أحدث الأخبار مع #منصورالبواريد


جهينة نيوز
منذ 7 ساعات
- سياسة
- جهينة نيوز
شرعية القوة أم قوة الشرعية؟
تاريخ النشر : 2025-06-02 - 05:27 pm منصور البواريد إذا أردنا تفكيك المشهد الآسيوي الراهن بعيون سياسية حادة ودبلوماسية عميقة، فعلينا أولًا أن نُقر بحقيقة مركزيةبأنَّ آسيا لم تعد حلبة صراع بين قوى إقليمية تبحث عن توازن، بل تحولت إلى مختبرٍ فعلي لإعادة تعريف من يملك شرعية القيادة في النظام الدولي.. فلا نتحدث عن خلاف حدودي أو تنافس اقتصادي بسيط، بل عن تصادم مشروعين متكاملين، ألا وهما: مشروع الهيمنة الأمريكية المستمرة، ومشروع الصين الطامح إلى إعادة تشكيل النظام العالمي من بوابة آسيا. عندما تصف الخارجية الصينية الولايات المتحدة بأنَّها "دولة هيمنة" ومصدر اضطراب للسلام والاستقرار، فهي لا تستخدم لغة شعاراتية أو خطابًا موجهًا للاستهلاك الإعلامي، بل تُرسل إشارة واضحة ومركزة إلى واشنطن وحلفائها، مضمونها أنَّ بكين لم تعد ترى في الحضور الأمريكي ضمانًا للاستقرار، بل عبئًا استراتيجيًّا على المنطقة، وهذا التحول في الخطاب ليس عاطفيًّا ولا أيديولوجيا، بل قائم على قراءات دقيقة للواقع المتغير في موازين القوى، وخاصة بعد تصاعد السياسات الأمريكية في بحر الصين الجنوبي، وصفقات الأسلحة إلى تايوان، والتوسع المتسارع لشبكة تحالفات مثل AUKUS وQUAD. فالولايات المتحدة، منذ نهاية الحرب الباردة، تعاملت مع آسيا كمنطقة نفوذ استراتيجي غير قابل للمساس. حلفاؤها التقليديون، مثل اليابان، وكوريا الجنوبية، وأستراليا، كانوا ركيزة مشروع الاحتواء، بينما كانت تحركاتها في المحيطين الهندي والهادئ تعبيرًا عن ما تسميه "حرية الملاحة"، لكنه في العمق ترجمة عسكرية لسياسة ردع الصين من الاقتراب من صفة "القوة القائدة". واللافت أنَّ هذهِ الاستراتيجية لم تعد كافية لإقناع حتى بعض الحلفاء؛ ففي قمة شانغري-لا الأمنية، ظهرت أصوات آسيوية تدعو إلى استقلالية استراتيجية، بعيدًا عن الاصطفاف الصريح مع واشنطن. لكن الصين، بتراكمها السياسي والاقتصادي والعسكري، لم تعد في موقع الدفاع، بل باتت تمارس نوعًا من "الهجوم الدبلوماسي الهادئ"، هي لا تُطلق الرصاص، بل تُطلق مشاريع الربط، وشبكات الطاقة، والتكنولوجيا، وتعيد بناء شراكات قائمة على الربح المتبادل، لا على الحماية العسكرية. وهنا بالضبط يكمن جوهر التحول، من خلال: واشنطن ما زالت تقدم القوة العسكرية كضمان للاستقرار، في حين أنَّ بكين تُقدم التنمية المشتركة كبديل لذلك. الصراع لم يعد فقط على من يردع، بل على من يُقنع، وخاصة في الملفات الحساسة مثل الذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، وسلاسل التوريد، والطاقة الخضراء، حيث باتت الصين تُنافس أمريكا في العمق لا في الأطراف فقط. ما تقوله الصين ليس فقط موجهًا لأمريكا، بل لحلفاء واشنطن في آسيا