
فلسفة الذكاء الاصطناعي
يستعرض كتاب "فلسفة الذكاء الاصطناعي" الصادر حديثاً عن دار التكوين في دمشق الأبعاد الفلسفية لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بعيداً عن كونها منتجاً وحدثاً تقنياً فحسب، بل باعتبارها فلسفة قائمة بحدّ ذاتها أنتجتها آلات قادرة إلى حدّ ما على محاكاة العمليات الفكرية البشرية، بل إنها تمكّنت في بعض الجوانب من تجاوز الإنسان والحلول محلّه، الأمر الذي دفع الإنسان إلى طرح العديد من الأسئلة الفلسفية والأخلاقية والوجودية، هل أصبح عبداً للتكنولوجيا؟ أم ما زال قادراً على التحكّم بها وتسييرها بما يخدمه ويبقيها تحت سيطرته؟ انطلاقاً من تلك التحدّيات كان لا بدّ من إعادة تقييم الأسئلة الفلسفية كما يرى الكاتب "محمود عبد اللطيف الصديقي"، محاولاً الإجابة عن العديد من الأسئلة من خلال الاستعانة بأفكار الفلاسفة الكلاسيكيين والمفكّرين المعاصرين الذين يتعاملون مع القيم الأخلاقية والوجودية والمعرفية للعقول الاصطناعية.
لم يكن الذكاء الاصطناعي وليد الحاضر فقط، فقد أعاده الكاتب من خلال استعراضه لتاريخ الذكاء الاصطناعي إلى آلاف السنين، فقد كان أرسطو الفيلسوف اليوناني من أوائل الفلاسفة الذين اهتموا بالتفكير والمنطق وكان لنظرياته كبير الأثر على الفلسفة الغربية وعلوم الحاسوب، حيث كتب عن الاستدلال والمنطق والميتافيزيقا، وكلّها مواضيع ترتبط بشكل وثيق بتطوّر الذكاء الاصطناعي الذي نشهده اليوم، أما الفيلسوف العربي الفارابي فقد ترك بصمته في هذا المجال من خلال ما كتبه من مواضيع تتعلّق بالفلسفة والمنطق والعلوم، وكان له تركته من الأفكار التي تدور حول كيفيّة تطوير الذكاء وتعزيزه من خلال التفكير والتدريب واللذين يشكّلان أساساً لمفهوم الذكاء الاصطناعي.
تُعنى فلسفة الذكاء الاصطناعي بدراسة الأسس والمفاهيم الفلسفية التي تقف وراء تطوير واستخدام التكنولوجيا التي تحاكي الذكاء البشري، والتي ينطوي ضمنها العديد من الأقسام التي تحاكي عدة مفاصل حيوية في هذا المجال، من فلسفة الأخلاق والقيم التي تهدف إلى تطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لضمان مصلحة الإنسان وتحقيق العدالة والتقدّم، وهنا يحذّر الكاتب القائمين عليها من تزايد الفجوات الاجتماعية التي تؤدّي إلى تمييز أو تهميش فئات معيّنة من المجتمع، إلى طبيعة الوعي التي تطرح تحدّيات في فهم مفهوم الوعي ومدى إمكانية امتلاك الآلات وعياً مماثلاً للبشر؟ فضلاً عن الفلسفة العلمية التي تميّز بين الذكاء الاصطناعي الضعيف والقوي. أما فلسفة الأبستمولوجيا فتتناول الأسئلة حول ماهية المعرفة وكيفيّة اكتسابها في الأنظمة الذكية، يطرح خلالها الكاتب العديد من الأسئلة التي تنتظر الإجابة عنها، وتلك التي يستعرضها في سياق الكتاب الذي بين أيدينا والذي يشكّل نقطة ضوء على الواقع الذي يمسّ الإنسان بشكل مباشر وشخصي.
