logo
خطاب الهولوكوست في زمن الإبادة: شهادة إسرائيلية

خطاب الهولوكوست في زمن الإبادة: شهادة إسرائيلية

صبحي حديدي نشر في 31 يوليو 2025 الساعة 23 و 05 دقيقة
إيطاليا تلغراف
صبحي حديدي
ليس، البتة، عادياً أو مفتقراً إلى جسارة أخلاقية وسياسية وتاريخية، ذلك السؤال الذي طرحه مؤخراً عاموس غولدبرغ، الأكاديمي والمؤرخ الإسرائيلي المختصّ، على نحو متميز، بأسئلة الهولوكوست وشتى إشكالياته: «ما معنى ذاكرة الهولوكوست في الواقع الراهن، حين تكون إسرائيل، ومعظم الغرب، خاصة الولايات المتحدة وألمانيا ـ وهما بلدان جعلا ذاكرة الهولوكوست مكوّناً مركزياً في هويّتيهما، واشتراطاً أخلاقياً على العالم ــ ترتكب الإبادة الجماعية؟».
كان، في المقابل، سيبدو مألوفاً، وبالتالي مدعاة قدح وذمّ وتعريض وتحريض، لو أتى السؤال من مستنكر رافض لحرب الإبادة التي تواصل دولة الاحتلال ارتكابها في قطاع غزّة منذ أكثر من 22 شهراً متعاقبة؛ أو لو صدر السؤال من متعاطف مع أطفال ونساء وشيوخ القطاع، ضحايا جرائم حرب التدمير العشوائي الممنهج والتجويع والتعطيش والتهجير والحصار وحظر إدخال المساعدات وقصف المشافي ومخيمات اللجوء؛ بصرف النظر عن جنسية الرافض أو المتعاطف. لكن غولدبرغ ليس يهودياً إسرائيلياً معارضاً على طريقة أمثال عاموس عوز ودافيد غروسمان، من جماعات الاكتفاء بـ»العتب» على سياسات الاحتلال والاستيطان والعنصرية الإسرائيلية؛ بل هو أكاديمي ومؤرخ راديكالي، صاحب نظرة متوازنة إلى مآسي المحرقة اليهودية والنكبة الفلسطينية، على حدّ سواء.
ضمن أبرز مؤلفاته، كما تابعتها هذه السطور في ترجمات إلى الإنكليزية، ثمة كتابه «تسويق الشرّ: ذاكرة الهولوكوست في عصر العولمة»، 2015؛ و»الصدمة (تروما) في ضمير المتكلم: كتابة المذكرات خلال الهولوكوست»، 2017؛ ثمّ، والأهمّ ربما بتأليف مشترك مع الأكاديمي الفلسطيني بشير بشير: «الهولوكوست والنكبة: الذاكرة، الهوية القومية، والشراكة اليهودية ـ العربية»، 2017 أيضاً. وبعض أهمية هذا الكتاب قد تبدأ من أنه شكّل سابقة لكتاب مشترك لاحق أشرف غولدبرغ وبشير على تحريره وصدر سنة 2018 بعنوان «الهولوكوست والنكبة: نَحْوٌ جديدٌ للصدمة والتاريخ»؛ ساجلا فيه حول ذاكرة فلسطينية ـ إسرائيلية بديلة، تفضي إلى «ثنائية قومية متساوية» تحلّ محلّ «ذاكرة هولوكوست غربية وإسرائيلية سائدة».
