
التهرب الضريبي يبتلع نصف الموارد الذاتية لتونس
أصدرت شبكة العدالة الضريبية "Tax justice network" مؤشر السرية المالية (FSI) للعام الحالي 2025 الذي وضع تونس في المرتبة 110 ضمن الترتيب الذي شمل 141 دولة في حين احتلت الجزائر المرتبة الـ 33 متقدمة على دول شمال أفريقيا، وجاءت المغرب في المرتبة الـ 63.
ويصدر الترتيب كل عامين منذ عام 2009 ويحظى بصدى واسع وصدقية كبرى، ويقيس المؤشر مدى قدرة الدول على توفير السرية المالية للأشخاص والمؤسسات، مما يمكن من تقييم سهولة قيام هؤلاء بالتهرب الضريبي أو غسل الأموال، وذلك من خلال تقييم شامل لقوانين الدول، ومراقبة حجم الخدمات المالية التي تقدمها لغير المقيمين بها، وفق الشبكة ذاتها.
أما مؤشر السرية المالية "FSI" فهو تصنيف للدول بناء على مستوى السرية المالية التي توفرها، إذ يهدف إلى قياس مدى قدرة الدول على توفير بيئة مالية سرية للأفراد والشركات، مما قد يسهل الانتهاكات الضريبية والأنشطة غير المشروعة.
ويمنح التصنيف العالمي نقاطاً للدول يتراوح ما بين صفر (غياب أي مجال للسرية المالية) إلى 100 (مجال غير محدود للسرية المالية)، وذلك بناء على أكثر من 100 سؤال منظم في 20 مؤشراً، مثل السرية المصرفية وملكية العقارات وملكية الشركات، إضافة إلى جانب التركيز على الامتثال الضريبي، ومكافحة غسل الأموال، وغيرها من التجاوزات المالية.
وبلغت درجة السرية المالية في تونس 52 في المئة في مقابل 69 في المئة للمغرب و78 في المئة لمصر و77 في المئة للجزائر.
مناخ محفز للتهرب الضريبي
وإن أشار الترتيب إلى مناخ أقل تحفيزاً في تونس من جيرانها لسهولة إخفاء الأموال عن الرقابة القانونية والقضائية، إلا أن درجة السرية المتوافرة، وهي 52 في المئة، تبدو مطابقة أو مجاورة لنسبة التهرب الضريبي المسجلة في تونس والتي تنبئ باستمرار تنامي الاقتصاد الموازي والأنشطة الخارجة عن الرقابة، بما فيها غسل الأموال بالتالي خسائر لموارد خزانة الدولة، وذلك رغم المجهودات التي بذلتها الحكومات المتعاقبة، خصوصاً في العقد الأخير لمكافحة التهرب والاقتصاد غير المنظم.
ووفق ما قاله المستشار الجبائي محمد صالح العياري فإن نسبة التهرب الضريبي في تونس تتراوح ما بين 40 و50 في المئة، معتبراً أن القطاع الموازي هو المصدر الأساس للتهرب، ومدللاً على ذلك بمؤشرات وزارة المالية التي كشفت عام 2020 أن نسبة التهرب الضريبي بلغت 40 في المئة وأن حجم الإغفالات عن التصريح لدى غير المودعين لتقاريرهم تراوحت ما بين 50 و60 في المئة، وهو ما يشير إلى ارتفاع حجم التهرب إلى 23 مليار دينار (7.71 مليار دولار) خلال العام الحالي بالنظر إلى التقديرات الأولية للإيرادات الضريبية وهي 45.2 مليار دينار (15.16 مليار دولار) بحسب موازنة السنة الحالية، مما يمثل مبلغاً كبيراً يمكن تونس من مداخيل مهمة تعوض التداين الخارجي.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت العياري إلى أن الضغط الجبائي يمثل أبرز دوافع التهرب الضريبي مع ارتفاعه إلى 35 في المئة ما بين 25 في المئة من الضغط الجبائي ومساهمات اجتماعية، قائلاً إنها "من أعلى النسب في قارة أفريقيا، مما يدفع إلى ضرورة خفض نسب الضرائب والتوزيع العادل للعبء الجبائي بين كل فئات المجتمع، نظراً إلى تحمل الممولين للعبء الضريبي الأكبر في مقابل متهربين دائمين"، مرجعاً ذلك للاقتطاع من المورد، الخصم من الأجر من قبل المؤجر، إذ أنه من إجمال 12.7 مليار دينار (4.26 مليار دولار) ضريبة على الدخل مخططة للسنة الحالية نجد أن 8.7 مليار دينار (2.91 مليار دولار) تأتي من بند الأجور، أي الخصم من المورد من قبل الإجراء وهو ما يمثل 70 في المئة من الضريبة على الدخل".
