logo
مدفن "بسيط" و"من دون زخرفة خاصة"... هذا ما جاء في وصية البابا

مدفن "بسيط" و"من دون زخرفة خاصة"... هذا ما جاء في وصية البابا

Independent عربية٢٢-٠٤-٢٠٢٥

طلب البابا فرنسيس الذي توفي عن 88 سنة أمس الإثنين، في وصية مقتضبة نشرها الفاتيكان، بأن يدفن بطريقة "بسيطة" في كنيسة بروما مخصصة لتكريم مريم العذراء.
وفي ما يأتي نص الوصية المؤرخة في الـ29 من يونيو (حزيران) 2022 التي يطلب فيها البابا الأرجنتيني اليسوعي دفناً "من دون زخرفة خاصة"، مع ذكر اسمه باللغة اللاتينية فقط "Franciscus" (فرنسيس).
"باسم الثالوث الأقدس، آمين.
وإذ أشعر بأن شمس حياتي الأرضية تميل إلى المغيب، وبثقة حية في الحياة الأبدية، أرغب في التعبير عن إرادتي في ما يخص فقط مكان دفني.
لقد أوكلت دائماً حياتي وخدمتي الكهنوتية والأسقفية إلى أم ربنا، مريم الكلية القداسة، ولذلك، أطلب أن ترقد رفاتي، بانتظار يوم القيامة، في البازيليك البابوية للقديسة مريم الكبرى.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأرغب أن تختتم رحلتي الأرضية الأخيرة في هذا المزار المريمي العريق، حيث اعتدت أن أذهب للصلاة في بداية كل زيارة رسولية ونهايتها، لأوكل بثقة نياتي إلى الأم الطاهرة، وأشكرها على رعايتها الوالدية والوديعة.
أطلب أن يهيأ قبري في اللحد الواقع في الجناح الجانبي بين كابيلا العذراء مريم ' Salus Populi Romani' (سالوس بوبولي روماني) والـ'Cappella Sforza' (كابيلا سفورزا) في البازيليك البابوية المذكورة، كما هو موضح في الملحق المرفق. يجب أن يكون القبر في الأرض، بسيطاً، من دون زخرفة خاصة، ولا يكتب عليه سوى: 'Franciscus' (فرنسيس).
أما نفقات إعداد القبر فستغطى من تبرع المحسن الذي خصصته لهذا الغرض، والذي يجب تحويله إلى بازيليك القديسة مريم الكبرى، وقد أوصيت المونسنيور رولانداس ماكريكاس، بتنفيذ التعليمات اللازمة.
أسأل الرب أن يجزي خيراً كل من أحبني وسيواصل الصلاة من أجلي، أما الألم الذي رافقني في المرحلة الأخيرة من حياتي، فقد قدمته للرب من أجل السلام في العالم، والأخوة بين الشعوب".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تبادل ثقافي بين "المتاحف" السعودية ومتحف "طارق رجب" الكويتي
تبادل ثقافي بين "المتاحف" السعودية ومتحف "طارق رجب" الكويتي

