
انغيلا ميركل امرأة القمة بين نظامين
الدكتورة أنغيلا ميركل مستشارة ألمانيا الموحدة لأربع دورات، (واسمها الأصلي أنغيلا دوروتيا كاسنر، وميركل هو لقب زوجها الأول الذي حملته بعد اقترانها به، واحتفظت به رغم طلاقها منه) باتت جزءاً من المشهد السياسي في المحطة الأخيرة ب (جمهورية ألمانياالديمقراطية DDR)، وعاصمتها (سابقاً) برلين الشرقية التي كانت عرين التحالف الشيوعي الشرقي الواقع على خط التماس مع العالم الرأسمالي الغربي.
لم يكن وصول أنغيلا ميركل، حاملة شهادة الدكتوراه بالفيزياء الكيمياوية، إلى منصب مستشارة جمهورية ألمانيا الاتحادية مفاجأة للأوساط السياسية حسب، لكنه يبدو كذلك لمن يتأمل المشهد واقفاً خارج كواليس السياسة. فقد كانت نائبة للمتحدث باسم أول حكومة منتخبة ديمقراطياً في ألمانيا الشرقية في عام 1990، وهي حكومة يمكن اعتبارها (انتقالية) ومع ذلك فهي لم تكن محسوبة قط على الأروقة الشيوعية، (رغم أنّ القراءة المتأنية لمشهد الدولة الشيوعية قد تثير سؤال محرجاً مفاده: هل يمكن أن يكون أيّ سياسي فاعل فيها، خارج الرواق الأحمر؟).
سنة 1990 هي عام التغيير، ويدعونه بالألمانية Die Wende حيث اثمرت الثورة في ألمانيا الشرقية وانهارت الحكومة الشيوعية، وأسقط الشعب بالمعاول جدار برلين سيء الصيت، ثم قامت الوحدة الألمانية، وكان الساسة في ألمانيا الغربية يبحثون عن وجوه مقبولة في المشهد السياسي في الجزء الشرقي من البلد، وهكذا وضعت ميركل في قلب الحدث السياسي من خلال انتسابها للحزب المسيحي الديمقراطي، فباتت نائبة في البوندستاغ عن ولاية مكلنبورغ– فوربومرن، وكانت تقف تحت جناح المستشار هلموت كول مباشرة، فهو الراعي. ثم عينها بمنصب وزيرة المرأة والشباب في الحكومة الاتحادية في عام 1991، وبعدها أصبحت وزيرة البيئة في عام 1994، وكان الساسة يصفونها ب (الفتاة Das Mädchen)، رغم أنّها كانت متزوجة ومطلقة. ثم بعد خسارة حزبها الانتخابات الاتحادية في عام 1998، انتخبت ميركل لمنصب الأمين العام لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي قبل أن تصبح أول زعيمة للحزب بعد عامين. وأضحت السياسية الوافدة من ألمانياالشيوعية، متخصصة في شؤون الألمان الشرقيين (OssisDie)، كما أنها ما برحت ترقب بعين فاحصة سلوك الألمان الغربيين (Die Wessis) وهي تتسلق طريقها إلىالقمة. ولمن لا يعرف، فإنّ السيدة أنغيلا ميركل، هي مسيحية لوثرية/ بروتستانتية مؤمنة من رعيّة الكنيسة الانجيلية في براندنبورغ / برلين.
في عام 2005، وإثر فضيحة كبيرة تتعلق بتمويل الحزب المسيحي الديمقراطي، عينت الدكتورة ميركل بعدالانتخابات الاتحادية في منصب مستشارة لألمانيا، متخطية المستشار الأسبق هلموت كول وخليفته المنتظر فولفغانغ شويبله، لتتزعم ائتلافاً كبيراً ضمّ حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي CDU، وشقيقه البافاري الاتحاد المسيحي الاجتماعي (CSU) والحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD). وهي أول امرأة تتولى هذا المنصب. ومن المفارقات خلال هذا الشوط السياسي الطويل الذي خاضته السيدة ميركل أنّ عام 2012 شهد انتخاب السياسي يواخيم غاوك Joachim Gauck رئيساً لجمهورية ألمانيا الاتحادية، وهكذا فقد تولى أعلى قمتي الهرم السياسي في الأعوام الخمس التالية، شخصيتان قادمتان من ألمانيا الشرقية الشيوعية، فالرئيس غاوك كان قساً بروتستانتياً / لوثرياً وناشطاً ضد الشيوعية في مجال الحقوق المدنية في ألمانيا الشرقية. وخلال الثورة السلمية في عام 1989 كان أحد قادة التيار المعارض المعروف بالمنتدى الجديد والذي دق المسمار الأخير في نعش ألمانيا الشيوعية.
في مقر المستشارية ببرلين
شخصياً، لم ألتق من خلال عملي الصحفي والإعلامي في ألمانيا بالمستشارة ميركل، لكني وجدت نفسي قريباً منها ذات يوم في مقر المستشارية في برلين حيث لم يكن دخولي هذا المقر شاقاً، ولم يستغرق سوى ساعة انتظار مع تفتيش بسيط وتدقيق في الوثائق الشخصية والمعدات المستصحبة، فوجدت نفسي داخل مكتب المستشارية، المقر الأسطوري الذي نشاهده في الأفلام القديمة والحديثة.
الزمان: 28.08.2016
المناسبة: Tag der offenen Tür يوم الباب المفتوح
حشد كبير من الناس يقف في طابور طويل للدخول إلىالمقر الرسمي لمستشار ألمانيا الاتحادية. ليس هذا منصباً هيناً، وحين كنت أخطو إلى داخل المكان ضمن مبادرة الشفافية الموسومة 'يوم الباب المفتوح' التي تجتاح بموجب الدستور كل مؤسسات البلد بلا استثناء سنوياً، كانت مشاعر عاصفة تسيطر عليّ وسط الجمع الذي تخلله أجانب جاءوا ليروا بأعينهم قصراً رئاسياً تُصنع فيه سياسة أكبر وأقوى بلد في غرب أوروبا.
إلى جانبي تسير امرأة أحسبها خمسينية، أوروبية الملامح، ظننتها ألمانية فحدثتها بعفوية حذرة 'هل سبق أن زرت هذا المكان'؟
اجابتني بابتسامة غير ألمانية وبلغة ألمانية متعثرة أنها تزور برلين أول مرة.
سألتها من أين؟ فأجابت ' بيلاروس، منسك'.
وكأنّ في كلماتها الخجلة اعتراف بأنّها تشاركني تاريخ عشناه في ظل ديكتاتوريات متعجرفة تجعل المواطن يشعر بأنّه أقل من حشرة بإمكان 'السيد الرئيس'، أو أيّ مسؤول في مقامه أو تحت خيمته، أن يسحقها دون حتى وثيقة تثبت نهاية عمر 'المواطن الحشرة'.
