
تعشيش السلاحف بشاطئ فويرط.. جهود قطرية لحماية الحياة البحرية
في ذلك المكان الذي يعد من أبرز مواقع تعشيش السلاحف البحرية في قطر تأتي هذه الفعالية في إطار مشروع حماية السلاحف البحرية والبرنامج الوطني لحماية التنوع البيولوجي في قطر كجزء من جهود وزارة البيئة لحماية الأنواع المهددة بالانقراض، وتوفير بيئة آمنة لمواسم تعشيش السلاحف التي تمتد من أبريل/نيسان حتى يوليو/تموز من كل عام.
ويشكل إطلاق صغار السلاحف صقرية المنقار على شاطئ فويرط حدثا بيئيا ذا أبعاد علمية وتوعوية يعكس التزام الدولة بحماية الحياة الفطرية البحرية وصون التنوع البيولوجي.
وتمثل السلاحف البحرية جزءا جوهريا من النظام البيئي البحري، وتتطلب حمايتها جهودا تكاملية، وقد أجرت الوزارة وجامعة قطر وشركة قطر للطاقة دراسات علمية متقدمة لرصد سلوك السلاحف وبيئاتها في مختلف الشواطئ والجزر.
وشملت هذه الأبحاث قياسات بيولوجية وبيئية، منها عدد البيض وتحليل تأثيرات المد والجزر ودراسة الحمض النووي لصغار السلاحف.
50 ألف سلحفاة
وخلال مشاركته في الحدث أكد وزير البيئة والتغير المناخي القطري عبد الله بن عبد العزيز بن تركي السبيعي أن موسم تعشيش السلاحف يعكس التزام الدولة بالحفاظ على الحياة الفطرية، مشيرا إلى استمرار جهود الوزارة في تنفيذ برامج علمية وميدانية من أجل ضمان استدامة هذه الأنواع النادرة، تماشيا مع الالتزامات البيئية الوطنية والدولية لدولة قطر.
وأوضح السبيعي أن السلاحف صقرية المنقار تواجه مخاطر متعددة، من بينها أنشطة الصيد والكائنات المفترسة والتدخلات البشرية على الشواطئ، وأن تخصيص شاطئ فويرط كمحمية طبيعية يهدف إلى توفير بيئة آمنة لتعشيش هذه الكائنات.
وأطلقت وزارة البيئة القطرية منذ عام 2019 وحتى اليوم أكثر من 50 ألف سلحفاة إلى البحر بعد نقل نحو 125 عشا إلى شاطئ فويرط، بالإضافة إلى تنفيذ برامج متقدمة شملت ترقيم السلاحف وتحليل الحمض النووي واستخدام أجهزة تتبع بالأقمار الصناعية لرصد تحركاتها، وفق وزير البيئة القطري.
وتوضح نتائج الدراسات التي قامت بها وزارة البيئة بالتعاون مع شركائها أن عدد إناث السلاحف التي تعشش سنويا على الشواطئ القطرية يتراوح بين 164 و345 سلحفاة.
وتستحوذ شواطئ رأس لفان ورأس ركن والغارية وفويرط على نحو 90% من مواقع التعشيش في الدولة.
معايير السلامة
وأشار خالد المهندي مساعد مدير إدارة تنمية الحياة الفطرية في وزارة البيئة والتغير المناخي إلى أن حماية صغار السلاحف خلال فترة الفقس تمثل أولوية قصوى في برامج الوزارة الميدانية، مشيرا إلى اعتماد معايير دقيقة وإجراءات احترازية مدروسة تضمن سلامة هذه الكائنات الحساسة في مرحلة انتقالها من العش إلى البحر.
وتشمل تلك المعايير الامتناع عن لمسها أو الاقتراب من مواقع الأعشاش، والحد من الإضاءة الليلية التي قد تربكها، ومنع اصطحاب الحيوانات الأليفة إلى مناطق التعشيش، والالتزام بتعليمات الفرق البيطرية والميدانية، والمساهمة في الجهود البيئية من خلال التبليغ عن مشاهدات السلاحف.
