
هل كسر هول المجاعة في غزة جدار الصمت الإعلامي الغربي؟
وإذا لم تتحرك دول العالم قاطبة، فإن المجاعة في غزة لن تكون مجرد كارثة، بل جريمة إبادة جماعية معلنة ضد الإنسانية جمعاء، فمنذ شهور، تعاملت معظم وسائل الإعلام الغربية مع المأساة والمجاعة في غزة بصمت مطبق، متجاهلة جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، في تناقض صارخ مع خطابها المعلن وصناعة سرديات كاذبة ومزورة حول حماية الحقوق والحريات والدفاع عن المقهورين والمستضعفين.
لكن شيئا ما بدأ يتغير في الفترة الأخيرة، إذ بدأت مؤسسات صحفية كبرى، بما فيها تلك المحسوبة على التيار المحافظ، في مراجعة خطابها حيال ما يجري في القطاع، على وقع مشاهد الجوع والانهيار الإنساني الواسع الذي لم يعد بالإمكان إنكاره أو تأطيره ضمن سرديات أمنية وسياسية إسرائيلية.
ساهمت الانتقادات العلنية من الأمم المتحدة وعشرات المنظمات الإنسانية، بالإضافة إلى التصريحات الصريحة من الحكومات الغربية، في كسر جدار الصمت الإعلامي.
ففي بيان مشترك صدر يوم الاثنين الماضي، دعا الاتحاد الأوروبي و28 دولة غربية، من بينها بريطانيا، وفرنسا، إسرائيلَ صراحة إلى الوقف الفوري للحرب، مستنكرين ما وصفوه بالتدفق غير المنتظم للمساعدات، واعتبر البيان أن مقتل أكثر من 800 مدني أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء أمر مروع وغير مبرر.
هذا التحول، وإن جاء متأخرا، يعكس على ما يبدو محدودية القدرة على إخفاء الحقيقة، خاصة عندما تصل المأساة إلى ذروتها أمام عدسات الكاميرا وشهادات المنظمات الأممية.
نشرت صحيفة "The Telegraph" البريطانية اليمينية تقريرا بعنوان: "جسدها يضعف يوما بعد يوم.. أطفال في غزة يتضورون جوعا حتى الموت"، يعرض التقرير صورا من داخل أحد المستشفيات القليلة المتبقية في قطاع غزة، ويوثّق حالات أطفال يعانون من سوء تغذية حاد يهدد حياتهم، مشيرا إلى أن بعضهم "يتضور جوعا حتى الموت".
يركز التقرير بصريا وعاطفيا على الأجساد الصغيرة التي ينهكها الجوع يوما بعد يوم، ويتضمن شهادات لأطباء فلسطينيين يواجهون نقصا حادا في الموارد الطبية والغذائية.
وتذكر الصحيفة أن وزارة الصحة في غزة، أعلنت وفاة 33 شخصا، بينهم 12 طفلا، بسبب الجوع خلال 48 ساعة فقط، في وقت بات فيه الحصار والنقص الحاد في الإمدادات يهددان آلاف الأرواح، ومع ذلك، لا يذكر التقرير إسرائيل كطرف رئيس في هذه المجاعة، بل يترك القارئ أمام مشهد إنساني معزول، وكأن المجاعة نشأت من فراغ، لا من حرب إبادة تشنها إسرائيل منذ أكثر من 21 شهرا.
ورغم البعد الإنساني البارز في المادة المصوّرة، يغيب عن تقرير "The Telegraph" أي ذكر مباشر لمسؤولية الاحتلال الإسرائيلي عن تدهور الوضع الغذائي في القطاع، تُذكر "إسرائيل" بشكل عابر فقط، دون الإشارة إلى أنها تقصف القطاع بشكل يومي منذ شهور، أو أنها فرضت حصارا خانقا على تدفق الغذاء والدواء والوقود، أو أنها دمّرت البنية التحتية والمنشآت الطبية.