بعد أن تخطيت الممر الأول، التقيت حارساً غير مسلح يرشد الناس إلى الغرف المسموح بدخولها، في الحجرة الأولى كان طابور يصطف أمام المتحدث باسم الحكومة الألمانية 'شتيفان زايبرت' وقد بدا مبتسماً فيما يجلس أمامه على المصطبة شاب منفعل يتكلم بعصبية ويحرك يده أمام وجهه.
في الحجرة التالية جلس وزير الاقتصاد زيغمار غابرييل وهو يرد على أسئلة الزائرين.
في القاعة الكبيرة التي تلت، وقفت المستشارة ميركل وهي ترتدي بدلة بسيطة سماوية اللون وبيدها ميكروفون تخاطب به القادمين للقائها وإلى جانبها يقف اللاعب الدولي بواتينغ، وشخص آخر، وإلى جانبهم لافتة زرقاء كبيرة خطُت عليها أربع كلمات فحواها 'يوم واحد لجميع الناس.'
لفت انتباهي أنّ السيدة البيلاروسية التي تسير قريبا مني قد بدأت بالبكاء، ولم أسألها لماذا بكت، فقد انتابتني نوبة حزن مشابهة أخذتني إلى بوابة القصر الجمهوري في بلدي العربي، حيث كان مجرد المرور أمامها قد يودي بحياة السائق عاثر الحظ ومن معه، كما حصل مرارا ً في بغداد لسبب أخطاء مرورية لا يقبل أن يفهمها عناصر الحرس الجمهوري القساة الغارقين بحب السيد الرئيس 'حفظه الله ورعاه'. وبكيت في صمتي بلا هوادة.
المستشارة أنغيلا ميركل التي أدارت دفة السياسية في جمهورية ألمانيا الاتحادية لمدة ست عشرة سنة، تركت بصماتها على عموم الحياة في هذا البلد العملاق، لدرجة أنّ نهجها في الإدارة بات يعرف ب 'الميركلية'، بل إنّ شباب البلد قد نحتوا من اسمها فعلاً ومصدره، وهكذا صار الحديث يدور عن 'أفضل طريقة للتعامل مع المشكلة هي ميركلتها!؟'، والفعل Merkeln طبقاً ل (معجم لانغنشايدت للغة الألمانية Langenscheidt Standard Dictionary German) يعني: 'لا تفعل شيئاً، لا تتخذ قراراً، لا تصدر تعليقاً'.
Mutti Merkel أي 'ماما ميركل'
ولكنّ هذه وجهة نظر منتقدي السيدة ميركل، التي أُطلق عليها تحبباً خلال فترة حكمها لقب (ماما ميركل Mutti Merkel)، كما اعتبرتها مجلة فوربس ثاني أقوى شخصية في العالم الرأسمالي، وهي في الحقيقة زعيمة وراعية الاتحاد الأوروبي، وقد دفعت بالسياسية المقرّبة منها (أورسولا فون دير لاين لتصبح رئيسة المفوضية الأوروبية، بمعنى رئيسة الاتحاد الأوروبي)، وفي عام 2015 اعتبرتها مجلة تايم شخصية العام، وشهد عاما 2015 – 2016 تنامياً واسعا لشعبيتها، وهكذا أعيد انتخابها للمرة الرابعة لكرسي المستشارية. لكنّ سياسة احتضان اللاجئين (ولاسيما القادمين من سوريا وبلدان ما كان يعرف بالربيع العربي، ومن العراق وأفغانستان) التي تبنتها ميركل، أفقدتها جزءاً كبيراً من شعبيتها، وصار الألمان عموماً، واليمين خصوصاً يتذمر علناً من هذه السياسة، وأمسى الجميع متفقين على أنّ سياسة فتح الحدود أمام اللاجئين (الذين تحول أغلبهم إلىمهاجرين مقيمين بشكل دائم أو شبه دائم) قد غيّرت ألمانيا إلى الأبد.
من أهم محطات مسيرة ميركل السياسية، علاقتها بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فهي قد كبرت في مجتمع شيوعي، وهو وريث النظام الشيوعي، وهي قد اتقنت اللغة الروسية خلال سنوات دراستها لدرجة أنها أحرزت المرتبة الثالثة كأفضل ألمانية تتحدث بالروسية في التقييم التربوي لعموم ألمانيا الشرقية، وهو أمر يجهله كثيرون، وحصلت نتيجة هذا التفوق، على رحلة إلىموسكو على نفقة الدولة. ولم تخف ميركل قط أعجابها بروسيا، بل إنّ بورتريه كبير للإمبراطورة الروسية كاترين العظمى بألوان زيتية ظل على مدى سنين طوال يزين أحد جدران مكتبها في برلين.
على صعيد موازٍ، فإنّ الرئيس فلاديمير بوتين هو الزعيم الروسي الوحيد الذي عمل رسمياً في ألمانيا، فقد كان ضابطا للمخابرات الروسية 'محطته' بمدينة دريسدن في ألمانيا الشرقية. وقد عثرت الدولة الألمانية في أرشيف مخابرات DDR على هوية انتسابه إلى جهاز 'شتازي'، في بطاقة صدرت عام 1986، وتحمل الرقم B217590، وعلى ظهرها توقيع بوتين إلى جانب صورة فوتوغرافية بالأسود والأبيض له. وتكشف الأختام على ظهر البطاقة، أنها بقيت صالحة للعمل حتى الربع الأخير من عام 1989، أي حتى سقوط جمهورية ألمانيا الديمقراطية. وحين سقط الجدار كان بوتين قد أرتقى إلى رتبة مقدم. ميركل وبوتين زعيمان يقفان على ضفتين متباعدتين من التاريخ، ويجمعهما ماضٍ اكتسى باللون الأحمر. وتعددت لقاءات بوتين بميركل قبل توليها منصب المستشارية، حين كانت زعيمة للمعارضة في عهد المستشار شرودر، حتى استقبلها بشكل رسمي، كمستشارة لألمانيا في قصرهبمنطقة سوشي على سواحل البحر الأسود عام 2007.