وسؤال غولدبرغ الأحدث، المشار إليه أعلاه والذي جاء في مقال نُشر مؤخراً بعنوان «ذاكرة الهولوكوست في زمن الإبادة الجماعية»، يرتبط في يقينه مع حرب الإبادة الراهنة في قطاع غزّة، وهو «جوهري اليوم أكثر من أي وقت مضى». وذاك الزمن الذي يقصده غولدبرغ هو السنوات الأكثر مغزى في تأطير الهولوكوست وترسيخ ذاكرته طواعية أو قسراً أحياناً، خلال عقدين بين 1980 و2005؛ حين اُنشئت معاهد ومؤسسات، وظهرت أعمال فنية، وترسخت أجواء جماعية: فيلم كلود لانزمان «المحرقة»، 1985؛ إطلاق مجلة «دراسات الهولوكوست والإبادة الجماعية»، 1986؛ افتتاح «متحف ذاكرة الهولوكوست» في واشنطن، 1993؛ إنتاج فيلم «لائحة شندلر»، ذلك العام أيضاً؛ تأسيس مجموعة عمل «التعاون حول تعليم واستذكار وأبحاث الهولوكوست»، 1998؛ تدشين «نصب اليهود القتلى في أوروبا»، برلين 2005؛ افتتاح متحف «ياد فاشيم» الجديد في القدس، تلك السنة؛ وأخيراً، قرار الأمم المتحدة باعتبار 27 كانون الثاني (يناير) يوماً عالمياً لاستذكار الهولوكوست.
غير أنه، ومنذ البدء، وقع توتر بين الطرازين، لأنّ الأول لاح كونياً والثاني أخذ يقتصر على المنفرد ويركز حصرياً على اليهود؛ وتوجّب، تالياً، أن تسعى ذاكرة الهولوكوست إلى المصالحة بينهما، أو التوفيق، أو حتى تعميم المفرد على الجمع، خاصة حين يتصل الأمر بدولة الاحتلال. ويذكّر غولدبرغ بذلك التوسيع الحاسم، في اعتبار التعاطف والتضامن مع الكيان الصهيوني بمثابة «ردّ أخلاقي أقصى على نزعة العداء للسامية» في أوروبا، والتي بلغت اوجها في الهولوكوست ذاته. ولكن حين «تعمّق الاحتلال، وصار منظومة أبارتيد صريحة، وعادت ذاكرة النكبة إلى الظهور مجدداً، باتت إسرائيل تُرى كدولة لاديمقراطية بازدياد، تنتهك جدياً حقوق الإنسان للفلسطينيين».
وهكذا، يتابع غولدبرغ، أخذ يتجاور مع خطاب الهولوكوست خطابٌ جديد دخل الأكاديمية والثقافة في الغرب خلال السنوات ذاتها، هو خطاب ما بعد الاستعمار الذي انبثق أولاً في «جنوب العالم»، ثمّ هاجر إلى الجامعات الأمريكية والأوروبية، وأحدث «ثورة في كيفية نظرة الغربيين إلى أنفسهم، وثقافتهم، وتاريخهم، بطريقة أكثر نقداً». ولقد تطوّر احتقان بين خطاب الهولوكوست وخطاب ما بعد الاستعمار حول مرجعيات مادية أو رمزية عموماً، ثمّ بصفة خاصة حول قضية فلسطين/ إسرائيل. ويبنما عملت دولة الاحتلال على تثبيت صورتها كبلد للناجين من الهولوكوست، وطن لضحايا «آخَر» أوروبا، مستأثرة بقيمة أخلاقية أو حتى شبه مقدسة في خطاب الهولوكوست؛ سلّط خطاب ما بعد الاستعمار الأضواء على المكوّنات الاستعمارية الإجرامية للصهيونية ودولة الاحتلال ذاتها، خاصة في جانب الاستعمار الاستيطاني.
وضمن إطار ما يطلق عليه غولدبرغ تسمية «القبة الحديدية الخطابية» التي اعتمدتها دولة الاحتلال خلال مواجهاتها مع الخطابات التي لا تُدرج القراءة الإسرائيلية الاحتكارية لسردية الهولوكوست، انتقلت مضامين الاحتقان والتوتر إلى مستويات أعلى من الصدام مع تعاظم الانتهاكات الإسرائيلية للحقوق الفلسطينية عامة، وارتكاب جرائم الحرب هنا وهناك وفي قطاع غزّة خصوصاً. وأحد ميادين التصارع كان مثابرة دولة الاحتلال ومجموعات الضغط الصهيونية الموالية لها على تحويل أيّ نقد للسياسات والانتهاكات الإسرائيلية إلى عداء للسامية، حتى إذا صدر عن شخصيات يهودية.