أيضًا، فبكين تقول ضمنًا: إنَّ الاستقرار الذي تتوهمونه تحت المظلة الأمريكية هو استقرار هش، لأنَّه قائم على تناقض بنيوي بحيث لا يمكن لقوة خارجية أن تضمن التوازن في منطقة لم تعد تقبل الوصاية، فهذه الرسالة، وإن لم تُقال صراحة، وصلت إلى عواصم كمانيلا ونيودلهي وكوالالمبور، وهي اليوم تعيد تقييم خياراتها في ضوء التحولات الدولية الجارية، بل إنَّ بعضها بدأ يعيد التموضع بحذر، كما نرى في انفتاح الهند على الصين في ملفات BRICS، أو تردد الفلبين بين الصين والولايات المتحدة في النزاعات البحرية. الولايات المتحدة تدرك هذا التحول، لكنها حتى الآن تُصر على استخدام أدوات القرن العشرين لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين من خلال عقيدتها العسكرية، وخطابها السياسي، وطريقة إدارتها لتحالفاتها، كلها تشير إلى تمسكها بمفهوم "القيادة التي لا تُناقش"، بدل الانفتاح على نظام تعددي جديد. بكين، على النقيض، تبني خطابها على قاعدة الاحترام المتبادل للسيادة، لكنها تُدرك أنَّ الشرعية الدولية لا تُمنح، بل تُنتزع من خلال الفعل الواقعي، ولهذا لا تعتمد على الخطاب وحده، بل تُرفقه بتحركات دقيقة في مجالات التكنولوجيا، والتجارة، الطاقة، والتكامل الإقليمي، ومن خلال أدوات صلبة مثل البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، ومبادرة الحزام والطريق، واتفاقيات التجارة الحرة التي باتت تتجاوز نفوذ الدولار الأمريكي. فإنَّ القلق الأمريكي ليس من "نية" الصين، بل من "قدرتها"، فبكين لم تعد قوة صاعدة فقط، بل قوة متماسكة تمتلك رؤية، أدوات، وصبر استراتيجي، وحلفاء جدد ليسوا خاضعين، بل مقتنعين، وما يُقلق واشنطن أكثر هو أنَّ نموذج الصين في إدارة الشأن الدولي يُغري بعض النخب الإقليمية التي سئمت من الوصاية الغربية المقنَّعة، والأهم أنَّ الصين لا تطلب من الشركاء أن يختاروا بينها وبين واشنطن، بل تمنحهم فسحة مرنة للتموضع الذكي، وهو ما يفسر نجاحها النسبي في جذب بعض دول الخليج، وآسيا الوسطى، وشرق أفريقيا، إلى مظلتها الاستثمارية دون ضجيج سياسي. لكن دعنا لا نقع في فخ القراءة الرغبوية فلا الصين قادرة حاليًّا على إزاحة أمريكا تمامًا، ولا أمريكا قادرة على احتواء الصين كما احتوت خصومها السابقين. المشهد الآن معقد، فنحن أمام لحظة ازدحام استراتيجي لا نصر حاسم. الازدحام هنا ليس فقط في عدد اللاعبين، بل في تضارب قواعد اللعب، وتباين الرؤى الأمنية، وتعارض تعريفات "السلام" و"الاستقرار" بين شرق وغرب، فبينما ترى الصين أنَّ الاستقرار يعني تقليص النفوذ الأمريكي وفتح فضاءات إقليمية حرة، ترى الولايات المتحدة أنَّ أي توسع صيني هو تهديد للنظام الليبرالي الذي أسسته بعد الحرب العالمية الثانية. القوة الأمريكية ما زالت طاغية، لكنها تواجه لأول مرة خصمًا لا يشبه السوفييت، فهو خصم لا يُعلن الحرب، بل يُغير