وأوضح المهندي في تصريح للجزيرة نت أن جهود دولة قطر في مجال حماية الحياة البحرية أسهمت في تعزيز التنوع الحيوي بالبيئة البحرية القطرية، وجعلت مياهها الإقليمية ملاذا آمنا للكائنات البحرية النادرة على مستوى العالم، ومنها بقر البحر (الأطوم) وقرش الحوت الذي يشهد أكبر تجمّع له في منطقة حقل الشاهين.
وتمثل حماية البيئة البحرية أولوية وطنية تنسجم مع رؤية قطر 2030، ومع التزامات الدولة باتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي، حيث يشير المهندي الى تخصيص 2.5% في الوقت الحالي من مساحة الدولة كمحميات بحرية طبيعية، وإنجاز خطة العمل الوطنية لحماية الموارد البحرية، بالإضافة إلى إعداد خرائط تفصيلية للمناطق الساحلية والموائل القاعية بهدف دعم استدامة هذه الموارد وضمان حمايتها.
بيئة قاسية وصعبة
وفى تصريح للجزيرة نت، أكد رئيس مركز حماة الطبيعة في قطر سيف الحجري أن حماية الحياة الفطرية تعد ركيزة أساسية في إستراتيجية قطر البيئية، مشددا على أن الكائنات الفطرية التي تعيش في بيئة قاسية وصعبة بحاجة إلى دعم متواصل لضمان استمرارها وازدهارها، بما يسهم في الحفاظ على التوازن البيئي والتنوع الحيوي في الدولة.
ووفق الحجري، خصصت وزارة البيئة والتغير المناخي في قطر إدارة معنية بصون الطبيعة تعمل بشكل منسق ومتكامل لضمان استدامة الأنظمة البيئية، بما يتوافق مع رؤية قطر الوطنية 2030 التي أولت اهتماما واضحا بحماية البيئة والحياة الفطرية باعتبارها جزءا لا يتجزأ من التنمية المستدامة.
وأشار إلى أن دولة قطر أنشأت 12 محمية طبيعية موزعة في أنحاء البلاد، بهدف حماية الأنواع النباتية والحيوانية المهددة بالانقراض، من بينها جهود حثيثة لحماية السلاحف البحرية، ولا سيما في مناطق تكاثرها مثل شاطئ فويرط، حيث تنفذ برامج علمية منظمة لرصد أعشاش السلاحف وتأمينها حتى فقسها.
وتتضمن الكائنات التي تركز عليها وزرة البيئة القطرية أبقار البحر، ويقول الحجري إنها من الكائنات البحرية النادرة والمهددة عالميا، وتحتضن منطقة خليج سلوى أحد أكبر تجمعاتها في العالم بنسبة تعد من الأعلى عالميا، وهو ما يعكس نجاح السياسات البيئية المتبعة على المستوى الوطني.
ويضيف رئيس مركز حماة الطبيعة أن هناك جهودا متميزة تبذل أيضا في رصد وحماية كائنات بحرية كبرى مثل قرش الحوت الذي يتكرر ظهوره في المياه القطرية خلال مواسم معينة، مما يعزز مكانة قطر كموقع بيئي فريد على مستوى المنطقة.
وفيما يتعلق بالجانب التشريعي، قال الحجري إن الدولة أصدرت حزمة من القوانين واللوائح التي تجرم الإضرار بالحياة الفطرية وتفرض عقوبات صارمة على المخالفين، كما تدعم البرامج البحثية والعلمية بالتعاون مع مراكز أكاديمية متخصصة.