قدّم بعض الفلاسفة رؤيتهم حول العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والفلسفة، حيث يجمع بينهما مزيج معقّد من التفاعلات الفكرية والمادية، يقول الصديقي: إنّ الذكاء الاصطناعي ليس مجرّد امتداد للفلسفة، لكنه يتشابك معها بشكل جوهري، حيث يمكن استخدام أدوات وتقنيات الفلسفة لحلّ التحدّيات التي تواجه الذكاء الاصطناعي، لذلك قام باستعراض آراء عدد من الفلاسفة حول هذه النقطة من العلاقة إذ اعتبر "دانيال دينيت" أنّ الذكاء الاصطناعي ليس فقط مرتبطاً بالفلسفة، بل هو نوع من الفلسفة، كونه يسعى للإجابة عن سؤال جوهري: كيف تكون المعرفة ممكنة؟
في الوقت الذي يرى كلّ من "يوك هوي" و"رضا نيجارستاني" أنّ ثمّة تقارباً بين المفهوم الهيغلي للروح المطلقة وعمل الذكاء في علم التحكّم الآلي ونظرية النظم والعلوم المعرفيّة، نجد أنّ الفيلسوف الألماني مارتن هايدجر قدّم رؤيته العميقة حول التكنولوجيا التي تكشف عن العالم بطريقة تجعل كلّ شيء يظهر كموارد يمكن استغلالها، ويرى المؤلف أنه يمكننا الربط بين الذكاء الاصطناعي وتفكير هايدجر لأنّ التكنولوجيا الحديثة تقلّل من تنوّع وكثافة التجارب الإنسانية وتزيد بالتالي من اغتراب الإنسان، عبر الاعتماد الضاري على التكنولوجيا التي تضعف العلاقات الإنسانية وفرص التفاعل الاجتماعي، وهو ما يمكن ملاحظته بوضوح في وقتنا الحاضر.
على الضفة الأخرى يتفق الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي "جاك إلول" مع أفكار هايدجر حول الاغتراب، ويعتبر أنّ الذكاء الاصطناعي يزيد من خطر دفع الإنسان بعيداً عن ذاته ومجتمعه، تصبح الأنشطة اليومية موجّهة ومتحكّم فيها بواسطة أنظمة ذكية بدلاً من العلاقات البشرية، حيث تنزلق الحرية الفردية وتتقلّص القدرة على التفكير، والنقد والإبداع.
في سياق ما سمّي "ما بعد الإنسانية" يستعرض المؤلف أفكار الفيلسوفة والمؤرخة الأميركية "دونا هاراوي" التي دعت إلى تجاوز الثنائيات التقليدية (الإنسان/الآلة، والطبيعة/الثقافة، والجسد/العقل)، واعتبرت أنّ التكنولوجيا تعتبر جزءاً لا يتجزّأ من الهوية الإنسانية كما أنّ الذكاء الاصطناعي يسهم بشكل كبير في تشكيل هوية الإنسان ويعيد تعريفه.
في جانب آخر يستعرض الكاتب مجموعة من الاعتراضات الفلسفية التي تعارض فكرة أنّ الآلات يمكن أن تمتلك مستوى إدراكيّاً عقلياً وفهماً للغة بعمق. كذلك، ومن مفارقة برتراند رسل في "نظرية المجموعات" إلى تجربة "الغرفة الصينية" لجون سيرل، محاولاً تقديم فهم أعمق للحدود الفلسفية والتقنية التي تواجهها محاولات الآلة لمحاكاة الفهم البشري.
كان راسل الفيلسوف الإنكليزي مهتماً بالتمييز بين المعرفة التجريبية والمعرفة الرياضية أو المنطقية، ولأنّ الآلات تقتصر على المعرفة الرياضية والمنطقية وتفتقر للمعرفة التجريبية، تلك التي تأتي من التجربة الحسيّة التي تفتقدها الآلة، وبصفته مؤسس التجربة المنطقية، يقول راسل، إنّ الفهم الحقيقي يتطلّب تجربة مباشرة وتفاعلاً مع العالم، وحيث إنّ الآلات تفتقر إلى التجربة الحسيّة المباشرة، فإنها غير قادرة بطبيعة الحال على تحقيق الفهم الحقيقي.
