
الظل لا يُعارض مصدره
منصور البواريد
حين تضعف اللغة، تتعرى النوايا. في تصريح وزير الخارجية الأمريكي، لا تكمن الخطورة في محتواه المباشر، فهو متوقع ومتكرر، بل في ما تقوله كلماته عن المرحلة المقبلة. "الفيتو لحماية إسرائيل"، "حماس يجب أن تنزع سلاحها"، "لا نريد خطوات تقوض الجهود الدبلوماسية".. كل ذلك لا يعكس سياسة عمياء لإسرائيل فحسب، بل إعلان أمريكي صريح، وهذا الإعلان هو: الدبلوماسية هنا مشروطة بمصير سلاح الطرف الأضعف، لا الطرف الأقوى.
هذا النوع من الخطاب لا يبني حلولا، بل ينحت سردية مفخخة، وهي: أنَّ أي عدوان إسرائيلي له غطاء شرعي طالما قُدِّم على أنَّه دفاع عن النفس، لكن من الذي يُعرِّف الدفاع عن النفس؟ إسرائيل نفسها.. ومن الذي يُسائل هذا التعريف؟ لا أحد.
وحتى مجلس الأمن، حين يتجرأ على طرح تسوية لا ترضى عنها تل أبيب، يُلجم بالفيتو الأمريكي.
في المشهد الإسرائيلي الداخلي، ثمة أزمة تكتيكية تأخذ شكلًا مؤسسيًّا، وهي: أزمة تجنيد الحريديم، الأزمة الأخطر داخل الائتلاف الحاكم، لا لأنَّها ستُسقط الحكومة، بل لأنَّها تكشف بنية الهشاشة التي بُنيت عليها كل "وحدة إسرائيلية" منذ أكتوبر 2023، ومن يراقب الداخل الإسرائيلي يدرك أنَّ مسألة "حل الكنيست" ليست نهاية الأزمة، بل مجرد فصل جديد منها، حيث تنتقل الصراعات من البرلمان إلى الشارع، ومن الكتل الحزبية إلى المتدينين الذين لا يؤمنون بالدولة أصلًا. نتنياهو في قلب هذه المعادلة لا بصفته قائدًا فقط، بل باعتباره رمز البقاء السياسي، رجل السرديات المرنة، الذي كلما ضاق عليه المشهد، انتج له مخرجًا لغويًّا أو أمنيًّا أو انتخابيًّا.
الخطأ الاستراتيجي العربي ليسَ في العجز عن التدخل، بل في الإحساس بأنَّ الأزمة داخل إسرائيل هي انتصار للحق الفلسطيني أو هزيمة للمنظومة الصهيونية، فما يَجري ليسَ بداية تآكل، بل صراع على ترتيب الأولويات داخل المنظومة نفسها، ومن يراهن على انقسام داخلي في إسرائيل ليوقف المجازر في غزة، يقرأ السياسة وكأنَّها مشهد درامي أخلاقي، لا منظومة مصالح.
فاليمين واليسار في إسرائيل يختلفان على شكل الحكم، لا على هدف الحرب. ففكرة "حسم غزة" أو "إخضاع حماس" ليست خلافية، الخلاف يكمن في التوقيت، والتكتيك، وشكل التغطية الإعلامية، لا في المبدأ.
تأتي خطورة التصريح الأمريكي، لأنَّه لا يهدف فقط إلى حماية إسرائيل، بل إلى تثبيت سردية ما بعد الحرب، وتتمثل السردية: بأنَّ بقاء إسرائيل واستمرار وجودها مشروط بتفكيك خصومها، لا بمراجعة سياساتها، وأنَّ أمن الإسرائيليين يعني نزع سلاح غزة، لا نزع أسباب الاحتلال.. إنَّها لحظة دولية يعاد فيها تعريف "السلام" على أنَّه ما يُرضي المنتصر، لا ما يُنهي الظلم.
تصريح وزير خارجية إسرائيل بالشكر العلني لواشنطن لا يحمل مُجرَّد عرف دبلوماسي، بل إشارة إلى تواطؤ مُعلن، تتوارى فيه الحدود بين الشريك والتابع، بين الحليف والممول السياسي، بين من يستخدم الفيتو ومن يكتب نصه الأولي.
أما التصريح الفلسطيني بأنَّ "الفيتو الأمريكي تأكيد على رعاية واشنطن للإجرام"، فهو يصدق في خطورته، لكنه يخفق حين يُبنى عليه أي افتراض سياسي بوجود نية دولية لتغيير الموقف. فالديناميات في واشنطن ليست أخلاقية، بل انتخابية واستراتيجية، تتقاطع فيها مصالح اللوبي الإسرائيلي، مع التنافس الحزبي الداخلي، ومع صراع أمريكا الأوسع على النفوذ العالمي.