كما أن التقرير يتجاهل تماما ما أكدته مصادر أممية وحقوقية عديدة بشأن استخدام إسرائيل سياسة التجويع كسلاح في الحرب، ويتغاضى عن حقيقة أن أكثر من 18 ألف طفل فلسطيني قد قُتلوا منذ بدء العدوان، وفق إحصاءات وزارة الصحة.
أما عن صحيفة "وول ستريت جورنال"، وهي صحيفة اقتصادية أميركية ذات توجه محافظ يميني، فقد تناولت المجاعة في غزة في مقال رأي بعنوان "أزمة المساعدات في غزة تخدم حركة حماس فقط"، مقال رأي باسم هيئة التحرير، من زاوية سياسية ضيقة، حيث تطرح أن تفاقم النقص في الغذاء، لا سيما في شمال القطاع، يمنح حماس فرصة لتعزيز موقفها عبر رفض اتفاق وقف إطلاق النار وإلقاء اللوم على إسرائيل.
في فرنسا، صحيفة لوفيغارو، المعروفة بارتباطها التقليدي بخطاب يميني متشدد ومواقف داعمة لإسرائيل، خصصت في عددها الصادر 23 يوليو/ تموز مساحة لافتة لتناول أزمة الجوع المتفاقمة في قطاع غزة، من خلال تقرير مصور نُشر على منصتها الرقمية بعنوان: "خطر المجاعة في غزة هو نتيجة الحصار الإسرائيلي، كما تؤكد فرنسا".
على الرغم من الخلفية التحريرية للصحيفة، نقل التقرير تصريحات مباشرة للمتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، أقرّ فيها بأن المجاعة المتوقعة في القطاع ليست مجرد عرض عابر، بل هي نتيجة مباشرة للحصار الإسرائيلي المستمر.
كما أشار التقرير إلى تنامي الانتقادات الأوروبية والدولية، وخصصت صحيفة ليبراسيون، ذات التوجه اليساري، صفحتها الافتتاحية 24 يوليو/تموز وعددا من صفحاتها الداخلية لتسليط الضوء على تفاقم المجاعة في غزة، وارتفاع أعداد الوفيات بسبب الجوع، وتضمّن التقرير مقابلات مع فلسطينيين يعيشون تحت وطأة الحصار، وعلى صورة صادمة لطفل من مخيم الشاطئ بدت عظامه بارزة بفعل سوء التغذية، حملت الصفحة الرئيسية العنوان: "المجاعة في غزة".
وأضافت الصحيفة: "أكثر من مئة منظمة غير حكومية تحذر من مجاعة جماعية تضرب القطاع، مع تزايد أعداد الوفيات نتيجة سوء التغذية، في ظل غياب المساعدات الغذائية التي تمنع إسرائيل دخولها".
كرّست صحيفة لوموند الفرنسية، التي تسعى إلى تبني موقف وسطي بين التيارات السياسية، صفحتها الأولى لتغطية مجاعة غزة.
واختارت الصحيفة صورة مؤثرة لامرأة فلسطينية تحتضن طفلها الذي هزله الجوع، وعلّقت عليها بعنوان لافت: "قطاع غزة: ويلات المجاعة".
وأشارت الصحيفة إلى وفاة نحو مئة شخص جوعا منذ أن فرض الجيش الإسرائيلي حصارا على دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع. كما استعرضت شهادات مؤلمة لسكان غزة، تحدثوا فيها عن الظروف القاسية التي يعيشونها يوميا: الجوع، انعدام الرعاية، وانهيار مقومات البقاء.
ولفتت لوموند إلى أن "الحكومة الإسرائيلية تتبنى، على نحو متزايد وعلني، إستراتيجية تهدف إلى تفريغ غزة من سكانها".
وجدير بالذكر أن بعض الصحف الغربية تبدي اهتماما ملحوظا بمعاناة سكان غزة من الإبادة والتجويع الممنهجين، وتسعى إلى تسليط الضوء على المأساة الإنسانية.
ومن بين هذه الصحف، صحيفة الغارديان البريطانية ذات التوجه التقدمي، التي خصصت مدونة مباشرة لتغطية الإبادة في غزة، وتنشر فيها آخر المستجدات من القطاع.
