logo
من الردع النووي إلى الردع الذكي

من الردع النووي إلى الردع الذكي

جهينة نيوزمنذ 4 أيام

تاريخ النشر : 2025-06-03 - 10:05 pm
من الردع النووي إلى الردع الذكي
منصور البواريد
في صمت ما قبل العاصفة، تحركت أوكرانيا في عمق الزمن والخريطة، خارج حدود التفكير التقليدي للحرب، لتنفيذ ما قد يُعد أكثر العمليات تعقيدًا ودهاءً منذ اندلاع الصراع مع روسيا. فالضربة الدرونية المنسقة استهدفت العمود الفقري للطيران الاستراتيجي الروسي، وقاذفات نووية بعيدة المدى وطائرات الإنذار المبكر، عبر هجوم طال قواعد عسكرية تبعد آلاف الكيلومترات عن أي جبهة اشتباك.
عملية استغرق تنظيمها عامًا ونصفا، نُفذت بهدوء القناص وجرأة لاعب الشطرنج الذي يرى ثماني خطوات إلى الأمام.
لم يكن الهجوم مجرد طلعة جوية عابرة، بل إعلان بداية مرحلة جديدة من الحرب، حيث تلعب الطائرات بدون طيار، المهربة والموجهة بالذكاء الاصطناعي، دورًا يتجاوز السلاح التكتيكي إلى أداة استراتيجية قادرة على قلب موازين القوى.
117 طائرة درون، بعضها مزود بتقنيات ذكاء اصطناعي متقدمة تشمل التوجيه التكيفي، والتحكم عن بعد بمعالجة بيانات في الزمن الحقيقي، وحتى تفادي الرصد الراداري تلقائيا، وجهت ضربة دقيقة إلى قاعدة بيلايا وأولينيا، حيث تتمركز قاذفات تو-95 وتو-22M3، بل وحتى طائرات A-50 المحورية في نظام الإنذار الروسي.
هذهِ ليست مجرد خسائر مادية، بل شلل مؤقت لقدرة الردع النووي الجوي، في زمن يتحدث فيه الجميع عن "نهاية الردع التقليدي" وولادة شكل جديد، وهو: الردع بالتكنولوجيا.
ما جرى هو اختراق استخباراتي بامتياز قبل أن يكون هجومًا عسكريا. فالمعلومات الأولية تشير إلى أنَّ أوكرانيا نجحت في التمويه على أجهزة الرصد الروسية باستخدام شاحنات روسية الهوية لنقل الدرونات داخل العمق الروسي، حيث تمركزت هناك في وضعية استعداد قبل أن تُطلق أسرابًا انتحارية باتجاه أهدافها داخل الأراضي الروسية، التي يُفترض أنها في مأمن، بل وفي أعلى درجات الحماية، هذا وحده يعد فضيحة استخباراتية كبرى على المستوى الاستراتيجي، ويكشف عن فجوة تقنية وعسكرية بين الجيشين، دفعت روسيا إلى تحويل ردعها من الهجوم الجوي المباشر إلى تعزيز الدفاعات الجوية التي أثبتت محدوديتها أمام هذا النوع من الهجمات.
أما البعد الأخطر، فهو التنسيق المسبق مع الولايات المتحدة. تقارير متعددة تشير إلى أنَّ أوكرانيا أبلغت البيت الأبيض عن العملية قبيل تنفيذها، مما يعزز فكرة أنَّ هذا الهجوم لم يكن مجرد رد عسكري، بل خطوة محسوبة ضمن حسابات الغرب الكبرى لاختبار مدى صلابة روسيا في عمقها الداخلي، وفحص تماسك قيادتها الأمنية في زمن التشققات السياسية والاستراتيجية.
وهو ما يعيد إلى الأذهان معادلة الردع الإقليمية التي تشمل إيران والصين، حيث تلعب الضربات غير المباشرة دورًا في إعادة رسم خريطة التوازنات الكبرى.