قواعد اللعبة بهدوء. وإذا استمر هذا المسار، فإنَّ السنوات القادمة ستشهد انتقالًا تدريجيًّا من "الردع الأمريكي للصين" إلى "إعادة ضبط الصين للبيئة الإقليمية من الداخل"، خاصة إذا دعمت ذلك نتائج انتخابية أمريكية غير مستقرة، أو مزيد من التراجع في جاذبية النموذج الغربي الليبرالي. وهنا، تلعب الدول الوسطى من تركيا إلى إندونيسيا، ومن السعودية إلى الأردن، دورًا تاريخيًّا في صياغة هذا التوازن الجديد. من سيقف على الحياد البنَّاء ويفاوض الجميع دون الارتهان لأحد، سيكون هو من يمتلك زمام المبادرة في النظام العالمي القادم. أما الأردن، فله خصوصيته التي لا تُشبه أحدًا، ففي قلب هذا التحول الآسيوي الدولي، لا يُنتظر من الأردن أن يدخل في سباق القوى العظمى، بل أن يُحسن استخدام ما يملكه من وزن نوعي يتمثل في موقعه الجغرافي المُشرف على مفاصل الإقليم، وعلاقاته الدولية المتوازنة، وخطابه السياسي العقلاني الذي لطالما جنّبه الوقوع في فخ المحاور الصلبة. فالذي يحتاجه الأردن اليوم هو تحويل هذا الرصيد إلى أدوات فاعلة، وذلك عبر تعميق دوره كحلقة وصل بين آسيا والغرب، من خلال مبادرات استثمارية ومشاريع تنموية تشجع على الربط اللوجستي والتكنولوجي بين الخليج وشرق المتوسط وآسيا، بالتوازي مع بناء شراكات استراتيجية ذكية مع قوى آسيوية كالصين والهند وكوريا الجنوبية، لا على حساب علاقاته التاريخية بالغرب، بل في تناغم يعكس توازنًا واعيا. ولأن الاقتصاد بات لغة السياسة الأولى، فإنَّ تطوير الدبلوماسية الاقتصادية الأردنية سيمنحه قدرة أكبر على جلب الفرص بدل الاكتفاء بإدارة الأزمات، وخاصة إذا استثمر موقعه كبوابة مستقرة للأسواق المحيطة، في ظل التراجع الأمني والسياسي في بعض دول الجوار، مما يجعله خيارًا موثوقًا لدى الشركات الآسيوية الباحثة عن الاستقرار والتنوع، غير أنَّ الأهم من كل ذلك هو أن يثق الأردن بذاته؛ فالقوة الحقيقية لا تأتي من كثرة الموارد فقط، بل من وضوح الرؤية، وهدوء الأعصاب، وصدق الخطاب، وهي سمات تجذرت في السياسة الأردنية لعقود، وإذا أحسن الأردن استثمار هذه اللحظة التاريخية، فإنَّه لا يكتفي بتفادي العواصف، بل يُبحر نحو مستقبل أكثر حضورًا وتأثيرًا في معادلات الإقليم والعالم. اللحظة ليست لحظة شعارات، بل لحظة تموقع استراتيجي دقيق، والصراع الحقيقي ليس فقط بين الصين وأمريكا، بل بين من يفهم التحولات ويمتطيها، ومن ينكرها ويغرق فيها. تابعو جهينة نيوز على


الانباط اليومية
منذ 4 أيام
- سياسة
- الانباط اليومية
عند حدود الكرامة والنار، يلعب الكيان