أما الفيلسوف الأميركي "جون سيرل" الذي اشتهر بموقفه النقدي لمفهوم الذكاء الاصطناعي والتفاعل اللغوي الذاتي، فإنه يقدّم من خلال تجربته الفكرية التي عرفت بـ "الغرفة الصينية" اعتراضاً على فكرة أنّ الآلات يمكنها أن تمتلك حالات عقلية أو تفهم اللغة حقاً، إلا أنّ تلك النظرية تعرّضت للكثير من الاعتراضات التي يشير إليها المؤلف فهي تتجاهل النظرية الوظيفية للعقل، وأنّ سيرل يتجاهل بعض النقاط المتعلّقة بفهم الأنظمة الحاسوبية للغة والعقل، ولا يقدّم تحدّياً حاسماً لمفهوم الذكاء الاصطناعي الوظيفي.
مع التطوّر الكبير والمتسارع الذي يشهده العصر الحالي في المجال التكنولوجي والذكاء الاصطناعي، والتوسّع في استخداماته وتأثيراته على مختلف جوانب حياة الإنسان، يصبح من الضروري البحث في الأخلاقيات التي ينبغي اتباعها في تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي نظراً للخطورة التي قد تنجم عن سوء الاستخدام سواء من الناحية الأخلاقية أو الاجتماعية، وقد أفرد المؤلف فصلاً كاملاً للحديث عن هذا الجانب الهامّ، بما هي مجموعة من القيم والمبادئ التي من شأنها الحفاظ على السلامة والعدالة واحترام الأفراد والمجتمعات، مؤكداً ضرورة اتخاذ إجراءات متكاملة بما فيها القوانين والتشريعات التي تحمي حقوق الأفراد، وتنظم استخدام البيانات الخاصة بهم، وضرورة تعزيز الوعي والتعليم حول حقوق الخصوصية.
أما فيما يتعلّق بالمشكلات الاجتماعية التي تنجم عن تزايد استخدام التكنولوجيا الذكية فهي كثيرة من بينها تفاقم الفجوات الاجتماعية، وفقدان فرص العمل مما يزيد من مستويات البطالة والتوتر الاجتماعي، فضلاً عن تزايد التحيّز والتمييز بين فئات معيّنة من المجتمع، ويمكن أن يؤثّر الاستخدام المفرط للتكنولوجيا سلباً على الصحة النفسية للأفراد ويؤدّي إلى الاكتئاب والانعزال الاجتماعي، ويقترح المؤلف الحلول الممكنة للتغلّب على تلك المشكلات بما يضمن المساواة وتوفير الفرص العادلة ووضع التشريعات التي تنظّم استخدام التكنولوجيا الذكية.
لقد أصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً من حياتنا لا يمكننا الاستغناء عنه، وما علينا إلا الأمل مع المؤلف أن يكون قوة إيجابية تدفعنا نحو مستقبل أفضل، والعمل على أن يكون الذكاء الاصطناعي متوائماً مع تطوّرنا الإنساني والأخلاقي ومعزّزاً لقيمنا، يؤدّي إلى مستقبل أكثر إشراقاً للبشرية جمعاء.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الميادين
منذ 2 أيام
- الميادين
فلسفة الذكاء الاصطناعي
يستعرض كتاب "فلسفة الذكاء الاصطناعي" الصادر حديثاً عن دار التكوين في دمشق الأبعاد الفلسفية لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بعيداً عن كونها منتجاً وحدثاً تقنياً فحسب، بل باعتبارها فلسفة قائمة بحدّ ذاتها أنتجتها آلات قادرة إلى حدّ ما على محاكاة العمليات الفكرية البشرية، بل إنها تمكّنت في بعض الجوانب من تجاوز الإنسان والحلول محلّه، الأمر الذي دفع الإنسان إلى طرح العديد من الأسئلة الفلسفية والأخلاقية والوجودية، هل أصبح عبداً للتكنولوجيا؟ أم ما زال قادراً على التحكّم بها وتسييرها بما يخدمه ويبقيها تحت سيطرته؟ انطلاقاً من تلك التحدّيات كان لا بدّ من إعادة تقييم الأسئلة الفلسفية كما يرى الكاتب "محمود عبد اللطيف الصديقي"، محاولاً الإجابة عن العديد من الأسئلة من خلال الاستعانة بأفكار الفلاسفة الكلاسيكيين والمفكّرين المعاصرين الذين يتعاملون مع القيم الأخلاقية والوجودية والمعرفية للعقول الاصطناعية. لم يكن الذكاء الاصطناعي وليد الحاضر فقط، فقد أعاده الكاتب من خلال استعراضه لتاريخ الذكاء الاصطناعي إلى آلاف السنين، فقد كان أرسطو الفيلسوف اليوناني من أوائل الفلاسفة الذين اهتموا بالتفكير والمنطق وكان لنظرياته كبير الأثر على الفلسفة الغربية وعلوم الحاسوب، حيث كتب عن الاستدلال والمنطق والميتافيزيقا، وكلّها مواضيع ترتبط بشكل وثيق بتطوّر الذكاء الاصطناعي الذي نشهده اليوم، أما الفيلسوف العربي الفارابي فقد ترك بصمته في هذا المجال من خلال ما كتبه من مواضيع تتعلّق بالفلسفة والمنطق والعلوم، وكان له تركته من الأفكار التي تدور حول كيفيّة تطوير الذكاء وتعزيزه من خلال التفكير والتدريب واللذين يشكّلان أساساً لمفهوم الذكاء الاصطناعي. تُعنى فلسفة الذكاء الاصطناعي بدراسة الأسس والمفاهيم الفلسفية التي تقف وراء تطوير واستخدام التكنولوجيا التي تحاكي الذكاء البشري، والتي ينطوي ضمنها العديد من الأقسام التي تحاكي عدة مفاصل حيوية في هذا المجال، من فلسفة الأخلاق والقيم التي تهدف إلى تطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لضمان مصلحة الإنسان وتحقيق العدالة والتقدّم، وهنا يحذّر الكاتب القائمين عليها من تزايد الفجوات الاجتماعية التي تؤدّي إلى تمييز أو تهميش فئات معيّنة من المجتمع، إلى طبيعة الوعي التي تطرح تحدّيات في فهم مفهوم الوعي ومدى إمكانية امتلاك الآلات وعياً مماثلاً للبشر؟ فضلاً عن الفلسفة العلمية التي تميّز بين الذكاء الاصطناعي الضعيف والقوي. أما فلسفة الأبستمولوجيا فتتناول الأسئلة حول ماهية المعرفة وكيفيّة اكتسابها في الأنظمة الذكية، يطرح خلالها الكاتب العديد من الأسئلة التي تنتظر الإجابة عنها، وتلك التي يستعرضها في سياق الكتاب الذي بين أيدينا والذي يشكّل نقطة ضوء على الواقع الذي يمسّ الإنسان بشكل مباشر وشخصي. قدّم بعض الفلاسفة رؤيتهم حول العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والفلسفة، حيث يجمع بينهما مزيج معقّد من التفاعلات الفكرية والمادية، يقول الصديقي: إنّ الذكاء الاصطناعي ليس مجرّد امتداد للفلسفة، لكنه يتشابك معها بشكل جوهري، حيث يمكن استخدام أدوات وتقنيات الفلسفة لحلّ التحدّيات التي تواجه الذكاء الاصطناعي، لذلك قام باستعراض آراء عدد من الفلاسفة حول هذه النقطة من العلاقة إذ اعتبر "دانيال دينيت" أنّ الذكاء الاصطناعي ليس فقط مرتبطاً بالفلسفة، بل هو نوع من الفلسفة، كونه يسعى للإجابة عن سؤال جوهري: كيف تكون المعرفة ممكنة؟ في الوقت الذي يرى كلّ من "يوك هوي" و"رضا نيجارستاني" أنّ ثمّة تقارباً بين المفهوم الهيغلي للروح المطلقة وعمل الذكاء في علم التحكّم الآلي ونظرية النظم والعلوم المعرفيّة، نجد أنّ الفيلسوف الألماني مارتن هايدجر قدّم رؤيته العميقة حول التكنولوجيا التي تكشف عن العالم بطريقة تجعل كلّ شيء يظهر كموارد يمكن استغلالها، ويرى المؤلف أنه يمكننا الربط بين الذكاء الاصطناعي وتفكير هايدجر لأنّ التكنولوجيا الحديثة تقلّل من