لكن السؤال الذي يلوح على بوابة كل تحليل هو: هل سيجنّ بوتين؟
حتى الآن، كان الرد الروسي يتمثل في هجمات بالدرونات الإيرانية الصنع (Geran-2) على ميناء أوديسا، لكن الحادث الأخير يتجاوز في رمزيته وتأثيره حدود المناوشات السابقة.
فمتى تضرب القاذفات النووية في عقر دارها، يصبح التفكير في ردٍّ غير تقليدي احتمالًا لا يمكن تجاهله.
فالرد الروسي قد لا يكون فوريا، لكنه قادم بثقل تاريخي واستراتيجي، والعقيدة العسكرية الروسية لا تسمح ببقاء هذا النوع من التحديات دون رد قوي، يهدف إلى ردع المستقبل قبل أن ينتقم من الحاضر. ومع كل هجوم دروني يكشف محدودية الدفاعات الجوية الروسية، تتسع دائرة القلق في الكرملين من أن يتحول الهجوم التالي إلى اختبار أكثر جرأة، ربما يستهدف مراكز القيادة، أو أنابيب الطاقة، أو حتى ما هو أخطر من ذلك.
الرسائل الضمنية في هذا الهجوم عديدة وواضحة، ومنها:
أوكرانيا تجاوزت منطق الدفاع إلى مبدأ الهجوم الاستراتيجي الوقائي.
الحرب لم تعد تدور حول السيطرة على الأراضي فقط، بل حول الرمزية العسكرية والهيبة النووية.
التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي غيّرا قواعد اللعبة: لم يعد الانتصار مرهونًا بحجم الجيوش، بل بعمق الابتكار والتفوق التقني.
الغرب يراقب مدى "اتزان بوتين" تحت الضغط، في لحظة اختبار لقدرة روسيا على امتصاص الضربات دون الانزلاق إلى سيناريوهات أكثر جنونًا.
في هذا الهجوم، يمكننا قراءة الملامح الأولى لحرب عالمية غير معلنة، تُدار أدواتها بصمت السيليكون، لا بصوت المدافع.
لقد أُدخل العالم، دون إعلان رسمي، في مرحلة "الردع بالتكنولوجيا"، حيث الطائرات المُسيرة تفوق فاعليتها بعض أنظمة الصواريخ التقليدية، وحيث الدول لم تعد تحتاج إلى قواعد عسكرية ضخمة بقدر حاجتها إلى برمجيات فائقة الذكاء ومسارات تهريب متقنة.
لكن المثير في هذا المشهد ليسَ مجرد النجاح التكتيكي، بل ما كشفه من ضعف بنيوي في العمق الروسي، ومن تسارع في توظيف الذكاء الاصطناعي داخل أنظمة السلاح، حتى أصبح بالإمكان توجيه الدرونات وفق تحليلات فورية للحركة الجوية وتقدير نقاط الضعف في نظام الدفاع.
ولعل ما غاب عن المشهد العام هو قراءة داخلية للتحول الذي طرأ في العقيدة الأوكرانية نفسها. أوكرانيا لم تعد فقط جبهة دفاع غربية، بل فاعل مستقل يمارس شكلًا جديدًا من الردع، يصنع به ميزان قوى مؤقت يضع روسيا أمام اختبار مزدوج: تقني واستراتيجي.
ويبقى السؤال الذي يجول في الأذهان:
هل سترد روسيا بحرب سيبرانية موسعة؟
وهل ستعيد تموضع قاذفاتها النووية؟
وهل ستُحمّل الغرب المسؤولية المباشرة وتوسع نطاق الصراع إلى أبعاد إقليمية أوسع؟
في هذا الزمن المتقلب، لا شيء مستبعد ..
لكن أخطر ما قد يحدث، هو أن يتحول الذكاء الاصطناعي من أداة قتال إلى لاعب مستقل في ساحة حرب لم تعد البشرية تملك مفاتيحها بالكامل.
تابعو جهينة نيوز على