منصور البواريد حين يصادق المجلس الوزاري المصغر في إسرائيل على إقامة 22 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية، ويمتد بها زخم التوسع إلى الحدود مع الأردن، فإنَّ المسألة لم تعد شأنًا فلسطينيًّا محضًا، بل تحولت إلى إعلان جغرافي وسياسي وأمني جديد، يُعاد فيه رسم معالم الشرق الأوسط وفق منطق فرض الوقائع لا المفاوضات. إنَّها ليست مجرد مستوطنات، بل إشارات استراتيجية متعددة المستويات، تبدأ من فكرة منع الدولة الفلسطينية، ولا تنتهي عند حدود الأردن الشرقية. في تصريحه، قال بتسلئيل سموتريتش بوضوح: أنَّ الخطوة التالية هي السيادة. وهذه العبارة الموجزة تحمل من الثقل ما يكفي لتغيير بنية التفكير السياسي في المنطقة، السيادة هنا لا تعني فقط ضم الأرض، بل إعلان موت فكرة الدولتين رسميا، وتجذير مشروع "إسرائيل الكبرى" في الحيز القانوني والسياسي، بعد أن ترسخ على الأرض بحماية عسكرية واستيطان ممنهج. الاستيطان على حدود الأردن لم يأتِ اعتباطا، بل يحمل رسائل صريحة وأخرى أكثر دهاء، أولى هذه الرسائل موجهة إلى الأردن نفسه، ليس فقط بوصفه جارًا جغرافيا، بل بوصفه لاعبًا إقليميًّا ورمزًا تاريخيًّا في معادلة القضية الفلسطينية.. فبناء مستوطنات بمحاذاة وادي الأردن هو محاولة لتحويل هذه الحدود إلى جدار صلب أمام أي امتداد فلسطيني شرقي، ولزرع شك دائم في العقل الإسرائيلي حول احتمالية الخيار الأردني كبديل عن الدولة الفلسطينية، بمعنى آخر، فإنَّ إسرائيل تقول: حتى هذا الخيار الذي كنتم تتخوفون منه، لن ندعه يتشكل. الرسالة الثانية تتجه إلى الفلسطينيين بانتهى زمن الدولة. فلم يعد المشروع السياسي الفلسطيني مهددًا فقط؛ بل تم التعامل معه كجثة هامدة، لا تستحق حتى النعي. فإنَّ القرار يصدر في ظل غياب أي عملية سياسية فعلية، وفي ظل انشغال العالم بنزاعات متعددة، إسرائيل اختارت اللحظة المناسبة لتبني مستوطنات ليست مجرد وحدات سكنية، بل أدوات ديموغرافية أمنية ترسم حدودًا جديدة للقوة. أما الرسالة الثالثة، فتمتد إلى النظام الإقليمي والعالمي، وتختبر مدى هشاشته، فقرار بناء مستوطنات بهذه الكثافة وعلى هذه الرقعة الجغرافية، هو بمثابة تمرين حقيقي على حدود الصمت الدولي. القرار 2334 الصادر عن مجلس الأمن أصبح حبرًا على ورق، ومحكمة العدل الدولية مجرد جهة رمزية، بينما السيادة تُنتزع بأقدام الجنود ومعدات الجرافات، فإسرائيل لا تختبر فقط حدود الشرعية الدولية، بل تُمارس عليها الابتزاز الواضح من خلال: السكوت عن المستوطنات، أو التحول إلى خصم في معركة تُدار بمنطق أمني وجودي. في العمق، فإنَّ هذا القرار يعكس انتقال إسرائيل من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم الاستراتيجي الطويل الأمد، وهو ليس فعلًا مؤقتًا بقدر ما هو إعادة ضبط عقائدي لمستقبل المنطقة. من الآن فصاعدًا، لا حديث عن انسحاب، بل عن امتداد، ولا مكان لخطاب "حل الدولتين"، بل فقط لخطاب "السيادة الواحدة". وهذا الخطاب، كما يتضح من توقيت القرار، يجد بيئة دولية وإقليمية رخوة، تسمح له بأن يترسخ دون مقاومة تُذكر. بالنسبة للأردن، فإنَّ هذه التطورات تمس جوهر استقراره الاستراتيجي، وحدوده