logo
مقامة التفاهة

مقامة التفاهة

موقع كتابات٢٤-٠٤-٢٠٢٥

لاحظ ابن قتيبة , قبل أكثر من ألف عام , أن ما يجذب الجماهير ويُغْريهم بالاستماع , إنما هو التافه بالجملة : (( القصاص على قديم الزمان , فإنهم يُمِيلون وجوه العوام إليهم , ويستدرّون ما عندهم بالمناكير والغريب والأكاذيب من الحديث , ومن شأن العوام القعود عند القاصّ , ما كان حديثه عجيبا , خارجا عن فطر العقول أو كان رقيقا يحزن القلوب ويستغزر العيون )) (ابن قتيبة , تأويل مختلف الحديث , ص279 , نقلا عن محمد اليوسفي, (فتنة المتخيل) ج2 ص17). وهي ذات المعاني التي ألحَّ عليها ابنُ الجوزي (عاش في القرن السادس الهجري) في كتابه (( تلبيس ابليس)) عندما تحدّث عن (( القُصّاص )) وغرائبهم اللاّمعقولة التي تجذب بتفاهتها وتهافتها الجماهير, ويكون الالتفاف عليهم شديدا بحجم هذه التفاهة , وهو ما يغريهم , أي القصاص , بمزيد من الغرائبية واللامعقولية , لأجتذاب أكبر قدر من الجماهير المسحورة أبدا بالوجداني/ العاطفي واللاّمعقول .
القرن الأول من الألفية الجديدة يمكن وصفه بقرن (( التناقضات )) , بحيث صعدت التناقضات فيه إلى أقصاها , بين صدام الحضارات , بين القيم الغربية والإرهاب الإسلامي , بين الثوريات المصطنعة كما جرى في (( الربيع العربي )) والشباب المتحرر, وبين الدعم المكثف والواعي لإسقاط الأنظمة العربية وتولية (( الحركات الأصولية )) للحكم , كما يمكن وصفه بقرن (( التفاهة الممنهجة )), لقد سيطرت التفاهة على العالم حتى أصبح الحديث عن الثقافة ضربا من العبث العقلي في العصر الراهن , فالإنسان الحالي لا رغبة له في التأمل والتفكير , ولا وقت له لذلك فلقد حاصره التافهون من كل حدب وصوب بالمشاهد , وحاصروه بالصور حتى أصبحت الصورة هي الوسيلة الوحيدة للتفكير , وأصبحت الكتابة غريبة في العصر الراهن وغدت الكلمات مشردة تبحث لها عن مأوي بين الأنامل فلا تجد , فقد احتلت الصورة كل المواقع.
يمكن توضيح مظاهر (( التفاهة )) التي سادت في العراق بعد ألأحتلال من خلال مانراه من أمثلة من الخطاب السياسي والإعلامي , والتركيز على التصريحات الشعبوية , والخلافات الشخصية , أو القضايا الهامشية , وانتشار أنماط استهلاكية معينة , وتراجع الاهتمام بالفنون والثقافة الجادة , أو طغيان وسائل التواصل الاجتماعي على النقاشات الهادفة , والتركيز على مشاريع غير ضرورية أو غير مستدامة بدلاً من الاستثمار في البنية التحتية والتعليم والصحة , أذ يسمح نظام الرداءة والتفاهة لإنسان تافه وجاهل بأن يتاجر في المخدرات , ويعمد إلى تبييض أمواله , فيبني مستشفى يُشغل فيه الأطباء , أو يُشيد مدرسة أو جامعة تُشغل مدرسين وأساتذة , أو يُنشئ مقاولة يُوظف فيها مهندسين , فيغدو هذا التافه النكرة رمزا وقدوة في المجتمع , لا بل صاحب الرأي والمشورة والسلطة والقول , أمرا ونهيا , بل ويصبح أيضا صاحب السيادة في الدولة , ويوجه ثقافة المجتمع مع زمرة من الإعلاميين التافهين , حتى يحقق التطبيع بين الفساد والمجتمع , لدرجة تصبح فيه الفضيلة خطيئة تستوجب العقاب , والخطيئة فضيلة الفضائل , وتغدو الطيبة حمقا , والخبث عبقرية وذكاء.