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

باسم مستعار ورؤية «متمردة».. ابنة بوتين «السرية» تثير الجدل في فرنسا
باسم مستعار ورؤية «متمردة».. ابنة بوتين «السرية» تثير الجدل في فرنسا

سواليف احمد الزعبي

timeمنذ 2 ساعات

  • سواليف احمد الزعبي

باسم مستعار ورؤية «متمردة».. ابنة بوتين «السرية» تثير الجدل في فرنسا

#سواليف في قلب #باريس، حيث يلتقي الفن بالسياسة في لوحات تعبر عن رفض #حرب_أوكرانيا، تبرز شخصية يُعتقد أنها الابنة السرية للرئيس الروسي #فلاديمير_بوتين. فتحت اسم مستعار يحجب ماضيها العائلي، تعمل إليزافيتا رودنوفا، الشابة البالغة من العمر 22 عامًا، التي يُعتقد أنها الابنة السرية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في معارض فنية ترفض حرب أوكرانيا، متحالفة مع فنانين أوكرانيين ومنشقين روس. بحسب تقرير لصحيفة ذا صن، تعمل إليزافيتا، 22 عامًا، في معرضين فنيين بارزين في باريس، معروفين بدعمهما للفنانين الذين يعارضون الحرب، ويعرضان أعمالًا فنية تعبر عن رفض العملية الروسية في أوكرانيا. وتتعاون إليزافيتا مع فنانين أوكرانيين ومنشقين روس، مما يثير جدلاً واسعًا بسبب خلفيتها العائلية المفترضة، حيث يُنظر إليها على أنها ابنة «رئيس النظام الذي تسبب في معاناة هؤلاء الفنانين وأوطانهم»، بحسب الصحيفة. وفي محاولة واضحة لإخفاء صلتها بالرئيس بوتين، تخلّت إليزافيتا عن اسمها الأصلي المرتبط به، واعتمدت اسم 'رودنوفا'، وهو اسم مستعار مستوحى من أوليغ رودنوف، الحليف المقرب الراحل من بوتين. ويعكس هذا التغيير في الاسم رغبتها في الانفصال عن صورة والدها السياسية، وربما محاولة لإعادة بناء هويتها بعيدًا عن الأعباء التي يحملها اسم بوتين في الأوساط الفنية والمجتمعية التي تنشط فيها. وتشمل مهام إليزافيتا في المعارض الفنية تنظيم الفعاليات، والإشراف على المعارض، بالإضافة إلى تصوير الفيديوهات التي تعبر عن رسائل فنية وثقافية مناهضة للحرب. هذا الدور جعلها محط أنظار وانتقادات من بعض المنفيين الروس والفنانين الأوكرانيين الذين يرون في وجودها نوعًا من التناقض أو حتى استفزازًا، خاصة أنها تنتمي إلى عائلة يُعتقد أنها استفادت من النظام الروسي. أما والدتها، سفيتلانا كريفونوجيخ، فهي شخصية مثيرة للجدل أيضًا، حيث فُرضت عليها عقوبات من قبل المملكة المتحدة في عام 2023 بسبب قربها من النظام الروسي. وتُعتبر من الدائرة المقربة لبوتين وتمتلك ثروة هائلة تقدر بمئات الملايين من الدولارات. وقد كشفت تحقيقات استقصائية أجرتها مجموعة 'برويكت' أن سفيتلانا كانت عشيقة سابقة للرئيس بوتين، مما يضيف مزيدًا من الغموض حول علاقة إليزافيتا بالرئيس الروسي. وُلدت إليزافيتا في مارس/آذار عام 2003، ولم تصدر عنها أو عن الكرملين أي تصريحات رسمية تؤكد أو تنفي صلتها ببوتين. لكن توقيت ولادتها وشبهها الواضح بالرئيس الروسي، إلى جانب ثراء والدتها الفاحش، ساهم في تغذية التكهنات والشائعات حول وجود علاقة أسرية سرية. وينتقد معارضو النظام الروسي هذه العلاقة ويصفونها بأنها جزء من 'الإمبراطورية الخفية' التي بناها بوتين لأفراد أسرته وأصدقائه المقربين، والتي تستفيد من السلطة والثروة بعيدًا عن أعين الجمهور. رسميًا، يعترف بوتين بوجود ابنتين فقط من زواجه السابق من لودميلا بوتينا، وهما ماريا وكاترينا، اللتين أنجبهما قبل طلاقهما في عام 2014. لكن الشائعات المتداولة تشير إلى أنه أنجب أبناء آخرين من علاقات غير معلنة، بينهم ولدان يُقال إنهما من لاعبة الجمباز السابقة ألينا كاباييفا، مما يزيد من الغموض المحيط بحياته الشخصية وأسرته.

