logo
شيخ الأزهر بين ضغوط الدولة ونداء الضمير: صرخة محذوفة من أجل مأساة غزة

شيخ الأزهر بين ضغوط الدولة ونداء الضمير: صرخة محذوفة من أجل مأساة غزة

إيطاليا تلغراف
عبد الله مشنون
كاتب صحفي مقيم بايطاليا
في خضم واحدة من أشدّ الأزمات الإنسانية التي عرفها القرن الحادي والعشرين، خرج الأزهر الشريف ببيان غير مسبوق، يعكس موقفًا أخلاقيًا وإنسانيًا صارخًا تجاه ما يجري من تجويع وقتل جماعي ممنهج في قطاع غزة، ثم سُرعان ما سُحب البيان، في مشهد يلخص بدقة مفارقة الواقع العربي: حيث تُكتم الكلمة حين تصدح بالحق، ويُخنق الضمير حين ينهض مدافعًا عن المظلومين.
المعلومة التي تسربت من أكثر من مصدر تؤكد أن جهات عليا في الدولة المصرية طلبت من شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب سحب البيان بزعم أنه 'يُربك المسار الدبلوماسي' المصري في التعاطي مع القضية الفلسطينية. ورغم أن البيان نُشر فعليًا على منصات إعلامية رسمية وشبه رسمية، إلا أنه اختفى فجأة، مع وعد بإعادة نشره بعد 'تعديلات'، وهو ما لم يتم حتى الآن.
هذه الحادثة ليست هامشية، بل تختصر معضلة أعمق تعيشها المؤسسات الدينية في العالم العربي: هل ما زال يُسمح لها بلعب دورها الأخلاقي المستقل؟ أم أنها باتت ذراعًا ناعمة تُستخدم ضمن حدود ما تسمح به الحسابات السياسية الضيقة؟
الأزهر الشريف بين الأمانة الشرعية والضغط السياسي للدولة.
البيان المحذوف، رغم عدم اكتمال تداوله، حمل لغة واضحة لا تحتمل التأويل. فقد وصف الجرائم التي يرتكبها الاحتلال في غزة بأنها 'إبادة جماعية مكتملة الأركان'، وأكد أن التجويع والقصف واستهداف المستشفيات والنازحين ليست سوى مظاهر منسقة لسياسة متعمدة لإبادة المدنيين.
لم يكن البيان سياسيًا، بل شرعيًا وأخلاقيًا. وقد أعلن الأزهر فيه براءته أمام الله من 'الصمت العالمي المريب'، ومن 'كل من يقبل بتهجير أهل غزة أو يبرر حصارهم أو يمد المعتدي بالسلاح أو الدعم السياسي.'
إنها كلمات ليست خفيفة في ميزان السياسة، لكنها جوهر رسالة المؤسسة التي يفترض بها أن تتحدث حين يصمت الآخرون. فما الداعي إذًا إلى سحب مثل هذا البيان؟ وهل أصبحت حرية الضمير مشروطة بمواقف الدولة؟
حين يُطلب من مؤسسة بحجم الأزهر أن 'تُعدل' موقفًا شرعيًا يُدين الإبادة الجماعية، فقط لأنّه قد 'يُحرج' الدولة في علاقاتها مع بعض الأطراف الدولية، فإنّنا نكون قد انتقلنا من مربع الدبلوماسية إلى مربع الخضوع التام.
الأزهر الشريف ليس مؤسسة تابعة لوزارة الإعلام أو الخارجية. بل هو مرجعية روحية وعلمية، لها وزن عالمي في تمثيل ضمير الأمة. وإن كانت الحسابات السياسية تستدعي الصمت، فلا ينبغي أن يُفرَض هذا الصمت على من يحملون مسؤولية الكلمة أمام الله والتاريخ.
إنّ مأساة غزة لم تعد محل جدال: آلاف القتلى، أغلبيتهم من النساء والأطفال، وملايين مهددون بالمجاعة، وسط انهيار كامل للبنى التحتية الإنسانية والطبية. الصمت هنا لم يعد موقفًا 'متوازنًا'، بل تواطؤًا ضمنيًا، مهما جرى تلميعه بشعارات الدبلوماسية.
من هنا جاءت صرخة الأزهر تعبيرًا عن هذا الانفجار الأخلاقي: 'نُعلن براءتنا من كل صمت، ومن كل دعم لهذا الكيان الغاشم، ونُحمّل من يسكت أو يساند مسؤولية الدماء.' هذه ليست كلمات عاطفية، بل توصيف قانوني وإنساني دقيق، ينبغي أن يُرفع في وجه كل من يحاول تبرير الجرائم باسم التفاوض.
الرسالة هنا موجهة ليس فقط إلى الجهات التي مارست الضغوط، بل إلى كل مؤسسة دينية وفكرية وثقافية في العالم العربي: حين يُطلب منكم الصمت أمام الجريمة، لا تُطيعوا. فالمؤسسات لا تُقاس فقط بحجم بناياتها، بل بقدرتها على أن تكون صوتًا للحق حين يُطلب منها السكوت.
إن سحب بيان الأزهر ليس مجرد حادث عابر، بل مؤشر خطير على تمدد منطق 'تحجيم الضمير' لصالح توازنات ظرفية. والأخطر أن يُطلب من المؤسسة الدينية الكبرى أن تُلائم خطابها بما يتماشى مع 'رضا النظام' لا مع روح الشريعة.
من كلمات شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب
'إن الأزهر الشريف ليبرأ أمام الله من هذا الصمت العالمي المريب، ومن تقاعسٍ دوليٍّ مخزٍ لنُصرة هذا الشعب الأعزل، ويحمِّل كل داعم لهذا العدوان مسؤولية الدماء التي تُسفك، والأرواح التي تُزهق، والبطون التي تتضوَّر جوعًا في غزة الجريحة.'
إيطاليا تلغراف
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

