
حملات تحريض بالخارج.. مصر تواجه "مخططات الإخوان" ضد بعثاتها الدبلوماسية
ورُصدت دعوات عبر منصات محسوبة على تنظيم الإخوان، تدعو إلى تنظيم وقفات أمام السفارات المصرية في أمستردام، ولندن، وبرلين، وباريس، وامتدت إلى دول عربية، بزعم دعم أهالي غزة، إلا أن الخطاب المستخدم في هذه الدعوات سرعان ما كشف أهدافًا أعمق، حيث تضمن اتهامات مباشرة للقاهرة بـ"الحصار" في محاولة لتأليب الجاليات العربية ضد القاهرة.
وجاء في مقدمة تلك الوقائع، ما أقدم عليه أحد العناصر من إغلاق لمقر السفارة المصرية في "أمستردام" بقفل معدني، وتوجيه شتائم للعاملين فيها، بينما قام ببث المشهد مباشرة عبر الإنترنت.
وفي تل أبيب، أثار بيان منسوب لـ"اتحاد أئمة المساجد في الداخل الفلسطيني" بشأن تنظيم مظاهرة أمام السفارة المصرية، غضبًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية المصرية، وردود فعل واسعة للمصريين على منصات التواصل الاجتماعي، متهمين جماعة الإخوان وأنصارها بتجاهل "الحقائق على الأرض"، وتوجيه اللوم إلى مصر التي تبذل جهودًا حثيثة في مفاوضات الوساطة والمساعدة بإدخال المساعدات، وغض الطرف عما تفعله إسرائيل ذاتها في القطاع المُحاصر منذ أحداث السابع من أكتوبر.
وتأتي هذه الحملات في ظل تأكيدات مصرية رسمية متكررة على أن معبر رفح لم يُغلق من الجانب المصري في أي وقت، وأن تعثّر دخول المساعدات الإنسانية يعود إلى القيود التي تفرضها القوات الإسرائيلية المسيطِرة على الجانب الفلسطيني من المعبر، بما في ذلك استهداف البنية التحتية وتعطيل حركة الشاحنات.
بالتوازي مع التحركات الميدانية، فعّلت الجماعة شبكاتها الإعلامية والإلكترونية في الخارج، لشن هجوم منسق على الدور المصري في الوساطة بغزة، مع تكرير روايات تزعم "إغلاق معبر رفح" في وجه المساعدات، متجاهلة تمامًا ما أعلنته الأمم المتحدة والجهات المعنية حول الدور المصري في إدخال الإغاثة وتنسيق الجهود.
وتداولت حسابات تابعة لعناصر إخوانية مقيمة في أوروبا والولايات المتحدة وسومًا تحريضية ودعوات مباشرة لـ"محاصرة" السفارات والقنصليات.
موقف مصري "تاريخي"
ويرى دبلوماسيون ومحللون في حديثهم لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "هذه الحملات الإخوانية التي تستهدف البعثات الدبلوماسية المصرية في الخارج لا تنفصل عن محاولات التشكيك في الدور المصري المحوري في ملف غزة، وتستهدف تشويه صورة القاهرة في المحافل الدولية، رغم اعتراف المجتمع الدولي بالدور النشط الذي تقوم به مصر في وقف إطلاق النار وتسهيل دخول المساعدات".
وسبق أن ألقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كلمة أكد خلالها أن مصر لا يمكن أن تقوم بدور سلبي تجاه الأشقاء الفلسطينيين، مشددا على أن "الدور المصري شريف ومخلص وأمين ولن يتغير وحريصون على إيجاد حلول لإنهاء الحرب".
وأوضح السيسي أن "معبر رفح هو معبر أفراد وتشغيله لا يرتبط بالجانب المصري فقط، بل من الجانب الآخر داخل قطاع غزة"، مؤكدا ضرورة أن يكون معبر رفح من الجانب الفلسطيني مفتوحا.
وفي هذا السياق، قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير محمد حجازي، في حديثه لـ"سكاي نيوز عربية" إن "كلمة الرئيس السيسي بشأن الأوضاع في غزة جاءت في توقيت شديد الأهمية والحساسية، إذ كانت بمثابة رسالة موجهة للشعب المصري وكذلك للشعب الفلسطيني والعربي للتأكيد على ثوابت الموقف المصري الداعم دوماً للقضية الفلسطينية الذي لن يشارك أبداً في أي توجه سلبي تجاههم".