ترامب: طلبت من بوتين عدم الرد على هجوم أوكرانيا
ترامب: طلبت من بوتين عدم الرد على هجوم أوكرانيا

عمون

timeمنذ 2 أيام

  • عمون

ترامب: طلبت من بوتين عدم الرد على هجوم أوكرانيا

عمون - أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الخميس، أنه طلب من نظيره الروسي فلاديمير بوتين عدم الرد على الهجوم الأوكراني على القواعد الجوية الروسية. وقال ترامب خلال لقائه المستشار الألماني، فريدريش ميرتس، في البيت الأبيض: "قلت (لفلاديمير بوتين): لا تفعل ذلك. عليك أن لا تفعل ذلك. يجب أن تتوقف. لكن مجدداً، هناك كراهية شديدة (بين أوكرانيا وروسيا)"، وفق فرانس برس. "استمرار الاتصالات" يأتي ذلك فيما أعلن الكرملين بوقت سابق الخميس أن روسيا سترد على الهجمات التي شنتها أوكرانيا بالآونة الأخيرة في الوقت الذي تراه مناسباً، مشيراً إلى أن بوتين أبلغ ترامب بأن موسكو تتمسك بالرد على هذه الهجمات. رغم ذلك لفت المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، خلال إفادته الصحافية اليومية، إلى أن بوتين دعم وجهة نظر وزير الخارجية سيرغي لافروف في اجتماع عقد الأربعاء بضرورة استمرار الاتصالات مع المسؤولين مع أوكرانيا. لقاء مباشر.. وعقوبات وأضاف بيسكوف أن بوتين وترامب لم يناقشا عقد لقاء مباشر خلال حديثهما الأربعاء، مشيراً إلى وجود تفاهم عام على ضرورة عقد مثل هذا اللقاء، لكن ينبغي التحضير له جيداً. كما أردف أن الجانبين لم يناقشا أيضاً إمكانية رفع العقوبات المفروضة على روسيا، حسب رويترز. العربية نت

