
المثقف الشرقي وفائض القوة
حضر إياد البرغوثي المتخصص في علم الاجتماع إلى مراكش الفيحاء وفي جَوفه قضية كبرى، وبالأحرى سَردية كبرى، سردية القضية الفلسطينية ومخاضاتها الحارقة المُتلبسة بجروح الذات وتمزق الوجدان…كان اللقاء في مُنتجع سياحي في ضواحي المدينة، من تنظيم موقع كش بريس والائتلاف الوطني للغة العربية بمعية مركز عناية الذي خصص الدورة الحادية عشر من مجلسه الفكري والثقافي احتفاء بالمفكر الفلسطيني…ولتنظيم اللقاء مع البرغوتي سياق يستوجب أن يحاط، وسط ضجيج الفوضى وتوحش العالم وتلذذه بسيولات الألم وانهيار الرصيد الأخلاقي وانتزاع الأقنعة من الوجوه…
في اللقاء استدراج إلى إعادة بِناء الرؤية؛ رؤية الشرق لنفسه، واستعاضة عن رؤية الغرب للشرق…ثمَّة وجوب حسب البرغوثي إلى تحرير الشرق ثقافيا، ودعوة إلى صُنع الهوية الجماعية الشرقية والتخلص من النظرة الغربية…ليس الشرقي اليوم إلا ذاك الذي تمَّ اصطناعه في كتب الاستشراق، وفي استيهاماتها المُتخلية عنها من كسل وعَنهجية وفقدان للمسؤولية ولحس المبادرة…يُلح البرغوثي على إعادة تشكيل الشرق لذاته، ولإنجاز العمل يُعوَّل هنا على مسؤولية المثقف؛ المثقف الثائر والحالم الذي ينطلق من الواقع ويتطلع لإحداث تشققات في جدرانه، ويَعبر من السرديات الجامعة إلى السرديات الصغرى…يُصر الغرب دوما على أن يَنظر إلينا كممر، ممر يُداس ويُنتهك دون أن يكترث إلى مشاعره وأحاسيسه من جاكارتا إلى طنجة…
فلسطين التي حَملها معه إياد البرغوثي هي الفضاء الذي يجمع وَصل المشرق بالمغرب، واسرائيل بما تنتهجه اليوم الفضاء الذي يُفرق وَصل المشرق بالمغرب. وكم هي بليغة هذه العبارة حين التأمل والتبصر…في الأفق سايكس بيكو جديد يُحضر فوق طاولة الكبار، نسخة جديدة لتقسيم المشرق العربي، وحديث في دهاليز الإدارة الاسرائيلية عن 'النصر المطلق' وتطلع إلى ما وراء فلسطين…الصهيونية التي يَخبر البرغوثي ليست هي تلك التي نختزلها في ايديولوجيا الاحتلال وفقط، بله في ايديولوجيا المصادرة؛ مصادرة حرية الشعوب وتقويض مكتسبات الاجتماع البشري واخضاع العالم لفائض القوة…خُذ عنك مثلا، لا يتم منح الجنسية الألمانية لأي شخص إذا لم يعترف بإسرائيل أو بمحرقة الهولوكوست…أَوَ لسنا أمام مصادرة حقيقة لحرية الانسان؟ وحتى حينما نُولي بأبصارنا صوب ما جرى من حوادث القرن الماضي، ونعيد بعث السؤال المتكرر في دروس التاريخ من انتصر في الحرب العالمية؟ طبعا المنتصِر هنا ليس هو المتحارب، بل المنتصِر من تحكم في سلطة الرأسمال، في حركة الفكر، في مركز القرار، في تمويل الجيوش المتحاربة…من هو بالضبط؟ إنها الصهيونية…
منذ القرن الماضي، بدأت قصة صعود عائلة روتشليد تكتب كواحدة من القصص المثيرة للإعجاب، أبناء روتشليد انتشروا في أوروبا وتحكموا في أبناكها ومؤسساتها السيادية، في صناعتها وتجارتها وأسلحتها…وجعلوا العالم كله تحت سيطرتهم…لا شك أن السؤال الذي يُؤرق الجميع من يدير الآخر؟ أمريكا أم اسرائيل؟ الصهيونية تديرهما معا…