وأوضح "حجازي" أن "محاولة الوقيعة بين مصر وقضية العرب الأم، وهي القضية الفلسطينية، ستبوء بالفشل كما باءت المخططات الإسرائيلية التي لا زالت قائمة، وربما إرباك المشهد بشأن معبر رفح مقصود من قوى التطرف والإرهاب وبعض الأصوات في حركة حماس، ولكن في جميع الأحوال فالموقف المصري راسخ ولا يقبل التأويل".
ودلل على ذلك بمشاركة قافلة "زاد العزة" التي تحركت فيها 116 قافلة لمدة أربع مرات حالياً للتأكيد على ثوابت مصر لنصرة الشعب الفلسطيني، فضلا عن المساعي القائمة للتوصل لوقف إطلاق النار.
وتابع: "هذه المشاهد تأكيد على الإصرار المصري لدعم وتعزيز حقوق الشعب الفلسطيني وعدم السماح لقوى التطرف والإرهاب والجماعات المشبوهة بالتأثير على موقفها لدعم القضية الفلسطينية منذ 70 عاماً".
بدوره، قال الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، ماهر فرغلي، إن دعوات التحريض التي يطلقها تنظيم الإخوان ضد السفارات المصرية في الخارج تأتي في إطار استراتيجية الجماعة المعروفة بـ"الإرباك والإنهاك"، والتي تهدف إلى الضغط على الدولة المصرية عبر إثارة الفوضى في نقاط متفرقة يمكن استغلالها سياسيًا وإعلاميًا.
وأشار فرغلي إلى أن الجماعة رأت في ملف غزة قضية إنسانية يمكن من خلالها حشد الشعوب، واختارت مصر والأردن تحديدًا لتطبيق هذه الاستراتيجية، باعتبارهما دولتين متجاورتين للقطاع، وهناك توافق كبير وواضح ما بين جماعة الإخوان وجهات دولية على هذا الأمر، لخلق هذه الفوضى، ما يُنذر بتمرير قضية التهجير.
وأضاف: "يكفي أن نرى ما يُسمى باتحاد الأئمة في تل أبيب يدعو لمظاهرة أمام السفارة المصرية، رغم أن إسرائيل هي المسؤولة بالأساس على ما يحدث في غزة من دمار على مرأى من العالم أجمع".
وحول صدى هذه الدعوات داخل مصر، أكد "فرغلي" أن الأمر يظل محدودًا في الخارج ولا تأثير منه على الداخل المصري، حيث تتحرك بعض العناصر المرتبطة بالجماعة الإرهابية في الخارج، للظهور أمام السفارات المصرية، وتصوير مشاهد قصيرة تحريضية قبل أن ينسحبوا سريعًا.
وعلى هذا المنوال، أكد عضو مجلس النواب المصري مصطفى بكري أن ما تشهده الساحة من حملات تحريض وتشويه ضد الدولة المصرية يدخل في إطار "محاولات مفضوحة للنيل من سمعة مصر، عبر اتهامات باطلة ومغرضة"، مؤكدًا أن "هذه التحركات تحمل أهدافًا سياسية تآمرية معروفة للجميع".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


التلفزيون الجزائري
منذ 8 ساعات
- التلفزيون الجزائري
الأونروا: نحو 6000 شاحنة محملة بالمساعدات الغذائية جاهزة للدخول إلى غزة – المؤسسة العمومية للتلفزيون الجزائري
أكدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين 'أونروا' أن الأمم المتحدة لديها نحو 6000 شاحنة محمّلة بالمساعدات الغذائية عالقة خارج غزة، في انتظار الحصول على الموافقة لدخول القطاع الذي يتضور سكانه جوعا. وقال فيليب لازاريني المفوض العام للوكالة في منشور على منصة 'إكس'، 'الأونروا لديها 6000 شاحنة محملة بالمساعدات عالقة خارج غزة وتنتظر الضوء الأخضر للدخول'، مشددا على ضرورة إيصال المساعدات عبر الطرق البرية بدلا من إسقاطها جوا. وأوضح لازاريني أن 'إسقاط المساعدات جوا يكلّف على الأقل مئة مرة أكثر من تكلفة الشاحنات' مشيرا إلى أن الشاحنات 'تنقل مساعدات بحجم يعادل ضعفي الكمية التي تنقلها الطائرات'. وأضاف المتحدث: 'إذا توفرت الإرادة السياسية للسماح بإسقاط المساعدات جوا، رغم أنها مكلفة للغاية وغير كافية وغير فعالة، فمن المفترض أن تكون هناك إرادة سياسية مماثلة لفتح المعابر البرية'. وأشار لازاريني إلى أن 'الأمم المتحدة كانت قادرة على إدخال ما بين 500 إلى 600 شاحنة يوميا خلال فترة وقف إطلاق النار' في مطلع العام، قبل أن يعلن انتهاء هذه الفترة بقرار صهيوني في 18 مارس. وأكد أن تلك المساعدات 'كانت تصل إلى جميع سكان غزة بأمان وكرامة، ومن دون أي انحراف عن وجهتها'، مشددا على أن 'أي بديل آخر عن الاستجابة المنسقة بقيادة الأمم المتحدة لم يحقق نتائج مماثلة'. واختتم لازاريني قائلا 'دعونا نعود إلى ما كان ينجح واتركونا ننجز عملنا هذا ما يحتاجه سكان غزة اليوم أكثر من أي وقت مضى، إلى جانب وقف دائم لإطلاق النار'.