لم يذهب الوفد الإيراني إلى المفاوضات ممثلاً لطائفة دينية بل ممثلاً لدولة , ولم يذهب لمناقشة المشاكل التي يثيرها فقهاء الإسلام ( السنة والشيعة خاصة ) منذ اكثر من 1400 سنة بل ذهب لمناقشة برنامج ايران النووي , وذهب وفي جعبته خطاباً دبلوماسياً تم انتقاء مفرداته بدقة , يخلو تماماً من مفردات الهجاء التي تعودها الفقهاء وهم يلعنون ابليس ويسبون سارقي خلافة الامام علي , وصارخين في كل مناسباتهم : الموت للشيطان الأكبر , لقد ذهب الوفد الإيراني بلغة دبلوماسية مُنتقاة بدقة , وأعضاؤه يوزعون ابتساماتهم امام الكاميرات , وامام وجوه اعضاء وفد الشيطآن الاكبر دائماً (وهو تقليد خلفته دبلوماسية محمد جواد ظريف ) , ذهب ليمثل دولة , لا طائفة ( فقط التافهون الذين يذهبون إلى اجتماعاتهم الدورية في ايران , وهم يتحدثون باسم احزابهم الطائفية وميليشياتهم , وليس باسم اوطانهم ) , وذهب الوفد الإيراني ليدافع عن مشروع حياتي لا أخروي , دنيوي لا ديني , فما اصغر التافهين الذين يذهبون إلى اجتماعاتهم الدورية في إيران , وليس في جعبتهم مشروعاً وطنياً يدافعون عنه بل يذهبون لتلقي أوامر جديدة , وتعليمات عن كيفية تنفيذها , فما أتفههم .
أن الالتفاف الجماهيري الواسع حول الخرافي واللاهي والتافه والغرائبي والمضحك والمُسَلّي والفوضوي له تاريخه الذي لا يُنْكر, مقابل ضآلة جمهور الجاد والعقلاني والمتسق المنتظم في صيرورة فعل أو قول , ويؤكد المفكر الفرنسي جوستاف لوبون كثيرا ما أكّد (وخاصة في كتابيه: الآراء والمعتقدات , وسيكولوجية الجماهير) على أن الجماهير تنفر من العقلاني , والجِدّي والصادق , وتنجذب بشدة إلى الخرافي واللاّهي والعاطفي والغرائبي والفوضوي, و قديما, قال أبو الطيب المتنبي : (( لولا المَشقّة سَادَ الناسُ كُلُّهم الجُودُ يُفْقِر والإقدامُ قَتَّالُ)) .
تجسد مفهوم ((التفاهة )) , وترسخ , في سياق ما بعد الغزو ألأميركي , وتمظهر في غياب الأولويات الوطنية الحقيقية , مثل التركيز على قضايا سطحية أو خلافات هامشية , بدلاً من التنمية والإعمار والاستقرار , وتسطيح الخطاب العام , من خلال انتشار السطحية في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي , وتراجع النقاشات العميقة والهادفة ,أضافة الى طغيان المصالح الشخصية والفئوية , على حساب المصلحة العامة , والقضايا الوطنية الكبرى , وتراجع الثقافة والفنون الجادة , وبروز أشكال ترفيهية استهلاكية لا تعكس عمق وتاريخ العراق , مما عمم الشعور بالعجز واللامبالاة , كنتيجة للإحباط من الأوضاع السائدة.
لقد ساهم الغزو وما تلاه من أحداث في ظهور وتفاقم هذه (( لتفاهة )) , بسبب تفكيك المؤسسات , وتأثير ذلك على فقدان الهوية الوطنية الجامعة , والتقسيم الطائفي والعرقي , وكيف أدى إلى تشتيت الجهود والتركيز على الولاءات الضيقة , التدخلات الخارجية المستمرة , وتأثيرها على أجندة النقاش العام وصرف الانتباه عن القضايا الداخلية , والفساد المستشري , وتأثيره على فقدان الثقة وتكريس ثقافة الاستهلاك والبحث عن المكاسب السريعة , ضعف التعليم والثقافة , وتأثير ذلك على القدرة على التفكير النقدي والمشاركة الواعية في الشأن العام , وتأثيرالصدمات النفسية والاجتماعية التي خلفتها الحرب والعنف , وانعكاساتها على الأولويات والقيم.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