للفكر العربي سذاجة مُزمنة تُقرأ في الصدى الطويل لأنساق التفكير التاريخي. يَعتقد دوما أنه يُمكن أن يصنع السلام مع عقيدة لا تعبأ بقيم السلام…وفي حكاية أوسلو جواب ذلك لمن أراد أن يُعمِل عقله بدل قلبه. لم يكن دافيد بن غوريون إلا واحدا من نشطاء ثورة 1905 في روسيا ضد النظام القيصري، ولم يكن تروتكسي الزعيم الاشتراكي الجذري إلا موظفا عموميا عند مهندسي الصهيونية بمرتب محترم…أَفَبعد هذا لا نهتدي إلى معرفة من يُدَبر اللعبة السياسية؟ وبيد من توجد خيوط السحب والدفع؟
صاغت الصهيونية من خلف الركح قواعد القانون الدولي وتحكمت في نواميسه، واصطنعت المؤسسات والهياكل التي تدافع عن مشروعها القومي وحقها في فلسطين، وفي عُرفها الصديق هدف أسهل من العدو…في قضية فلسطين لم يَعد الغرب غربا، صار الغرب منكسرا، ومُتشضيا…وعندنا في الشرق، تمضي العقود سريعا دون أن نتوصل إلى إقرار مشروع، أهدافنا مشتتة ووسائل عملنا غير مجدية…تجاذبات اديولوجية هنا، وتناطحات طائفية هناك…ويجري البحث عن بعث أو اصطناع المثقف من أجل مواجهة فائض القوة عند الصهاينة سبيلا للتحرر.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


لكم
٢٦-٠٤-٢٠٢٥
- لكم
البرغوثي يشكر المغاربة على دعمهم للشعب الفلسطيني ويدعو لإلغاء كافة أشكال التطبيع مع إسرائيل
قال مصطفى البرغوثي الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية إن فلسطين تعيش مرحلة صعبة للغاية، وتقاوم بكل جوارحها الظلم والعدوان والتطهير العرقي، وترتكب فيها جرائم وحشية لا أول لها ولا آخر. وأضاف البرغوثي خلال مشاركته عبر تقنية الفيديو في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الوطني التاسع لحزب 'العدالة والتنمية' المنظم اليوم السبت ببوزنيقة، أن قطاع غزة لا تدخل له حبة دواء ولا كسرة خبز، ويعرف تجويعا وحشيا لم سبق له مثيل في عصرنا ولا كل العصور. وأشار أن مئة طن من المتفجرات الأمريكية والأوروبية المصدر ألقيت على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بمعدل 46 كيلوغرام من المتفجرات لكل رجل وطفل ومرأة فلسطينية. وأكد أنه بعد 18 شهرا من الجرائم الوحشية لم يستطع الاحتلال كسر قطاع غزة ولا كسر صمودها، وصمود الشعب الفلسطيني، حيث فشلوا في اقتلاع المقاومة وفي استرداد الأسرى بالقوة وفي فرض سيطرتهم، وسيفشلون أيضا في مؤامرة التطهير العرقي. وأبرز أن الضفة الغربية هي الأخرى تعيش عدوانا لا يتوقف، فمنذ 18 شهرا أكثر من 40 ألف فلسطيني تم تهجيرهم من مخيماتهم، و 1000 شهيد قتلوا برصاص الاحتلال في هذه الفترة، وأكثر من 17 ألف تعرضوا للأسر والاعتقال. وتطرق البرغوثي لمعاناة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، مؤكدا أنهم يعانون الأمرين في سجون الاحتلال من تجويع وتعذيب أودى بحياة الكثير منهم. وعبر عن تحيته للشعب المغربي بكل مكوناته وقواه على وقوفه مع الشعب الفلسطيني، عبر مظاهرات عارمة ضد الإبادة والجرائم ونصرة للقدس والأقصى وفلسطين، داعيا لإلغاء كل أشكال التطبيع مع دولة الاحتلال لأنها تستغله بشكل بشع لتصفية القضية الفلسطينية. وشكر البرغوثي الشعب المغربي على دعمه وإسناده للشعب الفلسطيني، مؤكدا أن إعطاؤه الكلمة في مؤتمر 'العدالة والتنمية' ما هو إلا دليل على الاهتمام بالقضية الفلسطينية. وشدد على أنه بعون الله لن تكون في هذا الكون ولم توجد قوة قادرة على كسر مقاومة الشعب الفلسطيني أو إفنائه، مشيرا أن المغرب بشعبه الأصيل يبقى نصيرا للحق والعدل ولفلسطين والقدس.