إيطاليا تلغراف
منذ يوم واحد
- إيطاليا تلغراف
خطاب الهولوكوست في زمن الإبادة: شهادة إسرائيلية
صبحي حديدي نشر في 31 يوليو 2025 الساعة 23 و 05 دقيقة إيطاليا تلغراف صبحي حديدي ليس، البتة، عادياً أو مفتقراً إلى جسارة أخلاقية وسياسية وتاريخية، ذلك السؤال الذي طرحه مؤخراً عاموس غولدبرغ، الأكاديمي والمؤرخ الإسرائيلي المختصّ، على نحو متميز، بأسئلة الهولوكوست وشتى إشكالياته: «ما معنى ذاكرة الهولوكوست في الواقع الراهن، حين تكون إسرائيل، ومعظم الغرب، خاصة الولايات المتحدة وألمانيا ـ وهما بلدان جعلا ذاكرة الهولوكوست مكوّناً مركزياً في هويّتيهما، واشتراطاً أخلاقياً على العالم ــ ترتكب الإبادة الجماعية؟». كان، في المقابل، سيبدو مألوفاً، وبالتالي مدعاة قدح وذمّ وتعريض وتحريض، لو أتى السؤال من مستنكر رافض لحرب الإبادة التي تواصل دولة الاحتلال ارتكابها في قطاع غزّة منذ أكثر من 22 شهراً متعاقبة؛ أو لو صدر السؤال من متعاطف مع أطفال ونساء وشيوخ القطاع، ضحايا جرائم حرب التدمير العشوائي الممنهج والتجويع والتعطيش والتهجير والحصار وحظر إدخال المساعدات وقصف المشافي ومخيمات اللجوء؛ بصرف النظر عن جنسية الرافض أو المتعاطف. لكن غولدبرغ ليس يهودياً إسرائيلياً معارضاً على طريقة أمثال عاموس عوز ودافيد غروسمان، من جماعات الاكتفاء بـ»العتب» على سياسات الاحتلال والاستيطان والعنصرية الإسرائيلية؛ بل هو أكاديمي ومؤرخ راديكالي، صاحب نظرة متوازنة إلى مآسي المحرقة اليهودية والنكبة الفلسطينية، على حدّ سواء. ضمن أبرز مؤلفاته، كما تابعتها هذه السطور في ترجمات إلى الإنكليزية، ثمة كتابه «تسويق الشرّ: ذاكرة الهولوكوست في عصر العولمة»، 2015؛ و»الصدمة (تروما) في ضمير المتكلم: كتابة المذكرات خلال الهولوكوست»، 2017؛ ثمّ، والأهمّ ربما بتأليف مشترك مع الأكاديمي الفلسطيني بشير بشير: «الهولوكوست والنكبة: الذاكرة، الهوية القومية، والشراكة اليهودية ـ العربية»، 2017 أيضاً. وبعض أهمية هذا الكتاب قد تبدأ من أنه شكّل سابقة لكتاب مشترك لاحق أشرف غولدبرغ وبشير على تحريره وصدر سنة 2018 بعنوان «الهولوكوست والنكبة: نَحْوٌ جديدٌ للصدمة والتاريخ»؛ ساجلا فيه حول ذاكرة فلسطينية ـ إسرائيلية بديلة، تفضي إلى «ثنائية قومية متساوية» تحلّ محلّ «ذاكرة هولوكوست غربية وإسرائيلية سائدة». وسؤال غولدبرغ الأحدث، المشار إليه أعلاه والذي جاء في مقال نُشر مؤخراً بعنوان «ذاكرة الهولوكوست في زمن الإبادة الجماعية»، يرتبط في يقينه مع حرب الإبادة الراهنة في قطاع غزّة، وهو «جوهري اليوم أكثر من أي وقت مضى». وذاك الزمن الذي يقصده غولدبرغ هو السنوات الأكثر مغزى في تأطير الهولوكوست وترسيخ ذاكرته طواعية أو قسراً أحياناً، خلال عقدين بين 1980 و2005؛ حين اُنشئت معاهد ومؤسسات، وظهرت أعمال فنية، وترسخت أجواء جماعية: فيلم كلود لانزمان «المحرقة»، 1985؛ إطلاق مجلة «دراسات الهولوكوست والإبادة الجماعية»، 1986؛ افتتاح «متحف ذاكرة الهولوكوست» في واشنطن، 