تنوّع وكثافة التجارب الإنسانية وتزيد بالتالي من اغتراب الإنسان، عبر الاعتماد الضاري على التكنولوجيا التي تضعف العلاقات الإنسانية وفرص التفاعل الاجتماعي، وهو ما يمكن ملاحظته بوضوح في وقتنا الحاضر. على الضفة الأخرى يتفق الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي "جاك إلول" مع أفكار هايدجر حول الاغتراب، ويعتبر أنّ الذكاء الاصطناعي يزيد من خطر دفع الإنسان بعيداً عن ذاته ومجتمعه، تصبح الأنشطة اليومية موجّهة ومتحكّم فيها بواسطة أنظمة ذكية بدلاً من العلاقات البشرية، حيث تنزلق الحرية الفردية وتتقلّص القدرة على التفكير، والنقد والإبداع. في سياق ما سمّي "ما بعد الإنسانية" يستعرض المؤلف أفكار الفيلسوفة والمؤرخة الأميركية "دونا هاراوي" التي دعت إلى تجاوز الثنائيات التقليدية (الإنسان/الآلة، والطبيعة/الثقافة، والجسد/العقل)، واعتبرت أنّ التكنولوجيا تعتبر جزءاً لا يتجزّأ من الهوية الإنسانية كما أنّ الذكاء الاصطناعي يسهم بشكل كبير في تشكيل هوية الإنسان ويعيد تعريفه. في جانب آخر يستعرض الكاتب مجموعة من الاعتراضات الفلسفية التي تعارض فكرة أنّ الآلات يمكن أن تمتلك مستوى إدراكيّاً عقلياً وفهماً للغة بعمق. كذلك، ومن مفارقة برتراند رسل في "نظرية المجموعات" إلى تجربة "الغرفة الصينية" لجون سيرل، محاولاً تقديم فهم أعمق للحدود الفلسفية والتقنية التي تواجهها محاولات الآلة لمحاكاة الفهم البشري. كان راسل الفيلسوف الإنكليزي مهتماً بالتمييز بين المعرفة التجريبية والمعرفة الرياضية أو المنطقية، ولأنّ الآلات تقتصر على المعرفة الرياضية والمنطقية وتفتقر للمعرفة التجريبية، تلك التي تأتي من التجربة الحسيّة التي تفتقدها الآلة، وبصفته مؤسس التجربة المنطقية، يقول راسل، إنّ الفهم الحقيقي يتطلّب تجربة مباشرة وتفاعلاً مع العالم، وحيث إنّ الآلات تفتقر إلى التجربة الحسيّة المباشرة، فإنها غير قادرة بطبيعة الحال على تحقيق الفهم الحقيقي. أما الفيلسوف الأميركي "جون سيرل" الذي اشتهر بموقفه النقدي لمفهوم الذكاء الاصطناعي والتفاعل اللغوي الذاتي، فإنه يقدّم من خلال تجربته الفكرية التي عرفت بـ "الغرفة الصينية" اعتراضاً على فكرة أنّ الآلات يمكنها أن تمتلك حالات عقلية أو تفهم اللغة حقاً، إلا أنّ تلك النظرية تعرّضت للكثير من الاعتراضات التي يشير إليها المؤلف فهي تتجاهل النظرية الوظيفية للعقل، وأنّ سيرل يتجاهل بعض النقاط المتعلّقة بفهم الأنظمة الحاسوبية للغة والعقل، ولا يقدّم تحدّياً حاسماً لمفهوم الذكاء الاصطناعي الوظيفي. مع التطوّر الكبير والمتسارع الذي يشهده العصر الحالي في المجال التكنولوجي والذكاء الاصطناعي، والتوسّع في استخداماته وتأثيراته على مختلف جوانب حياة الإنسان، يصبح من الضروري البحث في الأخلاقيات التي ينبغي اتباعها في تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي نظراً للخطورة التي قد تنجم عن سوء الاستخدام سواء من الناحية الأخلاقية أو الاجتماعية، وقد أفرد المؤلف فصلاً كاملاً للحديث عن هذا الجانب الهامّ، بما هي مجموعة من القيم والمبادئ التي من شأنها الحفاظ على السلامة والعدالة واحترام الأفراد والمجتمعات، مؤكداً ضرورة اتخاذ إجراءات متكاملة بما فيها القوانين والتشريعات التي تحمي