logo

الإعلام الغربي والإبادة: مسألة فيها نظر

بقلم: مالك التريكي
رغم تكاثر الأدلة الدامغة التي تدين إسرائيل بارتكاب جرائم حرب الإبادة بالتدمير والتقتيل والتجويع فإن كثيرا من وسائل الإعلام الغربية لا تزال تشير إلى هذه الحقيقة بعبارات ملطّفة من قبيل مسألة الإبادة أو جدل الإبادة أو سجال الإبادة إيحاء بأن واقعة الإبادة (المستمرة والموثقة والمصورة يوميا) لا تنتمي لمجال الوقائع بل إنها مسألة من مسائل الرأي أي أن الموقف منها هو مجرد وجهة نظر. ولعل أكثر مواقف وسائل الإعلام الغربي حيادا أي تنصلا بيروقراطيا من تبعات الانحياز للحق الصُّراح في مواجهة القوة الغاشمة هو ما ذهبت إليه إحدى الصحف عندما نشرت تحقيقا مطولا بعنوان: الإبادة في غزة : لماذا تثير المسألة انقساما بين أهل القانون؟
*إنه عقاب جماعي
وحتى بعدما نشر الأكاديمي الإسرائيلي أومر بارتوف (الذي سبق أن خدم في جيش الاحتلال) مقالا مُزلزلا في النيويورك تايمز يدين دولته بعنوان: أنا أستاذ حقوق متخصص في مجال الإبادة. أعرف الإبادة عندما أراها فإن السي. إن. إن. لم تعدم حيلة في مجال استخدام العبارات الملطفة حيث قالت: منذ أن بدأت الحملة الإسرائيلية في غزة تجرّ تكاليفها البشرية الثقيلة (هكذا!) أخذ يحتدم سجال مشحون: هل تكون الدولة العبرية التي ولدت هي ذاتها من رحم الهولوكوست بصدد ارتكاب إبادة؟ ثم أشارت إلى أن مقال أومر بارتوف جدد هذا السجال . هذا كل ما في الأمر. القضية المحورية إذن ليست الإبادة وإنما هي السجال الذي ما إن يخفت حينا حتى يأتي من يجدده أو يحييه. وهكذا دواليك. ليس هناك وقائع تشهد ولا أدلة تعتبر ولا حجج تقنع. بحيث لو مضت وسائل الإعلام الغربي في اتباع هذا المنطق المتستر خلف دخان الحياد السمج لبقيت قرنا كاملا لا تفعل سوى جمع المزيد من وجهات النظر التي تؤجج السجال أو تُغْني النقاش كما يقولون ولكن دون التوصل إلى نتيجة. ذلك أن قتل امرئ في شارع خصوصا إذا كان غربيا أو إسرائيليا جريمة لا تغتفر أما إبادة شعب كامل فمسألة فيها نظر!
والحال أن بارتوف قال بكل وضوح إن الإبادة الإسرائيلية واقعة حاصلة ومستمرة: أعتقد أن الغاية كانت ولا تزال تتمثل في حمل السكان على مغادرة القطاع أصلا أو بما أنه ليس لهم مكان يذهبون إليه في إضعاف الجيب المحاصر بالقصف المستمر والحرمان الشديد من الغذاء والماء الطاهر والمرافق الصحية والخدمات الطبية إلى حد يصير من المستحيل معه على الفلسطينيين في غزة أن يحافظوا على وجودهم الجماعي أو يعيدوا بناءه (..) إن هذا استنتاج من المؤلم أني توصلت إليه (منذ ماي 2024) مع أني صددته وقاومته طويلا ما استطعت. ولكن منذ ربع قرن وأنا ألقي محاضرات حول الإبادة بحيث إن في وسعي معرفة الإبادة عندما أراها . ولكن رغم كل هذا الوضوح فإن السي. إن. إن. لا تزال تحرص على لعب لعبة التوازن قائلة إن البروفسور بارتوف يؤكد أن الحصار الذي تضربه إسرائيل على غزة ينطبق عليه التعريف القانوني للإبادة (بينما) يتخذ أساتذة قانون ومعلقون آخرون موقفا مخالفا . والعجيب أن من هؤلاء المعلقين الذين تستشهد بهم السي. إن. إن. المعلق الصهيوني بريت ستيفنز الذي سبق أن تولى رئاسة تحرير مجلة جيروزالم بوست !
وبالتزامن مع مقال خبير الهولوكوست الإسرائيلي كتب الحقوقي البريطاني جوناثان سامبشن في مقال جريء: ليس لي أي موقف إيديولوجي من هذا النزاع. وإنما أتناوله باعتباري من أهل القانون والبحث التاريخي. على أني أتساءل أحيانا ما هو غير المقبول في عرف المدافعين عن إسرائيل؟ أفلم يتجاوز القدر الحالي من العنف الإسرائيلي في غزة المدى؟ إذ ليس هذا من قبيل الدفاع عن الذات ولا حتى من جنس الأضرار الجانبية التي لا يمكن تجنبها في الحروب. إنه عقاب جماعي وبعبارة أخرى انتقام يُثأر به لا من حماس وحدها بل من شعب بأكمله. إنه باختصار جريمة حرب .
ومعروف أن المنظمتين الإسرائيليتين بتسليم وأطباء من أجل حقوق الإنسان أصدرتا أخيرا تقريرين لا لبس فيهما يؤكد كل منهما وجوب تسمية الإبادة باسمها الحقيقي قطعا بذلك مع تمارين البهلوانيات اللفظية التي يتعاطاها الإعلام الغربي. ولكن رغم هذا كله فإن لك أن تراهن أن معظم الإعلام الغربي سيستمر في لعب لعبة الحياد البيروقراطي ورمي كرة تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية في ملعب أساتذة القانون والمعلقين المتخالفين.
حقوق النشر © 2024 أخبار اليوم الجزائرية . ة
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الإعلام الغربي والإبادة: مسألة فيها نظر
الإعلام الغربي والإبادة: مسألة فيها نظر