التي لم تكن يومًا خطوطًا ساكنة بل مواضع شرف وكرامة، رسمتها الدماء كما رسمها الحبر، فمن العبث أن تختبر إسرائيل صبر الأردن أو تلوح بالاقتراب من واديه، لأنَّ الذاكرة الأردنية لا تمحو بسهولة، فحين تسللت الموجات الصهيونية الأولى في أواخر القرن التاسع عشر بحجة الزراعة والعمل، كانت ساكب لهم بالمرصاد عام 1876، حين انتفضت العشائر الأردنية وأخرجتهم من الأرض عنوة، دفاعًا عن السيادة قبل أن تصاغ المصطلحات الحديثة. وفي معركة الكرامة، حين راهن العدو على كسر الإرادة، وجد أمامه جيشًا لا يحني جبهته، وأرضًا لا تُدنَّس، فأعاد حساباته مذعورًا، وكتب الأردنيون تاريخًا من نار وبارود. وحتى قبل ذلك بكثير، لم يكن الأردن هامشًا في التاريخ، بل كان عمقه وأصله؛ فميشع ملك المؤابيين دحر أطماعهم، ودون نصره على مسلته، وعبادة الأول ملك الأنباط صفعهم سياسيًّا وعسكريًّا، وفرض على الأرض قانون المهابة لا قانون التوسع. هذه ليست خطابات تعبئة، بل حقائق منقوشة في الحجر والتراب. والأردن، الدولة والشعب، لا يحتاج إلى رفع صوته كثيرًا ليُفهم؛ فالصمت هنا تهديد مبطَّن، والتاريخ نفسه حارسٌ للحدود. على إسرائيل أن تدرك أن اللعب قرب حدود الأردن ليس مجرد مغامرة جغرافية، بل مقامرة مكلفة بكل ما تعنيه الكلمة. وإذا كان البعض يرى في هذه المستوطنات إعلانًا لانتصار الجغرافيا على العدالة، فإنَّ الحقيقة الأعمق تقول إنَّ كل مستوطنة تُقام دون إجماع دولي، وكل قرار يُفرض بقوة الغطرسة، إنما يؤسس لأزمات لا تُحل بمرور الوقت، بل تتفاقم، فالإكراه لا يُنتج استقرارًا، والتوسع لا يصنع شرعية، والحلول الآحادية ليست إلا مؤقتة في زمن يتغير بسرعة. لكن الأردن، رغم الضغوط، ليس هشًّا. والأردنيون دولةً وشعبًا يدركون تمامًا أنَّ لعبة الحدود ليست محايدة. وإذا كانت إسرائيل تراهن على الصمت، فإنَّها تغامر بإيقاظ صوتٍ عميقٍ لا يرضى بالعبث. فعند حدود الكرامة والنار، لا أحد ينجو من اللعب طويلًا.


جهينة نيوز
١٨-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- جهينة نيوز
قمة بغداد والتحدي الحقيقي لغزة
تاريخ النشر : 2025-05-18 - 02:26 pm منصور البواريد قمة بغداد في 17 مايو 2025 حملت ملامح إرادة عربية متعثرة في ظل واقع معقد، خصوصًا مع تعدد المليشيات المسلحة التي تحكم المشهد في العراق، ما قلل من فرص تحقيق إنجازات جذرية. ورغم ذلك، لم تكن القمة مجرد استعراض؛ فإعلان وقف النار، وصندوق ال500 مليون دولار للإعمار، وخصوصًا آلية الاتصال الرقابية العربية الدولية، تشكل خطوات أولى مهمة، لكن المخاوف كبيرة من أن تبقى هذه الآليات حبرًا على ورق دون ضغط دبلوماسي عربي حقيقي وموحد. فهُنا يبرز دور الأردن الذي استقبل الغزيين المصابين بإصابات بليغة، قدر استطاعته، وسارع بتقديم المساعدات الإنسانية، مؤديًا واجبه الإنساني والعربي والإسلامي قبل