البراغماتية تفرض قراءة مختلفة، وهذا ليس صراعًا على غزة فقط، بل اختبار لبقاء مفاهيم السيادة، والعدالة الدولية، والحق في المقاومة، أمام منظومة عالمية باتت تُدار بمنطق القوة العارية، والدبلوماسية الشكلية.
فلا أحد ينتظر من أمريكا أن تغير موقفها، لكن المطلوب هو ألا نقع أسرى لتحليلات رومانسية تعتقد أنَّ أزمات إسرائيل تعني حلولًا للفلسطينيين.
النظام الإسرائيلي قادر على إعادة التشكيل، والمعارضة فيه لا تعني انقلابًا على العقيدة الأمنية، بل منافسة على إدارة نفس الفكرة، وتتمثل الفكرة ب: كيف تحافظ إسرائيل على تفوقها، حتى في حال انكشافها؟
لكن الخطر الحقيقي الذي يتشكل الآن، ويبدو أكثر احتمالًا من تفكك الائتلاف الإسرائيلي نفسه، هو أن يتم تجاوز المرحلة الحالية دون أي كلفة سياسية على إسرائيل، فإذا استطاع نتنياهو البقاء في الحكم، وأُنهكت غزة عسكريًّا واجتماعيًّا دون ردع دولي أو إقليمي، فإنَّ ذلك سيعيد تشكيل معادلة الردع في المنطقة كلها، وسيفتح الباب أمام "نموذج غزة" ليُطبِّق لاحقًا في ساحات عربية أخرى، تحت نفس الغطاء..

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوكيل
منذ 5 ساعات
- الوكيل
وزير الخارجية الفرنسي: عازمون على الاعتراف بدولة فلسطين
الوكيل الإخباري- اضافة اعلان قال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إن مسألة "الدولة الفلسطينية" ستُطرح في نيويورك "خلال أيام قلائل"، مؤكدا عزم باريس على الاعتراف بدولة فلسطينية في يونيو.وفي شهر أبريل، أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون أن فرنسا تعتزم الاعتراف بدولة فلسطينية في يونيو، معتبرا أن هذا الاعتراف لا يشكل مجرد واجب أخلاقي، بل هو ضرورة سياسية، وهذا ما أكده جان نويل بارو عبر إذاعة RTL.وأوضح بارو قائلا: "نحن عازمون، بمناسبة مؤتمر سيُعقد خلال أيام قليلة في نيويورك، على أن نُشرك معنا عددا من الدول، بل أيضا جميع الأطراف المعنية، ولا سيما السلطة الفلسطينية، والدول العربية في المنطقة، من أجل الالتزام برفع كل العقبات التي تعترض طريق إنشاء ووجود دولة فلسطين".وشدد على أن "هناك ضرورة مطلقة بالطبع، وهي معالجة مسألة نزع سلاح حماس، لأنه لا يمكن تصور مستقبل للسلام والاستقرار في غزة وفلسطين دون استبعاد حماس".وتسعى فرنسا بالتالي إلى الاعتراف بدولة فلسطينية في إطار تحرك جماعي، فيما صرح وزير خارجيتها بالقول: "كنا نستطيع، فرنسا كانت تستطيع، اتخاذ قرار رمزي، لكن هذا ليس الخيار الذي اعتمدناه، لأن لدينا مسؤولية خاصة. إنها فرنسا، العضو الدائم في مجلس الأمن. وإذا قمنا بذلك، فسيكون بهدف إحداث تغيير حقيقي وجعل وجود دولة فلسطين أكثر مصداقية، وأكثر قابلية للتحقق".في المقابل، أعلن وزير المالية الإسرائيلي بيتسيل سموتريتش عن خطة تصعيدية شاملة في الضفة الغربية في حال واصلت فرنسا ودول أوروبية أخرى دفعها نحو الاعتراف بدولة فلسطين.وفي وقت سابق، وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أفعال الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في قطاع غزة بـ"المدعاة للخزي والعار"، ليتهمه الأخير بدعم حركة "حماس".