ذلك اللقاء، ترك في ذاكرة المتابعين لملف العلاقات الألمانية الروسية أثراً واضحاً، فقد كان بوتين مدركاً ولا شك (من خلال جهاز مخابراته) لخوف المستشارة الألمانية من الكلاب الكبيرة (بسبب تعرضها لعضة كلب كبير في عام 1995)، لكن ما إن جلس الزعيمان للحوار، حتى دخلت الغرفة كلبة لابردور سوداء ضخمة تدعى 'كوني'، وجلست عند قدمي بوتين، ثم تحركت تتشمم قدمي الزعيمة الألمانية، وأقعت عندها. وما لبث بوتين أن خاطب السيدة ميركل بلغته الألمانية المتقنة، مطمئناً بالقول: 'آمل أنّ الكلبة لا تزعجكِ؟ إنها كلبة أليفة ودودة، وكلي ثقة أنها ستتصرف بأدب جم'، فأجابت ميركل بلغة روسية متقنة بجملة ذات معنى 'في النهاية، هي لا تأكل الصحفيين'. ونقل موقع (بزنز انسايدر Business Insider) في إصداره يوم 07.07.2017 فيما بعد تعليق ميركل عن الواقعة بقولها: 'أتفهم تماماً سبب إقدامه على ذلك، هو يريد أن يثبت أنّه رجل! إنّه خائف من ضعفه هو شخصياً، روسيا لا تملك شيئاً، اقتصاد فاشل وسياسة فاشلة، كل ما يملكون هو هذا (الاستعراض)'، فيما قال بوتين في لقاء مع صحيفة بيلد الألمانية بعد سنوات من تلك الواقعة، إنه لم يقصد إخافة المستشارة ميركل بكلبته كوني قط، مبيناً: 'أردت أن أكون لطيفاً معها، ولكن حين لحظت عدم ارتياحها من الكلاب، أبديت لها اعتذاري'. ونقل موقع CNN عن بوتين القول في نفس اللقاء إنه وبرغم التوترات مع الغرب، فللجانبين مصلحة مشتركة في محاربة الإرهاب الإسلامي مؤكداً بالقول: 'علينا أن نقف معاً على المستوى العالمي بمواجهة الإرهاب، وهو تحدٍ كبير'، ثم مضى للقول 'رغم أننا لا نتفق دائماً حول كل موضوع، لكن لا يحسبن أحد أن هذا سبباً لاعتبارنا عدوين'.
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، وفي خطوة مفاجئة، قدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اعتذاراً علنياًللمستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل، عن واقعةكلبته 'كوني'. جاء الاعتذار خلال مؤتمر صحفي في أستانا بكازاخستان، حيث قال فلاديمير بوتين: 'أنغيلا، سامحيني. لم أكن أعلم أنك تخافين من الكلاب. لو كنت أعرف، لما فعلت ذلك قط'. وأضاف مداعباً: 'إذا عدتِ لزيارتي، وهو أمر غير مرجح، أعدك بألّا أكرر ذلك'.
وقد أشارت السيدة ميركل إلى تلك الواقعة، في مذكراتها التي صدرت في نوفمبر 2024، بعنوان (الحرية) إلى تلك الواقعة بالقول إنها كانت تعلم أن بوتين كان يأتي بصحبة كلبته الأليفة في بعض الأحيان إلى اجتماعات مع ضيوف أجانب، ومن ثم طلبت من أحد مساعديها في العام السابق أن يطلب من فريق بوتين عدم إحضار كوني في وجودها لأنها تخاف من الكلاب. ويبدو أن هذه الإشارة بالذات هي من استدعت لذاكرة الرئيس الروسي تلك الواقعة ودفعته للاعتذار عنها.
لكن رغم هذه المجاملات 'اللدودة' فإنّ ميركل تمسكت بشدة بنهج متشدد مع روسيا / بوتين، فهي القائدة الألمانية المؤمنة إلى أبد بقيمة 'استطلاعات الرأي'، وبآراء المجاميع البحثية، وقد باتت مدركة من خلال نتائجها، لحجم التعاطف الشعبي الألماني الواسع مع روسيا، ولطالما حثّها المقربون على تبني نهج أكثر ليونة مع توجهات بوتين، لكنّ موروثها من تربيتها في ألمانيا الشرقية الشيوعية خلق في وعيها نفوراً غريزياً من الأشخاص الذين يتبنون سلوك 'البلطجة' والابتزاز في مقارباتهم النفعية مع الآخرين، وهذا بالذات باعدها أكثر عن فلاديمير بوتين. لكنّ هذا الموقف لم ينسحب على تعاملها مع ملف خطي نقل لغاز المعروفين ب 'نورد ستريم'، فما إن قارب الخط الأول مرحلة الإنجاز التام، حتى وافق البوندستاغ على إنشاء أنبوب ثانٍ يمتد إلى جانبه، وتبنى داعمو المشروع الجديد موقفاً مفاده أن 'توسيع المشروع لا يهدد ألمانيا، بل يخدم مصالحها'، وقد يخلق تقارباً مفيداً بين روسيا والغرب في المدى البعيد.
وعادت ميركل إلى معايير التقييم الجماهيري، حيث كشفت استطلاعات الرأي أنّ غالبية كبرى من المستطلعة آراءهم في شرق ألمانيا يرومون علاقات أشد تقارباً ومتانة مع روسيا، وهي مفارقة مؤلمة، إذا ما تذكر المراقبون أنّ أغلب سكان DDR كانوا مستميتين في سعيهم للخروج عن دائرة النفوذ السوفيتي والهروب إلى الغرب بحثاً عن حرية القرار! والمفارقة الأشد هي أن شبكة تلفزة 'روسيا اليوم' المعروفة عالمية ب 'RT' بنسختها الألمانية الموجهة بشدة إلى شرق ألمانيا، تجد حجم مشاهدة مذهل في تلك المنطقة، حيث يهتم المحبطون بالبحث عن منفذ اعلامي غير المنافذ الغربية 'Wessi' على حد وصفهم!