أخبار اليوم الجزائرية

timeمنذ 18 ساعات

  • أخبار اليوم الجزائرية

الإعلام الغربي والإبادة: مسألة فيها نظر

بقلم: مالك التريكي رغم تكاثر الأدلة الدامغة التي تدين إسرائيل بارتكاب جرائم حرب الإبادة بالتدمير والتقتيل والتجويع فإن كثيرا من وسائل الإعلام الغربية لا تزال تشير إلى هذه الحقيقة بعبارات ملطّفة من قبيل مسألة الإبادة أو جدل الإبادة أو سجال الإبادة إيحاء بأن واقعة الإبادة (المستمرة والموثقة والمصورة يوميا) لا تنتمي لمجال الوقائع بل إنها مسألة من مسائل الرأي أي أن الموقف منها هو مجرد وجهة نظر. ولعل أكثر مواقف وسائل الإعلام الغربي حيادا أي تنصلا بيروقراطيا من تبعات الانحياز للحق الصُّراح في مواجهة القوة الغاشمة هو ما ذهبت إليه إحدى الصحف عندما نشرت تحقيقا مطولا بعنوان: الإبادة في غزة : لماذا تثير المسألة انقساما بين أهل القانون؟ *إنه عقاب جماعي وحتى بعدما نشر الأكاديمي الإسرائيلي أومر بارتوف (الذي سبق أن خدم في جيش الاحتلال) مقالا مُزلزلا في النيويورك تايمز يدين دولته بعنوان: أنا أستاذ حقوق متخصص في مجال الإبادة. أعرف الإبادة عندما أراها فإن السي. إن. إن. لم تعدم حيلة في مجال استخدام العبارات الملطفة حيث قالت: منذ أن بدأت الحملة الإسرائيلية في غزة تجرّ تكاليفها البشرية الثقيلة (هكذا!) أخذ يحتدم سجال مشحون: هل تكون الدولة العبرية التي ولدت هي ذاتها من رحم الهولوكوست بصدد ارتكاب إبادة؟ ثم أشارت إلى أن مقال أومر بارتوف جدد هذا السجال . هذا كل ما في الأمر. القضية المحورية إذن ليست الإبادة وإنما هي السجال الذي ما إن يخفت حينا حتى يأتي من يجدده أو يحييه. وهكذا دواليك. ليس هناك وقائع تشهد ولا أدلة تعتبر ولا حجج تقنع. بحيث لو مضت وسائل الإعلام الغربي في اتباع هذا المنطق المتستر خلف دخان الحياد السمج لبقيت قرنا كاملا لا تفعل سوى جمع المزيد من وجهات النظر التي تؤجج السجال أو تُغْني النقاش كما يقولون ولكن دون التوصل إلى نتيجة. ذلك أن قتل امرئ في شارع خصوصا إذا كان غربيا أو إسرائيليا جريمة لا تغتفر أما إبادة شعب كامل فمسألة فيها نظر! والحال أن بارتوف قال بكل وضوح إن الإبادة الإسرائيلية واقعة حاصلة ومستمرة: أعتقد أن الغاية كانت ولا تزال تتمثل في حمل السكان على مغادرة القطاع أصلا أو بما أنه ليس لهم مكان يذهبون إليه في إضعاف الجيب المحاصر بالقصف المستمر والحرمان الشديد من الغذاء والماء الطاهر والمرافق الصحية والخدمات الطبية إلى حد يصير من المستحيل معه على الفلسطينيين في غزة أن يحافظوا على وجودهم الجماعي أو يعيدوا بناءه (..) إن هذا استنتاج من المؤلم أني توصلت إليه (منذ ماي 2024) مع أني صددته وقاومته طويلا ما استطعت. ولكن منذ ربع قرن وأنا ألقي محاضرات حول الإبادة بحيث إن في وسعي معرفة الإبادة عندما أراها . ولكن رغم كل هذا الوضوح فإن السي. إن. إن. لا تزال تحرص على لعب لعبة التوازن قائلة إن البروفسور بارتوف يؤكد أن الحصار الذي تضربه إسرائيل على غزة ينطبق عليه التعريف القانوني للإبادة (بينما) يتخذ أساتذة قانون ومعلقون آخرون موقفا مخالفا . والعجيب أن من هؤلاء المعلقين الذين تستشهد بهم السي. إن. إن. المعلق الصهيوني بريت ستيفنز الذي سبق أن تولى رئاسة تحرير مجلة جيروزالم بوست ! وبالتزامن مع مقال خبير الهولوكوست الإسرائيلي كتب الحقوقي البريطاني جوناثان سامبشن في مقال جريء: ليس لي أي موقف إيديولوجي من هذا النزاع. وإنما أتناوله باعتباري من أهل القانون والبحث التاريخي. على أني أتساءل أحيانا ما هو غير المقبول في عرف المدافعين عن إسرائيل؟ أفلم يتجاوز القدر الحالي من العنف الإسرائيلي في غزة المدى؟ إذ ليس هذا من قبيل الدفاع عن الذات ولا حتى من جنس الأضرار الجانبية التي لا يمكن تجنبها في الحروب. إنه عقاب جماعي وبعبارة أخرى انتقام يُثأر به لا من حماس وحدها بل من شعب بأكمله. إنه باختصار جريمة حرب . ومعروف أن المنظمتين الإسرائيليتين بتسليم وأطباء من أجل حقوق الإنسان أصدرتا أخيرا تقريرين لا لبس فيهما يؤكد كل منهما وجوب تسمية الإبادة باسمها الحقيقي قطعا بذلك مع تمارين البهلوانيات اللفظية التي يتعاطاها الإعلام الغربي. ولكن رغم هذا كله فإن لك أن تراهن أن معظم الإعلام الغربي سيستمر في لعب لعبة الحياد البيروقراطي ورمي كرة تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية في ملعب أساتذة القانون والمعلقين المتخالفين. حقوق النشر © 2024 أخبار اليوم الجزائرية . ة

خطاب الهولوكوست في زمن الإبادة: شهادة إسرائيلية
خطاب الهولوكوست في زمن الإبادة: شهادة إسرائيلية