الظل لا يُعارض مصدره
الظل لا يُعارض مصدره

الانباط اليومية

timeمنذ 3 أيام

  • الانباط اليومية

الظل لا يُعارض مصدره

منصور البواريد حين تضعف اللغة، تتعرى النوايا. في تصريح وزير الخارجية الأمريكي، لا تكمن الخطورة في محتواه المباشر، فهو متوقع ومتكرر، بل في ما تقوله كلماته عن المرحلة المقبلة. "الفيتو لحماية إسرائيل"، "حماس يجب أن تنزع سلاحها"، "لا نريد خطوات تقوض الجهود الدبلوماسية".. كل ذلك لا يعكس سياسة عمياء لإسرائيل فحسب، بل إعلان أمريكي صريح، وهذا الإعلان هو: الدبلوماسية هنا مشروطة بمصير سلاح الطرف الأضعف، لا الطرف الأقوى. هذا النوع من الخطاب لا يبني حلولا، بل ينحت سردية مفخخة، وهي: أنَّ أي عدوان إسرائيلي له غطاء شرعي طالما قُدِّم على أنَّه دفاع عن النفس، لكن من الذي يُعرِّف الدفاع عن النفس؟ إسرائيل نفسها.. ومن الذي يُسائل هذا التعريف؟ لا أحد. وحتى مجلس الأمن، حين يتجرأ على طرح تسوية لا ترضى عنها تل أبيب، يُلجم بالفيتو الأمريكي. في المشهد الإسرائيلي الداخلي، ثمة أزمة تكتيكية تأخذ شكلًا مؤسسيًّا، وهي: أزمة تجنيد الحريديم، الأزمة الأخطر داخل الائتلاف الحاكم، لا لأنَّها ستُسقط الحكومة، بل لأنَّها تكشف بنية الهشاشة التي بُنيت عليها كل "وحدة إسرائيلية" منذ أكتوبر 2023، ومن يراقب الداخل الإسرائيلي يدرك أنَّ مسألة "حل الكنيست" ليست نهاية الأزمة، بل مجرد فصل جديد منها، حيث تنتقل الصراعات من البرلمان إلى الشارع، ومن الكتل الحزبية إلى المتدينين الذين لا يؤمنون بالدولة أصلًا. نتنياهو في قلب هذه المعادلة لا بصفته قائدًا فقط، بل باعتباره رمز البقاء السياسي، رجل السرديات المرنة، الذي كلما ضاق عليه المشهد، انتج له مخرجًا لغويًّا أو أمنيًّا أو انتخابيًّا. الخطأ الاستراتيجي العربي ليسَ في العجز عن التدخل، بل في الإحساس بأنَّ الأزمة داخل إسرائيل هي انتصار للحق الفلسطيني أو هزيمة للمنظومة الصهيونية، فما يَجري ليسَ بداية تآكل، بل صراع على ترتيب الأولويات داخل المنظومة نفسها، ومن يراهن على انقسام داخلي في إسرائيل ليوقف المجازر في غزة، يقرأ السياسة وكأنَّها مشهد درامي أخلاقي، لا منظومة مصالح. فاليمين واليسار في إسرائيل يختلفان على شكل الحكم، لا على هدف الحرب. ففكرة "حسم غزة" أو "إخضاع حماس" ليست خلافية، الخلاف يكمن في التوقيت، والتكتيك، وشكل التغطية الإعلامية، لا في المبدأ. تأتي خطورة التصريح الأمريكي، لأنَّه لا يهدف فقط إلى حماية إسرائيل، بل إلى تثبيت سردية ما بعد الحرب، وتتمثل السردية: بأنَّ بقاء إسرائيل واستمرار وجودها مشروط بتفكيك خصومها، لا بمراجعة سياساتها، وأنَّ أمن الإسرائيليين يعني نزع سلاح غزة، لا نزع أسباب الاحتلال.. إنَّها لحظة دولية يعاد فيها تعريف "السلام" على أنَّه ما يُرضي المنتصر، لا ما يُنهي الظلم. تصريح وزير خارجية إسرائيل بالشكر العلني لواشنطن لا يحمل مُجرَّد عرف دبلوماسي، بل إشارة إلى تواطؤ مُعلن، تتوارى فيه الحدود بين الشريك والتابع، بين الحليف والممول السياسي، بين من يستخدم الفيتو ومن يكتب نصه الأولي. أما التصريح الفلسطيني بأنَّ "الفيتو الأمريكي تأكيد على رعاية واشنطن للإجرام"، فهو يصدق في خطورته، لكنه يخفق حين يُبنى عليه أي افتراض سياسي بوجود نية دولية لتغيير الموقف. فالديناميات في واشنطن ليست أخلاقية، بل انتخابية واستراتيجية، تتقاطع فيها مصالح اللوبي الإسرائيلي، مع التنافس الحزبي الداخلي، ومع صراع أمريكا الأوسع على النفوذ العالمي. البراغماتية تفرض قراءة مختلفة، وهذا ليس صراعًا على غزة فقط، بل اختبار لبقاء مفاهيم السيادة، والعدالة الدولية، والحق في المقاومة، أمام منظومة عالمية باتت تُدار بمنطق القوة العارية، والدبلوماسية الشكلية. فلا أحد ينتظر من أمريكا أن تغير موقفها، لكن المطلوب هو ألا نقع أسرى لتحليلات رومانسية تعتقد أنَّ أزمات إسرائيل تعني حلولًا للفلسطينيين. النظام الإسرائيلي قادر على إعادة التشكيل، والمعارضة فيه لا تعني انقلابًا على العقيدة الأمنية، بل منافسة على إدارة نفس الفكرة، وتتمثل الفكرة ب: كيف تحافظ إسرائيل على تفوقها، حتى في حال انكشافها؟ لكن الخطر الحقيقي الذي يتشكل الآن، ويبدو أكثر احتمالًا من تفكك الائتلاف الإسرائيلي نفسه، هو أن يتم تجاوز المرحلة الحالية دون أي كلفة سياسية على إسرائيل، فإذا استطاع نتنياهو البقاء في الحكم، وأُنهكت غزة عسكريًّا واجتماعيًّا دون ردع دولي أو إقليمي، فإنَّ ذلك سيعيد تشكيل معادلة الردع في المنطقة كلها، وسيفتح الباب أمام "نموذج غزة" ليُطبِّق لاحقًا في ساحات عربية أخرى، تحت نفس الغطاء..

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store