Independent عربية

timeمنذ يوم واحد

  • Independent عربية

تبادل ثقافي بين "المتاحف" السعودية ومتحف "طارق رجب" الكويتي

وقّعت هيئة المتاحف السعودية ومتحف "طارق رجب" بالكويت مذكرة تفاهم تهدف إلى تعزيز التعاون الثقافي وتبادل الخبرات في مجالات المتاحف والمعارض والمحتوى العلمي المتخصص في التراث الإسلامي، وذلك في إطار تعزيز العلاقات الثقافية بين السعودية والكويت.ووقّع المذكرة من الجانب السعودي مستشارة وزارة الثقافة منى خزندار، ممثلة لهيئة المتاحف السعودية، فيما وقّع عن مدير متحف "طارق رجب" زياد طارق رجب عن الجانب الكويتي، وذلك في مدينة الرياض. وتنص مذكرة التفاهم على عدد من مجالات التعاون المشترك، أبرزها تبادل الأبحاث والنشر العلمي بين الجانبين، وإمكانية إعارة القطع الأثرية من متحف "طارق رجب" إلى المتاحف الإقليمية التابعة لهيئة المتاحف، إلى جانب تبادل المعارض المؤقتة بما يسهم في إثراء المحتوى الثقافي وتعزيز قيمة المجموعات المتحفية لدى الطرفين. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وتشمل المذكرة تشكيل فريق عمل مشترك من المتخصصين لتفعيل مجالات التعاون المتفق عليها، ووضع خطط تنفيذية لتبادل المعارف والوثائق التي تدعم هذا التعاون.وأكدت منى خزندار أن توقيع المذكرة يُجسّد حرص هيئة المتاحف السعودية على بناء شراكات نوعية مع المتاحف العريقة والخاصة في المنطقة العربية، مشيرة إلى أن متحف "طارق رجب" يُعدّ من أبرز المتاحف التي تُعنى بالفن والتراث الإسلامي، حيث يسهم التعاون معه في تعزيز التبادل الثقافي والمعرفي في قطاع المتاحف. من جهته، عبّر زياد رجب عن اعتزازه بهذه الشراكة، مؤكداً أنها خطوة مهمة نحو ربط التجارب المتحفية الخليجية وتعزيز حضور التراث الإسلامي في المعارض المتخصصة، إلى جانب المساهمة في تطوير المحتوى المتحفي بين الطرفين.وتأتي هذه المذكرة ضمن جهود هيئة المتاحف لتعزيز حضور السعودية في المشهد الثقافي الإقليمي، وتفعيل قنوات التعاون مع المؤسسات الثقافية الرائدة في العالم والمنطقة العربية، بما يسهم في تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030.

معيلات غزة ينتزعن قوت أطفالهن بإرادة منهكة
معيلات غزة ينتزعن قوت أطفالهن بإرادة منهكة