أما صحيفة إلباييس الإسبانية، ذات التوجه الوسطي الليبرالي، واسعة الانتشار، فقد اختارت صورة تظهر فلسطينيين يصطفون في طوابير طويلة بانتظار الحصول على الطعام في غزة، ورافقتها
بعنوان مباشر: "المجاعة في غزة تطلق موجة غضب عالمي"، حيث يتبين تصاعد الاستياء الدولي من الكارثة الإنسانية المتفاقمة في القطاع.
بينما غابت أخبار المجاعة في غزة عن الصفحات الأولى في الصحف الأميركية البارزة مثل واشنطن بوست ونيويورك تايمز، التي آثرت التركيز على قضايا داخلية.
وتجاهلت بذلك تسليط الضوء على واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية التي يشهدها العالم اليوم، والتي تسببها إسرائيل بدعم من الإدارات الأميركية المتعاقبة.
فالتآمر على الشعب الفلسطيني وقضيته ليس وليد اللحظة، إذ إن الدعم الأميركي والغربي، وبعض الدول العربية، للاحتلال الإسرائيلي هو دعم راسخ وقديم.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 7 دقائق
- الجزيرة
5 سنوات من الوعود.. عائلات ضحايا انفجار مرفأ بيروت للجزيرة نت: نريد عدالة كاملة
بيروت- للعام الخامس على التوالي، يعلو صوت اللبناني عبدو متّى، والد العريف شربل متّى، الذي فقد حياته في انفجار مرفأ بيروت مساء الرابع من آب/أغسطس 2020. لم يكن يتوقع الأب أن يفقد ابنه بهذه الطريقة المفجعة، وقال خلال وقفة لأهالي الضحايا في الذكرى الخامسة لانفجار المرفأ "شربل لم يكن مقاتلا في جبهة حرب، كان موظفا يؤدي واجبه في مركز مدني بسيط، لكنه سقط ضحية انفجار لم يكن له ذنب فيه". ويصف رحلته طلبا للعدالة بأنها "ركض بلا نهاية خلف سراب الحقيقة". وقال "في بلدنا، الفساد لا يعد استثناء، بل هو القاعدة التي تعطل التحقيقات، وتمنع كشف الحقيقة، وتُبقي دماء أبنائنا بلا حق". لا يخفي عبدو استياءه من السلطة السياسية والقضائية التي يرى أنها تتحمّل كامل المسؤولية عن تعثر التحقيقات، ويقول "نسمع وعودا وشعارات، لكن لا نرى فعلا يُعيد الحقوق ولا يحاسِب المجرمين، دماء أبنائنا لا تزال مهضومة في دوائر الفساد المستشرية". ذاكرة مشؤومة وبكل تأثر وألم، لا تزال ذكرى الرابع من آب/أغسطس حاضرة في وجدان اللبنانيين، ومحفورة في صدور العائلات التي فقدت أحبتها في تفجير مرفأ بيروت قبل خمس سنوات. في ذلك المساء المشؤوم، هزّ انفجار هائل العاصمة مخلفًا وراءه أكثر من 220 ضحية، ودمارا هائلا، وجرحًا عميقًا في النسيج الوطني والاجتماعي لم يندمل بعد. وفي الذكرى الخامسة، شارك مئات من الأهالي حاملين صور أبنائهم وأقاربهم الضحايا في مظاهرة انطلقت بمسارين، الأول من ساحة الشهداء في بيروت ، والثاني من مقر "فوج إطفاء بيروت" بمنطقة الكرنتينا، ووصلتا إلى مدخل المرفأ. وحضر المسيرة عدد من الوزراء والنواب من توجهات مختلفة. وبمرور خمسة أعوام، لم تتحقق أية عدالة ينشدها أهالي الضحايا، ولا أي إنصاف تنتظره القلوب المكلومة. بل تبدو العدالة اليوم بعيدة كسراب يتلاشى في أفق الغموض السياسي والفساد المؤسساتي الذي يكتنف أروقة الدولة، حيث تشتعل النيران في تفاصيل الفساد وتتوارى الحقيقة خلف ستار من المماطلة والتعطيل. ومن رحم