وختم الحجري حديثه بالتأكيد على أن الجهود القطرية لحماية الحياة الفطرية ليست موسمية أو مؤقتة، بل هي نهج إستراتيجي يبنى على أسس علمية وميدانية، ويجمع بين التوعية المجتمعية والتشريعات والرقابة والدعم الفني، مما يجعل قطر نموذجا يحتذى في صون البيئة بمنطقة الخليج العربي والعالم.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 20 ساعات
- الجزيرة
تعشيش السلاحف بشاطئ فويرط.. جهود قطرية لحماية الحياة البحرية
الدوحة- على بعد 80 كيلومترا شمال العاصمة القطرية الدوحة -وتحديدا على شاطئ فويرط حيث يلتقي البحر بالهدوء- انطلقت الثلاثاء فعالية بيئية استثنائية أُطلقت خلالها صغار السلاحف صقرية المنقار نحو أعماق الخليج. في ذلك المكان الذي يعد من أبرز مواقع تعشيش السلاحف البحرية في قطر تأتي هذه الفعالية في إطار مشروع حماية السلاحف البحرية والبرنامج الوطني لحماية التنوع البيولوجي في قطر كجزء من جهود وزارة البيئة لحماية الأنواع المهددة بالانقراض، وتوفير بيئة آمنة لمواسم تعشيش السلاحف التي تمتد من أبريل/نيسان حتى يوليو/تموز من كل عام. ويشكل إطلاق صغار السلاحف صقرية المنقار على شاطئ فويرط حدثا بيئيا ذا أبعاد علمية وتوعوية يعكس التزام الدولة بحماية الحياة الفطرية البحرية وصون التنوع البيولوجي. وتمثل السلاحف البحرية جزءا جوهريا من النظام البيئي البحري، وتتطلب حمايتها جهودا تكاملية، وقد أجرت الوزارة وجامعة قطر وشركة قطر للطاقة دراسات علمية متقدمة لرصد سلوك السلاحف وبيئاتها في مختلف الشواطئ والجزر. وشملت هذه الأبحاث قياسات بيولوجية وبيئية، منها عدد البيض وتحليل تأثيرات المد والجزر ودراسة الحمض النووي لصغار السلاحف. 50 ألف سلحفاة وخلال مشاركته في الحدث أكد وزير البيئة والتغير المناخي القطري عبد الله بن عبد العزيز بن تركي السبيعي أن موسم تعشيش السلاحف يعكس التزام الدولة بالحفاظ على الحياة الفطرية، مشيرا إلى استمرار جهود الوزارة في تنفيذ برامج علمية وميدانية من أجل ضمان استدامة هذه الأنواع النادرة، تماشيا مع الالتزامات البيئية الوطنية والدولية لدولة قطر. وأوضح السبيعي أن السلاحف صقرية المنقار تواجه مخاطر متعددة، من بينها أنشطة الصيد والكائنات المفترسة والتدخلات البشرية على الشواطئ، وأن تخصيص شاطئ فويرط كمحمية طبيعية يهدف إلى توفير بيئة آمنة لتعشيش هذه الكائنات. وأطلقت وزارة البيئة القطرية منذ عام 2019 وحتى اليوم أكثر من 50 ألف سلحفاة إلى البحر بعد نقل نحو 125 عشا إلى شاطئ فويرط، بالإضافة إلى تنفيذ برامج متقدمة شملت ترقيم السلاحف وتحليل الحمض النووي واستخدام أجهزة تتبع بالأقمار الصناعية لرصد تحركاتها، وفق وزير البيئة القطري. وتوضح نتائج الدراسات التي قامت بها وزارة البيئة بالتعاون مع شركائها أن عدد إناث السلاحف التي تعشش سنويا على الشواطئ القطرية يتراوح بين 164 و345 سلحفاة. وتستحوذ شواطئ رأس لفان ورأس ركن والغارية وفويرط على نحو 90% من مواقع التعشيش في الدولة. معايير السلامة وأشار خالد المهندي مساعد مدير إدارة تنمية الحياة الفطرية في وزارة البيئة والتغير المناخي إلى أن حماية صغار السلاحف خلال فترة الفقس تمثل أولوية قصوى في برامج الوزارة الميدانية، مشيرا إلى اعتماد معايير دقيقة وإجراءات احترازية مدروسة تضمن سلامة هذه الكائنات الحساسة في مرحلة انتقالها من العش إلى البحر. وتشمل