إرهاب الطرقات.. إلى أين؟!!
إرهاب الطرقات.. إلى أين؟!!

الخبر

timeمنذ 6 ساعات

  • الخبر

إرهاب الطرقات.. إلى أين؟!!

يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله: 'إن مقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة'. من نعم الله تعالى الكثيرة التي لا نحصي لها عددا، نعمة وسائل النقل بأنواعها، فإنها نعمة لمن استعملها في مرافق حياته المباحة. فالشريعة الإسلامية إنما جاءت بحقن الدماء والمحافظة عليها: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما}، وفي الصحيح: 'من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده، يجأ بها بطنه يوم القيامة، في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بسم، فسمه في يده، يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا'، وفي الصحيح أيضا: 'من قتل نفسه بشيء، عذب به يوم القيامة'. ففي هذه الآية وفي الأحاديث التي مرت معنا تهديد شديد، ووعيد أكيد، فليحذر منه كل عاقل لبيب ممن يلقي السمع وهو شهيد. لقد جاءت الشريعة الإسلامية بحفظ الأنفس، وتجنيبها العطب والتلف، وإن من إلقاء النفس للتهلكة وتعريضها للعطب ما يفعله كثير من الشباب الطائش من قيادة السيارة بسرعة جنونية تفقد السائق بسببها التحكم فيها، مما يؤدي إلى العطب أو الموت له أو لغيره من الناس. لقد قرر أهل العلم أن سائق السيارة إذا كان لا يعرف القيادة، وقاد السيارة بدون معرفة، ثم حصل له حادث ثم مات، فقد عرض نفسه للإتلاف، ولأنه لم يأخذ بالأسباب الواقية وهي معرفة القيادة، إذا فهو داخل تحت الوعيد الشديد الذي مر آنفا في الأحاديث الصحيحة والآية الكريمة. وأيضا، فإن السائق إذا تعدى السرعة التي تمكنه من التحكم بالسيارة، ووقع الحادث ومات، فهو داخل تحت الوعيد الشديد؛ لأن من فعلِ الأسباب الرفق، وعدم السرعة التي تهدد حياته وحياة البشر، فكم نرى وكم نسمع بالحوادث وكل ذلك سببه السرعة وعدم معرفة القيادة. ومع وضوح الأمر وجلائه، فإننا نرى أرواحا تزهق، ونساء تُرمَّل، وأطفالا تُيَتَّم، وإعاقات مستديمة، وآلاف الملايين تهدر، فواجع تصل إلى حد الهلع، ترى أطفالا في مقتبل العمر ما حالهم وقد فقدوا عائلاتهم، وما حال تلك المرأة وقد فقدت من يرعاها ويرعى أطفالها، وما حال الأسرة وقد حل بها معاق، علاجه مكلف، والكد عليه مرهق، أصبح مقعدا عاجزا، عالة على أهله ومجتمعه، بسبب ماذا كل هذا؟ بسبب فعل متهور، وتصرف طائش وعمل غير مسؤول. تُرى ماذا يبقى إذا هانت الأرواح واسترخصت الدماء، وإلى أي هاوية هؤلاء ينحدرون، لقد فاضت نفوس زكية ودماء بريئة، فمتى يهتدي الضالون، ومتى يستفيق الغافلون، كل هذه المصائب، وكل هذه المآسي راجعة إلى الإخلال بحق الطريق، والتفريط في آداب المسير، والإهمال في قواعد المرور، فالطريق لم يوضع من أجل أن يتصرف فيه الضالون بسياراتهم كيف يشاؤون، متجاوزين الخلق الحسن، إن الطرق هي مسالك الناس إلى شؤونهم ومعابرهم، وإلى قضاء حوائجهم، وهي دروبهم في تحركاتهم، وتحصيل منافعهم، وهي سبيلهم إلى أسواق التجارة وكسب المعاش، وهي منافذهم إلى المدارس ودور العلم والمساجد، وكل أنواع الحركة والتنقلات. إن الحوادث في ارتفاع كل يوم، ومع ذلك لم نر القلوب تتعظ وترعوي، فكم ترى من جثث تحت السيارات، وكم ترى اللحم وقد اختلط بالحديد، ومع ذلك فلا قلب يخشع، ولا عين تدمع، ولا نفس تتعظ وتنتهي عن غيّها، فإنا لله وإنا إليه راجعون.. والله ولي التوفيق. *إمام مسجد عمر بن الخطاب - بن غازي - براقي