هذا الإصرار، تولد شهادات موجعة تسردها العائلات عاما بعد عام. وفي هذه الذكرى القاسية تشارك الابنة التي فقدت والدتها ليلى متري الخوري، معاناة ذوي الضحايا. تقول ليلى بمرارة للجزيرة نت "الدولة وعدتنا منذ العام الأول بفتح تحقيق جدي وعدم تعطيله، لكن العدالة لا تزال غائبة، والمحاسبة مؤجلة بلا مبرر". وتضيف بصوت حازم "نطالب بتحقيق شفاف وعادل، ومحاسبة كل من سمح بتخزين النيترات القاتلة في قلب بيروت، نريد أن يُحاسب الجميع، وأن يدخلوا السجن، كي لا تضيع دماء ضحايانا هدرا". ومن قلب الألم الذي يلازمها، تظل كلمات ماري خوري، والدة الضحية إلياس خوري، محفورة في الذاكرة وتعيدها بلا تردد "مطالبنا لم تتغير، نطالب بالعدالة لكل ضحايا هذا الانفجار، ولن نتراجع أو نهدأ مهما طال الطريق". وتتابع ماري بصوت يفيض بالألم "هذا الإصرار ينبع من جرح عميق لا يلتئم.. انتقلنا كعائلات من صدمة الفقدان إلى معركة طويلة وشاقة من أجل الحقيقة والعدالة، معركة لا تقل قسوة عن خسارتنا". "ألم مستمر" وفي مشهد آخر من ذاكرة الألم، تتحدث ريتا حتّي، والدة الضحية نجيب حتّي من فوج إطفاء بيروت، عن الذكرى التي لم تغادر بيتها يوما. تقول للجزيرة نت "لم يعد هذا اليوم ذكرى فحسب، بل هو ألمٌ مستمر يرافقنا كل لحظة، نلمس اليوم بعض الاستجابة من الدولة، ونأمل أن تكون هذه الخطوة بداية حقيقية وجدية نحو التغيير". وتضيف " القاضي طارق البيطار وعدنا بإطار زمني واضح لاتخاذ القرار، ونحن لن نتوقف عن الضغط والمطالبة حتى تتحقق العدالة التي انتظرناها طويلا". وتتكرر الكلمات ذاتها، بحسرة مضاعفة، في شهادة كارين حتّي، التي خسرت زوجها وشقيقها وابن عمها في لحظة واحدة. تقول حتي للجزيرة نت إن "العائلات لم تعد تبحث عن كلمات معسولة أو وعود لا تُنفّذ، بل عن عدالة حقيقية ومحاكمة تليق بدماء أحبّائهم". وتضيف 'الحضور الرسمي الكثيف في إحياء الذكرى هذا العام يمنحنا بصيص أمل، لكننا نحذر بوضوح: لا عدالة بلا قضاء نزيه وجدي، ولا حقيقة في ظل عراقيل متعمدة تُكبّل التحقيق". أما الياس معلوف، والد الضحية جورج معلوف، فيختصر الحكاية كلها بجملة واحدة تقطر وجعا "كان جورج يبتسم دوما ولم يؤذِ أحدا، لكنه سُلب منا بلا رحمة، والدته أعدت له مزارا أمام المنزل، والوجع لا يهدأ". في متاهات السياسة وغرق التحقيق بشأن الانفجار الذي أسفر عن مقتل أكثر من 220 شخصا وإصابة أكثر من 6500 بجروح، خلال السنوات الماضية في متاهات السياسة اللبنانية المعقدة. ومنذ وقوعه، عزت السلطات الانفجار إلى تخزين كميات ضخمة من نيترات الأمونيوم داخل المرفأ من دون إجراءات وقاية إثر اندلاع حريق لم تُعرف أسبابه. وتبين لاحقا أن مسؤولين على مستويات عدة كانوا على دراية بمخاطر تخزين المادة ولم يحركوا ساكنا. وتعهّد رئيسا الجمهورية والحكومة بالعمل على تكريس "استقلالية القضاء" ومنع التدخّل في عمله، في بلد تسوده ثقافة الإفلات من العقاب. وقال رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام ، أمس الأحد، إن معرفة الحقيقة وضمان المساءلة "قضية وطنية"، منددا بعقود من الإفلات الرسمي من العقاب.