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


موقع كتابات
١٩-٠٣-٢٠٢٥
- موقع كتابات
انغيلا ميركل امرأة القمة بين نظامين
الدكتورة أنغيلا ميركل مستشارة ألمانيا الموحدة لأربع دورات، (واسمها الأصلي أنغيلا دوروتيا كاسنر، وميركل هو لقب زوجها الأول الذي حملته بعد اقترانها به، واحتفظت به رغم طلاقها منه) باتت جزءاً من المشهد السياسي في المحطة الأخيرة ب (جمهورية ألمانياالديمقراطية DDR)، وعاصمتها (سابقاً) برلين الشرقية التي كانت عرين التحالف الشيوعي الشرقي الواقع على خط التماس مع العالم الرأسمالي الغربي. لم يكن وصول أنغيلا ميركل، حاملة شهادة الدكتوراه بالفيزياء الكيمياوية، إلى منصب مستشارة جمهورية ألمانيا الاتحادية مفاجأة للأوساط السياسية حسب، لكنه يبدو كذلك لمن يتأمل المشهد واقفاً خارج كواليس السياسة. فقد كانت نائبة للمتحدث باسم أول حكومة منتخبة ديمقراطياً في ألمانيا الشرقية في عام 1990، وهي حكومة يمكن اعتبارها (انتقالية) ومع ذلك فهي لم تكن محسوبة قط على الأروقة الشيوعية، (رغم أنّ القراءة المتأنية لمشهد الدولة الشيوعية قد تثير سؤال محرجاً مفاده: هل يمكن أن يكون أيّ سياسي فاعل فيها، خارج الرواق الأحمر؟). سنة 1990 هي عام التغيير، ويدعونه بالألمانية Die Wende حيث اثمرت الثورة في ألمانيا الشرقية وانهارت الحكومة الشيوعية، وأسقط الشعب بالمعاول جدار برلين سيء الصيت، ثم قامت الوحدة الألمانية، وكان الساسة في ألمانيا الغربية يبحثون عن وجوه مقبولة في المشهد السياسي في الجزء الشرقي من البلد، وهكذا وضعت ميركل في قلب الحدث السياسي من خلال انتسابها للحزب المسيحي الديمقراطي، فباتت نائبة في البوندستاغ عن ولاية مكلنبورغ– فوربومرن، وكانت تقف تحت جناح المستشار هلموت كول مباشرة، فهو الراعي. ثم عينها بمنصب وزيرة المرأة والشباب في الحكومة الاتحادية في عام 1991، وبعدها أصبحت وزيرة البيئة في عام 1994، وكان الساسة يصفونها ب (الفتاة Das Mädchen)، رغم أنّها كانت متزوجة ومطلقة. ثم بعد خسارة حزبها الانتخابات الاتحادية في عام 1998، انتخبت ميركل لمنصب الأمين العام لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي قبل أن تصبح أول زعيمة للحزب بعد عامين. وأضحت السياسية الوافدة من ألمانياالشيوعية، متخصصة في شؤون الألمان الشرقيين (OssisDie)، كما أنها ما برحت ترقب بعين فاحصة سلوك الألمان الغربيين (Die Wessis) وهي تتسلق طريقها إلىالقمة. ولمن لا يعرف، فإنّ السيدة أنغيلا ميركل، هي مسيحية لوثرية/ بروتستانتية مؤمنة من رعيّة الكنيسة الانجيلية في براندنبورغ / برلين. في عام 2005، وإثر فضيحة كبيرة تتعلق بتمويل الحزب المسيحي الديمقراطي، عينت الدكتورة ميركل بعدالانتخابات الاتحادية في منصب مستشارة لألمانيا، متخطية المستشار الأسبق هلموت كول وخليفته المنتظر فولفغانغ شويبله، لتتزعم ائتلافاً كبيراً ضمّ حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي CDU، وشقيقه البافاري الاتحاد المسيحي الاجتماعي (CSU) والحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD). وهي أول امرأة تتولى هذا المنصب. ومن المفارقات خلال هذا الشوط السياسي الطويل الذي خاضته السيدة ميركل أنّ عام 2012 شهد انتخاب السياسي يواخيم غاوك Joachim Gauck رئيساً لجمهورية ألمانيا الاتحادية، وهكذا فقد تولى أعلى قمتي الهرم السياسي في الأعوام الخمس التالية، شخصيتان قادمتان من ألمانيا الشرقية الشيوعية، فالرئيس غاوك كان قساً بروتستانتياً / لوثرياً وناشطاً ضد الشيوعية في مجال الحقوق المدنية في ألمانيا الشرقية. وخلال الثورة السلمية في عام 1989 كان أحد قادة التيار المعارض المعروف بالمنتدى الجديد والذي دق المسمار الأخير في نعش ألمانيا الشيوعية. في مقر المستشارية ببرلين شخصياً، لم ألتق من خلال عملي الصحفي والإعلامي في ألمانيا بالمستشارة ميركل، لكني وجدت نفسي قريباً منها ذات يوم في مقر المستشارية في برلين حيث لم يكن دخولي هذا المقر شاقاً، ولم يستغرق سوى ساعة انتظار مع تفتيش بسيط وتدقيق في الوثائق الشخصية والمعدات المستصحبة، فوجدت نفسي داخل مكتب المستشارية، المقر الأسطوري الذي نشاهده في الأفلام القديمة والحديثة. الزمان: 28.08.2016 المناسبة: Tag der offenen Tür يوم الباب المفتوح حشد كبير من الناس يقف في طابور طويل للدخول إلىالمقر الرسمي لمستشار ألمانيا الاتحادية. ليس هذا منصباً هيناً، وحين كنت أخطو إلى داخل المكان ضمن مبادرة الشفافية الموسومة 'يوم الباب المفتوح' التي تجتاح بموجب الدستور كل مؤسسات البلد بلا استثناء سنوياً، كانت مشاعر عاصفة تسيطر عليّ وسط الجمع الذي تخلله أجانب جاءوا ليروا بأعينهم قصراً رئاسياً تُصنع فيه سياسة أكبر وأقوى بلد في غرب أوروبا. إلى جانبي تسير امرأة أحسبها خمسينية، أوروبية الملامح، ظننتها ألمانية فحدثتها بعفوية حذرة 'هل سبق أن زرت هذا المكان'؟ اجابتني بابتسامة غير ألمانية وبلغة ألمانية متعثرة أنها تزور برلين أول مرة. سألتها من أين؟ فأجابت ' بيلاروس، منسك'. وكأنّ في كلماتها الخجلة اعتراف بأنّها تشاركني تاريخ عشناه في ظل ديكتاتوريات متعجرفة تجعل المواطن يشعر بأنّه أقل من حشرة بإمكان 'السيد الرئيس'، أو أيّ مسؤول في مقامه أو تحت خيمته، أن يسحقها دون حتى وثيقة تثبت نهاية عمر 'المواطن الحشرة'. بعد أن تخطيت الممر الأول، التقيت حارساً غير مسلح يرشد الناس إلى الغرف المسموح بدخولها، في الحجرة الأولى كان طابور يصطف أمام المتحدث باسم الحكومة الألمانية 'شتيفان زايبرت' وقد بدا مبتسماً فيما يجلس أمامه على المصطبة شاب منفعل يتكلم بعصبية ويحرك يده أمام وجهه. في الحجرة التالية جلس وزير الاقتصاد زيغمار غابرييل وهو يرد على أسئلة الزائرين. في القاعة الكبيرة التي تلت، وقفت المستشارة ميركل وهي ترتدي بدلة بسيطة سماوية اللون وبيدها ميكروفون تخاطب به القادمين للقائها وإلى جانبها يقف اللاعب الدولي بواتينغ، وشخص آخر، وإلى جانبهم لافتة زرقاء كبيرة خطُت عليها أربع كلمات فحواها 'يوم واحد لجميع الناس.' لفت انتباهي أنّ السيدة البيلاروسية التي تسير قريبا مني قد بدأت بالبكاء، ولم أسألها لماذا بكت، فقد انتابتني نوبة حزن مشابهة أخذتني إلى بوابة القصر الجمهوري في بلدي العربي، حيث كان مجرد المرور أمامها قد يودي بحياة السائق عاثر الحظ ومن معه، كما حصل مرارا ً في بغداد لسبب أخطاء مرورية لا يقبل أن يفهمها عناصر الحرس الجمهوري القساة الغارقين بحب السيد الرئيس 'حفظه الله ورعاه'. وبكيت في صمتي بلا هوادة. المستشارة أنغيلا ميركل التي أدارت دفة السياسية في جمهورية ألمانيا الاتحادية لمدة ست عشرة سنة، تركت بصماتها على عموم الحياة في هذا البلد العملاق، لدرجة أنّ نهجها في الإدارة بات يعرف ب 'الميركلية'، بل إنّ شباب البلد قد نحتوا من اسمها فعلاً ومصدره، وهكذا صار الحديث يدور عن 'أفضل طريقة للتعامل مع المشكلة هي ميركلتها!؟'، والفعل Merkeln طبقاً ل (معجم لانغنشايدت للغة الألمانية Langenscheidt Standard Dictionary German) يعني: 'لا تفعل شيئاً، لا تتخذ قراراً، لا تصدر تعليقاً'. Mutti Merkel أي 'ماما ميركل' ولكنّ هذه وجهة نظر منتقدي السيدة ميركل، التي أُطلق عليها تحبباً خلال فترة حكمها لقب (ماما ميركل Mutti Merkel)، كما اعتبرتها مجلة فوربس ثاني أقوى شخصية في العالم الرأسمالي، وهي في الحقيقة زعيمة وراعية الاتحاد الأوروبي، وقد دفعت بالسياسية المقرّبة منها (أورسولا فون دير لاين لتصبح رئيسة المفوضية الأوروبية، بمعنى رئيسة الاتحاد الأوروبي)، وفي عام 2015 اعتبرتها مجلة تايم شخصية العام، وشهد عاما 2015 – 2016 تنامياً واسعا لشعبيتها، وهكذا أعيد انتخابها للمرة الرابعة لكرسي المستشارية. لكنّ سياسة احتضان اللاجئين (ولاسيما القادمين من سوريا وبلدان ما كان يعرف بالربيع العربي، ومن العراق وأفغانستان) التي تبنتها ميركل، أفقدتها جزءاً كبيراً من شعبيتها، وصار الألمان عموماً، واليمين خصوصاً يتذمر علناً من هذه السياسة، وأمسى الجميع متفقين على أنّ سياسة فتح الحدود أمام اللاجئين (الذين تحول أغلبهم إلىمهاجرين مقيمين بشكل دائم أو شبه دائم) قد غيّرت ألمانيا إلى الأبد. من أهم محطات مسيرة ميركل السياسية، علاقتها بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فهي قد كبرت في مجتمع شيوعي، وهو وريث النظام الشيوعي، وهي قد اتقنت اللغة الروسية خلال سنوات دراستها لدرجة أنها أحرزت المرتبة الثالثة كأفضل ألمانية تتحدث بالروسية في التقييم التربوي لعموم ألمانيا الشرقية، وهو أمر يجهله كثيرون، وحصلت نتيجة هذا التفوق، على رحلة إلىموسكو على نفقة الدولة. ولم تخف ميركل قط أعجابها بروسيا، بل إنّ بورتريه كبير للإمبراطورة الروسية كاترين العظمى بألوان زيتية ظل على مدى سنين طوال يزين أحد جدران مكتبها في برلين. على صعيد موازٍ، فإنّ الرئيس فلاديمير بوتين هو الزعيم الروسي الوحيد الذي عمل رسمياً في ألمانيا، فقد كان ضابطا للمخابرات الروسية 'محطته' بمدينة دريسدن في ألمانيا الشرقية. وقد عثرت الدولة الألمانية في أرشيف مخابرات DDR على هوية انتسابه إلى جهاز 'شتازي'، في بطاقة صدرت عام 1986، وتحمل الرقم B217590، وعلى ظهرها توقيع بوتين إلى جانب صورة فوتوغرافية بالأسود والأبيض له. وتكشف الأختام على ظهر البطاقة، أنها بقيت صالحة للعمل حتى الربع الأخير من عام 1989، أي حتى سقوط جمهورية ألمانيا الديمقراطية. وحين سقط الجدار كان بوتين قد أرتقى إلى رتبة مقدم. ميركل وبوتين زعيمان يقفان على ضفتين متباعدتين من التاريخ، ويجمعهما ماضٍ اكتسى باللون الأحمر. وتعددت لقاءات بوتين بميركل قبل توليها منصب