أخبار اليوم الجزائرية

timeمنذ 3 أيام

  • أخبار اليوم الجزائرية

خطاب الهولوكوست في زمن الإبادة: شهادة إسرائيلية

بقلم: صبحي حديدي ليس البتة عادياً أو مفتقراً إلى جسارة أخلاقية وسياسية وتاريخية ذلك السؤال الذي طرحه مؤخراً عاموس غولدبرغ الأكاديمي والمؤرخ الإسرائيلي المختصّ على نحو متميز بأسئلة الهولوكوست وشتى إشكالياته: ما معنى ذاكرة الهولوكوست في الواقع الراهن حين تكون إسرائيل ومعظم الغرب خاصة الولايات المتحدة وألمانيا ـ وهما بلدان جعلا ذاكرة الهولوكوست مكوّناً مركزياً في هويّتيهما واشتراطاً أخلاقياً على العالم ــ ترتكب الإبادة الجماعية؟ . كان في المقابل سيبدو مألوفاً وبالتالي مدعاة قدح وذمّ وتعريض وتحريض لو أتى السؤال من مستنكر رافض لحرب الإبادة التي تواصل دولة الاحتلال ارتكابها في قطاع غزّة منذ أكثر من 22 شهراً متعاقبة أو لو صدر السؤال من متعاطف مع أطفال ونساء وشيوخ القطاع ضحايا جرائم حرب التدمير العشوائي الممنهج والتجويع والتعطيش والتهجير والحصار وحظر إدخال المساعدات وقصف المشافي ومخيمات اللجوء بصرف النظر عن جنسية الرافض أو المتعاطف. لكن غولدبرغ ليس يهودياً إسرائيلياً معارضاً على طريقة أمثال عاموس عوز ودافيد غروسمان من جماعات الاكتفاء بـ العتب على سياسات الاحتلال والاستيطان والعنصرية الإسرائيلية بل هو أكاديمي ومؤرخ راديكالي صاحب نظرة متوازنة إلى مآسي المحرقة اليهودية والنكبة الفلسطينية على حدّ سواء. ضمن أبرز مؤلفاته كما تابعتها هذه السطور في ترجمات إلى الإنكليزية ثمة كتابه تسويق الشرّ: ذاكرة الهولوكوست في عصر العولمة 2015 و الصدمة (تروما) في ضمير المتكلم: كتابة المذكرات خلال الهولوكوست 2017 ثمّ والأهمّ ربما بتأليف مشترك مع الأكاديمي الفلسطيني بشير بشير: الهولوكوست والنكبة: الذاكرة الهوية القومية والشراكة اليهودية ـ العربية 2017 أيضاً. وبعض أهمية هذا الكتاب قد تبدأ من أنه شكّل سابقة لكتاب مشترك لاحق أشرف غولدبرغ وبشير على تحريره وصدر سنة 2018 بعنوان الهولوكوست والنكبة: نَحْوٌ جديدٌ للصدمة والتاريخ ساجلا فيه حول ذاكرة فلسطينية ـ إسرائيلية بديلة تفضي إلى ثنائية قومية متساوية تحلّ محلّ ذاكرة هولوكوست غربية وإسرائيلية سائدة . * المكوّنات الاستعمارية الإجرامية للصهيونية وسؤال غولدبرغ الأحدث المشار إليه أعلاه والذي جاء في مقال نُشر مؤخراً بعنوان ذاكرة الهولوكوست في زمن الإبادة الجماعية يرتبط في يقينه مع حرب الإبادة الراهنة في قطاع غزّة وهو جوهري اليوم أكثر من أي وقت مضى . وذاك الزمن الذي يقصده غولدبرغ هو