أن يكون التزامًا سياسيًّا. فنموذج الأردن هذا يجب أن يكون قدوة للدول العربية لتفعيل دعمها لغزة، ليس فقط ماليًّا بل دبلوماسيًّا وإعلاميًّا. يبقى الخطر الأكبر أن تسعى حماس لانتزاع الرئاسة الفلسطينية فتضعف السلطة الوطنية ويتعمق الانقسام، ما يهدد بفشل وقف النار وإعادة الإعمار؛ لذا لا بد من وفاق فلسطيني عاجل تضمنه رعاية عربية فاعلة، يقوم على انتخابات موحدة ورقابة شفافة على المساعدات، حتى تتحول مخرجات قمة بغداد إلى واقع لا يتلاعب به تنازع الشرعيات، ومع كل يوم تأخير يزداد العبء الإنساني على غزة وتبهت ثقة الشارع العربي بجدوى القمم. فوحدة الموقف الفلسطيني هي المفصل الذي يحدد إن كانت قمة بغداد صفحة عابرة أم منعطفًا يعيد رسم توازنات المنطقة. توقعي أنَّ المرحلة القادمة ستشهد تصعيدًا دبلوماسيًّا عربيًّا بقيادة الأردن، يهدف إلى تحويل مخرجات القمة إلى إجراءات عملية ملموسة، تشمل ضمان وقف النار، وتفعيل صندوق الإعمار، وفتح ممرات إنسانية آمنة مع متابعة دقيقة من الآلية الرقابية؛ وبذلك يمكن للعرب أن ينتقلوا من الشعارات إلى فعل حقيقي يعيد الأمل لغزة ويخفف معاناة أهلها، بمساندة الأردن الذي أثبت مركزه الحيوي في القضية. لكن التحديات كبيرة، من احتمال تعطيل الآلية الرقابية أو تأخر التمويل، ما يستدعي حوكمة شفافة ومشاركة فاعلة لمنظمات المجتمع المدني لضمان الالتزام والشفافية. في حال فشل وقف النار، يجب تصعيد الضغط العربي سياسيًّا واقتصاديًّا على إسرائيل، مع تعزيز الدعم الإنساني المباشر وفتح ممرات بديلة، وتوحيد المواقف العربية وتحويلها إلى إجراءات ملموسة تشمل دعمًا سياسيًّا وماليًّا لأهلنا في غزة ولفلسطين عمومًا. وعلى الدول العربية أن يستمروا بدور الوسيط، والضغط الدبلوماسي، مع تصعيد الملف الفلسطيني في المحافل الدولية لضمان حماية المدنيين ووقف العدوان فورًا. قمة بغداد هي بداية يجب البناء عليها سريعًا، عبر تفعيل الآليات وتوسيع الدعم، لتتحول كلمة التضامن إلى فعل حقيقي ينقذ حياة الناس ويعيد رسم أمل جديد لغزة والمنطقة. تابعو جهينة نيوز على


جهينة نيوز
١٣-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- جهينة نيوز
الأردن هو وزن المعنى وسط الفوضى
تاريخ النشر : 2025-05-13 - 01:12 pm منصور البواريد في زمن تتنازع فيه القوى على رسم خرائط الدم والحدود، يبرز الاجتماع الثلاثي بين وزراء خارجية الأردن وسوريا وتركيا في تركيا كعلامة فارقة، تُعيد المعنى إلى الجغرافيا وتُوازن الفوضى. تركيا، باعتبارها قوة إقليمية ودولية ذات نفوذ ملموس في الساحة السورية، تلعب دورًا محوريًّا في استقرار المنطقة، سواء من خلال تحركاتها العسكرية أو السياسية، فدعم تركيا لوحدة سوريا ومواقفها الإقليمية يتقاطع مع الأردن في التصدي للتدخلات الأجنبية، خاصة الإسرائيلية. لقد بذلت تركيا جهدًا ملموسًا في دعم