المستشارية، حين كانت زعيمة للمعارضة في عهد المستشار شرودر، حتى استقبلها بشكل رسمي، كمستشارة لألمانيا في قصرهبمنطقة سوشي على سواحل البحر الأسود عام 2007. ذلك اللقاء، ترك في ذاكرة المتابعين لملف العلاقات الألمانية الروسية أثراً واضحاً، فقد كان بوتين مدركاً ولا شك (من خلال جهاز مخابراته) لخوف المستشارة الألمانية من الكلاب الكبيرة (بسبب تعرضها لعضة كلب كبير في عام 1995)، لكن ما إن جلس الزعيمان للحوار، حتى دخلت الغرفة كلبة لابردور سوداء ضخمة تدعى 'كوني'، وجلست عند قدمي بوتين، ثم تحركت تتشمم قدمي الزعيمة الألمانية، وأقعت عندها. وما لبث بوتين أن خاطب السيدة ميركل بلغته الألمانية المتقنة، مطمئناً بالقول: 'آمل أنّ الكلبة لا تزعجكِ؟ إنها كلبة أليفة ودودة، وكلي ثقة أنها ستتصرف بأدب جم'، فأجابت ميركل بلغة روسية متقنة بجملة ذات معنى 'في النهاية، هي لا تأكل الصحفيين'. ونقل موقع (بزنز انسايدر Business Insider) في إصداره يوم 07.07.2017 فيما بعد تعليق ميركل عن الواقعة بقولها: 'أتفهم تماماً سبب إقدامه على ذلك، هو يريد أن يثبت أنّه رجل! إنّه خائف من ضعفه هو شخصياً، روسيا لا تملك شيئاً، اقتصاد فاشل وسياسة فاشلة، كل ما يملكون هو هذا (الاستعراض)'، فيما قال بوتين في لقاء مع صحيفة بيلد الألمانية بعد سنوات من تلك الواقعة، إنه لم يقصد إخافة المستشارة ميركل بكلبته كوني قط، مبيناً: 'أردت أن أكون لطيفاً معها، ولكن حين لحظت عدم ارتياحها من الكلاب، أبديت لها اعتذاري'. ونقل موقع CNN عن بوتين القول في نفس اللقاء إنه وبرغم التوترات مع الغرب، فللجانبين مصلحة مشتركة في محاربة الإرهاب الإسلامي مؤكداً بالقول: 'علينا أن نقف معاً على المستوى العالمي بمواجهة الإرهاب، وهو تحدٍ كبير'، ثم مضى للقول 'رغم أننا لا نتفق دائماً حول كل موضوع، لكن لا يحسبن أحد أن هذا سبباً لاعتبارنا عدوين'. في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، وفي خطوة مفاجئة، قدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اعتذاراً علنياًللمستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل، عن واقعةكلبته 'كوني'. جاء الاعتذار خلال مؤتمر صحفي في أستانا بكازاخستان، حيث قال فلاديمير بوتين: 'أنغيلا، سامحيني. لم أكن أعلم أنك تخافين من الكلاب. لو كنت أعرف، لما فعلت ذلك قط'. وأضاف مداعباً: 'إذا عدتِ لزيارتي، وهو أمر غير مرجح، أعدك بألّا أكرر ذلك'. وقد أشارت السيدة ميركل إلى تلك الواقعة، في مذكراتها التي صدرت في نوفمبر 2024، بعنوان (الحرية) إلى تلك الواقعة بالقول إنها كانت تعلم أن بوتين كان يأتي بصحبة كلبته الأليفة في بعض الأحيان إلى اجتماعات مع ضيوف أجانب، ومن ثم طلبت من أحد مساعديها في العام السابق أن يطلب من فريق بوتين عدم إحضار كوني في وجودها لأنها تخاف من الكلاب. ويبدو أن هذه الإشارة بالذات هي من استدعت لذاكرة الرئيس الروسي تلك الواقعة ودفعته للاعتذار عنها. لكن رغم هذه المجاملات 'اللدودة' فإنّ ميركل تمسكت بشدة بنهج متشدد مع روسيا / بوتين، فهي القائدة الألمانية المؤمنة إلى أبد بقيمة 'استطلاعات الرأي'، وبآراء المجاميع البحثية، وقد باتت مدركة من خلال نتائجها، لحجم التعاطف الشعبي الألماني الواسع مع روسيا، ولطالما حثّها المقربون على تبني نهج أكثر ليونة مع توجهات بوتين، لكنّ موروثها من تربيتها في ألمانيا الشرقية الشيوعية خلق في وعيها نفوراً غريزياً من الأشخاص الذين يتبنون سلوك 'البلطجة' والابتزاز في مقارباتهم النفعية مع الآخرين، وهذا بالذات باعدها أكثر عن فلاديمير بوتين. لكنّ هذا الموقف لم ينسحب على تعاملها مع ملف خطي نقل لغاز المعروفين ب 'نورد ستريم'، فما إن قارب الخط الأول مرحلة الإنجاز التام، حتى وافق البوندستاغ على إنشاء أنبوب ثانٍ يمتد إلى جانبه، وتبنى داعمو المشروع الجديد موقفاً مفاده أن 'توسيع المشروع لا يهدد ألمانيا، بل يخدم مصالحها'، وقد يخلق تقارباً مفيداً بين روسيا والغرب في المدى البعيد. وعادت ميركل إلى معايير التقييم الجماهيري، حيث كشفت استطلاعات الرأي أنّ غالبية كبرى من المستطلعة آراءهم في شرق ألمانيا يرومون علاقات أشد تقارباً ومتانة مع روسيا، وهي مفارقة مؤلمة، إذا ما تذكر المراقبون أنّ أغلب سكان DDR كانوا مستميتين في سعيهم للخروج عن دائرة النفوذ السوفيتي والهروب إلى الغرب بحثاً عن حرية القرار! والمفارقة الأشد هي أن شبكة تلفزة 'روسيا اليوم' المعروفة عالمية ب 'RT' بنسختها الألمانية الموجهة بشدة إلى شرق ألمانيا، تجد حجم مشاهدة مذهل في تلك المنطقة، حيث يهتم المحبطون بالبحث عن منفذ اعلامي غير المنافذ الغربية 'Wessi' على حد وصفهم!


ساحة التحرير
٢٤-٠٢-٢٠٢٥
- ساحة التحرير
حكم قبضته على ألمانيا.. 'حزب ميركل' يتخلى عن سياسة استقبال المهاجرين وإدماج العرب المسلمين!