السنوات الأكثر مغزى في تأطير الهولوكوست وترسيخ ذاكرته طواعية أو قسراً أحياناً خلال عقدين بين 1980 و2005 حين اُنشئت معاهد ومؤسسات وظهرت أعمال فنية وترسخت أجواء جماعية: فيلم كلود لانزمان المحرقة 1985 إطلاق مجلة دراسات الهولوكوست والإبادة الجماعية 1986 افتتاح متحف ذاكرة الهولوكوست في واشنطن 1993 إنتاج فيلم لائحة شندلر ذلك العام أيضاً تأسيس مجموعة عمل التعاون حول تعليم واستذكار وأبحاث الهولوكوست 1998 تدشين نصب اليهود القتلى في أوروبا برلين 2005 افتتاح متحف ياد فاشيم الجديد في القدس تلك السنة وأخيراً قرار الأمم المتحدة باعتبار 27 جانفي يوماً عالمياً لاستذكار الهولوكوست. غير أنه ومنذ البدء وقع توتر بين الطرازين لأنّ الأول لاح كونياً والثاني أخذ يقتصر على المنفرد ويركز حصرياً على اليهود وتوجّب تالياً أن تسعى ذاكرة الهولوكوست إلى المصالحة بينهما أو التوفيق أو حتى تعميم المفرد على الجمع خاصة حين يتصل الأمر بدولة الاحتلال. ويذكّر غولدبرغ بذلك التوسيع الحاسم في اعتبار التعاطف والتضامن مع الكيان الصهيوني بمثابة ردّ أخلاقي أقصى على نزعة العداء للسامية في أوروبا والتي بلغت اوجها في الهولوكوست ذاته. ولكن حين تعمّق الاحتلال وصار منظومة أبارتيد صريحة وعادت ذاكرة النكبة إلى الظهور مجدداً باتت إسرائيل تُرى كدولة لاديمقراطية بازدياد تنتهك جدياً حقوق الإنسان للفلسطينيين . وهكذا يتابع غولدبرغ أخذ يتجاور مع خطاب الهولوكوست خطابٌ جديد دخل الأكاديمية والثقافة في الغرب خلال السنوات ذاتها هو خطاب ما بعد الاستعمار الذي انبثق أولاً في جنوب العالم ثمّ هاجر إلى الجامعات الأمريكية والأوروبية وأحدث ثورة في كيفية نظرة الغربيين إلى أنفسهم وثقافتهم وتاريخهم بطريقة أكثر نقداً . ولقد تطوّر احتقان بين خطاب الهولوكوست وخطاب ما بعد الاستعمار حول مرجعيات مادية أو رمزية عموماً ثمّ بصفة خاصة حول قضية فلسطين/ إسرائيل. ويبنما عملت دولة الاحتلال على تثبيت صورتها كبلد للناجين من الهولوكوست وطن لضحايا آخَر أوروبا مستأثرة بقيمة أخلاقية أو حتى شبه مقدسة في خطاب الهولوكوست سلّط خطاب ما بعد الاستعمار الأضواء على المكوّنات الاستعمارية الإجرامية للصهيونية ودولة الاحتلال ذاتها خاصة في جانب الاستعمار الاستيطاني. *القبة الحديدية الخطابية وضمن إطار ما يطلق عليه غولدبرغ تسمية القبة الحديدية الخطابية التي اعتمدتها دولة الاحتلال خلال مواجهاتها مع الخطابات التي لا تُدرج القراءة الإسرائيلية الاحتكارية لسردية الهولوكوست انتقلت مضامين الاحتقان والتوتر إلى مستويات أعلى من