تلك المعايير الامتناع عن لمسها أو الاقتراب من مواقع الأعشاش، والحد من الإضاءة الليلية التي قد تربكها، ومنع اصطحاب الحيوانات الأليفة إلى مناطق التعشيش، والالتزام بتعليمات الفرق البيطرية والميدانية، والمساهمة في الجهود البيئية من خلال التبليغ عن مشاهدات السلاحف. وأوضح المهندي في تصريح للجزيرة نت أن جهود دولة قطر في مجال حماية الحياة البحرية أسهمت في تعزيز التنوع الحيوي بالبيئة البحرية القطرية، وجعلت مياهها الإقليمية ملاذا آمنا للكائنات البحرية النادرة على مستوى العالم، ومنها بقر البحر (الأطوم) وقرش الحوت الذي يشهد أكبر تجمّع له في منطقة حقل الشاهين. وتمثل حماية البيئة البحرية أولوية وطنية تنسجم مع رؤية قطر 2030، ومع التزامات الدولة باتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي، حيث يشير المهندي الى تخصيص 2.5% في الوقت الحالي من مساحة الدولة كمحميات بحرية طبيعية، وإنجاز خطة العمل الوطنية لحماية الموارد البحرية، بالإضافة إلى إعداد خرائط تفصيلية للمناطق الساحلية والموائل القاعية بهدف دعم استدامة هذه الموارد وضمان حمايتها. بيئة قاسية وصعبة وفى تصريح للجزيرة نت، أكد رئيس مركز حماة الطبيعة في قطر سيف الحجري أن حماية الحياة الفطرية تعد ركيزة أساسية في إستراتيجية قطر البيئية، مشددا على أن الكائنات الفطرية التي تعيش في بيئة قاسية وصعبة بحاجة إلى دعم متواصل لضمان استمرارها وازدهارها، بما يسهم في الحفاظ على التوازن البيئي والتنوع الحيوي في الدولة. ووفق الحجري، خصصت وزارة البيئة والتغير المناخي في قطر إدارة معنية بصون الطبيعة تعمل بشكل منسق ومتكامل لضمان استدامة الأنظمة البيئية، بما يتوافق مع رؤية قطر الوطنية 2030 التي أولت اهتماما واضحا بحماية البيئة والحياة الفطرية باعتبارها جزءا لا يتجزأ من التنمية المستدامة. وأشار إلى أن دولة قطر أنشأت 12 محمية طبيعية موزعة في أنحاء البلاد، بهدف حماية الأنواع النباتية والحيوانية المهددة بالانقراض، من بينها جهود حثيثة لحماية السلاحف البحرية، ولا سيما في مناطق تكاثرها مثل شاطئ فويرط، حيث تنفذ برامج علمية منظمة لرصد أعشاش السلاحف وتأمينها حتى فقسها. وتتضمن الكائنات التي تركز عليها وزرة البيئة القطرية أبقار البحر، ويقول الحجري إنها من الكائنات البحرية النادرة والمهددة عالميا، وتحتضن منطقة خليج سلوى أحد أكبر تجمعاتها في العالم بنسبة تعد من الأعلى عالميا، وهو ما يعكس نجاح السياسات البيئية المتبعة على المستوى الوطني. ويضيف رئيس مركز حماة الطبيعة أن هناك جهودا متميزة تبذل أيضا في رصد وحماية كائنات بحرية كبرى مثل قرش الحوت الذي يتكرر ظهوره في المياه القطرية خلال مواسم معينة، مما يعزز مكانة قطر كموقع بيئي فريد على مستوى المنطقة. وفيما يتعلق بالجانب التشريعي، قال الحجري إن الدولة أصدرت حزمة من القوانين واللوائح التي تجرم الإضرار بالحياة الفطرية وتفرض عقوبات صارمة على المخالفين، كما تدعم البرامج البحثية والعلمية بالتعاون مع مراكز أكاديمية متخصصة. وختم الحجري حديثه بالتأكيد على أن الجهود القطرية لحماية الحياة الفطرية ليست موسمية أو مؤقتة، بل هي نهج إستراتيجي يبنى على أسس علمية وميدانية، ويجمع بين التوعية المجتمعية والتشريعات والرقابة والدعم الفني، مما يجعل قطر نموذجا يحتذى في صون البيئة بمنطقة الخليج العربي والعالم.