1993؛ إنتاج فيلم «لائحة شندلر»، ذلك العام أيضاً؛ تأسيس مجموعة عمل «التعاون حول تعليم واستذكار وأبحاث الهولوكوست»، 1998؛ تدشين «نصب اليهود القتلى في أوروبا»، برلين 2005؛ افتتاح متحف «ياد فاشيم» الجديد في القدس، تلك السنة؛ وأخيراً، قرار الأمم المتحدة باعتبار 27 كانون الثاني (يناير) يوماً عالمياً لاستذكار الهولوكوست. غير أنه، ومنذ البدء، وقع توتر بين الطرازين، لأنّ الأول لاح كونياً والثاني أخذ يقتصر على المنفرد ويركز حصرياً على اليهود؛ وتوجّب، تالياً، أن تسعى ذاكرة الهولوكوست إلى المصالحة بينهما، أو التوفيق، أو حتى تعميم المفرد على الجمع، خاصة حين يتصل الأمر بدولة الاحتلال. ويذكّر غولدبرغ بذلك التوسيع الحاسم، في اعتبار التعاطف والتضامن مع الكيان الصهيوني بمثابة «ردّ أخلاقي أقصى على نزعة العداء للسامية» في أوروبا، والتي بلغت اوجها في الهولوكوست ذاته. ولكن حين «تعمّق الاحتلال، وصار منظومة أبارتيد صريحة، وعادت ذاكرة النكبة إلى الظهور مجدداً، باتت إسرائيل تُرى كدولة لاديمقراطية بازدياد، تنتهك جدياً حقوق الإنسان للفلسطينيين». وهكذا، يتابع غولدبرغ، أخذ يتجاور مع خطاب الهولوكوست خطابٌ جديد دخل الأكاديمية والثقافة في الغرب خلال السنوات ذاتها، هو خطاب ما بعد الاستعمار الذي انبثق أولاً في «جنوب العالم»، ثمّ هاجر إلى الجامعات الأمريكية والأوروبية، وأحدث «ثورة في كيفية نظرة الغربيين إلى أنفسهم، وثقافتهم، وتاريخهم، بطريقة أكثر نقداً». ولقد تطوّر احتقان بين خطاب الهولوكوست وخطاب ما بعد الاستعمار حول مرجعيات مادية أو رمزية عموماً، ثمّ بصفة خاصة حول قضية فلسطين/ إسرائيل. ويبنما عملت دولة الاحتلال على تثبيت صورتها كبلد للناجين من الهولوكوست، وطن لضحايا «آخَر» أوروبا، مستأثرة بقيمة أخلاقية أو حتى شبه مقدسة في خطاب الهولوكوست؛ سلّط خطاب ما بعد الاستعمار الأضواء على المكوّنات الاستعمارية الإجرامية للصهيونية ودولة الاحتلال ذاتها، خاصة في جانب الاستعمار الاستيطاني. وضمن إطار ما يطلق عليه غولدبرغ تسمية «القبة الحديدية الخطابية» التي اعتمدتها دولة الاحتلال خلال مواجهاتها مع الخطابات التي لا تُدرج القراءة الإسرائيلية الاحتكارية لسردية الهولوكوست، انتقلت مضامين الاحتقان والتوتر إلى مستويات أعلى من الصدام مع تعاظم الانتهاكات الإسرائيلية للحقوق الفلسطينية عامة، وارتكاب جرائم الحرب هنا وهناك وفي قطاع غزّة خصوصاً. وأحد ميادين التصارع كان مثابرة دولة الاحتلال ومجموعات الضغط الصهيونية الموالية لها على تحويل أيّ نقد للسياسات والانتهاكات الإسرائيلية إلى عداء للسامية، حتى إذا صدر عن شخصيات يهودية. وذات يوم، من باب الذكرى أيضاً، كاد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أن يدخل التاريخ اليهودي بوصفه أوّل زعيم عربي يزور متحف الهولوكوست في واشنطن، فيدشّن «خطوة تصالح رمزية بالغة الدلالة» بين الضمير العربي والضمير اليهودي من جهة؛ وبين التاريخ الفلسطيني وتاريخ الهولوكوست من جهة