Independent عربية

timeمنذ 5 أيام

  • Independent عربية

معيلات غزة ينتزعن قوت أطفالهن بإرادة منهكة

تتلمَّس خولة رؤوس أطفالها بحنِّية ثم خرجت وإياهم من الخيمة التي يعيشون فيها إلى مكان الفرن، تخاطبهم قائلة "أحمد، عليك جمع الحطب، وأنت يا تامر أشعل النار لنبدأ في خبز الأرغفة وتوزيعها للناس، أما أمل فستتولى مهمة المحاسبة". بعدما فقدت خولة زوجها في الحرب الإسرائيلية على غزة وجدت أسرتها بلا معيل وتعقدت حياتها كثيراً، إذ باتت عاجزة عن تلبية حاجات صغارها، واضطرت إلى العمل لمواجهة ظروف الحرب القاسية أسوة بباقي نساء غزة. فرن من طين تقول خولة "أصبح صغاري بلا معيل يعينهم على توفير أدنى حاجاتهم اليومية، وحينها وجدت نفسي أمام تحديات صعبة، وقررت العمل في أي شيء، واليوم أدير مشروعاً صغيراً، إنه فرن من طين أخبز عليه أرغفة النازحين في مراكز الإيواء بمقابل مبلغ مادي". أصبحت خولة المعيل الوحيد لأسرتها، وتوقفها عن العمل لأي يوم يعني جوع صغارها. وتضيف "أوزع طاقتي بين حزن الفقدان والمسؤولية الثقيلة من أمور خيمة الإيواء والعمل لتوفير طعام لنا، ما أقوم به يعد محاولة للبقاء". تعمل خولة يومياً نحو 12 ساعة متواصلة، وتوضح أنها تواجه أزمات مركبة بعد موت زوجها، لا سيما بعدما اشتد الحصار وتوقفت المساعدات وارتفعت أسعار البضائع، وهذه أسباب جعلتها غير قادرة على إطعام أطفالها. تواجه النساء صراعاً نفسياً مرهقاً بسبب فقدانهن أزواجهن أو أبناءهن (أ ف ب) تعجن الطحين للنازحين أما نرمين فهي تبدأ يومها قبل شروق الشمس، فتذهب للوقوف في طوابير التكايا للحصول على وجبة طعام واحدة، ثم تتجه لعجن العجين لجاراتها مقابل أجر مادي بسيط، تقول "تعرضت لصدمة حقيقية غيرت مجرى حياتي حين بُترت قدم زوجي نتيجة قصف إسرائيلي، بعدها باتت أسرتي بلا معيل". وتضيف "هذا الأمر دفعني للعمل في عجن الطحين للنازحين مقابل أجر مادي، الأموال التي أحصل عليها أشتري ما يحتاج إليه صغاري من مستلزمات وأشتري الدواء لزوجي، وأعمل في ظروف صعبة للغاية". لم تعمل نرمين يوماً في حياتها، وكانت ربة منزل، لكن فجأة وجدت نفسها المسؤولة الوحيدة عن أربعة أطفال، وتوضح "في البداية، كنت أعيش على المساعدات، لكنها لم تكن كفيلة بتوفير حاجاتنا اليومية، الأمر ليس سهلاً، لذلك اضطررت إلى العمل". ضاعفت الحرب نسب الفقر لتصل إلى 98 في المئة في صفوف النساء (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة) خياطة اتجهت سمية للعمل في الخياطة لمساعدة زوجها على تلبية حاجات أسرتهما، وتقول "ارتفعت أسعار البضائع 4000 ضعف ثمنها الحقيقي، ولم نعد قادرين على شراء الطعام، فكرت في الأمر ووجدت نفسي مجبرة على خياطة الملابس وبيعها". تحقق سمية هامش ربح بسيطاً، وتضيف "بتنا نأكل من الأموال القليلة التي نجنيها، اليوم عمل النساء في غزة ليس لإثبات الذات، وإنما للمساهمة في إطعام الأطفال، في الحقيقة أعاني الإرهاق الشديد جراء صعوبة المواءمة بين أن أكون أماً وامرأة عاملة". تعتقد سمية أنها مجبرة على العمل لمواجهة التحديات، وتشرح "المؤسسات الإغاثية توقفت عن توزيع المساعدات الإنسانية نتيجة إغلاق المعابر ومنع إسرائيل من إدخال المساعدات لغزة، لم أجد حلولاً بهدف توفير قوت أطفالنا سوى العمل". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) شيف متعثرة قبل أيام باعت غدير آخر قطعة ذهب كانت معها، واشترت بثمنها مواد غذائية وأخذت تصنع وجبات منزلية تبيعها في الأسواق، تقول "أحاول التغلب على الغلاء الشديد الذي طاول كل شيء". لم يستمر مشروع غدير طويلاً وفشلت في مهمتها، مما دفعها للتقدم بطلب وظيفة شيف في مطبخ خيري، تضيف "أجيد الطبخ، وقد حصلت على عديد من الدورات في السابق، والحصول على راتب سيمكنني من تخفيف أزمات أسرتي". وإلى جانب التحديات الاقتصادية تواجه النساء صراعاً نفسياً مرهقاً بسبب فقدانهن أزواجهن أو أبناءهن المسؤولين بصورة مباشرة عن توفير متطلباتهن ومتطلبات عائلاتهن، وتركهن في مواجهة واقع لا يمنحهن الوقت الكافي للحزن. نساء غزة يعملن في ظروف صعبة للغاية (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة) أرامل وفقاً لبيانات المركز الفلسطينية للإحصاء (مؤسسة حكومية) فإن الحرب على غزة ضاعفت نسب الفقر لتصل إلى 98 في المئة في صفوف النساء، وتخطت نسب البطالة حاجز الـ80 في المئة، وهذه العوامل خلقت ضغطاً اقتصادياً هائلاً على الأسر، مما أجبر النسوة على العمل. يقول المتحدث باسم الصليب الأحمر في غزة هشام مهنا، "مئات آلاف الأسر في غزة باتت تحت خط الفقر، يفقد الناس حياتهم بسبب عدم توفر الغذاء، نريد أن نرى استجابة إنسانية مستقرة حتى يحدث التغيير المطلوب". وبحسب عمليات الرصد فإن 80 في المئة من النساء بدأن عملهن في الحرب بسب خسارتهن أزواجهن. تقول أماني "لا يتوقف الفقد عند خسارة الشريك فحسب، بل يبدأ بعده شكل آخر من الألم، كثير من النساء يجدن أنفسهن فجأة في مواجهة مسؤوليات لم يخطر لهن يوماً أن يحملنها وحدهن". أُجبرت أماني على العمل في تصليح الأحذية، وتضيف "تشكل مسؤولية البيت عبئاً تضاعف بعدما سقط زوجي ضحية الحرب، أجبرت كأرملة أن ألعب دور الأب والأم المربية والمعيل، فأصبحت المسؤولة الوحيدة عن تأمين الطعام والتعليم والدواء، فأطفالي في حاجة إليَّ". تفيد بيانات جهاز الإحصاء بأن 13 ألف سيدة في غزة فقدن أزواجهن في الحرب، وأصبحن المعيلات الوحيدات لأسرهن، مما زاد عليهن الأعباء الثقيلة التي يحملنها في ظل واقع اقتصادي خانق. كل يوم قتال إضافي يحمل تحدياً جديداً (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة) أسوأ أعباء تقول مديرة مركز شؤون المرأة آمال صيام "تحولت حياة النساء إلى جحيم، حياتهن عبارة عن مفاضلة بين الغذاء والدواء أو التعليم والجوع، كل يوم إضافي في القتال يحمل تحدياً جديداً، نحن نواجه تزايداً في أعداد النساء المحتاجات للدعم بعد الحرب، الأولوية الآن لتوفير برامج الاستجابة الطارئة". من جانبها تقول ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة في الأراضي الفلسطينية ماريس غيمون، "الحرب لم تكن أبداً محايدة على صعيد النوع الاجتماعي، في غزة مليون امرأة وفتاة يتحملن أعباءً تفوق قدرتهن، إنهن جائعات ومنهكات ومريضات، وعلى رغم ذلك يعملن، وإنما بصعوبة بالغة". وتضيف "كل امرأة قابلتها كانت قصة فقدان، غزة هي أكثر من مليوني قصة عن الفقدان، ولكن على رغم ذلك لاحظت أن النساء يعملن في ظروف صعبة للغاية واقتصاد منهار، إنهن يواجهن تحديات كبيرة من ضغط نفسي وإرهاق جسدي وضعف اقتصادي".