وجدة سيتي
٢٥-٠٤-٢٠٢٥
- وجدة سيتي
الدكتور مصطفى البرغوثي الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية يكشف النقاب عن الشأن الداخلي الفلسطيني حاليا في ظرف العدوان الصهيوني الشرس على القطاع والضفة معا
الدكتور مصطفى البرغوثي الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية يكشف النقاب عن الشأن الداخلي الفلسطيني حاليا في ظرف العدوان الصهيوني الشرس على القطاع والضفة معا بداية لا بد من الإشارة إلى أن الذي اقتضى تحريرهذا المقال هو ما حدث بالأمس خلال اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني بمدينة رام الله حيث أساء رئيس السلطة الفلسطينية بكلمة نابية إلى المقاومة المسلحة في قطاع غزة وهو يطالبها بالإفراج عن الرهائن الصهاينة ذاهبا إلى أن الاحتفاظ بهم في نظره يعطي المحتل الصهيوني ذريعة ممارسة الإبادة الجماعية في حق الشعب الفلسطيني . ولقد خلفت إساءته إلى المقاومة استياء كبيرا ليس لدى الشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشتات ،بل في عموم الوطن العربي والإسلامي الذي تدين شعوبه بشدة العدوان الصهيوني العنصري الهمجي على الشعب الفلسطيني في القطاع والضفة على حد سواء . ولقد جاء الرد على رئيس السلطة الفلسطينية من عدة جهات ، وعلى لسان شخصيات فلسطينية مرموقة ووازنة ، نخص بالذكر منها الدكتور مصطفى البرغوثي الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية نظرا لاتزان موقفه بخصوص ما جرى ،ذلك أنه لما سأله صحفي من قناة الجزيرة القطرية عما صدر عن رئيس السلطة عبر عن أسفه الشديد ، رافضا الدخول في مهاترات حفاظا على مشاعر الشعب الفلسطيني إلا أنه قدم توصيفا دقيقا وشاملا وشافيا لما آل إليه الشأن الفلسطيني الداخلي . وقد عبر بداية عن خيبة أمله في كون اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني جاء مخيبا لآمال الشعب الفلسطيني ذلك أنه عوض أن يكون مقدمة لتحقيق وحدة وطنية فلسطينية مغيبة أو غائبة ، وإعلانا عن الموافقة على تطبيق اتفاق » بيكين » الذي أقرته كل الأطياف الفلسطينية بما في ذلك حركتي فتح وحماس ، والذي دعا إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية من شانها أن توحد قطاع غزة والضفة الغربية ، وإنشاء قيادة وطنية موحدة، وذلك لتوحيد الصف الفلسطيني من أجل مواجهة مؤامرة التطهير العرقي الحاصل في غزة والضفة على حد سواء. واعتبر البرغوثي أن هذا الاجتماع كرس المزيد من انقسام الصف الفلسطيني الداخلي، كما تمنى لو كانت كلمة رئيس السلطة مركزة على العدو، وعلى دور الإدارة الأمريكية التي تشاركه عمليا في جرائم الإبادة عوض التعريض بالمقاومة في غزة التي من حقها التصدي للعدوان الصهيوني . وركز الدكتور البرغوثي في كلمته على ما سماه قضايا جوهرية وهي كالآتي : 1 ـ يرى أنه من يريد أن يقوي منظمة التحرير الفلسطينية ،ويعتز بدورها ، ويعيد لها مكانتها كقائدة للنضال الوطني الفلسطيني التحرري ، يجب عليه أن يسعى إلى الوحدة الوطنية ، وإلى وحدة الصف ، وليس إلى مثل هذه الطرائق التي عمقت الخلافات الداخلية . 