ثانية، وبصفة خاصة. كان هذا، على الأقلّ، هو الغرض الأبعد الذي سعى إليه دنيس روس ومساعده أرون ميلر، إذْ حثّا عرفات على القيام بالزيارة، فكلاهما يهودي، وكلاهما عضو في مجلس إدارة المتحف، وكلاهما كان يشغل منصباً رفيعاً في الخارجية الأمريكية. ما حدث بعدئذ أسقط مقترح الرمز والتصالح، وعزّز الحكايات العتيقة المتأصلة حول احتكار اليهودي لعقدة الضحية وممارسة دور الجلاد في آن معاً. في البدء وافقت إدارة المتحف (وهو، للإيضاح، مؤسسة فدرالية أمريكية وليس ملكية خاصة)، ثم حجبت حقّ عرفات في معاملة الـ VIP المخصصة لكبار الزوار، وتفضلت عليه بحقّ الدخول كأيّ زائر عادي؛ ثم تلكأت وتأتأت حتى اقتنع عرفات أنّ الزيارة في صيغتها هذه سوف تنطوي على مهانة شخصية له، قبل إهانة شعبه. غولدبرغ لا يستذكر هذه الواقعة، حين يتحدث عن أيّ مستوى للتصالح بين ذاكرة الهولوكوست وذاكرة النكبة، أو على الأقلّ تطوير حسّ ضئيل بالتنازل عن احتكار موقع الضحية، والتشارك فيه مع الآخرين؛ ما دام من المحال على الكيان الصهيوني أن يتوقف عن الإجرام الاستعماري والاستيطاني والعنصري في سائر فلسطين. لكن غولدبرغ يفصّل القول في أنّ الطور الراهن من خطاب الهولوكوست الصهيوني، والإسرائيلي في أوّل المطاف وآخره، يتابع ستراتيجيات التمويه والتزييف والتحوير ذاتها حين تكون فظائع الإبادة الجماعية وأهوال جرائم الحرب أشدّ وحشية وعنفاً وهمجية من أن يغطي عليها أي ترحيل إلى ذاكرة الهولوكوست. وليست آراء مؤرخ وأكاديمي مثل غولدبرغ سوى شهادة من داخل دولة الاحتلال، ومن خلف المتاريس ذاتها التي تسيّج الغالبية الساحقة من مؤسسات إنتاج الخطاب الصهيوني الانفرادي: حول الهولوكوست، واحتكار عذاباته، وتجميل آلام فلسطينية ليست أقلّ فظاعة، والاستمرار في الإبادة، وكأنّ خطاب الهولوكوست ساتر و… «قبّة» وقاية وردع وعربدة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف السابق في خلفيات دعوات المغرب المتكررة للحوار مع الجزائر التالي مؤتمر حل الدولتين… هل قرّب الفلسطينيين من الاستقلال الناجز؟


إيطاليا تلغراف
منذ 2 أيام
- إيطاليا تلغراف
3 أوهام يخدع بها نتنياهو شعبه والعالم
إيطاليا تلغراف إيهاب جبارين محلل سياسي وخبير في الشؤون الإسرائيلية المرآة المحطّمة في ياد فاشيم في القاعة الرئيسية لمتحف 'ياد فاشيم' في القدس، يُطلب من الزوار خلع قبعاتهم وخفض أصواتهم؛ احترامًا لذكرى ستة ملايين يهودي قضوا في الهولوكوست. صور الوجوه الباهتة، الأرقام المحفورة على الأذرع، والشهادات عن التجويع والموت البطيء في معسكرات أوشفيتز وتريبلينكا تشكّل نسيجًا مقدسًا في الرواية الصهيونية. لعقود، كانت هذه الذاكرة حجر الزاوية للشرعية الأخلاقية لإسرائيل: دولة الضحية المطلقة، التي نهضت من رماد المحرقة لتكون 'حصنًا ضد تكرار الكارثة'. لكن في غزة، حيث يموت الأطفال جوعًا تحت حصار ممنهج، تحطمت تلك المرآة الأخلاقية. هذه ليست مجرد مفارقة تاريخية، بل قطيعة وجودية. عندما قال يوسي بيلين، أحد مهندسي