الصدام مع تعاظم الانتهاكات الإسرائيلية للحقوق الفلسطينية عامة وارتكاب جرائم الحرب هنا وهناك وفي قطاع غزّة خصوصاً. وأحد ميادين التصارع كان مثابرة دولة الاحتلال ومجموعات الضغط الصهيونية الموالية لها على تحويل أيّ نقد للسياسات والانتهاكات الإسرائيلية إلى عداء للسامية حتى إذا صدر عن شخصيات يهودية. وذات يوم من باب الذكرى أيضاً كاد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أن يدخل التاريخ اليهودي بوصفه أوّل زعيم عربي يزور متحف الهولوكوست في واشنطن فيدشّن خطوة تصالح رمزية بالغة الدلالة بين الضمير العربي والضمير اليهودي من جهة وبين التاريخ الفلسطيني وتاريخ الهولوكوست من جهة ثانية وبصفة خاصة. كان هذا على الأقلّ هو الغرض الأبعد الذي سعى إليه دنيس روس ومساعده أرون ميلر إذْ حثّا عرفات على القيام بالزيارة فكلاهما يهودي وكلاهما عضو في مجلس إدارة المتحف وكلاهما كان يشغل منصباً رفيعاً في الخارجية الأمريكية. ما حدث بعدئذ أسقط مقترح الرمز والتصالح وعزّز الحكايات العتيقة المتأصلة حول احتكار اليهودي لعقدة الضحية وممارسة دور الجلاد في آن معاً. في البدء وافقت إدارة المتحف (وهو للإيضاح مؤسسة فدرالية أمريكية وليس ملكية خاصة) ثم حجبت حقّ عرفات في معاملة الـ VIP المخصصة لكبار الزوار وتفضلت عليه بحقّ الدخول كأيّ زائر عادي ثم تلكأت وتأتأت حتى اقتنع عرفات أنّ الزيارة في صيغتها هذه سوف تنطوي على مهانة شخصية له قبل إهانة شعبه. غولدبرغ لا يستذكر هذه الواقعة حين يتحدث عن أيّ مستوى للتصالح بين ذاكرة الهولوكوست وذاكرة النكبة أو على الأقلّ تطوير حسّ ضئيل بالتنازل عن احتكار موقع الضحية والتشارك فيه مع الآخرين ما دام من المحال على الكيان الصهيوني أن يتوقف عن الإجرام الاستعماري والاستيطاني والعنصري في سائر فلسطين. لكن غولدبرغ يفصّل القول في أنّ الطور الراهن من خطاب الهولوكوست الصهيوني والإسرائيلي في أوّل المطاف وآخره يتابع ستراتيجيات التمويه والتزييف والتحوير ذاتها حين تكون فظائع الإبادة الجماعية وأهوال جرائم الحرب أشدّ وحشية وعنفاً وهمجية من أن يغطي عليها أي ترحيل إلى ذاكرة الهولوكوست. وليست آراء مؤرخ وأكاديمي مثل غولدبرغ سوى شهادة من داخل دولة الاحتلال ومن خلف المتاريس ذاتها التي تسيّج الغالبية الساحقة من مؤسسات إنتاج الخطاب الصهيوني الانفرادي: حول الهولوكوست واحتكار عذاباته وتجميل آلام فلسطينية ليست أقلّ فظاعة والاستمرار في الإبادة وكأنّ خطاب الهولوكوست ساتر و… قبّة وقاية وردع وعربدة. حقوق النشر © 2024 أخبار اليوم الجزائرية . ة