وعن الحلول قال العياري إنه "يجب توسيع قاعدة الضرائب لتوزيع العبء، مما يمكن زيادة الإيرادات الضريبية من دون زيادة نسب الضريبة وتفادي الضغط على موازنة الدولة".
إجراءات حبر على ورق
من جانبه قال المحلل المالي أنيس وهابي إنه "على رغم أن تونس دخلت منذ ما يقارب من عقد من الزمان، في تطوير نظامها الضريبي لتوسيع القاعدة الضريبية وتحسين عائدات الموارد الذاتية ومكافحة الاقتصاد غير المنظم بعد أن شكل مكافحة تداول الأموال نقداً أو التخلص من الدفع نقدا محوراً رئيساً إلا أن التنفيذ لا يزال بطيئاً"، مضيفاً أن "هذا الفشل نتج من عدم التحول الفعلي إلى الرقمنة وتطوير البنية التحتية".
وتابع وهابي أنه "منذ المؤتمر الوطني للجباية الذي نظمته تونس عام 2014، اُعتمد على أكثر من 800 إجراء ضريبي وطبقت على دافعي الضرائب بفعالية ما بين نسب وغرامات، وفي المقابل لا تزال الإجراءات التي تتطلب تحولاً جذرياً في النظام الضريبي على غرار الرقمنة وتعصير البنية التحتية المشتركة والتعاون بين المؤسسات معطلة"، مشيراً إلى أن من أبرز الأمثلة جهاز تسجيل العمليات المتعلقة بخدمات الاستهلاك على عين المكان، آلات الاستخلاص المخزنة للمعطيات، المخطط له منذ عام 2015 ولكنه لم يفعل بعد، ويجسد تماماً هذه الفجوة بين الإرادة السياسية المعلنة والتنفيذ، لافتاً إلى أن الأمر نفسه ينطبق على الفاتورة الإلكترونية التي اختبرت منذ عام 2016 إلا أنها لم تعمم على نطاق واسع أو على منصة إدارة شهادات الاستقطاع الضريبي المخطط لها بموجب قانون المالية لعام 2022 والتي تأخر إطلاقها.
وقال وهابي إن "استطلاعاً وفق دراسة أجراها 'المعهد العربي لرؤساء المؤسسات' كشف عن أن التأخير لا يعود وحسب لغياب الإرادة السياسية، بل غياب نصوص تنفيذية وموازنة تنفيذية وتنسيق مؤسساتي، مما يجعل الإجراءات حبراً على ورق على رغم توافر التشريعات، إضافة إلى تشتت الإجراءات، إذ تشمل مشاريع تقليص استخدام النقد وزارات وهيئات عدة تتوزع ما بين وزارات المالية والتكنولوجيا والداخلية والتجارة وغيرها من دون تكليف إدارة خاصة بهذا المشروع تتداخل الإجراءات وتتعطل"، مضيفاً أن "الإدارة التونسية لا تزال تسير بالمنطق الإجرائي، ويواجه تطبيق الحلول التكنولوجية مقاومة داخلية، تغذيها المخاوف من فقدان السيطرة أو المصالح الخاصة، علاوة على ضعف البيئة الرقمية على رغم بعض النجاحات ومنها الإقرارات الضريبية الإلكترونية"، مشيراً إلى أنه "في ضوء هذه الصعوبات يتحتم النظر في العلاقة بين القطاعين العام والخاص، فلم يعد بإمكان الحكومة القيام بكل الإجراءات بمفردها مثل نشر منصات الفوترة وإدارة المدفوعات والتصديق الضريبي بفعالية، فمن الضروري الاعتماد على شراكات منظمة مع القطاع الخاص ضمن إطار تنظيمي صارم ولكن مفتوح، إذ يوفر القطاع الخاص المرونة والتكنولوجيا وأحياناً ثقة المستخدمين".
