
التكريم والمسؤولية الوطنية
في أثناء هذا الحوار، تطرقنا إلى ظاهرة بدأت تتسع في عدد من المناطق، تتمثل في حفلات تكريم الطلاب المتفوقين التي تُنظّم باسم عائلات أو قبائل معينة أو قرى محددة. وعلى الرغم من أن هذه المبادرات تعكس مشاعر الاعتزاز والحرص على دعم المتفوقين، إلا أن التساؤل كان مطروحًا: هل من الممكن أن تتطور هذه المبادرات، فتصبح أكثر شمولًا وعدلًا، إذا نُقلت من الإطار القبلي الضيق إلى مستوى المحافظة أو المنطقة التعليمية؟ وهل يمكن تحويلها إلى مشروع وطني يعكس روح الإنصاف، ويخدم الأهداف التربوية بصورة أعمق؟
لا شك أن تكريم الطلاب المتفوقين يُعد من أفضل المحفزات التعليمية، فهو يُسهم في تعزيز الدافعية الداخلية، ويُرسّخ قيمة الاجتهاد، ويُشعر الطالب بأن جهده لم يذهب سدى. وهذه الممارسة التربوية الأصيلة تستمد مشروعيتها من ديننا الحنيف الذي دعا إلى تكريم أهل العلم، ومن رؤية المملكة 2030 التي تؤكد على دعم التميز وتعزيز القدوات في المجتمع التعليمي.
لكن حين يُربط هذا التكريم بإطار قبلي أو عائلي ضيق، فإننا –من حيث لا نشعر– نُقصي شريحة من المتفوقين، أو نُشعرهم بأنهم ليسوا جزءًا من هذا الاحتفاء، لا لسبب سوى أنهم لا ينتمون إلى نفس الاسم العائلي أو الانتماء الاجتماعي. وهذا، في المدى البعيد، يُضعف أثر التكريم، بل قد يحوّله إلى شعور بالفرز الاجتماعي أكثر من كونه رسالة تقدير تربوية.
إن ما نحتاج إليه اليوم هو نقلة نوعية في مفهوم التكريم، تُعيد توجيه المبادرات المجتمعية نحو أفق أرحب، وذلك عبر تنظيم حفلات تكريم شاملة على مستوى المحافظات والمناطق التعليمية، برعاية رسمية، وبشراكات مجتمعية من رجال الأعمال والوجهاء، ومن خلال لجان محايدة ومعايير واضحة. وبهذا نُعطي كل طالب متفوق فرصته المتساوية في التقدير، بعيدًا عن الاعتبارات القبلية أو الجغرافية أو الاجتماعية.
ومع هذا، لا نُنكر الدور الذي يمكن أن تلعبه العائلة والقبيلة في دعم أبنائها؛ فذلك جزء من نسيجنا الاجتماعي، وله أهميته في بناء اللحمة الداخلية. لكن ما نطرحه هنا هو أن تكون الاحتفالات القبلية مُكمّلة لا بديلة، وتتم في الإطار الخاص، بينما يبقى التكريم العام في يد المؤسسات الرسمية المعنية، بروح وطنية جامعة لا تُقصي ولا تُميّز.
بل يمكن أن تتحول هذه المبادرات إلى صناديق دعم تعليمي مستدامة، تُمكّن العائلات والقبائل من تقديم منح تعليمية أو رعاية مشاريع تربوية، أو دعم المراكز التعليمية، بحيث يُوظَّف الفخر بالمتفوقين في بناء أجيال متعلمة، بعيدًا عن التنافس الرمزي أو المظهري.
وفي الختام، فالتكريم موقف تربوي لا احتفال اجتماعي، وقيمته تكمن في شموليته وإنصافه. فلنُكرِّم بعقولنا لا بانتماءاتنا، ولنجعل من كل متفوق رمزًا وطنيًا، فالمجد لا يُمنح بالنسب، بل يُصنع بالعلم والعمل.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عكاظ
منذ 2 ساعات
- عكاظ
جسر مشاة الحوية.. ينتظر المعالجة
تعطلت الاستفادة من جسر المشاة الواقع على طريق المطار - الرياض السريع في الحوية شمالي محافظة الطائف، بسبب حادثة وقعت قبل أشهر عدة. ورصدت عدسة «عكاظ» خلال جولة ميدانية تضرر جزء من الجسر بعد أن اصطدمت به شاحنة ما جعله معطلاً طوال هذه الفترة. ويأمل أهالي الحوية من أمانة المحافظة سرعة إصلاحه، لتتم الاستفادة منه خصوصاً أنه يقع في منطقة حيوية وتكثر بها المحلات التجارية على اختلاف أنشطتها ويرتاده المشاة على مدار الساعة، نظراً إلى خطورة السيارات العابرة في الطريق السريع، علاوة على أن الجسر يخفف من الحركة المرورية خصوصاً للراغبين في التبضع من المحلات التجارية ويساعد العمالة على التنقل بكل يسر وسهولة. ويتطلع الأهالي إلى تحديث الجسر خصوصاً أنه أنشئ قبل سنوات، مع صيانة شاملة تراعي متطلبات السلامة وحركة المشاة، وقالوا، إن تركه على هذه الحالة يشكل خطراً على الأطفال. أخبار ذات صلة