وطنا نيوز
منذ 8 ساعات
- وطنا نيوز
لا تتشاجروا يا شباب!.. مدفيديف يقترح ساخرا التوسط بين ترامب وماسك لكن بمقابل
وطنا اليوم:سخر نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديميتري ميدفيديف، من الحرب الكلامية المشتعلة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والملياردير إيلون ماسك، عارضاً التوسط لإحلال السلام بين الحليفين السابقين. ونشر ميدفيديف، الرئيس ورئيس الوزراء الروسي السابق، على منصة 'إكس': 'نحن مستعدون لتسهيل إبرام اتفاقية سلام بين D وE مقابل رسوم معقولة، وقبول أسهم ستارلينك كدفعة'. كما أضاف ميدفيديف، متضمناً رمزاً تعبيرياً لوجه يصرخ: 'لا تتشاجروا يا رفاق!'. ويشتهر ميدفيديف بفكاهته الساخرة، واللاذعة أحياناً، على وسائل التواصل الاجتماعي. سجال علني أتى تعليق المسؤول الروسي بعدما بلغ السجال ذروته أمس بين ترامب وماسك إثر تبادل الانتقادات اللاذعة بين الحليفين السابقين. جاءت تلك الحرب الكلامية الشعواء بعدما ندد ماسك، الثلاثاء، بمشروع قانون الميزانية الضخم الذي يسعى ترامب لإقراره في الكونغرس، ويصفه بأنه 'كبير وجميل ورائع'، وبعد أقل من أسبوع على حفل وداعي أقامه ترامب لماسك في المكتب البيضوي مع انتهاء مدة توليه إدارة هيئة الكفاءة المكلفة خفض النفقات الفيدرالية. وتجاوز الخلاف بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والملياردير إيلون ماسك كل التوقعات حسب الخبير الروسي فلاديمير جار الله، الذي اعتبر أن نزاعهما 'مشاجرة سوقية من أكثر الأنواع ابتذالا'. وقال جار الله: 'من الواضح أن ماسك فقد صوابه بسبب انخراطه في السلطة — هذه قصة مألوفة، لكن القمة لا تتسع إلا لواحد. وكان الجميع يتطلعون ليس إلى الاستقالة نفسها، بل إلى الفضيحة التي ستليها، وقد تجاوزت كل التوقعات'. وأضاف: 'أدرك ماسك أنه تم استخدامه ثم التخلص منه، لكنه لا يريد تقبل ذلك. سنشهد سقوط عملاق، حيث ستختفي إمبراطورية ماسك أمام أعين العالم. ومع ذلك، يكتشف ترامب أيضا صحة المثل القائل: سلامٌ هزيل خير من حرب طاحنة'. ويوم الخميس، نشبت مشادة كلامية علنية بين ماسك وترامب بسبب مشروع الميزانية الذي اقترحه الرئيس الأمريكي، والذي وصفه ماسك يوم الثلاثاء بأنه 'قذارة مقززة'. كما دعا ماسك يوم الأربعاء إلى 'قتل مشروع القانون'، ورد ترامب بأنه يشعر بخيبة أمل من ماسك لأنه 'فعل الكثير من أجله'. وبعد ذلك، اعتبر ماسك أن ترامب أصبح رئيسا بفضله. يشار إلى أن المشادة تسببت في انخفاض أسعار أسهم شركة ماسك 'تسلا' (Tesla) عند افتتاح تداولات وول ستريت يوم أمس الخميس بنسبة تقارب 14%.


الوكيل
منذ 9 ساعات
- الوكيل
وزير الخارجية الفرنسي: عازمون على الاعتراف بدولة فلسطين
الوكيل الإخباري- اضافة اعلان قال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إن مسألة "الدولة الفلسطينية" ستُطرح في نيويورك "خلال أيام قلائل"، مؤكدا عزم باريس على الاعتراف بدولة فلسطينية في يونيو.وفي شهر أبريل، أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون أن فرنسا تعتزم الاعتراف بدولة فلسطينية في يونيو، معتبرا أن هذا الاعتراف لا يشكل مجرد واجب أخلاقي، بل هو ضرورة سياسية، وهذا ما أكده جان نويل بارو عبر إذاعة RTL.وأوضح بارو قائلا: "نحن عازمون، بمناسبة مؤتمر سيُعقد خلال أيام قليلة في نيويورك، على أن نُشرك معنا عددا من الدول، بل أيضا جميع الأطراف المعنية، ولا سيما السلطة الفلسطينية، والدول العربية في المنطقة، من أجل الالتزام برفع كل العقبات التي تعترض طريق إنشاء ووجود دولة فلسطين".وشدد على أن "هناك ضرورة مطلقة بالطبع، وهي معالجة مسألة نزع سلاح حماس، لأنه لا يمكن تصور مستقبل للسلام والاستقرار في غزة وفلسطين دون استبعاد حماس".وتسعى فرنسا بالتالي إلى الاعتراف بدولة فلسطينية في إطار تحرك جماعي، فيما صرح وزير خارجيتها بالقول: "كنا نستطيع، فرنسا كانت تستطيع، اتخاذ قرار رمزي، لكن هذا ليس الخيار الذي اعتمدناه، لأن لدينا مسؤولية خاصة. إنها فرنسا، العضو الدائم في مجلس الأمن. وإذا قمنا بذلك، فسيكون بهدف إحداث تغيير حقيقي وجعل وجود دولة فلسطين أكثر مصداقية، وأكثر قابلية للتحقق".في المقابل، أعلن وزير المالية الإسرائيلي بيتسيل سموتريتش عن خطة تصعيدية شاملة في الضفة الغربية في حال واصلت فرنسا ودول أوروبية أخرى دفعها نحو الاعتراف بدولة فلسطين.وفي وقت سابق، وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أفعال الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في قطاع غزة بـ"المدعاة للخزي والعار"، ليتهمه الأخير بدعم حركة "حماس".