التجويع للتهجير
التجويع للتهجير

خبر للأنباء

timeمنذ 8 ساعات

  • خبر للأنباء

التجويع للتهجير

بات الهدف من وراء سياسة التجويع الإسرائيلية ضد أبناء غزة، بات واضحاً. التضييق عليهم بالجوع كي يخرجوا من ديارهم، ليُكتب بعد ذلك أن غزة كانت أرضاً بلا شعب، كما قالوا عن فلسطين. هم ليسوا متأكدين من نجاح الخطة، ولكنهم يحاولون. مهما كانت المعاناة فإن صمود أبناء غزة على أرضهم سيسقط تلك السياسة الخبيثة للتهجير القسري، والتطهير العرقي. الثمن باهظ جداً، والضغوط تزداد يوماً بعد آخر، لكن التهجير - لو تم - سيؤسس لنكبة جديدة، على طريق التغريبة الفلسطينية، لا سمح الله. جرب نتنياهو كل الوسائل القذرة من القتل والتهجير الداخلي والحصار والترهيب والترغيب وزراعة العملاء، وتسليح المرتزقة، وكما فشل في كل ذلك، سيفشل في سياسة التجويع. لم تعد غزة مجرد مدينة، ولكنها أصبحت رمزاً ملهماً لكل شعوب العالم.

عدوّ حبيبي مايكون طبيبي
عدوّ حبيبي مايكون طبيبي

الشروق

timeمنذ 10 ساعات

  • الشروق

عدوّ حبيبي مايكون طبيبي

أسرة الكتاني في المغرب الأقصى أسرة علمية ما يرتاب في ذلك مرتاب، ولكنهم ليسوا سواء في المواقف الوطنية، فمنهم الوطنيون الذين وقفوا مواقف الشرف في مواجهة العدو الفرنسي، ومنهم من ركنوا إلى الفرنسيين واتخذوهم أولياء من دون المؤمنين. وحتى من الناحية الدينية منهم الإصلاحيون المصلحون، ومنهم من تاجروا بدين الله. رمز الكتانيين المنحرفين دينيا ووطنيا هو الشيخ عبد الحي الكتاني، الذي آتاه الله آيات فانسلخ منها، وضلّ عن علم فهلك عن بينة، ومعارضته للسلطان محمد الخامس لا يبرر ارتماءه في حضن فرنسا إلى درجة أنه كان ثالث ثلاثة في المؤامرة على خلع محمد الخامس عن عرشه في سنة 1953 إلى جانب الدمية ابن عرفة و'القرد البشري' التهامي الجلاوي.. وكانت فرنسا قد وضعته على رأس اتحاد زوايا المغرب العربي، فكان كثير التنقل بين أجزائه حتى سماه الإمام الإبراهيمي 'الهائم'. وقد كتب عنه مقالا كان آية مبنى ومعنى، وقد نشره في الجريدة المجاهدة 'البصائر' في 26/4/1948. (آثار الإمام الإبراهيمي ج 3 صص539-547). وقد قبض الله روحه في 1962، ودفن في فرنسا، فما بكت عليه السماء والأرض، لأنه آثر العاجلة ووذر الآجالة. وأما رمز الكتانيين لإصلاحيين الوطنيين فهو محمد إبراهيم الكتاني (1907-1990)، وقد كني لوطنيته 'أبو المزايا'. كان مثله الأعلى وأسوته المثلى هو الإمام محمد البشير الإبراهيمي حتى أنه سماه: 'آية الله' وذلك في مقال نشره في جريدة العلم المغربية في بداية شهر أكتوبر من سنة 1953، وكان يقول: 'أنا كتّانيّ نسبا لا طريقة'. وكان يتردد على الجزائر، وله صور مع أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. والد محمد إبراهيم الكتاني اسمه أحمد، وهو من علماء القرويين، ولد حوالي 1874، وتوفاه الله في 1922، وقد ترك أعمالا علمية كثيرة بين رسالة وكتب. شاهد أحمد الكتاني احتلال في فرنسا لبلده المغرب في 1912، فدعا الله -عز وجل- أن لا يلاقيه بفرنسي، وأن لا يريه وجه فرنسي، وقد أبرّه الله وكرم وجهه فأسلم روحه ولم تقع عيناه على فرنسي مباشرة. في آخره عمره مسه الضر، واشتد عليه المرض، وأعيا داؤه الرقاة فاقترح عليه أن يؤتى بطبيب فرنسي، وألحوا عليه في ذلك فانتفض غاضبا وقال: 'عدو حبيبي مايكون طبيبي' فذهب قوله مثلا سائرا. وقد ذهب في تفسير كلامه مذهبان، أحدهما يقول إنه قصد بكلمة 'حبيبي' رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وثانيهما يذهب إلى أنه يقصد بكلمة 'حبيبي' بلده المغرب. والتعبير يحتمل المعنيين، ولا مانع من الجمع بينهما، رحم الله كل مسلم عدو لفرنسا الصليبية، وضاعف العذاب لكل خوّان أثيم.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store