قناة 'جاهليون نيوز'!ميسرالسردية
قناة 'جاهليون نيوز'!ميسرالسردية

ساحة التحرير

timeمنذ 7 أيام

  • ساحة التحرير

قناة 'جاهليون نيوز'!ميسرالسردية

قناة 'جاهليون نيوز' (أول شبكة إعلامية للرأي الصائب) كتبت :ميسرالسردية المالك: أبو جهل – زعيم المعارضة ضد 'البدعة الإسلامية'، التي تهدف إلى تقويض الأمن، والاستقرار، والسلم الإقليمي. الممول الرئيسي: أبو سفيان – راعي الاقتصاد الأول والفذ! رئيس مجلس الإدارة: الوليد بن المغيرة – خبير العلاقات العامة والخطابة المضادة. رئيس التحرير: أبو لهب – متخصص في التحريض الإعلامي. برامج القناة: حديث النار (تقديم: أبو لهب وزوجته أم جميل 'حمّالة الحطب') برنامج تحليلي ساخر، يسلّط الضوء على مخاطر الدعوة الجديدة. شعراء المعلقات إحياء للتراث الجاهلي من شعر المديح والهجاء، في مواجهة 'شعراء الإسلام'. سوق عكاظ اليوم (إعداد: أبو سفيان) تقارير اقتصادية عن تداعيات مقاطعة بني هاشم على حركة التجارة الإقليمية. كفّوا عنّا حوارات مع أبو جهل، ولقاءات مع زعماء القبائل لمواجهة 'الخطر الإسلامي المحدق'. الأصنام ترد إعلانات دعائية خاصة بترميم تماثيل اللات والعُزّى، دعمًا للهوية الثقافية الأصيلة. شعار القناة: 'إعلام… يُحرّك الصخر قبل أن يُحرّك العقل!' لا نبحث عن التميز، إنما نراهن على الحقيقة. ملاحظة تحريرية: من خلال برامجها المتنوعة، تسعى قناة جاهليون نيوز إلى دحض ما يُسمّى بـ'الدعوة المحمدية' والرسالة التحررية المزعومة، وتكريس منظومة العبودية. كما وتهدف إلى العمل على تحقيق الرفاه الاقتصادي المستمر، القائم على تجارة الخمور والرقيق والجواري. و ذلك عبر التأثير المباشر في الجمهور المستهدف من المنافقين، والانتهازيين، والمغفّلين في كافة أرجاء الصحراء.

كلمات خالدة لقائد الثورة عن سيد الشهداء ونهضة عاشوراء
كلمات خالدة لقائد الثورة عن سيد الشهداء ونهضة عاشوراء