2 ـ يرى أنه ليس من المقبول أن تلام الضحية على ما يرتكبه الاحتلال الصهيوني ، وما يلحقها من أذى ، وذلك منذ ما يزيد عن مائة عام بما في ذلك تهجير عام 1948 ، وما جرى سنة 1967 من احتلال ، ومن نظام « الأبرتايد » ومن استيطان . وأشار إلى أنه بالرغم من أن الضفة الغربية ليست تحت سلطة حماس، ولا وجود فيها لرهائن إسرائليين ،فإن ما يجري فيها من جرائم إبادة ، وتهجير لا يختلف عما يجري في قطاع غزة ،الشيء الذي يدحض قول رئيس السلطة الفلسطينية بأن حماس تعطي الكيان الصهيوني ذريعة لارتكاب المجازر باحتفاظها بالأسرى الصهايبنة . 3 ـ ويرى البرغوثي أن حركة حماس وافقت على تسليم جميع ما لديها من رهائن مقابل إيقاف الحرب على غزة ، والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين وهم بالآلاف في السجون الفلسطينية ،وفيهم المحكومون بعشرات الأحكام المؤبدة ، وتساءل عمن سيحرر هؤلاء إن لم تحررهم الصفقة ؟ كما تساءل هل سيحررهم اتفاق » أسلو » الذي لو فعل لكان ذلك من زمان ؟ ويرى أنه مقابل عرض حماس صرح الصهاينة بأنهم يريدون استرجاع كل الرهائن ، ثم مواصلة الحرب بعد ذلك ، وتنفيذ قرار الرئيس الأمريكي ترامب القاضي بتطهير عرقي في غزة . 4 ـ وبخصوص موضوع سلاح المقاومة ،عبر البرغوثي عن اتفاقه على أن في كل دولة يجب أن يكون جيش واحد، وسلاح واحد شريطة أن تكون فيها انتخابات ديمقراطية متسائلا هل نحن الآن في دولة مستقلة ليس فيها احتلال قد جرد السلطة الفلسطينية من كل صلاحياتها ، مضيفا أن ما يجري من جرائم صهيونية في منطقة (أ ) بالضفة الغربية يؤكد ذلك لأنه من المفروض أن تكون تابعة للسلطة بموجب اتفاقية « أسلو » . وأضاف أيضا عندما تكون عندنا دولة حينئذ نتحدث عن السلاح الوحيد الذي يجب أن يوجد فيها ، كما أن هذه الدولة يجب أن تكون قيادتها منتخبة بطريقة ديمقراطية عن طريق انتخابات حرة ونزيهة ، والشعب هو من يختارها وفق إرادته . 5 ـ وبخصوص أشكال النضال، ذكر البرغوثي أنه منذ عشرين سنة والفعاليات الفلسطينية وهو على رأس إحداها ،تطالب بقيادة وطنية موحدة لم تتحقق ، كما ذكر أنه لا اعتراض على وجود أشكال للنضال الفلسطيني على أساس ما يقرره إجماع الشعب على خلاف أطيافه السياسية، ويكون ذلك تحت قيادة وطنية موحدة تكون مسؤولة عن اختبار أشكال النضال السياسي والكفاحي المسلح في إطار منظمة التحرير الفلسطينية التي لا أحد يريد المساس بها، ثم تسائل كيف يمكن توحيد أشكال النضال في غياب وجود قيادة وطنية موحدة يكون حولها إجماع وطني فلسطيني ؟ وعبر البرغوثي عن أسفه لمقاطعته اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني، وذلك لعدة أسباب ذكر منها عدم إجراء التحضير لهذا الاجتماع ، وعدم استشارة كل الفعاليات في شأن مخرجاته ، وعدم تطبيق قرارات المجلس السابقة المتعلقة بالتحلل من اتفاقية » أسلو » ، وعدم تطبيق قرارات المجلس الوطني ، و إحداث تغييرات بخصوص الأعضاء الذين تمت إضافتهم إليه دون موافقة المجلس إلى جانب تغيير في قوانين منظمة التحرير الفلسطينية دون الرجوع إليه أيضا . وعبر البرغوثي عن أمله في المرور بسرعة من هذا الوضع، وذلك بتطبيق اتفاق » بكين » فورا من أجل حماية المستقبل الفلسطيني، وحماية الوحدة الفلسطينية ، وهذا يستدعي أن يرتقي جميع القادة الفلسطينيين إلى مستوى الوحدة الوطنية التي صنعها الشعب الفلسطيني على الأرض بالمقاومة والصمود ،وإلى مستوى معاناته وتضحياته ، الشيء الذي يمكنه من كسر كل مخططات الكيان الصهيوني الرافض لحماس ولفتح على حد سواء ، وكل أشكال المقاومة كما يصرح بذلك قادته . وردا على ما تروج السلطة الفلسطينية من أن المعارضة الفلسطينية قليلة، طالب البرغوثي بإجراء انتخابات