تحيّة إلى الأستاذ رشيد الخالدي!
تحيّة إلى الأستاذ رشيد الخالدي!

الشروق

timeمنذ 4 أيام

  • الشروق

تحيّة إلى الأستاذ رشيد الخالدي!

الأستاذ رشيد الخالدي أمريكي من مواليد 1948 بنيويورك، وهو عضو الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم، ومؤرخ مختص في الشرق الأوسط. يدرّس الخالدي بجامعة كولومبيا (نيويورك) العريقة بوصفه 'أستاذ كرسي'، وهي درجة من الأستاذية تُمنح لأستاذ جامعي بلغ مرتبة راقية نتيجة إنجازاتهم البحثية والأكاديمية المرموقة. وقد برزت جامعة كولومبيا في المدة الأخيرة بنضال المنتسبين إليها من طلبة وأساتذة المؤيد لفلسطين ونصرة غزة. ولذا ركّزت الإدارة الأمريكية على مضايقتها -كما فعلت وتفعل مع جامعات أخرى- ولم ترضخ الجامعة للقيود المفروضة عليها إلا في الآونة الخيرة. وهذا ما جعل الأستاذ الخالدي ينتفض ويوجه رسالة مفتوحة إلى نائب رئيس الجامعة يعلن فيها عن قراره الحاسم: 'قضيتُ عقودًا في جامعة كولومبيا. وسأنسحب من تدريس مقرري الدراسي الخريفي'. إليك مضمون هذه الرسالة. هيئة تخلط المفاهيم عمدًا، وكذبًا، ومخادعةً يقول الخالدي موجها خطابه لنائب رئيس الجامعة: 'أكتب إليكم رسالة مفتوحة لأنكم رأيتم من المناسب إبلاغي بالقرارات الأخيرة التي اتخذها مجلس الأمناء والإدارة. هذه القرارات، التي اتُّخذت بالتعاون الوثيق مع إدارة ترامب، ستحول دون تدريسي لمقرر تاريخ الشرق الأوسط الحديث، وهو مجال تخصصي وتدريسي لأكثر من 50 عامًا، أمضيت 23 عامًا منها في جامعة كولومبيا. ورغم تقاعدي، كان من المقرر أن أقدم محاضرات موسعة حول هذا الموضوع في الخريف بصفتي 'محاضرًا خاصًا'، لكنني لا أستطيع القيام بذلك في ظل القيود التي قبلتها جامعة كولومبيا باستسلامها لإدارة ترامب'. 'وعلى وجه التحديد، من المستحيل تدريس هذا المقرر (وغيره الكثير) في ضوء اعتماد جامعة كولومبيا لتعريف مصطلح 'معاداة السامية' بالمعنى الذي تبناه 'التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست' (IHRA). ذلك أن هذه الهيئة تخلط في تعريفها عمدًا، وكذبًا، ومخادعةً بين اليهودية وإسرائيل بحيث يُصبح أي انتقاد لإسرائيل، أو حتى وصف لسياساتها، نقدًا لليهود. وقد نفى الأستاذ كينيث ستيرن Kenneth Stern، أحد المشاركين في وضع تعريف هذه الهيئة استخداماته الحالية، مشيرًا إلى تأثيره المُخيف المُحتمل. ومع ذلك، أعلنت جامعة كولومبيا أنها ستُستخدمه كدليل في الإجراءات التأديبية'. 