اذاعة طهران العربية

time١١-٠٥-٢٠٢٥

  • اذاعة طهران العربية

كلمات خالدة لقائد الثورة عن سيد الشهداء ونهضة عاشوراء

وهنا 20 توصية ونقطة مهمة نذكرها كالتالي: توجد في حياة الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) نقطة بارزة، كالقمة التي تطل على كل المنحدرات، وهي عاشوراء. في الواقع فإن من أهم مميزات المجتمع الشيعي على غيره من المجتمعات الإسلامية هو تمتعه بذكرى عاشوراء. إن من أعظم النعم، هي نعمة ذكر الحسين بن علي (عليه السلام)، أي نعمة مجالس العزاء، نعمة محرم، نعمة عاشوراء عند المجتمع الشيعي. مجالس من أجل النمو الروحي ينبغي للمؤمنين أن يقدروا مجالس العزاء، يغتنموها، وأن يتخذوها روحا وقلبا وسيلة لتوثيق الصلة والرابطة بينهم وبين الحسين بن علي (عليه السلام)، وأهل بيت النبي (ص)، روح الإسلام والقرآن. إذا فتحتم كتاب "َ نَفَس المهموم" للمرحوم " الشيخ عباس القمي" لتذكر المأساة وقرأتموه بصوت عال، فسوف يجلب الدموع إلى عيون المستمعين ويخلق نفس المشاعر المتفجرة. لماذا يجب علينا أن نفعل شيئاً حسب خيالنا لتزيين مجالس العزاء، من شأنه أن يبقيها بعيداً عن فلسفتها الحقيقية؟. نصيحة لمنشدي القصائد العاشورائية عندما ننشد الأشعار، يجب أن نفكر في كيف ستساهم في زيادة إيمان مخاطبينا. لذا، نحن لا ننشد كل شعر؛ نحن لا نختار أي قراءة؛ نحن ننشد بطريقة تجعل الكلمات والمعنى واللحن كلها مؤثرة. في ماذا؟ في زيادة إيمان الجمهور. هناك بعض الأمور التي عندما يتم فعلها، تقرب الإنسان من الله والدين الحنيف. ومن بين تلك الأشياء هي إقامة مراسم العزاء التقليدي التي تقرب الناس من الدين. وكما قال الإمام الخميني (ره): " أقيموا العزاء التقليدي" فيكون لأجل هذا التقرب. إن الجلوس في مجالس العزاء، قراءة المراثي، البكاء، لطم الرأس والصدر، وإقامة مواكب و مجالس العزاء هي من الأمور التي تهيّج مشاعر العامة تجاه أهل بيت النبي (ص)، وهي حسنة جداً. مهما فكرت في الأمر، أدركت أنني (قائد الثورة الإسلامية) لا أستطيع إلا أن أبلغ شعبنا الحبيب بهذا الأمر - التطبير وهو ضرب الرؤوس بالسيوف - وهو بالتأكيد جريمة وبدعة. لا تفعلوا هذا. أنا لست راضيا بهذا الأمر. إذا تظاهر شخص ما بأنه ينوي ضرب رأسه (التطبير)، فأنا أشعر باستياء شديد منه. أود أن أشكر جميع الإخوة والأخوات الذين أقاموا العزاء الحسيني بهذه الأيام في كافة أنحاء البلاد من خلال إقامة مراسم العزاء، خاصة إقامة صلاة الجماعة في ظهر يوم عاشوراء والتعبير عن ولائهم لآل البيت عليهم السلام. لا ينبغي أن ننسى دروس عاشوراء لا ينبغي للأمة الإسلامية والمجتمع الإسلامي أن يغفلا عن واقعة عاشوراء باعتبارها عبرة وراية للهداية. إن الإسلام حي مع عاشوراء ومع الحسين بن علي (عليه السلام). فلنحذر من استشهاد الإمام الحسين (ع) مرة أخرى إذا ترك الناس طريق الله من أجل إنقاذ أنفسهم ولم يقولوا الحقيقة عندما يجب عليهم ذلك، لأن حياتهم في خطر، أو بسبب مناصبهم أو وظائفهم أو أموالهم أو حبهم لأطفالهم أو أهلهم أو أقاربهم أو أصدقائهم، فإن الحسين بن علي (ع) سيذهب إلى مقتله في كربلاء ويُسحب إلى مكان ذبحه. الإمام الحسين (ع) محيي