الجزيرة
منذ 8 دقائق
- الجزيرة
دعم إغاثي وحشد سياسي.. البريطانيون يرفضون تجويع أهالي غزة
لندن- أحدثت صور المجاعة القادمة من قطاع غزة صدمة في الشارع البريطاني مع استمرار العدوان الإسرائيلي على القطاع، لتعيد الغضب الشعبي إلى الواجهة من جديد وتسلط الضوء على تقاعس الحكومة البريطانية بقيادة حزب العمال في ممارسة ضغوط حقيقية على إسرائيل لوقف سياسة التجويع الممنهج ضد سكان القطاع. فمنذ اندلاع الحرب على قطاع غزة قبل 22 شهرا، لم تهدأ حملات الدعم والتضامن الشعبي في عموم بريطانيا، لكنها شهدت في الأسابيع الأخيرة تصعيدا ملحوظا، بعد أن تجاوزت معاناة الجوع في غزة، بالنسبة لكثير من البريطانيين، حدود الصمت الممكن، مع تجاهل حكومة بلادهم للمعاناة الإنسانية المتفاقمة في غزة. الأواني الفارغة وللأسبوع الثاني على التوالي، خرج آلاف البريطانيين في تظاهرات متزامنة طالت أكثر من 60 بلدة ومدينة، حيث استخدم المتظاهرون الطرْق على "الأواني الفارغة" كرمز احتجاجي على سياسة التجويع الممنهج التي تمارَس على سكان غزة، رافعين صورا مؤلمة لأجساد أنهكها الجوع والقصف. ودعت منظمات حقوقية بارزة مثل "تحالف أوقفوا الحرب"، و"حملة التضامن مع فلسطين"، و"المنتدى الفلسطيني في بريطانيا" إلى جانب منظمات أخرى للمشاركة في المسيرة الوطنية الـ30 المقررة نهاية الأسبوع المقبل. وقال عدنان حميدان، القائم بأعمال المنتدى الفلسطيني في بريطانيا إن الحراك الشعبي منذ انطلاقته مع بداية العدوان على غزة يواصل ضغوطه على الحكومة البريطانية التي تتلكأ في اتخاذ مواقف حازمة، كفرض العقوبات الحقيقية على إسرائيل لإجبارها على وقف التجويع بحق المدنيين في القطاع. وأشار حمدان في حديثه للجزيرة نت إلى أن قرع الأواني الفارغة هو تعبير عن صوت الفلسطينيين في غزة الذي تسعى آلة الحرب الإسرائيلية إلى إسكاته، بينما لا تترجم الحكومة البريطانية وعودها -كالوعد المشروط بالاعتراف بالدولة الفلسطينية- إلى خطوات تُنقذ الجياع فعليا. مطالب بإنهاء التجويع وبالرغم من التضييقات المتزايدة التي تواجهها مبادرات دعم الفلسطينيين في بريطانيا ، يؤكد المتضامنون أن المعركة السياسية لا تنفصل عن العمل الإغاثي، لا سيما بعد تصنيف حكومة حزب العمال لحركة " فلسطين أكشن" المناهضة لتسليح إسرائيل واعتبارها منظمة إرهابية، وإغلاق حسابات مصرفية لجمعيات خيرية تنشط في دعم غزة. في هذا الإطار، وجهت 150 شركة بريطانية عاملة في قطاع الأغذية رسالة إلى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر تطالبه بالتدخل العاجل لإنهاء سياسة التجويع الإسرائيلية، وضمان حق الفلسطينيين الإنساني في غزة في الحصول على الغذاء والماء وحمايتهم من كارثة المجاعة المحدقة بهم. وبدورها، نشرت جمعية الأمم المتحدة في المملكة المتحدة، وهي منظمة مستقلة تُعنى بتعزيز دور بريطانيا في النظام الدولي، دعوة عبر موقعها الإلكتروني تحث فيها المواطنين البريطانيين على التواصل مع نوابهم البرلمانيين، وإرسال رسائل