تكون هي الحاسمة في هذا الأمر ، ويرى أنه قد حان الأوان للاستماع إلى صوت الشعب ، وإجراء الانتخابات التي كان قد تقرر إجراؤها سنة 2021 لكنها لم تجر تحت ذريعة منع الاحتلال إجراءها في القدس ، وكان من المفروض أن تجرى رغم أنفه . وجوابا عن سؤال صادر عن الصحفي المحاور للبرغوثي بخصوص وجود مشروعين فلسطينيين : مشروع حماس الذي يتبنى المقاومة المسلحة ، ومشروع السلطة وفتح الذي يتبنى النضال الشعبي السياسي فقط ، وهما مشروعان على طرفي نقيض حسب توصيف الصحفي ، أجاب البرغوثي أن هذا توصيف غير صحيح، لأن الخيارين كلاهما من حق الشعب الفلسطيني الذي تقرره كل القوانين والأعراف الدولية بالنسبة لكل شعب تحتل أرضه ، وأشاد البرغوثي بنضال الانتفاضة الفلسطينية ، وذكر أن حركتي حماس والجهاد الإسلامي مارستا أيضا هذا الشكل من النضال الشعبي . وفي الرد عن سؤال شكل المواجهة التي يجب أن تكون مع الكيان الصهيوني، رد البرغوثي بالقول إنه قرار سلطة تكون منتخبة ديمقراطيا من طرف الشعب الفلسطيني . وأخيرا عزا الدكتور البرغوثي الخلاف داخل البيت الفلسطيني إلى وهمين سائدين لدى السلطة الحالية ،وهما : وهم اتفاق » أسلوا » الذي اعتبره منتهيا، لأن الكيان الصهيوني لم يعد معترفا به ، وهو ماض في تنفيذ سياسة ضم الأراضي الفلسطينية في الضفة والقطاع ، وتهجير الشعب الفلسطيني من وطنه ، والوهم الثاني هو التعويل على وساطة الإدارة الأمريكية التي أصبحت طرفا مشاركا في إبادة الشعب الفلسطيني ، وفي مؤامرة تهجيره . وذكر أيضا أن الخلاف على السلطة هو عامل آخر أيضا ، ثم تساءل هل بقيت عندنا في الواقع سلطة حتى يكون الخلاف عليها ؟ وأشار في الأخير إلى أن المطلوب الآن في هذا الظرف هو التعاون والتنافس على قيادة الشعب الفلسطيني على أسس ديمقراطية مبدأها الأول قبول الفلسطينيين بعضها بعضا ، مع كامل الاحترام والتقدير المتبادلين ،لأن الجميع مناضلون ولا مزايدة في ذلك لأحد على الآخر . وبهذا تكون هذه الشخصية الفلسطينية الوازنة قد وضعت الأصبع على أصل الداء الذي ينخر الجسد الفلسطيني ، ويخدم مصالح الكيان الصهيوني المحتل ومصالح شركائه وعلى رأسهم الإدارة الأمريكية ، وكيانات غربية أخرى لم يعد أمرها خاف على الرأي العام الدولي الذي يدين بشدة مواقفها المضرة بالقضية الفلسطينية أشد الضرر من خلال تأييد ما يرتكبه الكيان الصهيوني العنصري من جرائم إبادة ، وما يبيت له من سياسة ضم الأراضي الفلسطينية في الضفة والقطاع ، وما يصرح به من أطماع توسعية خارج حدود أرض فلسطين ، وداخل عمق الوطن العربي الذي لم تتحرك قياداته لمنع ما يتهدد أقطارها وشعوبها من خطر محدق على الأبواب .


لكم
١٨-٠٤-٢٠٢٥
- لكم
المثقف الشرقي وفائض القوة
حضر إياد البرغوثي المتخصص في علم الاجتماع إلى مراكش الفيحاء وفي جَوفه قضية كبرى، وبالأحرى سَردية كبرى، سردية القضية الفلسطينية ومخاضاتها الحارقة المُتلبسة بجروح الذات وتمزق الوجدان…كان اللقاء في مُنتجع سياحي في ضواحي المدينة، من تنظيم موقع كش بريس والائتلاف الوطني للغة العربية بمعية مركز عناية الذي خصص الدورة الحادية عشر من مجلسه الفكري والثقافي احتفاء بالمفكر الفلسطيني…ولتنظيم اللقاء مع البرغوتي سياق يستوجب أن يحاط، وسط ضجيج الفوضى وتوحش العالم وتلذذه بسيولات الألم وانهيار الرصيد الأخلاقي وانتزاع الأقنعة من الوجوه… في اللقاء استدراج إلى إعادة بِناء الرؤية؛ رؤية