الرياض
منذ 3 ساعات
- الرياض
"قيا".. ريف مثالي للسياحة الداخلية
بأسواقها الرائجة، ومحلاتها التجارية المنظمة، بواجهاتها العصرية، على قارعة طريق الباحة الطائف، وكثافتها السكانية التي تلامس 30 ألف نسمة، وحدائقها المميزة التي أصبحت محطات للمسافرين، انفردت بلدة قيا التابعة لمحافظة الطائف بتلك المميزات مما جعلها درة مراكز الطائف على طريق الجنوب. قيا التي تبعد عن مدينة الطائف بـ73 كم في موقع جغرافي مميز كدرّة تتوسط سواراً ذهبياً، تربط مدينتي الباحة والطائف الوجهتان السياحيتان، مما يجعلها مهيأة لأن تكون وجهة سياحية جديدة تستثمر مقوماتها الطبيعية والتاريخية والتراثية والبيئية في جذب الزوار والسياح، فضلاً عن تميزها باعتدال الأجواء وتنوع التضاريس بين جبلية وسهول وصحراء. في قيا استوقفت "الرياض" عدة مشاهدات منها، جماليات المشهد الحضري، وانحسار مساحات التشوه البصري، وبروز حدائق نوعية خدمية على قارعة الطريق الدولي، فضلاً عن تفوق واجهات المنشآت التجارية، وتنوعها، وانسيابية الحركة المرورية على شارع قيا التجاري الذي يعتبر الواجهة الأهم. من بوابة الريف السعودي الطبيعي القديم، تأكدنا أن قيا تملك مقومات مهمة تجعلها إضافة سياحية جديدة، وذلك لانتشار المزارع المنتجة بشكل كبير والتي تزرع وتنتج أنواع كثير من الخضروات والفواكه، فضلاً عن مزارع إنتاج البيض، والعسل والورد الطائفي. ودّعنا قيا التي تعيش حالة واضحة من الحراك التجاري، الذي لا يعرف الهدوء آناء الليل وأطراف النهار، بعد استراحة لمدة ساعتين في حديقتها الرائعة على طريق الباحة.


صحيفة سبق
منذ 7 ساعات
- صحيفة سبق
غزال الطائف.. رشاقة الطبيعة ونشاط السياحة والترفيه
يُعدّ وادي ذي غزال في مركز الشفا بالطائف مزيجًا متكاملاً من الطبيعة الساحرة والخدمات السياحية المميزة، مما يجعله خيارًا مثاليًا لقضاء عطلة هادئة مليئة بالمغامرة والاستجمام بين أجواء ثقافة الطبيعة المحلية، وقُربه النسبي من مرافق ترفيهية وأماكن ألعاب للأطفال. ويمتاز الوادي بتضاريسه الجبلية المتنوعة التي تحيط بالممرات المائية من الصخور الكبيرة، والنباتات الجبلية، والمساحات الخضراء التي تكسو جناباته، ومزارع الورد الشهيرة ومزارع عسل النحل، مما يجعله محطة بارزة لعشاق الطبيعة والثقافة المحلية. وأوضح لوكالة الأنباء السعودية المرشد السياحي في مركز الشفا حميد السفياني، أن وادي غزال يقع على بُعد نحو 5 كيلومترات قبل مركز الشفا الرئيس، ويمكن الوصول إليه بسهولة عبر طريق جبلي مزيّن بأكشاك بائعات ورد الطائف والفاكهة، إذ يوفر موقعه الإستراتيجي تجربة التنزه وسط الطبيعة، والمشي على الصخور والتخييم على ضفاف المياه وكذلك الإطلالات الجبلية المتنوعة والمسطحات الخضراء والشلالات المؤقتة التي تظهر بعد الأمطار، مؤكدًا أن الوادي بمثابة لوحة طبيعية خلابة تجمع الصخور الصمّاء والمياه المتدفقة والنباتات الموسمية الخضراء. من جانبه تحدث المهتم في الموروث الثقافي الجبلي خالد الوقداني، أن وادي غزال يمتاز ببيئة ثقافية تمزج بين الطبيعة الجبلية والهوية التراثية للمنطقة، مما يمنح الزائر تجربة ثقافية أصيلة تعكس عمق الطائف بصفتها مركزًا حضاريًا وسياحيًا في المملكة، مشيرًا إلى أن فاكهة الوادي ومزارعه هي مهرجان زراعي بحد ذاته، حيث تنتشر في محيط الوادي مزارع الورد الطائفي، التي تُعد من رموز الطائف الثقافية والاقتصادية، ويُقام لها مهرجان سنوي يُجذب آلاف الزوار، كما يضفي وجود مزارع العنب والتين والرمان نمطًا جذابًا لأنماط الزراعة التقليدية في المرتفعات، بالإضافة إلى ثقافة العسل والنحل، حيث يحتوي محيط الوادي على خلايا نحل تقليدية لإنتاج عسل الشفا الشهير، ويُسوّق في الأسواق المحلية والمهرجانات الموسمية؛ فهو جزء من الهوية الغذائية للمنطقة، ويُقدَّم للضيوف في المناسبات الاجتماعية.