كانت هناك حياة... ليالي الخرطوم فقدت أضواءها والضجيج
كانت هناك حياة... ليالي الخرطوم فقدت أضواءها والضجيج

Independent عربية

time١٥-٠٥-٢٠٢٥

  • Independent عربية

كانت هناك حياة... ليالي الخرطوم فقدت أضواءها والضجيج

قبل اندلاع الحرب كانت الخرطوم مدينة تضج بالحياة من الصباح الباكر حتى ساعات الليل المتأخرة، لم تكن تعرف السكون، وكانت المقاهي الشعبية تنتشر في الأرجاء يرتادها الشباب والطلاب، ورائحة القهوة تعبق في كل مكان، فالجامعات كانت ممتلئة بالحركة، والأسواق لا تهدأ وبخاصة السوق العربي بوسط الخرطوم الذي يعج بالبائعين والمتسوقين، حيث تتداخل أصوات الباعة مع صفارات السيارات وضجيج الحافلات الصغيرة. فالمواصلات، على رغم الازدحام، كانت شرياناً نابضاً يربط الأحياء بعضها بعضاً، وداخل الحافلات تتعالى الأغاني عبر هواتف السائقين أو مكبرات الصوت الصغيرة، وفي الخلفية يتردد صوت الآذان خمس مرات خلال اليوم. الطالبة الجامعية ميسم صالح قالت "كانت الأجواء في الخرطوم دافئة وتسير ببساطة، ولم نكن نعرف معنى الخوف والحرب وأصوات المدافع. ولدت وترعرعت ومررت بكل الظروف داخل هذه المدينة، ولم أر منها قسوة قط". بينما يقول صالح الفكي بائع في السوق العربي منذ أكثر من 20 عاماً "كان محلي يفتح يومياً السابعة صباحاً ويغلق المغرب، والحركة في السوق العربي أشبه بالمقطوعة الموسيقية تتخللها أصوات الباعة، والكل هنا ودود على رغم ارتفاع درجات الحرارة صيفاً وشتاءً، إذ تصل في الصيف أحياناً إلى 50 درجة مئوية، لكن لا نبالي". وفي عطلات نهاية الأسبوع كان كورنيش النيل يمتلئ بالعائلات والحدائق تعج بالضجيج ويعلو صوت الغناء الشعبي في المناسبات، وكانت الخرطوم مدينة لا تعرف النوم ولا تنطفئ أنوارها ولا تهدأ أصواتها. نفايات ورماد صباح الخرطوم فقد طراوته، فالشمس تشرق على مدينة تكاد تكون فاقدة لكل ما يميزها، كما أن الشوارع التي كانت مليئة بالحركة والنشاط أصبحت مجرد فراغات واسعة يخترقها هواء راكد، وغاب الزحام واختفى صوت البائعين الذين كانوا يعرضون بضائعهم في كل زاوية، وغابت أصوات المركبات التي كانت تعج بها الطرقات. في شارع الجمهورية الذي يعد أشهر شوارع وسط الخرطوم لا تسمع خطوات المارة ولا ضحكات طلاب الجامعات، فجميع المحال مغلقة والنوافذ غطتها طبقات من التراب، بينما بعض الواجهات تحطمت وبعض المحال نهبت وتركها أصحابها كما هي، فارغة تماماً. أما السوق العربية، فأصبحت مساحتها صامتة، حيث أبواب المحال مغلقة بإحكام، والأرض مغطاة بفتات الزجاج. والباعة الذين كانوا يعرضون بضائعهم هنا اختفوا، وأصبح المكان يبدو كما لو أنه نسي الحياة، حتى موقف جاكسون في قلب الخرطوم، والذي كان يعد من أكثر الأماكن ازدحاماً أصبح اليوم مهجوراً، وأية حركة فيه تتم بحذر من أولئك الذين يغامرون أو لا يملكون خياراً آخر. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) اختفت روائح قهوة ست الشاي (اسم يطلق على المرأة أو الفتاة التي تبيع الشاي والقهوة في السودان) والعطور الشعبية، وكذلك رائحة الخبز الطازج، لتترك مكانها لرائحة الرماد والنفايات المتناثرة والدخان المتصاعد من حرائق مستعرة داخل أماكن عدة. نقاط تواصل الباحث في التراث أبو بكر قاسم قال "في ظل ما تمر به الخرطوم اليوم من تحديات، يتضح تأثير الحرب في التراث الثقافي والهوية المجتمعية للمدينة. فالخرطوم كانت دائماً مدينة تفتخر بتاريخها الثقافي الغني والمتنوع، والأسواق القديمة، مثل السوق العربية، كانت تشكل ذاكرة حية للمجتمع، إذ كانت مكاناً للتبادل التجاري والاجتماعي، تعج بالأصوات والألوان والروائح. وهذه الأماكن لم تكن مجرد أسواق، بل كانت تمثل نقاط تواصل بين الأجيال والثقافات المختلفة. كما أن الخرطوم كانت موطناً لعدد من المعالم الثقافية، مثل شارع الجمهورية وموقف جاكسون، التي كان يعبر عنها بأنها شرايين المدينة. وفي تلك الأماكن، لم تكن الحياة تقتصر على البضائع والسلع بل كانت تمثل ثقافة معينة تعكس الحراك الاجتماعي، من خلال نشاطات مثل المقاهي الشعبية، التي كانت ملتقى للشعراء والفنانين والمثقفين، والموسيقى الحية التي كانت تملأ الأجواء في الأوقات المسائية". وعما آل إليه الوضع اليوم، أفاد قاسم "اليوم، ومع دمار هذه المعالم وتدهور وضع المدينة يبدو أن الخرطوم فقدت جزءاً كبيراً من هذا التراث الحي. ومع ذلك، فإن الممارسات الثقافية التي كانت تتم في الشوارع، مثل الاحتفالات والمهرجانات الشعبية لا تزال في ذاكرة أهل المدينة. والموسيقى السودانية، على سبيل المثال، لا تزال تجد طريقها إلى قلوب الناس على رغم كل التحديات، إضافة إلى ذلك يُمكن ملاحظة المحاولات المستمرة من بعض الفئات للحفاظ على هذا التراث عبر المبادرات الشعبية الصغيرة، مثل اللقاءات الأدبية والفنية التي تنظم في أماكن غير رسمية، حفاظاً على الهوية الثقافية". من بقي؟ ولماذا؟ وسط الخراب الذي يعم المدينة، لا تزال بعض الوجوه صامدة، تمسك بالحياة على رغم كل الصعاب. والسؤال الذي يطرحه كثر، لماذا يبقى بعض داخل الخرطوم في هذه الظروف؟ هل هو تعلق بالمكان؟ أم ضرورة ملحة؟ أم قناعة بأن الخرطوم لا يمكن أن تموت ببساطة؟ الحاجة نورة سعيد، وهي من سكان حي الرياض شرق الخرطوم، قالت "لم أكن أتصور أنني سأظل هنا في ظل كل هذا الخراب. لكن كل مكان هنا يحمل ذكرى، وكل زاوية تذكرني بحكاية من الماضي. حتى في أصعب اللحظات، الخرطوم بالنسبة إلي هي بيت لا يمكن استبداله". فاطمة عبدالله ربة منزل تسكن حي الصحافة جنوب الخرطوم، مثل عدد من الآخرين، تجد نفسها متجذرة في المكان علىرغم الخوف والدمار. ولا يتعلق الأمر فقط بالوطن، بل بالذاكرة الجماعية التي لا يمكن أن تذبل. أما عبداللطيف عثمان الموظف الحكومي الذي يسكن حي الشجرة غرب الخرطوم، فأوضح "كل الناس كانوا يحثونني على الخروج، لكن لا يوجد مكان في الكوكب يشبه الخرطوم، لذلك عزمت على البقاء لأنه بمثابة مقاومة. وبعد الحرب بقائي هنا ليس فقط للمضي في العمل بل للحفاظ على هوية المدينة ومقاومتها للتدمير الذي نحاول اقتلاع جذوره". تحت القصف الحياة في الخرطوم أصبحت مليئة بالتحديات اليومية التي لم يكن من الممكن تصورها قبل أعوام قليلة. ومع تصاعد الأعمال العسكرية وتدهور الوضع الأمني، صار المواطنون يواجهون الحياة من زاوية مختلفة، زاوية مليئة بالأخطار والمجهول. ومع