أوسلو، في مقابلة 2024: 'ما تفعله إسرائيل في غزة يجعل من الهولوكوست ذكرى مشوهة'، كان يصف انهيار الخط الأخلاقي الذي ربط إسرائيل بذاكرة الضحية. لكن هذه القطيعة لم تترك إسرائيل بلا سردية. تحت قيادة بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، بدأت إسرائيل تستبدل ذاكرة الهولوكوست بملاحم توراتية، مُحيية سردية 'أرض الميعاد' كمبرر أخلاقي وديني جديد لسياساتها القمعية. هذا المقال يستكشف كيف استهلكت إسرائيل ذاكرة الهولوكوست حتى التفاهة، وحوّلت الملاحم التوراتية إلى سلاح دبلوماسي وإستراتيجي، وما يعنيه ذلك لمستقبل شرعيتها في العالم. 1- من القداسة إلى التفاهة منذ تأسيس إسرائيل 1948، كان استدعاء الهولوكوست جزءًا لا يتجزأ من خطابها السياسي والدبلوماسي. عبارة 'לעולם לא עוד' (أبدًا مرة أخرى) لم تكن شعارًا فحسب، بل بطاقة هوية أخلاقية منحت إسرائيل حصانة ضد النقد. سواء في اجتياح بيروت 1982، أو بناء الجدار العازل، أو حصار غزة منذ 2007، كانت الذاكرة تُستخدم كدرع لتبرير العمليات العسكرية والسياسات القمعية. لكن هذا الاستخدام المفرط حوّل الذاكرة إلى أداة سياسية، تُستعمل عند الحاجة وتُركن عندما تُحرج الرواية. المحلل ألوف بن كتب في 'هآرتس' 2023: 'השימוש בהשואה ככלי פוליטי הפך אותה לקלישאה, והקלישאה הזו מסוכנת כי היא מאפשרת לנו להתעלם מהמוסר' (استخدام الهولوكوست كأداة سياسية حولها إلى كليشيه، وهذا الكليشيه خطير لأنه يسمح لنا بتجاهل الأخلاق). هذا النقد الداخلي يكشف أزمة عميقة: إسرائيل، التي بُنيت على سردية الضحية، بدأت تفقد هذا الأساس بسبب استهلاك الذاكرة بشكل انتقائي. بدلًا من مواجهة هذا التناقض، لجأت إسرائيل إلى سردية توراتية، مُحيية فكرة 'أرض الميعاد' لتبرير سياساتها، في محاولة للهروب من المحاسبة الأخلاقية والدولية. من المعسكرات إلى المعازل.. غزة كمختبر للقمع حين تتحدث إسرائيل عن 'الشر المطلق' النازي، فإنها تضع معيارًا صارمًا للفظاعة: التجويع الممنهج، الحرمان من الحقوق، والقتل الجماعي. لكن سياساتها في غزة منذ حرب 2023-2025 فاقت بشكل مقلق هذا المعيار. التجويع، قطع الغذاء والدواء، قصف المناطق الآمنة، وقتل الأطفال أثناء بحثهم عن الماء ليست 'أضرارًا جانبية'، بل سياسات مدروسة. تقارير الأمم المتحدة 2024 وثّقت أن 70% من سكان غزة يعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد، مع وفيات أطفال؛ بسبب سوء التغذية. في إسرائيل، يُعتبر ربط هذه السياسات بالهولوكوست محرّمًا. لكن الإشكالية تكمن في بنية الخطاب: كلتا الحالتين تشتركان في تبرير القمع وتجريم الضحية. عندما يصف مسؤول إسرائيلي سكان غزة بـ'الإرهابيين' لتبرير الحصار، فإنه يعيد إنتاج منطق تاريخي: تحميل الضحية مسؤولية معاناتها. لكن بدلًا من مواجهة هذا التناقض، تحولت إسرائيل إلى سردية توراتية تُبرر سياساتها كجزء من 'مصير إلهي'، مُحيلة الصراع إلى بعده الديني؛ لتجنب المحاسبة الأخلاقية. 2- السلاح الدبلوماسي والهروب من القانون الدولي تحت قيادة نتنياهو، أصبحت الملاحم التوراتية ليست مجرد خطاب ديني داخلي، بل سلاحًا دبلوماسيًا في المحافل الدولية. في خطاباته أمام الأمم المتحدة، بدأ نتنياهو يستخدم عبارات مثل 'أرض إسرائيل التاريخية' و'أرض الميعاد'، مُحييًا سردية توراتية تُبرر التوسع الاستيطاني والسياسات القمعية كجزء من 'حق إلهي'. هذا الخطاب يخدم غرضًا مزدوجًا: إعادة صياغة الشرعية الإسرائيلية بعيدًا عن ذاكرة الهولوكوست المحرجة، والهروب من القانون الدولي الذي يُدين الاستيطان والحصار. في الضفة الغربية، تُستخدم السردية التوراتية لتبرير مصادرة الأراضي وتوسيع المستوطنات. أعضاء بارزون في حكومة نتنياهو مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، يستندون إلى نصوص توراتية مثل سفر يشوع لتصوير الاستيطان كـ'استعادة أرض الميعاد'. هذا الخطاب لا يستهدف الجمهور الإسرائيلي فحسب، بل يُوجه أيضًا إلى المسيحيين الصهاينة في الولايات المتحدة وأوروبا، الذين يرون في التوسع الاستيطاني تحقيقًا لنبوءات الكتاب المقدس. هذا التحالف مع المسيحيين الصهاينة، الذي يُشكل قوة سياسية كبيرة في الغرب، يمنح إسرائيل دعمًا دبلوماسيًا يُضعف تأثير الانتقادات الدولية، مما يعزز قدرتها على تجنب المحاسبة. النص الديني في العمليات العسكرية لم تقتصر الملاحم التوراتية على الخطاب السياسي، بل أصبحت مرجعًا إستراتيجيًا للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية. سفر يشوع، الذي يروي قصص الفتوحات العسكرية للأراضي 'الموعودة'، يُستخدم كإطار رمزي لعمليات الجيش في الأراضي الفلسطينية. هذا الاستخدام ليس مجرد استعارة، بل يظهر في التخطيط العسكري واللغة المستخدمة. على سبيل المثال، في حي التفاح بغزة، تُطلق إسرائيل على عملياتها أسماء مستوحاة من النصوص التوراتية، مثل 'عملية عربات جدعون'، التي تستحضر قصة جدعون التوراتية لتبرير الهجمات العنيفة. فالتلال المشرفة على مدن مثل جنين تستخدم كنقاط إستراتيجية للجيش الإسرائيلي، في إشارة ضمنية إلى النصوص التوراتية التي تتحدث عن السيطرة على المرتفعات كرمز للهيمنة. هذه الإستراتيجية ليست مجرد تكتيك عسكري، بل محاولة لربط العمليات الحديثة بمصير ديني، مما يمنح الجنود والقادة إحساسًا بـ'العدالة التاريخية'. هذا الخطاب يُعزز الروح المعنوية داخل المؤسسة العسكرية، لكنه يعمق الفجوة مع المجتمع الدولي الذي يرى هذه العمليات كانتهاكات للقانون الدولي. 3- ذاكرة الضحية لا تتحمل المجاعة قال إيلي فيزل، الناجي من الهولوكوست والحائز جائزة نوبل للسلام، في كتابه 'الليل': 'أكبر جريمة بحق الضحية هي استغلال معاناتها لتبرير جريمة أخرى'. سياسات إسرائيل في غزة، بما فيها التجويع الممنهج، تناقض هذا المبدأ بشكل صارخ. تقارير 'أوكسفام' 2024 وثّقت منع 83% من المساعدات الغذائية إلى غزة، مع تدمير البنية الزراعية. هذه السياسات، التي تُبرر كـ'ضرورة أمنية'، تتعارض مع ذاكرة الهولوكوست، التي تُركز على معاناة التجويع. لكن التحول إلى السردية التوراتية يضيف تناقضًا أعمق: إسرائيل لم تعد تدّعي حماية الضحايا، بل تحقيق مصير إلهي، مما يحررها من قيود الأخلاق العالمية، لكنه يعزلها عن التعاطف الدولي. المحلل يوآف ليمور كتب في 'يديعوت أحرونوت' 2024: 'כשאנחנו משתמשים ברעב כנשק, אנחנו לא רק מאבדים את המוסר, אלא גם את הזהות שלנו כקורבן' (عندما نستخدم الجوع كسلاح، لا نفقد الأخلاق فحسب، بل هويتنا كضحية). هذا النقد الداخلي يكشف أزمة الهوية: إسرائيل، التي تُحاول استبدال الضحية بالمحارب التوراتي، تفقد قدرتها على المطالبة بالتعاطف العالمي. قطيعة وجودية، من النكبة إلى أرض الميعاد النكبة الفلسطينية 1948 كانت الحدث الأهم في الذاكرة الجمعية الفلسطينية، بينما كانت الهولوكوست بداية الرواية الصهيونية. فلسبعة عقود، حافظت إسرائيل على قداسة الهولوكوست، حتى عندما ارتكبت انتهاكات ضد الفلسطينيين. لكن نتنياهو، بدعم من منظومة سياسية وعسكرية متشددة، كسر هذه القاعدة. فلم تعد إسرائيل 'الضحية التي تقاوم'، بل أصبحت 'الدولة التي تجوّع'، ولا تكتفي بذلك، بل تُدافع عن التجويع كسياسة مشروعة، فشرعت تطالب الغرب بحمايتها من النقد الدولي، إذ منذ بدايات هذه الحرب كرست إعلامها ومراكز أبحاثها لتذكر الغرب بجرائمه الاستعمارية، في محاولة لابتزاز صمته عما هو آتٍ. ولزامًا لذلك حرصت على استبدال الذاكرة بسردية توراتية تُبرر التوسع والقمع كجزء من 'المصير الإلهي'. هذه القطيعة تعكس تحولًا من 'الضحية التي تقاوم' إلى 'الدولة التي تحقق النبوءات'، حتى لو كان ذلك على حساب الإنسانية. هذا التحول فتح الباب لمقارنات محرّمة سابقًا. فربط سياسات إسرائيل بأدوات القمع التاريخية أصبح ضرورة نقدية، فعلى المستوى الرقمي، تشهد منصات مثل 'إكس' موجة محتوى فلسطيني يربط معاناة غزة بالهولوكوست، مما يضع إسرائيل في موقف دفاعي. دولة بلا ظل أخلاقي إسرائيل اليوم ليست دولةً تبحث عن نهاية لحروبها، بل ممثلًا على مسرح الصراع، يتنقل بين فصول الأزمة، خائفًا من أن يُسدل الستار. فلقد استهلكت ذاكرة الهولوكوست حتى أصبحت قناعًا سياسيًا، وحاولت استبدالها بسردية توراتية تُبرر قمعها كجزء من 'مصير إلهي'. لكن هذا القناع لا يخفي الحقيقة: دولة تفرض المجاعة على مليوني إنسان لا يمكن أن تدّعي عدالة تاريخية، سواء استندت إلى الهولوكوست أو التوراة. نتنياهو قطع الخط الأخلاقي، لكن هذه القطيعة ليست نهاية المطاف. فالفلسطينيون، عبر مقاومتهم الشعبية في الضفة، وحملاتهم في المحافل الدولية، وتعبئتهم الرقمية على منصات مختلفة، يفتحون نافذة لإعادة صياغة الرواية الأخلاقية للصراع. السؤال اليوم ليس فقط: إلى متى تستطيع إسرائيل البقاء دون هوية أخلاقية؟ بل: هل يمكن للعالم أن يظل صامتًا أمام دولة تحوّل ذاكرة الضحية إلى أداة للقمع؟ الإجابة لن تأتي من تل أبيب وحدها، بل من قدرة الفلسطينيين وحلفائهم على تحويل هذه القطيعة إلى نقطة تحوّل في مسار العدالة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف