حولا هذا ولا يتوقّف الجيش الإسرائيليّ عن ترهيب المواطنين اللبنانيّين، إلى جانب الاعتداءات اليوميّة الّتي ينفّذها بالطيران الحربيّ أو بإطلاق النار على الأهالي عند حدود البلدات الجنوبيّة. واليوم، لم يسلم منزل أحد الضحايا من إجرام تلك القوّات؛ إذ توغّلت وحدةٌ إسرائيليّة فجرًا في بلدة حولا وفجّرت منزل الشهيد أحمد غازي، الذي قضى قبل أسبوع في غارةٍ لمسيّرة. وعلّقت القوّة الإسرائيليّة عبارةً تحريضيّة مرفقةً بصورةٍ لغازي على ما تبقّى من المنزل، جاء فيها: "تحذير: أحمد غازي كان يعمل في هذا المنزل لصالح حزب الله، وقد عرّض سكّان حولا وأملاكهم للخطر. التعاون مع حزب الله لا ينفع". توازيًا، أطلقت القوّات الإسرائيليّة رشقاتٍ ناريّة كثيفة باتجاه بساتين الوزاني في جنوب لبنان، لترهيب المزارعين ومنعهم من ممارسة عملهم في المنطقة. كذلك نفّذ الجيش الإسرائيليّ تفجيرًا في محيط جبل بلاط جهة الأراضي المحتلّة، قبالة بلدتي مروحين وراميا في القطاع الأوسط.


OTV
منذ 2 ساعات
- OTV
وليد جنبلاط: السلاح يجب أن يكون بيد الدولة وحدها و'ما من شيء يدوم'
Post Views: 44 أعلن الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، خلال مؤتمر صحفي، أن هناك صفحة جديدة فُتحت في الشرق الأوسط، مؤكدًا أن السلاح يجب أن يكون حصرًا بيد الدولة اللبنانية. وأوضح جنبلاط أنه في حال وجود أي سلاح لدى حزب لبناني أو غير لبناني، فإنه يتمنى أن يُسلَّم هذا السلاح إلى الدولة بطريقة مناسبة. واعتبر أن 'السلاح الأنفع للأجيال المقبلة هو سلاح الذاكرة'، داعيًا إلى توريث ذاكرة البطولات والمقاومة ضد إسرائيل وعملائها. وأشار إلى أنه أبلغ رئيس الجمهورية بوجود سلاح في موقع ما في المختارة، وطلب من الأجهزة الأمنية المختصة تولّي هذا الموضوع، وقد تمّ تسليمه بالكامل منذ أكثر من ثلاثة أسابيع. وبيّن أن هذا السلاح كان قد جُمع تدريجيًا بعد أحداث 7 أيار 2008، خلال فترة التوتر بين 'حزب الله' والحزب التقدمي الاشتراكي. وأضاف جنبلاط أنه عمل على تجميع هذا السلاح بشكل مركزي، وهو سلاح خفيف ومتوسط، وقد تم تسليمه بالكامل إلى الدولة اللبنانية. وختم بالتأكيد على أن الجولة الحالية شهدت انتصار إسرائيل والغرب بتحالفهم مع الولايات المتحدة، لكن 'ما من شيء يدوم'، بحسب تعبيره.