الجزيرة
منذ 3 أيام
- الجزيرة
تغير المناخ يهدد نصف موائل السلاحف البحرية
تُثير دراسة جديدة حول السلاحف البحرية تساؤلات عن فاعلية المناطق البحرية المحمية وقدرتها على حماية التنوع البيولوجي البحري. ينص هدف " 30×30"على حماية 30% من المناطق البحرية بحلول عام 2030، في إطار كونمينغ مونتريال العالمي للتنوع البيولوجي. وتقع 23% فقط من بؤر السلاحف البحرية في العالم ضمن هذه المناطق البحرية المحمية. ووفقا لأطلس حماية المحيطات، فإن أكثر من 8% من المحيطات مُصنّفة كمناطق بحرية محمية، ولكن حوالي 3% فقط منها تُدار بفاعلية. وكشفت الدراسة المنشورة في مجلة "ساينس أدفانسز" أن تغير المناخ يدفع السلاحف البحرية بعيدا عن مواطنها التقليدية نحو مياه أكثر برودة. وهذا التحول ينقلها خارج المناطق المحمية إلى مناطق الشحن البحرية المزدحمة. وتعد العديد من هذه الموائل الجديدة، مثل بحر الشمال، والبحر الأبيض المتوسط، وبحر الصين الشرقي، وحتى المياه القريبة من جزر غالاباغوس، مناطق شديدة الخطورة تشهد حركة سفن كثيفة. وتصبح السلاحف عرضة لخطر اصطدامها بالسفن في هذه الممرات، وهو سبب رئيسي لنفوقها، ومن المرجح أن يتفاقم الوضع في المستقبل، إذ من المتوقع أن ينمو الشحن العالمي بنسبة 1200% بحلول عام 2050. وقام الباحثان إدوارد دوكين ودينيس فورنييه من قسم الأحياء العضوية بجامعة بروكسل الحرة في بلجيكا بدراسة 27 ألفا و703 حالات للسلاحف البحرية وأكثر من مليار موقع للسفن لمعرفة كيف يمكن لتغير المناخ أن يغير تحركات السلاحف ويزيد من فرص اصطدامها بالسفن. وقال دوكين وفورنييه إن هناك حاجة إلى التحرك إلى ما هو أبعد من المناطق المحمية الثابتة وتبنّي أساليب الحفاظ المرنة في الوقت الفعلي والتي يمكنها مواكبة الظروف المتغيرة للمحيطات. وشمل التحليل جميع أنواع السلاحف البحرية السبعة الموجودة على مستوى العالم، وهذه واحدة من الدراسات الأكثر شمولا من نوعها، كما تدعم بوضوح ما تم تأكيده في مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات في يونيو/حزيران 2025 الذي دعا إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية التنوع البيولوجي البحري والحاجة إلى مناطق بحرية جديدة محمية. وتُظهر النتائج أن أكثر من 50% من بؤر السلاحف البحرية الحالية قد تختفي بحلول منتصف القرن، حتى في ظل السيناريوهات الأكثر تفاؤلًا. وفي أسوأ سيناريو مناخي، قد تفقد بعض أنواع السلاحف البحرية، مثل "كاريتا كاريتا" و"ديرموشيليس كورياسيا"، ما يصل إلى 67% من موطنها الحالي، وفي المقابل قد يوسّع نوع "شيلونيا ميداس" نطاق انتشارها إلى المياه الباردة. وتُظهر بعض المبادرات أن الحفاظ على البيئة التكيفي القائم على البيانات ممكن وفعال، لا سيما في التخفيف من مخاطر اصطدام السفن. والأهم من ذلك، الإسهام في الحفاظ الديناميكي المتنامي في إطار يتجاوز المناطق البحرية المحمية الثابتة. وتقترح بعض المبادرات إستراتيجيات تكيفية آنية قادرة على الاستجابة لظروف المحيطات السريعة التغير. وأشارت الدراسة إلى أنه مع انتقال الأنواع من مواطنها تحت وطأة تغير المناخ، يجب أن تتطور سبل الحفاظ على البيئة تبعًا لذلك. ولحماية السلاحف وتحقيق هدف "30×30" لإطار كونمينغ مونتريال العالمي للتنوع البيولوجي، توصي الدراسة بضرورة توسيع نطاق تغطية المناطق البحرية المحمية في المناطق الساخنة للسلاحف في المستقبل، وخاصة داخل المناطق الاقتصادية الخالصة الوطنية. كما تقترح تصميم مناطق بحرية محمية ديناميكية ومستنيرة بالمناخ يمكنها التكيف مكانيا وزمانيا استنادا إلى توزيع الأنواع الناشئة، وكذلك ربط المناطق البحرية المحمية باللوائح التنظيمية الموجهة للشحن، مثل خفض السرعة في المناطق العالية الخطورة للتخفيف من مخاطر اصطدام السفن. وفي وقت لم تدخل فيه اتفاقية حماية أعالي البحار حيز التنفيذ، تقدم الدراسة أدلة علمية ملموسة تدعم هذا التحول، مُسلطة الضوء على الحاجة إلى حماية ذكية مناخيا ومتكيّفة تُرافق السلاحف أينما ذهبت، ليس فقط حيث كانت، كما تقدم خارطة طريق لبناء إستراتيجيات مستقبلية للحفاظ على البيئة البحرية.


الجزيرة
منذ 4 أيام
- الجزيرة
شوي تشينغ قوه بسام: الأدب العربي في الصين كسر الصور النمطية وأعاد العمق الإنساني للعرب
في قلب الجدل العالمي حول "الاستشراق" وإرثه المعقد، يقدم صوت أكاديمي من أقصى الشرق، منظورًا يتجاوز الثنائية التقليدية بين الغرب وعالمه العربي الإسلامي. هذا الصوت هو صوت البروفيسور شوي تشينغ قوه (بسام)، أستاذ الدراسات العربية في جامعة الدراسات الأجنبية ببكين، الذي يرى أن التجربة الصينية في دراسة العالم العربي ليست مجرد فرع من "الاستشراق"، بل هي مقاربة معرفية مختلفة، متجذرة في سياق حضاري مغاير. ويعد نائب رئيس جمعية الدراسات الشرق أوسطية الصينية، الذي يعد من أبرز الوجوه العلمية المعنية بالحوار الثقافي العربي الصيني، والمهتمين بإعادة بناء المفاهيم المرتبطة بدراسة العالم العربي والإسلامي في السياق الأكاديمي المعاصر. تحاور الجزيرة نت الأستاذ شوي تشينغ ضمن مؤتمر الاستشراق الذي انعقد في العاصمة القطرية الدوحة يومي 26 و27 أبريل/نيسان 2025، وقد قدم الأستاذ شوي تشينغ رؤية لافتة حول تميز المقاربة الصينية للدراسات العربية الإسلامية عن النموذج الغربي الكلاسيكي الذي تناولته الدراسات الاستشراقية. وبنظرة نقدية متوازنة، أقر شوي بأهمية إسهامات بعض المستشرقين المنصفين أمثال "بروكلمان" و"ماسينيون"، في مقابل نقده للنظرة الاستعلائية التي شابت كثيرا من الدراسات الغربية عن الشرق. كما أشار إلى الحاجة الملحة اليوم إلى ما يمكن تسميته بـ"استشراق جديد" أو "رؤية معرفية جديدة" تنطلق من التفاهم الثقافي والتلاقي الحضاري، وليس من منطلق التفوق أو التشييء. ولعل أبرز ما يميز تجربة شوي تشينغ قوه بسام هو اهتمامه الخاص بالأدب العربي الحديث وترجماته الغزيرة التي قدم من خلالها شعراء كبارا مثل أدونيس ومحمود درويش وجبران خليل جبران إلى القارئ الصيني، مساهما في ترسيخ صورة أكثر إنسانية وعمقا عن العرب والمسلمين، في مواجهة الصور النمطية التي ترسخت عبر الإعلام والسياسة. لماذا تفضلون في الصين استخدام مصطلح (الدراسات العربية الإسلامية) بدلا من مصطلح (الاستشراق)؟ في الصين، لا نستخدم مصطلح الاستشراق للإشارة إلى الدراسات المتعلقة بالعرب والإسلام، ولذلك فوجئنا عندما وجدنا أن كتاب إدوارد سعيد المعنون بـ"الاستشراق" يركز فقط على الدراسات الغربية للعالمين العربي والإسلامي. وبما أن الصين تُعد جزءا من الشرق، بل إنها -من الناحية الجغرافية- تقع في أقصى الشرق مقارنة بالعالم العربي، فإنه من الغريب أن يُستخدم مصطلح "الاستشراق" للدلالة على علم لا يشمل الصين نفسها. ولهذا السبب، نستخدم في الصين مصطلح "الدراسات العربية الإسلامية" بدلا من "الاستشراق". كيف ترون التحولات التي حدثت في الدراسات الاستشراقية؟ لا شك أن كتاب الأستاذ إدوارد سعيد يعد من الأعمال المهمة، إذ فتح أعيننا على حقائق تتعلق بكيفية تناول الدراسات الغربية للقضايا العربية والإسلامية. ونحن نعلم أن إدوارد سعيد اتخذ موقفا نقديا حادا تجاه الغرب، وتجاه الطريقة التي تناولت بها الدراسات الغربية العلوم والثقافة العربية والإسلامية. لكن، وفي المقابل، لا بد من الإشارة -بقدر من الإنصاف والموضوعية- إلى أن هناك في الغرب أيضا باحثين منصفين قاموا بدراسات قيمة ومقدرة حول العلوم العربية والإسلامية. ومن الأمثلة على ذلك المستشرق الألماني "كارل بروكلمان"، الذي ألف مجلدات ضخمة في تأريخ الأدب العربي، ويعد كتابه، حسب علمي، أول محاولة علمية شاملة لتوثيق تاريخ الأدب العربي القديم. ولا يمكن أن نغفل أيضا جهود العالم الفرنسي الكبير "لوي ماسينيون"، الذي تخصص في الدراسات الصوفية، وبلغ في تعمقه فيها مستوى لم يصل إليه حتى كثير من الباحثين في الأوساط العربية والإسلامية. ومع الاعتراف بهذه الاستثناءات، تظل الحقيقة الثابتة التي لا يمكن إنكارها، وهي أن عددا كبيرا من المستشرقين الأوروبيين كتبوا من منطلق نظرة استعلائية تجاه العرب والمسلمين. لذلك، فإن واقع اليوم قد تغير؛ فالغرب لم يعد هو الغرب في الأمس، والشرق لم يعد هو الشرق ذاته، فقد شهد العالم تحولات كبرى خلال العقود الأخيرة، لا سيما مع دخولنا القرن الـ21. ومن ثم، فإن هذه التحولات العميقة تفرض علينا الحاجة إلى (استشراق جديد)، إن صح هذا التعبير، أو لنقل إلى رؤية جديدة للعرب والمسلمين، وللعلوم الشرقية عموما. أعتقد أن الأدب قد لعب دورا كبيرا جدا في نقل صورة أكثر موضوعية، بل لا شك أنها كانت أكثر عمقا وتنوعا، عن الثقافة العربية الإسلامية، وعن العرب والمسلمين عموما. كما أشار إدوارد سعيد في كتابه، مستشهدا بالروائي الفرنسي "فلوبير"، فإن الأدب العربي المترجم إلى اللغات الأوروبية هو الذي ساهم في كسر الصورة النمطية عن العرب والمسلمين. فلولا الأدب، لبقيت صورة العالم العربي، في أذهان كثير من الناس في الغرب وحتى خارجه، مقتصرة على الأخبار، وعلى الأرقام المتعلقة بالضحايا والمصابين، والأحداث المتكررة. لكن الأدب هو الذي أعاد الإنسان العربي المسلم إلى المشهد العالمي، وذكر الآخرين بأن العرب ليسوا أرقاما، ولا مجرد أحداث، ولا أشياء مادية، بل هم بشر من لحم ودم، لهم أفكار ومشاعر وعواطف، وهذه المشاعر لا تختلف عن مشاعر غيرهم من أتباع الديانات والمعتقدات الأخرى. ففي الجوهر، الإنسان العربي المسلم هو كأي إنسان آخر، سواء في الصين أو اليابان أو الهند أو أوروبا. لا يوجد اختلاف جوهري بين العربي وغيره في عمق الإنسانية المشتركة التي تجمع البشر جميعا. هل هناك حركة ترجمة بين العربية والصينية والعكس؟ هناك عدد كبير من الترجمات المتبادلة بين اللغة العربية واللغة الصينية، ويشرفني أنني شاركت في ترجمة العديد من الأعمال من العربية إلى الصينية. فعلى سبيل المثال، ساهمت في ترجمة ألف ليلة وليلة، إلا أن اهتمامي يتركز بشكل أكبر على ترجمة الأدب العربي الحديث، وخاصة الشعر العربي المعاصر. لقد ترجمت أعمالا شعرية لأدونيس إلى اللغة الصينية، وقد صدر لي 7 كتب مترجمة من مؤلفاته، شعرا ونثرا. وقد حظيت معظم هذه الترجمات بإقبال واسع في أوساط المثقفين والقراء في الصين، حتى أصبح أدونيس، بفضل هذه الترجمات، اسما ثقافيا وفكريا معروفا على نطاق واسع، ليس فقط بين المهتمين بالأدب العربي، بل أيضا لدى عامة القراء الصينيين. كما ترجمت قصائد لمحمود درويش، وصدر لي ديوانان من شعره باللغة الصينية، بالإضافة إلى ترجمتي لعدة كتب من أعمال جبران خليل جبران، وغيرهم من الكتاب والأدباء العرب المعاصرين. وبالإضافة إلى ما ذكرته من أعمالي في ترجمة الأدب العربي، لا بد من الإشارة إلى أن عددا من زملائي في الصين قد ترجموا أيضا بعض الأعمال الأدبية العربية، القديمة والحديثة، إلى اللغة الصينية. ومع ذلك، فإن هذه الترجمات لا تزال غير كافية؛ فهناك نقص كبير في ما نقل من الأدب العربي، سواء القديم أو المعاصر. فالترجمات المتوفرة حاليا باللغة الصينية لا تكفي لتكوين صورة كاملة، أو حتى شبه كاملة، عن الأدب العربي والثقافة العربية، في أبعادهما القديمة والحديثة، لدى القراء الصينيين. لذلك، نحن بحاجة ماسة إلى بذل مزيد من الجهود في هذا المجال.