احتجاج تطالب بوقف حملة التجويع في غزة، والضغط على الحكومة البريطانية لوقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل. ورغم جهود المنظمات الإغاثية البريطانية، تبقى قدرتها على إيصال المساعدات محدودة بفعل الحصار الإسرائيلي الخانق، وتُعد منظمة أوكسفام البريطانية، إحدى المنظمات البريطانية الإغاثية البارزة التي عملت لسنوات في القطاع المحاصَر لتوفير الأغذية للسكان، لكن روث جايمس، المنسقة الإغاثية لمنظمة أوكسفام لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تؤكد في حديثها للجزيرة نت أن "حجم المساعدات التي تقدمها المنظمة يظل محدودا في ظل الحصار الخانق المفروض على غزة". وتضيف جايمس أن حملة التجويع الإسرائيلية ضد سكان غزة متعمدة ومفتعلة، ويمكن وضع حد لها إذا ما تم السماح بإدخال كميات كافية من المساعدات الإنسانية بشكل عاجل، لكن السلطات الإسرائيلية تواصل عرقلة وصولها، مما يؤدي إلى وفاة المدنيين إما جوعا أو بسبب أمراض يمكن علاجها بسهولة لو توفرت المساعدات. ودعت أوكسفام عبر موقعها الرسمي المتضامنين إلى رسم خطوط حمراء على أياديهم والتقاط صور تُرفع خلال التظاهرات، للتعبير عن رفض التطبيع مع سياسة التجويع، وتؤكد جايمس أن الغضب الشعبي يتزايد مع كل صورة جديدة لأطفال يتساقطون من الجوع في فلسطين ، في وقت يرى كثير من البريطانيين أن حكومتهم تتحمل جزءا من المسؤولية. وتشير روث إلى أن طيفا واسعا من البريطانيين غاضبون من مشاهدة صور الأطفال وهم يتساقطون جوعا أمام عدسات الكاميرا، ويعتقدون أن حكومتهم متواطئة في حملة الإبادة لكنهم مصرون على الضغط عليها لتغيير نهجها. الإجهاز على فرص الحياة في الوقت الذي تبذل فيه منظمات إغاثية بريطانية جهودا لدعم القطاع الطبي في غزة، الذي لم يعد فقط يقدم الرعاية لضحايا القصف بل أيضا للمصابين بسوء التغذية، كشفت منظمة "مساعدة طبية من أجل فلسطين"، وهي من أبرز الجمعيات البريطانية التي تزود مستشفيات القطاع بالإمدادات الطبية، أن بعض العاملين معها في غزة اضطروا للانضمام إلى طوابير توزيع المساعدات الغذائية، بعدما بدأ أطفالهم يتضورون جوعا. وبينما تواصل المنظمة حملات التبرع على موقعها الإلكتروني، تتهم الجيش الإسرائيلي بتعمد عرقلة وصول للمساعدات التي يتم ضخها للقطاع، والحرص على إشاعة حالة من الفوضى عبر فرض طرق لتوزيع المساعدات تتحكم فيها قواته. ويشير غريم غروم الجراح البريطاني الذي تطوع في مستشفيات القطاع خلال الأشهر الماضية ضمن بعثات طبية بريطانية، أن أهالي غزة يعانون من مجاعة على مدى الأشهر الماضية بلغت ذروتها الآن، مؤكدا أنه كان شاهدا على رغبة إسرائيلية واضحة في تدمير القطاع الطبي وإنهاء كل فرص النجاة أمام الفلسطينيين في غزة. ويضيف غروم في حديثه للجزيرة نت، أن المزيد من الأطباء البريطانيين مصرون على التوجه للقطاع لدعم زملائهم ومنع القطاع الصحي من الانهيار التام، بعد أن امتدت أزمة الجوع لتطال أيضا الأطقم الطبية التي تعمل في ظروف مزرية.


الجزيرة
منذ 8 دقائق
- الجزيرة
الجيش الإسرائيلي يلغي تمديد الخدمة الإلزامية بسبب إنهاك الجنود
قرر جيش الاحتلال الإسرائيلي إلغاء أوامر تمديد الخدمة الإلزامية للجنود لمدة 4 أشهر، على خلفية ما وصفه بالإنهاك المتزايد في صفوف القوات، وبعد أيام من تقارير تحدثت عن تصاعد حالات الانتحار في صفوفه، ناجمة عن الظروف التي يتعرض لها الجنود أثناء القتال في قطاع غزة. وذكرت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية أن رئيس الأركان إيال زامير قرر إلغاء الأمر الذي كان يمدد بقاء الجنود النظاميين في الخدمة مباشرة بعد انتهاء فترتهم النظامية، بإضافة 4 أشهر في الاحتياط. وأشارت الهيئة إلى أن القرار جاء بعد نقاشات داخل هيئة الأركان العامة قبل أسبوعين، خُصصت لبحث إمكانية استدعاء المزيد من قوات الاحتياط لتوسيع العمليات البرية في غزة، في حال تعثرت مفاوضات إطلاق سراح الأسرى، ولم يتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. لكن، حسب المصدر ذاته، أصر زامير على الالتزام بوعده السابق لجنود الاحتياط، القاضي بعدم تمديد فترة خدمتهم لأكثر من 74 يوما سنويا، ورفض استدعاء المزيد منهم خارج الجدول السنوي المعتمد. وأوضحت الهيئة أن قرار زامير جاء "بعد جولات ميدانية قام بها، استمع خلالها إلى قادة وجنود في الاحتياط، ولاحظ حجم الإنهاك والصعوبات التي يواجهونها هم وعائلاتهم"، في ظل استمرار العمليات العسكرية في غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023. وفي 27 أبريل/نيسان الماضي، قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية إن الجيش الإسرائيلي بدأ بإجبار جنوده النظاميين على البقاء في الخدمة لمدة 4 أشهر إضافية بعد انتهاء فترة خدمتهم، في ظل النقص بأعداد الجنود المقاتلين. وذكرت الصحيفة أنه بسبب النقص في القوات المقاتلة بالجيش الإسرائيلي، قامت شعبة القوى العاملة في الأيام الأخيرة بتثبيت "كود الطوارئ 77″، الذي يقضي بإبقاء المقاتلين في الجيش بعد انتهاء خدمتهم الإلزامية. تزايد حالات الانتحار جدير بالذكر أن تحقيقا للجيش الإسرائيلي، نُشر أمس الأحد، كشف أن معظم حالات الانتحار في صفوفه ناجمة عن ظروف قاسية تعرض لها الجنود أثناء القتال في قطاع غزة. وقالت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، أمس، إنه منذ بداية 2025، انتحر 16 جنديا، ويخشى الجيش الإسرائيلي من انتشار هذه الظاهرة مع وجود عشرات الآلاف من جنود الاحتياط يخضعون للعلاج النفسي أو مسجلين في برامج للحصول عليه بعد مشاركتهم في القتال بغزة. وبشكل شبه يومي، تعلن المقاومة عن تمكنها من قتل وإصابة جنود للاحتلال وتدمير آليات عسكرية خلال المعارك في قطاع غزة، وتبث جانبا من عملياتها بالصوت والصورة، بينما تقر تل أبيب بجزء من تلك الخسائر، وتفرض رقابة مشددة على الجزء الآخر، ما يرشح حجم خسائرها للارتفاع، وفق مراقبين. وخلفت حرب الإبادة الإسرائيلية بدعم أميركي في غزة أكثر من 209 آلاف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين.