logo
نيويورك- دمشق- دبي... سيميائية الأبراج العالية

نيويورك- دمشق- دبي... سيميائية الأبراج العالية

الميادينمنذ 10 ساعات

بعد انهيار أبراج التجارة في نيويورك، كتب المفكر الفرنسي جان بودريار نصاً فلسفياً مذهلاً بعنوان "ذهنية الإرهاب"، وبسببه، اتهمه اليمين الفرنسي آنذاك بدعم الإرهاب.
شرح بودريار في نصه حينذاك سيميائية انهيار برجي التجارة في نيويورك، ووضع إصبعه بدقة على جرح التناقض الوجداني الذي عاشه الناس، فهم من جهة ليسوا مع قتل المدنيين، ومن جهة أخرى، كان انهيار "البرجين التوأمين" يعني القدرة على الانتقام من فائض القوة الأميركية أو حتى خدشها، وكتب بودريار حينها " لقد فعلوها، ونحن بكل تواطؤ مضمر، أردناها" ..
مثلت أبراج التجارة في ذهن الناس، القوة المالية الأميركية، وول ستريت، استنزاف ثروات العالم ومقدراته، التبادل غير المتكافئ في الاقتصاد العالمي، الحرمان من التنمية المستقلة، المصير الاقتصادي المعلّق بإيقاع البورصة، حلم العودة إلى نقطة الصفر في الديون في فيلم "نادي القتال" لـلمخرج ديفيد فينشر وبطولة إدوارد نورتن وبراد بت.
وكأن الأبراج العالية مصمّمة دائماً لحمل الدلالات الأبعد؛ فمؤخراً تناقلت وسائل الإعلام طلباً للشرع لصفقة تضم بناء برج في دمشق باسم ترامب.
"برج ترامب"، هذا هو اسمه؛ لتكون زيارته أو المرور بجانبه تثير الحقائق المرتبطة بالاسم؛ اتفاقات أبراهام، الرغبة في ضمّ سوريا إليها، نقل السفارة الأميركية إلى القدس، صفقة القرن، الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل، الابتزاز المالي، ازدراء العرب...
في سوريا، لا توجد الأبراج الحداثوية بكثرة، وثمة تداخل خفي هنا بين السيادة والحداثة، فأغلب الدول (تحديداً في منطقتنا) التي اختارت مسار السيادة، وتعرّضت للعقوبات، وحُرمت الاستثمارات، تتراجع فرص مشاهدة أبراج من هذا النوع فيها، فيكون غياب الأبراج عنها دلالة سيميائية للعقوبة، ولكن أيضاً السيادة ! اليوم 09:37
19 أيار 09:03
ينتمي بودريار إلى مدرسة فكرية مشابهة للمدرسة التي انتمى إليها مفكر فرنسي آخر، تحدّث عنه ألكسندر ديوغين كمشخّص دقيق للحالة الأوروبية، وهو "غي ديبور"، صاحب كتاب "مجتمع الفرجة"، والذي كان معادياً لمشاهد الحداثة التي لا تنعكس على حياة الناس اليومية؛ وكان يقول " لا معنى للأبراج التي ينظر إليها الناس، ولا يستطيعون العيش فيها". آخر ما يلزم السوريين الآن، برج حداثوي في دمشق، مهما كان اسمه !
ضمن دائرة اهتماماته العقارية، احتلّت الأبراج مكانة مميزة في مشاريع ترامب، وتقدّم الأبراج بارتفاعاتها الشاهقة الرضا النفسي الذي يبحث عنه رجل، اتفق تيار واسع من علماء النفس الأميركيين، على تشخيصه بالنرجسية المرضية. لذلك، برج ترامب في سوريا لن يكون حدثاً تجارياً جديداً، فأبراج ترامب استكملت وقوفها في عدد من دول العالم، في تركيا والهند والفيليبين، ناهيك عن الأبراج في الولايات المتحدة نفسها. لكن ترامب بات يبحث عن رمزية إضافية تمنحه إياها الأبراج الجديدة، الرمزية خارج الإطار التجاري باتجاه الإطار السياسي، وهذا ما يمكن أن يميز "برج ترامب" في دمشق !
يسير ماسك على سكة موازية لترامب في رمزية الأبراج، فالرجل المهووس بالصناعات التكنولوجية، يفضّل دبي على دمشق، وقبل 3 سنوات من لحظة الحديث عن برج لترامب في دمشق، تحدّث إيلون ماسك عن برج باسمه في دبي، أعلى من برج خليفة، وحجمه يعادل 3 مبانٍ من البنتاغون، وكأنه يريد أن يقول "نحن رجال التكنولوجيا سنحكم هذا العالم، نحن الكهنة الجدد في العصر الجديد، ومنشآتنا كاتدرائياته، ونحن أيضاً العلامة المسجلة الأقوى للمدن الكوزموبوليتية".
ماي، إيرول، كيمبال، عائلة إيلون ماسك، التي تحدثت أكثر من مرة عن برج ماسك، فالاسم الأخير للبرج يجعل من الرمزية عائلية بامتياز؛ لتعطي دلالة أخرى؛ فإذا كانت هنالك سمة لحكم العائلة في الشرق، فمن الأفضل أن تكون العائلة الأميركية حاضرة أيضاً !
في فيلم V for vendetta الصادر عام 2005، تدور الأحداث حول فكرة محاولة تغيير الواقع السياسي عبر إسقاط عدد من المباني، واعتبر عدد من الناقدين السينمائيين آنذاك، أن الفيلم يحاكي وجدان معارضة شرسة ضد موجة اليمين المتشدد في الولايات المتحدة وبريطانيا.
بطل الفيلم الذي يرتدي قناع جاي فوكس(الذي ترتديه مجموعات احتجاجية متعددة في العالم، إلى جانب قناع دالي)، يقول في المراحل الأخيرة قبيل لحظة التفجير في الخامس من نوفمبر:
" المبنى رمز، وكذلك فعل تدميره، الرموز تستمد قوتها من الناس" !

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

من "شيطان أكبر" الى أميركا... معركة أحمد الشرع الكبرى التي قد لا تكون بدأت بعد؟؟؟
من "شيطان أكبر" الى أميركا... معركة أحمد الشرع الكبرى التي قد لا تكون بدأت بعد؟؟؟

القناة الثالثة والعشرون

timeمنذ 11 دقائق

  • القناة الثالثة والعشرون

من "شيطان أكبر" الى أميركا... معركة أحمد الشرع الكبرى التي قد لا تكون بدأت بعد؟؟؟

صافح الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرئيس السوري أحمد الشرع الأسبوع الفائت، وأعلن بدء مسار رفع العقوبات عن سوريا، وهو ما أتى متزامناً مع تحليق ترامب نفسه في المنطقة من دون أن يعرّج على إسرائيل، التي يؤكد أكثر من معطى أن الدول الخليجية باتت دائرة استقطاب بالنّسبة الى الإدارة الأميركية، أكثر منها. ليست عادية فتريليونات ترامب الخليجية ليست مسألة عادية، وما يرشح من تباينات بين إدارة ترامب وتل أبيب، ليست عادية أيضاً، ومصافحة الرئيس الأميركي رئيس سوريا (الشرع) الخارج من كهوف القتال والجهاد ضد الأميركيين ومصالحهم في الأراضي العربية والإسلامية في الماضي، وتحت عنوان "أمريكا أمريكا أنتِ الشيطان الأكبر"، (المصافحة) برعاية خليجية، ليست عادية أيضاً، وهي تفتح الأبواب لأسئلة عدة بالنسبة الى المستقبل. من "القاعدة" الى أميركا؟ فهل يدخل أحمد الشرع التاريخ، ليس فقط كعنصر سابق في تنظيم "القاعدة"، حكم سوريا ونقلها من دروب العقوبات الغربية الى أزمنة التطور والحداثة، برعاية خليجية، بل كعنصر سابق في "القاعدة"، عمل على إعادة أدلجة الكثير من الجماعات والعناصر الجهادية الناشطة على الأرض السورية، وضمن مدى إقليمي أوسع ربما، وعلى نقلها من زمان "أمريكا أمريكا أنتِ الشيطان الأكبر"، الى زمن التنسيق والتعاون مع الأميركيين، بإسم المصالح المشتركة، وبرعاية خليجية؟ والى متى يمكن لهذا الزمان أن يدوم؟ المصالح... أشار النائب السابق محمد الحجار الى أن "ما يحكم سياسة الدول عموماً، ودولة عظمى كالولايات المتحدة الأميركية خصوصاً، هو مصالحها، وليس أي شيء آخر". ولفت في حديث لوكالة "أخبار اليوم" الى أن "الدول العظمى تعتمد سياسة الكيل بمكيالَيْن، ولا تمارس دورها لتمنع الظلم وانتهاك حقوق الإنسان بحق أي طرف في العالم، وهي ترفع شعار حقوق الإنسان غب الطلب وكوصفة جاهزة. ونحن نتذكّر جيداً مواقفها الأساسية بشأن القضية الفلسطينية، وكيف كانت شاهدة على المجازر التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة". الاستقرار وذكّر الحجار بأن "من أطاح بالنظام السوري السابق هي مجموعات عانت الكثير، وفقدت الكثير بسببه، وبعدما ظلّ قابعاً على قلوب السوريين وصدورهم لأكثر من 50 عاماً. وأما الولايات المتحدة الأميركية من جهتها، فهي ربما تجد مصلحة لها بالمواقف التي تعتمدها بالشأن السوري اليوم. ولكن يبقى الأمل بأن تثمر مواقفها في دعم الاستقرار السوري المُهدَّد من أطراف عدة، داخلياً وخارجياً". وأضاف:"مواقف الجماعات التي حاربت بسوريا في الماضي والتي تحكمها اليوم، هي مواقف عقائدية بحتة. ولا تزال الأمور قيد الاختبار والمراقبة من الجهتَيْن، سواء من جانب تلك الجماعات، أو من جانب الولايات المتحدة الأميركية أيضاً. هذا مع العلم أنه من الضروري جداً لتلك الجماعات أن تجعل مصلحة سوريا متقدمة على أي أمر آخر". وختم مُوجِّهاً "تحية للمملكة العربية السعودية التي تحاول أن تزرع الاستقرار في كل أرجاء المنطقة العربية، والوطن العربي، والتي تحاول أن تنزع فتائل التفجير القابِلَة للانفجار في أي لحظة، إذا وجدت من يُشعِل الفتيل". أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم" انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

ترامب: لا أتوقع "أي نتيجة" من قضية جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل ضد إسرائيل
ترامب: لا أتوقع "أي نتيجة" من قضية جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل ضد إسرائيل

LBCI

timeمنذ 14 دقائق

  • LBCI

ترامب: لا أتوقع "أي نتيجة" من قضية جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل ضد إسرائيل

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه لا "يتوقع" أي نتيجة من قضية جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل. وكان ترامب يتحدث إلى جانب رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامابوسا في البيت الأبيض.

مقدّمة النشرة المسائيّة 21-05-2025
مقدّمة النشرة المسائيّة 21-05-2025

LBCI

timeمنذ 28 دقائق

  • LBCI

مقدّمة النشرة المسائيّة 21-05-2025

لكي تنجح الولايات المتحدة في نقل الشرق الأوسط من ساحة نزاع إلى منطقة استقرار وازدهار،عليها وقف الحروب الطائفية والقومية، والتوصل إلى حل للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي. في سوريا، تحركت واشنطن تحت عنوان حماية الأقليات ومواجهة داعش وإيران، وفي غزة،حاولت الضغط على إسرائيل لوقف الحرب، لكن بنيامين نتنياهو لم يرضخ لها حتى الآن. على خط المحاولات الاميركية هذه, يدخل اليوم الأوروبيون وعلى رأسهم فرنسا، والعرب وعلى رأسهم السعودية. والأنظار تتجه إلى مؤتمر رئاسي في الأمم المتحدة، يُعقد في نيويورك في 17 حزيران، ويُتوقع أن تعلن في خلاله فرنسا ودول عربية، اعترافها بدولة فلسطين، من دون اتفاق مع إسرائيل. المؤتمر يُمهَّد له في باريس،ويتزامن مع تصاعد الضغوط الأوروبية على تل أبيب. والسؤال:هل تمانع واشنطن هذا المسار،أم تستغله لتضغط على إسرائيل،وتعيدَ تحريك اتفاقيات أبراهام؟ لبنان معني بشكل مباشر بما يحصل،مع تزايد الضغط الأميركي والسعودي عليه لنزع سلاح حزب الله في جنوبي الليطاني وشماله فورا, وهذا محور مباحثاتٍ عقدها كل من مورغان اوراتغوس ويزيد بن فرحان وممثلٌ عن الاليزيه الاحد, بحسب معلومات للـLBCI. أما ملف السلاح الفلسطيني على ارضه، وهو محور مباحثات الرئيس محمود عباس في بيروت، فسيُحال إلى لجنة لبنانية–فلسطينية تضم وزراءَ وسفراء وأمنيين ومدنيين، ستبحث في معالجته بدءا بالسلطة الفلسطينية، إلى سائر الفصائل، تمهيداً لتحييد من يرفض التسليم، والتعاملِ معه وفق مقتضيات المرحلة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store