'وبموجب هذا التعريف لمعاداة السامية، الذي يخلط بشكل سخيف بين انتقاد الدولة القومية، وإسرائيل، والأيديولوجية السياسية، والصهيونية، وكراهية اليهود، فمن المستحيل أن ندرّس بالنزاهة المتوخاة مواضيع مثل تاريخ إنشاء إسرائيل، والنكبة الفلسطينية التي تدور رحاها الآن، والتي بلغت ذروتها في الإبادة الجماعية المرتكبة من قبل إسرائيل في غزة بتواطؤ ودعم من الولايات المتحدة ومعظم دول أوروبا الغربية. 'الجامعة الأمريكية باتت هدفا في ظلّ ثورة ترامب الشمولية على مؤسسات المجتمع المدني' ثم يلاحظ الخالدي أن دروسه حول تاريخ الأرمن أو التركيا أو إيران أو أنظمة العالم العربي بكل ما فيها من مآسٍ تخضع لتحليل مُفصّل وحرّ في محاضراته دون قيود تفرضها الجامعة. أما إجراء وصف مبسّط للطبيعة العنصرية لقانون الدولة القومية الإسرائيلي لعام 2018 -الذي ينص على أن الشعب اليهودي وحده له حق في تقرير المصير في إسرائيل، دون منح نفس الحق للفلسطينيين الذين يشكلون نصف السكان- أو لطبيعة الفصل العنصري التي تُسيطر بها إسرائيل على ملايين الفلسطينيين الذين يرزحون تحت الاحتلال العسكري منذ 58 عامًا، سيكون مستحيلًا في مقرر تاريخ الشرق الأوسط بموجب تعريف مفهوم 'معاداة السامية' التي تبنته الجامعة'. 'استسلام جامعة كولومبيا لإملاءات ترامب لا يمسّ حرية التعبير والحرية الأكاديمية للأساتذة فحسب، بل إنّ المساعدين في التدريس سيجدون أنفسهم مقيّدين بشدة في تدخلاتهم، تمامًا كما سيُكبَت الطلاب في أسئلتهم ومناقشاتهم، خوفًا من الوجود الدائم لمخبرين قد يُبلّغون عنهم إلى الجهاز القمعي الذي أنشأته جامعة كولومبيا لمعاقبة كل من يوجّه انتقادًا لإسرائيل، تحت ذريعة محاربة التمييز – والذي صار، في هذه المرحلة من التاريخ، لا يعني في معظم الحالات سوى معارضة الإبادة الجماعية الجارية حاليا. لقد تمّ إخضاع عشرات الطلاب وعدد كبير من الأساتذة لما يشبه محاكمات صورية، كما تمّ طرد طلاب، مثل محمود خليل، من السكن الجامعي. وقد وعدت جامعة كولومبيا الآن بجعل هذا النظام القمعي أكثر قسوة وغموضًا'. لقد صرّحتم بأنه لم يتم تجاوز أي 'خط أحمر' من خلال هذه القرارات. ومع ذلك، قامت جامعة كولومبيا بتعيين نائب لرئيس الجامعة كان مكلفا في البداية بمراقبة الدراسات الشرق أوسطية، وفرضت على الأساتذة والموظفين حضور 'دورات تدريبية' حول 'معاداة السامية'، تُقدَّم من قبل منظمات مثل 'رابطة مكافحة التشهير' (Anti-Defamation League) التي تعتبر تقريبًا أي انتقاد للصهيونية أو لإسرائيل بأنه معادٍ للسامية، ومثل 'مشروع شيما' (Projet Shema) الذي تربط تدريباته بين العديد من الانتقادات المناهضة للصهيونية ومعاداة السامية'. رقابة المناهج وأعمال أبرز الأكاديميين كما وافقت الجامعة على تعيين مراقب 'مستقل' لمتابعة مدى التزام الأساتذة