الإسلام ولولا التضحية العظيمة للإمام الحسين بن علي (عليه السلام) التي أيقظت وأنارت ضمير التاريخ بالكامل، لتفكك دين الإسلام بالكامل في القرن الأول أو نصف القرن الثاني الهجري. الإمام الحسين (ع) ضد عالم الكفر والفساد يمكن تشبيه ما قام به الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء ومقارنته بعمل جده النبي الأكرم محمد بن عبد الله (ص) في البعثة. النقطة هي هذه. وكما واجه النبي (ص) الدنيا وحيدا هناك، فواجه الإمام الحسين (ع) الدنيا وحيداً أيضاً في واقعة كربلاء. لماذا قتل الإمام الحسين (ع) سبط رسول الله؟ العبرة هنا هي أن ينظر الإنسان ماذا حدث للإمام الحسين بن علي (عليه السلام) نفس الطفل الذي عظمه النبي (ص) أمام الناس، والذي قال عنه (ص): « سيد شباب أهل الجنة ». قتل " سيد شباب أهل الجنة" - بعد نصف قرن من زمن النبي (ص) في تلك الواقعة المأساوية؟!. لنتعرف على الإمام الحسين (ع) بشكل كامل لا ينبغي أن يعرف الإمام الحسين (ع) بمعركة عاشوراء فقط؛ وهو جزء من جهاده (ع) . ولا بد من التعرف على تبيينه، أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، شرحه لمختلف القضايا في منى وعرفات، خطابه للعلماء، وخطابه للنخب. تكون لسيد الشهداء أقوال عجيبة مسجلة في الكتب ـ ثم يجب التعرف عليه في طريقه إلى كربلاء، في صعيد كربلاء وساحة كربلاء نفسها. فلنتعلم أن كل شيء يمكن ويجب أن يُبذل من أجل الحفاظ على الدين والحقيقة. إن لعاشوراء رسائل ودروس. تُعلم عاشوراء أنه يجب تقديم التضحيات من أجل الحفاظ على الدين. تعلمنا أنه في طريق القرآن يجب القيام بالتضحية والفداء. تعلمنا أنه يقف الصغير والكبير، الرجل والمرأة، الشيخ والشاب، الشريف والضعيف، الإمام والرعية، معا في صف واحد. درس في الشجاعة والحب مما لا شك فيه أن درس عاشوراء هو درس التضحية، التقوى، الشجاعة، الرحمة، درس قيام الله، ودرس الحب والمودة. ومن إحدى دروس عاشوراء هي هذه الثورة العظيمة والكبيرة التي قمتم بها أيها الشعب الإيراني خلف حسين الزمان (الإمام الخميني) وابن أبي عبد الله الحسين (عليه السلام). وهذا في حد ذاته كان أحد دروس عاشوراء. الدم ينتصر على السيف لقد قدم إمامنا العظيم (الإمام الخميني) شهر محرم بأنه الشهر الذي ينتصر فيه الدم على السيف، وببركات هذا الشهر جعل الدم ينتصر على السيف بنفس التحليل والمنطق. وهذا نموذج من مظاهر بركات شهر محرم ومجالس الذكر والتذكير للإمام الحسين (عليه السلام) التي شاهدتموها. إن درس الحسين بن علي (عليه السلام) للأمة الإسلامية هو أنه من أجل الحق، من أجل العدل، من أجل إقامة العدل، ومن أجل مواجهة الظلم، يجب أن نكون مستعدين دائماً، ويجب أن نبرز وجودنا في المقدمة. وعلى هذا المستوى وعلى هذا المقياس، ليس بوسعنا أن نقوم بهذا الأمر؛ ولكن على مستويات تتناسب مع وضعنا أذواقنا وعاداتنا، يجب علينا أن نتعلم الاستعداد والجهوزية. اللهم نقسم بك وبالحسين وزينب (عليهما السلام) أن تجعلنا من أوليائهما، أعوانهما وأتباعهما. اللهم اجعل محيانا محيا الحسين ومماتنا ممات الحسين. اللهم احشر إمامنا العظيم (الإمام الخميني) الذي هدانا على هذا الطريق مع شهداء كربلاء.