الملف السوري، سواء عبر دعم المعارضة المسلحة أو من خلال مشاركتها في الجهود الدبلوماسية التي تسعى لتحقيق تسوية شاملة، وهي تدرك جيدًا أنَّ استقرار سوريا هو جزء من أمنها القومي، وكذلك أمن المنطقة ككل. يُشكِّل التنسيق مع الأردن وسوريا محور ارتكاز ضروريًّا لمنع التدخلات الخارجية وحماية الحدود والأمن الإقليمي، في ظل واقع متداخل بين الأطماع الإقليمية والأزمات المركبة. وفي هذا الإطار، يسعى الأردن أيضًا إلى تعزيز التنسيق مع تركيا بشكل مستمر، لأنَّ كلًا من البلدين يواجه تحديات مشتركة تتطلب حلولًا استراتيجية لا تقتصر على الجوانب الحدودية فقط، بل تشمل التعامل مع قوى تسعى لفرض وقائع جديدة في المنطقة واحتكار القرار الإقليمي. وتركيا، بدورها، تدرك أهمية الحفاظ على علاقات وثيقة مع الأردن، لتُسهم تلك التحالفات في تقديم حلول أكثر شمولية وفعالية ضمن معادلة الاستقرار. تكثيف التنسيق الأردني التركي ليس مجرد خيار دبلوماسي، بل ضرورة استراتيجية لدعم الانتقال السياسي في سوريا، والتصدي لمحاولات تقويض الاستقرار، خصوصًا من قبل إسرائيل والتنظيمات المتطرفة، بما يضمن استعادة الدولة السورية لعافيتها، ويُخفف من الضغوط الأمنية واللاجئين على الأردن وتركيا. فالصراع في سوريا لم يعد محصورًا داخل حدودها، بل تحول إلى اختبار إقليمي حول من يملك شرعية صياغة الحلول، لا مجرد مواقف. وفي السنوات الأخيرة، لم يقف الأردن متفرجًا أمام تصدعات الإقليم، بل تحرك بوعي لتعزيز تحالفاته الاستراتيجية مع دول الجوار والقوى الدولية الفاعلة، مُدركًا أنَّ استقراره ليسَ ضرورة داخلية فحسب، بل ركيزة لتوازن أوسع، يعيد رسم مفهوم الدولة المستقرة في بيئة متقلبة. فالتحول في المرحلة المقبلة لا يكون بتغيير النهج، بل بتطوير أدواته: من خلال الحوكمة الاقتصادية العقلانية التي تستبق الأزمات قبل وقوعها، وتعتمد على التوازن لا على المجازفة. بهذهِ الرؤية، يمكن للأردن أن يتحول من نقطة توازن إلى نقطة تحول، لا يقف عند حدود احتواء الأزمات، بل يشارك بفاعلية في تشكيل معادلة الاستقرار المقبلة للمنطقة، مُدافعًا عن مصالحه بوصفه صاحب مبادرة لا مجرد مستقبل للتحديات. وفي ظل هذا المشهد المُعقد، تبرز دبلوماسية جلالة الملك عبد الله الثاني -حفظه الله ورعاه- بوصفها أنموذجًا متوازنًا يجمع بين الحكمة والفاعلية، ويؤسس لتفاهمات بدلًا من الانجرار إلى اصطفافات. لم يكن النهج الملكي يومًا صدىً لقوى أخرى، بل صوتًا مستقلًا ووازنًا في لحظات ارتباك إقليمي، يتحدث بلغة الدولة لا بلغة الغضب. فحين تتكالب الفوضى على الإقليم، يثبت الأردن أنه ليس مجرد بلد نجاة، بل فكرة استقرار تمتلك حق الوجود وجرأة التأثير، وإنَّ استلهام هذا النهج في السياسات المقبلة يُشكِّل بوصلة ذكية تضمن بقاء الأردن ليس فقط في قلب المشهد، بل في صُلب صناعته أيضًا. تابعو جهينة نيوز على