وذات يوم، من باب الذكرى أيضاً، كاد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أن يدخل التاريخ اليهودي بوصفه أوّل زعيم عربي يزور متحف الهولوكوست في واشنطن، فيدشّن «خطوة تصالح رمزية بالغة الدلالة» بين الضمير العربي والضمير اليهودي من جهة؛ وبين التاريخ الفلسطيني وتاريخ الهولوكوست من جهة ثانية، وبصفة خاصة. كان هذا، على الأقلّ، هو الغرض الأبعد الذي سعى إليه دنيس روس ومساعده أرون ميلر، إذْ حثّا عرفات على القيام بالزيارة، فكلاهما يهودي، وكلاهما عضو في مجلس إدارة المتحف، وكلاهما كان يشغل منصباً رفيعاً في الخارجية الأمريكية.
ما حدث بعدئذ أسقط مقترح الرمز والتصالح، وعزّز الحكايات العتيقة المتأصلة حول احتكار اليهودي لعقدة الضحية وممارسة دور الجلاد في آن معاً. في البدء وافقت إدارة المتحف (وهو، للإيضاح، مؤسسة فدرالية أمريكية وليس ملكية خاصة)، ثم حجبت حقّ عرفات في معاملة الـ VIP المخصصة لكبار الزوار، وتفضلت عليه بحقّ الدخول كأيّ زائر عادي؛ ثم تلكأت وتأتأت حتى اقتنع عرفات أنّ الزيارة في صيغتها هذه سوف تنطوي على مهانة شخصية له، قبل إهانة شعبه.
غولدبرغ لا يستذكر هذه الواقعة، حين يتحدث عن أيّ مستوى للتصالح بين ذاكرة الهولوكوست وذاكرة النكبة، أو على الأقلّ تطوير حسّ ضئيل بالتنازل عن احتكار موقع الضحية، والتشارك فيه مع الآخرين؛ ما دام من المحال على الكيان الصهيوني أن يتوقف عن الإجرام الاستعماري والاستيطاني والعنصري في سائر فلسطين. لكن غولدبرغ يفصّل القول في أنّ الطور الراهن من خطاب الهولوكوست الصهيوني، والإسرائيلي في أوّل المطاف وآخره، يتابع ستراتيجيات التمويه والتزييف والتحوير ذاتها حين تكون فظائع الإبادة الجماعية وأهوال جرائم الحرب أشدّ وحشية وعنفاً وهمجية من أن يغطي عليها أي ترحيل إلى ذاكرة الهولوكوست.
وليست آراء مؤرخ وأكاديمي مثل غولدبرغ سوى شهادة من داخل دولة الاحتلال، ومن خلف المتاريس ذاتها التي تسيّج الغالبية الساحقة من مؤسسات إنتاج الخطاب الصهيوني الانفرادي: حول الهولوكوست، واحتكار عذاباته، وتجميل آلام فلسطينية ليست أقلّ فظاعة، والاستمرار في الإبادة، وكأنّ خطاب الهولوكوست ساتر و… «قبّة» وقاية وردع وعربدة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف
السابق
في خلفيات دعوات المغرب المتكررة للحوار مع الجزائر
التالي
مؤتمر حل الدولتين… هل قرّب الفلسطينيين من الاستقلال الناجز؟
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