والطلبة بالسلوك المسموح به، وهو مراقب ينتمي إلى شركة نظّمت في جوان 2025 تكريما لإسرائيل. ووفقًا للاتفاق المبرم بين جامعة كولومبيا وإدارة ترامب، سيكون لهذا المراقب 'حق الوصول في الوقت المناسب إلى جميع الأشخاص المعنيين بالاتفاق من أجل التحدث إليهم، وزيارة جميع المرافق، والتدريبات، ومحاضر الاجتماعات، والجلسات التأديبية، وكذلك التقييمات المرتبطة بالاتفاق'. ومن الواضح أن قاعات الدروس ليست مستثناة من هذه الزيارات المحتملة من قِبل هؤلاء الأشخاص الذين لا ينتسبون إلى الجامعة. إن فكرة أن تُخضع عملية التدريس والمناهج وأعمال البعض من أبرز الأكاديميين لرقابة نائب رئيس الجامعة، أو 'مدرّبين' من هذا النوع، أو مراقب خارجي تابع لمثل هذه الشركة، هي فكرة بغيضة. إنها تمثّل نقيضًا تامًا للحرية الأكاديمية التي تزعمون -زورًا- أنها لن تُنتهك جراء هذا الاستسلام المُخزي أمام القوى المعادية للفكر التي تحرك إدارة ترامب'. إحتجاجات الجامعات الأمريكية: 'لا شك أن هذا الجيل يمتلك رؤية مختلفة للمسألة الفلسطينية' يؤسفني جدًا أن قرارات جامعة كولومبيا أجبرتني على حرمان ما يقرب من 300 طالب مسجّلين في هذا المقرر الشهير – كما فعل مئات من الطلبة على مدى أكثر من عقدين– من فرصة دراسة تاريخ الشرق الأوسط الحديث هذا الخريف. ورغم أنني لا أستطيع تعويضهم بشكل كامل عن حرمانهم من متابعة هذا المقرر فإنني أنوي تنظيم سلسلة من المحاضرات العامة في نيويورك مخصّصة لبعض جوانب هذا المقرر. وسيتم بثّها عبر الإنترنت وإتاحتها لاحقًا للمشاهدة. وسيتم التبرع بأيّ أرباح محتملة إلى جامعات غزة، التي دُمّرت جميعها على يد إسرائيل باستخدام ذخيرة أميركية، وهو ما يمثّل جريمة حرب لم ترَ جامعة كولومبيا ولا أي جامعة أميركية أخرى ضرورة للتعليق عليها. إن استسلام جامعة كولومبيا أدى إلى تحويلها من مؤسسة كانت في يوم من الأيام فضاءً للبحث الحرّ والتعلّم إلى نقيض الجامعة، إلى كيان فاقد لرسالته، وإلى منطقة مغلقة 'آمنة' محاطة بسياج مع المراقبة الإلكترونية على الدخول، وإلى مكان يسوده الخوف والاشمئزاز حيث يُملَى على الأساتذة والطلبة من فوق ما يجوز لهم تدريسه أو قوله تحت طائلة عقوبات صارمة. إنه لأمر مخزٍ. وكل ذلك لا هدف له سوى التستّر على أحد أعظم الجرائم في هذا القرن: الإبادة الجماعية الجارية في غزة، وهي جريمة صار قادة جامعة كولومبيا الآن متورطين فيها بالكامل. فتحية إلى الأستاذ رشيد الخالدي الذي لا يخشى تسمية الأمور بمسمياتها في وقت عزّ فيه الموقف الصريح داخل المؤسسات الأكاديمية الغربية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store