حكم قبضته على ألمانيا.. 'حزب ميركل' يتخلى عن سياسة استقبال المهاجرين وإدماج العرب المسلمين! بدأت اليوم الأحد 23 فبراير/شباط 2025، في الساعة الثامنة صباحاً، الانتخابات البرلمانية الألمانية المبكرة، والتي سيتم بموجبها اختيار أعضاء البرلمان والمستشار الجديد، الذي سيختار بدوره أعضاء الحكومة الجديدة. وستُفرز الانتخابات الألمانية المبكرة 630 مقعداً في البرلمان الاتحادي (بوندستاغ) الجديد، يتنافس عليها 4506 مرشحين من 29 حزباً، ويشارك فيها 60 مليون ناخب من أصل 84 مليون نسمة في عموم ألمانيا الاتحادية. وتُجرى الانتخابات الألمانية المبكرة بسبب انهيار ما سُمي بحكومة 'إشارة الضوء'، التي نتجت عن انتخابات 2021، حيث تحالف فيها حزب المستشار الحالي مع حزبي الديمقراطي الحر (الليبرالي) والخضر. صعود اليمين لعل من أبرز المخاوف التي يعيشها العرب والمسلمون في ألمانيا هو نهاية اليوم الأحد، مع تحقيق اليمين المتطرف واليمين الوسط نتائج متقدمة، وهو ما ينذر بالخطر على ألمانيا في الداخل وعلى باقي أوروبا. وكشفت استطلاعات الرأي عن تقدم أحزاب اليمين المتطرف بشكل ملحوظ، مقابل تراجع الأحزاب الأخرى التي لم تستطع تخطي نسبة 5% من الأصوات، وهي نسبة الحسم المطلوبة. وتقول استطلاعات الرأي إن حزب الديمقراطيين المسيحيين يتقدم على حساب تراجع يسار الوسط (الاجتماعي الديمقراطي)، الذي يتزعمه المستشار الحالي شولتز. وحسب النتائج الأولية التي ظهرت حتى عصر الأحد 23 فبراير/شباط 2025، فإن الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU)، وهو حزب يميني وسط، محافظ، يتصدّر الانتخابات بحصوله على حوالي 29.5% من الأصوات، متفوقاً على نتائجه في الانتخابات السابقة. ورغم أن المستشارة الألمانية الأسبق أنغيلا ميركل، التي كانت تتزعم حزب الاتحاد الديمقراطي، تعاملت مع أزمة المهاجرين عام 2015 بحكمة، واستقبلت ألمانيا في عهدها أكبر عدد من اللاجئين، إلا أن الحزب اليوم بات يدعم سياسات أكثر تقييداً بشأن الهجرة. وفي حالة فوز الاتحاد الديمقراطي المسيحي، من المتوقع أن يتخذ الحزب سياسات أكثر تشدداً فيما يتعلق باستقبال اللاجئين والمهاجرين من دول غير أوروبية، وقد يركز على تعزيز عمليات الفحص والتدقيق للتأكد من توافق المهاجرين مع المعايير الألمانية. بالإضافة إلى ذلك، هناك قلق في بعض الأوساط من أن مثل هذه السياسات قد تؤدي إلى تشديد الرقابة على المهاجرين المسلمين وتضييق الفرص أمامهم للاندماج، لا سيما في ظل مخاوف الحزب من تأثيرات التطرف الديني. وخلال فترة أنغيلا ميركل، كانت هناك محاولات لدمج المسلمين في المجتمع الألماني من خلال برامج تعليمية واجتماعية، ولكن هناك أيضاً قوى داخل الحزب تعارض إدماج الإسلام في الهوية الوطنية الألمانية، الأمر الذي يثير مخاوف العرب والمسلمين في ألمانيا. وقال فريدريش ميرتس، الرئيس الحالي لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، إنه من الضروري ضبط الهجرة بشكل أكبر في ألمانيا، ووضع شروط واضحة للمهاجرين للحصول على إقامة دائمة في البلاد، أبرزها الالتزام التام بالأسس التي تقوم عليها دولة ألمانيا. ومن بين تصريحاته المثيرة للجدل كان قوله إن المهاجرين المسلمين يجب أن يتكيفوا مع القيم الألمانية، بدلاً من أن يُسمح لهم بتشكيل مجتمعات موازية، وهو تصريح فجّر ردود فعل متنوعة بين مؤيدين ومعارضين. الصراع على المستشارية أما داخلياً، فيتنافس على منصب المستشار كل من المستشار الحالي، أولاف شولتز، من الحزب الاجتماعي الديمقراطي، ومرشح يمين الوسط في تحالف 'الديمقراطي المسيحي' (بين الاتحادين الديمقراطي المسيحي والاجتماعي المسيحي)، فريدريش ميرتس. وحسب النتائج التي تم إعلانها حتى عصر الأحد، فقد تصدّر حزب فريدريش ميرتس نتائج الانتخابات غير النهائية، في حين حقق حزب 'البديل من أجل ألمانيا' (AfD) تقدماً ملحوظاً بحصوله على حوالي 20% من الأصوات، مما يجعله ثاني أكبر حزب في البرلمان، بينما تراجع الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) إلى المرتبة الثالثة. وليس المسلمون والعرب فقط هم من يواجهون 'خطر' اليمين الألماني، بل حتى الألمان، وخصوصاً الشباب، بدأوا في صدّ تمدد الأحزاب اليمينية عبر تأسيس أحزاب يسارية جديدة، أبرزها الحزب اليساري 'دي لينكه'، الذي تأسس سنة 2007. واستطاع حزب 'دي لينكه' أن يستقطب عدداً كبيراً من المنخرطين، خصوصاً الشباب منهم، وارتفعت شعبيته، حيث تراوحت نسبة التأييد بين 6% و7%، بعد أن كانت حوالي 4% في يناير/كانون الثاني 2025، حسب استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة 'يوغوف'. دعم إدارة ترامب لليمين الألماني طغت على الحملة الانتخابية في ألمانيا مظاهر تضامن قوي غير معتاد لحزب البديل، من جانب أعضاء في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مثل نائبه جيه. دي. فانس والملياردير إيلون ماسك. وقبل فتح مراكز الاقتراع بقليل، أعلن ماسك مجدداً تأييده لحزب البديل من أجل ألمانيا، ونشر مقطع فيديو لزعيم الحزب بيورن هوكه، وهو يلقي كلمة قال فيها: 'ألمانيا بلدنا، أرضنا، أمتنا… فلنسترد بلدنا!'. وتم تغريم هوكه مرتين لاستخدامه شعاراً يعود إلى الحقبة النازية، ويُعتبر متطرفاً للغاية لدرجة أن محكمة قالت إنه يمكن وصفه بالفاشي. وقالت لودميلا بالهورن (76 عاماً)، وهي محاسبة متقاعدة في برلين تعتزم التصويت لحزب البديل من أجل ألمانيا: 'أشعر بخيبة أمل شديدة حيال السياسة، لذا ربما يكون (حزب) البديل أفضل'، مضيفة أنها تكافح ليكفيها معاشها التقاعدي، الذي يبلغ 800 يورو. لكن من غير المرجح أن يحكم حزب البديل في الوقت الحالي، إذ استبعدت جميع الأحزاب الرئيسية العمل معه. وقال الموظف الحكومي مايك تسيلر (26 عاماً): 'سيصوت الكثير من أصدقائي على الأرجح للمحافظين، لأن هذه الحكومة لم تعمل بشكل جيد، والموقف الدولي لميرتس جيد للغاية'. وأضاف: 'آمل فقط أن يتفق عدد كافٍ من الأحزاب على تشكيل حكومة، حتى يتمكنوا من استبعاد حزب البديل من أجل ألمانيا'. عربي بوست 2025-02-24 The post حكم قبضته على ألمانيا.. 'حزب ميركل' يتخلى عن سياسة استقبال المهاجرين وإدماج العرب المسلمين! first appeared on ساحة التحرير.