وتابع وهابي أن "دعم الإصلاحات بمساعدة الشركات على تبني أنظمة الأجهزة المسجلة للعمليات النقدية، وتدريب موظفي القطاع العام على التكنولوجيا الرقمية، وشرح فوائد خفض استخدام النقد لدافعي الضرائب، إذ يمثل الدمج الكامل للتكنولوجيا الرقمية أساس الإصلاح، ولا تستطيع تونس تحسين أدائها الضريبي وحسب، بل أيضاً استعادة الثقة بين المواطنين والشركات والدولة".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أرقام
منذ 12 دقائق
- أرقام
وكالة: مونتي دي باشي يطرح سندات بقيمة 500 مليون يورو لتمويل صفقة ميديوبانكا
يسعى بنك "مونتي دي باشي دي سيينا" الإيطالي إلى جمع 500 مليون يورو (580 مليون دولار) من الديون بعد موافقة البنك المركزي الأوروبي على استحواذه على "ميديوبانكا". ويطرح "مونتي دي باشي"، أقدم بنك في العالم، سندات من الفئة الثانية، قابلة للاسترداد في عام 2030، بسعر فائدة يبلغ حوالي 235 نقطة أساس فوق متوسط أسعار مقايضة الفائدة، وفقًا لما نقلته "بلومبرج" عن مصدر مطلع على الأمر. وتجاوزت عروض المستثمرين لشراء الديون مليار يورو (1.16 مليار دولار)، ومن المتوقع أن تعزز سندات الفئة الثانية نسب رأس مال البنك، وتحتل مرتبة أدنى في أولوية السداد من الديون الممتازة. أعلن "مونتي دي باشي"، الأربعاء، أن البنك المركزي الأوروبي قد أذن له بالاستحواذ على حصة مسيطرة في "ميديوبانكا"، متجاوزًا بذلك عقبة رئيسية في صفقة تُمثل محورًا رئيسيًا لموجة اندماجات القطاع المصرفي الإيطالي.


العربية
منذ 12 دقائق
- العربية
إعادة صياغة صورة المدينة رفع الطلب بقوة.. ونيويورك تستفيد من العودة للمكاتب
بعد أن تصدرت عناوين الصحف العالمية بوصفها مدينة "ميتة" أو عالقة في "حلقة الهلاك"، تعود سان فرانسيسكو لتفاجئ الجميع بنهضة عقارية فاخرة، مدفوعة بثروات الذكاء الاصطناعي ، وفقاً لتقرير منتصف العام 2025 الصادر عن "سوذبيز إنترناشيونال ريالتي". ويؤكد كبير مسؤولي التسويق في الشركة، برادلي نيلسون، أن المدينة أصبحت وجهة جاذبة بسرعة لافتة، قائلاً: "إذا أراد مستثمر أو رائد أعمال أن يراهن على الذكاء الاصطناعي، فوجهته ستكون سان فرانسيسكو بلا تردد، بفضل وفرة الكفاءات التقنية في المنطقة"، بحسب ما ذكرته "بلومبرغ بيرسوتس". وفي عام 2024، شهدت المدينة أكبر عدد من الصفقات العقارية التي تجاوزت قيمتها 20 مليون دولار في تاريخها، من بينها صفقة شراء لورين باول جوبز لعقار فاخر بقيمة تقارب 70 مليون دولار في حي "بيليونيرز رو" الشهير. ويضيف نيلسون: "الذكاء الاصطناعي يُنظر إليه الآن كمصدر الثروة القادم في الاقتصاد العالمي"، مشيداً بدور العمدة دانيال لوري، الذي وصفه بـ"السفير المذهل" في إعادة رسم صورة المدينة. اللافت أن المشترين الجدد لا يكتفون بشراء العقارات الفاخرة، بل يضخون ملايين الدولارات في تجديدها، ما يعكس نية واضحة للاستقرار طويل الأمد، وليس مجرد امتلاك منازل مؤقتة. وقال نيلسون: "في ظل تقلبات الأسواق المالية، برزت العقارات الفاخرة في 2025 كملاذ آمن دائم، والمستثمرون باتوا أكثر شراهة لاقتناص الفرص العقارية". نيويورك.. عودة قوية بفضل العودة للمكاتب على الجانب الأخر، شهدت مبيعات العقارات التي تتجاوز 10 ملايين دولار في نيويورك قفزة بنسبة 115% في الربع الأول من 2025، مدفوعة بعودة الموظفين إلى المكاتب، وفقاً للتقرير ذاته. كما تشهد المدينة موجة تجديد حضري مثيرة، مع افتتاح نوادٍ خاصة ومشاريع تطوير عقاري ضخمة، أبرزها طرح بنتهاوس "كوادبلكس" في 111 ويست 57 ستريت بسعر 110 ملايين دولار. الأثرياء الأميركيون يغزون أوروبا من لندن إلى لشبونة، ومن باريس إلى روما، يشهد السوق العقاري الأوروبي إقبالاً غير مسبوق من المشترين الأميركيين، مدفوعاً بعوامل اقتصادية وسياسية، فضلاً عن أسعار صرف مواتية. ويقول نيلسون: "بالنسبة لكثيرين، أصبح حلم امتلاك عقار في أوروبا أقرب من أي وقت مضى.. وكأنها فرصة لا تُفوّت". ويضيف: "في لندن، المشترون الأميركيون هم من يبقون سوق العقارات الفاخرة صامداً، رغم الضغوط التي يواجهها السوق بشكل عام".


الرجل
منذ 12 دقائق
- الرجل
مانسوري تدخل عالم العقارات الفاخرة ببرج بقيمة 490 مليون دولار ( فيديو)
في خطوة جريئة تنقل الفخامة من الطرقات إلى الأبراج، أعلنت شركة Mansory الألمانية لتعديل السيارات عن دخولها الرسمي إلى عالم العقارات، من خلال مشروع سكني فاخر في دبي بقيمة تفوق 490 مليون دولار. المشروع الذي يتم تنفيذه بالتعاون مع شركة Amaal الإماراتية سيحمل اسم Mansory Residences، ويتألف من أربع أبراج سكنية تضم شققًا من غرفة إلى ثلاث غرف، إضافة إلى ثماني بنتهاوسات فاخرة تحتل طوابق كاملة. سيقام المشروع في قلب مدينة محمد بن راشد ضمن خطة Meydan Horizon، بارتفاع يصل إلى 48 طابقًا، مع موعد إنجاز متوقع في عام 2028. وعلى عكس السمعة الجريئة لتصاميم مانسوري في عالم السيارات، تُظهر الصور الأولية لمسات تصميمية أكثر هدوءًا وتوازنًا في الأبراج السكنية، لكن مع الحفاظ على روح العلامة في التفاصيل والمواد عالية الجودة. رفاهية بتوقيع أوتوموتيف.. وسوق دبي جاهز للانطلاق ليس طرازًا جديدًا.. مانسوري تبني برجًا بأناقة محرك V12 - المصدر \ Mansory على عكس عالم السيارات الفاخرة مزجت Mansory Residences بين السرعة وأناقة التصميم، وهو أمر ليس بجديد عليها بين السيارات الكلاسيكية. من المتوقع أن تتضمن الأبراج مصاعد مخصصة للسيارات، مواقف بنمط صالات العرض، وخدمات صيانة مركبات متميزة لسكان البرج. أما المرافق العامة، فستمتد على أكثر من ثلاث طوابق، وتشمل مسابح إنفينيتي، مناطق عافية، صالات رياضية، سينما داخلية، وصالات انتظار خاصة. ولأن اسم مانسوري يرتبط بالجرأة في التصميم والتفاصيل الاستثنائية، فإن التوقعات تشير إلى استخدام مواد مثل جلد النعام، الزجاج الفاخر، وربما حتى ألياف الكربون المزخرفة التي تشتهر بها سيارات الشركة. المشروع يستهدف طبقة النخبة من سكان دبي ومحبي التميّز، خاصة أولئك الذين يمتلكون سيارات مانسوري المعدّلة ويبحثون عن مسكن بمستوى سيارتهم. مع الطفرة المستمرة في سوق العقارات الفاخرة بدبي، يبدو أن دخول مانسوري في التوقيت المناسب ليس فقط توسعًا طبيعيًا للعلامة، بل رهان استثماري ذكي قد يفتح بابًا جديدًا للعقارات المستوحاة من عالم السيارات.