آلة المخزن الدعائية تتعطّل ودبلوماسيته تغرق
آلة المخزن الدعائية تتعطّل ودبلوماسيته تغرق

جزايرس

timeمنذ 12 ساعات

  • جزايرس

آلة المخزن الدعائية تتعطّل ودبلوماسيته تغرق

سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص. خرجات أبواق المخزن لا تعكس في حقيقة الأمر سوى الروح الانهزامية التي باتت تعتري الموقف المغربي لدرجة دفعت بالملك محمد السادس إلى الدعوة لإيجاد حل توافقي لتسوية القضية، المدرجة أمميا ضمن قضايا تصفية الاستعمار، ما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنّ المخزن مازال يتخبط في عنق الزجاجة رغم محاولته إيهام الشعب المغربي بتحقيق انتصارات وهمية لصالح مخططه الاستعماري.الواقع أنّ المخزن مازال في صدام مع الشرعية الدولية، فرغم محاولاته في كل مرة المساومة بهذه القضية من خلال دعوته الدول لاستغلال ثروات إقليم محتل مقابل الاعتراف بمخططه، إلا أن الانتصارات التي يتحدث عنها لا تتجاوز الإطار الشفهي ولا يمكنها بأي حال من الأحوال تغيير الإطار القانوني لهذه القضية.ومن بين الصفعات التي تلقاها المخزن حديثا نذكر رفض جمعية التضامن البنمية مع القضية الصحراوية مشاركة المغرب في الدورة القادمة للمعرض الدولي للكتاب المقرر تنظيمه من تاريخ 11 إلى 17 أوت الجاري، معتبرة ذلك "إساءة لمبادئ العدالة، واعتداء على ذاكرة الشعوب المناضلة من أجل الحرية". صفعة أخرى تلقتها الدبلوماسية المخزنية منذ يومين أيضا، عندما قرّرت منصة تأجير المساكن العالمية "إير بي إن بي" إزالة إشارة المغرب من عروض الإقامة الواقعة في أراضي الصحراء الغربية المحتلة، معتبرة ذلك تصحيحا جغرافيا استنادا إلى تصنيف الأمم المتحدة وقرارات القضاء الدولي. وجاءت هذه الخطوة بعد تدخل مرصد مراقبة الموارد الطبيعية في الصحراء الغربية، الذي راسل المنصة في 13 جويلية المنصرم، حيث دعا إلى احترام الوضع القانوني للإقليم، وفق قرارات الأمم المتحدة، من خلال حذف ذكر المغرب من المدن الصحراوية مثل العيون، الداخلة وبوجدور، بمعنى إقصاء واضح للمغرب من خارطة الصحراء الغربية، في حين لم يتردد المخزن كعادته في اتهام الجزائر على أنها وراء ذلك في سياق تعليق مشاكله الداخلية على مشجبها.وتضاف هذه النكسة إلى سلسلة النكسات التي يتعرض لها المغرب تباعا على الصعيدين القضائي والدبلوماسي، على غرار قرارات محكمة العدل الأوروبية الرافضة لإدماج أراضي الصحراء الغربية ضمن الاتفاقيات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب. كما نذكر رفض المحكمة لطلب المفوضية الأوروبية بخصوص محاولات تشويه تركيبة الشعب الصحراوي في الجزء المحتل من الصحراء الغربية والتأكيد على أن غالبيته مشرد في المخيمات والمهجر وأن السكان الذين يقيمون في المدن المحتلة لا تزيد نسبتهم عن 25 من المائة. وقد حاول المخزن تحصيل مكاسب سياسية غير قانونية بأساليب البلطجة والتجسس ودفع الرشاوى وشراء الذمم والاتجار بالمخدرات والضغط بورقة الهجرة غير الشرعية وغلق الإقليم أمام المراقبين الدوليين والصحفيين الأجانب. كما نلمس الإحباط الذي يعتري المخزن بعد استثناء مسعد بولس كبير المستشارين للرئيس الأمريكي المغرب من جولته المغاربية، حيث شنّت أبواق الرباط حملة شرسة ضد المسؤول الأمريكي الذي وصف زيارته للجزائر بالمثمرة جدا، ما أثار غيض النظام المغربي الذي سارع لتلفيق تصريحات جديدة منسوبة لواشنطن بخصوص دعم مخططه الاستعماري رغم عدم ورودها في موقع البيت الأبيض أو سفارة الولايات المتحدة بالرباط . ويكشف هذا العمل الدعائي للمخزن عن خوفه الحقيقي من التصنيف القانوني للقضية دوليا، حيث يسعى إلى التأثير على الرأي العام والترويج لمخططه عبر لوبيات ضغط، عبر الاستعانة بالكيان الصهيوني في العواصم الغربية.