ذلك، يسعى كثر للعيش بأقل قدر ممكن من الألم، متأقلمين مع الظروف الجديدة ومتحدين الخوف. ومع استمرار النزاع والدمار الذي لحق بالبنية التحتية، أصبح الحصول على الماء والكهرباء أمراً بالغ الصعوبة. في عدد من الأحياء، قُطع الإمدادات بصورة كاملة، مما دفع الأسر إلى البحث عن مصادر بديلة، سواء كانت من الخزانات الصغيرة أو من المحطات الميدانية التي تقدم المياه بأسعار مرتفعة. ويقول صلاح محمد أحد سكان حي الصالحة بأم درمان "في بعض الأيام نعيش بلا ماء لأيام عدة، ونضطر لجلبها من مناطق بعيدة. والكهرباء اختفت وأحياناً نحتاج للضوء فقط ليلاً لنشعر بأننا ما زلنا على قيد الحياة، وتحولت الحياة اليومية إلى معركة من أجل الحصول على الماء والكهرباء، وهو ما يؤثر بصورة كبيرة على العائلات التي تحاول الحفاظ على حياتها الطبيعية وسط هذا الخراب". غياب الأمن أما غياب الأمن، فيجعل الحياة أكثر هشاشة. بينما تتنقل الأسر بين الأحياء والطرق شبه المهجورة، يواجهون خطر التهديدات الأمنية المتزايدة من الجماعات المسلحة. يقول أحمد إدريس "الناس أصبحوا يتجنبون الخروج من منازلهم بعد غروب الشمس. الشوارع فارغة، وكلما مررت من مكان مظلم شعرت وكأنك تحت رحمة المجهول، وفي ظل غياب الشرطة أو أي نوع من الحماية النظامية، أصبح الجيران يعتمدون على أنفسهم في حماية أحيائهم، وتنظيم دوريات حراسة ليلية". ويعد الجانب الأهم الآخر في حياة الناس تحت هذا الوضع الصعب هو الوصول إلى الطعام والدواء. ومع قصف بعض المناطق وتدمير محال البقالة أصبح من الصعب الحصول على المواد الغذائية الأساس، كما أن نقص الأدوية وارتفاع أسعارها جعلا كثيراً من المرضى يواجهون معركة البقاء على قيد الحياة. وهنا تروي منى بشير أم لثلاثة أطفال في مدينة بحري "أحياناً نضطر للعيش على الأطعمة الجافة فقط لأن الأسعار ارتفعت بصورة غير معقولة، والدواء غال جداً، وحينما يمرض أحد الأطفال نشعر بالعجز التام". على رغم هذا الصراع اليومي، يظهر في عدد من الأحياء مشهد من التضامن الشعبي بين الجيران، فكلما ازداد الوضع صعوبة زادت وتيرة التعاون بين أفراد المجتمع. وتظهر المبادرات الشعبية على صورة تبادل الطعام، ومشاركة المساعدات وتنظيم الحملات الجماعية لإعانة العائلات الأكثر ضعفاً. وتقول فاطمة عيسى من حي الخرطوم شرق "منذ بداية الحرب، أصبحنا نتعاون مع الجيران أكثر من أي وقت مضى، ونقدم الطعام لمن ليس لديهم شيء، ونتبادل الماء عندما تُقطع الإمدادات. نحن هنا من أجل بعضنا بعضاً". مرحلة فراق لكن في ظل هذا الواقع كيف ستكون الخرطوم؟ الباحث في الشؤون الاجتماعية عبدالمنعم الصادق يجيب "الخرطوم كما نعرفها انتهت. لا أقول إنها ماتت، لكن الخطر الذي يحدق بها يجعلها تتغير بصورة جذرية. نعيش في مرحلة فراق مع تاريخ طويل من العراقة والحداثة، لكن أعتقد أن الناس هنا قادرون على خلق شيء جديد، على رغم التحديات". ويتابع "الخرطوم اليوم في مرحلة دقيقة من تاريخها، إذ يختلط الحزن بالرجاء والأمل بالدمار. ومستقبلها قد يكون مجهولاً، لكنه بالتأكيد لن يكون كما كان في الماضي".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store