حقوق الأفراد، وتنظم استخدام البيانات الخاصة بهم، وضرورة تعزيز الوعي والتعليم حول حقوق الخصوصية. أما فيما يتعلّق بالمشكلات الاجتماعية التي تنجم عن تزايد استخدام التكنولوجيا الذكية فهي كثيرة من بينها تفاقم الفجوات الاجتماعية، وفقدان فرص العمل مما يزيد من مستويات البطالة والتوتر الاجتماعي، فضلاً عن تزايد التحيّز والتمييز بين فئات معيّنة من المجتمع، ويمكن أن يؤثّر الاستخدام المفرط للتكنولوجيا سلباً على الصحة النفسية للأفراد ويؤدّي إلى الاكتئاب والانعزال الاجتماعي، ويقترح المؤلف الحلول الممكنة للتغلّب على تلك المشكلات بما يضمن المساواة وتوفير الفرص العادلة ووضع التشريعات التي تنظّم استخدام التكنولوجيا الذكية. لقد أصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً من حياتنا لا يمكننا الاستغناء عنه، وما علينا إلا الأمل مع المؤلف أن يكون قوة إيجابية تدفعنا نحو مستقبل أفضل، والعمل على أن يكون الذكاء الاصطناعي متوائماً مع تطوّرنا الإنساني والأخلاقي ومعزّزاً لقيمنا، يؤدّي إلى مستقبل أكثر إشراقاً للبشرية جمعاء.


LBCI
منذ 2 أيام
- LBCI
منذ 4500 عام في سوريا... ألعاب الأطفال كانت حاضرة في الأسواق
أفادت باحثة في المتحف الوطني الدنماركي أنه تم اكتشاف 19 خشخيشة طينية صُنعت في مدينة حماة خلال العصر البرونزي أظهرت أن بيع ألعاب الأطفال ليس ابتكارا حديثا بل كان موجودا في سوريا قبل 4500 عام. وقالت المُعدّة المشاركة للدراسة التي تناولت هذا الاكتشاف ونشرتها مجلة "تشايلدهود إن ذي باست" العلمية المتخصصة ميتّه ماري هالد "إذا كان المرء (في ذلك الزمن) يريد تسلية طفله، كان يستطيع إعطاءه ملعقة خشبية أو حجرا". ولكن حتى في ذلك الوقت "قبل 4500 عام"، كان لدى الوالدَين خيار آخر، وهو أن "يذهبا إلى السوق ويشتريا الألعاب المصنوعة من محترفين". فقد اكتشف الباحثون مصادفةً ضمن مجموعات المتحف الوطني الدنماركي قطعا من 19 خشخيشة طينية صنعت في حماة بسوريا، يعود تاريخها إلى العصر البرونزي، وهي أكبر مجموعة من نوعها. وقالت الباحثة "على جانب القطع، يلاحظ أن الطين مشغول بالطريقة نفسها تماما التي تُشغل بها الأواني العادية التي يصنعها محترفون". وأشارت إلى أن جودة الخشخيشات تجعل من المستبعد أن يكون الوالدان غير المحترفين صنعاها. وأملت في أن تتيح الدراسة للمتخصصين درس قطع الطين من كثب إذ قد يتبين أن أشياء أخرى هي ألعاب، مثل بعض التماثيل. وأضافت "غالبا ما تُصنّف على أنها تماثيل توضع في معابد (...) لكننا نتساءل عمّا إذا كانت ألعابا مصنوعة للأطفال، لأنها متنوعة وتبدو مضحكة جدا". ويصعب التعرّف على طبيعة الألعاب إذ نُبشَ معظمها خلال الحفريات الأثرية على شكل شظايا ولم تكن متكاملة وكالة فرانس برس


الميادين
منذ 3 أيام
- الميادين
علماء يكتشفون طريقة جديدة لإطالة عمر بطاريات "الليثيوم أيون"