مقامة التفاهة
مقامة التفاهة

موقع كتابات

time٢٤-٠٤-٢٠٢٥

  • موقع كتابات

مقامة التفاهة

لاحظ ابن قتيبة , قبل أكثر من ألف عام , أن ما يجذب الجماهير ويُغْريهم بالاستماع , إنما هو التافه بالجملة : (( القصاص على قديم الزمان , فإنهم يُمِيلون وجوه العوام إليهم , ويستدرّون ما عندهم بالمناكير والغريب والأكاذيب من الحديث , ومن شأن العوام القعود عند القاصّ , ما كان حديثه عجيبا , خارجا عن فطر العقول أو كان رقيقا يحزن القلوب ويستغزر العيون )) (ابن قتيبة , تأويل مختلف الحديث , ص279 , نقلا عن محمد اليوسفي, (فتنة المتخيل) ج2 ص17). وهي ذات المعاني التي ألحَّ عليها ابنُ الجوزي (عاش في القرن السادس الهجري) في كتابه (( تلبيس ابليس)) عندما تحدّث عن (( القُصّاص )) وغرائبهم اللاّمعقولة التي تجذب بتفاهتها وتهافتها الجماهير, ويكون الالتفاف عليهم شديدا بحجم هذه التفاهة , وهو ما يغريهم , أي القصاص , بمزيد من الغرائبية واللامعقولية , لأجتذاب أكبر قدر من الجماهير المسحورة أبدا بالوجداني/ العاطفي واللاّمعقول . القرن الأول من الألفية الجديدة يمكن وصفه بقرن (( التناقضات )) , بحيث صعدت التناقضات فيه إلى أقصاها , بين صدام الحضارات , بين القيم الغربية والإرهاب الإسلامي , بين الثوريات المصطنعة كما جرى في (( الربيع العربي )) والشباب المتحرر, وبين الدعم المكثف والواعي لإسقاط الأنظمة العربية وتولية (( الحركات الأصولية )) للحكم , كما يمكن وصفه بقرن (( التفاهة الممنهجة )), لقد سيطرت التفاهة على العالم حتى أصبح الحديث عن الثقافة ضربا من العبث العقلي في العصر الراهن , فالإنسان الحالي لا رغبة له في التأمل والتفكير , ولا وقت له لذلك فلقد حاصره التافهون من كل حدب وصوب بالمشاهد , وحاصروه بالصور حتى أصبحت الصورة هي الوسيلة الوحيدة للتفكير , وأصبحت الكتابة غريبة في العصر الراهن وغدت الكلمات مشردة تبحث لها عن مأوي بين الأنامل فلا تجد , فقد احتلت الصورة كل المواقع. يمكن توضيح مظاهر (( التفاهة )) التي سادت في العراق بعد ألأحتلال من خلال مانراه من أمثلة من الخطاب السياسي والإعلامي , والتركيز على التصريحات الشعبوية , والخلافات الشخصية , أو القضايا الهامشية , وانتشار أنماط استهلاكية معينة , وتراجع الاهتمام بالفنون والثقافة الجادة , أو طغيان وسائل التواصل الاجتماعي على النقاشات الهادفة , والتركيز على مشاريع غير ضرورية أو غير مستدامة بدلاً من الاستثمار في البنية التحتية والتعليم والصحة , أذ يسمح نظام الرداءة والتفاهة لإنسان تافه وجاهل بأن يتاجر في المخدرات , ويعمد إلى تبييض أمواله , فيبني مستشفى يُشغل فيه الأطباء , أو يُشيد مدرسة أو جامعة تُشغل مدرسين وأساتذة , أو يُنشئ مقاولة يُوظف فيها مهندسين , فيغدو هذا التافه النكرة رمزا وقدوة في المجتمع , لا بل صاحب الرأي والمشورة والسلطة والقول , أمرا ونهيا , بل ويصبح أيضا صاحب السيادة في الدولة , ويوجه ثقافة المجتمع مع زمرة من الإعلاميين التافهين , حتى يحقق التطبيع بين الفساد والمجتمع , لدرجة تصبح فيه الفضيلة خطيئة تستوجب العقاب , والخطيئة فضيلة الفضائل , وتغدو الطيبة حمقا , والخبث عبقرية وذكاء. لم يذهب الوفد الإيراني إلى المفاوضات ممثلاً لطائفة دينية بل ممثلاً لدولة , ولم يذهب لمناقشة المشاكل التي يثيرها فقهاء الإسلام ( السنة والشيعة خاصة ) منذ اكثر من 1400 سنة بل ذهب لمناقشة برنامج ايران النووي , وذهب وفي جعبته خطاباً دبلوماسياً تم انتقاء مفرداته بدقة , يخلو تماماً من مفردات الهجاء التي تعودها الفقهاء وهم يلعنون ابليس ويسبون سارقي خلافة الامام علي , وصارخين في كل مناسباتهم : الموت للشيطان الأكبر , لقد ذهب الوفد الإيراني بلغة دبلوماسية مُنتقاة بدقة , وأعضاؤه يوزعون ابتساماتهم امام الكاميرات , وامام وجوه اعضاء وفد الشيطآن الاكبر دائماً (وهو تقليد خلفته دبلوماسية محمد جواد ظريف ) , ذهب ليمثل دولة , لا طائفة ( فقط التافهون الذين يذهبون إلى اجتماعاتهم الدورية في ايران , وهم يتحدثون باسم احزابهم الطائفية وميليشياتهم , وليس باسم اوطانهم ) , وذهب الوفد الإيراني ليدافع عن مشروع حياتي لا أخروي , دنيوي لا ديني , فما اصغر التافهين الذين يذهبون إلى اجتماعاتهم الدورية في إيران , وليس في جعبتهم مشروعاً وطنياً يدافعون عنه بل يذهبون لتلقي أوامر جديدة , وتعليمات عن كيفية تنفيذها , فما أتفههم . أن الالتفاف الجماهيري الواسع حول الخرافي واللاهي والتافه والغرائبي والمضحك والمُسَلّي والفوضوي له تاريخه الذي لا يُنْكر, مقابل ضآلة جمهور الجاد والعقلاني والمتسق المنتظم في صيرورة فعل أو قول , ويؤكد المفكر الفرنسي جوستاف لوبون كثيرا ما أكّد (وخاصة في كتابيه: الآراء والمعتقدات , وسيكولوجية الجماهير) على أن الجماهير تنفر من العقلاني , والجِدّي والصادق , وتنجذب بشدة إلى الخرافي واللاّهي والعاطفي والغرائبي والفوضوي, و قديما, قال أبو الطيب المتنبي : (( لولا المَشقّة سَادَ الناسُ كُلُّهم الجُودُ يُفْقِر والإقدامُ قَتَّالُ)) . تجسد مفهوم ((التفاهة )) , وترسخ , في سياق ما بعد الغزو ألأميركي , وتمظهر في غياب الأولويات الوطنية الحقيقية , مثل التركيز على قضايا سطحية أو خلافات هامشية , بدلاً من التنمية والإعمار والاستقرار , وتسطيح الخطاب العام , من خلال انتشار السطحية في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي , وتراجع النقاشات العميقة والهادفة ,أضافة الى طغيان المصالح الشخصية والفئوية , على حساب المصلحة العامة , والقضايا الوطنية الكبرى , وتراجع الثقافة والفنون الجادة , وبروز أشكال ترفيهية استهلاكية لا تعكس عمق وتاريخ العراق , مما عمم الشعور بالعجز واللامبالاة , كنتيجة للإحباط من الأوضاع السائدة. لقد ساهم الغزو وما تلاه من أحداث في ظهور وتفاقم هذه (( لتفاهة )) , بسبب تفكيك المؤسسات , وتأثير ذلك على فقدان الهوية الوطنية الجامعة , والتقسيم الطائفي والعرقي , وكيف أدى إلى تشتيت الجهود والتركيز على الولاءات الضيقة , التدخلات الخارجية المستمرة , وتأثيرها على أجندة النقاش العام وصرف الانتباه عن القضايا الداخلية , والفساد المستشري , وتأثيره على فقدان الثقة وتكريس ثقافة الاستهلاك والبحث عن المكاسب السريعة , ضعف التعليم والثقافة , وتأثير ذلك على القدرة على التفكير النقدي والمشاركة الواعية في الشأن العام , وتأثيرالصدمات النفسية والاجتماعية التي خلفتها الحرب والعنف , وانعكاساتها على الأولويات والقيم.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store