تراجع في أسعار الذهب - الإقتصادي : البلاد
تراجع في أسعار الذهب - الإقتصادي : البلاد

البلاد الجزائرية

timeمنذ 12 ساعات

  • البلاد الجزائرية

تراجع في أسعار الذهب - الإقتصادي : البلاد

فارس عقاقني_ شهدت أسعار الذهب انخفاضًا طفيفًا في تعاملات اليوم الأربعاء، متأثرة بصعود طفيف في قيمة الدولار، وسط ترقب المستثمرين لقرارات مرتقبة من الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن تعيينات جديدة في مجلس الاحتياطي الفيدرالي. وتراجع سعر الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 0.1% ليصل إلى 3376.01 دولارًا للأوقية، كما انخفضت العقود الأميركية الآجلة بنسبة مماثلة لتبلغ 3431.10 دولارًا. وتزامن هذا التراجع مع عزوف المستثمرين عن اتخاذ مراكز كبيرة في ظل الغموض المحيط بالتوجهات المستقبلية للسياسة النقدية الأميركية. وفيما يخص باقي المعادن النفيسة، استقرت الفضة عند 37.82 دولارًا للأوقية، بينما انخفض البلاتين بنسبة 0.5% ليسجل 1313.94 دولارًا، وتراجع البلاديوم بنسبة 1% إلى 1164.15 دولارًا للأوقية. ويسعى "ترامب" لاختيار مسؤول جديد في الفيدرالي بعد الاستقالة المفاجئة للمحافظة "أدريانا كوجلر"، وسط ضغوط متواصلة منه لخفض أسعار الفائدة، وقال إنه قلّص قائمة المرشحين المحتملين لرئاسة الفيدرالي مستقبلًا إلى أربعة فقط، مؤكدًا أن وزير الخزانة الحالي "سكوت بيسنت" ليس من بينهم. ألقى الممثل الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة، عمار بن جامع، كلمة خلال جلسة مجلس الأمن المخصصة لمناقشة الوضع في الشرق الأوسط، بما في ذلك القضية الفلسطينية، سلط فيها الضوء على حجم الكارثة الإنسانية في غزة، مؤكدًا أن الجزائر لن تقف مكتوفة الأيدي أمام معاناة الفلسطينيين. أعلنت وزارة التربية الوطنية عن تمديد آجال تقديم طلبات نقل الأساتذة خارج إدارتهم المستخدمة (الدخول والخروج الولائي) بعنوان السنة الدراسية 2025-2026، وذلك لفائدة الأساتذة المرسمين في الأطوار التعليمية الثلاثة (الابتدائي، المتوسط والثانوي) المتواجدين في وضعية القيام بالخدمة