شفق نيوز
١٢-١٢-٢٠٢٤
- شفق نيوز
جدل بين السياسيين الألمان حول مستقبل مليون لاجئ سوري، قبيل انتخابات فبراير
يحتفل السوريون في شوارع ألمانيا، بسقوط نظام الرئيس المعزول بشار الأسد، لكن الكثيرين منهم قد يشعرون الآن ببهجة أقل، بعد أن أثار بعض السياسيين الشك بشأن مستقبلهم في ألمانيا. هناك حوالي مليون شخص في ألمانيا يحملون جواز سفر سوري، جاء معظمهم في الفترة بين 2015 - 2016، حين قررت حكومة أنجيلا ميركل عدم إغلاق حدود ألمانيا أمام اللاجئين الفارين من الحرب الأهلية في سوريا. كانت الأجواء في ذلك الوقت تشير إلى أن ألمانيا ستتمكن من التعامل مع الوضع، أما الآن، فالأمور مختلفة تماماً. بعد ساعات من خبر سقوط نظام الأسد، احتدم نقاش سياسي حاد في ألمانيا بشأن ما إذا كان يجب على اللاجئين السوريين العودة إلى سوريا. وتُجرى انتخابات مبكرة في ألمانيا في الـ 23 من فبراير/شباط المقبل، ومع تصدّر الهجرة اهتمامات الناخبين، يشعر بعض السياسيين أن الحديث بحدة عن اللاجئين السوريين سيكسبهم أصواتاً. يجادل المحافظون المتشددون والسياسيون اليمينيون المتطرفون بأنه إذا كان السوريون قد فرّوا إلى ألمانيا هرباً من الأسد، فيمكنهم الآن العودة إلى سوريا. ويريد بعض اليمينيين وقف منح اللجوء للأشخاص القادمين من سوريا بشكل فوري. وقال ماركوس زودر، زعيم المحافظين في بافاريا: "إذا اختفى سبب اللجوء، فلا يوجد أساس قانوني للبقاء في البلاد". واقترح ينس سبان، نائب زعيم المجموعة البرلمانية لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ، استئجار طائرات ومنح السوريين ألف يورو لمغادرة البلاد. ونشرت زعيمة حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف، أليس فايدل، على منصة إكس قائلةً: "من الواضح أن كلّ من يحتفل في ألمانيا بـ "سوريا الحرة" لم يعد لديه أي سبب للفرار الآن، يجب أن يعود إلى سوريا على الفور". سارة فاغنكنخت، التي أسست هذا العام حزباً شعبوياً جديداً من اليسار المتطرف مناهضاً للهجرة، رددت الخطاب ذاته، وقالت خلال مقابلة مع مجلة شتيرن الألمانية: "أتوقع من السوريين الذين يحتفلون هنا بسيطرة الإسلاميين على السلطة في بلادهم، أن يعودوا إلى وطنهم في أقرب وقت ممكن". من ناحية أخرى، أعرب السياسيون اليساريون والخضر عن غضبهم، واصفين هذه التعليقات بأنها غير مسؤولة وشعبوية وغير لائقة، خاصة في ظل مدى غموض الوضع في سوريا. وقالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، وهي من حزب الخُضر: "من يحاول استغلال الوضع الحالي في سوريا لأغراض حزبه السياسية فقد الاتصال بواقع الشرق الأوسط". Reuters وأضافت بيربوك: "لا يمكن لأحد أن يتنبأ اليوم، وفي الأيام القليلة المقبلة، بما سيحدث في سوريا وما يعنيه ذلك بالنسبة للسياسة الأمنية". وكان بعض اليساريين أكثر حدة في خطابهم، إذ قال جان فان أكن، زعيم حزب اليسار الراديكالي "دي لينكه"، للصحفيين: "كل من يبدأ الآن بالحديث عن الترحيل إلى سوريا هم ببساطة، وعذراً على اللغة، أوغاد فاسدون". وأوقف المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في ألمانيا يوم الإثنين جميع الطلبات المعلقة من طالبي اللجوء السوريين. ويؤثر ذلك القرار على 47,270 سورياً في ألمانيا ينتظرون ردّاً على طلبهم للجوء. وقال المكتب في بيان مكتوب موجه لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، إنه يؤجل مؤقتاً إصدار القرارات بشأن المتقدمين من سوريا بطلبات لجوء، لأن الوضع في سوريا غير واضح تماماً، وإنه "واستناداً إلى الوضع الحالي والتطورات غير المتوقعة، لا يمكن في الوقت الراهن اتخاذ قرار نهائي بشأن نتيجة إجراءات اللجوء". ويقول المسؤولون إنه سيتم تقييم الطلبات مرة أخرى، وربما باستخدام معايير مختلفة، إذا أصبح الوضع أكثر استقراراً. وتشير الدراسات إلى أن السوريين الذين وصلوا قبل عقد من الزمن إلى ألمانيا هم في الغالب من الشباب، بمتوسط عمر يبلغ 25 عاماً، ويميلون إلى أن يكونوا ذوي مستويات تعليمية عالية ونسب توظيف جيدة. كما أن الرجال السوريين الذين وصلوا إلى ألمانيا في عام 2015، لديهم معدلات توظيف أعلى من الرجال الألمان المولودين في ألمانيا. ويعمل العديد من السوريين في مجال الرعاية الصحية، ويشمل ذلك خمسة آلاف طبيب، ومن غير المحتمل أن يكونوا راغبين في مغادرة ألمانيا إذا كان الوضع في سوريا غير مستقر. كما أن العديد منهم حصلوا على الجنسية الألمانية، ما يعني أنهم تعلموا اللغة الألمانية ويعيلون أنفسهم مالياً، حيث حصل 143 ألف سوري على الجنسية الألمانية بين عامي 2021 و 2023، ما يجعل السوريين الجنسية الأكبر من حيث عدد الحاصلين على جواز سفر ألماني. لكن لا يزال نحو 700 ألف سوري مصنفين ضمن فئات مختلفة من طالبي اللجوء، بعضهم مسجلون كلاجئين، والبعض الآخر مُنح اللجوء السياسي، فيما حصل العديد منهم على ما يُسمى بالحماية الفرعية، ما يعني أن بلدهم الأم غير آمن. وتجميد القرارات بشأن طلبات اللجوء المعلقة لا يعني بالضرورة أن ألمانيا ستتوقف عن استقبال اللاجئين من سوريا بمجرد أن تتضح الأمور. ولا يُفترض أن يؤثّر التجميد في الوقت الحالي على أولئك الذين مُنحوا مسبقاً حق اللجوء أو وضع اللاجئ. لكن بعض السياسيين يجادلون بأنه وبمجرد أن يصبح البلد الأصل آمناً، يصبح ممكناً للاجئين العودة إلى وطنهم، وقد يعني هذا فعلياً، وفي العديد من الحالات، سحب حقّهم الحالي في البقاء. وقبل عقد من الزمن فتحت ألمانيا ذراعيها للاجئين، والآن، فإن النقاش السياسي الشرس لن يؤدي إلا إلى زيادة حالة من عدم اليقين التي بدأ البعض يشعر بها.