حدد العلماء المواد التي تنكمش عند التسخين، مما يتيح تجديد بطاريات الليثيوم أيون القديمة مع استعادة الجهد بنسبة 100 % تقريباً. ومن شأن هذا الإنجاز، الذي حققه فريق بحثي في معهد نينغبوه لتكنولوجيا وهندسة المواد، والأكاديمية الصينية للعلوم، بالتعاون مع باحثين من جامعة شيكاغو ومؤسسات أخرى، ألا يسهم فحسب في تطوير تكنولوجيا البطاريات ذات الكثافة والاستدامة العالية للطاقة، بل يَعد أيضا بإحداث ثورة في تصميم المواد وتطبيقها في المستقبل. وتم نشر النتائج ذات الصلة في مجلة "نيتشر". ولدفع الحدود التشغيلية للسيارات والطائرات الكهربائية، يجب ترقية الجيل التالي من تقنية بطاريات الليثيوم أيون ذات الكثافة العالية للطاقة، حسبما قال قائد الفريق ليو تشاو بينغ، الباحث في معهد نينغبوه لتكنولوجيا وهندسة المواد. وبوصفها مكوناً أساسياً للبطاريات، تلعب مواد الكاثود دوراً حيوياً في تخزين الطاقة وإطلاقها من خلال التفاعلات الكيميائية أثناء الشحن والتفريغ. وهي تؤثر بشكل حاسم على كثافة طاقة البطارية ودورة حياتها وسلامتها وتكلفة إنتاجها. Enhanced Lithium Ion Conductivity with Scandium Substitution مواد كاثود الأكسيد ذات الطبقات والغنية بالليثيوم قدرات قياسية تزيد عن 300 مللي أمبير/جم، متجاوزة مواد الكاثود المتوفرة تجاريا. ويمكن لهذه المواد أن تعزز كثافة الطاقة للبطاريات بأكثر من 30 بالمائة مع الحفاظ على مزايا كبيرة بشأن التكلفة. ومع ذلك، فإن تحقيق التوازن بين الكثافة العالية للطاقة والاستقرار طويل الأجل في البطاريات القائمة على مواد كاثود الأكسيد ذات الطبقات والغنية بالليثيوم لا يزال يمثل تحدياً، إذ بعد دورات الشحن المتكررة، يتحلل الجهد تدريجياً، ما يؤدي إلى شيخوخة البطارية. واكتشف الفريق سلوك التمدد الحراري السلبي لمواد كاثود الأكسيد ذات الطبقات والغنية بالليثيوم، والتي تنكمش عند تسخينها في نطاق درجة حرارة يتراوح من 150 إلى 250 درجة مئوية. وتم تطوير طريقة كهروكيميائية جديدة لإعادة ضبط مواد كاثود الأكسيد ذات الطبقات والغنية بالليثيوم القديمة من الحالات المضطربة وغير المستقرة هيكليا إلى حالتها الأصلية المنظمة. وقال تشيو باو، المؤلف الرئيسي للدراسة: "من خلال تعديل استراتيجيات الشحن بذكاء، يمكن إصلاح العيوب الهيكلية في الكاثود بشكل دوري، وبالتالي إطالة عمر البطارية بشكلٍ كبير". واستنادا إلى إطار تنبؤي قوي، صمم الفريق أول كاثود بتمدد حراري صفري في العالم، والذي يظهر تغيرا ضئيلا في الحجم في ظل تقلبات درجات الحرارة. It's like blood transfusion for EV batteries!Scientists in China - Fudan University - have found a clever hack to extend lithium battery lifetime to 18 years (or 12,000 charging cycles).This is done by injecting a special compound that replenishes Lithium chemistry… أن يعالج هذا التقدم مسائل مثل العمر القصير للبطارية الناجم عن الاختلافات الحرارية، مما يفتح إمكانيات جديدة للجيل التالي من تقنية بطاريات الليثيوم ذات الكثافة العالية للطاقة. ومع دمج التقنيات التجريبية المتقدمة والذكاء الاصطناعي، يتطور تصميم المواد نحو التخصيص عند الطلب. وقال الخبراء إنه في المستقبل، تَعد بطاريات الليثيوم أيون بكسر المفاضلة التقليدية بين النطاق والعمر الافتراضي، مما يمكن السيارات والطائرات الكهربائية من التمتع بمسافات ممتدة وعمر طويل للغاية. وقال معلقون لدى مجلة "نيتشر": "تمتد الآثار المترتبة على هذه النتائج إلى ما هو أبعد من مجال أبحاث البطاريات، وهو أمر مستحدث ومثير للاهتمام ومهم لطرح مبادئ جديدة لتصميم المواد الوظيفية".