الإعلام الغربي والإبادة: مسألة فيها نظر
الإعلام الغربي والإبادة: مسألة فيها نظر

أخبار اليوم الجزائرية

timeمنذ 12 ساعات

  • أخبار اليوم الجزائرية

الإعلام الغربي والإبادة: مسألة فيها نظر

بقلم: مالك التريكي رغم تكاثر الأدلة الدامغة التي تدين إسرائيل بارتكاب جرائم حرب الإبادة بالتدمير والتقتيل والتجويع فإن كثيرا من وسائل الإعلام الغربية لا تزال تشير إلى هذه الحقيقة بعبارات ملطّفة من قبيل مسألة الإبادة أو جدل الإبادة أو سجال الإبادة إيحاء بأن واقعة الإبادة (المستمرة والموثقة والمصورة يوميا) لا تنتمي لمجال الوقائع بل إنها مسألة من مسائل الرأي أي أن الموقف منها هو مجرد وجهة نظر. ولعل أكثر مواقف وسائل الإعلام الغربي حيادا أي تنصلا بيروقراطيا من تبعات الانحياز للحق الصُّراح في مواجهة القوة الغاشمة هو ما ذهبت إليه إحدى الصحف عندما نشرت تحقيقا مطولا بعنوان: الإبادة في غزة : لماذا تثير المسألة انقساما بين أهل القانون؟ *إنه عقاب جماعي وحتى بعدما نشر الأكاديمي الإسرائيلي أومر بارتوف (الذي سبق أن خدم في جيش الاحتلال) مقالا مُزلزلا في النيويورك تايمز يدين دولته بعنوان: أنا أستاذ حقوق متخصص في مجال الإبادة. أعرف الإبادة عندما أراها فإن السي. إن. إن. لم تعدم حيلة في مجال استخدام العبارات الملطفة حيث قالت: منذ أن بدأت الحملة الإسرائيلية في غزة تجرّ تكاليفها البشرية الثقيلة (هكذا!) أخذ يحتدم سجال مشحون: هل تكون الدولة العبرية التي ولدت هي ذاتها من رحم الهولوكوست بصدد ارتكاب إبادة؟ ثم أشارت إلى أن مقال أومر بارتوف جدد هذا السجال . هذا كل ما في الأمر. القضية المحورية إذن ليست الإبادة وإنما هي السجال الذي ما إن يخفت حينا حتى يأتي من يجدده أو يحييه. وهكذا دواليك. ليس هناك وقائع تشهد ولا أدلة تعتبر ولا حجج تقنع. بحيث لو مضت وسائل الإعلام الغربي في اتباع هذا المنطق المتستر خلف دخان الحياد السمج لبقيت قرنا كاملا لا تفعل سوى جمع المزيد من وجهات النظر التي تؤجج السجال أو تُغْني النقاش كما يقولون ولكن دون التوصل إلى نتيجة. ذلك أن قتل امرئ في شارع خصوصا إذا كان غربيا أو إسرائيليا جريمة لا تغتفر أما إبادة شعب كامل فمسألة فيها نظر! والحال أن بارتوف قال بكل وضوح إن الإبادة الإسرائيلية واقعة حاصلة ومستمرة: أعتقد أن الغاية كانت ولا تزال تتمثل في حمل السكان على مغادرة القطاع أصلا أو بما أنه ليس لهم مكان يذهبون إليه في إضعاف الجيب المحاصر بالقصف المستمر والحرمان الشديد من الغذاء والماء الطاهر والمرافق الصحية والخدمات الطبية إلى حد يصير من المستحيل معه على الفلسطينيين في غزة أن يحافظوا على وجودهم الجماعي أو يعيدوا بناءه (..) إن هذا استنتاج من المؤلم أني توصلت إليه (منذ ماي 2024) مع أني صددته وقاومته طويلا ما استطعت. ولكن منذ ربع قرن وأنا ألقي محاضرات حول الإبادة بحيث إن في وسعي معرفة الإبادة عندما أراها . ولكن رغم كل هذا الوضوح فإن السي. إن. إن. لا تزال تحرص على لعب لعبة التوازن قائلة إن البروفسور بارتوف يؤكد أن الحصار الذي تضربه إسرائيل على غزة ينطبق عليه التعريف القانوني للإبادة (بينما) يتخذ أساتذة قانون ومعلقون آخرون موقفا مخالفا . والعجيب أن من هؤلاء المعلقين الذين تستشهد بهم السي. إن. إن. المعلق الصهيوني بريت ستيفنز الذي سبق أن تولى رئاسة تحرير مجلة جيروزالم بوست ! وبالتزامن مع مقال خبير الهولوكوست الإسرائيلي كتب الحقوقي البريطاني جوناثان سامبشن في مقال جريء: ليس لي أي موقف إيديولوجي من هذا النزاع. وإنما أتناوله باعتباري من أهل القانون والبحث التاريخي. على أني أتساءل أحيانا ما هو غير المقبول في عرف المدافعين عن إسرائيل؟ أفلم يتجاوز القدر الحالي من العنف الإسرائيلي في غزة المدى؟ إذ ليس هذا من قبيل الدفاع عن الذات ولا حتى من جنس الأضرار الجانبية التي لا يمكن تجنبها في الحروب. إنه عقاب جماعي وبعبارة أخرى انتقام يُثأر به لا من حماس وحدها بل من شعب بأكمله. إنه باختصار جريمة حرب . ومعروف أن المنظمتين الإسرائيليتين بتسليم وأطباء من أجل حقوق الإنسان أصدرتا أخيرا تقريرين لا لبس فيهما يؤكد كل منهما وجوب تسمية الإبادة باسمها الحقيقي قطعا بذلك مع تمارين البهلوانيات اللفظية التي يتعاطاها الإعلام الغربي. ولكن رغم هذا كله فإن لك أن تراهن أن معظم الإعلام الغربي سيستمر في لعب لعبة الحياد البيروقراطي ورمي كرة تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية في ملعب أساتذة القانون والمعلقين المتخالفين. حقوق النشر © 2024 أخبار اليوم الجزائرية . ة

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store