الشرق لنفسه، واستعاضة عن رؤية الغرب للشرق…ثمَّة وجوب حسب البرغوثي إلى تحرير الشرق ثقافيا، ودعوة إلى صُنع الهوية الجماعية الشرقية والتخلص من النظرة الغربية…ليس الشرقي اليوم إلا ذاك الذي تمَّ اصطناعه في كتب الاستشراق، وفي استيهاماتها المُتخلية عنها من كسل وعَنهجية وفقدان للمسؤولية ولحس المبادرة…يُلح البرغوثي على إعادة تشكيل الشرق لذاته، ولإنجاز العمل يُعوَّل هنا على مسؤولية المثقف؛ المثقف الثائر والحالم الذي ينطلق من الواقع ويتطلع لإحداث تشققات في جدرانه، ويَعبر من السرديات الجامعة إلى السرديات الصغرى…يُصر الغرب دوما على أن يَنظر إلينا كممر، ممر يُداس ويُنتهك دون أن يكترث إلى مشاعره وأحاسيسه من جاكارتا إلى طنجة… فلسطين التي حَملها معه إياد البرغوثي هي الفضاء الذي يجمع وَصل المشرق بالمغرب، واسرائيل بما تنتهجه اليوم الفضاء الذي يُفرق وَصل المشرق بالمغرب. وكم هي بليغة هذه العبارة حين التأمل والتبصر…في الأفق سايكس بيكو جديد يُحضر فوق طاولة الكبار، نسخة جديدة لتقسيم المشرق العربي، وحديث في دهاليز الإدارة الاسرائيلية عن 'النصر المطلق' وتطلع إلى ما وراء فلسطين…الصهيونية التي يَخبر البرغوثي ليست هي تلك التي نختزلها في ايديولوجيا الاحتلال وفقط، بله في ايديولوجيا المصادرة؛ مصادرة حرية الشعوب وتقويض مكتسبات الاجتماع البشري واخضاع العالم لفائض القوة…خُذ عنك مثلا، لا يتم منح الجنسية الألمانية لأي شخص إذا لم يعترف بإسرائيل أو بمحرقة الهولوكوست…أَوَ لسنا أمام مصادرة حقيقة لحرية الانسان؟ وحتى حينما نُولي بأبصارنا صوب ما جرى من حوادث القرن الماضي، ونعيد بعث السؤال المتكرر في دروس التاريخ من انتصر في الحرب العالمية؟ طبعا المنتصِر هنا ليس هو المتحارب، بل المنتصِر من تحكم في سلطة الرأسمال، في حركة الفكر، في مركز القرار، في تمويل الجيوش المتحاربة…من هو بالضبط؟ إنها الصهيونية… منذ القرن الماضي، بدأت قصة صعود عائلة روتشليد تكتب كواحدة من القصص المثيرة للإعجاب، أبناء روتشليد انتشروا في أوروبا وتحكموا في أبناكها ومؤسساتها السيادية، في صناعتها وتجارتها وأسلحتها…وجعلوا العالم كله تحت سيطرتهم…لا شك أن السؤال الذي يُؤرق الجميع من يدير الآخر؟ أمريكا أم اسرائيل؟ الصهيونية تديرهما معا… للفكر العربي سذاجة مُزمنة تُقرأ في الصدى الطويل لأنساق التفكير التاريخي. يَعتقد دوما أنه يُمكن أن يصنع السلام مع عقيدة لا تعبأ بقيم السلام…وفي حكاية أوسلو جواب ذلك لمن أراد أن يُعمِل عقله بدل قلبه. لم يكن دافيد بن غوريون إلا واحدا من نشطاء ثورة 1905 في روسيا ضد النظام القيصري، ولم يكن تروتكسي الزعيم الاشتراكي الجذري إلا موظفا عموميا عند مهندسي الصهيونية بمرتب محترم…أَفَبعد هذا لا نهتدي إلى معرفة من يُدَبر اللعبة السياسية؟ وبيد من توجد خيوط السحب والدفع؟ صاغت الصهيونية من خلف الركح قواعد القانون الدولي وتحكمت في نواميسه، واصطنعت المؤسسات والهياكل التي تدافع عن مشروعها القومي وحقها في فلسطين، وفي عُرفها الصديق هدف أسهل من العدو…في قضية فلسطين لم يَعد الغرب غربا، صار الغرب منكسرا، ومُتشضيا…وعندنا في الشرق، تمضي العقود سريعا دون أن نتوصل إلى إقرار مشروع، أهدافنا مشتتة ووسائل عملنا غير مجدية…تجاذبات اديولوجية هنا، وتناطحات طائفية هناك…ويجري البحث عن بعث أو اصطناع المثقف من أجل مواجهة فائض القوة عند الصهاينة سبيلا للتحرر.